ملفات خاصة

 
 
 

فرانسيس فورد كوبولا يسلم السعفة الفخرية لجورج لوكاس

طارق الشناوي

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 

هل كان مشهد تكريم جورج لوكاس، صاحب سلسلة (حرب النجوم)، فى ختام مهرجان (كان 77)، بجائزة سعفة (كان) الفخرية، معدًا سلفًا، حيث يصعد فرانسيس فورد كوبولا، المخرج الأسطورى، ويسلمه تلك الجائزة فى حفل الختام؟.

أتصور أن تكريم لوكاس فقط كان هو القرار، بما حققه من إنجاز، ولكن من يسلمه الجائزة، ربما جاء بعد أن تم الكشف عن جوائز لجنة التحكيم لإدارة المهرجان، ولم يكن من بين الحاصلين عليها، فرانسيس كوبولا، الذى شارك بفيلمه (ميجابوليس) فى المسابقة الرسمية، قطعًا لا يمكن اعتباره الفيلم الأسوأ- كما وصفه البعض- فى تاريخ مخرج استثنائى قدم لنا (الأب الروحى) و(يوم القيامة الآن) و(المحادثة) وغيرها، صار تاريخه ليس فقط مرصعًا بالجوائز، بل متخم بها، إلا أنه لا يزال يحن لتذوق طعم النصر، وهو فى الخامسة والثمانين من العمر، فيلمه الأخير- كما أوضح فى المؤتمر الصحفى- نتاج 40 عامًا من الحلم، أى قرابة نصف عمره وهو يحلم.

تقدم به إلى لجنة التحكيم على أمل أن يتوج بـ(سعفة ثالثة)، وأعتقد أن تلك الرغبة الكامنة فى ضمير المبدع يعيشها الجميع، من الكبار، ولكنهم عادة لا يملكون جرأة الإفصاح عنها.

أتذكر قبل عرض فيلم (معبودة الجماهير)، وفى حوار مذاع بين الموسيقار محمد عبدالوهاب والمطرب عبدالحليم حافظ، عبدالوهاب قدم فى هذا الفيلم قصيدة (لست قلبى) شعر كامل الشناوى، بينما كمال الطويل (بلاش العتاب)، ومحمد الموجى (جبار) و(أحبك)، ومنير مراد (حاجة غريبة).

كان السؤال المباشر من عبدالوهاب لعبدالحليم: هل نجحت؟، ولكن باقى السؤال الذى لم يبح به مباشرة، نجحت أكثر من الطويل والموجى ومنير؟.

جاءت إجابة العندليب مطمئنة، فهو استوعب السؤال المضمر، وأكد له (كسرت الدنيا)، ووصل المعنى إلى عبدالوهاب، نجحت أكثر من الطويل الموجى ومنير.

أعلم مثلًا من إذاعيين كبار بحجم سامية صادق وآمال فهمى ووجدى الحكيم، أن عبد الوهاب كان دائم السؤال عن آخر ألحانه، وكثافة ترديدها، وحتى قصيدة (أسألك الرحيل) لحنها لنجاة، بعد أن أكمل التسعين، وكان يسأل الإذاعيين، هل الجمهور يطلب الاستماع إلى القصيدة؟، وغالبًا ما يأتى الرد الذى ينتظره بدون أن يسأل مباشرة (الأغنية هى رقم واحد فى طلبات المستمعين).

كوبولا عندما شارك بفيلمه، كان هذا هو قراره الشخصى، أعتقد أن هناك من كان ينصحه بأن يكتفى بالعرض الرسمى خارج التسابق، ولكنه أراد أن تصل الرسالة للجميع، أنه لا يخشى المنافسة!!.

مجرد أن تتحرر من الخوف بألا تحقق نفس النجاح السابق، وأنه من الممكن أن يتفوق عليك تلاميذك، أو أن لجنة تحكيم تعلن على الملأ رأيها فى فيلمك، أعتبرها بطولة من المخرج تستحق التوقف كثيرًا عندها.

بعد أن شاهدت الفيلم قلت فى تلك المساحة إن التوقع أكثر من الواقع، وهو مأزق كبير نعيشه على كل الأصعدة، ومع كثير من المبدعين، الترقب الزائد (فيه سُم قاتل)، كما أنه هذه المرة مشوب بإحساس كامن تتردد من خلاله كلمات لا نبوح عادة بها، بقدر ما تسكن وجداننا، أن تلك ربما تصبح الترنيمة الأخيرة وبعدها سوف يتوقف عنقود الإبداع أو يغادرنا المبدع للعالم الآخر.

هل يشعر الفنان بأن فيلمه مثلًا ليس هو المنتظر، بعد كل الإنجازات التى حققها فى حياته؟.

المخرج الكبير صلاح أبوسيف قدم قبل رحيله بعامين فيلم (السيد كاف)، ووجه لى الدعوة، مع الناقد الكبير كمال رمزى، فى عرض محدود جدًا، داخل مبنى (ماسبيرو)، العرض فقط لفريق العمل بالفيلم، وبعد إضاءة النور، لم أعلق سوى بكلمة (مبروك)، طلب منى الأستاذ صلاح أن أوصله إلى منزله بسيارتى الصغيرة (127) فى حى عابدين، كنت أعلم أنه يريد الاستماع إلى رأى، وأنا فى نفس الوقت متحفظ عن التعليق بأكثر من مبروك، قلت له السيارة ليست معى، رغم أنها كانت مركونة فى ميدان التحرير، جاءت إجابته قاطعة إذن نتجول معًا 20 دقيقة حتى عابدين.

وفى الطريق تحدثنا فى كل شىء من الأبرة للصاروخ، ما عدا (السيد كاف)، ووصلت الرسالة للأستاذ صلاح ولم يغضب، تقبل الأمر بقدر من المرونة، خاصة أننى لم أسارع بالكتابة، انتظرت عرض الفيلم جماهيريًا وكتبت رأيًا سلبيًا، وفى عام 1995 أتم الأستاذ صلاح عامه الثمانين، وأقيمت فى (المسرح الصغير) احتفالية، ووجه لى الأستاذ صلاح الدعوة لكى أتحدث عن أفلامه، مع كل من الراحلين الكبار فريد شوقى ونادية لطفى ود. رفيق الصبان.

وبعدها بعام واحد غادرنا الأستاذ صلاح، الذى كان قد أعلن قبلها اعتزاله، ووضع شرطًا واحدًا للعودة، أن توافق الرقابة على سيناريو كتبه لينين الرملى، تناول البرودة الزوجية، ورحل قبل أن توافق الرقابة، ثم منح السيناريو الضوء الأخضر، مع عشرات من الملاحظات، أسفرت عن فيلم خجول أخرجه ابنه محمد صلاح أبوسيف باسم (النعامة والطاووس).

يظل المبدع يرنو للقادم وحتى آخر نفس، ولا أتصور سوى فرانسيس فورد كوبولا حريصًا على أن يقدم فيلمه القادم بعد (ميجابوليس) ليتقدم بها مجددًا لمهرجان (كان)، على أمل أن يحظى بجائزة تبدد هزيمته، التى هدأ منها قليلًا، وإن لم يبددها نهائيًا، تسليمه الجائزة الفخرية للإنجاز لجورج لو كاس، حيث أصبح حضوره على خشبة المسرح معادلًا موضوعيًا لـ(تكريم التكريم)!!.

 

المصري اليوم في

28.05.2024

 
 
 
 

من (ترامب) إلى (الست) ممنوع الاقتراب والتصوير!!

طارق الشناوي

فيلم (المتدرب) خرج خاوى الوفاض من جوائز مهرجان (كان)، إلا أنه على الجانب الآخر نالته دعوى قضائية أقامها ترامب، الشريط السينمائى تعرض لتفاصيل شخصية من المستحيل إثباتها، أو على الأقل صعب جدًا، دفعت مسؤول الحملة الإعلامية التى تؤيد ترامب أن تصفه بالخبيث وأنه مجرد (قمامة)، لأنه يتبنى ويرسخ الصورة الذهنية السلبية للرئيس الأمريكى السابق، بأنه يفعل أى شىء لتحقيق أغراضه، وأنه يمارس العنف فى علاقاته حتى مع زوجته.

بينما مخرج الفيلم على عباسى، إيرانى الأصل دنماركى الجنسية، وجه الدعوة لترامب لكى يشاهد الفيلم أولًا، مؤكدًا أنه على العكس ينحاز إليه متوقعًا أن ينال رضاه، ولأننى شاهدت الفيلم، فأنا أرى أن الشريط سلاح باتر ضد التجديد لترامب فى ولاية ثانية، كما أنه يقدم مشاهد تؤكد أنه انتهازى وأيضًا (سادى) فى علاقته الجنسية، مما يدعم موقف إحدى ممثلات الأفلام الإباحية التى أقامت مؤخرا دعوى قضائية ضده.

تذكرت على الفور كيف نقدم الأعمال الدرامية التى تتناول حياة عدد كبير من الشخصيات العامة، وأيضًا الرؤساء مثل جمال عبدالناصر وأنور السادات، والصعوبات التى تواجه أى كاتب عربى يريد أن يقدم حياة إحدى الشخصيات العامة.

يجرى حاليًا الاستعداد لتقديم فيلم عنوانه (الست) عن حياة أم كلثوم، تأليف أحمد مراد، وإخراج مروان حامد، كما أن المخرجة هالة خليل بدأت كتابة سيناريو لمسلسل يتناول حياة الموسيقار محمد عبدالوهاب.

عندما شرعت المخرجة إنعام محمد على قبل نحو 24 عامًا فى تصوير مسلسل (أم كلثوم) أقام ورثة (كوكب الشرق) دعوى قضائية طالبوا فيها بإيقاف عرضه، خوفًا من الاقتراب من حياتها الشخصية، وبعد الحلقات الخمس الأولى اكتشفنا أن فى الشارع العربى لا حديث يجرى سوى عن روعة المسلسل، وتغير موقف الورثة تمامًا، فأقام المهندس محمد الدسوقى حفل سحور رمضانى لفريق العمل.

كانت أم كلثوم حريصة على تسجيل حياتها، ولم تخش الحديث عن فقرها وكفاحها، شىء واحد رفضت البوح به، حياتها العاطفية، وهو بالفعل ما تجنبه الكاتب محفوظ عبدالرحمن فى السيناريو، كما أنه تجنب تمامًا الإشارة إلى أى موقف يحمل شيئًا من السلبية أو حتى من الممكن تفسيره على هذا النحو.

كثير من الفنانين قُدمت حياتهم بعد الرحيل فى أعمال درامية، وأقام الورثة دعاوى قضائية لإيقاف العرض، وطالبوا أيضًا بتعويض، والقائمة طويلة: ورثة الشيخ الشعراوى وعبدالحليم حافظ ونزار قبانى وأسمهان، بل صباح رغم أن مسلسل (الشحرورة) قُدم فى حياتها، وهى التى سجلت قصة حياتها، إلا أنها بعد بداية عرض المسلسل طالبت بإيقافه بحجة أنه يزور الحقيقة، نبيلة عبيد أعلنت قبل سنوات وصيتها بعدم تقديم حياتها فى أى عمل فنى، وكانت مديحة يسرى وهند رستم قد طالبتا بذلك فى حياتهما، بينما شادية أوقفت بالفعل تصوير مسلسل تناول حياتها، رُشحت دنيا سمير غانم لبطولته.

الراحل د. محمد عبدالوهاب، أستاذ الأشعة، وأرمل السيدة فاتن حمامة، رفض تمامًا فكرة تقديم حياة سيدة الشاشة فى مسلسل أو فيلم، أكد لى أنه لن يكتب مذكراتها، ولا حياته معها، واعتبر ذلك منطقة محرمة، رغم أنه عاش 40 عامًا زوجًا لها.

قبل ثلاثة أعوام أعلن محمد رمضان عن استعداده لتقديم حياة أحمد زكى فى مسلسل أطلق عليه (الإمبراطور)، وكان الكاتب وحيد حامد هو أول المرشحين لكتابة مسيرة أحمد باعتباره شاهد عيان على الكثير من التفاصيل، ولكنه اعتذر لحساسية الشخصية، وتم تكليف بشير الديك، ثم توقف المشروع، وأظنه لن يُفتح أبدًا هذا الملف مجددًا.

هل نملك الشجاعة لنروى كل شىء؟ السؤال الأهم: هل يتقبل الجمهور أن يرى ببساطة الشخصية العامة، رجل سياسة أو فنان، مجرد بشر يُخطئ ويُصيب، وهل يتوقف الورثة عن التهديد بإقامة دعاوى قضائية لمصادرة الأعمال الفنية؟!

 

المصري اليوم في

29.05.2024

 
 
 
 

إيميليا بيريز”

أفضل أفلام مسابقة مهرجان كان

أمير العمري

كان فيلم “إيميليا بيريز” دون شك المفاجأة الأكبر في مسابقة مهرجان كان الـ77. فهو أبلغ تعبير عن قدرة مخرجه الفرنسي المرموق، جاك أوديار، على تحدي النوع والشكل السينمائي، فبعد أفلام متنوعة المذاهب والأساليب من فيلم الجريمة، إلى الفيلم الرومانسي إلى فيلم الويسترن،  أي من “نبي” A Prophet، و”صدأ وعظم” Rust and bone و”باريس- المقاطعة 13″، إلى “ديبان” الحائز على “السعفة الذهبية” في 2015 ، ثم تحفة الويسترن الجديد “شقيقات وأشقاء” Sisters and Brothers (2018)، ها هو يعود إلى المسابقة بفيلمه “المكسيكي”- إن جاز التعبير، فهو عمل ناطق بالإسبانية، يصور قصة مكسيكية، تجري فصولها بين المكسيك وبلدان أخرى. وإن لم يكن هذا كافيا، فهو أيضا، فيلم موسيقي، يعتمد على الغناء والرقص والاستعراض في التعبير عن الأفكار المتعددة التي يتضمنها نسيجه السينمائي.

ورغم الطابع الموسيقي العام، يجمع أوديار بين أساليب عدة في فيلمه: الدراما الاجتماعية وفيلم الجريمة والإثارة، مع مسحة من الميلودراما تذكرنا بعالم الإسباني ألمودوفار خصوصا مع ما يضفيه من ملامح على شخصية المرأة الموجودة في قلب الفيلم، فهي ليست امرأة عادية، كما سنرى.

إيميليا بيريز” ليست امرأة تماما، على الأقل في البداية. كما أنها لن تكون المرأة الوحيدة في الفيلم، فسوف تشترك معها، في المسار الدرامي والحياتي امرأة أخرى، من نوع آخر ومن عالم مختلف، لكن أوديار يتمكن من خلال السيناريو العبقري الذي كتبه بالاشتراك مع توماس بيدجين ونيكولاس لفيتشي، من خلق عالم مواز ولكن مرتبط بين المرأتين، رغم اختلاف الخلفية والانتماء العرقي فيما بينهما.

المرأة الأولى هي “ريتا” (زوي سالدانا)، وهي امرأة شابة نحيلة مكسيكية سوداء، محامية تعمل في مكتب للمحاماة، متفوقة كثيرا في عملها، لكنها ليست سعيدة، فهي لا تنال الاعتراف الذي تستحقه عن جهدها بل يُنسب الفضل فيما تنجزه وتحققه من نجاح في القضايا التي تترافع فيها، إلى رئيسها، كما تحصل على راتب ضعيف من الوظيفة، وهي تشعر أيضا بالسأم من الدفاع عن الأزواج الذين يضربون زوجاتهم والذين تكفل لهم البراءة بفضل براعتها في العثور على الثغرات القانونية.

من أول مشاهد الفيلم سيفاجأ المتفرج بأن “ريتا” تعبر لنا عن كل هذه المشاعر والأفكار من خلال الغناء والرقص، تارة في شوارع “مكسيكو سيتي”، وتارة أخرى بين مجموعة من عاملات النظافة اللاتي يشتركن معها في الغناء والاستعراض. إلا أن الأغاني التي تأتي في سياق الفيلم لا تقطع السياق، ولا تنعزل عن مسار الفيلم، بل هي جزء من نسيج السرد، وظيفتها أن تسلط الأضواء، وتدفع الأحداث إلى الأمام، كما تصبح أحيانا بديلا عن الحوار. وتتمتع مشاهد الغناء بالجمال الشكلي بفضل التصميم الدقيق للرقصات، الذي يستغل كل جزء من الديكور داخل الاستديو أو في الخارج، في الأماكن الطبيعية، مع الاختيار البارع لكلمات الأغاني التي تتدفق في سلاسة وقدرة تعبيرية كبيرة، ويعود الفضل إلى المغنية الفرنسية “كاميل” كاتبة كلمات الأغاني، وكذلك إلى ألحان زوجها “كليمو ديكول”.

تتلقى “ريتا” مكالمة غامضة من شخص مجهول يعرض عليها أن تصبح “ثرية”، وأنه يمكن أن يمنحها من المال ما لا تحلم به. ويحدد لها مكانا للقاء إن أرادت. وبعد تفكير مقتضب، تغويها الفكرة، فهي في حاجة إلى تحقيق استقلالها الوظيفي والمادي، فلم لا؟

تذهب “ريتا” إلى مكان اللقاء، ويأخذونها إلى داخل سيارة لتفاجأ بأنها أمام أكبر زعيم عصابة مخدرات في المكسيك وهو “مانيتاس ديلمونتي”. ما الذي يمكن أن يريده منها هذا الرجل صاحب الثروة الكبيرة والنفوذ السياسي في البلاد، تعجز السلطات، أو بالأحرى، تتقاعس عمدا عن الإيقاع به؟

سيأتي طلبه واضحا ومباشرا وبسيطا. ولكن قبل ذلك عليها أن توافق أولا على فكرة الحصول على ما لا يقل عن 30 مليون دولار سيودعها في حسابات مصرفية خارج البلاد، مقابل الخدمة المطلوبة منها، فقبولها يعني أنها لا تستطيع التراجع، فما سيخبرها به يجب أن يبقى سرا بينهما فقط.

إنه يخبرها ببساطة، أنه يريد أن يصبح امرأة. ليس لأنه يرغب في التخفي، لكن لأنه يشعر بهذا الميل إلى التحول الجنسي في داخله منذ سنوات بعيدة، وقد بدأ قبل عامين بالفعل في تعاطي الهورمونات. وهنا يكشف لها صدره لكي تتبين بنفسها طبيعة ما حدث من تحول على ثدييه.

أما ما يطلبه من ريتا كمحامية ماهرة، فهو أن تعثر له على جراح ماهر يقبل إجراء عملية التحول الجنسي من دون أن يكشف سره بالطبع، ثم يتعين عليها إقناع زوجته “جيسي” (سيلينا جوميز) بالذهاب مع ولديه للإقامة في سويسرا، بعد أن يختفي هو من الحياة في حادث إطلاق نار وهمي مدبر تعلن السلطات بعده موت مانيتاس. وتكون الذريعة بالطبع أن حياة جيسي وولديها أصبحت في خطر، لكونها بدورها مستهدفة من طرف منافسي مانيتاس من بارونات المخدرات.

لن يقبل الجراح الأول، الألماني القيام بالمهمة، إلا بعد معاينة “الزبون” وهو ما ترفضه ريتا، فتلجأ إلى طبيب إسرائيلي في تل أبيب يدعى الدكتور “واسرمان” (يقوم بالدور الممثل الإسرائيلي من أصل أوكراني، مارك إيفانير) الذي يقبل المهمة وإن كان يقول لها محذرا إن “تغيير الجسد لا يعني تغيير الروح”، فتجيبه ريتا بأن تغيير الجسد يعني تغيير الروح وتغيير المجتمع، ثم يشترك الاثنان في أغنية تكثف هذا المعنى.

تنال “ريتا” ما سعت إليه من مال وفير، وتذهب إلى لندن للاستمتاع بالحياة وتمر 4 سنوات، ثم تجد نفسها ذات يوم على مائدة العشاء في أحد النوادي الراقية، أمام امرأة تحدثها بالإسبانية، لتكتشف أنها “مانيتاس” ولكن بعد التحول الجنسي، وبعد أن أصبح سيدة فارعة الطول، جذابة أنيقة، وقد اتخذ لنفسه اسم “إيميليا بيريز”.

إننا نراه في مشهد سابق وهو يقف أمام المرآة، يتدرب على تقديم نفسه بكل ثقة، مرددا “إسمي إيميليا بيريز”، ويرفل في الملابس النسائية الثرية (جميع ملابس الفيلم من تصميمات دار سان لورن التي أنتجت الفيلم بعد أن اتجهت مؤخرا إلى مجال الإنتاج السينمائي وكان لها فيلمان آخران في مهرجان كان).

ما المطلوب هذه المرة من ريتا؟ يقول مانيتاس/ إيميليا (تقوم بالدورين الممثلة الإسبانية المتحولة جنسيا، كارلا صوفيا جاسكون) إن ريتا يجب أن تقنع “جيسي”، أي “أرملته”، بالعودة بالولدين إلى المكسيك للإقامة في قصر فخم اشتراه هناك، وعلى أن تصبح إيميليا بيريز، هي شقيقة مانيتاس التي كانت مختفية منذ فترة وترغب الآن في تعويض غياب شقيقها مانيتاس ورعاية الطفلين والأم.

طبعا سترحب جيسي وولداها بالعودة إلى المكسيك. وفي مكسيكو سيتي، داخل القصر الهائل بتفاصيل الديكور المبهرة، ومن خلال التصوير الذي يحرص على استعراض المكان من خلال حركة الكاميرا، مع اختيار الألوان الصريحة الجذابة، تتعامل إيميليا مع جيسي معاملة رقيقة، وتسعد بصحبة الولدين، فمشاعر “الأب” مازالت كامنة، لدرجة أن ريتا تحذرها من الإفراط في إبداء الاهتمام بالولدين لأنها يفترض أن تكون العمة لا الأم!

التحول الأول في الحبكة يأتي عندما تلتقي إيميليا ذات يوم مصادفة بامرأة تبحث عن زوجها الذي اختفى في ظروف غامضة، تعرف أنه من ضحايا عصابة “مانيتاس”، وسوف يكثر عدد النساء اللاتي يبحثن عن ذويهن من ضحايا جرائم القتل التي تمارسها عصابات المخدرات والتي تنتشر في ربوع المكسيك. هنا تدرك “إيميليا” مسؤوليتها وتسعى للتكفير عما ارتكبته من جرائم، فتقرر إنشاء جمعية من جمعيات العمل العام بالاشتراك مع ريتا التي تصبح شريكتها، من أجل العثور على جثث ضحايا العنف، وتعويض الأسر التي فقدت أحبائها.

هل تغير الجنس، من الذكورة، إلى الأنوثة، كفيل بتغيير توجهات المرء؟ هذا ما يقوله الفيلم أولا، منحازا بالطبع للمرأة في نبذها للعنف وميلها الطبيعي للتعاطف مع ضحايا العنف، بل سيجعل إيميليا تتعاطف بشكل خاص مع “إيبيفانيا” (أدريانا باز) التي اتهمت بقتل زوجها، وكانت في الواقع تدافع عن نفسها، وستدفع ريتا للدفاع عنها وتبرئتها. وسنرى إيميليا تقيم لفترة، علاقة حميمية معها، ولكن من دون أن يتوقف الفيلم طويلا أمام تلك العلاقة، فالمطلوب أن نعرف أن إيميليا أصبحت زاهدة في عالم الرجال، وقد كرست حياتها الآن لرعاية الولدين، من دون بعض المشاعر الغامضة تجاه “جيسي: وهي مشاعر تعبر عنها من خلال الغناء.

التحول الثاني والأخطر في الحبكة، يبدأ بعد أن ترتبط “جيسي” بشاب صعلوك يدعى “جوستافو” (إدجار راميرز)، ثم تخطط للزواج منه والانتقال إلى بلدة أخرى على أن تأخذ معها الولدين. هنا يجن جنون إيميليا، ويتجه الفيلم نحو العنف والقتل وسفك الدماء مجددا. فمشاعر الأبوة/ الأمومة، تغلب على إيميليا، وهي ستفعل كل شيء، لدرجة تشكيل عصابة جديدة تتولى تنفيذ أوامرها وتصبح شخصية مهابة من الجميع في المدينة. إلى أن يصل الفيلم إلى نهايته الدامية التي من الأفضل عدم الكشف عنها هنا.

وهنا يكون الفيلم قد دخل أيضا في دائرة الميلودراما، أي المبالغة في تصوير الحدث والمشاعر والانفعالات، والتركيز على محنة الولدين، ومعاناة جيسي التي تعبر عن مشاعرها من خلال الغناء. طبعا سيلينا جوميز هي المرأة الثالثة الرئيسية في الفيلم وإن كان دورها هو الأقل بروزا، ورغم أنها مغنية مشهورة إلا أن ما اسند إليها في هذا المجال لا يتناسب مع موهبتها.

ولعل من أجمل مشاهد الفيلم، مشهد حفل العشاء الباذخ الذي تقيمه إيميليا وتدعو إليه كبار السياسيين ورجال المال ومشاهير المجتمع، تستعرض هيمنتها وقوة نفوذها، وهنا تنطلق “ريتا” تقفز فوق الموائد في رشاقة وخفة، تنتقل من مائدة إلى أخرى، وتغني أغنية تسخر من الجميع، في إدانة من الطبقة الحاكمة في المكسيك التي توجه لها شتى الاتهامات بالفساد والضلوع في الجريمة.

يستخدم الفيلم ببراعة كبيرة الموسيقى ذات الإيقاعات اللاتينية، والأغاني ذات الطابع الشعبي، كما يقترب في أسلوب الغناء أحيانا من أسلوب “الراب” في تعبيره عن الغضب والاحتجاج والسخرية، وفي الفيلم أيضا أغنية بارزة في وقت مبكر، تعكس ما أصبح يمكن لجراحات التجميل أن تفعله اليوم من تحولات في أدق أجزاء الإنسان. وما يجعل من هذه الأغاني والاستعراضات متعة بصرية لا تنفصل عن متعة مشاهدة المشاهد الدرامية، التصميم البارع للرقصات من جانب المصمم البلجيكي “داميان جاليه”، بحيث يجعل من “إيميليا بيريز”، أوبرا سينمائية بديعة، تفيض بالحركة والجمال.

ولم يكن ممكنا أن يأتي الفيلم على ما أصبح عليه من سحر ورونق وبراعة في الحركة والانتقال بين المشاهد، مع التحكم في توقيت استخدام مشاهد الرقص والاستعراض الغنائي ومزجها بالأداء الدرامي، إلا أولا بفضل السيطرة المدهشة من جانب أوديار على جميع عناصر الفيلم ومفاصله، وثانيا بفضل الطاقة الكبيرة التي تتمتع بها الممثلات الثلاث اللاتي أجاد اختيارهن وغامر مثلا بإسناد البطولة إلى الممثلة الجديدة نسبيا كارلا صوفيا جاكسون التي قامت بدور إيميليا، ثم زوي سالادانا (ريتا)، وأخيرا سيلينا جوميز (جيسي). وقد رأت لجنة التحكيم في كان، أن تمنح الممثلات الثلاث جائزة أفضل ممثلة، بدلا من منح الفيلم نفسه “السعفة الذهبية” التي كان يستحقها دون شك. لكنها إحدى مفاجآت المهرجانات التي اعتدنا عليها!

إيميليا بيريز” فيلم قد لا يبدو عنوانه مثيرا أو جاذبا شأن كثير من الأفلام التي تحمل أسماء أبطالها، إلا أنه عمل ممتع، يتسلل إلى الوجدان، رغم المبالغات التي يمتلئ بها الثلث الأخير منه. فما هي قيمة فن الفيلم إن غابت عنه القدرة على تحقيق المتعة، متعة المشاهدة، ودفعنا إلى التأمل والتفكير في مصائرنا التي لا ندري أين تنتهي بنا.

 

موقع "عين على السينما" في

29.05.2024

 
 
 
 
 

«أنورا» للأمريكي شون بيكر: فيلم الأحلام المحطمة

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: كرس المخرج الأمريكي شون بيكر فيلميه «تانجرين» (2015) و«الصاروخ الأحمر» (2021) لإزالة وصمة العار عن بائعات وبائعي الهوى، وعن تقديم البعد الإنساني لحياة العاملات والعاملين في أقدم مهنة في التاريخ. وفي هذا العام حاز فيلم «أنورا» لشون بيكر، وهو أيضا عن عاملة جنس، على السعفة الذهبية في مهرجان كان في دورته السابعة والسبعين (14 إلى 25 مايو/أيار)

في «أنورا» يقدم لنا شون بيكر ما لا نتوقعه، ويضرب عرض الحائط بقصص مثل «سندريلا» و»الجميلة والوحش» التي تنتهي القصة فيها بانتصار الحب وزواج الفقيرة من الأمير. لا ينحى شون بيكر هذا المنحى اليسير، ليقدم لنا ما يأتي بعد أن توافق الصبية الفقيرة الجميلة على الزواج من الثري فارس الأحلام.

«أنورا» هو الاسم الأصلي لآني (مايكي ماديسون في أداء متميز) وهي راقصة تعرٍ وعاملة جنس في ملهى للتعري في مانهاتن في نيويورك. هي من أصول روسية وتتقاسم السكن مع شقيقتها. آني في الثالثة والعشرين، وهي فتاة قوية الشكيمة والشخصية، ما يعرضها للغيرة من بعض زميلاتها. ذات يوم يأتي إلى الملهى حيث تعمل آني، إيفان أو فانيا (مارك أيدلشتاين) وهو شاب روسي وسيم بريء الملامح، قد نخاله في السابعة عشرة، لكن عمره 21 عاما. يريد إيفان أن يكون في صحبة فتاة تفهم الروسية وتتحدثها، وآني هي الفتاة الوحيدة في الملهى بهذه المواصفات. إنه الإعجاب منذ اللقاء الأول، حيث يعجب إيفان بآني، وتتكرر اللقاءات، حتى يدعوها لمنزله لتكون رفيقته لمدة أسبوع مقابل مبلغ كبير من المال. ما لا تعرفه آني هو أن إيفان هو ابن أحد أباطرة المال في روسيا، وأن لوالده نفوذا واسعا، وأن القصر الأنيق الذي يقيم فيه إيفان في نيويورك هو ملك والديه اللذين يخططان لعودته من الولايات المتحدة إلى روسيا، للعمل في إمبراطورية والده.

منذ الوهلة الأولى نرى أن أنورا، هي الأرجح عقلا، والأكثر خبرة بالحياة، بينما يبدو إيفان كطفل يلهو بالنقود لهوا. بعد أسبوع حافل بالجنس واللهو والسهر يعرض إيفان على آني مرافقته السفر على متن طائرة والده الخاصة إلى لاس فيغاس، وهناك يعرض عليها الزواج. ما نراه حتى الآن يسير وفقا لمعطيات كتب الحكايات، حيث يتزوج الأمير الفتاة الجميلة، رغم الفارق المادي والاجتماعي، ويعيشان في سعادة في قصرهما المنيف. لكن شون بيكر الذي عادة ما ينفذ إلى قلب المجتمع، وما فيه من عطب، ينأى بنفسه عن ذلك الحلم الرومانسي.

في «أنورا» ليست قصة الحب تلك إلا تمهيدا لما سيأتي بعدها. إنه فيلم الأحلام المحطمة، عن التعسف والتعنت اللذين يمارسهما أصحاب الثراء، على من لا يملك، عن القهر والبطش الذي يتعرض له هؤلاء الفقراء إذا ما تجرأوا وحاولوا دخول عالم المتنفذين وأصحاب المال. في «أنورا» يبقى شون بيكر وفيا للسينما المستقلة، ولا يقدم فيلما يرضخ لمتطلبات الاستوديوهات الكبرى ولا يقدم نهاية معسولة غير منطقية. وحين تتدخل أسرة إيفان لإنهاء الزيجة، وتتساقط أحلام أنورا الواحد تلو الآخر، وحين تتعرض للبطش، لا تجد مفرا من أن تخفي حزنها وألمها وتواصل التحدي. تبقى أنورا صلبة قوية، بينما يفر إيفان هربا من والديه. يتفهم شون بيكر رغبة آني في الاحتفاظ بخاتم الخطبة باهظ الثمن، أو بمعطف الفراء الثمين الذي أهداه لها إيفان، فهو يدرك أنها وسط هذا العالم الصعب، عليها ان تغتنم اللحظة وتتمسك بالقليل الذي تعبت في الوصول إليه. على أنورا أن تتحمل العنف الجسدي وترد الصاع صاعين لتتمسك بحقوقها وبزواجها، ولا يلومها بيكر على ذلك قط، فالفيلم يتفهم دوافعها.

آني فتاة ذكية علمتها الحياة أن تتشبث بالقليل الذي لديها، إنها ليست الفتاة الساذجة حتى تنسيها وسامة إيفان أن تتفق على مبلغ مجزٍ مقابل الأسبوع الذي أمضته معه أو تنسيها أن تنتقي خاتما ذا حجر ماسٍ ضخم كخاتم زواج. لكنها على كل نضجها وذكائها تصدق أن إيفان سيتمسك بها ضد رغبة والديه، لكنها حين تواجه بفراره خوفا من والديه، تقاتل باستماتة للحفاظ على حقوقها.

يتجلى تمكن بيكر من صنعته في تمكنه السيطرة على نغمة الفيلم وإيقاعه. كان يمكن للفيلم أن يتخذ المنحى المأساوي التراجيدي، لكن بيكر يقرر أن يجعلنا نضحك رغم قسوة الأحداث. تتمكن آني من رد الصاع صاعين لرجال والد إيفان. وما نخال أنه سيكون مواجهة دامية بين آني ورجال مدججين بالسلاح، يتحول إلى مواجهة عنيفة، فيها من المفارقات الضاحكة الكثير، حين تستخدم آني كل ما في جعبتها من العض والركل ضد رجال يدون قساة أشداء، لكنهم ليسوا بالقوة التي نخالها. هؤلاء الرجال ليسوا من رجال العصابات، بل منهم قس في الكنيسة، لكنهم تعهدوا برعاية إيفان ومتابعة تحركاته والحفاظ عليه من الأخطار، حتى يعود إلى روسيا، مقابل حصولهم على المال لرعاية أسرهم.

إنهم لم يأتوا لتنفيذ مهمتهم وإلغاء الزواج بين أنورا وإيفان، لكن من بينهم من يتعاطف سرا مع أنورا. وتكمن براعة بيكر في اختيار الممثلين الذين يؤدون هذه الشخصيات. ومن أبرز هؤلاء كارين كارغوليان (توروس) القس الذي يترك الكنيسة وسط القيام بتعميد طفل في محاولة لإنهاء زواج إيفان قبل وصول والديه من روسيا. أما ألطف شخصيات الفيلم وأقربها للقلب فهو إيغور (يوري بوريسوف) الشاب الذي يبدو مخيفا بقامته المديدة ورأسه الحليق، لكنه في الواقع يتعاطف مع أنورا، ويجد الكثير من الشبه بين ظروفه وشخصيته وظروفها وشخصيتها.

البعد الطبقي حاضر بشدة في «أنورا» وينتصر فيه شون بيكر لهؤلاء المهمشين، الذين يعيشون على أطراف المجتمع. يلعب الفيلم على زعزعة توقعاتنا وقلبها رأسا على عقب. كنا نتوقع من آني أن تستخدم فتنتها وخبرتها في التعامل مع الرجال خاصة، لصالح جني أكبر قدر من النقود من هذه الزيجة واستغلال الثراء لصالحها. لكن ما يحدث هو العكس، حيث يحاول والدا إيفان بالغا الثراء، خاصة والدته، على تجريد أنورا من كل ما حصلت عليه من إيفان، بما في ذلك خاتم زواجها القيم ومعطف الفراء الثمين. يحاول الأثراء الحفاظ على ثرائهم، بينما تسعى أنورا وراء البحث عن زوجها الهارب، الذي تظن خاطئة أنه سيتمسك بها متحديا والديه.

لا يسعنا إلا أن نؤكد براعة بيكر في اختيار ممثليه. مايكي ماديسون تبرع في لعب دور أنورا، وتنغمس كلية في لعب الشخصية. نجد فيها هذا المزيج من المرأة القوية التي خبرت كيفية التعامل مع الشارع والرجال، لكننا نعرف فيها أيضا ذلك الجانب المرهف الذي تخفيه خلف قوتها الظاهرة. أما مارك أيدلشتاين فهو يذكرنا شكلا بالجمال المرهف لتاتزيوا في رائعة فيسكونتي «الموت في البندقية» لكننا على يقين منذ أن نراه أنه لن يصمد في مواجهة أي شدة أو أي تحدٍ.. فما هو إلا طفل كبير يبعثر أموال والديه، لكنه لا يستطيع أن يخالف لهما أمراً، أو أن يستقل دون أموالهما. يعامل إيفان آني بلطف ويغدق عليها المال، لكننا نعلم أنه لن يتردد لحظة في التخلي عنها لتجنب غضب والديه.

يصحبنا بيكر في رحلة محمومة مجنونة، بين ملاهي نيويورك وصالات ألعابها، بين محكمتها للحصول على الطلاق، الذي نكتشف أنه يجب أن يتم في لاس فيغاس حيث تزوج آني وإيفان. ثم ينقلنا بالسرعة ذاتها إلى لاس فيغاس ومنها مجددا إلى نيويورك. طوال هذه الرحلة تبدو آني قوية حاضرة البديهة. لكننا ننتظر طوال الفيلم أن تنزع آني عن نفسها قناع القوة والصلابة، لتبدو على رهافتها دون تصنع للقوة. وحين تأتي هذه اللحظة تتحطم قلوبنا حتى نكاد أن نبكي، ولا تجد آني من يواسيها إلا إيغور، ابن طبقتها، الذي تجبره ظروفه أيضا على تصنع القوة، رغم طيبة قلبه.

 

القدس العربي اللندنية في

29.05.2024

 
 
 
 
 

صانعا الفيلم المصري الفائز بـ"العين الذهبية":

الممثلون تعرضوا للسخرية.. والحلم سلاحنا الوحيد

إيمان محمد

من قرية البرشا بمحافظة المنيا في صعيد مصر إلى السجادة الحمراء في مدينة كان الفرنسية، مشوار استغرق 5 أعوام قطعه فريق عمل صغير ليعمل على إنتاج فيلم "رفعت عيني للسما".

يحكي الفيلم قصة مجموعة من الفتيات اللاتي يقررن تأسيس فرقة مسرحية وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي في شوارع قريتهن الصغيرة، لتسليط الضوء على القضايا التي تؤرقهن كالزواج المبكر والعنف الأسري وتعليم الفتيات، بينما يمتلكن أحلاما تفوق حد السماء.

وبعد عرضه في الدورة الـ 77 من مهرجان كان، حصل "رفعت عيني للسما" على جائزة العين الذهبية في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ السينما المصرية بالنسبة للأفلام التسجيلية الطويلة.

"الجزيرة نت" التقت صناع الفيلم المخرجين ندى رياض وأيمن الأمير للحديث عن مشاركتهما في المهرجان السينمائي الدولي، وعن خصوصية العمل والصعوبات التي واجهتهما أثناء التصوير وغيرها من التفاصيل.

عنوان الفيلم

عن اختيار عنوان الفيلم، يقول المخرج المصري أيمن الأمير إن الفيلم لم يحظ بأي عنوان محدد لفترة طويلة وبعد انتهاء تصويره. إلا أنه والمؤلفة والمخرجة ندى رياض كانا يريدان عنوانا مرتبطا بالثقافة المصرية واللهجة العامية الدارجة.

"ولأن الفيلم يناقش الأحلام والأمنيات وأننا نرفع أيدينا وأعيننا إلى السماء حين ندعو الله لتحقيقها، اقترحت بطلة الفيلم ماجدة مسعود اسم "رفعت عيني للسما" الذي تم الاستقرار عليه بعد مناقشات" بحسب الأمير.

أما عن قدرة الفيلم على المنافسة عالميا رغم المحلية والخصوصية الشديدة التي يتمتع بها، تعقب رياض قائلة، "كان لدينا رغبة في أن نعبر بصدق شديد عن تجربة فرقة بانوراما برشا، وكل الإنجازات التي حققتها والتحديات التي واجهت الفتيات، كانت هناك رغبة في تقديم فيلم مصري أصيل يصل للجمهور في مصر، ويتفاعل معه، وأظن أن ذلك جعل الفيلم يصل لأبعد من جمهور المنطقة التي يعبر عنها".

ويلتقط الأمير خيط الحوار، ليشير إلى أن الإغراق في المحلية "هو العالمية بعينها"، مؤكدا أن المشاعر الإنسانية متشابهة في كل مكان في العالم، "فالجميع لديه أحلام كبيرة في عمر المراهقة، والجميع يمر بمراحل التفرق عن أصدقائه وفقد الأشخاص، وهناك لحظات مشتركة للبشر في قرية البرشا والقاهرة واليابان والمكسيك وكل العالم".

يستدرك قائلا، "لكن هناك اعتقاد شائع أن تقديم عمل يعرض على نطاق واسع لا بد أن يشبه أعمال نشاهدها في الخارج حتى يصل إلى الجمهور العالمي، ولكن العكس هو الصحيح"، مستشهدا بالمثل القائل، "إذا أردت أن تحكي حدوتة عن العالم، احكي عن القرية التي تعيش بها".

ويتابع المخرج المصري: "حاولنا تقديم مشاعر إنسانية بسيطة يشاركها الجمهور، وهي حكاية تقع في قرية البرشا ذات الثقافة الصعيدية، وهو ما يعطي أصالة ونكهة مميزة للفيلم أكدها وجود وجوه مصرية أصيلة، وأماكن لم تقدم من قبل على الشاشة".

استقبال الجمهور

أما عن ردود فعل جمهور مهرجان كان على "رفعت عيني للسما"، فأرجعت رياض تأثرهم الواضح لحضور إحدى بطلاته، إذ قالت الممثلة ماجدة مسعود على المسرح، "ستشاهدون أحلامنا وتجاربنا وهى أحلام كل البنات في قريتنا" وهي الكلمة التي أثرت في الحضور فكان الاستقبال رائعا.

ولم يتوقع الأمير الفوز بالجائزة، "لكن بطلات الفيلم كن يحلمن بها، وهو أمر هام لهن بعد سنوات من المعاناة، والتعرض للتنمر والانتقاد، ليس في الصعيد فقط، بل في القاهرة أيضا بحجة أن ما يقدمنه ليس ذا قيمة".

وبرر الأمير الفترة الطويلة التي استغرقها تنفيذ "رفعت عيني للسما" -استمر التصوير 4 أعوام وتم المونتاج في أكثر من عام- بأن القرار كان منذ البداية، أن يستغرق الفيلم وقتا لأنه ليس فيلما روائيا، وإنما عمل غير المعروف النهاية، لذلك كان لا بد من تتبع الشخصيات ومعرفة قراراتها المصيرية في الحياة، وتحول البطلات من مراهقات إلى نساء صغيرات، وهل سيتمكن من تحقيق أحلامهن، "وكل ذلك بحاجة إلى وقت".

وأضاف المخرج أن صناع الفيلم احتاجوا وقتا لبناء ثقة مع أهالي قرية البرشا وأهالي الفتيات والإجابة عن كل الأسئلة عن التصوير، وهي الثقة التي تحولت إلى صداقة مع أهل القرية مستمرة حتى الآن.

أما رياض فتعلق بابتسامة خفيفة قائلة، "الصورة الذهنية لدى بعض صناع الأفلام أن التصوير خارج القاهرة والإسكندرية صعب للغاية، ولكن من خلال تجربة الفيلم التصوير في الصعيد أسهل كثيرا، فأهالي الصعيد كرماء ومتعطشون للفنون وطوال الوقت يعرضون فنونهم بشغف، والصعيد أكثر انفتاحا مما يشاع عنه".

أما حول تدريب الممثلات اللاتي يقفن أمام الكاميرا لأول مرة، فيقول الأمير، "حرصنا أنا وندى على رصد التفاصيل بكل تلقائية وعفوية، لذلك فعلنا العكس، وحاولنا أن نجعل فريق الممثلات ينسى وجود الكاميرا والتصوير، وأن يتم التعامل بتلقائية، لذلك اعتمدنا على فريق عمل صغير لم يتجاوز 7 أفراد".

وأضاف "بطلات الفيلم لديهن طموحات فنية ورغبة في احتراف التمثيل والغناء والرقص، وهن يقدمن عروضا في الشارع، ويشاركن في ورش صناعة أفلام، وهو ما طور من طاقتهن الإبداعية وأسهم بشكل غير مباشر في الفيلم من خلال تقديم عروض أكثر قوة وجرأة وصدقا مع القضايا التي عبروا عنها".

صعوبات

وفيما يتعلق بالصعوبات التي واجهت صناع الفيلم، فإن أغلبها كانت تقنية بحسب الأمير، "وكنا حريصين دائما على التوازن بين الجودة الفنية والموضوع الذي نقوم بتصويره، لكن اختيار كاميرا غير مخصصة للفيلم التسجيلي الطويل تنقطع بعد تصوير 10 دقائق ونحن نصور ساعات طويلة فذلك من الصعوبات، فكنا نصور أحيانا في درجة حرارة 40 فكانت الكاميرا أيضا لا تتحمل درجات الحرارة المرتفعة، ومن المعوقات أيضا الصوت لأن القرية مليئة بالأصوات لقرب البيوت من بعضها، والأصوات متداخلة وهو ما تطلب مجهودا كبيرا بذله فريق الصوت، وأيضا المونتاج الذي اختصر 400 ساعة تصوير إلى ساعة ونصف وهو ما استغرق أكثر من عام".

واعترف المخرج بأن ظروفا إنتاجية جيدة توافرت للعمل من خلال دعم مؤسسات مختلفة على المستوى الإقليمي، في حين لفتت رياض إلى حصول "رفعت عيني للسما" على جائزة من مهرجان الجونة العام الماضي في مرحلة ما بعد الإنتاج، وتلقيه دعما من مهرجان مراكش وآفاق ومؤسسة البحر الأحمر السعودية.

أما الأمير، فعقب بأن طبيعة الفيلم كانت تستدعي أن يكون لديهم القدرة على التصوير في أي وقت دون وجود الميزانية كاملة، لأن هناك أحداثا غير متوقعة ولم يتم التخطيط لها، بعكس الأفلام الروائية، ولذلك كان عليهم التركيز على استمرارية التصوير طوال الوقت.

وعن تجربة الاشتراك في إخراج الفيلم والتعامل مع الاختلافات في وجهات النظر، قالت رياض "نعمل سويا في الأفلام التسجيلية منذ سنوات، لكن في الأفلام الروائية نتبادل أدوارا مختلفة بين الإخراج والإنتاج والكتابة، وبالتأكيد قد تختلف وجهات النظر في بعض الأحيان، لكننا نتعامل معها باحترام، وأصبحت السينما هي طريقنا للتواصل، وأعتقد أن الفيلم لن يكون كما هو حاليا إذا اعتمد على أحدنا فقط دون الآخر".

وفيما يخص العناصر الواجب توافرها في الأفلام المصرية للمنافسة على الصعيد العالمي، يرى الأمير أن الفيلم الصادق الذي يعبر عن مخرجيه هو الأساس، وأن يعبر الفيلم عن الهوية والثقافة الخاصة بصناعه.

وتتفق معه رياض قائلة، "الانشغال بالعرض في المهرجانات ليس لمصلحة صانع الفيلم، لأنه سيفكر في الأفلام التي عرضت في الدورات السابقة، ولن يركز في أن يقدم تجربة تشبهه. المخرج يصنع تجربته دون أن يفكر في مكان العرض، وأن يجتهد من أجل تقديم فكرة يراها ذات قيمة".

المصدر الجزيرة

 

الجزيرة نت القطرية في

29.05.2024

 
 
 
 
 

المخرج الفرنسي آلان غيرودي يجمع بين الكتابة والإخراج

"اندبندنت عربية" التقته بعد عرض فيلمه الجديد "الرحمة" في مهرجان كان السينمائي الـ77

ليلى عمار 

ملخص

تدور أحداث الفيلم الطويل السابع "ميزيركورديا" للمخرج آلان غيرودي في الريف الفرنسي. ويحكي العمل قصة شاب يعود إلى قرية صغيرة لحضور جنازة مديره السابق، ليزعزع مجيئه الهدوء المعتاد لسكان المنطقة.

اختتم مهرجان كان السينمائي الـ77 بمجموعة متنوعة وغير متوقعة من العروض هذا العام. وامتدت الفعاليات طيلة 11 يوماً. 

ويعود المخرج الفرنسي آلان غيرودي إلى بولفار كروازيت (مكان إقامة المهرجان) بفيلمه الطويل السابع "ميزيركورديا" Misericordia ، الذي تدور أحداثه في الريف الفرنسي. ويحكي العمل قصة شاب يعود إلى قرية صغيرة لحضور جنازة مديره السابق، ليزعزع مجيئه الهدوء المعتاد لسكان المنطقة. 

الفيلم من بطولة كاثرين فروت، وفيليكس كيسيل، وجاك ديفيلاي، وجان بابتيست دوران، ودافيد أيالا.  "اندبندنت عربية" التقت المخرج خلال المهرجان، وكان معه هذا الحوار.

تدور أحداث الفيلم في جو هادئ ورصين يضفي لمسة تشويقية على القصة، كما هي الحال في معظم أفلام المخرج الأخرى، إذ يوجد دائماً لغز ينتظر الحل، أو لا. لكن ما الذي يعجب المخرج تحديداً في هذا النوع من الأفلام؟

الاهتمام بالتفاصيل

ويوضح المخرج الفرنسي آلان غيرودي أنه ليس متأكداً من أنه يصنع أفلاماً تشويقية، لكنه يسميها فيلم نوار. ويقول "لست مهتماً بالضرورة بالوصول إلى نتيجة التحقيق، وبأن يبدأ المشاهد في البحث عن الجاني مع المحققين. أنا مهتم أكثر بدوافع الشخصيات ومشاعرها، وطريقة تصرف القاتل بعد ارتكاب جريمته، وكيف يعيش مع هذا العبء الثقيل، وكذلك الأمر بالنسبة لمن شهد الجريمة. والسؤال الرئيس بالنسبة لي هو كيف يتمكن هؤلاء الأشخاص من التوفيق بين الخطيئة ورغبتهم في استكمال حياتهم بصورة طبيعية".

ويظهر في العمل أن المخرج قدم فكرة التسامح نوعاً ما، ويعني اسم الفيلم "ميزيركورديا" الرحمة.

ويوضح المخرج أن هناك مشهدين قويين يتم تسليط الضوء من خلالهما على الأسئلة الرئيسة للفيلم بوضوح، في كرسي الاعتراف وعند الجرف، إذ تناقش الأسئلة الأخلاقية البارزة بين جيريمي (الشخصية الرئيسة) والكاهن، مثل الانتحار أو الشعور بالذنب على سبيل المثال.

وصور الفيلم في جنوب غربي فرنسا، وفي منطقة المخرج تحديداً، أفيرون، ويلاحظ أنه دوماً يأخذ كاميرته إلى بيئة رصينة محاطة بالطبيعة، التي تربطه بها علاقة خاصة. 

ويقول المخرج الفرنسي "في فيلم ’ميزيركورديا‘ أنا حقاً في محيطي، قرية صغيرة، ومزارع معزولة، وهذا هو جوي بالفعل. لقد أمضيت وقتاً في بناء أكواخ بين الأشجار عندما كنت طفلاً أطول مما أمضيته في التسوق في المحال التجارية. وأشعر بأنه من المنطقي أن أتحدث عن الحياة هناك، فأنا في مكاني المثالي هناك، الذي أرتاح فيه. الريف والغابة والقرى الصغيرة هي العناصر التي تمثلني حقاً، كما أنها مرتبطة بقوة بفكرة الوجود الأبدي التي أزرعها في كل فيلم من أفلامي، والتي تحدث بصورة عامة، مثل ’ميزيركورديا‘، بين الحاضر والماضي".

السرمدية

ويضيف "هناك عناصر حديثة، ولكن في الوقت ذاته ثمة عباءة الكاهن. هناك عناصر من زمن آخر، أحب هذا الشعور الأزلي، وهو يصلح بصورة جيدة في الريف وأقل منه بكثير في المدينة، حيث هناك بالضرورة عناصر الحداثة التي لا يمكنك تجنبها مثل لافتات المتاجر التي تضع الفيلم في زمان ووقت محدد.

ولدى سؤاله عما يعجبه في السرمدية؟

يجيب آلان غيرودي، "يتعلق الأمر ببحثي عن العالمية. وأحاول باستمرار ترجمة قصتي الخاصة إلى شيء عالمي يتردد صداه عند الآخرين. لذلك، أحاول دوماً الإشادة بالحياة اليومية، وتنمية الأسطورة حول البساطة، وأعتقد أن فكرة الأبدية تساعدني في القيام بذلك".

يذكر أن غيرودي كرس وقته أخيراً للكتابة، ولكن هل هناك فوارق بين كتابة الروايات وصناعة الأفلام أم أنه يفعل الشيء ذاته من خلال وسائل مختلفة؟

يوضح مخرج فيلم  "مجهول البحيرة" الذي قدمه عام 2013 "هذان شيئان مختلفان تماماً، ولا أشعر بأنني أفعل الأمر ذاته. الأمر مضحك لأنه في الأدب أشعر بأنني أستطيع الذهاب أبعد بكثير، والقيام بشيء لا أستطيع القيام به في السينما، مثل الدخول إلى عقل شخص ما. ذلك مضحك لأنه في السينما، دائماً ما نقوم باقتطاع أجزاء، سواء كان ذلك لأسباب مالية أو لأن بعض الممثلين لا يستطيعون أو لا يرغبون في القيام بأشياء معينة، في حين أن الأدب يسمح لي بإضافة كل ما أريده من أمور. هاتان عمليتان مختلفتان".

صحافية وناقدة سينمائية

 

الـ The Independent  في

29.05.2024

 
 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004