ملفات خاصة

 
 
 

بيرد” فيلم أندريا أرنولد في كان.. حصاد الهشيم!

أمير العمري

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

انتظرت في تشوق، مشاهدة الفيلم الجديد “بيرد” Bird، للمخرجة البريطانية أندريا أرنولد الذي عادت به إلى مسابقة مهرجان كان بعد ثماني سنوات من الغياب، أي منذ عرض فيلمها السابق “عسل أمريكي” American Honey (2016) الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم.

إلا أن كل التوقعات والآمال باءت بالفشل. فها هي أرنولد، تحاول أن تلعب على نفس الثيمة التي سبق لها أن عالجتها بنجاح في فيلمها الأول “حوض السمك” Fish Tank ولكن مع فشل تام في تقديم أي رؤية تتمتع بالصدق الفني، أو بالتماسك من حيث البناء وسياق السرد والشخصيات، فكل شيء في هذا الفيلم مصطنع تماما، ومبالغ فيه كثيرا، بغرض تحقيق “الصدمة”، بدعوى أن هذه أصبحت صورة الواقع في إنجلترا المعاصرة كما تراها المخرجة، من خلال تصوير حفنة من الشباب العابث الضائع.

إنها تحاول، دون أن تقترب كما كان ينبغي من سبر أغوار موضوع فيلمها، تجربة فكرة تنزلق على السطح، هي تارة أزمة الهوية، وتارة أخرى، الشباب الذي يغرق نفسه في المخدرات والموسيقى الصاخبة والوشوم الجسدية العبثية، والأبناء الذين لا يعرفون من هم ومن أين جاءوا، وتارة ثالثة، فكرة معاناة فتاة خلال عبورها من الطفولة إلى الأنوثة.. وكلها أفكار تمر سريعا دون أي تعمق.

الأسلوب الذي أصبح عرفا متبعا في أفلام أندريا أرنولد، هو أسلوب الواقعية الجديدة الذي عفا عليه الدهر، وأصبح في حاجة إلى التطوير، فهي تستخدم الكاميرا المحمولة الحرة، تتابع بواسطتها بطلة فيلمها، فتاة الثانية عشرة “بيلي”، في سيرها وانتقالها من مكان إلى آخر، هائمة على وجهها، ترقد حينا في العراء، أو تصور بهاتفها المحمول كل من تقابلهم من شخصيات غريبة، غير أن تركيزها الأساسي على الطيور، وكأن الفيلم يقول لنا إن بيلي تبحث عن الحرية، عن التحليق الحر في الفضاء مثل الطيور وهي فكرة نمطية ساذجة!

بيلي” فتاة سوداء من أصول افريقية، لكنها ابنة لرجل أبيض ذو عينين زقاويتين هو “باغ bug” (حشرة بق الفراش!)- يقوم بالدور الممثل الأيرلندي الصاعد بقوة في سماء الدراما الإنجليزية، “باري كيوغان”. ورغم حرصه على الفتاة ورعايتها، إلا أنك تشعر أنه في حاجة إلى الرعاية هو نفسه، فهو مهووس بالوشوم التي تغطي جسده كله، وكلها رسوم لحيوانات وزواحف وطيور مفترسة، وبالموسيقى الصاخبة والرقص المجنون مع عصبته من الأولاد الأشقياء، وهو يأمل في أن يجني ثروة بعد أن يبيع المادة المخدرة التي يفرزها ضفدع من نوع خاص جدا. ولكي يفرز هذا الضفدع تلك المادة الثمينة، يجب أن يتم إزعاجه بالإيقاعات الموسيقية والدقات العنيفة التي لا تتوقف طوال الفيلم في الحقيقة.

سنعرف أن بيلي لها أم ( من أصول إفريقية مثلها، تقيم في مكان آخر بعيد، مع ابنتيها من باغ، مع شاب عنيف مدمن، يضربها باستمرار ويفتك بها فتطرده،  ثم يعود لكي يتوسل من أجل أن يعود إليها.

باغ يريد أن يتزوج من فتاة يحبها هي الآن حامل منه. ولكن بيلي غاضبة من مسلكه هذا وترفض أن تجرب الفستان الذي اشتراه لها لكي ترتديه في حفل الزفاف. وتفر خارج البيت الذي لا يملكه باغ، بل هو عبارة عن مأوى جماعي متدهور تم الاستيلاء عليه بموجب العرف الإنجليزي العتيق.

تلتقي بيلي بشاب ألماني غريب الأطوار، يرتدي تنورة، يدعى “بيرد” جاء إلى تلك المنطقة من ريف مقاطعة كنت في جنوب شرقي إنجلترا، للبحث عن أبيه، تتطوع بمساعدته، ويتوصل الاثنان بالفعل الى مكان الأب (لا نعرف كيف فليس مهما) لكن الأب يرفض الاعتراف بابنه، فهو متزوج من امرأة أخرى وقد نسى تماما أمر زوجته الأولى وابنه منها. لكن بيرد يتمتع بميزة أخرى خطيرة الشأن هي أنه يستطيع الطيران بجناحين من الريش على غرار عباس بن فرناس (!) هنا يغادر الفيلم واقعيته، أي واقعية “حوض المطبخ”، ويتجه إلى “الواقعية السحرية”!

الفكرة التي جذبت المخرجة هي تصوير تلك الشخصيات التي لا تقنع أحدا، تريدنا أن نصدق أن باغ (الأب) أنجب ابنته بيلي وهو في التاسعة من عمره، فهو يقول لها إنه الآن في الحادية والعشرين بينما هي في الثانية عشرة، ثم تريدنا أن نصدق أيضا أن أخاها من أم أخرى ومن نفس الأب باغ، ويدعى “تايجر” (أي نمر) وهو في الرابعة عشرة، أنجب طفلا من فتاة في الثانية عشرة ولكن أهلها منعوها من مقابلته، وهو يريد أن يلقاها بمساعدة بيلي وأن يحظى برعاية أبنه. ولكن من أين تعيش هذه الشخصيات الهامشية المغيبة؟ لا أحد يعرف، ولا أندريا أرنولد نفسها!

يعاني الفيلم مثل أفلام كثيرة تصنع بالنوايا الحسنة، من غياب الحبكة، أي القصة التي تسير في سياق درامي محدد تجمع بين هذه الشخصيات، وترسم مصائرها، وتنتهي إلى فكرة تثير اهتمام المتفرج، لكننا أمام فيلم أقل ما يقال عنه أنه عمل مفكك سطحي وصفي كئيب لا يثير سوى الكآبة.

هناك رتابة في السرد، وشخصيات كرتونية سطحية، وفتاة لا نعرف ماذا تريد وما الذي يجعلها غاضبة باستمرار، تؤديها ممثلة مبتدئة، متجهمة، باردة لا يغادر وجهها تعبير واحد جامد طول الفيلم.

وعلى الرغم من الإيحاء بالواقعية في التصوير، ومن الكاميرا المحمولة الحرة التي توهمنا بأننا نشاهد شيئا قريبا من “سينما الواقع وسينما الحقيقة”، إلا أن الفيلم يمتنع عن الإقناع، بل ولا تبدو التفاصيل الكثيرة التي ينضح بها (قصة الضفدع الغريب مثلا) مثيرة للاهتمام، ولا ولع الأب الشاب الذي لم يتخلص هو نفسه من مراهقته بعد، ورغبته في الزواج من فتاة أخرى، أمرا يثير أي اهتمام فهو لا يساهم أصلا في تطوير الموضوع، ولا أحد يعرف لماذا يرتدي “بيرد” تنورة، ولماذا يظهر في مشاهد عديدة دائما وهو يقف فوق الأسطح مثل “سوبرمان” كما لو كان يستعد للطيران، ولا ماذا سيفعل بعد أن رفض أبوه الاعتراف به.

إن أجواء الضياع والتشرد والتشرذم وغياب الانتماء أو الإحساس بالآخرين هي أجواء مصنوعة تماما ولا صلة لها بالحقيقة، وأي مقارنة مع أفلام كن لوتش الواقعية التي تصور بكل صدق ومهارة الواقع البريطاني، هي مقارنة عقيمة.

 

موقع "عين على السينما" في

27.05.2024

 
 
 
 
 

محمد رسولوف.. يفضح السلطة التى ترتعد أمام الكاميرا

طارق الشناوي

وكأن المدير الفنى للمهرجان تيرى فريمو يكتب سيناريو ليصل فى نهايته إلى لحظة الذروة، تتويج فيلم (بذرة التين المقدس) بأهم جوائز المهرجان (السعفة الذهبية).

المشهد الأول، الذى خطط له فريمو بحنكة وذكاء، يبدأ بالإعلان عن عرض الفيلم، مع غموض يحوم حول المخرج هل يشاهد فيلمه مع الجمهور أم لا، خاصة أنه ممنوع ليس فقط من السفر، ولكن قبلها أيضًا ممنوع من ممارسة المهنة وعليه أحكام واجبة النفاذ بالسجن 8 سنوات وأيضًا الجلد؟.

المشهد الثانى تتم (البرمجة) للفيلم فى اليوم الأخير للفعاليات، حتى يزداد تعطش الجمهور لمشاهدة الفيلم، المشهد الثالث التأكيد قبل ساعات من العرض على حضور المخرج محمد رسولوف وصعوده على سلم قاعة (لوميير)، حيث نجح فى الهروب من البلاد خلال اللحظات الأخيرة، ويقيم حاليًا فى دولة أوروبية، برغم الملاحقة القانونية التى فرضتها السلطات الإيرانية، كل هذه المشاهد تابعها الملايين عبر (الميديا)، حتى الذين لا تعنيهم السينما ولا المهرجانات، إلا أنها قطعا تمتلك كل أسباب التشويق. المشهد الرابع الذى أتصور أن المدير الفنى تمنى حدوثه، لأنه لا يملك تحقيقه، هو تتويج الفيلم الإيرانى بجائزة (السعفة الذهبية)، من الواضح أن رئيسة لجنة التحكيم، المخرجة جريتا جيرويج، أضافت بصمتها الخاصة على السيناريو السابق، ومنحت المخرج محمد رسولوف جائزة لجنة التحكيم الخاصة، وهى قطعًا لا ترقى إلى (السعفة)، إلا أنها فى كل الأحوال لم تفسد السيناريو الذى وضعه فريمو، لأنها تعنى اعتراف اللجنة بإبداع المخرج.

ظلت صورة رسولوف واستقباله الحافل فى القاعة عند عرض فيلمه، الجمعة الماضى، وبعد حصوله على الجائزة، هى العنوان الأكثر بريقًا للميديا لمهرجان (كان) فى دورته 77.

وصعد على المسرح محمد رسولوف قبل 36 ساعة، شاكرًا المهرجان، ومشيدًا بزملائه الذين لم يتمكنوا من السفر للمهرجان لأنهم على قائمة الممنوعين من السفر، ولايزالون رهن التحقيق، كما أنه على سلم قاعة دار العرض رفع هو وإحدى بطلات الفيلم صورهم أمام الجمهور، كما أنه ذكرهم بكل تقدير فى كلمته، التى ألقاها بالفارسية وتمت ترجمتها للإنجليزية والفرنسية، معلنًا أن للأفكار أجنحة قادرة على التحليق دومًا والطيران بعيدًا عن مرمى النيران، وهكذا صار من مجرد مواطن ينتظر حكمًا بالسجن ثمانى سنوات وجلد وتنكيل، لأجل غير مسمى، إلى بطل يقف مرتين خلال 24 ساعة على مسرح قاعة (لوميير) مستمعًا إلى نبضات قلوب الناس تحوطه وتحميه وتؤكد أن الرسالة وصلت. (بذرة التين) فى الثقافة الإيرانية، كما يشير أكثر من مرجع، هى بذرة تنبت عشوائيًا، ولكن حتى تواصل النمو تغتال كل النباتات الأخرى حولها حتى تنفرد هى بالحياة، ولا يقاسمها مصدر المياه أى ثمرة أخرى بجوارها.

استمد رسولوف حكاية البطل من تلك النبتة، فهو- كما يبدو فى بداية الأحداث- محب لأسرته، عاشق لزوجته وابنتيه، ناجح فى مهنته كمحامٍ، تفكر الدولة فى الاستعانة به فى منصب قضائى داخل النيابة حتى يصعد بعدها إلى درجة القاضى، يكتشف أن عليه الموافقة على كل أحكام الإعدام بحق المواطنين الذين تعتبرهم الدولة الإيرانية وتصنفهم من الأعداء، يوافق على تلك المقايضة التى يبيع من أجلها قناعاته، ولأنه يصبح مطلوبًا أمام أعداء الوطن كما يطلقون عليهم يتم تسليمه مسدسًا لحمايته الشخصية.

فى خط موازٍ لكل ذلك تندلع المظاهرات فى الشارع الإيرانى مطالبة بالحرية وبعدم فرض الحجاب على الرؤوس، العنف الذى مارسته السلطة أوضح أنها فاقدة السيطرة على مجريات الأمور.

النقاش بين الأب وابنتيه وزوجته أكد على التباين العميق فى الأفكار، بعد أن صار جزءًا من النظام، ولهذا يبرر القسوة والعنف الذى تغالى الدولة فى توجيهه لمن يختلف معها. وفى المظاهرات نرى الفتاتين تحاولان إنقاذ فتاة أخرى بعد أن أطلقوا على وجهها رصاصهم المطاطى العشوائى.

نصبح دراميًا أمام رجل فى مواجهة قبيلة النساء داخل المنزل، يشكلون أفراد الأسرة، يزداد الأمر شراسة داخل الأسرة، عندما لا يجد المسدس، وهو قطعًا وطبقًا للقانون يعرضه فقدانه للسجن.

فى مطاردات زادت مساحتها الدرامية أكثر مما ينبغى، نرى الوجه القاسى المقزز للرجل فى النزاع مع ابنتيه وزوجته، وفى مفارقة درامية تنزلق قدمه ويسقط، بينما الجمهور كان قد فقد تمامًا أى مسحة من التعاطف معه، الجمهور موقن، لو كانت الحياة امتدت به لقتل هو ومن فوهة مسدسه أقرب الناس إليه.

إنه تجسيد حى لتلك البذرة التى لا تنمو وتزدهر مثل (التين المقدس)، سوى على آلام وحياة الآخرين!!

الخط العام فى السينما الإيرانية، الذى رسخه المخرج الراحل عباس كيروستامى، صاحب فيلم (طعم الكرز)، يبدأ هادئًا ولا ينبئ فى العادة بأى صراع، ثم ينتهى إلى الذروة بالقتل أو الموت، ومن خلال تتابع السيناريو ينتقل رسولوف، بإيقاع لاهث إلى تلك الذروة. المخرج بحنكة استعان بلقطات توثيقية تناولت المظاهرات الأخيرة فى إيران، وضعها فى سياق الفيلم كجزء درامى، لنرى كيف واجهت الشرطة المحتجين خاصة من النساء بكل هذا العنف المفرط.

رسولوف حافظ على إيقاع الأحداث وتدفقها، من خلال بناء يبدو فى البداية هندسيًا، ثم بعد ذلك يصبح مع تتابع المشاهد انسيابيًا، رجل قانون يواجه قبيلة من النساء هن أقرب الناس إليه، على استعداد أن يضحى بهن جميعًا من أجل أن يظل هو فى موقعه داخل السلطة، متجاوزًا كل مبادئ القانون.

عندما تشاهد فيلمًا إيرانيًا يتم تصوير جزء من مشاهده فى ايران، والمخرج أساسًا ممنوع بحكم قضائى من ممارسة المهنة، يصبح السؤال: كيف تم ذلك؟ هل كان المخرج مثلًا يكتب (الديكوباج) تقطيع اللقطات أحجامها وزوايا الكاميرا، ويعهد بها إلى عدد من تلاميذه ومساعديه للتنفيذ.

يبقى أهم سيناريو، ولا أتصور أن محمد رسولوف سوف يبوح به على الأقل الآن، وهو كيف تمكن من الهروب خارج البلاد، رغم أنه أمنيًا تحت المراقبة، هل ساعده بعض ممن هم لايزالون محسوبين على النظام؟ أظن أن تلك بذرة حقيقية ومقدسة بصدق وشفافية لمشروع قادم يشرع رسولوف بتنفيذه!!.

 

المصري اليوم في

27.05.2024

 
 
 
 
 

ماذا بعد «نورة»؟

طارق الشناوي

تتويج فيلم «نورة»، لتوفيق الزايدي قبل أيام بتنويه خاص من قسم «نظرة ما» في مهرجان «كان»، سيصبح مع الزمن نقطة فارقة في تاريخ السينما بالمملكة العربية السعودية، ورغم ذلك فإنه مجرد البداية لنجاحات وشيكة قادمة، السعودية أرض خصبة للإبداع وإنجاب المبدعين ومن مختلف الفنون، فقط كانت تنتظر المناخ المحفز، الفنان يتوق للحظة يفجر من خلالها الشحنة الكامنة، في ظل ظروف مواتية، توفر له أسباب التحرر والانطلاق، وبعدها لن تتفتح زهرة واحدة، بل حدائق من الزهور.

الفيلم يعود درامياً لعقد التسعينات من القرن الماضي، في قرية نرى فيها المعلم الذي يمنح تلاميذه ليس فقط المقرر الدراسي، ولكنه يرنو بعيداً عن المقرر، ويبدأ بالرسم، القرية هي نموذج مصغر لمجتمع كان يخشي حتى من مجرد أن يمسك بالريشة ويكتب على الورق. نورة، هي الفتاة التي تدفعها الرغبة في الحرية إلى أن تسعى لكي تصبح هي المعادل الموضوعي للوحة التي يبدعها المدرس (الفنان) بكل تداعياتها، لسنا بصدد قصة حب، السيناريو لا يشير أبداً إلى ذلك، حتى يمنح الفيلم رحابة أكثر في قراءة مفرداته، إنه العمق الفكري الذي يبثه الشريط السينمائي، والرغبة أن يتنفس المجتمع أكسجين الفن، هذا هو ما يقوله ببساطة فيلم «نورة»، مهما كان الزمن - في ذلك العقد (التسعينات) قبل نحو أكثر من ثلاثين عاماً - قاسياً في تقديره للفنون، والسماح بتداولها، إلا أن الشريط السينمائي، وكأنه يقدم لنا تحليل البنية التحتية التي دفعت الإنسان السعودي لكي يتحرر من سطوة العادات والتقاليد الرافضة للفن، هل تلك حقاً هي مشاعر الإنسان البسيط، الفيلم يؤكد أن ما كنا نراه على السطح في الماضي من تشدد في مواجهة الفنون، لا يعبر أبداً على العمق الحقيقي لرجل الشارع.

الحكاية ليست هي بالضبط ما تقرأه أو تراه على الشاشة، العمق الذي تحمله يشير إلى أنها تحاكي، الأواني المستطرقة، عندما يرتفع المنسوب في إناء، يرتفع وبالدرجة نفسها في الأواني الأخرى الموازية، تلك هي قناعتي، عندما تنتعش السينما في السعودية أشعر أن العالم العربي كله ينتعش أيضاً، صارت السعودية في الأعوام الأخيرة، تشكل سوقاً قوية، محلياً وعربياً ودولياً، في توزيع الأفلام في العالم، هي الأقوى حالياً على مستوى الشرق الأوسط، ولا يمكن سوى أن تتوقف عند ما حدث بكل دهشة وإعجاب، إيقاع التقدم يحقق تصاعداً ملحوظاً، سواء في عدد دور العرض التي يتم تشييدها أو الأفلام التي تنتج، وهو ما نتابعه من نجاح موازٍ ومؤثر في الغناء والموسيقي والدراما، يحيط كل ذلك رغبة عميقة للدفع بهذا النشاط الثقافي والفني بكل تنويعاته للمقدمة، وتتحرك تلك المنظومة، من خلال جناحي الإبداع وزارة الثقافة، وهيئة الترفيه.

أتابع قبل بضع سنوات الجناح السعودي للسينما في مدينة كان، الذي يرفرف فوقه علم المملكة على شاطئ الريفيرا، أكثر الأجنحة الذي يشهد نشاطاً دائماً، من لقاءات وتكريمات ومشروعات سينمائية قادمة، نشاهدها بعد ذلك في كبرى المهرجانات.

رأس المال السعودي يشارك أيضاً في العديد من الأفلام العربية والعالمية، بعد أن انتعشت السينما محلياً، تمتع الفنان بهامش متسع من الحرية في طرح العديد من القضايا الاجتماعية، التي كان يشار إليها في الماضي باعتبارها من المسكوت عنه، وكأن هناك لافتة مكتوب عليها «ممنوع الاقتراب أو التصوير».

السينما ككلمة قبل نحو بضع سنوات، لم يكن من السهل تداولها، فكانوا أحياناً يطلقون عليها صوراً متحركة، انطلقت بقوة لتصبح مركزاً رئيسياً في عروض الأفلام، كما أنها قدمت تسهيلات لمن يريد تصوير أفلام في السعودية، وهكذا تفتح الباب لكي يرى العالم هذا الثراء التاريخي الذي تحتويه أرض المملكة.

الحكاية في عمقها ليست فيلم مثل «نورة»، شارك في مسابقة مهمة، وتم تتويجه عن جدارة بجائزة، في واحد من أكبر مهرجانات الدنيا، ولكنه مناخ عام، كلنا شهود عيان عليه، يدفع ويحفز على المزيد من التفوق، وقبل كل ذلك مواطن يحمل «جينات» تناصر الفن، كانت فقط تنتظر اللحظة المواتية لتتفجر آبار الإبداع.

 

الشرق الأوسط في

27.05.2024

 
 
 
 
 

جوائز دورة مهرجان "كانّ" الـ77: تنوّع فنيّ وجماليّ

كانّ ــ محمد هاشم عبد السلام

اختتمت مساء 25 مايو/ أيار فعاليات الدورة الـ77 لـ"مهرجان كانّ السينمائي الدولي". وأُسدِلَ الستار على دورة كانت تعد بكثير جدًا، قبل انطلاقها، نظرًا للأسماء الكبيرة المُكرسة في عالم الإخراج السينمائي، والتي جاءت بجديدها إلى "كانّ"، سواء داخل "المُسابقة الرئيسية"، أو غيرها، لتنتهي الآمال المعقودة إلى ردود أفعال مُتفاوتة جدًا، تراوحت بين الدهشة والإعجاب والانحياز، أو الرفض التام. ما يعني، أيضًا، أن "المُسابقة الرئيسية"، ودورة المهرجان هذا العام، بصفة عامة، اتسمت بكثير من الحيوية، وتنوع مستويات الإبداع، كما الابتكار في طرح الأفكار والرؤى. وقبل هذا، الاهتمام اللافت بالاشتغال البصري والجماليات الفنية والتجريب الشكلي. طبعًا، لا يعني هذا أنه ليس ثمة تكرار في ما يتعلق بالموضوعات، أو الحبكات، أو الخطوط الرئيسية، أو حتى الإحالة إلى أفلام سابقة. بالعكس، للتكرار حضوره، وعلى أكثر من مُستوى، فكريًا واجتماعيًا وإنسانيًا.

من بين 22 فيلمًا في "المُسابقة الرئيسية"، تنوعت مُوضوعاتها بين السياسي والاجتماعي والإنساني والخيال العلمي، نالت نصف أفلام المُسابقة، أو أقل، استحسان النقاد والصحافيين، وشبه إجماع للآراء على جودة وحُسن الاختيار. خاصة الدفع بأسماء جديدة شابة من الجنسين في أكثر من قسم. ورغم أن مُشاركة المُخرجات هذا العام لم تكن بحجم العام الماضي، وكان بإجمالي 7 أفلام، إلا أن الحضور النسائي، أو قضايا ومشاكل المرأة، بصفة عامة، كانت له أولوية في النقاش والطرح والتناول. ولذا، مثلًا، تميزت أكثر من مُمثلة في أدوار نسائية عدة، وفي أكثر من فيلم، وكان من المُحير فعلًا تخمين من ستنال جائزة "أحسن مُمثلة". وذلك، بعكس الأدوار الذكورية، وانتفاء الأداء اللافت من جانبهم على نحو ملحوظ.

جوائز مُنصفة

فيما يتعلق بالجوائز الرسمية للدورة الـ77، التي جرت مراسم توزيعها على مسرح "لوميير الكبير"، ومُنحت بناء على قرارات أعضاء لجنة التحكيم برئاسة المُخرجة والمُمثلة الأميركية غريتا غريويغ، وعضوية المُمثل الإيطالي بييرفرانشيسكو فافينو، والمُخرج الياباني كورييدا هيروكازو، والمُخرجة اللبنانية نادين لبكي، والمُمثل الفرنسى عمر ساي، والمُمثلة الأميركية ليلي جلادستون، والمُمثلة الفرنسية إيفا جرين، والمُخرجة وكاتبة السيناريو التركية إيبرو جيلان، والمُخرج الإسباني خوان أنطونيو بايونا، فقد جاء أغلبها في محله تمامًا. رغم أن المُنافسة لم تكن هينة بالمرة، وكان من الصعب فعلًا حسم كثير من الجوائز. لكن يبدو أن اللجنة كانت على قدر كبير من التفاهم وحتى الشجاعة في الإقدام على أكثر من سابقة ستُذكر لها. كان أبرزها خروج فيلم المخرج الأميركي الكبير فرانسيس فورد كوبولا من دون أي جائزة، أو منح أربع جوائز تمثيل نسائية دفعة واحدة، مُناصفة، في سابقة أولى؛ خاصة وأن الفيلم نفسه مُنِحَ أيضًا جائزة أخرى مُهمة للجنة التحكيم.

"تميزت أكثر من مُمثلة في أدوار نسائية عدة، وفي أكثر من فيلم، وكان من المُحيّر فعلًا تخمين من ستنال جائزة "أحسن مُمثلة""

ذهبت أهم وأرفع جوائز المهرجان، "السعفة الذهبية" إلى فيلم "أنورا" للمخرج الأميركي شون بيكر، حيث قدّمَ دراما شبابية اتسمت بالجنون والصخب والحب وطيش الشباب والمراهقة والضحك والعنف، وغيرها كثير. ومن ثم، نتعرف على فتاة الليل الشابة "أنورا"، التي تحلم بالهروب من مستنقعها بعدما قابلت أحد المراهقين الروس الأثرياء وتزوجته، لتنقلب حياتها إلى جحيم.

أما "الجائزة الكبرى" فنالها فيلم "كل ما نتخيله كضوء"، للمخرجة الهندية الشابة بايال كاباديا. نجحت بايال ليس فقط في أن تُعيد الهند إلى المُسابقة بعد غياب عقود، بل في نيل الاستحسان العريض، وانتزاع جائزة كبرى بحق وسط عمالقة، بعمل روائي أول لها. وإن كانت أفلامها الوثائقية القصيرة، وكان آخرها قبل ثلاثة أعوام، حيث انطلقت من تظاهرة "نصف شهر المخرجين" بفيلمها الوثائقي، الشجاع والمهم جدًا واللافت "ليلة الجهل بكل شيء" (2021)، ما فتح الطريق أمامها وبَشَّرَ بولادة مُخرجة موهوبة وواعية. نجحت في مزج الأنثوي والإنساني ضمن إطار رومانسي حسي بالغ الرهافة والحزن والصدق.

جائزة "أحسن إخراج"، نالها المخرج البرتغالي ميجال جوميز عن ملحمته بالأبيض والأسود "الجولة الكبرى"، وهي قصة حب أو بالأحرى مُطاردة غرامية، حيث تُلاحق فتاة حبيبها في آسيا. وبينما يتنقل الحبيب، فارًا من بلد إلى أخر ومدينة تلو المدينة، وتتبعه حبيبته، نتعرف على مدن وعادات وتقاليد وفنون وثقافات، ونستمتع بسرد سينمائي وبصري وفني غاية في التشويق والجدة.

ذهبت جائزة "أفضل سيناريو" إلى فيلم "المادة" لكاتبة السيناريو والمخرجة الفرنسية كورالي فارجيت، ذات الخيال الجامح جدًا، سواء على مستوى الكتابة أو الإخراج الفني عامة، وأيضًا الجنون الإبداعي والشطح الخيالي والتوازن الخلاق والمُقنع والمُشوق لمُختلف جوانب الفيلم، الذي لا يُمكن وصفه، رغم كل شيء، بفيلم خيال علمي، أو مُستقبلي، أو حتى غير واقعي. يُنطوي هذا كله على وجبة دسمة غاية في العمق والسوداوية، فلسفيًا ونفسيًا وإنسانيًا، رغم كثرة الدماء والعدوانية والعنف.

"ذهبت أهم وأرفع جوائز المهرجان، "السعفة الذهبية" إلى فيلم "أنورا" للمخرج الأميركي شون بيكر، حيث قدّمَ دراما شبابية اتسمت بالجنون والصخب والحب وطيش الشباب والمراهقة والضحك والعنف"

كما ذهبت جائزة "لجنة التحكيم الخاصة" إلى فيلم "إيميليا بيريز" للمُخرج الفرنسي جاك أوديار، في تجربة مُذهلة في جميع المُستويات. تدور أحداث الفيلم الغنائي المُوسيقي الراقص في المكسيك، وهو ناطق باللغة المكسيكية. ورغم عادية الموضوع والأحداث، حيث التحول الجنسي وحروب العصابات والمُخدرات وغيرها، إلا أن أوديار صنع من هذه الخلطة المعتادة رائعة ربما لن تُضاف إلى روائعه المحفورة في الذاكرة.

عن جدارة واستحقاق، ذهبت جائزة "أحسن مُمثلة"، إلى بطلات فيلم "إيميليا بيريز" كارلا صوفيا جاسكون، وزوي سالدانا، وسيلينا جوميز، وأدريانا باز، للمخرج جاك أوديار، الذي ظل مُرشحًا حتى اللحظات الأخيرة، وفقًا للتخمينات، لجائزة "السعفة الذهبية".

وذهبت جائزة "أحسن ممثل" إلى جيسي بليمنز عن أدواره الثلاثة المُختلفة التي أداها باقتدار لافت ضمن ثلاث حكايات مُختلفة ومُنفصلة تمامًا في فيلم "أنواع من اللطف" الناطق بالإنكليزية للمُخرج اليوناني الموهوب، يورجوس لانتيموس، العائد بقوة إلى عالمه الغرائبي المعهود، الخاص جدًا، والمُميز لمسيرته منذ انطلاقته في عام 2009 مع فيلم "ناب الكلب".

منحت لجنة التحكيم "جائزة خاصة" للمُخرج الإيراني الهارب مُؤخرًا من إيران محمد رسولوف عن فيلمه المُتميز جدًا "بذرة التين المُقدس". وهي جائزة تكريمية وسياسية وتشجيعية بالأساس. وكان الجميع على يقين من أن اللجنة ستمنحه جائزة بعد ذيوع أخبار فراره ووجوده في "كانّ"، وذلك حتى قبل أن يُعرض فيلمه في اليوم الأخير. وإن كان الفيلم بعيدًا عن كل شيء يُعد من بين أجمل وأقوى وأنضج أعمال محمد رسولوف.

في قسم "نظرة ما"، التالي في الأهمية بعد "المُسابقة الرئيسية"، والمُحتضن للتجارب الأولى للمُخرجين والمُخرجات، وتحظى جوائزه باهتمام كبير، وتنافس فيه 18 فيلمًا هذا العام، مُقارنة بـ22 فيلمًا العام الماضي، منحت لجنة التحكيم التي ترأسها المُخرج الكندي الشاب كزافيه دولان، الجائزة إلى فيلم "الكلب الأسود" للمُخرج الصيني جوان هوو. وهو عن علاقة غريبة جدًا، قوامها الوحدة، تجمع بين شاب خرج لتوه من السجن وكلب أسود ضال.

جوائز عربية

مُقارنة بالعام الماضي الذي نالت فيه الأفلام العربية أكثر من جائزة مُستحقة، لم تحصل الأفلام العربية المعروضة في أقسام المهرجان، وهي قليلة بالأساس، إلا على جائزتين شرفيتين تقريبًا. الأولى حصل عليها الفيلم المصري الوثائقي "رفعت عيني للسما"، أو "حافة الأحلام"، وفقًا للعنوان الإنكليزي، من إخراج ندى رياض، وأيمن الأمير. تدور أحداث الفيلم المُثير لكثير من التساؤلات والقضايا الشائكة والشديدة الحساسية، في أكثر من مستوى، في إحدى قرى مدينة ملوي بصعيد مصر، ومُحاولات مجموعة من المراهقات مُتابعة أحلامهن وتطلعاتهن الفنية غير المحدودة. الفيلم المعروض في تظاهرة "أسبوع النُقاد" في دورتها الـ63، فاز مُناصفة بجائزة خاصة تحمل اسم "العين الذهبية"، صارت تُمنح مُؤخرًا لأحسن فيلم وثائقي في مُختلف أقسام المهرجان، وذلك مع الفيلم الفرنسي "إرنست كول" للمُخرج راؤول بيك.

كما حصل الفيلم السعودي "نورة" للمُخرج الشاب توفيق الزايدي، وهو أول مُشاركة سعودية على الإطلاق في أي قسم من أقسام المهرجان، على "تنويه خاص" من لجنة تحكيم مُسابقة قسم "نظرة ما".

 

ضفة ثالثة اللندنية في

27.05.2024

 
 
 
 
 

"سعفة" مهرجان كانّ أميركية: غرويغ وبايكر يجمعهما همّ واحد

هوفيك حبشيان

بعد 12 يوماً من ماراثون سينمائي لم نلتقط أنفاسنا منه بعد، اعتلى #فرنسيس فورد كوبولا خشبة #مسرح لوميير، مساء السبت الماضي، خلال حفل ختام #مهرجان كانّ (14 - 25 أيار)، ليسلّم صديقه #جورج لوكاس جائزة فخرية عن مجمل أعماله (يصح أيضاً "عن مجمل عالمه"). يا لها لحظة مؤثّرة ستبقى طويلاً في وجدان المهرجان. كان السيناريو المثالي ان يبقى ليتسلّم "السعفة" عن رائعته "ميغالوبوليس". لكن بدا هذا أجمل من ان يكون حقيقياً، اذ انه فور الانتهاء من مراسم التسليم والتسلّم واستعادة شذرات من الماضي ("إني مجرد طفل نشأ في كروم كاليفورنيا"، قال لوكاس)، عاد كوبولا إلى كرسيه، فيما بقي رفيق عمره على الخشبة ليسلّم المخرج الأميركي شون بايكر "سعفة" الدورة السابعة والسبعين، عن فيلمه الممتاز "أنورا"، بناءً على خيار لجنة تحكيم مكوّنة من تسعة أشخاص تترأسها الممثّلة والمخرجة الأميركية غريتا غرويغ، التي لقّبها بعضهم بـ”مخرجة باربي"، رغم انها تأتي من السينما المستقلّة، ويجمعها ببايكر همّ واحد.

بعد 13 سنة من فوز ترنس ماليك بـ"السعفة"، عن رائعته "شجرة الحياة"، عادت الجائزة السينمائية المرموقة إلى أميركا، وهي أكبر بلد فائز بها منذ اطلاق المهرجان غداة الحرب العالمية الثانية. إني من الذين كانوا يؤمنون بأحقية كوبولا بالجائزة، وذلك لأسباب عديدة، رغم أنني أرى أيضاً انه كان من الخطأ ضمّه إلى المسابقة، بل كان يجب عرضه خارجها، كما فعل سكورسيزي العام الماضي، لكن مع ذلك، فإن لـ"أنورا" مزايا كثيرة تجعله يستحق الجائزة التي نالها. في النهاية، هذه مجرد جوائز، ولا تشكّل في أي شكل من الأشكال، أهم حدث في مهرجان مثل كانّ، حيث ترى الناس على مدار اسبوعين يركضون بشكل هستيري من جهة إلى أخرى، للحاق بمواعيد العروض.

"أنورا" فيلم خفيف الدم ومتقن الصنع وعميق، كان عرضه بمنزلة هبوب هواء منعش على المسابقة. رغم العديد من الأعمال المميزة، كنّا في حاجة إلى فيلم كهذا، على قدر من الابتكار والحرية. وقد جاء فيلم بايكر ليلعب هذا الدور. الفيلم عن عاملة جنس (كما بات يُعرف في زمننا) اسمها آني (ميكي ماديسون)، وهو اختصار لأنورا، تدخل من حيث لا تدري في علاقة مع شاب روسي يعيش على أموال والده الذي هو أحد أشهر الأوليغارشيين الروس. تقدّم اليه خدمات جنسية مقابل المال، لكن فجأةً يتزوجان، الأمر الذي سيثير غضب الوالدين الذين سيكلفان ثلاثة "بلطجية" لحلّ الزواج وإعادة الشاب إلى أهله. من هنا وصعوداً سيحملنا الفيلم إلى سلسلة من المغامرات والمفارقات الهزلية التي تجعلنا نعتقد اننا في فيلم كارتوني من شدّة تعامل السيناريو مع شخصيات عنيفة لكن غير شريرة ويمكن ان نحبّها ونتعلّق بها. لكن الفيلم يذهب أبعد بكثير من مجرد الدعابة والنكتة، بل يفسح المجال لتأمل حقيقي حول النزاع الطبقي، وعن الكيفية التي يتنصّل بها الأثرياء من مسؤولياتهم. بايكر ينتصر أيضاً لعاملات الجنس في محاولة لنزع الوصمة في نظرة المجتمع اليهن. لكن هذه قضية معقدة لا يحلّها فيلم. لا يحضر أي من هذه المواضيع، كدرس أخلاقي، بل يجد طريقه إلى الشاشة من خلال السخرية وهي الأشد تأثيراً في ضمير المُشاهد. ولا يغيب عن تكنيك المخرج اللعب بتوقّعات المُشاهد وبأكواد الفيلم الرومنسي، وجرّها إلى حيث لا يتوقّعها.

الفيلم الهندي، "كل ما نتخيله كضوء"، لبايال كاباديا الذي صنع مفاجأة معتبرة في هذه الدورة، فاز بالجائزة الكبرى أو "الغران بري". وهكذا أعادت المخرجة الشابة ذات الثمانية والثلاثين عاماً السينما الهندية إلى مسابقة كان، بعد غياب دام ثلاثة عقود. الفيلم عمل إنساني يصور بحساسية عالية حكاية ثلاث ممرضات من مدينة مومباي وتفاصيل من حياتهن وما يعانين من تحديات ووحدة في ظل عيش ضاغط يسحق الإنسان. الفيلم تم الكشف عنه في نهاية المهرجان، وقد أشاد به النقاد.

"إميليا بيريز"، الفيلم العاشر للمخرج الفرنسي جاك أوديار، نال جائزة لجنة التحكيم. الفيلم خطف قلوب العديد من النقّاد. مروّج للمخدرات في المكسيك يجري عملية عبور جنسي ليتحوّل من رجل إلى امرأة… أمّهات مفجوعات وسط جحيم تصفيات الحسابات في الكارتيلات، ومحامية تحل هذا كله بالموسيقى والرقص. تركيبة غير اعتيادية أغوت أصحاب القلوب الضعيفة تجاه القضايا القوية. اللجنة قررت أيضاً اعطاء جائزة تمثيل جماعية لكل الممثّلات في الفيلم.

جائزة الإخراج استحقّها البرتغالي ميغيل غوميز عن "جولة كبرى". تبدأ الأحداث في رانغون، العاصمة السابقة لميانمار الحالية. القصّة يرويها لنا شخصان بصوتيهما، وهي كالتالي: موظّف في الدولة البريطانية يُدعى إدوارد (غونتشالو وادينغتون) يهرب من خطيبته مولي (كريستا ألفايته) اذ لا يريد ان يتزوجها، رغم اصرار الأخيرة على الموضوع، خصوصاً انها انتظرت سبع سنوات ليرتبطا. عريسنا الهارب سيغفو في مدينة لينهض في أخرى، وسنتعقّبه في رحلة مملّة ومتكررة في لحظات ومشوّقة في لحظات أخرى. كلّ شيء سينتهي في الأدغال الصينية، سترون كيف، اذا تمسّكتم بالصبر للوصول حتى النهاية.

أحد أكثر الأشياء التي انشغل به الإعلام في بداية المهرجان: قضية المخرج الإيراني محمّد رسول آف الذي حُكم بالسجن في بلاده بتهمة تهديد الأمن القومي، وذلك بعدما أعلن المهرجان ضم فيلمه الأحدث "بذرة التين المقدّس" إلى المسابقة. لكن رسول آف الذي يعاني من اضطهاد السلطات له منذ عام 2011، استطاع الفرار من طهران، فحط في كانّ حيث فاز بجائزة خاصة أُطلق عليها "جائزة خاصة"! مجاملة سياسية أم فن؟ للأسف، لم تتسنَّ لي مشاهدة الفيلم حتى الساعة بسبب تضارب مواعيد العروض. كلّ ما نعرفه انه يحدث خلال احتجاجات أيلول 2022 وأبطاله هم أب وابنتاه. هو مع السلطة وهما ضدها.

"المادة" للمخرجة الفرنسية كورالي فارجا، الذي كان خنق المشاهدين بلقطات مقززة دموية صادمة، نال جائزة السيناريو. الفيلم قصّة نجمة تلفزيوينة خمسينية (ديمي مور)، تُصرف من عملها بسبب عمرها، لكن ثمة مشروبا سحريا ستتجرّعه لاستعادة الشباب ستكون نتائجه كارثية عليها. أما الممثّل الأميركي جس بليمونز، فأُعطي جائزة التمثيل عن دوره في "أنواع اللطف" للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس الذي جاء بجولة استفزاز جديدة، بعد أشهر فقط من فوزه بـ"الأسد" في البندقية عن "كائنات مسكينة".

هكذا انتهى اذاً المهرجان. ويجب القول ان كانّ الحقيقي يبدأ في الأشهر المقبلة، عندما تصبح الأفلام التي عُرضت في اطار دائرة محدودة من الناس ملكاً للشاشات والناس. وفقط عند الانتهاء من معاينة الجزء الأكبر منها، نستطيع اصدار الأحكام النهائية.

 

النهار اللبنانية في

27.05.2024

 
 
 
 
 

جوائز مهرجان كان الـ77.. تكريم للحكايات النسائية وحضور عربي مميز

حسام فهمي

أسدل الستار في 25 مايو/ أيار على فعاليات مهرجان كان السينمائي في دورته الـ77، وقد امتد طوال 11 يوما، ولم يخلُ من السياسة مع أن منظميه حاولوا منع ذلك، فظهر العلم الفلسطيني في الفعاليات وحتى على السجادة الحمراء. وفي حفل الختام ذهبت الجوائز لأسباب اختلط فيها الفني مع السياسي.

وفي السطور القادمة نجمع لكم أهم تفاصيل جوائز ختام هذا المهرجان السينمائي الأهم عالميا.

المسابقة الرسمية.. سعفة ذهبية أمريكية وتكريمات نسائية

فاز الفيلم الأمريكي “أنورا” (Anora) للمخرج الأمريكي “شون بيكر” بالسعفة الذهبية لأفضل فيلم في المسابقة الرسمية، وهو أول أمريكي يحصد الجائزة منذ 13 عاما، منذ حصدها “تيرانس ماليك” في عام 2011 عن فيلمه “شجرة الحياة” (The Tree of Life).

وقد خصص المخرج “بيكر” كلمته بعد استلام الجائزة للحديث عن أهمية العرض السينمائي للأفلام، بدلا من مشاهدتها في المنزل كما تريد بعض شركات البث التلفزيوني والعرض المنزلي.

وكما توقع الجميع، فقد انحازت لجنة التحكيم التي ترأستها الأمريكية “غريتا غرويج” إلى الحكايات النسوية، وكرّمتها بأكثر من جائزة، فمنحت جائزة لجنة التحكيم الكبرى للفيلم الهندي “كل ما نتخيله ضوءا” (All We Imagine as Light)، ويدور حول رحلة ممرضة هندية وابنتها مع الحب، بين جيلين مختلفين داخل المجتمع الهندي، ويمثل هذا الفيلم الحضور الأول للهند في المسابقة الرسمية في كان منذ 30 عاما.

وهناك جائزة أخرى مُنحت لفيلم سياسي نسائي، وهي جائزة لجنة التحكيم الخاصة التي منحت أول مرة للمخرج الإيراني محمد رسولوف عن فيلمه “بذرة التين المقدسة” (The Seed of the Sacred Fig)، وهو يتتبع حركة التظاهرات النسائية في إيران، وما صاحبها من قمع، فتصبح القصة صراعا ينشأ داخل أسرة إيرانية، فالأب يعمل محققا في أجهزة الأمن الإيرانية، في حين تتعاطف بناته مع المظاهرات.

وعلى مستوى التمثيل، منحت لجنة التحكيم جائزة أفضل ممثلة لممثلات فيلم “إيميليا بيريز” (Emilia Pérez) الموسيقي الذي تدور أحداثه في المكسيك. وقد فاز الفيلم أيضا بجائزة لجنة التحكيم، وهو من إخراج فيلم “جاك أوديار”.

أما جائزة أفضل ممثل، فقد مُنحت للأمريكي “جيسي بليمونز” الذي أدى 3 أدوار مختلفة في الفيلم السيريالي “أنواع من اللطف” (Kinds of Kindness)، وهو من إخراج اليوناني “يورغوس لانثيموس”.

وهناك جائزة أخرى حصدها فيلم نسائي، وهي جائزة أفضل سيناريو، وقد منحت للفرنسية “كورالي فارجاه” عن فيلم “المادة” (The Substance)، الذي يدور في أجواء غرائبية عن عدم رضا مقدمة برامج تليفزيونية عن جسدها، مما يدفعها لتجربة عقار لاستنساخها في جسد أكثر شبابا.

وأما جائزة أفضل مخرج فقد نالها البرتغالي “ميغيل غوميز” الذي صنع في فيلمه “الجولة الكبرى” (Grand Tour) مزيجا فيلميا من الأبيض والأسود والملون، ما بين لقطات تسجيلية ومشاهد تمثيلية لرحلة رجل بريطاني من دولة آسيوية إلى أخرى.

نظرة ما.. جوائز متنوعة الأعراق والثقافات وإشادة عربية خاصة

في مسابقة “نظرة ما” التي يرأس لجنة تحكيمها المخرج الكندي “زافييه دولان”، شهد حفل الختام حضورا عربيا، ليس فقط بحضور عضوة لجنة التحكيم أسماء المدير، بل بمضامين الكلمة الافتتاحية لرئيس اللجنة نفسه، فقد استغل الفرصة للتعبير عن تضامنه مع “إخوته وأخواته” في الشرق الأوسط، المدنيين الفلسطينيين، وأيضا الأسرى من المدنيين اليهود، داعيا إلى وقف القتال والمذبحة، ووقف فوري لإطلاق النار.

وقد ذهبت جوائز قسم “نظرة ما” بشكل عرقي وثقافي متنوع لصناع سينما من دول مختلفة، فذهبت جائزة أفضل فيلم للفيلم الصيني “الكلب الأسود” (Black Dog)، وهو من إخراج “غوان هو”.

أما جائزة لجنة التحكيم فذهبت لفيلم “قصة سليمان” (L’Histoire de Souleymane) للمخرج الفرنسي “بوريس لوجكين”، ويدور حول “يوميات مهاجر أفريقي في باريس”، وصراعه من أجل حياته وطلب لجوئه. وهو الفيلم الذي حصد أيضا جائزة أفضل ممثل لبطل الفيلم “أبو سانغاري”، وهذا ظهوره الأول أمام الكاميرا.

وعلى صعيد آخر، ذهبت جائزة أفضل ممثلة للهندية “أناسويا سينغوبتا” عن فيلم “الوقح” (The Shameless)، وهو من إخراج “كونستانتين بوجانوف”.

وأما جائزة أفضل مخرج فقد تقاسمها الإيطالي “روبيرتو مينيرفيني” عن فيلم ” الملعون” (The Damned)، والبريطانية ذات الأصل الزامبي “رونغانو نيوني” عن فيلم “حين تصبح دجاجا غينيا” (On Becoming a Guinea Fowl).

وكان الحضور العربي الوحيد في جوائز قسم “نظرة ما” من نصيب السعودي توفيق الزايدي، فقد نال إشادة خاصة من لجنة التحكيم عن فيلمه “نورة”، وهو يمثّل مشاركة السعودية الأولى في الأقسام الرسمية لمهرجان كان.

أفضل وثائقي.. بين حكايات مصرية وجنوب أفريقية

كان الحضور العربي الأبرز في جوائز المهرجان من خلال فوز الفيلم المصري “رفعت عيني للسما” بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقي، وذلك مناصفة مع الفيلم المميز “إرنست كول.. فُقد وُوجد” (Ernest Cole: Lost and Found)، للمخرج الوثائقي الشهير “راؤول بيك”، ويدور حول إرث المصور الأسود الأول بجنوب أفريقيا في زمن الفصل العنصري، ومساندة القوى الغربية نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا.

أما الفيلم المصري “رفعت عيني للسما”، فهو من إخراج ندى رياض وأيمن الأمير، وتدور أحداثه عن فرقة مسرحية مكونة من فتيات قبطيات في صعيد مصر، وعن رحلتهن مع التمثيل والرؤية المختلفة لمستقبل النساء في مجتمع يسيطر عليه الرجال، وقد عُرض في قسم “أسبوع النقاد”.

أما جائزة العين الذهبية فقد مُنحت لأفضل وثائقي في كافة أقسام المهرجان، وقد استُحدثت هذه الجائزة منذ عام 2015، ويرأس لجنة تحكيمها هذا العام المخرج الفرنسي “نيكولا فليبير”، الذي يراه كثيرون أحد أهم صناع السينما الوثائقية في تاريخها، وقد تُوج في 2023 بالدب الذهبي من مهرجان برلين السينمائي.

 

الجزيرة الوثائقية في

27.05.2024

 
 
 
 
 

فتاة الإبرة ” في مهرجان كان.. بؤس العالم وأصالة السينما

أمير العمري

فتاة الإبرة” The Girl with the Needle هو الفيلم الدنماركي الذي أخرجه المخرج السويدي ماجنوس فون هورن، وشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان الـ77. هذا عمل سينمائي كبير، يتوفر له سيناريو جيد، محكم، وموضوع يشدك حتى النهاية، وشخصيات نابضة بالحياة، وتصوير بديع، يكثف من خلال الضوء والاختيار الدقيق للزوايا وأحجام اللقطات وحركة الكاميرا، الجو النفسي السائد في الفيلم.

ويساهم تصميم الديكورات وتنسيق المعالم الخارجية والداخلية في خلق الجو العام والبيئة التي كانت سائدة في الفترة التي تدور فيها الأحداث، مع أداء تمثيلي، تجسيد للشخصيات، يبلغ أرقى مستويات الأداء والتقمص والعيش داخل جلد الشخصيات بحيث تذوب الممثلة داخل الدور، وتصبح كائنا مستقلا قائما بذاته حاضرا في الذهن والذاكرة.

إلا أن كل هذه العناصر المتكاملة على  نحو مثالي، لم تدفع لجنة التحكيم إلى منحه جائزة، لأن “الموضة” التي أصبحت سائدة اليوم هي تفضيل الأفلام الـ perverse الغريبة الأطوار والمشارب، حتى لو كانت منقوصة أو مهشمة، على الأفلام ذات الطابع الكلاسيكي الرصين، التي تروي قصة لها مغزى ومعنى يمكن للجميع متابعتها، والأهم، الاستمتاع بها أيما استمتاع، فلم تعد المتعة ميزة، بل أصبح الإزعاج وإثارة التوتر والتشوش الذهني، هدفا سينمائيا مشروعا حتى لو كان العمل نفسه سطحيا ومفتعلا، مليئا بالادعاء والفوضى والتشوش.

يقوم “فتاة الإبرة”، على أحداث حقيقية وقعت في كوبنهاجن- الدنمارك، بعد الحرب العالمية الأولى مباشرة. إننا أمام صورة للفقر والمعاناة والشقاء الإنساني كما تتجسد في شخصية “كارولاين” (تمثيل كارمن سون)، فهي امرأة شابة فقيرة، ذهب زوجها “بيتر” إلى الحرب ولم يعد، ولم تعد تتلقى أي أنباء عنه. ونتيجة تأخرها عدة أسابيع عن دفع إيجار شقتها المتواضعة الفقيرة، يقرر صاحب المنزل طردها ويأتي بمستأجرين جدد: امرأة وطفلتها. تحاول كارولاين بشتى الطرق استعطافه حتى يبقي عليها، ثم تحاول إشاعة الخوف لدى المستأجرة الجديدة وابنتها، عندما تزعم ظهور فئران كثيرة في الليل يمكنها أن تقضم قدميك وأنت نائم في الليل. ولكن دون جدوى. وسينتهي بها الأمر إلى المغادرة ثم استئجار حجرة عارية تتكون في وسطها بركة صغيرة مليئة بالماء الذي يرشح من السقف، كما يتعين عليها استخدام حمام مشترك خارج الغرفة.

الأجواء العامة مقبضة، قاتمة، ويضفي التصوير بالأبيض والأسود ومساحة الكادر المحدود المساحة، على الفيلم، أجواء سينما أوائل القرن، مع اختيار الديكورات والأماكن الضيقة، وحبس الوجوه، خصوصا وجه بطلتنا كارولاين، في لقطات قريبة وقريبة جدا، للكشف عن مشاعر الخوف والقلق والرعب التي تتملكها.

يميل الديكور إلى التركيز على الأسقف المائلة، والإضاءة التي تجعل المنظور مليئا بالظلال التي تنعكس على الجدران، مما يضفي أجواء قريبة من التعبيرية، رغم واقعية الشخصيات والمكان. إنه أسلوب مقصود لتجريد الحدث، وأساسا، للإيحاء بأن ما نشاهده هو عمل كابوسي، مقبض، وقصة قد تكون أيضا خيالية أو متخيلة كما لو كانت كابوساً، وسيستمر هذا الأسلوب الذي يكتسي على نحو ما ولو بدرجة محدودة، بملامح من التعبيرية الألمانية، وينتقل إلى كثير من المشاهد الأخرى في الفيلم.

عينا كارولاين الواسعتان الخائفتان تكشفان عن كل بؤس العالم، وتوحي ملامحها العامة بالسذاجة، والطيبة، والانسحاق، لكنها لن تستسلم بسهولة. إنها عاملة تعمل على آلة حياكة تدور بالإبرة، في مصنع لصنع مستلزمات الجنود. أجرها لا يكاد يفي باحتياجاتها البسيطة. وهي تسعى لدى مالك المصنع “يورجن”، للحصول على معاش أرملة، لكنه لا يستطيع أن يمنحها هذا المعاش من دون شهادة وفاة لزوجها.

ومع ذلك، يبدي “يورجن” تعاطفه معها بل وإعجابه الذي يصل إلى الولع، لا يستطيع الصبر على مضاجعتها ولو في زقاق ضيق، وتستمر علاقتهما لفترة، وتصبح كارولاين حاملا منه، تريده أن يتزوجها فيوافق، وعندما يقدمها لأمه الأرستقراطية في قصرها الكبير الفخم الذي يليق بطبقتهما، تستعين الأم المتجبرة القاسية القلب بطبيب يفحص كارولاين ليتأكد من حملها، لكنه يخبر الأم المستبدة أنه لا يستطيع إجراء عملية إجهاض لها بسبب تقدمها في الحمل.

الأم بكل قسوة وصلف وتجبر وبرود، تقول لها إن “يورجين” حر في أن يفعل ما يشاء، لكنه إن أصر على زواجه منها سيكون نتيجة ذلك أن يغادر القصر الكبير ويترك إدارة المصنع، ويحرم من الميراث، ويتعين عليه بالتالي أن ينضم إلى كارولاين في حياة الفقر والفاقة.

ينفجر يورجين في البكاء. فهو يحب كارولاين بالفعل، لكنه يصعب كثيرا أن يتخلى عن طبقته ووضعه الاجتماعي. وتصبح هي في الشارع بعد طردها من المنزل ومن العمل بالمصنع.

تلجأ إلى حمام شعبي، تغطس في حوض الماء، تستخدم “إبرة” أشغال في محاولة للتخلص من الجنين، وتكون النتيجة نزيف حاد. تنقذها سيدة طيبة القلب رقيقة المشاعر، تدعى “داجمار” (الممثلة تراين داريهولم) كانت في الحمام مع طفلتها “إيرينا”، هي التي ستنقذها وتوصلها إلى غرفتها، ثم تقول لها إن هناك طريقة أفضل إن أرادت التخلص من طفلها، وتترك لها عنوانها.

يعود “بيتر” زوج كارولاين من الحرب، مشوها بعد أن فقد نصف وجهه، يرتدي قناعا يستر به وجهه المشوه المخيف، يأكل بصعوبة لكونه يعجز عن الاحتفاظ بالطعام في فمه. تتعاطف معه كارولاين رغم كل شيء، ولا يمانع هو من قبول الطفلة التي تنجبها من رجل آخر. لكن بيتر يصاب بنوبات تشنج وهياج عصبي من جراء ما شهده من فظائع في الحرب، ويستعين بأقراص من المورفين لتهدئة نفسه. وستكتشف كارولاين أيضا فيما بعد، المورفين بعد أن تتوثق علاقتها بـ”داجمار”.

بيتر ينتهي إلى العمل في فرقة صغيرة لعروض السيرك المتجول في الشوارع، حيث يستغلون سحنته القبيحة المخيفة التي يكشف عنها عندما يزيح القناع، وهنا يكون مطلوبا أن تتقدم امرأة من المتفرجين لتقبيله إن وجدت بالطبع. وتذكرنا هذه الشخصية على نحو ما، بشخصية بطل فيلم “الطبل الصفيح” لشلوندورف.

تذهب كارولاين بطفلتها إلى داجمار في محل الحلوى الغريب بأجوائه السريالية الغامضة التي تزيدها غموضا الإضاءة الخافتة، ومساحات الظلام المحيطة بغرفه وردهاته، مع الأواني المعلقة المتأرجحة المليئة بالحلوى.  تتعرف عليها داجمار باعتبارها “فتاة الإبرة” في الحمام، وتخبرها أنها تدير وكالة للتبني، وأن لديها زبائن من علية القوم يضمنون حياة جيدة للأطفال الذين يتبنوهم. لكنها تحصل أيضا على مبالغ من المال مقابل أخذ الأطفال من ذويهم.

الحنين للأمومة والم الوحدة، يدفع كارولين للعودة إلى داجمار تطالبها باستعادة طفلتها، لكن الطفلة ذهبت. ولأنها لا تجد لها عملا فإنها تعرض على داجمار أن تعمل لديها كمرضعة للأطفال الذين يأتيها بهم أهلهم إلى أن يتم تبنيهم. بل إن داجمار تطلب منها أيضا أن ترضع ابنتها “إيرينا” رغم أنها في السابعة من عمرها. وهي فتاة غريبة الأطوار كثيرا. ومن هنا يدخل الفيلم إلى منطقة الرعب، ويبدو أسلوبه قريبا من أسلوب فريتز لانج في فيلمه الشهير “إم” M (1932) ويكشف فون هورن تدريجيا عن حقيقة داجمار، قاتلة الأطفال.

كارولاين ستكتشف حقيقة داجمار، وعندما تواجهها تقول لها: “إن العالم مكان فظيع.. علينا فقط أن نجعله أقل بشاعة”، أي تبرر ما تقوم به بأنها تساعد الأمهات الواقعات في مأزق العيش مع أطفال غير شرعيين، على التجاوز وتتستر عليهن ولو عن طريق القتل، الخنق والإلقاء في المصارف وبالوعات الحمامات.

إننا أمام رحلة مخيفة داخل عقل بشري إجرامي ناتج عن المعاناة العامة، جريمة القتل الجماعي بالملايين في الحرب، بؤس الطبقة العاملة المهملة في مجتمع صناعي يستحدث أبشع الأساليب لإذلال المرأة العاملة، والعالم الذي جعله “الرجال” مكانا فظيعا لا يصلح للعيش، فالرجل هو الذي يشن الحروب، وهو الذي يصنع التفرقة، ويخلق الصراعات. وهذه هي الفكرة المبطنة التي يسوقها الفيلم، لكن الفيلم ليس مجرد رسالة، بل صور تعبيرية رفيعة، مؤثرة، ترثي العالم.. وبؤس العالم.. عالمنا.

فون هورن، يصل في كثير من المشاهد إلى مستوى الشعر السينمائي، فهو يستخدم أسلوبا يحاكي أسلوب السينما في العشرينيات الماضية، ويميل إلى محاكاة الحركة في تلك الأفلام الروائية الأولى. يستخدم المونتاج السريع واللقطات المتقاطعة المطبوعة فوق بعضها التي تتعاقب في المشهد الأول، بحيث تظهر الوجوه والسحنات الغريبة والنظرات الفزعة الخائفة، إلى أن يستقر على عيني كارولاين في لقطة كبيرة جدا. وعندما تسير بطلتنا في الطريق تقتفي أثر داجمار، نراها من زاوية مرتفعة كثيرا، في زقاق ضيق، مع دقات الأوتار التي تنذر بما هو كامن في الظلام. وتلعب أصوات أجراء الكنائس دورها في التحذير والتنبيه، وعموما فشريط الصوت يكسو الفيلم كله بطبقة من تعبيرية تزيد من غرابة الشعور بتأثير الصورة، فكما ذكرت، رغم الشخصيات “التي تبدو واقعية، إلا أن الصورة العامة للفيلم تبدو كما لو كانت منطلقة من الخيال الشعبي القديم، قصص الجدة وحكايات الليل في الماضي.

يعتبر فون هورن عن أجواء فيلمه وشخصياته ومواقفه التي تكتسي كثيرا بقدر من الغموض، بالصورة، بحركة الممثلين، بحركة الكاميرا التي تجوس في الظلام، وتستدرجك إلى المجهول الغامض، بالأداء الصامت، بالنظرات، بتبادل الأماكن، بالغوص داخل دار للسينما، حينما تذهب كل من كارولاين وداجمار، لمشاهدة فيلم من أوائل الأفلام الناطقة، ويتوقف أيضا أمام شخصية الطفلة الغريبة الأطوار “إيرينا” التي سيبدي القاضي فيما بعد تشككه في أن تكون الابنة الحقيقية لداجمار. ويظل أمرها غامضا.

فتاة الإبرة” عمل بديع، يبقى في الذاكرة بفعل تضافر عناصره الفنية وصوره القاتمة التي تجعل القلب ينقبض، لكنك لا تملك سوى أن تحتفل معه في النهاية، بأصالة السينما. ويبقى أداء كارمن سون وحده، كافيا للاستمتاع بالمشاهدة. وكانت دون أي شك، تستحق جائزة أفضل ممثلة في مهرجان كان، فهي الأفضل والأعلى من الجميع. ومعها أيضا يبرز كثيرا أداء الممثلة “تراين دايرهولم” في دور “داجمار”، بشخصيتها التي تتأرجح بين الرقة الشديدة والعذوبة وإبداء التعاطف والتضامن الإنسان النسوي مع كارولاين، وبين القوة والخشونة وجنون الشخصية التي تؤمن برسالتها.

سيمضي هذا الفيلم ليحقق نجاحا كبيرا في بلده الدنمارك، ويحصل على الكثير من الجوائز المحلية والأوروبية، كما لابد أنه سيصبح ممثلا لبلاده في مسابقة الأوسكار. علينا فقط أن ننتظر ونرى.

 

موقع "عين على السينما" في

28.05.2024

 
 
 
 
 

رفعت عينى للسما.. رحلة الفيلم التى تبدأ الآن

سيد محمود

بعد ساعات من فوز فيلم (رفعت عينى للسما) بجائزة العين الذهبية لأفضل فيلم وثائقى فى مهرجان كان السينمائى أتيحت لى فرصة الحوار مع أيمن الأمير وندى رياض صانعى الفيلم، واكتشفتُ خلال الحوار قدرَ ما يتمتعان به من حساسية ووعى، بما يؤكد أن لا شىء يأتى بالصدفة وأدركت أن صناعة فيلم بالمواصفات التى تغرى لجنة تحكيم فى (كان) مسألة تحتاج إلى صبر وإتقان نادرين.

لم يتحدث مخرجا العمل عن عبقرية الفيلم ولا عن عملهما الاستثنائى الفذ وإنما تركا المساحة الرئيسية فى الحوار للتأكيد على جملة من الأمور، أولها اعتزازهما بالعمل مع فرقة بنات البرشا المسرحية التى كانت تقدم عروضها بجرأة وحرية تعبير وتطرح الأفكار النسوية بجدية، وتستطيع كذلك أن تجد الحلول الدرامية التى تمكنها من تحقيق مكاسب اجتماعية،

وتأمل الأمير ورياض طوال خمس سنوات عمل فرقة البرشا وانتميا تماما لكيانها، وأصبحا على معرفة تامة بشبكة العلاقات الاجتماعية داخل القرية، وأصبحا ضمن هذا النسيج الاجتماعى الفريد، لذلك لم يقدما الفيلم بعين استشراقية تتأمل العالم من الخارج دون النفاذ إلى العمق.

الأمر الثانى يتعلق بإيمانهما بأن الفائدة الرئيسية من فوز الفيلم بجائزة (مهرجان كان) ترتبط بمدى قدرته فى المستقبل على تسليط الضوء على نشاط الفرق الفنية المستقلة فى الصعيد؛ حيث صعوبات العمل فى بيئة تعانى من كل صور التهميش، كذلك تم التأكيد على  الخصوبة الإبداعية لتراث الحياة اليومية هناك سواء تمثل فى التراث المادى واللا مادى، فجانب كبير من حيوية العمل داخل الفيلم ارتبط برهان فرقة بنات البرشا الذكى على فاعلية الحكايات الشعبية والأغانى الفلكلورية ودورها فى جذب الجمهور وليس الصدام معه.   

تأكد لى خلال الحوار أهمية الجهود التى تبذلها جمعيات ثقافية وتنموية مستقلة عملت فى المنيا قبل أكثر من ربع قرن، وقد أثمرت تلك الجهود أخيرا ولم تذهب هباء، وعلى الرغم من استمرار النزاعات الطائفية وتنامى خطابها لأسباب لا تخفى على أحد، إلا أن أمورا كثيرة تمضى إلى الأفضل

أتذكر كيف سافرت قبل سنوات طويلة إلى ملوى بصحبة فرقة الورشة المسرحية ومخرجها الصديق حسن الجريتلى لمتابعة عمل الفرقة هناك، وكيف أبهرتنى التجربة التى مكنتنى من متابعة كورال جمعية الصعيد للتنمية والانتباه إلى قيمه الفنية الرائعة والتى تستحق أن تبعث من جديد.

والشىء المؤكد أن الطفرة الإبداعية التى تزامنت مع ثورة يناير 2011  هى التى  حفزت فرقة بانوراما بنات البرشا على العمل بصبر ومواجهة كل أشكال التصلب الاجتماعى وساعدت أخيرا فى وصول مشروع الفرقة التى أسستها يوستينا سمير إلى (كان) وقبل ذلك مواجهة مجتمع كامل يعانى من ضيق الأفق.

سمع الناس للمرة الأولى عن البرشا بعد أن نجحت أم ماريو العضو فى الفرقة فى لعب بطولة فيلم (ريش) لعمر الزهيرى والذى أثار ضجة كبيرة ونجحت أم ماريو فى لفتت نظر الجميع بالأداء المتفرد والصادق لكن لم يغامر أحد بمتابعة نشاط الفرقة أو التفكير فى البيئة الاجتماعية التى تعمل داخلها وهى بيئة مغلقة.

قال لى أيمن الأمير إن الفيلم يطرح كذلك أسئلة مهمة منها: ما الذى نقصده ونحن نعرف الفن؟ وهل يحتاج الفن إلى فنانين على قدر من الاحتراف لكى تصل رسالته؟ فالفن كما تعلمناه مع سيدات وفتيات البرشا ليس ابنا للرفاهية لكنه استجابة لتحديات يفرضها الواقع البائس وإذا كان البعض يشكك فى مدى استحقاق هؤلاء لصفة فنان فأنا بدورى أسأل: إذا لم يستحق هؤلاء هذا الوصف فمن يمكن وصفه بهذا اللقب؟!

المؤكد أن نجاح الفيلم قد يساهم أيضا فى فتح ملفات السينما المستقلة فى مصر وتناول مشكلاتها التى تفاقمت بعد إلغاء الدعم الذى كانت تقدمه وزارة الثقافة وتعثر المنح الإنتاجية التى كانت مخصصة لهذا الغرض قبل عدة سنوات، والشىء المؤكد أن هيئات كثيرة ستقفز فوق نجاح الفيلم وتعتبر فوزه فى (كان) دليل على كفاءة عملها، وهى كذبة كبيرة ينبغى التنبيه إلى مخاطرها من الآن، فالقاصى والدانى على علم بالشروط المتعسفة التى يعمل فى ظلها صناع هذه الأفلام المتهمة تاريخيا بكل صور الأساءة، كما نعلم أيضا أن هناك محاولات مستمرة لكسر فكرة الاستقلالية وتشويه معانيها.

لذلك فإن المطلب الرئيس الذى ينبغى التركيز عليه هو ضرورة عرض الفيلم فى دور السينما لكى يراه الناس فكل مشهد داخله هو مجال لطرح الأسئلة، وبالتالى فإن رحلته تبدأ الآن.

 

الشروق المصرية في

28.05.2024

 
 
 
 
 

المخرج كوبولا يدافع عن مشاريعه المكلفة: أبنائي لا يحتاجون ثروة

كان مصنع النبيذ الذي يملكه المخرج الشهير من أكبر المنتجين في كاليفورنيا عندما باع قسماً منه عام 2021 لتمويل فيلمه الأحدث

توم موراي كبير مراسلي الشؤون الثقافية في الولايات المتحدة

ملخص

فرانسيس فورد كوبولا الذي صرف 120 مليون دولار من ماله الخاص لا يعتبر ترك ثروة لأبنائه أمراً ضرورياً لأنهم ناجحون بأنفسهم

صرح فرانسيس فورد كوبولا بأن ولديه "ليسا بحاجة إلى ثروة"، في رده على سؤال عن تمويله شخصياً فيلمه الجديد "ميغالوبوليس".

بلغت كلفة الفيلم الذي ينتمي إلى نوع دراما الـ "دستوبيا" 120 مليون دولار، وتطلّب إنتاجه عقوداً من الزمن، وهو من بطولة آدم درايفر الذي يؤدي دور عالم ومهندس معماري يسعى إلى الارتقاء بمدينة تُسمى نيو روما، وهي بمثابة نسخة خيالية عن نيويورك.

وفي أعقاب العرض الأول للفيلم الذي قسم الآراء في "مهرجان كان السينمائي" الخميس الماضي، سُئل كوبولا إن كان المشروع قد تسبب له بضائقة مالية.

فشرح الرجل البالغ من العمر (85 سنة) "أحد أسباب توافر التمويل بين يدي لأتمكن من القيام بهذا العمل هو أنه في عام 2008، تذكرون الأزمة المالية، اقترضت في تلك الأيام 20 مليون دولار لبناء مصنع نبيذ يفسح المجال أمام الأطفال للقيام بشيء بينما يشرب والداهم النبيذ".

ويعمل كوبولا في صناعة النبيذ منذ العقد الثاني من الألفية الحالية، وقد أصبح مصنع النبيذ الذي يحمل اسمه من كبار منتجي النبيذ الفاخر في الولايات المتحدة.

عام 2021 باع كوبولا قسماً من شركته في صفقة قدرت بنحو 500 مليون دولار.

وأضاف كوبولا أثناء المؤتمر الصحافي "أخذت المال ببساطة من هذا المصدر الذي لم أكن لأملكه لو لم أخاطر، ووضعت هذه المخاطرة في [ميغالوبوليس]".

وتابع، "لذلك لا أواجه أية مشكلات في ما يتعلق بالجزء المالي، كما أن ولديّ بلا استثناء، صوفيا ورومان، يتمتعان بمسيرة مهنية رائعة بلا ثروة، ولا يحتاجان إليها".

وأكمل، "ولهذا السبب حالنا جيدة مهما حصل لا يهم، أتعلمون جميعاً؟ المال غير مهم والمهم هو الأصدقاء، وعندما أموت لن ألاحظ [المال]".

ورُزق كوبولا بثلاثة أبناء مع زوجته الراحلة إليانور، وهم جيان كارلو ورومان وصوفيا.

توفي جيان كارلو بعمر الـ 22 في عام 1986 إثر حادثة في قارب سريع، أما رومان (59 سنة) وصوفيا (53 سنة) فكلاهما صانع أفلام حققا نجاحهما بنفسيهما.

وفي مقابلة أخيرة مع موقع مجلة "إير ميل" Air Mail، استهجن كوبولا التقارير السلبية عن فيلمه الجديد، وقال "لو نظرت إلى كل نقد مختلف أو سلبي، دائماً ما تجد أن (الكاتب) سمع شيئاً من مصدر مجهول الهوية".

وأضاف، "أنا أشعر فعلاً بأنه من غير المقبول التهجم على فيلم لأنه لا يتبع القوانين الحالية في هوليوود، وبطريقة اقتباس مصادر مجهولة يرجح أنها لم تحضر العرض، وربما تكون غير حقيقية".  

وتابع كوبولا بتساؤل: "قد يتبادر إلى ذهنك التساؤل عن سبب عدم رغبة أي شخص في تشجيع ميغالوبوليس؟ لديك هنا مخرج مقبول يستخدم ماله الخاص لتمويل فيلم طموح، لكن هناك كثيراً من الجهات المستعدة لذلك".

"ميغالوبوليس" من تمثيل أوبري بلازا وشيا لابوف وجون فويت ولورنس فشبورن ودستن هوفمان وجيان كارلو إسبوزيتو وناتالي إيمانيول.

وفي إطار تقييمه الفيلم الذي منحه ثلاث نجمات، اعتبر جيفري ماكناب في مقالته المنشورة في "اندبندنت" أنه "استعراض للخيال العلمي مليء بالعيوب".

وكتب "في المحصلة ليس الفيلم كارثة تامة، بينما كان من الممكن أن يؤول إلى تلك الحال، ولا يسعك إلا أن تعجب بنباهته (وجنونه) لإنتاجه فيلماً بموازنة ضخمة يخصص مكانة كبيرة للتخطيط المدني، وتستفيض شخصياته في اقتباس مقولات الفلاسفة القدامى مثل بلوتارك وماركوس أوريليوس".

© The Independent

 

الـ The Independent في

28.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004