ملفات خاصة

 
 
 

«أنورا».. عاهرة ليست عاهرة وعصابة ليست عصابة

أحمد شوقي

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

عدد محدود من المخرجين المعاصرين لا يشبهون إلا أنفسهم. من بين هؤلاء الأمريكي شون بيكر صاحب المسيرة السينمائية الخاصة جدًا.

بدأها بصنع أفلام مستقلة صغيرة، بتكاليف محدودة أوصلته لمهرجانات دولية كان أكبرها لوكارنو، حتى جاء عام 2015 ليعلن عن مولد موهبة خاصة أثبتها في فيلمه “تانجرين Tangerine” الذي لفت الأنظار في مهرجان “صندانس” لسببين؛ أولهما أنه مخرجه صوره باستخدام كاميرات هواتف آيفون S5 فقط، والثاني موضوعه الذي يتابع حياة بائعة هوى متحولة جنسيًا خلال ليلة عيد الميلاد.

الفيلم الذي نال شهرة كبيرة أثار اهتمام مهرجان “كان” ببيكر، فاختار فيلمه التالي “مشروع فلوريدا The Florida Project” لقسم نصف شهر المخرجين عام 2017. يتابع الفيلم علاقة فتاة في السادسة من عمرها بوالدتها التي تعيش معها في مشروع سكني فقير مجاور لمدينة ديزني لاند الشهيرة، حيث تعمل الأم في الدعارة وتحاول إخفاء طبيعة عملها عن الطفلة. الفيلم كان العمل الأكثر قبولًا بين النقاد في عام عرضه، وفاقت شهرته وشعبيته الأفلام التي عُرضت وقتها في المسابقة الدولية، ليتم اختيار فيلم بيكر التالي “صاروخ أحمر Red Rocket” للمسابقة عام 2021، ليتنافس لأول مرة بحكاية حول نجم أفلام إباحية معتزل يعود إلى مدينته الأصلية الصغيرة في تكساس.

يبدو القاسم المشترك واضحًا بين الأعمال الثلاثة، وهو ما يتكرر مجددًا في فيلمه الجديد “أنورا Anora” الذي عُرض في مسابقة مهرجان كان السينمائي السابعة والسبعين، ليوضع فورًا ضمن الأفلام المرشحة للفوز بإحدى جوائز المهرجان. العنصر المتكرر هو الاهتمام بالعاملين في الجنس وما يتعلق به من مهن موصومة في أغلب المجتمعات، لكن المخرج الموهوب ينظر لها من زاوية مختلفة، إنسانية، محاولًا في كل مرة أن يمنح صوتًا للشخصيات التي طالما ظهرت على الشاشة في صور نمطية محفوظة.

آني تقابل فانيا

يمنح بيكر الممثلة ميكي ماديسون (المعروفة من مسلسل “أشياء أفضل Better Things”) فرصة العمر، بتجسيد الشخصية التي يحمل الفيلم اسمها، والتي تظهر من أول لآخر دقيقة على الشاشة تقريبًا.

أنورا اسم أوزبكي حملته البطلة بسبب جذور عائلتها، لكنها تفضل عليه اسم “آني” ذا الطابع الأمريكي. آني تعمل راقصة تعري في أحد ملاهي مانهاتن الليلية، تؤدي عملها بنجاح وتجعلها خبرتها تبدو أعقل بكثير من سنواتها الثلاث وعشرين، لكن مظهرها يهدف لأن يبدو أصغر من ذلك بهدف إثارة لعاب رواد الملهى، وأغلبهم عجائز أو رجال متوسطي العمر يترددون على المكان لقضاء دقائق مثيرة بصحبة شابة تقل عن نصف عمرهم.

حياة آني تنقلب عندما تقابل عميلًا من طراز مختلف. شاب تجاوز بالكاد سنوات المراهقة، جنسيته الروسية جعلتها تتمكن من التواصل معه أسهل بسبب معرفتها المقبولة بلغته (وهو أيضًا يعرف قدرًا من الإنجليزية)، لتنتهي الرقصة الساخنة بتبادل لأرقام الهواتف، وتجد نفسها مدعوة لقضاء وقتٍ خاصٍ معه في منزله. وبمجرد وصولها إلى المنزل تكتشف آني أن فانيا ليس مجرد عميل عادي، بل هو ابن ملياردير روسي يعيش وحده في قصر منيف، ينفق المال ببذخ ملبيًا كل رغباته في السعادة. اللقاء يتكرر، ثم يتحول عرضًا بقضاء أسبوع كامل معه.

خلال الأسبوع تتوطد علاقة فريدة بين آني وفانيا، أفضل ما فيها أنها تجمع بين نقيضين، فمن جهة، للبراءة مكان في علاقتهما، نابعة أسباب متباينة؛ فالشاب محدود الخبرة في الحياة والجنس تقوده آني لاكتشاف لذّات لا يعرفها، والفتاة أكثر خبرة لكنها تدخل هذا العالم الفاره للمرة الأولى فتتسع عيناها لاكتشافه. من جهة أخرى البراءة لا تنفي وعي كل منهما بمكانه من الآخر، فكل شيء يتم بعد تفاوض تطلب فيه آني المبلغ الذي تراه ملائمًا لخدماتها، فيقدم فانيا المطلوب وأكثر سعيدًا بتمكنه من إبهار الفتاة الجذابة.

تبرز هنا قيمة اختيار ميكي ماديسون للدور، والذي يمكن اعتباره الاختيار الأهم في الفيلم الذي جعلنا قادرين للتواصل مع آني بهذه الدرجة. ماديسون ليست الفتاة التي تقفز للذهن عند التفكير في فتاة تحترف الجنس، بل هي أقرب في الشكل والجسد لشابة تتجاوز بالكاد المراهقة. هذا الاختيار يتسم بكثير من الواقعية المتخلصة من تراث التصورات المعتادة عن الأدوار المماثلة، مع قدرة على إبقاء آني دومًا في مساحات وسطى تفصل بين الطفولة والانوثة، والإغواء والبراءة، ثم في مرحلة لاحقة بين القرارات الجنونية والتعامل العقلاني مع الأحداث.

آني ليست سندريلا

يبدأ الجنون عندما يقرر فانيا اصطحاب آني ومجموعة من الأصدقاء في رحلة مفاجئة إلى لاس فيغاس، وهناك يعرض عليها الزواج، لتتشكك ثم توافق وهي تمني نفسها بقصة رومانسية حالمة تغير حياتها. غير أن الجميع يدرك أن سندريلا مجرد أسطورة، وأن الواقع لا يمكن فيه لعائلة ملياردير روسي أن تسمح لابنها بالزواج من عاهرة (حتى لو صممت في كل مرة أن تنفي الوصف وتؤكد كونها راقصة إيروتيكية!). تعرف عائلة فانيا فترسل رجالها المخلصين لحل الأزمة، لتنتهي 40 دقيقة من الصخب وتبدأ ساعة ونصف من المواجهة.

حسنًا، الوصف السابق غير دقيق، لأن الجو العام للفيلم لا يتحول أبدًا إلى الميلودراما أو حتى للتعاسة، بل يتمكن المخرج المؤلف الموهوب ببراعة مدهشة من الحفاظ على مستوى مرتفع من خفة الظل، ومن القدرة على تطوير المواقف التي سبق مشاهدتها في الأفلام، والتي يتوقع الجمهور تلقائيًا مسارها، ليقودها في مسار مختلف كليًا. مسار انفجاري، صاخب، مليء بالصراخ والسباب وتصادمات القوى بين آني، وبين الرجال الثلاثة الذي يأخذونها في رحلة ليلية هدفها إلغاء الزيجة قبل وصول العائلة الروسية إلى الأراضي الأمريكية.

إذا كنت تتوقع هنا مشاهدة عصابة عنيفة تهدد فتاة ضعيفة وجدت نفسها في موقف لم تكن تتوقعه، فتوقعك صحيح فقط في التوجه العام للأحداث، أما التفاصيل الدقيقة للشخصيات والتفاعل بينها، فهو ملعب شون بيكر الذي طالما أتقنه.

بعيدًا عن التوقعات

مبدئيًا، يُفرغ بيكر فيلمه من الأشرار. ثمّة شخصيات خصوم antagonists تضعهم الضرورات ضد البطلة، لكنهم مجرد رجال راغبون في حل المشكلات للحفاظ على مصدر رزقهم، لا يريد أي منهم إيقاع أذى بدون سبب أو يمارس الشر من أجل الشر. بل إنهم يعيشون في المجتمع الأمريكي محمّلين بوصم جذورهم الروسية والأرمينية ويحاولون التعامل مع ما تخلقه من حساسيات. حتى من يبدو منهم عنيفًا أكثر من غيره، لا ينتهي الفيلم إلا وقد اكتشفنا وجهًا آخر له.

أما آني فهي ليست الفتاة الضعيفة التي تواجه مجرمين عتاة، وليست أيضًا الفتاة الباحثة عن الثروة التي نالت فرصة العمر بالزواج من المراهق الأحمق فتقرر التمسك بها. آني مجرد فتاة عادية، دفعتها ظروفها لمهنتها فلم تكرهها، ووضعتها نفس الظروف في حكاية خيالية أرادت أن تصدق امتلاكها نهاية سعيدة. آني التي ترقص عارية للرجال كل ليلة لا تزال – للعجب – تؤمن بالحب، لكنها أيضًا تؤمن بكبريائها، وترفض أن يُمس، حتى لو كان الثمن أن تعود للملهى الليلي مرة أخرى.

ينجح شون بيكر في أن يصنع فيلمًا يحقق أكثر من درجة للإمتاع، فحكايته الشيقة المكتوبة بعناية تأخذك داخلها فتستمتع بتراتب الأحداث وتفاعل الشخصيات في تلك الليلة الجنونية. يمكنك كذلك أن تفكر خلال المتابعة في بناء الشخصيات ودوافعها، وما تمثله كل منها في إطار علاقات السلطة وأقطابها: الجنس في مواجهة المال / القوة في مواجهة القانون / الجنسية الأمريكية في مواجهة المهاجرين. يشق “أنورا” طريقه بعناية فائقة بين الثنائيات، بل أن عنوانه نفسه يمثل واحدة من تلك المقارنات، فأنورا تختلف عن آني، حتى لو كانا اسمين لنفس الشخصية. أنورا ابنة مهاجرين فقيرة تحمل اسمًا رسميًا في مواجهة القانون، وآني فتاة ليل ذكية تجيد توظيف سلاحها الوحيد (جسدها) لتشق طريقها داخل عالم عنيف بطبيعته.

احتاج شون بيكر عدة أفلام صغيرة كي يعرفه العالم، ثم عملين كي يصل إلى مسابقة كان، وها هي مشاركته الثانية في المسابقة تُبشر بأنها اللحظة الملائمة لينال تقديرًا يتمثل في جائزة، سواء للفيلم نفسه أو أحد عناصره، وعلى رأسها أداء بطلته التي سيغير هذا الفيلم الكثير في مسيرتها.

 

موقع "فاصلة" السعودي في

23.05.2024

 
 
 
 
 

جميلة نابولي تثير جمهور "كان" بسحرها الغامض

الخطيبة تطارد عريسها الهارب إلى آسيا زمن الاستعمار في الفيلم البرتغالي "جولة كبرى"

هوفيك حبشيان 

ملخص

فيلمان آخران يتنافسان على "السعفة الذهبية" في مهرجان "كان"، الأول إيطالي للمخرج باولو سورنتينو عنوانه "بارتينوبيه"، والثاني برتغالي للمخرج ميغيل غوميز هو "جولة كبرى". في الفيلمين قصص حب ومطاردات غرامية.

في كل مرة يعرض المخرج الإيطالي باولو سورنتينو فيلماً في مهرجان "كان"، تعقد دورته الحالية من 14 إلى 25 مايو (أيار)، يحدث شرخاً عميقاً في الآراء بين النقاد، فمنهم من يضعه في مصاف العبقري ومنهم من يرى فيه "نصاباً" (التعبير لناقد في مجلة "ليه أنروكوبتيبل" الفرنسية)، انتهازياً محتالاً، بلا ذوق أو فضيلة. أقلام غاضبة عدة، سواء في فرنسا أو إيطاليا، هاجمت السينمائي الخمسيني المتأثر بفيلليني عبر تاريخه، في حين تعاملت بقية العالم معه برحمة. صحيح أن كثيراً من الأفلام قسمت النقاد في هذه الدورة، في مقدمها "ميغالوبوليس" لكوبولا، ولكن في حال سورنتينو فإن المسألة مختلفة، إذ إن هذا الشرخ مستمر منذ سنوات وطال تقريباً كل أفلامه. وعلى رغم هذا كله، فإن المهرجان متمسك به وهذه المرة السابعة يضمه إلى المسابقة.

جديده "بارتينوبيه" الذي يتسابق على "السعفة الذهبية"، فيلم يحملنا مجدداً إلى عالم سورنتينو حيث للجمال مكانه الخاص الذي لا ينافسه عليه أحد. من خلال حركات كاميرا تجري مسحاً شاملاً لنابولي (مسقط المخرج)، يتعقب الفيلم شابة جميلة وغامضة (تشيليسته داللا بورتا)، طالبة أنثروبولوجيا، تحمل شيئاً من الميثولوجيا في داخلها. وتمتد السيرة المتخيلة منذ ولادتها في الخمسينيات في ميناء نابولي حتى اللحظة الراهنة. كل شيء محوط بالجمال، هذا الجمال الذي يتأتى من الناس والأماكن المسكونة بأرواح من مروا بها، بقدر ما هي مسكونة برغبة مخرجه في الاحتفاء بهذه القصة التي تدور فصولها في مسقطه نابولي. الفيلم إيطالي في أدق تفاصيله، يعكس هوية صاحبه ومصادر اعتزازه، وتعلقه بهذه البقعة الجغرافية التي صور فيها عمله السابق. الفتاة التي يضعها أمام كاميراه تصبح الشغل الشاغل للناس، تتسكع في أروقة القصر لتلتقي بهذا وذاك، تجذب كل الاهتمام… لكن من هي هذه الأنثى المترفعة عن كل شيء، التي تشق طريقها نحو المجد بخطى ثابتة؟

هكذا يعرف عنها سورنتينو في إحدى مقابلاته: "إنها فتاة تطمح إلى أن تكون حرة وتتقبل العواقب المتعلقة بذلك، من دون أن تخشاها، خصوصاً العزلة. إنها شخصية معقدة ومتناقضة، مما يجعلها غامضة. في البداية، تكتشف كل ملذات الشباب والهم والرغبة والإغواء، وشيئاً فشيئاً تقودها هذه المشاعر إلى الألم والحزن، خصوصاً بعد موت شقيقها. ونتيجة لذلك، تنضج وتصبح امرأة".

بعد "الجمال العظيم" الذي أعطى الممثل توني سرفيلليو أحد أهم أدواره من خلال شخصية جب غامبرديللا، يمدنا سورنتينو بإحساس انه أراد ان ينجز المقابل النسائي لفيلمه الشهير، ليقول هذه المرة حبه اللامحدود لنابولي بدلاً من روما. كثر وجدوا أن الفتاة التي يصورها ليست سوى مدينته نابولي. أياً يكن، ففيلمه هذا تحديث لتيار "الباروك" الذي كثيراً ما ارتبط باسمه، وهو مشبع بلحظات شعر ولقطات ذات سطوة جمالية كبيرة، تمزج بين الألم والبهجة، بين الانشراح والانغلاق، فنرى الحياة من خلال وجهة نظر طائفة من الأثرياء وشؤونهم التي تدور على نقاط محددة تطبع معها كاميرا سورنتينو. الإطلالة على هذا العالم فيها شيء ساحر، ويعرف سورنتينو كيف يلتقط نبضه. يبقى أن الفيلم يعتمد على الكلام الكثير، بقدر ما يتشكل من مشاهد وصور ولقطات، وإذا كانت العين تهضم الصورة بسهولة، فلا ينسحب ذلك على الكلام الذي يدخلنا في دهاليز لا مخرج منها. تنويه خاص بالممثلة تشيليسته داللا بورتا، ابنة الـ27 سنة، التي تتولى هنا بطولة فيلم لأول مرة، وقد كتب أحدهم يقول إن مشاهدتها توازي رؤية صوفيا لورين لأول مرة. أياً يكن، فلا يمكن تخيل الفيلم من دونها، فهي حاضرة في كل مكان بعدما استطاع الفيلم جعلها فكرة.

"جولة كبرى" والعودة إلى الاستعمار

"هذا الفيلم بدأ يتبلور في داخلي عشية زفافي. كنت أقرأ كتاباً عن السفر بعنوان "الرجل المحترم في الردهة" من تأليف سومرست موم. في صفحتين من هذا الكتاب يصف موم لقاءً مع رجل إنجليزي مقيم في ميانمار (ميانمار الحالية). كان هذا الرجل قد هرب من خطيبته إلى جهات بعيدة من آسيا قبل أن تقبض عليه ثم يشرع في زواج سعيد. هذه القصة كانت في الأساس تلعب على الصور النمطية، إذ ينتصر عناد النساء على جبن الرجال".

هذه كلمات المخرج البرتغالي ميغيل غوميز في معرض تعريفه عن الفكرة التي انطلق منها فيلمه الأحدث "جولة كبرى"، المنافس على "السعفة الذهبية". عمل آخر يحتاج إلى جهد ومثابرة من المشاهد ليبلغ خاتمته البديعة، ولكن هناك في الأقل ساعة من الزمن، نتوه خلالها داخل الأحداث، التي رغم بساطتها، تصبح شديدة التعقيد أمام كاميرا المخرج الذي أعطانا سابقاً "تابو" و"ألف ليلة وليلة". في الأصل، إنها حكاية موظف بريطاني (غونتشالو وادينغتون) يقرر الهرب من خطيبته (كريستا ألفايته) بعدما قرر عدم الزواج بها، لكن الأخيرة مصرة وتطارده من مكان إلى آخر.

تبدأ الأحداث في ميانمار التابعة آنذاك إلى إمبراطورية بريطانيا الاستعمارية، وسرعان ما تنتقل بنا إلى اليابان والصين، لتتحول من حكاية بين شخصين، إلى حوار بين بلدان وناس وأماكن، فتمتزج الثقافات وتتجاور. من خلال هذا، يعود المخرج إلى تناول موضوع الاستعمار، والعلاقة بين المستعمر والمستعمر. إنها، باختصار، الجولة الكبرى من الهند إلى الصين، التي قام بها عديد من الرحالة الأوروبيين وبعضهم وضع مؤلفات عن تجربتهم هذه. لكن، هنا، لا شيء تقليدياً، لا الشخصيات كذلك ولا نمط السرد الذي يأخذ من التعليق الصوتي مدخلاً إلى عالم مجهول إكزوتيكي مملوء بالأسرار. من الأفلام الكوميدية الأميركية في السنوات الـ30 والـ40، استعار غوميز فكرة "المرأة الصيادة والرجل الفريسة". يقول معلقاً: "لكن هاتين الشخصيتين منفصلتان في مكان الفيلم وزمانه. التبديل بين وجهتي نظر الرجل والمرأة هو ما يحول الكوميديا إلى ميلودراما".

بحسب غوميز، تغطي الشخصيتان الرئيسان هذه المساحة الشاسعة لأسباب متداخلة. "إدوارد يهرب من خطيبته مولي، في حين هي تلاحقه. يريد هو تجنب الزواج، أو في الأقل تأجيله، بينما هي مصممة على الزواج منه. المغامرات العديدة التي يخوضها إدوارد ومولي على طول الطريق هي في جوهرها الفيلم. نرى من خلالهما التفاعل الظاهري بين الشخصيتين، وسيمفونية عدم التطابق التي يسببها الآخرون على طول الطريق، في عالم تفشت فيه الفوضى".

الجديد والمختلف في الفيلم أن غوميز قرر ألا يبدأ في كتابة السيناريو إلا بعدما قام برحلة العريس الهارب ومشى على خطاه، فعاد بأرشيف من المواد البصرية والصوتية. لم يبدأ في كتابة السيناريو إلا بعد مشاهدة هذه اللقطات الأرشيفية. وخلافاً لما يحدث عادة في صناعة الأفلام التي تستعين بالأرشيف، فإن الصور التي استخدمها الفيلم مصدرها الحاضر لا الماضي. أما ما تبقى، أي آسيا المتخيلة، فصوره في الاستوديو، ليعدينا إلى عام 1918، زمن الاستعمار الذي يتناوله الفيلم على طريقته الخاصة. 

 

الـ The Independent  في

23.05.2024

 
 
 
 
 

كانّ 77 - "بارتينوبيه" لسورنتينو: تحديقة العاشق

كانّ - هوفيك حبشيان

#باولو سورنتينو يضرب مجدداً مع "بارتينوبيه". فهو في هذا ال#فيلم، وهو السابع الذي يعرضه في #مهرجان كانّ (14 - 25 أيار)، يعيد ترتيب ما يعشقه في السينما، ضمن قوالب قديمة مستحدثة يصرخ بها إيطاليته العميقة، لا سيما في علاقته بالإستيتيك الذي تركه له أسلافه، لكن مع فرق كبير هذه المرة هو ان سينماه تشهد نزوحاً من فيلليني إلى أنتونيوني، وفي الانتقال من الأول إلى الثاني، يجد ارتياحاً كبيراً (خصوصاً ان الفيلم بأكمله يطلّ على البحر)، لكن في الوقت نفسه نجد فيه تغريبة. فلا أحد يستطيع ان يمشي على خطى المعلّمين، من دون ان يفترض فيه تسديد بعض الضرائب.

كلّ شيء يبدأ مع سيدة تضع مولودها في الماء، تحت شمس نابولي الضاربة. سيكون اسمها بارتينوبيه، تيمناً بإحدى الأساطير. بارتينوبيه ستكبر وتصبح شابة، وسنواكبها خطوة خطوة، أو تقريباً، في شيء أشبه بمراسم تطويب قديسة. لن يحمل الفيلم اسمها فحسب، بل ستطلّ في كلّ مشهد من مشاهد هذا العمل الذي يمتد على أكثر من ساعتين مكوّنتين، بشكل خاص، من تجوال كاميرا سورنتينو، الرومنطيقي الأنيق والبانورامي المليء بالشاعرية، وسط ركام الجمال وتضاريسه… الجمال الإيطالي مرة أخرى (لن تكفي المرات التي يجب التذكير بإيطالية كلّ ما هو في نطاق النظر)، بشراً وحجراً وأحداثاً. سنشهد فصول حياتها من الخمسينات إلى صيف العام الماضي عندما فازت إيطاليا بإحدى مباريات الكرة. نعم، سورنتينو هو هذا أيضاً، يقحم الكرة في أفلامه، بلا عذر. من يحتاج إلى عذر عندما يحب؟!

انها عودة أخرى إلى الماضي، السبعينات على وجه التحديد، الحقبة المفضّلة لدى سينمائي هذه الدورة من كانّ، لكن في عين سورنتينو شيء آخر: تحديقة عاشق يستمتع بجرّنا إلى اللامتوقّع. تحديقة ستكون مخاضاً طويلاً، يتولّد منه أحد أكثر الأشياء التي سعت اليها السينما، عند الإيطاليين تحديداً: البحث عن جمال. أو بالأحرى البحث عن "الـ"جمال. وهو الحاضر أصلاً، في الوجوه والأماكن وفي اللقاء بينها. سورنتينو الحالم، هو في هذا الفيلم كل شيء يتراوح بين الميلانكوليا والباروك، إلى درجة ان رغبة ستدهمك في ان تصعد في أول قطار إلى كابري (يتموضع فيها بعض الأحداث في صيف 1968). لكن لا شيء يضمن أنك ستلتقي بواحدة على شكل بارتينوبيه. أشياء أخرى قد تشّكل تعويضاً عن هذه الخيبة.

لنعد إلى بارتينوبيه، ابنة العائلة الثرية التي ستكون محور الفيلم والشغل الشاغل للجميع، ستعبر الأماكن والأزمنة. هي نابولي، ونابولي هي، لا فرق. كلتاهما أرض عشق عند المخرج. انها لنابولي، ما كانته روما عند جب غامبارديللا في "الجمال العظيم". ستتحدّث في الأنثروبولوجيا والموت والحب وكلّ ما لا يعود لك القدرة على الاستماع اليه بعد أكثر من ساعة من الدوران الذهني العميق. رغم جمالها الذي يفتح لها الأبواب، تترفّع عن كلّ ما هو سطحي عابر. هذه هي بارتينوبيه.

كلمة قبل ان أنسى: تشيليسته ديللا بورتا هي التي تتولّى دورها. انها اكتشاف سورنتينو الذي أعطاها فرصة العمر، لعلّها تستغلّها. قد ننسى الفيلم كله، لكن هي ستصمد في الذاكرة كعلامة فارقة. كيف لا، والفيلم هو أولاً وأخيراً عن الجمال وعما هو قادر عليه وما يعصى عليه. الفيلم يتولّد من هذين التناقضين، بين الممكن والمتعذر.

في فيلم ذهني شديد الغرابة، شاركت في إنتاجه "سان لوران"، لا غرابة في ان نلتقي بشخصيات "فيللينية". من هؤلاء الكاتب الأميركي جون شيفر (يجسّده العظيم غاري أولدمان)، الذي يرفض دعوة بارتينوبيه بالقول: "لا أود سرقة لحظة من شبابك". هي الفكرة التي لو طبّقها سورنتينو على المُشاهد، لما أنجز هذا الفيلم. فهو سرق أكثر من ساعتين من حياتنا، بأنانية كبيرة، من دون ان نحتفظ بالكثير في مخيلتنا. فالجمال وحده لا يكفي، مهما كان بارزاً وضرورياً. مع ذلك، للفيلم قدرة مغناطيسية على اقناعنا بعظمة سورنتينو، عندما تكون كلّ الأسباب التي تجعلنا نعتقد العكس متوافرة. أما ما عدا ذلك، يا عزيزي المبحر في ثرثرات سورنتينو، فلا تدقّق في ما يُقال على الشاشة، بل اترك لرياح المتوسط أن تعصف بك إلى حيث يريد.

 

النهار اللبنانية في

23.05.2024

 
 
 
 
 

"بارثينوبي".. الجمال والشعر في سينما باولو سورنتينو

أحمد شوقي في سينما وتلفزيون

"استعارة مكنية فيها تشبيه لعنترة بالأسد الذي يفترس خصومه دلالة على الشجاعة والقوة".

قفزت إلى ذهني فجأة تلك الذكريات الآتية من دروس البلاغة في المدرسة الثانوية عندما سألتني ناقدة زميلة بعد مشاهدة فيلم "بارثينوبى Parthenope" عن دلالة تفصيلة بعينها اختارها المخرج الإيطالي باولو سورنتينو في أحد مشاهد الفيلم. تذكرت عندما كانت المناهج الدراسية تحاول تعليمنا تذوق الشعر عبر التحليل الدقيق لكل كلمة واستعارة وتشبيه وكأنه تحليل للدم في أحد المعامل، دون فهم للروح العامة للقصيدة وإيقاعها الداخلي ومساحة الخيال التي تتحرك خلالها، والنتيجة كانت أن الغالبية العظمى من الطلبة نجحوا في اللغة العربية وهم لا يتذوقون الشعر، بل ويكرهونه!

ثمّة منطق في سؤال الزميلة، ففي النهاية هذه هي الطريقة التي يعمل بها عقل النقاد: يفكرون في تفاصيل الفيلم المختلفة، يحاولون تفسير كل اختيار اتخذه المخرج في عمله، ثم يقيّمون قدره هذا الاختيار على تحقيق الغرض من ورائه، سرديًا وجماليًا. لكن إذا كانت لكل قاعدة استثناءات، فسيكون باولو سورنتينو هو أحد صناع السينما المعاصرين الذين يمتلكون الحق الاستثنائي في النظر لأفلامهم كما ننظر للشعر، ننظر للصورة الكلية ونبحث عن المعنى الذي يصبو إليه الفنان، حتى لو لم تكن بعض التفاصيل مفهومة الدلالة أو سهلة التفسير.

لم ينل الرجل هذا الاستثناء بقرار سيادي أو بمنحة سماوية، وإنما بمسيرة فريدة اشتغل خلالها مرات ومرات على أن يصنع أفلامًا أقرب ما تكون إلى الشعر. فإذا كان الشعر مقترنًا بالبحث عن الكمال، عن المعان المطلقة، وعن إيجاد عالم خاص وإيقاع داخلي يمنح القصيدة فرادتها، فكل من شاهد أفلام سورنتينو السابقة مثل "الجمال العظيم The Great Beauty" و"تبعات الحب The Consequences of Love" و"شباب Youth" يعرف خصوصية الأسلوب الذي يمتلكه، والذي يعود مجددًا ليُظهره في فيلمه الجديد "بارثينوبى"، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان 2024.

امرأة ومدينة

ماهي خصوصية أسلوب باولو سورنتينو؟ وما هي "بارثينوبى" التي يحمل الفيلم اسمها؟ نبدأ بالإجابة عن السؤال الثاني، بارثينوبى هو الاسم القديم لمدينة نابولي التي ينتمي إليها سورنتينو، وهو أيضًا اسم إحدى السيرانات sirens، المخلوقات الأسطورية في الميثولوجيا الإغريقية التي تمتلك رأس امرأة وجسد طائر، وتقوم بإغواء البحارة بغنائها الساحر حتى تقودهم إلى الهلاك، بما جعل الكلمة ترمز ثقافيًا للمرأة المغوية المُهلكة.

حسنًا، بطلة الفيلم امرأة تحمل اسم مدينتها، ويرتبط مصيرها بها منذ مولدها عام 1950، حتى لحظة نهاية الفيلم عام 2023. أي يتابع سورنتينو أكثر من سبعة عقود في حياة بطلته بارثينوبي، مستخدمًا أسلوبه الخاص، الذي يعتمد على منطق حلقي episodic، ينقسم فيه الفيلم لمجموعة من المواقف الأقرب للاسكتشات، التي تضع شخصيته الرئيسية في مواقف مختلفة، يجمعها هنا ترتيب زماني كرونولوجي لم يكن موجودًا في أفلام سابقة، لكنها تظل تتمتع بقدر كبير من الحرية، فلا حتمية درامية لترتيب أغلب المشاهد باستثناء بعض الأحداث الرئيسية في حياة البطلة.

باختصار، لو كنّا في نفس السنة من حياة بارثينوبي، ولو تفادينا الحدث الرئيسي الذي يشكل صدمة حياتها الأكبر، فيمكن تخيل تبديل موقف مكان الآخر دون أن يخل ذلك بترتيب الحكي، فقط سيخل بالإيقاع الداخلي الذي يبنيه سورنتينو عبر مشاهده. لذلك نقول إنها أفلام أقرب للقصائد: الحكاية بمعناها الكلاسيكي ليست أهم ما فيها، ولكن كيف تُحكي هذه الحكاية، وكيف يُمكن أن نكوّن مشاعرًا تتراكم موقفًا بعد الآخر فيأخذنا الفيلم في تيار حسّي زخم، يُفسره كلٌ منّا تفسيرًا ذاتيًّا بحتًا، آخذًا من الفيلم ما يمكنه أخذه، حسب ثقافته وقدر انغماسه، بل وحالته المزاجية وقت المشاهدة.

عن الجمال وزواله

بارثينوبى امرأة باهرة الحُسن منذ طفولتها، محكومة بجمالها الذي يأسر كل من حولها، بذكائها الذي يفوق المتوقع من الجميلات، وبحبها للحياة ولمدينتها التي تحمل اسمها فترتبط حياتها بها. الملخص الرسمي وتتابعات البداية يخبراننا أن البطلة صورة للمدينة وهو حقيقي في أحد مستويات الفيلم، لكنها في مستوى آخر تُمثل بارثينوبى رحلة الإنسانية كلها، رحلة اكتشاف الذات، اختيارات ولذة الشباب، صراع العقل والغواية، وغيرها من الأفكار والمشاعر التي تضمها حكاية المرأة/ المدينة.

يُقدم سورنتينو بطلته سيليستى دالا بورتا كأيقونة للفتنة، والجمال هو ملعبه المفضل، فمن بين كل مخرجي العالم ينفرد باولو سورنتينو بذائقته المدهشة. هذا مخرج لا يكاد يصوّر لقطة واحدة دون أن يحكمها حس جمالي فائق، في العناصر والتكوين وحركة الكاميرا وكل تفصيلة داخل الكادر، بإتقان يجعل البعض يتهمه بالشكلانية. غير إن ما ينقذ مشاهد سورنتينو في أغلب الأوقات من الاتهام هو ما يخبئه الجمال دائمًا من حزن دفين.

لدى سورنتينو هوس مزمن بالخوف من زوال الجمال، فمهما كان قدر الفتنة أو ما حققه أبطاله من نجاح أو جاذبية أو تحقق، فهذا الجمال محكوم عليه مسبقًا بالفناء: العمر سيتقدم والجسد سيترهل، وستصير الشابة عجوز تنظر لماضيها متحسرة على كونه ماضيًا، تمامًا كما كان الموسيقار بطل فيلم "شباب" ينظر لسنواته الماضية متعجبًا من مرورها بهذه السرعة.

في أحد أهم مشاهد الفيلم يرفض الكاتب الأمريكي المثلي الذي تحب بارثينوبي كتاباته (يلعبه النجم جاري أولدمان في ظهور قصير لكنه مؤثر) أن تذهب الفتاة الجميلة لقضاء باقي الليلة معه. "لا أريدك أن تهدري لحظة من شبابك معي". وكأنها عبارة يقولها موسيقار "شباب" أو بطل "الجمال العظيم" نادمًا. ففي النهاية سنندم في نهاية أعمارنا على مالم نفعله، لا على ما اقترفناه.

رحلة نحو التحرر

تعيش بارثينوبي حياة حافلة كمدينتها. تسافر إلى كابري في رحلة صيف شبابية ستغير باقي حياتها، تقابل محبين وعشاق منهم من تقربهم منها ومنهم من لا تجدهم يستحقون مهما حاولوا إبهارها، تستجيب لحلم النجومية وتبدأ خطوات تعلم التمثيل لكنها توقف المسار عندما تقابلها صورة أخرى لنظرة العجائز على شبابهم الضائع، وتقرر طول الوقت أن عقلها هو مستقبلها، فتنشغل بعلم الأنثروبولوجي تحت إشراف بروفيسور يشبهها: متعجرف يعرف قيمة نفسه، لكنه صادق يقدر قيمة من يستحق. "أنت امرأة نادرة لأنك لا تستغلين جمالك"، يقولها عمدة المدينة لها فتوافقه جزئيًا، فهي تعلم أنها استخدمت جمالها في مواقف عديدة، أو على الأقل فتح لها أبوابًا مغلقة.

حكايات ومواقف تمر بها بطلتنا في مسيرتها من المراهقة إلى الشيخوخة، يرويها باولو سورنتينو بطريقته التي أوضحناها، ليوقعنا في حب "بارثينوبي"، الفتاة والمدينة، بكل ما فيها من تعقد وتناقضات ونقاط ضعف، وأنانية، وصدق، وانحراف. ليمنحنا قصيدة سينمائية جديدة، ينطبق عليها ما ينطبق على القصائد: لو توقفت عند كل التفاصيل فستجد بعضها غامضًا أو مباشرًا أو مربكًا، لكنك لو نظرت للصورة العامة، وتركت نفسك لموسيقى العمل وإيقاعه الداخلي، ستجدها تجربة شعورية مُشبعة بحق.

قد تعجبك أعماله أو لا تعجبك، وقد تعتبر "بارثينوبى" أفضلها أو أسوأها، لكن من الصعب إنكار كونه أحد المخرجين القلائل المتبقين الذي يسعون لتقديم مالم يقدمه أحد قبلها، الحالمون بالكمال المستحيل، بالجمال العظيم الذي اختاره عنوانًا لأحد الأفلام. تنجح محاولات وتفشل أخرى، لكن الحلم يبقى تاجًا على رأس الحالمين.

 

موقع "في الفن" في

23.05.2024

 
 
 
 
 

لماذا لا يظهر المزيد من المشاهير تضامنهم مع فلسطين على السجادة الحمراء لمهرجان كان؟

الشيماء أحمد فاروق

أثار فستان الممثلة الأسترالية كيت بلانشيت الجدل على منصات التواصل الاجتماعي، حيث تم تأويله كأحد التعبيرات القليلة للغاية الداعمة للقضية الفلسطينية على سجادة مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته لعام 2024.

وبينما اكتفت بلانشيت بالصمت ولم تؤيد أو تنفي أن تصميم الفستان يعبر عن علم فلسطين، فقد اُعتبر كذلك من الجمهور، خاصة مع وجود حالة تركيز وترقب من المتابعين في انتظار دعم القضية والدعوة إلى وقف إطلاق النار كما حدث أثناء حفل الأوسكار، ولكن لماذا لم لا يظهر المزيد من المشاهير تضامنهم؟.

ومن الملاحظ أن المشاهير الذين أظهروا بعض علامات التضامن نادرون، مثل: النجم الفرنسي عمر سي، وهو أحد أعضاء لجنة تحكيم المهرجان السينمائي، وقد نشر مؤخرًا على منصة إنستجرام: "لا يوجد شيئا يبرر قتل الأطفال في غزة، أو في أي مكان"، أما الممثلة الفرنسية الجزائرية ليلى بختي، فقد ارتدت دبوساً على شكل قلب مصمم على شكل قطعة البطيخ، وهو رمز للمقاومة الفلسطينية حالياً.

الوضع في كان مختلف عن الأحداث السينمائية الأخيرة الأخرى، مثل حفل توزيع جوائز الأوسكار، حيث صعد العديد من الممثلين وصانعي الأفلام إلى السجادة الحمراء وهم يرتدون دبوس Artists4Ceasefire الأحمر، لدعم طلب وقف إطلاق النار.

ورصد تقرير لمنصة ذا ناشونال، لمراسلهم رازميج بيدريان، من مهرجان كان، بعض من تفاصيل الظروف المحيطة بمهرجان كان، والتي أدت إلى نُدرة أي مظاهر دعم سواء لمطالب وقف إطلاق النار أو تضامن مع ضحايا الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في حق سكان قطاع غزة منذ شهور.

رقابة ذاتية

بالنسبة للبعض، قد يكون عدم التحدث علنًا بمثابة نوع من الرقابة الذاتية، لأن مهرجان كان ليس مجرد منصة لتقدير الأفلام، بل هو أيضًا معرض للمبيعات المحتملة للعديد من المشاريع والعلامات التجارية، وإذا تحدث أحد النجوم عن قضية محل اختلاف عالمي، قد يعتقد البعض أن ذلك قد يعرض النجاح المالي للمشروع للخطر، خاصة عند النظر إلى النماذج الأخرى، ففي أعقاب رد الفعل العنيف الذي واجهه المخرج البريطاني جوناثان جليزر بعد أن انتقد الهجمات الإسرائيلية على غزة خلال خطاب قبوله لجائزة الأوسكار .

رغبة من المهرجان

حث منظمو المهرجان على عدم استخدام منصتهم لأغراض سياسية، وفي مؤتمر ما قبل المهرجان، أصر المندوب العام لمهرجان كان، تييري فريمو، على أنه يريد أن يكون المهرجان هذا العام "خاليًا من الجدل".

وقال فريمو: "الاهتمام الرئيسي بالنسبة لنا جميعا أن نكون هنا هو السينما، لذلك إذا كانت هناك جدالات أخرى فهذا لا يعنينا"، ولم يكن يشير فقط إلى قضية غزة، بل إلى التقارير المتزايدة حول الانتهاكات التي تحدث في السينما الفرنسية، بالإضافة إلى الاحتجاجات المخطط لها على أجور العمال في مهرجان كان وغيره من المهرجانات الفرنسية.

كما عزز المهرجان إجراءاته الأمنية، حيث نقلت مجلة فارايتي عن أمينه العام فرانسوا ديروسو قوله: "هذا العام، تلقينا 15 إحاطة أمنية مقارنة بأربعة أو خمسة فقط في العام الماضي"، وبحسب المصدر نفسه، فإن المهرجان "كان في البداية خاضعًا لخطة تتمثل في قيام صانعي الأفلام العرب بارتداء دبابيس تظهر الدعم للفلسطينيين المحاصرين في غزة، ومع ذلك، تراجع المهرجان عن تلك الخطوة أيضاً".

تناقض المهرجان

لكن يظهر تناقض المهرجان من خلال تصرفات أخرى تبرز أن ما يحدث انتقائي، فقد برز التضامن مع إسرائيل على سجادة المهرجان، فقد ظهرت الفرنسية الإسرائيلية لورا بلاجمان كادار مرتدية فستاناً أصفر اللون يحمل وجوه الرهائن المحتجزين، وكتب على وشاحها عبارة "أعيدوهم إلى المنزل".

يبرز التناقض في صورة أكبر من خلال مقارنة الوضع الحالي بما حدث في 2022، فقد منع منظمو مهرجان كان المندوبين الروس من الحضور بعد غزو أوكرانيا، في ذلك العام، كما ظهر الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي بشكل مفاجئ في حفل الافتتاح، تم البث من كييف عبر الأقمار الصناعية.

وقال زيلينسكي: "في 24 فبراير، بدأت روسيا حربا ذات أبعاد ضخمة ضد أوكرانيا بهدف التوغل في أوروبا، هل السينما ستبقى صامتة أم ستتحدث عنها؟ إذا كان هناك دكتاتور، إذا كانت هناك حرب من أجل الحرية، مرة أخرى، كل هذا يتوقف على وحدتنا، هل يمكن للسينما أن تبقى خارج هذه الوحدة؟ نحن بحاجة إلى شابلن جديد يثبت أن السينما في عصرنا ليست صامتة".

كما اتخذ المهرجان موقفا واضحا ضد الحكومة الإيرانية، وفي ديسمبر 2022، أصدرت مدينة كان بيانا طالبت فيه بالإفراج عن الممثلة ترانه عليدوستي، وهي واحدة من أبرز الأشخاص الذين تم اعتقالهم في احتجاجات إيران المستمرة حينها، وفي الآونة الأخيرة، هرب المخرج محمد رسولوف من إيران بعد أيام من الحكم عليه بالسجن 8 سنوات بتهم تتعلق بالأمن القومي.

وبعد ظهور تقارير تفيد بأن المخرج رسولوف سيحضر عرض فيلمه في المهرجان، قال فريمو : "لقد تأثرنا بشكل خاص بالترحيب برسولوف هنا كمخرج، فرحتنا ستكون فرحة جميع رواد المهرجان وجميع الإيرانيين المحبين للحرية، نود أن نؤكد من جديد دعم مهرجان كان السينمائي لجميع الفنانين في جميع أنحاء العالم الذين يعانون من العنف والانتقام في التعبير عن فنهم".

 

الشروق المصرية في

23.05.2024

 
 
 
 
 

ممثلة إيطالية تعلن دعمها لفلسطين خلال مشاركتها بمهرجان كان

عبّرت الممثلة الإيطالية جاسمين ترينكا عن تعاطفها مع أهالي قطاع غزة من خلال ارتدائها دبوسا عليه شكل العلم الفلسطيني، أثناء حضورها الدورة الـ77 من مهرجان كان السينمائي العالمي في فرنسا.

وحضرت ترينكا البالغة من العمر 43 عاما، مهرجان الفيلم الذي أقيم في مدينة كان بفرنسا، حيث مشت على السجادة الحمراء لعرض الحلقة الأولى من مسلسل "موعد مع فاليريا جولينو" (Rendez-vous with… Valeria Golino).

وسبق لترينكا الفوز بجائزة أفضل ممثلة لفئة جائزة "نظرة ما" في مهرجان كان عام 2017، وذلك عن فيلم "محظوظة" (Fortunata)، كما ظفرت بجائزة أفضل موهبة صاعدة عام 2006.

ورغم حظر مدينة كان الفرنسية التظاهر وتنظيم المسيرات الاحتجاجية على طول شاطئ كروازيت، حيث يقام المهرجان، وتأكيد رئيسه تييري فريمو "أن يكون بدون جدلية، لنحرص على أن يكون الاهتمام الرئيسي لنا جميعا هو السينما"، سجلت الفنانة الفرنسية -من أصل جزائري- ليلى بختي رسالة لمنظمة اليونيسيف لصالح أطفال غزة، كما وضعت دبوسا أحمر على شكل بطيخ خلال مرورها على السجادة الحمراء تعبيرا عن تعاطفها مع الفلسطينيين.

كما نشر عضو لجنة تحكيم المهرجان الممثل الفرنسي "عمر سي" دعوة لوقف إطلاق النار على إنستغرام في وقت سابق من هذا الأسبوع.

أما نجمة هوليود الأسترالية كيت بلانشيت، فأثارت الكثير من التكهنات، إذ أطلت على الحضور بفستان قيل إنه يمثل 3 من ألوان العلم الفلسطيني الأخضر والأبيض والأسود، بينما استكملت السجادة الحمراء باقي ألوان العلم.

ويعد مهرجان كان من أهم المهرجانات السينمائية في العالم، ويعود تأسيسه إلى عام 1946، ويتنافس هذا العام 22 فيلما على الجائزة الذهبية في المهرجان الذي يستمر حتى 25 مايو/أيار الجاري.

المصدر الجزيرة وكالة الأناضول

 

####

 

عن فيلم يناقش الإعاقة العقلية..

أرجنتيني يفوز بجائزة أسبوع النقاد في مهرجان كان

حصل المخرج الأرجنتيني فيديريكو لويس أمس الأربعاء 22 مايو/أيار 2024، على الجائزة الكبرى لأسبوع النقاد -إحدى الفئات الفرعية في الدورة الـ77 لمهرجان كان السينمائي– عن فيلمه الأول "سيمون دي لا مونتانيا" (Simon de la Montana).

ويؤدي لورينزو "توتو" فيرو (25 عاما) دور سيمون في الفيلم، وهو فتى يصادق مجموعة مراهقين من ذوي الإعاقات العقلية في مدينة بجبال الأنديس.

ويضم طاقم عمل "سيمون دي لا مونتانيا" ممثلين يعانون من إعاقات عقلية، شأنه في ذلك شأن الفيلم الفرنسي الناجح "أنبتي تروك أن بلوس" (Un P’tit Truc en Plus) لأرتوس.

وقال المخرج الأرجنتيني خلال تقديم فيلمه "أرى أن التواصل مع أشخاص مختلفين عنك يستحق بذل الجهد، فبهذه الطريقة يمكن الوصول إلى أجمل ما في البشر، أي عظمتهم وتعقيداتهم اللامتناهية".

ومن المنتظر أن يتم الإعلان عن بقية الفائزين بجوائز مهرجان كان، بما في ذلك السعفة الذهبية، خلال الحفلة الختامية مساء السبت.

المصدر الفرنسية

 

الجزيرة نت القطرية في

23.05.2024

 
 
 
 
 

رشيد مشهراوي... قصة مخرجي غزة وسط الدمار

(فرانس برس)

إخفاء الملخص

- المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي يمكّن مخرجين في غزة المحاصرة من توثيق تجاربهم اليومية تحت القصف في سلسلة أفلام "من المسافة صفر"، تعكس المعاناة الإنسانية للمدنيين.

- رغم التحديات الكبيرة من انقطاع الاتصالات إلى نقص الإمدادات، استطاع الفريق إنتاج أفلام تسلط الضوء على الحياة تحت الحصار والقصف، محافظين على الرواية الفلسطينية.

- الأفلام عُرضت في مهرجان كان السينمائي، موسعةً الوصول للصوت الفلسطيني عالميًا، وتلقت دعمًا عربيًا، مما يبرز أهمية السينما الفلسطينية في السرد العالمي.

كان المخرج السينمائي الفلسطيني المخضرم رشيد مشهراوي خارج غزة عندما اندلعت الحرب الإسرائيلية عليها العام الفائت، فقرّر تسليم الكاميرا لمخرجين آخرين بقوا داخل القطاع المحاصر. وهؤلاء "هم قصة" مشروع العمل السينمائي الذي عرضه مشهراوي في الدورة السابعة والسبعين لمهرجان كان في فرنسا، بعد مرور أكثر من سبعة أشهر على اندلاع الحرب. يقول رشيد مشهراوي: "كانوا يكافحون لحماية حياتهم وعائلاتهم وإيجاد الطعام والحطب لإشعال النار".

رشيد مشهراوي يدير "من المسافة صفر" عن بعد

كانت النتيجة مجموعة من الأفلام القصيرة بعنوان "من المسافة صفر"، تنقل أجواء ما تعيشه غزة في ظل القصف الإسرائيلي، والكارثة الإنسانية التي نتجت عنه، من منظور المدنيين على الأرض. في أحد هذه الأفلام القصيرة، تضع أم هجّرتها الحرب ابنتها في وعاء أبيض كبير، ثم تسكب عليها الماء برفق لتحميمها، مستخدمة ركوة نظيفة لإعداد القهوة التركية. وفي فيلم آخر، يروي رجل معاناته التي استمرت 24 ساعة تحت الأنقاض بعد انهيار المبنى الذي كان فيه.

وتولّى رشيد مشهراوي من الخارج توجيه الفرق العشرين الموجودة في غزة، وهي عملية وصفها بأنها "بالغة الصعوبة": "في بعض الأحيان، كنا نحتاج إلى الانتظار ما بين أسبوع وعشرة أيام لنتمكن من الاتصال بشخص ما، أو لنتمكن من الاتصال بشبكة الإنترنت لتحميل المواد" المصوّرة. وفي أوقات أخرى، كانت فرق العمل تنهمك بهموم الحرب اليومية، كإيجاد خيمة مثلاً، أو للاستحصال على الإنسولين لوالدة أحد المخرجين، أو لتدبير سيارة إسعاف لإنقاذ عدد من الأطفال.

صوت فلسطيني في كان

ليست هذه الأفلام القصيرة وحدها المعروضة في مهرجان كان هذه السنة، بل ثمة أعمال فلسطينية أخرى، من بينها الفيلم الدرامي "إلى عالم مجهول" للمخرج الفلسطيني الدنماركي مهدي فليفل الذي تدور أحداثه في أثينا ويتناول واقع اللاجئين الفلسطينيين.

وليست للسينما الفلسطينية خيمة خاصة بها في هذا الحدث، لكنّ الجزائر أفسحت جناحها للمخرجين الفلسطينيين في الطرف الآخر من السوق الدولية للأفلام في كان. وقال المخرج الفلسطيني المقيم في النرويج محمد الجبالي: "إن سرديتنا وروايتنا للقصص باتت اليوم أكثر أهمية من أي وقت مضى". وفرغ الجبالي من تصوير فيلمه الأحدث "الحياة حلوة" قبيل اندلاع الحرب، لكنّ صديقاً قريباً منه صوّر المشهد الأخير من هذا الوثائقي لم ينجُ من نيرانها، إذ "قُتل في أثناء انتظاره الحصول على المساعدات الغذائية"، على ما أفاد المخرج.

وأمل منير عطا الله، من شركة "ووترميلون بيكتشرز" في الولايات المتحدة، التمكن من عرض الفيلم في أميركا الشمالية، ملاحِظاً أن "حراس بوابة الصناعة السينمائية حرصوا طويلاً على إبعاد" الفلسطينيين عن الشاشات الأميركية. ومن الفلسطينيين الذين سبق أن استقطبوا مشاهدين في الولايات المتحدة شيرين دعيبس، التي أخرجت فيلم Amreeka عام 2009 وشاركت في إخراج مسلسل "رامي" الذي حقق نجاحاً كبيراً على منصة "هولو". لكنّ تصوير فيلمها الأخير، وهو عبارة عن ملحمة تاريخية، تعطّل بسبب حرب غزة.

وما كان من عضو طاقم الفيلم علاء أبو غوش، الموجود على الأرض في مدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، إلاّ أن أنتج فيلماً وثائقياً عن المشروع المتوقف، أطلق عليه بالإنكليزية عنوان Unmaking Of. وقال أبو غوش إن "الفيلم يطرح السؤال حقاً: ما أهمية صناعة الأفلام والفن في هذا النوع من المواقف، في هذه الحرب؟".

 

العربي الجديد اللندنية في

23.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004