ملفات خاصة

 
 
 

جوائز عادلة وفنانون محبطون..

قراءة في نتائج مهرجان كان 2024

أحمد شوقي

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

انتهت قبل أيام الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان السينمائي، لتمنح لجنة تحكيم المسابقة الدولية التي رأستها المخرجة الأمريكية جريتا جرويج السعفة الذهبية، أكبر جوائز المهرجان، إلى مواطنها شون بيكر عن فيلمه "أنورا". اختيارات أرضت البعض، بينما وجدها آخرون ظلمت فيلمًا أفضل كان يستحق التتويج. لكنها ردود الأفعال المعتادة بعد الإعلان عن أي جوائز.

وبعد أن شاهدنا 22 فيلمًا تنافست في المسابقة، نقدم لكم هذا التحليل النقدي السنوي للأفلام الفائزة بالجوائز الرسمية لمهرجان كان 2024.

السعفة الذهبية: أنورا Anora – الولايات المتحدة

ذهبت السعفة إلى من يستحقها، المخرج الأمريكي شون بيكر صاحب المسيرة الخاصة الذي لا يتوقف عن تقديم شخصيات اعتاد البشر وصمها: العاملين في الجنس. البطلة هذه المرة راقصة في ملهى للتعري، اسمها الحقيقي أنورا لكنها تفضل اسم آني الذي ينفي جذورها الأوزبكية ويجعلها أكثر أمريكية. تقابل شاب يدعوها لتقابله للجنس مقابل المال، لكنها تكتشف كونه ابن ملياردير روسي. تتطور العلاقة بينهما حتى يعرض عليها الزواج، لينقلب حلمها بالسعادة إلى ليلة جنونية تخوضها عندما تعرف عائلة الشاب فترسل رجالها المخلصين لإنهاء الزيجة.

يبرع بيكر في ألا يتحول مسار الفيلم أبدًا إلى الميلودراما أو حتى للتعاسة، بل يتمكن المخرج المؤلف الموهوب ببراعة مدهشة من الحفاظ على مستوى مرتفع من خفة الظل، ومن القدرة على تطوير المواقف التي سبق مشاهدتها في الأفلام، والتي يتوقع الجمهور تلقائيًا مسارها، ليقودها في مسار مختلف كليًا. مسار انفجاري، صاخب، مليء بالصراخ والسباب وتصادمات القوى بين آني، وبين الرجال الثلاثة الذي يأخذونها في رحلة ليلية حافلة بالتقلبات.

لا الأشرار في "أنورا" أشرار، ولا هي الفتاة المغلوبة على أمرها، أو حتى الباحثة عن استغلال الفرصة للإمساك بالثروة. هم مجرد رجال في ورطة يحاولون حلّها للحفاظ على مصدر رزقهم، وهي مجرد فتاة عادية، دفعتها ظروفها لمهنتها فلم تكرهها، ووضعتها نفس الظروف في حكاية خيالية أرادت أن تصدق امتلاكها نهاية سعيدة. آني التي ترقص عارية للرجال كل ليلة لا تزال – للعجب – تؤمن بالحب، لكنها أيضًا تؤمن بكبريائها، وترفض أن يُمس، حتى لو كان الثمن أن تعود للملهى الليلي مرة أخرى.

يجمع "أنورا" بين القصة المشوقة الممتعة الصالحة لأن يتفاعل معها الجمهور بمختلف أطيافه، وبين الأفكار الذكية التي يمكن لمن يرغب أن يلمسها بين ثنايا الفيلم. هذه القدرة على التواصل مع القطاع الأعرض من المشاهدين ربما يكون أحد الدوافع الرئيسية وراء منح لجنة التحكيم الجائزة الأكبر لفيلم شون بيكر.

الجائزة الكبرى: كل ما نتخيله ضوءًا All We Imagine as Light (الهند)

بعدما انقطعت السينما الهندية عن مسابقة كان منذ عام 1993، جاءت المخرجة الموهوبة بايال كاباديا كي لا تكتفي بالعودة ببلدها للمسابقة، بل تتوج بالجائزة الكبرى، ثاني جوائز المهرجان أهمية، بفيلم رقيق، هادئ، تأملي، لكنه حافل بالدراما الأخاذة وباللحظات السينمائية، حيث تستكشف بطلات الفيلم الحب والصداقة والحميمية في أصعب مواقف ممكنة.

مجموعة من الممرضات تعملن في مستشفى عام بمدينة مومباي. الوصف وحده كاف لنتخيل قدر ما تلاقيه البطلات من معاناة وما تشاهدنه من آلام كل يوم، في مدينة عسيرة معقدة، مليئة بالأحلام الموءودة، لا سيما لو كانت صاحبتها أنثى، فما بالك لو كانت أنثى وحيدة تركها زوجها وهاجر فلم تعد تسمع منه إلا عندما يرسل هدايا غريبة تؤكد إنه لم يعد يتذكر الحياة في وطنه؟ أو لو كانت أنثى تحب شابًا من ديانة مختلفة في بلد يقوم أغلب تاريخه على الحروب بين الأديان والطوائف؟ أو امرأة يتم طردها من منزلها لصالح شركة تطوير عقاري بدون أي تعويض أو مسكن بديل؟

غير أن الحديث عن الحكاية والشخصيات فقط يظلم بايال كاباديا، لأنه يغفل أهم ما فيلمها: ما يحتويه من سينما. هذه مخرجة كبيرة، قادرة على خلق لحظات شديدة الخصوصية والحميمة، تستخدم أدوات شديدة التقشف على مستوى موقع التصوير والديكور والإضاءة (أغلب الفيلم مصور بمصادر ضوء طبيعية)، مستعينة بطاقم تمثيل رائع، لتخلق لحظات سينمائية لا تنسى، لحظات شاعرية تلامس أحيانًا الواقعية السحرية، وتنطلق من قدرة البشر دائمًا على إيجاد الضوء في أكثر المواقف عتمة.

جائزة لجنة التحكيم وأحسن ممثلة: إيميليا بيريز Emilia Perez (فرنسا)

من أكثر الأفلام المختلفة في المسابقة، يذهب المخرج الفرنسي الكبير جاك أوديار إلى المكسيك ليروي حكاية غريبة في موضوعها وتفاصيلها. الموضوع عن زعيم عصابة مكسيكية، مجرد عتيد فائق الذكورة، يضيق الخناق عنه فيستدعي محامية حسناء ليخبرها عن خطته للهرب من المأزق، والنابعة من حلم قديم يعيش داخله برع في إخفائه طويلًا: سيجري جراحة ويتحول امرأة!

يجري خوان ديل مونتى الجراحة ليخرج منها إيميليا بيريز، امرأة جديدة (تجسد الدورين الممثلة الإسبانية العابرة جنسيًا كارلا صوفيا جاسكون) تبدأ حياة مختلفة هناك في القارة الأوروبية. لكن ما أن تمر عدة أعوام إلا وتقرر إيميليا أن ترسل مستدعية الزوجة والأبناء الذين لا يعرفون شيئًا عما جرى للأب/ الزوج، مقدمة نفسها كعمّة لم يخبرهم خوان عنها، وسرعان ما تقرر إيميليا العودة إلى المكسيك، كسيدة أعمال ومُصلِحة اجتماعية، تؤسس منظمة للبحث عن الأشخاص المختفين، وأغلبهم من ضحايا العصابات التي كان خوان نفسه من زعمائها.

تبدو الحكاية ملائمة لفيلم هوليوودي جماهيري، لكن أوديار يتخذ قرارين يمنحا الفيلم قيمة فنية. أولهما حكي القصة في صورة فيلم غنائي musical تقوم فيه الشخصيات في مواقف عديدة بتقديم أغنيات كان لها أثرًا ساحرًا في جعل القصة قابلة للتصديق. أما الاختيار الثاني فهو تجاهل المواجهات الإجبارية التي يتوقعها الجمهور، فعندما تستدعي إيميليا الزوجة السابقة (نجمة الغناء سيلينا جوميز) يتوقع الكل أن هناك لحظة ستكتشف فيها الحقيقة لتواجه زوجها الذي صار امرأة، لكن المخرج يتعمد ألا تقع هذه المواجهة أو أي حدث مماثل، منطلقًا من الحقيقة الجوهرية التي يؤسسها الفيلم: أن خوان قد مات وإيميليا قد ولدت. مات المجرم العنيف وولدت امرأة قادرة على الحب والعطاء، فعندما تؤسس إيميليا منظمتها الخيرية تفعل ذلك لأنها راغبة فعلًا في إصلاح ما أفسدته قديمًا، لا لكي تستخدم الأمر كغطاء للتستر.

هذه الاختيارات تمنح الفيلم مذاقًا مغايرًا، جعله الفيلم الوحيد الذي جمع بين جائزتين، حيث لم تكتف لجنة جريتا جرويج بمنحه جائزتها الخاصة، بل قررت منح حائزة أحسن ممثلة لبطلاته الأربعة دفعة واحدة، لتعود كل من كارلا صوفيا جاسكون، وسيلينا جوميز، وزوي سالدانا، وأدريانا باز إلى بيتها حاملة جائزة أحسن ممثلة من مهرجان كان.

أحسن إخراج: ميجيل جوميز عن "جولة كبرى" – البرتغال

جائزة أخرى ذهبت إلى مستحقها، فلم يقدم أحدًا صنعة إخراجية ومذاقًا مختلفًا كما فعل أستاذ السينما البرتغالي ميجيل جوميز في "جولة كبرى Grand Tour"، الفيلم الذي يمتلك قصة فضفاضة، قد تبدو للوهلة الأولى بلا بوصلة، لكن جوميز يحولها ذهبًا من خلال مزج مدهش بين الأشكال والأساليب، ويأخذنا في جولة داخل المكان والزمان. المكان من بورما إلى سنغافورة إلى الفلبين إلى تايلاند وفايتنام واليابان والصين، والزمان بين الحاضر والماضي، بين آسيا المعاصرة، وتلك الخيالية، المنسوجة على الشاشة بذائقة هجين هي الأخرى، تجمع الهوس الاستشراقي بالانغماس داخل واقع كل بلد على حدة، بما يحمله الواقع طيّه من أسطورة.

الحكاية العامة عن ضابط بريطاني، يفر من خطيبته بعد سنوات لسبب غير مفهوم، ليقفز داخل سفينة تقوده في جولة لا تتوقف بين الأراضي الآسيوية. نقضي نصف زمن الفيلم مع الضابط قبل أن ننتقل لنتابع رحلة خطيبته وهي تقتفي آثاره بين البلاد هي الأخرى. اللغات تتغير، الحكايات تتبدل، اللقطات تمزج الروائي بالتسجيلي بمسرح خيال الظل، والمخرج يوظف حيلة إخراجية وراء الأخرى ليضعنا داخل فيلم أشبه بالحلم. جولة كبرى اسمًا ووصفًا، يصعب تلخيصها في الكلمات، لكن من يختبرها يعلم أن صانعها استحق جائزة الإخراج تحديدًا.

جائزة خاصة: بذرة التينة المقدسة (إيران)

جائزة خاصة أضافتها لجنة التحكيم للاحتفاء بالمخرج الإيراني محمد رسولوف، الذي كان في الأغلب ينتظر الحصول على جائزة أكبر، بعدما تمكن من الهروب من بلاده خلال أيام المهرجان بعد الحكم عليه بالسجن بتهمة الإساءة لسمعة البلاد، بسبب الفيلم الذي سيكون آخر أفلام رسولوف داخل إيران، والذي سيكون عليه أن يستقر في أوروبا ويبدأ طريقًا مختلفًا لصناعة الأفلام.

"بذرة التينة المقدسة" عمل شجاع، يتفاعل المخرج من خلاله مع الحراك الشعبي الذي اندلع في إيران عقب مقتل الفتاة مهسا أميني، من خلال ما يحدث لعائلة إيمان، الموظف الحكومي المخلص الذي تكتشف بناته طبيعة عمله عندما يتم ترقيته ليصير محققًا في المحاكم الثورية الإيرانية، دوره استجواب المتهمين وانتزاع اعترافات تقودهم غالبًا إلى الإعدام. الأب يحاول هضم متطلبات عمله الجديد، والبنات تتفاعلن مع ما يحدث في الشوارع من مظاهرات، بينما تسعى الأم للسيطرة على البيت والحفاظ على مكتسبات الأسرة.

لكن نوع الفيلم الذي يمتد لقرابة الثلاث ساعات يتغير عند نصف الطريق، عندما يفقد إيمان سلاحه الرسمي داخل المنزل، ليجد نفسه مهددًا بضياع كل شيء، الأمر الذي يقوده لسلسلة من القرارات التي تفكك أوصال الأسرة. قرارات يستخدمها رسولوف لتقديم نقد عميق للنظام الإيراني، وللسلطة الأبوية بشكل عام. فيلم كان لعرضه في المهرجان صدى كبير، ونال كل الجوائز المستقلة الممكنة وعلى رأسها جائزة الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي)، لكن لجنة التحكيم اكتفت بمنحه هذه الجائزة الخاصة.

أحسن سيناريو: المادة (فرنسا، الولايات المتحدة)

كما ينقسم فيلم رسولوف إلى جزئين ينقسم فيلم المخرجة الفرنسية كورالين فارجيا "المادة The Substance" إلى نصفين كذلك: الأول خيال علمي يدور في عالم الجمال، والثاني رعب يدور في عالم القبح. سيناريو شديد الذكاء يجمع الجاذبية الجماهيرية بفكرة عميقة، تتعلق بالهوس بالجمال والشباب، وإدمان ما يجعل الإنسان نسخة أفضل من نفسه، ولو كان بشكل مؤقت (المخدرات)، أو بصورة تشوه الحقيقة (عمليات التجميل)، وكم من شخص وافق على أن يتآكل جسده وتتداعي روحه فقط كي يشعر بأنه أفضل لعدة ساعات.

دور بالغ الشجاعة تجسده النجمة ديمي مور، التي تجسد شخصية تكاد تكون صورة درامية من نفسها: نجمة كانت ملء السمع والبصر، قبل أن يمضي العمر وتتضاءل الأضواء المسلطة عليها. ممثلة قديمة تُقدّم برنامج رياضي صباحي لا يبدو أحدًا راضيًا عن نجاحه بسبب عمر نجمته المتقدم. "مع الخمسين كل شيء يختفي"، يقولها لها المنتج صراحة وهو يخبرها أن البرنامج سيتوقف لأن عمرها صار أكبر من أن توضع في مركز الاهتمام. يظهر الحل متمثلًا في مادة تروّجها جهة غامضة، تجعل خلايا جسدها تنتج نسخة أفضل وأجمل وأكثر شبابًا منها، بشرط وحيد هو أن تعيش كل نسخة من الاثنين أسبوعًا كاملًا فقط، ثم توضع في سبات صناعي لتعيش النسخة الثانية الأسبوع التالي وهكذا.

تجسد مارجيت كوايلي الشخصية الثانية، الشابة والأكثر جمالًا، التي تُمثل تشييء جسد المرأة وتحويله سلعة إعلامية، وهوسها هي نفسها بصورتها الجديدة التي تقرر بطبيعة الحال أن تضحي من أجلها بجسدها الحقيقي. دراما ذكية ومعاصرة، تطرح أسئلة ابنة لحظتنا الراهنة بأسلوب شيّق وإن امتلأ نصف الفيلم الثاني بمشاهد شديدة الوطأة من حيث القبح وإثارة التقزز. لكن اختلاف العمل عن المألوف، وقدرته المستمرة على المفاجأة جعلا إسناد جائزة السيناريو له اختيارًا منطقيًا مقنعًا.

أحسن ممثل: جيسي بليمونز عن "أنواع للطيبة" – اليونان، بريطانيا

في مقالنا عن فيلم المخرج يورجوس لانثيموس الجديد وصفنا جيسي بليمونز بأنه يسير شيئًا فشيئًا ليشغل المساحة الشاغرة التي تركها الرحيل المفاجئ للنجم فيليب سيمور هوفمان. مساحة الرجل الأبيض العادي الذي يمكنه أن يدخل في حكايات غير عادية، وهو باختصار موضوع "أنواع الطيبة Kinds of Kindness" الذي يروي فيه لانثيموس ثلاث حكايات متتالية جوهرها الإيمان والبعث، الإيمان بما يصعب تصديقه، والبعث من الرماد.

لجنة التحكيم وجدت في تنوع الشخصيات الثلاث التي لعبها بليموث سببًا كافيًا لمنحه جائزة أحسن ممثل، وهي مفارقة طريفة أن تنال جائزة أحسن ممثلة أربع ممثلات دفعة واحدة، بينما تذهب جائزة أحسن ممثل لفنان لعب ثلاثة أدوار في نفس الفيلم. جيسي بليموث جسد شخصية الموظف الذي يتمرد على رئيسه الذي يسيطر على كل تفاصيل حياته، والشرطي الذي تعود زوجته المفقودة من رحلة علمية أودت بحياة كل من فيها، فيبدأ الشك يتحرك داخله أن من عادت للمنزل ليست زوجته وإنما كائن ما ينتحل شخصيتها، ودور المؤمن الذي ينضم لجماعة سرية يقودها رجل غريب الأطوار، فيتبعه بلا تفكير ويتحرك مع زميلته بحثًا عن امرأة تصنع المعجزات.

بالرغم من عبثة التفاصيل في كل الحكايات، تمكن بليموث من الاحتفاظ بنبرة الجدية التي يتعامل بها يورجوس لانثيموس مع شخصياته، ليقدم أداءً مميزًا جاء له بالجائزة الأكبر في مسيرته حتى الآن.

 

موقع "في الفن" في

29.05.2024

 
 
 
 
 

«بذرة التين المقدس»..

رسولوف سائرًا على الخط الرفيع بين الفن والسياسة

أحمد شوقي

لم يكن الإيراني محمد رسولوف طيلة مسيرته أقرب لسعفة كان الذهبية مما كان عليه في اليوم السابق لحفل الختام. اجتمعت كل الظروف لتجعله المرشح المثالي للجائزة: بداية من قرار السلطات الإيرانية منع فيلمه “بذرة التينة المقدس The Seed of the Sacred Fig”، ثم الحكم عليه بالسجن بتهمة الإساءة لسمعة البلاد، ثم بدء المسابقة وتوالي الأفلام المعروضة فيها دون أن يظهر عمل مدهش يجتمع الكل عليه، وصولًا لتمكن رسولوف من الهرب إلى خارج إيران، ليعلن المهرجان حضوره عرض فيلمه في قبل يوم واحد من حفل الختام.

تكامُل كل هذه الظروف جعله بالطبع يُقابل باستقبال الفاتحين، ثم جاء الفيلم نفسه، بموضوعه المغامر وقدرات مخرجه الواضحة، ليضع رسولوف فورًا على رأس المرشحين للسعفة، وسرعان ما انهالت عليه الجوائز الفرعية الموازية، التي تمنحها جهات مختلفة وتُعلن نتائجها في الساعات السابقة للجوائز الرسمية، فنال الفيلم أربعة جوائز خلال أقل من 24 ساعة: جائزة الإتحاد الدولي للنقاد (فيبريسي)، جائزة لجنة التحكيم المسكونية Ecumenical التي يمنحها اتحاد الكنائس، جائزة فرانسوا شاليه لأحسن فيلم عن الحريات، وجائزة سينما آرت وإيساي Prix des Cinémas Art et Essai التي تمنحها شبكة توزيع الأفلام المستقلة في فرنسا.

كل الأمور كانت مهيئة إذن لأن يصعد محمد رسولوف لينال الجائزة الأرفع، إلا أن لجنة التحكيم التي رأستها الأمريكية جريتا جيرويج كان لها رأي آخر، فقررت منح السعفة الذهبية لفيلم رائع آخر هو “أنورا Anora” للأمريكي شون بيكر، واكتفت بمنح فيلم رسولوف جائزة خاصة من خارج اللائحة، وكأنها مجرد تنويه خاص حمل اسم الجائزة.

المشكلة هنا لا تكمن في الجائزة لأن المخرج سيتعين عليه أن يبدأ حياة جديدة بكل الأحوال بعدما أصبح لاجئًا سياسيًا مضطرًا لأن يقرر مكان حياته ونمط المشروعات التي سينجزها. الأزمة تكمن بالأساس في كون “بذرة التينة المقدس” هي تغريدته الإيرانية الأخيرة، ألقى رسولوف فيها بكل أوراقه السينمائية والسياسية، ليقدم مرافعة سينمائية من طراز رفيع ضد نظام حكم الملالي والسلطة الأبوية، لكنها مرافعة ختامية، يُدرك كل من يشاهدها أن صانعها كان يعلم بكونه الفيلم الأخير الذي سينجزه داخل وطنه، لينهي مرحلة رئيسية في حياته ويفتش عن مرحلة أخرى.

حكاية أسرة عادية

كي يدرك القارئ أبعاد الأمر دعنا نستعرض في البداية حكاية الفيلم. “إيمان” رجل ناجح ورب أسرة هادئة تضم زوجته وابنتيه المراهقتين، الأولى طالبة في الجامعة والثانية لا تزال في المدرسة. يتلقى ترقية مهنية تجعل من الضروري أن يكشف لابنتيه عن طبيعة وظيفته التي ظل يخفيها عنهما لسنين. فقد ترقي إيمان ليصير محققًا في المحاكم الثورية الإيرانية، دوره استجواب المتهمين وانتزاع الاعتراف منهم، وظيفة تعني تغيّر مستوى الأسرة المعيشي للأفضل، وتجعله يحلم بأن يصير قاضيًا خلال سنوات، لكنها تأتي بالتزامات على كل أفرد الأسرة الانصياع لها، منها المحافظة على الهيئة والملبس والأسلوب الإسلامي، والحياة في حذر من أي انتقام محتمل من المتهمين الذين يتعامل معهم الأب.

وكي تزداد الأمور تعقيدًا، تتزامن ترقية إيمان مع الانتفاضة الشبابية التي عاشتها إيران بعد مقتلمهسا أميني، ليجد “إيمان” نفسه في حالة انعدام وزن داخل المنزل وخارجه. داخل المنزل عليه التعامل مع صدمة الفتيات بمعرفة مهنة الوالد، مع تمردهما وتعاطفهما مع حراك زملاء الدراسة الذي يُعد تلقائيًا حراكًا ضد الأب وكل المزايا التي تتمتع بها الأسرة. أما خارج المنزل فعليه أن يقتل شعور الذنب داخله وهو يوقع تقارير ستودي ببعض المتهمين إلى المشنقة، ويتعلم كيف يتوجب عليه أن يحمل سلاحًا للمرة الأولى كي يدافع عن نفسه عند الضرورة.

خلال النصف الأول من الفيلم الذي يمتد لقرابة الثلاث ساعات، ينغمس رسولوف داخل دراما حياة تلك الأسرة. الأم “نجمة” منسحقة تمامًا أمام النظام الأبوي، زوجها هو مركز حياتها الذي يدور كل شيء حوله. وبما أنه جزء من النظام الحاكم، فالنظام لا بد أن يكون على صواب. “نجمة” مستفيدة من الوضع الراهن، وبالتالي مؤمنة به. لا تريد أن تسمع أصواتٍ تأتي من خارجه أساسًا، تحلم بأن تنتقل من الشقة إلى فيلا، وأن تمر الحياة بسلام، إلا أن المظاهرات التي لا تريد أن تتوقف تهدد سلامها المنتظر.

البنتان في المقابل تنتميان لجيل آخر بحسابات مختلفة، جيل تمثل وسائل التواصل الاجتماعي مصدره الرئيسي للمعرفة، يحلم أفراده بممارسة حياة طبيعية كأي مكان في العالم، لا تُجبر فيها النساء على وضع الحجاب رغمًا عن إرادتهن، ولا يُقبض فيه على الطلبة بسبب كلمة أو فعل لا يعجب نظام الملالي، ولا توقع فيه أحكام الإعدام بسهولة واعتيادية. لكن الابنتين “رزفان” و”سناء” ليستا ثوريتين كذلك، لو سارت الأمور بشكل هادئ لما فكرتا في أي فعل تمردي، لكن اشتعال الاحداث يدفعهما دفعًا نحو الدخول في مصادمة مع أقرب الناس، مصادمة تبدأ كلامية معتادة داخل أي بيت في بلد يعيش ثورة، لكنها سريعًا ما تتطور لما هو أعقد بكثير.

مصير غير عادي

بعد مرور ساعة ونصف من الدراما الأسرية ذات الطابع السياسي، وبعد مشاهد عديدة لمظاهرات الشباب ورد الفعل العنيف من قبل السلطات، ومشهد موجع لاستخراج شظايا خرطوش أطلق على وجه صديقة البنات الأكثر تحررًا، يكشف المخرج فجأة أن كل ما سبق كان مجرد تمهيد للقصة الحقيقية، سياق يجب أن يُحكي كي يكون الجمهور مستعدًا للنصف الثاني من الفيلم، والذي ينتهج أسلوبًا وإيقاعًا مختلفًا ليس فقط عن النصف الأول، ولكن عن السواد الأعظم من الأفلام الإيرانية التي شاهدناها طيلة سنوات.

الحدث المفجر للفيلم يقع عند منتصف الطريق: يكتشف إيمان اختفاء سلاحه الرسمي من داخل المنزل. الأمر الذي يمثل مصيبة عمومًا في أي وقت، لكن وقوعه مع موظف ترقى حديثًا لمنصبه، بعد أيام من تولي المنصب، وخلال اندلاع ثورة عارمة تقابلها السلطات بالعنف في البلاد، يُعد كارثة حقيقية ستنتهي في الأغلب بضياع كل ما حققه طيلة حياته المهنية، بل وبالزج به في السجن ثلاث سنوات عقابًا على ضياع سلاحه الحكومي.

هل ضاع المسدس داخل المنزل بالفعل؟ أم أن إيمان الذي يعيش تشوشًا واضحًا منذ تولي منصبه الجديد قد تركه في مكان آخر واختلط عليه الأمر؟ بعد دقائق من رحلة البحث نبدأ في إدراك أن الإجابة لا تفرق كثيرًا، فالأسرة قد تصدعت بالفعل في اللحظة التي بدأ فيها الشك في التسلسل بين أفرادها. عندما تكتشف فتاة أن والدها جلّاد يساهم كل يوم في تعذيب زملائها، وعندما يشك رجل في أهل بيته لدرجة أخذهم بنفسه إلى عملية استجواب مؤلمة خوفًا على سلامته وحفاظًا على وظيفته، فما يحدث بعد ذلك لن يفرق كثيرًا في حقيقة انفراط العقد الذي كان يجمع أبطالنا معًا.

صورة مصغرة ولكن

لا يحتاج الأمر لكثير من الفطنة كي نفهم أن أسرة إيمان هي ميكروكوزم (نموذج مصغر) لإيران، صورة للدولة التي تقودها قوة مؤدلجة تؤمن بامتلاكها الحقيقة المطلقة، وتتصور دفاعها عن الوطن ضد المؤامرات التي تحيط به، فتمنح نفسها حق التنكيل بمن يخالفها بحجة المصلحة العامة. وكما يُشكل صراع الأجيال عنصرًا بالغ الأهمية في كل ما يحدث في إيران من أحداث، تُشكل نفس الأجيال محاور الصراع داخل أسرة المحقق الذي تبخر حلمه في أن يغدو قاضيًا.

وكما يحدث لأي ديكتاتور في التاريخ، بمجرد أن يجد سلامته الشخصية على المحك، يبدأ الأب في اتخاذ قرارات عشوائية، منبعها الأساسي الرعب على نفسه، وانعدام ثقته في الجميع حتى في بناته. قرارات يمكن تفسيرها على محمل رمزي (لا سيما عندما تنتقل الأحداث إلى قرية الأب التي يمثل كل ركن فيها مجازًا بصريًا عن إيران ما قبل ثورة الخوميني)، لكن قيمتها تنبع بالأساس من قدرة رسولوف على تحريك الحكاية بقدر كبير من التشويق والمنطق في مستواها الأول، مستوى الأزمة والتفاعل بين الشخصيات، واستخدام عناصر البيئة المحيطة في إيجاد حلول درامية غير معتادة.

لو اكتفى رسولوف بما تحمله حكايته من رموز واضحة، لكان “بذرة التينة المقدس” قد صار فيلمًا مثاليًا، لكن الرجل الذي يتصارع داخله باستمرار شخصيتي الفنان ورجل الدعاية وجد أن فيلمه لن يكتمل سوى بوضع المزيد من لقطات الفيديو الأرشيفية لمظاهرات إيران وخلع الفتيات للحجاب، وكأنه يخشى ألا يفهم المشاهد (الغربي غالبًا) ما يقصده بحكايته، فكان كمن يروي نكتة ثم يلحقها بشرح المضحك فيها. هذا فيلم متميز كان بالإمكان أن يصير من الكلاسيكيات، لكن صانعه أراد التثبّت من امتلاك كل أسباب السعفة الذهبية، فانتهى به الأمر إلى تنويه خاص.

لا ينفي ما سبق كونه أحد أفضل أفلام كان، بل وأفضل أفلام العام كله. لا يمكن القطع أيضًا بأن ذلك كان سبب عدم حصوله على الجائزة، فقد يكون السبب ببساطة أن لجنة التحكيم أعجبها “أنورا” أكثر، لكنها مجرد طريقة للتفكير في الخط الرفيع الفاصل بين صناعة عمل فني يُفكر في السياسة وصناعة بيان سياسي يستخدم الفن. محمد رسولوف سار لأغلب زمن فيلمه الممتد في الجانب الفني، لكن المرات التي تجاوز فيها الخط نحو السياسة الصارخة؛ أفقدت العمل في صورته النهائية ما كان بالفعل بين يديه.

هل سيُعرض “بذرة التينة المقدس” في أحد المهرجانات العربية؟ أين سيعيش محمد رسولوف بعدما ترك وطنه؟ هل سيستمر في صناعة أفلام عن إيران ويبحث عن أماكن تشبهها، أم يجرب أن يحكي حكايات في سياقات أخرى؟ وهل يمكن أن يكون قد فقد فرصته الأكبر لنيل جائزة حَلِم بالتأكيد بها؟ كلها أسئلة شيقة سنعرف إجابة بعضها قريبًا، وسنظل نفتش على إجابات بعضها لسنوات طويلة.

 

####

 

يعقوب الفرحان: لم أتخيل أن أصل إلى كان يومًا ما!

احمد العياد

 يعد الفنان يعقوب الفرحان، من أكثر الفنانين السعوديين حضورًا في المهرجانات الدولية، فقد طاف فيلمه «سيدة البحر»، وهو أولى تجاربه الروائية الطويلة إلى مهرجانات فينيسيا وقرطاج والقاهرة والرباط وحصد الفيلم الذي أخرجته شهد أمين عددًا من الجوائز. والآن، بعد حوالي 5 سنوات من تلك التجربة الناجحة، ثبت الفرحان قدميه في تاريخ السينما السعودية بمشاركته في بطولة أول فيلم سعودي يشارك في واحدة من المسابقات الرسمية لمهرجان كان السينمائي الدولي، وهو فيلم «نورة» الذي حظي بإشادة خاصة من لجنة تحكيم مسابقة «نظرة ما». 

فاصلة التقت الفرحان في مدينة كان الفرنسية للحديث عن خياراته ومسيرته الفنية وكواليس صناعة «نورة» بعد لقائها بمخرج الفيلم توفيق الزايدي.

نورة.. الفرحة اثنتين

يعقوب الفرحان، بطل «نورة»، تحدث عن شعوره بالوصول إلى «كانّ»، وعن الاختلاف بين هذه التجربة، وتجاربه السابقة في المشاركة في المهرجانات العالمية، قائلًا: “أشعر أنني سوف أُقصِّر في حق اللحظة إذا ما حاولت توصيفها، لأن هناك جزء من سعادتي له علاقة بفرحتي الخاصة بالفيلم، وهناك جزء آخر متعلق بمعنى وجود الفيلم وفريق العمل في مهرجان كانّ”.

أضاف: “من أسباب سعادتي أيضًا هو هذا الامتنان لفرصة المشاركة في فيلم محلي بلغة سينمائية عالمية وتيمة عالمية يصل لجمهور مثل جمهور مهرجان كان السينمائي الدولي، ذلك الجمهور المتنوع من مختلف أنحاء العالم، وأن يكون الجمهور قادرًا على التواصل معك ويصدق ما تقوله ويتعاطف معك. أنا ممتن لتلك اللحظة والمكان”. 

«نورة» رحلة عمل طويلة

وكما هو معلن، فإن التحضير لفيلم «نورة» استغرق سنوات طويلة، حتى خرج للنور أخيرًا في 2024، ويُنتظر أن يصل للجمهور في نهاية يونيو المقبل

عن كواليس العمل قال الفرحان: “شعرت بجدية الموضوع في منتصف عام 2021، وقتها كنا قد وصلنا لمرحلة التجهيز للتصوير، وبدأنا التصوير عام 2022”.

تابع: “المشروع أخذ منا الكثير من الوقت، فعندما تلقينا القصة كنا في عام 2017، ثم مرت 4 سنوات قبل أن نبدأ التصوير، شاركت أثناءها في أعمال أخرى، لكني كنت على تواصل دائم مع توفيق الزايدي حتى أعرف إلى ماذا وصل، لكن لم يكن لديّ فكرة متى سنبدأ التصوير حتى منتصف عام 2021”.

ليس تنبؤًا، بل شعور داخلي

ولعل اللافت للنظر في مسيرة يعقوب الفرحان، هو ارتباط اسمه بأعمال قليلة، لكنها لا تخيب في اصطياد فرص المشاركة في المهرجانات، سواء في مهرجان كانّ مؤخرًا ومن قبله فينيسيا.

وعن إذا ما كان الفنان يتنبأ بذلك قبل الموافقة على العمل قال: “لدي حدس في بعض الأشياء، لكن لا أستطيع تفسيره تمامًا، وأظن أنني كممثل عندما يُعرض عليّ نصوص أستطيع التمييز إن كانت درجة جودتها وإحكامها تؤهلها لهذا النوع من النجاح. لكن أيضًا ارتباطي بصانع الفيلم أو المخرج هو ما يعطيني الشعور القوي بما يتجه إليه الفيلم”.

وعمّا إذا كان يوافق على عمل ما بسبب شعوره بالحرج من صناعه قال «الفرحان»: “لا.. لكن بالتأكيد هذا العنصر موجود بدرجة ما في مجالي السينما والتلفزيون، فمن الممكن أن تكون بعض المشروعات ناجحة والأخرى لا، لكن في المجمل لديّ استعداد أن أثق بصانع العمل واستثمر في شعور الناس تجاه الأشياء. أكيد لا أوافق بسهولة على العمل مع أي شخص، لكن إذا آمنت بالشيء أذهب معه للآخر”.

ما يحدث في الصناعة بالمملكة فاق التصور

يقول الفرحان إنه عندما بدأ عمله في المسرح، لم يتخيل يومًا أن تصل السينما السعودية إلى هذه الدرجة من التطور في هذا الوقت القصير، أو حتى ما وصل هو إليه في المهرجانات العالمية قائلًا: “لم أكن أتوقع أن يصبح الوضع هكذا، وأكيد الوضع أجمل بكثير مما تخيلته، والحمد لله على ذلك”.

وتابع: “أنا ممتن وأشعر أنني مبارك في كل تلك الخطوات. الرحلة ككل أهم شيء، فأحيانًا عندما تنظر لما قدمته على مدار عدة سنوات تشعر أن الموضوع يستحق”.

واستطرد: “لا أعرف إلى أين تأخذني الأشياء، لكن ما كنت أعرفه هو أنني إذا عملت لمدة 10 سنوات فعليّ أن أكون فخورًا بكل تلك السنوات، سواء كانت الأعمال وصلت أم لا، لكن ثقتي وحبي لما قدمته يعني لي الكثير”.

أرفض ما لا يشبهني

من المعروض عن يعقوب الفرحان في الأوساط الفنية السعودية بأنه صاحب “لا” قوية، فكثيرًا ما يرفض أعمالًا قد تُصنف بأنها “رخيصة”، وبسؤاله عن ذلك، وما إذا كان من الممكن أن يشارك في عمل تجاري قال: “نعم من الممكن التمثيل في عمل تجاري، لأن حساب البنك أحيانا هو من يحكم الأشياء، فأحيانا أوافق على بعض الأعمال من ذلك المنظور”.

وعن إذا ما كان قد شعر يومًا بالندم على رفضه لأعمال تجارية، قد حققت نجاحات كبرى بعد عرضها، قال: “لا يأتيني ذلك الشعور أبدًا، ولا أرغب في أن أكون أنانيًا فأنا سعيد بمسيرتي وراضي بما أقدمه والمكانة التي أتواجد بها، وأشعر أنني أشبه نفسي كثيرًا”.

وأشار «الفرحان» في نهاية حديثه أنه لا يحضر لأي عمل في الفترة المقبلة.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

29.05.2024

 
 
 
 
 

من «العزيمة».. افتحوا عيونكم للسما

خالد محمود

شاهدت قبل أيام قليلة بالصدفة فيلم «العزيمة »، إنتاج عام ١٩٣٩، ومع كلمة النهاية ، ألح علىّ سؤال كبير، كيف كنا بهذه العظمة والإبداع فى السينما الواقعية منذ حوالى ٧٥ عاما ، وكيف أصبحنا بهذا التراجع الإبداعى.

واقع الأمر أننى توقفت كثيرا أمام تلك التحفة السينمائية التى كتبها وأخرجها كمال سليم وقام ببطولتها حسين صدقى وفاطمة رشدى، حيث يظهر الأسلوب الواقعى فى ذلك العصر بصورة تبدو جديدة وملهمة، فالأفلام قبل ذلك كانت تدور فى القصور والسرايات أو الأماكن الشعبية أو فى حياة كواليس أهل الطرب والفن، ولكن بأفكار هزيلة تناسب سينما التسلية وليست سينما الفكر ومعالجة قضايا المجتمع، حتى جاء «العزيمة» ليكسر هذه القاعدة بتقديم رواية مصرية خالصة ودراما سينمائية ممتعة وإظهار الحارة المصرية وتفاصيلها وبشرها بكل ملامحهم وأحلامهم ويبرز أهمية صمود الانسان أمام مكائد الزمن حتى يتحقق له ما يريد وهنا جاء اسم الفيلم، كما أنه يبرز فكرة أن الحب الصادق بين اثنين لا يمكن أن ينتهى مهما تبدلت أحوال الدنيا بل سيبقى شامخا صامدا أمام أى عقبة تقف فى طريقه رافضا الاستسلام والخضوع.. وهو ما شاهدناه فى صورة محمد أفندى «حسين صدقى»، «فاطمة رشدى».

فى هذا الفيلم السابق لعصره بجرأته، واختيار المخرج كمال سليم لصلاح أبو سيف مساعدا له فى كتابة السيناريو وإدارة الإخراج والمونتاج، وذلك الاختيار كان نقطة الاكتشاف الأولى لقدرات صلاح أبو سيف الذى سار على نهج الواقعية وكان راسخا وأمينا فى واقعيته.

أعود إلى السؤال المحير.. لماذا كنا روادا وأصحاب نهج جديد وفكر متطور فى البدايات، ولما تهنا عن هذا الدرب فيما بعد، لماذا لم نبن على ما قدمه كمال سليم وأبو سيف وهما كانا شابين انذاك، لماذا مرت السينما المصرية بعد ذلك بموجات بين خفوت وصعود، هل فقدت الأجيال الأخرى شغف التجديد، هل استسلمت لمقدرات وفهلوة عصر.

أعرف أن ظروف وطريق صناعة العزيمة لم يكن مفروشا بالورود ، ولكن كانت هناك إرادة ووعى وحلم وهدف، وهو ما افتقدناه فى حقب أجيال لاحقة لو كانت قد تمسكت بالمكانة والروح التى سكنت كمال سليم، لأصبحت السينما المصرية فى مكانة أعلى.

ولكى أكون منصفا، هناك بعض أفراد الجيل الجديد من المخرجين المستقلين من يملكون الفكر والشغف والأدوات والحرفة ، لكنهم مشتتون بين أشياء كثيرة، منها الإنتاج والبحث عن ممول، وظروف السوق.

وهنا يجب أن نمد لهم يد المساعدة، أن نحتضنهم، ولتكن هناك جهة تتبع وزارة الثقافة تسمعهم وتناقش مشاريعهم وأفكارهم وتمولهم دون عوائق رقابية، وتسمح بعودة العزيمة.

عندما قرأت برقية تهنئة وزيرة الثقافة بفوز الفيلم الوثائقى المصرى «رفعت عينى للسما» للمخرجين ندى رياض وايمن الامير، بجائزة العين الذهبية لمهرجان «كان» ودعت للاحتفاء بصناعه، قلت لنفسى، إلى من نترك هذا الجيل الذى يشق الصخر بمفرده، ونكتفى بمظاهر الاحتفال وركب موجة الاحتفاء بالجوائز، وهو ما حدث مع أفلام أخرى حققت إنجازات فى محافل دولية لمخرجين مصريين شباب، مثل أيتن أمين وفيلمها «سعاد» وسامح علاء وفيلمه «ستاشر: أخشى أن أنسى وجهك»، الفائز بالسعفة الذهبية لمسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان كان، وكذلك فيلم «ريش» للمخرج عمر زهيرى، احتفينا بهم وأخذنا اللقطات ، ثم تركناهم يبحثون عن صخر جديد ينحتونه، كنت أتمنى أن تأخذ الوزيرة قرارا بدعم مشاريع هؤلاء، إذا كانوا سيشكلون الصورة المشرفة لحاضر السينما المصرية ومستقبلها..

«افتحوا عيونكم للسما»

 

الشروق المصرية في

29.05.2024

 
 
 
 
 

فيلم «كل ما نتخيله ضوء»:

نساء محملات بالأمنيات في المدينة الكبيرة

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: في أحد مشاهد فيلم «كل ما نتخيله ضوء» للمخرجة الهندية بايال كاباديا، الذي فاز بالجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان كان في دورته السابعة والسبعين (14 إلى 25 مايو/أيار) تسند آنو، الممرضة الشابة، رأسها المجهد المثقل بالأفكار على كتف برابا، صديقتها وزميلتها الأكبر سنا وشريكتها في السكن، وهما في رحلة قطار بعد يوم عمل مجهد. لم تكن أي منهما بحاجة للكلام، فهما تفهمان بعضهما بعضا دون حديث. كانت المرأتان فقط تحتاجان إلى الاتكاء على بعضهما بعضا وسط زحام وضجيج المدينة الكبيرة.
المدينة الكبيرة هي مومباي، ويبدأ الفيلم بمشهد علوي يصور أحد أسواق، أو شوارع المدينة التي تعج بالبشر والضجيج والحركة، وصوت امرأة تقول إنها عاشت في تلك المدينة أعواما وأعوام لكنها، لم تشعر بأنها بيتها أبدا. يصحبنا الفيلم في رحلة حميمية إلى عالم عدد من هؤلاء النساء والفتيات، اللاتي أتين من قراهن الصغيرة إلى المدينة الكبيرة محملات بالأمنيات والأحلام والرغبات والاشتياق.

«كل ما نتخيله ضوء» وهو الفيلم الروائي الأول لمخرجته بايال كاباديا، وهو أول مشاركة للهند في المسابقة الرسمية لمهرجان كان منذ ثلاثين عاما، فيلم عن النساء وعالمهن. على الرغم من الهموم والأعباء، هن يحلمن ويمتلئ عالمهن بحسية تخفي الكثير من الرغبات. ملمس ثوب جديد على جسد يشتهي أن يبدو جميلا، شعر طويل معقوص ترخي صاحبته عقصته بعد أن بلله المطر، التمايل على نغمات أغنية يتردد صوتها من بعيد. كلها لفتات تبوح دون كلمات، تبوح عن نساء يتقن إلى الحب والحنان، وتضج أجسادهن وأرواحهن حنينا ورغبة.

آنو (ديفيا برابا) وبرابا (كاني كوسروتي) ممرضتان في أحد مستشفيات مومباي، تتشاركان السكن في شقة صغيرة في المدينة. آنو هي الأصغر سنا والأكثر تهورا، وبرابا تكبرها بعدة أعوام وهي الأكثر تعقلا ورجاحة. لكل من الاثنتين لوعة قلب. آنو شغفت حبا وعشقا بشاب اسمه شياز، يبادلها العشق وقلبه معلق بها، لكنه مسلم بينما هي هندوسية. أما برابا فقد تزوجت زيجة تقليدية، وإثر ذلك غادر زوجها للعمل في ألمانيا، وانقطع اتصاله بها منذ أعوام. تتوق برابا روحا وجسدا إلى الحب، إلى لمسة حانية، إلى أن تشعر بأنها مشتهاة مرغوبة.

لأنو وبرابا صديقة وزميلة أكبر سنا، وهي برافاتي (شايا كادام) وعبر قصتها تقدم كاباديا تعليقها على القوانين التي تكرس ظلم المرأة، كما تقدم تعليقها أيضا على التمييز الطبقي في البلاد. برافاتي أرملة تقيم منذ سنوات طويلة في شقتها التي كانت تعيش فيها مع زوجها، لكن شركة تطوير عقاري اشترت المبنى لتهدمه وتبني محله ناطحة سحاب، لا يقدر على شراء شقة فيها إلا الأثرياء. وترفض شركة التطوير العقاري منح برافاتي تعويضا، لأنها لا تملك مستندات تثبت أنها وريثة لزوجها. وهكذا بعد سنوات طويلة من الكدح والعمل والعيش في المدينة الكبيرة، تجد برافاتي نفسها بلا مأوى. تتعرض برافاتي للظلم لأنها امرأة ولأنها لا تملك من المال ما يمكنها من البقاء في مومباي.

عبر قصص النساء الثلاث تنفذ كباديا إلى أعماق العطب في مجتمعها. آنو لا تستطيع الإفصاح بحبها لشياز ولا يتسنى لحبهما أن يرى النور لاختلاف دينيهما. تضطر هي ذات يوم لشراء حجاب وزي إسلامي حتى تتمكن من لقائه في مسكن عمه في منطقة مسلمة في المدينة، وتضطر إلى لقائه سرا بعيدا عن الأنظار، في الوقت الذي تمطرها فيه أمها بصور شباب هندوس يرغبون في الزواج منها. وتضطر الظروف الاقتصادية زوج بايال للسفر إلى ألمانيا، تاركا إياها وحيدة، في حاجة إلى لمسة حانية. لا يوجد لديها ما يذكرها بزوجها الغائب إلا طنجرة كهربائية لإعداد الأرز أرسلها لها من ألمانيا. يكاد قلبنا ينفطر حزنا ونحن نراها في عتمة الليل تخرج الطنجرة وتحتضنها في حنين ورغبة، كما لو كانت زوجها الغائب. لكن كيف يمكن لهذا الكتلة البلاستيكية الصماء أن تعوض الدفء الإنساني والحميمية. لا تبكي برابا ولا تنتحب، لكن يكفينا النظر إلى وجهها الذي يكسوه حزن صامت لنعرف ما يعتمل في داخلها من ألم.

لكن كاباديا لا تقدم شعارات سياسية أو اجتماعية طنانة، جوهر فيلمها هو النساء الثلاث آنو وبرابا وبرافاتي وعلاقتهن ببعضهن بعضا وحياتهن وما يعتمل داخلهن.

ثمة نعومة وعذوبة وإنسانية جمة في الفيلم. يذكرنا تناول كاباديا لشخصياتها ولسردية الفيلم بأفلام الياباني الكبير ياسوجيرو أوزو. هو فيلم هادئ كوجه برابا المكسو بملامح الشجن، لكن هذا الهدوء يخفي صخبا من المشاعر الفياضة والفقد والحنين. وكما لو أن المدينة الكبيرة بصخبها وزحامها تؤجج الشعور بالوحشة والوحدة، فالنساء الثلاث وحيدات وسط كل هذه الجموع، ولا سند لهن إلا أنفسهن وصداقتهن. وحين تقرر برافاتي مغادرة مومباي التي لا مأوى لها فيها والعودة إلى قريتها الصغيرة المطلة على المحيط، يكون هذا إيذانا لآنو وبرابا لمغادرة المدينة أيضا، وإن كان لأيام قليلة، ليساعدن برافاتي في نقل أغراضها وترتيب بيتها في القرية. البحر الواسع وموجه والحرية والتحرر من القيود والانفلات من المشاكل الذي يجلبه البحر هو ما تحتاجه النساء الثلاث في تلك اللحظة من حياتهن. ترتب برافاتي بيتها الصغير في القرية، ومع زجاجة شراب معتق كانت تحتفظ بها برافاتي منذ أعوام، ترتسم الابتسامة على وجه الصديقات الثلاث، وينسين ما يزعج أو يقلق حتى لفترة وجيزة. تقدم آنو حبيبها، الذي تبعها للقرية، لصديقتيها وتتمكن للمرة الأولى أن تكون معه بحرية وفي العلن، دون الحاجة إلى لقاءات مختلسة. أما برابا فيهديها البحر هدية لم تكن تتوقعها. أتراها تحلم أتراها تتخيل؟ لا يهم تفسير ما حدث ورأته برابا، لكن ما يهم هو أن برابا وجدت متنفسا لكل ما يعتمل في داخلها من شوق وارتسمت على وجهها ابتسامة بعد سنوات من الانتظار لرجل لا يعود.

«كل ما نتخيله ضوء» ينساب كقصيدة عذبة، أو كموج البحر في يوم هادئ. رغم مشاهد المطر في أسواق وشوارع مومباي، التي تكثر في الفيلم، لكنه ليس بالمطر العاصف الهادر، بل المطر الذي يليه الاحتماء بدفء المنزل وتناول طعام شهي ساخن. وهو ما حدث بالضبط في الفيلم عندما عادت آنو إلى البيت في يوم ماطر، فوجدت برابا قد أعدت لها طعامها المفضل. يقدم الفيلم صورة تمتلئ بالدفء والعذوبة والإنسانية لثلاث نساء في المدينة الكبيرة.

 

القدس العربي اللندنية في

29.05.2024

 
 
 
 
 

هذا ليس تنافساً وتسابقاً بل فنّ وتفكير

نديم جرجوره

مفردتان اثنتان يستخدمهما نقّادٌ عرب، وزملاء وزميلات مهنة، في كلامٍ عن أفلام مشاركة في مسابقةٍ رسمية لمهرجان دولي: منافسة وسباق نحو الجائزة الأولى، تحديداً. مفردتان عربيتان تصلحان لأمور شتّى في الحياة اليومية، لكنّهما مسيئتان للغاية في أعمال فنية وأدبية، خاصة في مهرجان وجوائز. أساساً، فكرة الجوائز التي تمنحها مؤسّسات مختلفة، غير لائقة بأي إنتاج، يُفترض به أن يبتعد كلّياً عن استسهال وتسطيح وخفّة، ويُراد له أن يكون انعكاساً لواقع أو حالة أو انفعال أو تفكير أو رؤية. هذا مُنسحبٌ أيضاً على إنتاجات فنية مختلفة، في المسرح والفن التشكيلي والموسيقى، وغيرها، وفي الأدب أيضاً.

المفردتان تُهينان كلّ فعلٍ يصبو إلى كمالٍ أو سويةٍ، ويجهد في إحداث صدمة في لغة تعبير ومضمون نصّ. المفردتان تُلغيان عن الفيلم اشتغالاتٍ، تصنع منه صورةً ولغةً بصرية وتفكيكاً ومعاينة وتوثيقاً وفنّاً، وتُدخلانه في إطار سلعٍ، لا همّ لصانعيها وصانعاتها سوى التنافس والتسابق، وهذا حاصلٌ في نفوس مخرجين ومخرجات كثيرين، عرباً وأجانب، وإذا بناقد أو زميل وزميلة مهنة يساهمون في تفعيل الحاصل، ويُقلّلون من القيم التي يُفترض بمخرج ومخرجة أن يجعلانها نواة إنجازٍ فني وفكري أولاً، بتكامل يُثير متعة مشاهدة (رغم قسوة مضمون ومعاينة)، ويحرِّض على إعمال عقلٍ وتأمّل، وتفاعل مع شعورٍ.

المهرجانات والجوائز مسؤولة بشدّة عن ترجيح التنافس والسباق، خاصة عند اختيار أفلامٍ، يكون بعضها مُسطّحاً وغير لائق بمهرجان أول أو ثانٍ على الأقل، وعند تشكيل لجان تحكيم، بعض أعضائها يُنجز أفلاماً لا تليق بأي عرضٍ تجاري أحياناً، وإن تكن لائقة بعرضٍ كهذا تبقى مجرّد منتوج استهلاكيّ، يملأ خزائن جهات إنتاجية وجيوب صانع وصانعة له. المأزق أنّ نقّاداً عرباً، وزملاء وزميلات مهنةٍ، يستخدمون المفردتين في مقالاتٍ لهم، يدّعي بعضهم أنّها "نقدية".

أخيراً، يبقى قول وودي آلن أفضل ردّ: "من أنا كي أحكم على فيلمٍ؟ السينما مسألة ذوق. لا أؤمن بالمنافسة بين السينمائيين، ولا في الفنّ عموماً. يمكننا أنّ نحبّ مونيه وسيزان في الوقت نفسه. بماذا ستكون السينما مختلفة (عن الفنون)؟" ("باري ماتش". عدد خاص بالدورة الـ70 لمهرجان "كانّ"، المقامة بين 17 و28 مايو/أيار 2017).

 

العربي الجديد اللندنية في

29.05.2024

 
 
 
 
 

مقعد بين الفنون

رفعت عيني للسما. ،،،والسماء أستجابت

ماجدة موريس

شلة بنات ،صديقات ،في احد مناطق الصعيد ،شغوفات بالفن في كل اشكاله ،ما يرونه علي شاشات التليفزيون في بيوتهن من افلام ومسلسلات ،وما يسمعونه ايضا من الراديو ،وما يردّدونه من اغان ومواويل شعبية يعرفونها من فناني الصعيد ،هو ما كون لديهن رغبة شديدة في ممارسة الفن للتعبير عن مشاكلهم التي تؤرقهن كبنات ،كرغبة آبائهم وأمهاتهم في تزويجهم مبكرا ،وصعوبة استكمال تعليمهم ،والعنف الأسري الخ ،قررت البنات أقام مسرح امام بيوتهم كفن متاح ،بلا تكلفة عالية ،وفي اي مكان خال بجانب البيوت ،وتأليف مسرحيات عن حياتهنّ، واللجوء الي الفلكلور عند اللزوم في الاغاني والحركة والكلمات المؤثرة ،وهكذا بدأت عروضهن في قرية (برشا )التابعة لمركز (ملوي) بمحافظة المنيا ،ومنها انتقلت الفرقة الي القري المجاورة ،ووجدت الفرقة مشجعين من الشباب والفتيات ،ولكنها وجدت ايضا رافضين ،وغاضبين ،من الآباء والامهات والأجداد ،ومن منعهم من العودة للقرية ،لكن ،لم تتصور عضوات الفرقة ان كل قرية قدمن فيها العروض ، أنشأت بناتها وأبناءها فرقة فيها بعد هذا وكانت اخبار الفرقة قد وصلت الي زوجان، مخرجان ، لهما فيلمان من قبل هما ندي رياض وأيمن الأمير ،اللذان ذهبا الي القرية ،وتعرفا بالمجموعة عام ٢٠١٧،وقررا متابعتها ، واستمرت المتابعة ،والقناعة بأن فريق مسرح البرشا مشروع يستحق هذا الاهتمام ويستحق التفاعل معه (بما فيها من سيناريوهات لعمل فيلم تسجيلي يوثق هذه التجربة)، وكان للمخرجين فيلمان قبل هذا ،الاول بعنوان (نهايات سعيدة ) عام٢٠١٦عرض في مهرجان أمستردام للفيلم التسجيلي بهولندا ،وفي عام ٢٠١٩ عرض لهما فيلم روائي قصير بعنوان(فخ ) في مهرجان كان ،وبعدها قررا صناعة هذا الفيلم عن تجربة فتيات البرشا والذي استغرق العمل فيه أربعة سنوات وتركز احداثه علي تجربة ثلاث فتيات من الفرقة وتتابع حياتهنّ وأحلامهن في عالم الفن ،،والي أين سوف تصل ،وبالطبع كان من الضروري ان يتم انتاج الفيلم من خلال كيان إنتاجي هو شركة (فلوكة فيلمز) مع فريق عمل تحمس لهذه التجربة يبدأ بالمنتج المنفذ محمد خالد وتصوير دنيا الزنيني واحمد اسماعيل مع المخرج ايمن الأمير ،ومونتاج شارك فيه مخرجا الفيلم مع احمد مجدي وڤيرونيك لأجواد وصوت لمصطفي شعبان واسامة جميل وشدوي علي وموسيقي تصويرية لأحمد الصاوي ،ليتم اختيار الفيلم ضمن أعمال مهرجان كان لهذا العام ،وليعرض الفيلم ويحصل علي جائزة العين الذهبية كأفضل فيلم تسجيلي للدورة رقم ٧٧ للمهرجان السينمائي الاهم في العالم ،وأهمية الجائزة أضافة لهذا هو ان (رفعت عيني للسما) انتزع الجائزة من بين ٢٢فيلما تسجيليا بعضها يحمل اسماء مخرجين ومخرجات كبار في عالم الفيلم التسجيلي مثل أوليڤر ستون وكلير سيمون ورون هوارد ،،الجدير بالذكر هنا أنها ليست المرة الاولي التي يحصل فيها فيلم مصري علي جائزة اولي في مهرجان كان كما يشاع ويقال ،وأن هذا قد حدث عام ٢٠٢١ ،اي منذ ثلاثة سنوات فقط ،حين حصل فيلم (ريش ) علي الجائزة الكبري لمسابقة أسبوع النقاد الدولي في الدورة ٧٤ للمهرجان ،وهو فيلم للمخرج عمر الزهيري الذي شارك في كتابته ايضا مع احمد عامر ،وتدور احداثه في احد قري الصعيد حين يتحول أب لأسرة الي دجاجة بعد استقدامه ساحر للاحتفال بعيد ميلاد أبنه ،ويفشل الساحر في استعادة الاب ،وتقع الام في ورطة كبري لإعالة أطفالها بعد اختفاء الاب ،وتبدأ في البحث عن عمل في قرية فقيرة .والملفت للنظر هنا ان مخرج الفيلم عمر الزهيري عرض فيلمه هذا بعد سنوات من عرض فيلمه الاول في مهرجان كان أيضا وهو فيلم (ما بعد وضع حجر الاساس لمشروع الحمام بالكيلو ٣٧٥) الذي طرح قضية احد مشروعات الساحل الشمالي وقتها .أن مصر دولة المواهب الباذخة في السينما ،ولكنها ليست السينما التي تصنع اغلب أفلامنا الطويلة علي منوالها ،وانما سينما اخري ،توثق مشاهد من حياة الناس في الاماكن البعيدة ،او تحكي عن قصص اغرب من الخيال ،لكنها تحدث ،افلام طويلة وقصيرة يكتشفها غالبا صناع المهرجانات التي تبحث عن السينما المختلفة في العالم ،،مبروك لفريق عمل (رفعت عيني للسما)فقد استجابت السماء لهم وأعطتهم هذا النجاح العالمي الكبير .

 

الجمهورية المصرية في

29.05.2024

 
 
 
 
 

أريد الوصول إلى الجمهور .. أريد أن أكون تجربة لطيفة لهم

صبا مبارك تتحدث عن السينما العربية ودورها فيها بجلسة نقاش في كان

البلاد/ مسافات

خلال جلسة نقاش رفيعة المستوى بعنوان "الأردن: دراسة حالة في النمو المستدام"، وبحضور عربي مميز ضمن فعاليات مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ77، تحدثت صبا مبارك عن السينما العربية بشكل عام والأردنية بشكل خاص، وعن دورها في مجال صناعة السينما كممثلة ومنتجة، حيث قالت "أريد الوصول إلى الجمهور وأريد أن أكون تجربة لطيفة لهم".

وفي كلمتها، أشارت صبا مبارك إلى ثراء الأردن والمنطقة العربية بالمواهب، كما أشادت بدور الأردن، مسقط رأسها في النهوض بصناعة السينما، وما يشهده من تطور في هذا المجال، بانتشار المدارس المتخصصة في التمثيل والإخراج وصناعة الأفلام، والتي تعد هي نفسها واحدة من خريجيها. هذه المدارس قد ولدت مواهب متعلمة تعليماً جيدًا، شقوا طريقهم واكتسبوا خبرة بالعمل في الإنتاج السينمائي والتعاون مع منتجين موهوبين داخل الأردن وخارجه. كما أعربت صبا عن حلمها بالمزيد من التطور في هذا المجال.

شاركت صبا مبارك فى الجلسة مع كل من مهند البكرى المدير العام للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، والمنتجة الأردنية رولا ناصر، والمخرج الأردنى باسل غندور، والمنتجة المصرية شاهيناز العقاد، والمنتج الدنماركى جاكوب جاريك. وأدار الجلسة نيك فيفاريلى من مجلة فارايتي. 

وقد ناقشت الجلسة كيف تحولت صناعة السينما الأردنية إلى نموذج عالمى، حيث يمثل الأردن نموذجًا عالميًا في كيفية بناء القدرات والإمكانات الإنتاجية المحلية لتأمين مستقبل طويل المدى كمركز مستدام للإنتاج السينمائي والسرد القصصي. 

 

البلاد البحرينية في

29.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004