ملفات خاصة

 
 
 

السعودية تقود الحضور العربي في «كان»

المرأة تختلف في أفلام العرب عنها في أفلام الغرب

كان جنوب فرنسامحمد رُضا

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

فيلم توفيق الزايدي «نورة» لن يكون فقط أول فيلم سعودي يشترك رسمياً في مهرجان «كان» بل سيبقى وصفه كذلك مدى الزمن. لم يسبقه فيلم سعودي آخر لهذا الوضع، ولو أن بعض الأفلام السعودية المستقلة (تحديداً «زمن الصمت» لعبد الله المحيسن و«كيف الحال» لإيدازور مسلّم وإنتاج آرت) سبقاه خارج حدود الاشتراكات الرسمية. المفارقة، هي أن «نورة» شكّل علامة فارقة بالنسبة للسينما السعودية، ومهرجان «كان» «وجدة» لهيفاء المنصور سجّل سابقة في مهرجان «فينيسيا» سنة 2012، كما شكّل «بركة يقابل بركة» علامة فارقة بين السينما السعودية ومهرجان «برلين» سنة 2016.

«نورة» صوبَ عالمية العروض

الفيلم الجديد يختلف عن كلا الفيلمين السابقين. المخرج الزايدي سرد حكاية تعود لماضي ما قبل الحراك الفني والثقافي للمملكة، وكتب قصّة جادة تدور حول شخصيات مدروسة في معالجة جادة بدورها تصيب أهداف توفير صورة عن الوضع المجتمعي في البادية، من خلال شخصيات تحاصر بعضها الرغبات ويصدُ بعضها الآخر تجربة تطبيق ما يتمناه أستاذ جاء لتعليم أبناء القرية الفن إلى جانب المواد المدرسية المقررة.

هناك اهتمامٌ كبيرٌ بهذا الفيلم الذي لديه نسبة مقبولة من الفوز بجائزة قسم «نظرة ما»، يتوقف ذلك على لجان التحكيم، وإذا ما كان هناك في هذا القسم أفلام أفضل.

الاهتمام المذكور، هو نجاح عملية بيع الفيلم للأسواق الخارجية. حتى الآن وحسب مصدر مطّلع في عملية التوزيع، هناك أسواق إسبانية وفرنسية وبريطانية وربما أميركية تم التعاقد معها.

الزايدي بدوره، منكبٌّ على وضع سيناريوهين لفيلمين مقبلين. لا يريد أن يحكي في تفاصيلهما لكن ما شاهده من نجاحٍ حتى الآن واستعداد السوق الخارجية، يشجعانه على ضرب الحديد وهو حامٍ.

النجاح كذلك من نصيب مؤسسة «العلا» التي تشقّ طريقها بثباتٍ وسط كل هذه المؤسسات العالمية. لجانب مشاريع أميركية ستُصوّر في السعودية، لجانب «العلا» واستديو موسيقي كبير لديها.

مرّة أخرى تغيب التفاصيل حالياً، لكن من بين هذه المشاريع فيلم سعودي - صيني مع نجوم أميركيين ومن الهند. كذلك لا يبدو أن هذه المؤسسة التي وُلدت كبيرة ستنأى بنفسها عن مشاريع سعودية محلية بينها فيلما توفيق الزايدي.

دراما عبر سنين

بين المؤسسات العربية الأخرى، تتقدّم جهود السينما السعودية عبر كل مشاركاتها وهيئاتها على ما عداها من مؤسسات أخرى. هناك حضور تونسي وجزائري ومغربي وأردني مهم، ثم أفلامٌ عربية على نحو منفرد. بعض التنافس موجود والكثير من السعي للتقدم وتبوأ نجاحات كبيرة، لكن هذا السّعي ليس جديداً ويحتاج إلى دعمٍ مادي وبلورة فكرية. تحتاج إلى إغلاق كتب الأمس وفتح صفحات جديدة ذات خطط قابلة للنجاح.

من بين الأفلام العربية المشتركة، فيلمان مغربيان تجدر الإشارة إليهما. أولهما، نسبة لتاريخ عروضه، «عبر البحر» لسعيد حميش بن العربي الذي عرضته تظاهرة «أسبوع النقاد» والثاني هو «الجميع يحب توده»، لنبيل عيوش (خارج المسابقة).

«عبر البحر» لابن العربي (أول أفلامه) دراما تمرّ عبر عقودٍ تنطلق من حياة شاب اسمه بابلو، يعيش حياته في المغرب كما يحلو له. قليلٌ من الأفكار الثورية. كثيرٌ من الترفيه والغناء والرقص قبل أن يصطدم بمحقق عندما ألقي القبض عليه وعلى رفاقه في إحدى الليالي.

يحرق المحقق جواز سفر بابلو بعدما أخبره بأنه يودّ الهجرة. يمرّ بابلو بعد ذلك بأيام عصيبة. إفلاسٌ وضياعٌ وإخفاقات خطى، إلى أن يلتقي، بعد فترة طويلة، بالمحقق نفسه. يبدو المحقق أكثر لطفاً وكياسة مما كان عليه في اللقاء الأول... وهذا مفهوم لأنه مُثلي (رغم زواجه).

مشاهد كثيرة تمر قبل وبعد وفاة المحقق مصاباً (وقد وصلنا إلى مطلع التسعينات) بما انتشر آنذاك من مرض جنسي (سيدا). بعدَ مشاهد أخرى تؤول زوجة المحقق لبابلو ويتزوّجان. هنا تقع حفلة رقص وغناء مغربية بدورها هي واحدة من أغاني فولكلورية يوظّفها المخرج بدراية في عمله هذا.

لا يشعر المُشاهد إلّا بدرجة محدودة من الاهتمام بما يقع. هناك أهمية بما تعرضه الحكاية من مشاغل ومواقف، لكن سعي المخرج لتوفير معالجة أكثر من مجرد سردية شبه غائب.

عيوش يعرض للمرأة

هناك غناء أيضاً في فيلم نبيل عيوش «الجميع يحبّون توده». حتى الآن كوّن عيوش لنفسه سمعة طيبة بين أترابه المغاربة. لديه اسم معروفٌ في أوروبا، وعددٌ كبيرٌ من الأفلام المتنوّعة على مدار 20 سنة أو نحوها. جلّها حكايات اجتماعية وبعضها محض عاطفي، لكنها تختلف في مستوياتها على نحو يثير العجب أحياناً.

يبدأ الفيلم ببطلته توده (نسرين إرادي) وينتهي بها وقد أصبحت على مفترق طريق بين البقاء في الموقع نفسه أو مواصلة طموحها الكبير الذي تسعى إليه للخروج من البيئة الصعبة حيث تعيش، وتتحوّل من مغنية في قريتها إلى مغنية مشهورة على طول البلاد وعرضها.

الطموح يبدو قابلاً للتحقيق، لكن السيناريو، الذي شاركت المخرجة مريم التوزاني بكتابته، يضع كثيراً من العثرات أمامها. لا تملك المال. تعمل في إحدى الحانات الليلية. تتحمّل اعتداءات السكارى. لديها ابن صغير وُلد أصمّ وكل هذه معيقات قد تمنع أي شخصٍ يحلم بالخروج منها، فما البال إذا ما كان هذا الشخص امرأة بمواصفاتها.

المعالجة، كغالب أفلام عيوش، واقعية ما يمنح الفيلم مصداقيته. عيوش يعرف متاعب مجتمعه ومتاعب بطلته ويوجّه فيلمه للكشف عنهما. ما يعارض منهجه هو انتقالات مفاجئة بين الأحداث بسبب توليفٍ لا يخلو من التوتر.

لكن الفيلم لا يتحوّل إلى استعراض للبؤس واليأس، بل يواكب بطلته وقد ازدادت إلماماً ومعرفة وسمت فوق المعيقات على نحو يبدو موجهاً لإيصال رسالة تضامن مع المرأة المغربية.

هذا الفيلم أفضل من «أي شيء تطلبه لولا» الذي حقّقه عيوش 17 سنة عن راقصة في أميركا، تنتقل إلى مصر حباً بالرقص الشّرقي؛ بيد أن ذلك الفيلم كان استعراضاً أكثر منه دراماً تلتف جيداً حول قضية المرأة كما يفعل هذا الفيلم.

قضايا المرأة في الغرب تختلف بالطبع، وهذا ما يجعل لقاءَ المشاهدين الغربيين مع أفلام تحكي قصصاً عربية وشرقية اجتماعية نوعاً من الاكتشاف الذي لا يتوقف.

حتى الآن عُرضت عشرات الأفلام من هذا النوع في كل مهرجانات العالم ولا يزال الاهتمام بها مرتفعاً.

غالباً، لأن مشاكل المرأة في الغرب ليست نفسها في الشرق. لن تجد كثيراً من الأفلام الأوروبية التي تدور أحداثها في الزمن الحاضر أو الماضي غير البعيد، تتحدّث بالنبرة نفسها عمّا تتحدّث عنه أفلام مصرية ولبنانية ومغربية أو تونسية.

كما ورد هنا قبل أيام قليلة «الفتاة ذات الإبرة» لماغنوس فون هورن، ينتقل إلى عام 1919 لينقل ذلك الجزء الموازي من الحديث عن وضع المرأة الدنماركية في ذلك الحين.

وسنجد في فيلم «بيرد» للبريطانية أندريا أرنولد، الذي سنتحدّث عنه موسعاً في مناسبة قريبة، مشاكل البراءة وهي تختبر مستقبلاً غامضاً، وهو يدور حول فتاة في الثانية عشرة من عمرها تحاول حماية إخوتها الصغار في عالم لا يعرف الرحمة.

إنها تلك الحكايات التي تعبق بها شاشات السينما بينما تتماهى طالبات الشهرة على البساط الأحمر أمام المصوّرين بملابس مزركشة وفضفاضة وابتسامات مصطنعة.

 

####

 

السياسة تطرق باب «كان» من كل صوب

أفلام شرادر وستون والروسي تضرب يميناً ويساراً

كان جنوب فرنسامحمد رُضا

ربما ينشد مهرجان «كان» عدم تعاطي سينمائييه الحاضرين، في لجان التّحكيم أو بين المخرجين المشتركين، السياسة، لكنها هي التي تطرق بابه كلّ يوم من دون هوادة، من خلال الأفلام المعروضة في برامجه المختلفة.

حتى ولو مررنا بالأفلام الكبيرة المشتركة في المسابقة الرسمية وحدها، فسنجد الطروحات والآراء السياسية تعصف بالعروض من كل جانب. هناك بالطبع من يختار تقديم أفلام حكايات لا علاقة لها بالجوانب السياسية أيّاً ما كانت (مثل «حبيسة المد» للصيني جيا جانكلي أو «أكفان» لديڤيد كروننبرغ أو «أنورا» لشون بايكر، وكلها جاءت مخيبة فنياً للآمال) أو طروحاتها الاجتماعية المختلفة، لكن في المقابل هناك «ميغالوبوليس» لفرنسيس فورد كوبولا، و«أوه كندا» لبول شرادر، و«بذرة التين المقدّسة» لمحمد رسولوف، وهناك «ليمونوف» لكيريل سيريبرينيكوف، الذي يتعامل وسيرة حياة الشاعر (من بين أوصاف أخرى) إدوارد ليمونوف.

شاعر متمرد

«ليمونوف» إلى جانب «ميغالوبوليس» يتداولان الولايات المتحدة نقداً وتشريحاً ويختلفان في كلّ شيء آخر من فعل الكتابة والإخراج إلى نوعية القالب الفني والروائي المطروح في كل منهما.

«ليمونوف» هو عن ذلك الشاعر الروسي المولود خارج موسكو في 1943 والمتوفى فيها سنة 2020. كتب الشعر إلى جانب القصص القصيرة والمقالات وبعض الروايات وانبرى كشوكة في خاصرة النظام في زمن الاتحاد السوڤييتي، ما أدّى إلى السماح له بالهجرة مع زوجته آنا روبنستين. ولكونها يهودية سُمح لهما بالهجرة إلى إسرائيل، لكنهما اختارا فرنسا، حيث حاول هو شق طريقه في صفوف الأدباء والسّاعين للانخراط في الجو الثقافي للبلاد في مطلع السبعينات.

انتقل ليمونوف بعد ذلك إلى نيويورك مع عشيقته إيلينا (ساندرين بونير) حيث شقّت طريقها منفردة في علاقات غرامية تجلب لها الثراء غير آبهة بحبّه المتيّم بها. أما هو فعاش في ضنك الحياة يغسل الصحون ويخدم أحد الأثرياء الذي يعده بمساعدته ولكنه يتخلّى عنه، ليهيم في شوارع نيويورك الخلفية ويمارس اللواط مع رجل أسود يعيش على الرصيف.

بعدما شبع من هذا الوضع عاد إلى فرنسا سنة 1980 طالباً لنفسه المكانة التي لم يفز بها. بعد ذلك، عاد إلى روسيا سنة 1999 حيث استمر في منهجه الراديكالي متمرداً على كل النّصوص والسُّلطات إلى أن أودع السجن لبضع سنوات.

بن ويشو مؤهل للفوز

يعرض سيريبرينيكوف قصّة حياة ليمونوف، لكن ليس كعرضه أي فيلم آخر لأي سيرة ذاتية. ما يختاره هذا المخرج الروسي هو أسلوب شكليّ يوازي جنوح الكاتب في مواقفه السياسية عامّة. الكاميرا تقفز قفزاً للتعبير عن منهج الحياة وللتوازي مع المواقف المعلنة للكاتب في الفيلم. وهذه المواقف ليست موجهة للشرق الروسي بقدر ما هي موجهة للغرب الأوروبي والأميركي. سيريبرينيكوف يعمد إلى تخصيص الولايات المتحدة وفرنسا (وما تمثلانه) بأوصاف الخديعة والهيمنة المادية والسّلطوية، والابتعاد عن روح الإنسان، وترك البشر غير المؤهلين للعمل أو غير القادرين على إيجاده يعيشون في سرب الحياة وفي قاعها.

ما يُقدّمه المخرج هو حياة رجل لم يعرف طريقاً ترضيه. هو ثائرٌ ومنضو، يساريٌ ويمينيٌ، صاحب رؤية اجتماعية وبلا رؤية شخصية واضحة. هذا يجعل الفيلم مثيراً لاهتمام المشاهدين، خصوصاً أن ليمونوف ليس بشهرة الأدباء أو السياسيين أو حتى المهاجرين نفسها. ما يزيد الإثارة هو أسلوب المعالجة؛ يؤدّي البريطاني بن ويشو هذا الدّور ببراعة (ثاني فيلم بيوغرافي له بعد «أنا لست هناك»، 2007، الذي لعب فيه شخصية المغنّي بوب دايلان، كما أخرجه الأميركي تود هاينس). أداء ويشو ذهني وجسدي وفي كليهما بارعٌ في تشخيص الحالة والشخصية التي تقف، أكثر من مرّة، على مشارف الجنون. يُعدّ ويشو من هذا الموقف وقبل أيام قليلة من ختام الدورة، أقوى المرشّحين لجائزة أفضل ممثلٍ، إذا لم نقل إنه هو من سيفوز بها بالتأكيد.

السياسة التي يتّبعها الفيلم هي تلك التي خصّها ليمونوف لنفسه والتي تُشبه مروحية فالتة تدور حول نفسها وتصيب في كل الاتجاهات. لكن الحياة الأميركية ومفهوم نظامها هما الطلقة الكبرى في منظوره، وبعض ذلك ينضمّ إلى ما طرحه «ميغالوبوليس» من أوصاف وتُهم.

ذكريات مخرج

فيلم بول شرادر الجديد، «أوه، كندا»، يتحدّث ولو بحدود، عن الجيل الذي ترك الولايات المتحدة خلال الحرب الفيتنامية مفضلاً الهجرة إلى كندا عوض تنفيذ أوامر الانضمام إلى الجيش الأميركي الذي كان يخوض حرباً غير عادلة في تلك البقعة من العالم.

لكنّ الفيلم في الأساس، هو لقاء أمام كاميرا ثانية (غير كاميرا الفيلم)، بين مخرج تسجيلي كبير في السن اسمه ليونارد (ريتشارد غير)، ومخرج أصغر سناً اسمه مالكولم (مايكل إمبريولي)، بحضور زوجة الأول (إيما ثورمون). هي لا تتكلم بل ترقب وتكتشف جانباً من حياة زوجها لم يسبق لها معرفته. الحوار بين المخرجين (من جيلين متباعدين) يضيء لنا حكايات ومواقف تخصّ ليونارد وتكشف في الوقت نفسه عن اختيارات هذا المخرج من خلال حديثه عن حياته وأعماله.

يصوغ شرادر عملاً بديعاً كعادته، مقتبساً عن كتاب راسل بانسك «تحصيل حاصل» (Foregone)، وهذا ثاني تعاون بينهما، إذ كان شرادر اقتبس عن رواية لبانكس فيلمه «بلاء» (Affliction) سنة 1997. وهو اللقاء الثاني أيضاً بين شرادر والممثل ريتشارد غير بعد «أميركان جيغولو» سنة 1980. بالنسبة لكثيرين، وهذا الناقد بينهم، هذا الفيلم والفيلم الحالي، من بين نخبة الأفلام الأفضل في مسيرة الممثل.

مثل كوبولا، عمد شرادر إلى العمل من دون دعم استوديو هوليوودي، لكن بميزانية أصغر بكثير من تلك التي صرفها كوبولا من جيبه لتحقيق «ميغالوبوليس». هذا يتّضح لمن يُمعن في الكيفية التي عالج بها المخرج فيلمه بالتركيز على المشاهد الداخلية وتحديد معالم المشاهد الخارجية وأدوارها.

إذا ما فاز ريتشارد غير بجائزة أفضل ممثل، فإن ذلك قد يكون جرّاء نظرة عاطفية لتاريخه البعيد في مجال الفن. ليس لكونه لا يستحق الفوز، لكنّ ذلك التاريخ قد يشكّل عنصراً مفيداً له في هذا الاتجاه.

ستون بين حجرين

في المحيط السياسي نفسه شاهدنا «لولا» لمخرج أكثر عناية منذ سنوات، بالأفلام التوثيقية من تلك الروائية التي كان يُنجز منها كثير في الثمانينات والتسعينات.

بعد فيلمه عن كاسترو، وآخر عن ياسر عرفات، وثالث عن بوتين، ينتقل في «لولا» إلى الرئيس البرازيلي لويس إيناسيو لولا دا سيلڤا، ليضمه إلى سلسة مقابلاته السياسية.

إلى حد بعيد، يعكس ستون عبر اهتماماته هذه مبدأ التّعرف على وجهات النظر الأخرى. تلك المناوئة للسياسة الأميركية. من ناحية أخرى، هي تعبير عن بعدٍ وجفاءٍ بين المخرج وهوليوود، في زمن طغيان الأفلام الروائية الهزيلة التي لا يمكن له، ولعديد من سواه، الانخراط بها.

ومن المؤسف أن ستون لم يكترث للبقاء في نطاق سياسي واضح عبر بعض أفلامه الروائية الأخيرة منضمّاً إلى مارتن سكورسيزي في تعميم وضعٍ بعيدٍ عن الجوهر. في فيلم سكورسيزي «ذئب وول ستريت» (2013)، يقف المخرج إلى جانب المضارب في البورصة (ليوناردو دي كابريو) واختلاساته وجنوح حياته التي قامت على الإثراء غير المشروع. قبله كان أوليڤر ستون منح صكّ براءةٍ لمضارب جشع آخر (مايكل دوغلاس) في «وول ستريت: المال لا ينام أبداً».

لكن ستون مختلف من ناحية واحدة في أفلامه التسجيلية من حيث إنه يعرض ولا يتبنّى، وهذا جيد من جهة وأقل من ذلك من جهة أخرى، إذ يتبدّى المخرج كما لو أنه ما زال بعيداً عن الانتماء لتيارٍ دون آخر.

في «لولا» الذي أنجزه مع مخرج آخر هو روب ويلسون استفادة كبيرة من المصادر الوثائقية لحياة الزعيم البرازيلي الذي كان رئيساً ثم أُسقط، ومن ثمّ أُعيد رئيساً للبلاد من جديد. شهد تاريخه صعوداً وهبوطاً متواليين في حياته. كيف عاش حياته في أسرة فقيرة، وكيف ارتقى معيشياً وسياسياً، وكيف دخل السجن ثم خرج منه قبل أن يصبح رئيساً للجمهورية مرّتين؟

الفيلم جيد بالمعلومات، لكنه عادي بوصفه تشكيلاً، مع سرد ستون ما هو معروض بلا توقفٍ حتى ولو أن ما يقوله واضح من خلال المادّة الأرشيفية المستخدمة. هذه كافية لأن تُعلن عمّا حدث عندما أُلقي القبض على لولا سنة 2017 بتهمة الفساد وأُودع السجن، ثم عندما تذكر أن العملية التي أودت بالرئيس إلى السجن كانت ذات منطلق سياسي للتخلص منه. ليس هناك ما يثبت أيّ شيء محدد في هذا الاتجاه، لذلك يبقى الفيلم مثل استعراض تاريخي وشخصي يصلح لأن يكون نواة حكاية روائية أيضاً.

 

####

 

فيلم «ذي أبرنتيس» في «مهرجان كان» يثير غضب ترمب

كان فرنسا: «الشرق الأوسط»

عُرض فيلم «ذي أبرنتيس (The Apprentice)»، عن سيرة دونالد ترمب المشارِك في السباق لاستعادة رئاسة الولايات المتحدة، (الاثنين)، في المنافسة الرسمية ضمن «مهرجان كان السينمائي»، في عمل دفع بالرئيس الأميركي السابق إلى إطلاق إجراءات قضائية؛ رفضاً لما عدّه «تشهيراً بحتاً».

ومن خلال هذا الفيلم الروائي، يخطو المخرج الإيراني - الدنماركي، علي عباسي، خطواته الأولى في هوليوود بعد إخراجه فيلمين عُرضا في المهرجان الفرنسي العريق («حدود»، الحائز جائزة فئة «نظرة ما» عام 2018، و«عنكبوت مقدس»، الذي عُرض في المهرجان عام 2022). ويتتبع العمل بداية مسيرة ترمب بوصفه قطب عقارات في السبعينات والثمانينات في نيويورك، وفقاً لما ذكرته «وكالة الصحافة الفرنسية».

ويصوّر الفيلم ترمب في بداية مسيرته بصورة مهني ساذج إلى حد ما، لكن الرجل (الذي يؤدي دوره سيباستيان ستان، المعروف بدوره في فيلم «كابتن أميركا») ينحرف عن مبادئه عندما يكتشف حيل السلطة، جنباً إلى جنب مع معلمه المحامي روي كوهن (يؤدي دوره جيريمي سترونغ المعروف بدوره في مسلسل «ساكسيشن»)، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمافيا نيويورك.

ويبدأ الفيلم برسالة رفع مسؤولية تنص على أن كثيراً من الأحداث المعروضة على الشاشة من نسج الخيال.

وقال عباسي لمجلة «فانيتي فير» أخيراً: «أردنا أن نصنع فيلماً تاريخياً بأسلوب (بانك روك)، ما يعني أنه كان علينا أن نحافظ على طاقة معينة، وروحية معينة، و(ألا) نكون انتقائيين للغاية بشأن التفاصيل، وما هو صحيح أو خطأ».

وأثار الفيلم استياءً شديداً لدى دونالد ترمب الذي أعلن فريق حملته الانتخابية «بدء إجراءات قانونية في مواجهة التأكيدات الكاذبة تماماً لهؤلاء الذين يُسمّون أنفسهم سينمائيين»، مندداً بما عدّه «تشهيراً خبيثاً بحتاً».

وقال ستيفن تشيونغ، الناطق باسم فريق حملة دونالد ترمب، في بيان: «هذا التجميع (من المَشاهد) هو محض خيال يضخّم أكاذيب تم دحضها منذ فترة طويلة»

يحمل سيناريو فيلم «ذي أبرنتيس (The Apprentice)» توقيع غابرييل شيرمان، وهو صحافي تَابعَ سوق العقارات في نيويورك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وكان يتواصل بانتظام مع ترمب خلال هذه الفترة.

رسمياً، هذا الفيلم مستوحى من أعمال رئيسية عائدة لتيار «هوليوود الجديدة» السينمائي في أواخر الستينات والسبعينات، بينها أفلام «تاكسي درايفر»، و«نتوورك»، وخصوصاً «ميدنايت كاوبوي».

ورداً على سؤال عمّا إذا كان يمكن لامرأة أميركية أن تكون موضوعية بشأن فيلم عن رئيس بلادها السابق، وعدت رئيسة لجنة التحكيم غريتا غيرويغ بمشاهدته «بعقل وقلب منفتحَين، مع استعداد للمفاجأة».

 

الشرق الأوسط في

21.05.2024

 
 
 
 
 

«أنواع من الطيبة» لليوناني يرغوس لانتيموس… هل نحن أحرار حقا!

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي» :للطيبة مفهوم مختلف، أو مختل، تماما كما في فيلم «أنواع من الطيبة» ليرغوس لانتيموس، المشارك في المسابقة الرسمية في مهرجان كان في دورته السابعة والسبعين (14 إلى 25 مايو/أيار). كما في فيلمه «دوغتوث» (2009) الذي يبدل فيه الكلمات وما تحمله من مفاهيم، فإن الطيبة في جديد لانتيموس تحمل مفهوما جديدا، وتتحول إلى مرادف للقسوة وفرض السطوة والتحكم في حياة الآخرين. يأتينا جديد لانتيموس بعد أقل من عام من العرض الأول لفيلمه «مخلوقات مسكينة» الذي حاز جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا، وأربع جوائز أوسكار، من بينها جائزة أفضل ممثلة لإيما ستون. وتشارك إيما ستون أيضا في بطولة «أنواع من الطيبة» مع وليم ديفو وجيسي بليمونس ومارغريت كوالي.

«أنواع من الطيبة» يضم ثلاث قصص منفصلة، لكن يجمع بينها خط واحد من انقلاب مفهوم الطيبة. كل قصة تتركنا أكثر ذهولا، وربما انقباضا وانزعاجا، من سابقتها، لكن المعتاد على عوالم أفلام لانتيموس سيجد الملامح الرئيسية لتلك العوالم في تلك القصص الثلاث.

القصة الأولى لأحد الموظفين، أو ربما هو في درجة من درجات التراتب الإداري لمؤسسة ما، ويدعى روبرت، يؤدي دوره جيسي بليمونس. يقيم بليمونس في منزل أنيق مع زوجته، ولا أطفال لهما. يغدق مدير روبرت (ويليم دافو) الهدايا على موظفه، التي عادة ما تكون تذكارات من نجوم الرياضة في العالم. يتسلم روبرت كل يوم مظروفا صغيرا يحمل المهام التي يكلفه بها مديره ليومه، وهي مهام تتعلق بأدق تفاصيل حياته، مثل متى وماذا يأكل، ملابسه لليوم، أو ما إذا كان سيمارس الجنس مع زوجته أم لا. لكن ذات يوم عندما يتعلق الأمر بقرار قد يودي بحياة شخص آخر في حادث سيارة، يتمرد روبرت على مديره. ويعقب ذلك انهيار عالم روبرت تماما، فيفقد وظيفته وزوجته وحياته كما يعرفها. ربما قد تحيلنا القصة إلى الإله المتحكم الذي يدير حياة البشر كيفما يشاء، وما على الإنسان إلا الطاعة، وإلا فمصيره النبذ والعقاب. هي قصة نشاهدها بغصة في الحلق واندهاش كبير.

تتوالى قصص الفيلم، وهي تنويعات على انقلاب مفهوم الطيبة. في القصة الثانية نرى ضابط شرطة يشعر بحزن شديد لفقد زوجته في حادث اختفاء قارب في يوم عاصف، لكنها حين تعود بعد عثور قوات الإنقاذ عليها، تساوره الشكوك في حقيقتها، ويظن أنها استبدلت بامرأة أخرى تشبهها، ويطلب من المرأة التي عادت تلك التضحية بحياتها، أو تقديم نفسها قربانا، ليتأكد من هويتها. والقصة الثالثة لزعيمي طائفة دينية يكلفان امرأة بالعثور على فتاة ذات مواصفات معينة، لتصبح شخصا ذا قداسة في طائفتهما، وحين تخفق في مهمتها، ينبذانها ويطردانها من عالمهما.

القصص الثلاث يجمعها خط من التحكم والسيطرة والقسوة والرغبة في إخضاع الغير وإذلاله. يستخدم لانتيموس الممثلين ذاتهم في القصص الثلاث، ما يعطي الإحساس بأننا نشاهد قصة واحدة ممتدة، تتضاعف فيها درجات «الطيبة» كما يدعوها لانتيموس. تتوالى القصص، لكن تبقى الأجواء المقبضة ذاتها، وتبقى الرموز ذاتها مثل ممارسة الجنس لإثبات الولاء والطاعة، الامتناع عن تناول أطعمة معينة امتثالا للأوامر، الامتناع عن شرب الماء إلا من نوع معين، ارتداء ملابس معينة، هجر الأسرة والأهل ليصبح المرء خالصا مكرسا لخدمة صاحب الأمر. جميعها تدور حول الخضوع والإخضاع، وحول الطيبة المشروطة بالطاعة التامة، وإلا تحولت لقسوة عارمة. لا طوعية ولا حرية اختيار في الفيلم، فجميع الشخصيات في القصص الثلاث محكومة بإرادة شخص آخر متحكم مهيمن. وإذا حاولت تلك الشخصيات التمرد أو إبداء حرية الرأي أو التذمر فمصيرها العقاب والطرد. التحكم في الجسد وما يفعله أو لا يفعله يتكرر في القصص الثلاث. ممارسة الجنس، ومع من ومتى تجب ممارسته، المنع من الحمل والإنجاب، حتى الأمر بزيادة أو نقصان الوزن، كلها أمور تتكرر في الفيلم لإثبات الحب والولاء والطاعة.

يدفعنا الفيلم للتساؤل عن أنفسنا. هل نحن أحرار حقا، أم نخضع لنواهٍ وأوامر إن خالفناها يكون المصير هو العقاب والنبذ والطرد من الحب والرحمة. يقدم لانتيموس فيلما مصقولا منمقا وممتعا بصريا، ويحمل السمات المميزة لعالمه. لكن الفيلم تنقصه روح ما، تنقصه تلك الصدمة التي شعرنا بها في فيلمه «مقتل غزال مقدس» على سبيل المثال. ربما يحمل الفيلم تكرارا وإعادة للعلامات المميزة لعالم لانتيموس، لكن دون الدفقة الشعورية المكثفة السابقة.

 

القدس العربي اللندنية في

21.05.2024

 
 
 
 
 

ترامب غاضب بعد عرض فيلم عن حياته في مهرجان كان

(فرانس برس)

عُرض فيلم "ذا أبرنتيس" (The Apprentice)، عن سيرة دونالد ترامب المشارك في سباق انتخابات الرئاسة الأميركية، الاثنين، ضمن المنافسة الرسمية في مهرجان كان السينمائي، في عمل دفع بالرئيس الأميركي السابق إلى إطلاق إجراءات قضائية رفضاً لما اعتبره "تشهيراً بحتاً".

ومن خلال هذا الفيلم الروائي، يخطو المخرج الإيراني الدنماركي علي عباسي خطواته الأولى في هوليوود بعد إخراجه أفلاماً عُرضت في المهرجان الفرنسي العريق، أبرزها "حدود" الحائز جائزة فئة "نظرة ما" عام 2018، و"عنكبوت مقدس" الذي عُرض في المهرجان عام 2022. يتتبع العمل بداية مسيرة ترامب قطباً للعقارات في السبعينيات والثمانينيات في نيويورك.

ويصوّر الفيلم ترامب في بداية مسيرته بصورة مهني ساذج إلى حد ما، لكن الرجل (الذي يؤدي دوره سيباستيان ستان، المعروف بدوره في فيلم "كابتن أميركا") ينحرف عن مبادئه عندما يكتشف حيل السلطة، جنباً إلى جنب مع معلمه المحامي روي كوهن (يؤدي دوره جيريمي سترونغ المعروف بدوره في مسلسل "ساكسيشن")، المرتبط ارتباطاً وثيقاً بمافيا نيويورك.

ويبدأ الفيلم برسالة رفع مسؤولية تنص على أن الكثير من الأحداث المعروضة على الشاشة من نسج الخيال. يظهر أحد أقوى المشاهد في الفيلم ترامب يغتصب زوجته الأولى إيفانا (تؤدي دورها ماريا باكالوفا). كذلك صوّره الفيلم يتناول حبوب الأمفيتامين، ويخضع لعملية شفط دهون وجراحة لزرع الشعر.

وكان عباسي قد صرّح لمجلة فانيتي فير أخيراً: "أردنا أن نصنع فيلماً تاريخياً بأسلوب بانك روك، ممّا يعني أنه كان علينا أن نحافظ على طاقة معينة، وروحية معينة، و(ألا) نكون انتقائيين للغاية بشأن التفاصيل وما هو صحيح أو خطأ".

ترامب يندّد بـ"التشهير"

وأثار الفيلم استياء شديداً لدى دونالد ترامب الذي أعلن فريق حملته الانتخابية "بدء إجراءات قانونية في مواجهة التأكيدات الكاذبة تماماً لهؤلاء الذين يُسمّون أنفسهم سينمائيين"، مندداً بما اعتبره "تشهيراً خبيثاً بحتاً". وقال الناطق باسم فريق حملة دونالد ترامب في بيان أرسل إلى وكالة فرانس برس: "هذا التجميع (من المَشاهد) هو محض خيال يضخّم أكاذيب دُحضت منذ فترة طويلة".

يحمل سيناريو فيلم "ذا أبرنتيس" توقيع غابرييل شيرمان، وهو صحافي تابَع سوق العقارات في نيويورك في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين وكان يتواصل بانتظام مع ترامب خلال هذه الفترة. رسمياً، هذا الفيلم مستوحى من أعمال رئيسية عائدة لتيار "هوليوود الجديدة" السينمائي في أواخر الستينيات والسبعينيات، من بينها أفلام "تاكسي درايفر" و"نتوورك"، وخصوصاً "ميدنايت كاوبوي".

ورداً على سؤال عما إذا كان يمكن لامرأة أميركية أن تكون موضوعية بشأن فيلم عن رئيس بلادها السابق، وعدت رئيسة لجنة التحكيم غريتا غيرويغ بمشاهدته "بعقل وقلب منفتحين، مع استعداد للمفاجأة".

تكريم استوديو غيبلي

خارج المنافسة، مُنحت جائزة السعفة الذهبية الفخرية للاستوديو الياباني غيبلي، الذي شارك في تأسيسه عام 1985 هاياو ميازاكي (83 عاماً)، وهو مخرج حائز جائزة الأوسكار مرتين عن أعماله المفعمة بالشاعرية.

وحضر ابن ميازاكي، غورو، وهو أيضاً مخرج في "غيبلي"، لتسلم الجائزة التي اعتبرها "تشجيعاً" لفترة "الأربعين عاماً المقبلة". مع العلم أنّها المرة الأولى التي يحصل فيها استوديو على مثل هذه الجائزة، والتي عادة ما تُمنح لممثل أو مخرج، مثل ميريل ستريب وجورج لوكاس هذا العام.

وتواصلت حفلة الاثنين بعرض أربعة أفلام قصيرة لم تُعرض سابقاً خارج اليابان، بينها تكملة لفيلم "ماي نايبور توتورو".

أفلام منتظرة

بعد سبعة أيام من العروض، أصبح فيلم "إميليا بيريز" من الأعمال الأوفر حظاً لخلافة "أناتومي أوف إيه فال" للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه، وتقديم السعفة الذهبية الثانية لمخرجه الفرنسي أيضاً جاك أوديار، بعد "ديبان" سنة 2015. كذلك، لقي عددٌ من الأفلام الروائية الأخرى استحساناً كبيراً، مع تصفيق من الحاضرين استمر 11 دقيقة، فيلم "ذا سابستنس" النسوي للمخرجة الفرنسية كورالي فارجا مع ديمي مور.

ويترقب جمهور مهرجان كان أفلاماً عدة في الساعات والأيام القليلة المقبلة، من بينها عمل جديد عن مدينة نابولي للإيطالي باولو سورنتينو من المقرر عرضه الثلاثاء، وفيلم جيل لولوش الجديد بعنوان "لامور أوف" الخميس، و"بذرة التين المقدس" للإيراني محمد رسولوف الجمعة.

وتُعلن قائمة الفائزين بجوائز المهرجان خلال حفل الختام الذي يقام مساء السبت المقبل.

 

العربي الجديد اللندنية في

21.05.2024

 
 
 
 
 

هالة القوصي مخرجة مصرية ترسم لنفسها تجربة مميزة

"شرق 12".. حكاية بالأبيض والأسود تكسر حواجز الزمان والمكان

بفيلم أشبه بكلاسيكيات السينما المصرية، تثبت المخرجة المصرية هالة القوصي فرادة أسلوبها في الإخراج، حيث يحظى فيلمها الروائي الطويل “شرق 12” بعرضه في مهرجان كان تليه جولة في صالات العرض الفرنسية، وترى أنها تواصل مشوار مخرجين عظماء أسهموا في سطوع نجم السينما المصرية أمثال يوسف شاهين ويسري نصرالله.

القاهرةتنتظر المخرجة هالة القوصي عرض فيلمها الروائي الطويل “شرق 12” في مهرجان كان السينمائي هذا الأسبوع بفارغ الصبر بعد أن انضمت إلى نخبة من المخرجين المصريين الذين سجلوا أسماءهم في هذا المحفل الفني العالمي.

ويعرض الفيلم ضمن قسم “نصف شهر المخرجين” الذي يشمل 21 فيلما ويقام بالتوازي مع الدورة السابعة والسبعين للمهرجان المرموق التي انطلقت في 14 مايو الجاري وتستمر حتى 25 من نفس الشهر.

وأبدت هالة سعادتها بكونها أحدث المخرجين المصريين المنضمين لهذا القسم الملحق بالمهرجان بعد انقطاع 33 عاما.

وقالت “مبدئيا كنت أتمنى المشاركة في مهرجان كان لأن الذهاب إليه جائزة لأيّ مخرج، لكن ‘نصف شهر المخرجين’ تحديدا يتميز بفكرة التركيز على رؤية المخرج، والاختيار فيه كان بمثابة تقدير خاص، لأنه يضعني في سياق مختلف تماما، سياق يقدّر المخرج، والمخرج المؤلف تحديدا”.

وأضافت “لذلك كانت فرحتي مضاعفة لأنني انضممت إلى مجموعة مهمّة جدا من المخرجين، ولأن المصريين الذين سبقوني لهذه المسابقة هم يوسف شاهين ويسري نصرالله وعاطف الطيب وتوفيق صالح، وهذا يزيدني شرفا”.

هالة القوصياختياري كان يضعني في سياق مختلف يقدر العمل السينمائي

وتقام أربعة عروض للفيلم أيام 21 و22 و23 مايو الجاري لينطلق بعدها في جولة في فرنسا قبل أن يبدأ مشاركاته في المهرجانات السينمائية الدولية، وهو ما يفتح آفاقا أرحب أمام مخرجته.

وقالت هالة “هي فرصة كبيرة جدا، والآفاق التي فتحت أمامي عريضة. ما كنت أتصوره عن المهرجان شيء وما عشته شيء آخر، سواء بالنسبة إلى حجم المؤسسة واهتمامها وتنظيمها ومتابعتها”.

وأضافت “بعد عرضه في كان، الفيلم سيعرض في باريس في يونيو وتتوالى العروض 30 مرة، وهذا اتفاق ملزم مع المهرجان، كما سيعرض في سويسرا. هذا شيء لم أكن أحلم به”.

وتابعت قائلة “جاءت أيضا عروض كثيرة للحصول على حقوق توزيع الفيلم رغم عدم عرضه بعد، لكن اختياره ضمن المهرجان في حد ذاته يعتبر خاتم جودة”.

ويتناول “شرق 12″، وهو الفيلم الروائي الطويل الثاني لمخرجته، قصة مجموعة من الشبان يضيق بهم المكان الذي يعيشون فيه ويتطلعون للخروج منه لكنهم يصطدمون بالجيل الأكبر منهم الذي يرى أن الأوضاع القائمة أفضل كثيرا من أيّ شيء بعيد ومجهول.

والفيلم إنتاج هولندي – مصري – قطري مشترك تقوم ببطولته منحة البطراوي وأحمد كمال وعمر رزيق وفايزة شامة بالاشتراك مع أسامة أبوالعطا وباسم وديع.

ويشير الاسم إلى منطقة متخيلة لا وجود لها في الواقع تدور فيها الأحداث دون إطار زمني معروف، وهو ما شكل تحولا عن أفلام سابقة للمخرجة كانت فيها القاهرة حاضرة بروحها ومعالمها.

"شرق 12" يتناول قصة مجموعة من الشبان يضيق بهم المكان الذي يعيشون فيه ويتطلعون للخروج منه لكنهم يصطدمون بالجيل الأكبر منهم

وقالت هالة “عندما انتهيت من فيلم ‘زهرة الصبار’ قلت لفريق العمل معي، الذي شارك معظمه في ‘شرق 12’، إننا إذا صنعنا فيلما جديدا فسيكون فيلما صعبا بالنسبة إلينا جميعا، سأصنع فيلما يكون بالنسبة إلى كل منكم هو الأصعب في مشواره”.

وبالفعل قامت بتصوير الفيلم على خام السينما بالأبيض والأسود ليكون أول فيلم مصري يتم تصويره بهذه التقنية منذ أكثر من 10 سنوات بعد التحول إلى التصوير الرقمي.

وقالت “أردت أن أصنع فيلما لا ينتمي للحظة بعينها، أردته فيلما يعيش لأطول وقت، يمكن مشاهدته دون أن يشعر المتفرج أنه قديم أو تجاوزه الزمن، وخام السينما خدم الفكرة”.

وأضافت “هو نمط يشبه الحواديت، مثل ألف ليلة وليلة، نحن لا نعرف لها تاريخا محددا، لكننا نقول إنها حدثت في الماضي، لتظل الشخصيات والحكمة المستخلصة باقية بغض النظر عن تفاصيل المكان والزمان”.

لكن هذا الاختيار قادها هي وفريقها إلى صعوبات إنتاجية أخرى أصرت على تجاوزها لإيمانها بقيمة ما تصنع.

وقالت “التكلفة لم تكن في حد ذاتها العائق الأكبر لأننا أجرينا بروفات كثيرة وحفظ الممثلون أدوارهم جيدا وكانوا على وعي بطبيعة الاعتماد على خام السينما”.

وأضافت “الصعوبة الحقيقية تمثلت في أن معمل التحميض كان مغلقا منذ نحو عشر سنوات، وكذلك الحصول على المركبات الكيميائية اللازمة، وإعادة تشغيل أجهزة لم تستعمل منذ سنوات”.

وبعد اجتياز الكثير من الصعوبات لإخراج الفيلم إلى النور وفرحة اختياره ضمن برنامج “نصف شهر المخرجين” كان آخر ما واجهه الفريق هو تأخر الحصول على تأشيرة السفر إلى فرنسا بسبب ضيق الوقت بين إعلان الأفلام المختارة والفترة المعتادة لإصدار التأشيرات من مصر.

لكن هالة التي تحمل الجنسيتين المصرية والهولندية استطاعت السفر إلى مهرجان كان برفقة مدير تصوير الفيلم عبدالسلام موسى ولحق بها بعد أيام باقي فريق العمل.

وعن تكبّدها كل هذه الصعاب من أجل صنع فيلم سينمائي قالت “لا أصنع أفلاما من أجل أن تكون لديّ أفلام، أصنع أفلاما لتعيش، لتبقى في الذاكرة، لتكون مؤثرة، كل فيلم استغرق ما بين 7 و8 سنوات من عمري، أبحث عن مردود أدبي وفني لأن المردود المالي لا يمكن أن يعوض هذه السنين”.

القوصي من مواليد القاهرة عام 1974، ومتخصصة في التصوير الفوتوغرافي وحاضرت عن التصوير الفوتوغرافي في الجامعة الأميركية.

شاركت في تدشين مبادرة جمعية الصور المعاصرة، وهي مبادرة يديرها الفنانون في القاهرة، وأسست في العام 2014 أرشيف “فوتو مصر” وهو معنيّ بإتاحة الصور الفوتوغرافية من مصر منذ بدايات الفوتوغرافيا وحتى نهاية القرن العشرين للباحثين والمهتمين في جميع المجالات.

وإلى جانب كونها مصوّرة ومخرجة هي تكتب وتحاضر بشكل دوري عن الصورة كوثيقة لقراءة التاريخ، وتتناول في أعمالها التاريخ غير الرسمي لمدينة القاهرة من خلال تجارب حياتية عادية لسكان المدينة وتستخدم في تناولها وسائط التصوير الفوتوغرافي والتركيب في الفراغ والنص المكتوب والفيديو. سبق أن أخرجت فيلم “حكايات على الهامش” عام 2005 و”تل النسيان” عام 2010 و”البحث عن مدينة في أوراق سين” عام 2011.

 

####

 

"رفعت عيني للسما" ينقل حياة مراهقات ريفيات وأحلامهن من مصر إلى مهرجان كان

الفيلم يتبع مجموعة فتيات مراهقات في منطقة ريفية بجنوب مصر على مدى أربع سنوات

كان (فرنسا)أمضى المخرجان ندى رياض وأيمن الأمير وقتا طويلا في متابعة فرقة مسرحية مؤلّفة من فتيات في قرية مصرية نائية، قبل إنجاز فيلمهما المصري “رفعت عيني للسما” الذي يُعرض في الدورة السابعة والسبعين من مهرجان كان السينمائي، لدرجة أن أحدهم حاول أن يبيعهما بيتا في المكان.

وقالت رياض بعد العرض الأول للفيلم الوثائقي في مهرجان كان السينمائي “كان يرانا هناك باستمرار لذا ارتأى أننا في حاجة إلى العيش في المكان أيضا”.

يتبع فيلم “رفعت عيني للسما” مجموعة فتيات مراهقات في منطقة ريفية بجنوب مصر على مدى أربع سنوات، خلال تدريباتهنّ على العروض، عارضا للقرارات الصعبة التي يتعين عليهنّ اتخاذها لتحديد مسارهنّ بعد بلوغ سنّ الرشد.

الفيلم يتبع مجموعة فتيات مراهقات في منطقة ريفية بجنوب مصر على مدى أربع سنوات ليعرض القرارات الصعبة التي يتعين عليهنّ اتخاذها لتحديد مسارهنّ بعد بلوغ سنّ الرشد

وتحلم ماجدة بدراسة المسرح في القاهرة، فيما تريد مونيكا أن تصبح مغنية مشهورة، فيما تظل الشابة هايدي ملاحقة باستمرار من شاب وسيم يحاول كسب ودّها.

في عروضهنّ النسوية في الشوارع تنتقد الفنانات اليافعات بجرأة النظام الذكوري، كما يخضن في قضايا تُعتبر جريئة بالمنظور المحلي، كتحقيق الذات والزواج المبكر.

ولكن سرعان ما تفرض تحديات الحياة نفسها، وتجد المراهقات المنتميات إلى الأقلية القبطية المسيحية في مصر أنفسهنّ في مواجهة هذه المفاهيم على أرض الواقع.

وتسجّل الكاميرا لقطات سريّة في متجر عائلي، بين أب وابنته، أو بين حبيبين، فيما تستمر الحياة اليومية في الجوار.

وقالت رياض “في البداية، كان كثرٌ ينظرون باستمرار إلى الكاميرا. كان الجميع خجولين”، ولكن “بمجرد بناء الثقة بينهم وبيننا، أتيحت لنا الفرصة للاندماج”.

وأشارت رياض إلى أنها وشريكها في الإخراج أيمن الأمير باشرا الإعداد للفيلم الوثائقي، الذي يُعرض ضمن فئة موازية للمسابقة الرسمية في المهرجان، بعدما تعرّفا على الفرقة لأول مرة في عام 2017.

وقالت إن الفيلم يحمل طابعا “نسويا متعمدا بكل تفاصيله، لكنّني أعتقد أنه أُملي أيضاً بما كانت تفعله هذه المجموعة الملهمة من النساء بالفعل”.

وأضافت “الأمر مذهل لأنهنّ يطالبن بإجابات حول أشياء مهمة للغاية ويفتحن حواراً مع الجميع في مجتمعهنَ”.

وأوضح أيمن الأمير من جانبه أن التحدي الرئيسي تمثل في توليف 100 ساعة من اللقطات لسرد قصة الفتيات المراهقات خلال انتقالهنّ إلى مرحلة سنّ الرشد، ونقل جانب نادراً ما يُرى من مصر.

وقال الأمير “معظم الأفلام السائدة في مصر تحكي قصصاً عن العيش في مجمّعات سكنية مغلقة والتسوق في مراكز تجارية”، لكن “من النادر جداً أن نرى قصصاً تدور أحداثها في الجنوب خارج القاهرة أو الإسكندرية، وأن نرى فتيات مثل أولئك الفتيات على الشاشة”.

في عروضهنّ النسوية في الشوارع تنتقد الفنانات اليافعات بجرأة النظام الذكوري، كما يخضن في قضايا جريئة

وللفيلم الوثائقي موزّع فرنسي، لكنّ صانعيْ العمل يأملان أيضاً في عرضه على نطاق واسع في مصر، بما في ذلك المناطق الريفية في الجنوب.

لكن في الانتظار، تمكّن ستة من الممثلين في الفيلم من حضور العرض الأول في مهرجان كان، بعد محاولات حثيثة في اللحظات الأخيرة للحصول على جوازات سفر وتأشيرات دخول أولى لهم في الوقت المحدد.

مونيكا، المغنية الطموحة، لديها طفلان الآن. لكن على السجادة الحمراء، شغّلت منسقة الأغاني أغنية ذات إيقاعات جذابة قدمتها مع منتج مصري شهير يدعى مولوتوف في نهاية الفيلم.

يذكر أن فيلم “رفعت عيني للسما” من بطولة فريق مسرح بانوراما برشا، ماجدة مسعود وهايدي سامح ومونيكا يوسف ومارينا سمير ومريم نصار وليديا هارون ويوستينا سمير مؤسسة الفريق.

وتجمع مخرجة الفيلم ندى رياض بين موهبتي التمثيل والإخراج، وكانت قد شاركت ممثلة في فيلم «أوضة الفيران»، في حين يعمل أيمن الأمير مخرجا ومنتجا ومستشارا في كتابة السيناريو، ويعمل أيضاً في تطوير مشاريع الأفلام مع «تورينو لاب»، و«ورشات أطلس» في مهرجان مراكش السينمائي الدولي.

وهذا الفيلم ليس الأول الذي يعرض للمخرجين (وهما أيضا زوجان) ندى رياض وأيمن الأمير في مهرجان كان حيث سبق لهما عرض فيلمهما الروائي القصير “فخ” بالمهرجان في عام 2019، وحصل فيلمهما على تنويه خاص من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نفس العام. كما عرض فيلمهما التسجيلي “نهايات سعيدة” عام 2016 بمهرجان أمستردام الدولي للأفلام التسجيلية، أحد أكبر وأهم مهرجانات الأفلام التسجيلية على مستوي العالم.

وهما يتعاونان في “رفعت عيني للسما” مع المنتج المنفذ محمد خالد، ومساعدات الإخراج هاميس البلشي وضحي حمدي، ومدراء التصوير دينا الزنيني وأحمد إسماعيل وأيمن الأمير، ومسجلي الصوت مصطفي شعبان وسامح نبيل وأسامة جبيل وشدوى علي، بينما أنجز الموسيقى التصويرية أحمد الصاوي، وأشرف على التوليف “مونتاج” فيرونيك لاجوارد وأحمد مجدي مرسي وأيمن الأمير وندى رياض.

 

العرب اللندنية في

21.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004