ملفات خاصة

 
 
 

«الشرق الأوسط» في مهرجان «كان»-4

حدث «كان» الأكبر هو حدث العام السينمائي بأسره

«ميغالوبوليس» لكوبولا قمّة فنية لا مثيل لها

كان جنوب فرنسامحمد رُضا

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

في الدقيقة 80 من بداية فيلم «ميغالوبوليس» يتقدّم رجل على المنصّة أمام الشاشة ثم يقف في نقطة معيّنة. على الشاشة ما زال الفيلم الجديد لفرنسيس فورد كوبولا معروضاً، لكن في اللحظة التي يقف فيها ذلك الرجل أمام الفيلم، هناك لقطة للممثل الرئيسي وهو محصور بإطار يبدو مثل نافذة ويتطلع صوب الرجل الواقف على المسرح. الرجل يسأل والممثل موجهاً نظره إليه (إذ من المفترض أنه يراه) يجيب.

يستمر هذا المشهد لنحو 30 ثانية فقط، لكنه من إبداعات المخرج ودعماً لرسالته التي يتضمنها الفيلم وتفعيلاً لفكرة لم تقم بها السينما من قبل. نعم، على المسرح لكن ليس في السينما.

لن يخسر الفيلم شيئاً لو لم يعمد إلى هذه الحركة، رغم ذلك لها وقع كبير لمؤازرة مضامينه. «ميغالوبوليس» فانتازيا يصفها المخرج بالأخلاقية تتكهن بأن الولايات المتحدة ستشهد نهاية كتلك التي شهدتها الإمبراطورية الرومانية قبل الميلاد وتعمد إلى استيحاء الأحداث المستقاة من ذلك التاريخ لكي ترسمها على وضعٍ يراها مشابهة اليوم.

الوقت المناسب

الفيلم في بال كوبولا منذ 1974. لكنه كان يحتاج لتمكين نفسه اسماً فنياً كبيراً ولامعاً. ما بين 1972 و1974 أنجز ذلك، لكن الوقت لم يكن مناسباً. ربما لم تتكوّن معطيات الفيلم بوضوح آنذاك، أو ربما أدرك أن رؤيته ستصطدم بمعيقات مادية. في عام 2001، إثر الهجوم الإرهابي على نيويورك، عاد إلى الفكرة لكنها كانت تحتاج لمزيد من الكتابة والقليل من الانفعال.

انتظر كوبولا الوقت المناسب الذي هو الحالي. وقت تمر فيه الولايات المتحدة والعالم بسلسلة من المآزق التي تضع إسفيناً ما بين عالم متخبط ومغمور بالثورة المادية وبين أخلاقيات الحياة والمبادئ التي باتت غير قادرة على الدفاع عن الإنسان وحضاراته.

أدرك كوبولا، وقد بلغ الخامسة والثمانين من عمره، أنه قد لا يحقق فيلماً آخر بعد اليوم وأن عليه، إذا ما أراد تحقيق هذا الفيلم فعلاً، أن يموّله من جيبه. المشروع كبير ومعقد وكثيف الجوانب البصرية وفيه كمٌ كبيرٌ من الممثلين وأجواء وتصاميم فنية وديكوراتية كبيرة. لم يبخل كوبولا على حلمه، بل وضع ثروة بلغت 130 مليون دولار، مدركاً أنه سينجز فيلماً من الصعب جذب الجمهور الكبير إليه. جمهور «العرّاب» (بجزئيه الأول والثاني) وجمهور «المحادثة» أو حتى «القيامة الآن» (الشركة الموزّعة هي ألمانية اسمها Constantine ولا يوجد للآن موزّع أميركي).

لا يبدو أن ذلك يحرم كوبولا من النوم. على العكس أنجز الرجل حلم حياته، وهو فعل أكثر بكثير من أحلام عديدة تنتابنا لا نستطيع تحقيقها. جمع للفيلم أسماء رنانة. أدام درايڤر في دور سيزار، ولورنس فيشبورن، ودستين هوفمن، وجونن ڤويت، وشايا لابوف لجانب أخرى غير معروفة على نطاق واسع: نتالي إيمانويل، وأوبري بلازا، وجيان كارلو إسبوزيتو، وعشرات آخرين.

مفاجآت بصرية

مطلوب من هذه الشخصيات الماثلة الترميز للشخصيات التي عاشت في زمن قياصرة روما (كاليغولا، سيزار، سيسيرو، كراسوس... إلخ) وهي تفعل ذلك، لكن ليس بلباس تاريخي، ولا تقع أحداث الفيلم أساساً في حقب تاريخية. إنه عن عالم معاصر يدمج اليوم بالمستقبل لكنه يتحدّث عن الآفة التي لا تعرف تميّز العصور: السُلطة والجاه حين لا تستندان إلى نفع عام. في نظر كوبولا، ما حدث للإمبراطورية الرومانية هو التنافس على المصالح الشخصية واستفحال التنافس عليها. ما يوازيه، في منظور المخرج، هو وجود هذا التنافس وذلك الاستفحال في الزمن الحاضر في أميركا.

آدم درايڤر هو مصمّمٌ معماري ذو رؤية مستقبلية لتحويل المدينة التي يعيش فيها إلى صرح شامخ بمادة اكتشفها (لا يتوقف الفيلم عند تفاصيلها) ستنقل الحاضر إلى المستقبل. يقاومه في هذا المشروع محافظ المدينة (إسبوزيتو) وهناك من يعارض المدينة الجديدة انطلاقاً من أنه يريد إنشاء كازينو كبير.

سيزار يحب جوليا (إيمانويل) ابنة المحافظ الذي يتودّد حيناً ويعارض معظم الأحيان، خصوصاً في مسألة زواج ابنته بسيزار. هناك مشكلة أخرى في حياة سيزار وهي أن عشيقته واو (أوبري بلازا) تريده لنفسها وهي تملك زمام أمره لأن والدها (جون ڤويت) هو أثرى أثرياء المدينة، ويستطيع وقف تمويله وتجميد حساباته المصرفية.

في ساعتين و14 دقيقة يستعرض «ميغالوبوليس» مشاهده في سلسلة متواصلة من المفاجآت البصرية. هذا عالم شيّده كوبولا كما كان أورسن ويلز، وفدريكو فيلليني، وكوبولا نفسه شيدوه من قبل. لا يوجد شيء سهل في النظرة الأولى، وكل شيء ممكن تنفيذه مغلّفاً بجاذبية الفكرة وما تفصح عنه من مضمون وبالأسلوب الذي ينتمي إلى مخيلة لا تفتقر القدرة على الإدهاش. بما أن هذه القدرة تعتمد على جديّة المضمون وأبعاده فإنها ليست خاوية مطلقاً.

صرخة

يحشد كوبولا كل ما في وسعه لتنفيذ رؤية تتبلور على أكثر من صعيد. من الكتابة إلى آخر لقطة من الفيلم، هذا عمل مجبول بخيال بمهارة حرفية نافذة. نصف الساعة الأخيرة تعاني من ثقل ما سبقها لكن الفيلم لا يقع وما ينقذه هو المستوى المتواصل من دون هوان والمليء بالمفاجآت البصرية وكلها غير مجانية ولا تهدف لكي تتبوأ عناوين لافتة. الفيلم بأسره هو صرخة زيّنها المخرج بخيال رحب وواسع. المفارقة هي أنه إذ يعرض واقعاً متشائماً لا يعمد إلى تظليله ومنحه صورة داكنة للتأكيد عليه، بل ينجز فيلماً لافتاً في مساحاته وفضاءاته البيضاء.

تصوير متمكن من ميهاي ملامار جونيور (صوّر لبول توماس أندرسن The Master)، لكنه لم يُقدم على تصوير فيلم آخر بالدرجة نفسها من التعقيد. اثنان كتبا الموسيقى الرائعة التي تنساب من دون إزعاج هما أوسڤالدو غوليوف (اشتغل سابقاً مع كوبولا في «شباب بلا شباب») والمؤلّفة غريس ڤاندرڤال (اشتغلت على أفلام مستقلة صغيرة من قبل).

هذا فيلم، والحديث عنه يطول جداً، يقسم المشاهدين إلى معجبين متيّمين (وهذا الناقد أحدهم) وإلى نابذين ومنتقدين، وكل من الفريقين له وجهة نظر تؤيده، مما يجعل كليهما صحيحاً على صعيد مبدأي.

قد ينتقد البعض المضمون الأخلاقي والبعض الآخر الكثافة البصرية والطرح المناوئ للحريات الفردية التي لا ضابط لها (مادية وجنسية)، لكن هذه المسائل ذاتها التي تجعل الفيلم نادراً. كوبولا يفصح في كل زاوية منه عن نقد أكبر شأناً حول حياتنا العصرية. السعي للديمومة والانصراف للملذات المتاحة للبعض بلا عوائق أخلاقية. بطل الفيلم في تصميمه على خلق حياة جديدة تخلف الواقع المعاش ليس بدوره بريئاً أو خالياً من العيوب. إنه واحد من النخبة التي حدث أنها تفكر على نحو مختلف.

في الوقت نفسه، فيلم كوبولا الجديد عاكس لا لفنه والخامة الكبيرة التي يستخدمها في أفلامه فقط، بل لشخصه أيضاً. هو موجود محل أدام درايڤر واحداً من الذين يريدون تغيير الواقع. هو، الثري، لا يفكّر بالطريقة نفسها، بل يستخدم فيلمه لنقد الحاضر من فوق. يوعز بأنه صرف على الفيلم من جيبه عوض أن يكتم شهادته التاريخية.

 

الشرق الأوسط في

18.05.2024

 
 
 
 
 

«ميغالوبوليس».. العالم أكبر – للأسف – من أن يسعه فيلم

أحمد شوقي

أعترف أنني رغبت بشدة في أن أحب هذا الفيلم. شعور لم امتلكه حصريًا، بل كاد يسيطر على كل الحضور في مهرجان كان، فصار “ميغالوبوليس” هو الفيلم الأكثر طلبًا، والذي نفذت جميع تذاكره في غضون ثوان بمجرد طرحها للحجز، وصار من تمكن من اقتناص تذكرة في عداد سعيدي الحظ. كيف لا، وهو فيلم العودة – والنهاية غالبًا – للمخرج الأسطوري فرانسيس فورد كوبولا، صاحب “العرّاب The Godfather” و”المحادثة The Conversation” و”نهاية العالم الآن Apocalypse Now”. الفيلم الذي ظل كوبولا يحلم بتنفيذه لثلاثة عقود، قبل أن ينتجه من ماله الخاص بميزانية بلغت 120 مليون دولار وفق التقديرات المعلنة.

لا يشكل المال أزمة كبيرة لكوبولا الذي كوّن ثروة ضخمة من مزارع العنب التي يمتلكها ويصنع من خلالها النبيذ الفاخر، لكن الأهم في حالة “ميغالوبوليس” كان هذا الحلم السينمائي المؤجل، طموح الرجل الكبير الذي حقق كل ما قد يحلم به صانع أفلام، لكنه لا يزال يطارد حلمًا سينمائيًا لا يريد أن يفارقه. ولأن أحلام الكبار كبيرة، أراد كوبولا أن يصنع فيلمًا ختاميًا يليق به، يجمع فيه عصارة أفكاره حول الحضارة والتاريخ والسياسة وموضوعات أخرى، ليكون هذا الطموح الشاهق أول الخيط الذي انتهى بخروج الفيلم في صورة مضطربة، باهتة في كثير من أجزائها، تقل كثيرًا عمًا تمنيناه قبل المشاهدة.

عن المادة وأكثر

يبدأ الفيلم ببطل الحكاية الرئيسي سيزر كاتيلينا (آدم درايفر) يستعد ليخطو خطوة سيهوي بها من فوق ناطحة سحاب، لكنه يتمكن بطريقة ما من إيقاف الزمن، ليثبت قدرته على النجاة ويواصل حملته لدعم مشروع إعادة بناء المدينة باستخدام المادة الجديدة التي اكتشفها وأسماها “ميغالون”، ونال عنها جائزة نوبل. تشاهده وتقع في حبه جوليا (ناتالي إيمانويل) ابنة عمدة المدينة فرانكلين شيشيرو (جيانكارلو إيسبوسيتو)، والذي يمتلك بدوره مشروعًا مقابلًا يسعى لتطوير المدينة وفق نفس النماذج القديمة. عندما نقول المدينة هنا نقصد “نيو روما”، مدينة خيالية في المستقبل القريب تشبه نيويورك لو كانت تدار بنظام حكم مستوحى من قوانين روما القديمة.

لأول وهلة تبدو الفكرة براقة وملائمة جدًا للحظة، ذكرتني للفور بالفيلم الوثائقي الإبداعي الذي عرضه الروسي المخضرم فيكتور كوسكاكوفسكي في مهرجان برلين قبل ثلاثة أشهر بعنوان “أركيتكتون Architecton”، وفيه يروي كيف ارتبط تاريخ الحضارة البشرية بالمادة الرئيسية التي يستخدمها البشر في بناء حضارتهم، وكيف تُعد الخرسانة عنصرًا جوهريًا لا يمكن تجاهله عند تحليل الحضارة المعاصرة. غير أن “أركيتكتون” كان فيلمًا بسيطًا يطرح رؤية متماسكة، بينما لم يمنع صانع “ميغالوبوليس” نفسه من اعتبار الصراع حول مادة البناء مجرد موضوع واحد ضمن مواضيع عديدة يمر عليها الفيلم ويمزج بينها بلا توقف.

لدينا فكرة رأس المال المتحكم في القرارات المصيرية ممثلًا في كراسوس (جون فويات) مالك البنك الرئيسي الذي تتصاعد ثروته بالمليارات كل ثانية، وابنه (شيا لوبوف) الذي يصير في لحظة ممثلًا للأفكار الأناركية والرغبة في تدمير المؤسسات (مع إحالات واضحة إلى هجمة أنصار ترامب الجمهوريين على البيت الأبيض). هناك أيضًا دور الإعلام في تبني بعض القضايا وتلميع أصحابها لأغراض شخصية تتمثل في المذيعة المتسلقة واو بلاتينم (أوبري بلازا). هذا ليس كل شيء، من الممكن أن نرصد أفكارًا أكثر عن قيمة الفن، عن قيم التحديث عندما تصطدم مع حاجات البشر (سؤال هل ننحاز للحاضر أم المستقبل؟)، عن الحب وتأثيره في التاريخ، وعن أشياء أخرى متشعبة ومتعددة تكاد تحتاج مقالًا يُخصص فقط لرصدها في قائمة تضم طموحات فرانسيس فورد كوبولا في تغريدته السينمائية الأخيرة.

سينما بلا “ميغالون

لم تكتشف البشرية بعد مادة جديدة مثل “ميغالون” يمكنها أن تسمح لفيلم واحد أن يطرح كل تلك الأفكار بعمق، حتى لو طال زمن عرضه إلى 140 دقيقة يُشعرك صانعها إنه كان يتمنى لو ضاعفها. الأمر الذي يتسبب سريعًا، وبمجرد أن تلاحظ قفز الفيلم من موضوع لموضوع بلا توقف في خفض سقف توقعاتك من “ميغالوبوليس”. 

المثير للتأمل هنا هو أن كوبولا نفسه هو صانع “العراب”، العمل الذي يُمكن أن يُضرب به المثل في كيفية التمكن (على الأقل في أول جزئين) من بناء عالم ضخم حول فكرة واحدة حاكمة، يُمثل كل فصل جديد من الحكاية إضافة جديدة لها، تُثري التجربة السينمائية وتُعمق رؤية المشاهد للعالم حوله. فما الذي جرى في المسافة بين العملين؟ جرى كل شيء تقريبًا. نصف قرن من الزمان ليس رقمًا هينًا، تغيرت فيه جغرافيا الدول وانقلب النظام السياسي العالم وصعدت وهبطت آلاف المواهب السينمائية. كوبولا نفسه توقف عن تقديم أفلام جيدة من مطلع التسعينيات تقريبًا (من 30 سنة إذا كان عقلك يرفض الاعتراف بها مثلي)، لكننا تعلقنا بحلم امتلاك الرجل العظيم فيلمًا أخيرًا رائعًا يستحق كل سنوات الانتظار والتضحيات.

لماذا كل الجدّية؟ (بصوت الجوكر)

غير أن أزمة “ميغالوبوليس” لا تقتصر على ازدحامه بالتيمات والأفكار المبتورة، بل تمتد لتشمل طريقة معالجة تلك الأفكار دراميًا وبصريًا.

كوبولا يأمل – في التصور المثالي – أن يخلق عالمًا يجمع بين الماضي والحاضر والمستقبل، بين الواقع والأسطورة، أن يجعل الجمهور يشعر بكونه في روما القديمة ونيويورك المعاصرة وفي مدينة مستقبلية في الوقت ذاته. هذا طموح شاهق يكاد يتجاوز طموح الموضوعات، ففي النهاية يمكن لمؤلف استثنائي أن ينجز نصًا يطرح عشرات الأفكار، أما تحقيق هذا بصريًا فهو أمر آخر، يحتاج أكثر من موهبة استثنائية في أكثر من تخصص، ويحتاج ميزانية هائلة نقول إن المئة وعشرين مليون دولار كانت – للمفارقة – أقل منها.

النتيجة أن مدينة كوبولا تذكرك بجوثام سيتي تيم برتون. كأنك تشاهد “باتمان” و”باتمان يعود” بنسخة أكثر سخاء. مع فرقين أساسيين: أن برتون صنع أفلامه قبل ثلاثة عقود، وأن صانعها ونجومها كانوا يدركون أنهم يقدمون فيلمًا ينتمي لعالم الكوميكس، فاستفادوا من الشخصيات المرسومة بقدر واضح من المبالغة لتصير طابعًا ملائمًا للفيلم.

كوبولا ونجومه على العكس؛ يتعاملون مع فيلمهم بجدية واضحة. يأخذون شخصيات هزلية في جوهرها إلى مساحة من الصرامة غير المبررة. حالة ربما تنبع من شعورهم بالمسؤولية تجاه المخرج الكبير. حاول كل ممثل أن يسهم بكل ما يملك من موهبة في دعم تجربة كوبولا الأخيرة، والذي بدوره ساهم في تضليلهم باقتباسات ماركوس أوريليوس ومونولوج هاملت، والحديث عن مستقبل البشرية وإسقاط الديون فصارت المسؤولية أكبر. فقط لو مرر لهم حقيقة كونهم “جوكر” و”باتمان” و”بنجوين” متحررين من دي سي كوميكس، ربما كان الفيلم سيتمسك بخفة الظل التي تظهر من حين لآخر فتجعل تجربة المشاهدة أمتع.

ففي كل مرة يتخلص كوبولا لدقائق من حس الحكيم الذي جاء ليلقننا خلاصة خبرته في الحياة فيجعل العالم أفضل في ساعتين وثلث، تظهر متعة ذلك الطفل الكبير الذي لا يزال مستعدًا للاستغناء على نسبة من ثروته كي يمارس لعبته المفضلة. في اللحظات الذي نلمس فيها كوبولا محب السينما الذي لا يشيب؛ يُشعرك “ميغالوبوليس” بمتعة لحظة لا تُضاهي، لكن سرعان ما يأتي كوبولا الثمانيني الحكيم ليُفسد اللحظة.

لا نريد أن نقسو على فرانسيس فورد كوبولا، فلا يوجد ما يستدعي القسوة في نجاح الرجل أن ينجز حلمًا سينمائيًا انتظره طويلًا وانتظرناه معه. فقط بعض الإحباط من النتيجة النهائية، ربما كان الأمل في أن يفاجئنا الرجل بما لم نتوقعه، أو ربما نكون – كما كتب الزميل هوفيك حبشيان – غير قادرين على تقدير الفيلم في وقته ونحتاج عدة سنوات حتى نعترف بقيمته. شخصيًا لا أعتقد، ولا أود إعادة مشاهدة “ميغالوبوليس” قريبًا، لكن كما صبر صاحبه عقودًا، فلنصبر عامًا أو اثنين ثم نعود لنزوره لعلنا نكون مخطئين!

 

موقع "فاصلة" السعودي في

18.05.2024

 
 
 
 
 

أحمد شوقي يحكي:

حكايات عن الحثالة البشرية في مهرجان كان السينمائي

مرت عدة سنوات منذ أن قرأت مصطلح “White Trash” لأول مرة. الترجمة اللفظية هي “نفايات بيضاء” بينما الترجمة الأقرب للمعنى هي “حثالة بيضاء”. المصطلح قديم لكنه عاد للحياة بقوة خلال العقد الثاني من القرن الحالي، ليصف تيارا من الأفلام والمسلسلات والشخصيات الروائية التي تجسد حياة الفقراء البيض في المجتمعات الغربية، التي عاشت طويلًا تحت هيمنة تصورات نمطية عن سيادة الجريمة والانحلال الأخلاقي والمستوى المعيشي البائس بين الأقليات العرقية، قبل أن تظهر للعالم حقيقة وجود مجتمعات من ذوي البشرة البيضاء تعيش تحت وطأة ظروف أكثر تعاسة.

الحثالة البيضاء

الكوميديان الشهر دافيد تشابيل تحدث في عرض حيّ على شبكة نتفليكس عن حياة الحثالة البيضاء في ولاية أوهايو التي يعيش فيها، وعن تفشي إدمان الهيروين بينهم، بما يذكّره بتفشي إدمان الكوكايين بين الأمريكيين ذوي الأصول الأفريقية، ساخرًا من اختلاف التعامل الإعلامي مع الأمر باعتباره أزمة وطنية بينما كانت أزمة السود مشكلة مجتمعية خاصة يحلها الإعلام بشعارات تافهة مثل “فقط قل لا للمخدرات.. ما الصعوبة في ذلك؟”.

مقطع تشابيل جزء من سردية كبرى بدأت في التشكل خلال السنوات الأخيرة، حتى كادت أن تُمثل اتجاهًا فنيًا يمكن رصد نماذجه، جوهره هو تشريح المجتمعات التي نادرًا ما تعرضت لتحليل مماثل. الأمر الذي يمكن رصده بسهولة خلال الأيام الأولى من مهرجان كان السينمائي السابع والسبعين، والذي لم يكمل يومه الثالث إلا وقد شاهدنا فيه ثلاثة أفلام تتناول كلها صورًا لما يمكن أن نطلق عليه “الحثالة الإنسانية”، فلا يقتصر الأمر على المجتمعات البيضاء في أوروبا المعاصرة، بل يمتد ليشمل أطيافا مختلفة وإن دارت كلها -كما سنرى- داخل نفس المساحة.

بيرد”.. عودة للحثالة

البريطانية أندريا أرنولد عُرفت بأفلامها التي تغوص داخل العالم السفلي للمجتمع البريطاني، والتي تركتها جزئيًا قبل أعوام لترحل إلى الولايات المتحدة لتقدم “عسل أمريكي American Honey” الذي يمكن اعتباره عملًا تأسيسيًا لدراما الحثالة البيضاء، لينال إعجاب الجميع ويحصد جائزة الجمهور في مهرجان كان 2016. أرنولد تعود إلى وطنها لتقدم حكاية جديدة تدور في نفس العالم مع توسع قليل في الأعراق.

بطلة الحكاية بايلي، فتاة سمراء في الثانية عشر من عمرها، جاءت نتيجة زواج مختلط فاشل بين أب أبيض لا يزال حتى اللحظة يعيش مثل المراهقين (النجم باري كوجان)، وأم سمراء مدمنة تعيش حاليًا مع حبيب عنيف. تفكك الأسرة والغياب شبه التام لأي نموذج أب وأم يجعل بايلي تنضج مبكرًا، وتحاول التعايش مع معطيات عالمها العنيف والمليء بالرفض والإحباط، يساعدها في ذلك تعرفها على شاب غامض يبحث عن والده الذي انفصل عنه طفلًا. الشاب يحمل اسم “بيرد” الذي يعني “طائر”، وهو اسم له سبب درامي سيتضح عندما يصل الفيلم لنقطة تقرر أرنولد عندها أن واقع بايلي التعيس يستحق بعض الأمل الخارق للطبيعة.

لكن حتى يصل الفيلم لهذه النقطة، كان على بطلته أن تخوض -ونخوض معها- رحلة مفعمة بالعنف والمواجهات التي يفترض أن تفوق قدرات فتاة في مثل عمر البطلة، لكنها تتمكن بصورة ما من التعامل معها، انطلاقًا من حقيقة كونها هي الطرف الأكثر حكمة بالمقارنة بمن يفترض أن يكونوا أولياء أمرها.

ماس بري”.. قواعد العالم الجديد

من بين 22 فيلمًا تتنافس في المسابقة الدولية اختار المهرجان فيلما وحيدا عملا أول لمخرجته، هو “ماس بري Wild Diamond” للفرنسية أجات ريدنجر التي تقدم نفسها بقوة كمخرجة معاصرة قادرة على التعبير عن أزمات الجيل الذي تنتمي له، عبر حكاية فتاة تعيش في مدينة في جنوب فرنسا (فريجو المجاورة جغرافيًا لمدينة كان)، كان من الممكن في زمن آخر أن تعيش حياة طبيعية تحب وتعمل وتتزوج فيها، إلا أنها جاءت للعالم في عصر بمعايير مختلفة أقنعها أن هناك سيناريو أفضل لنفس الحياة.

فتاة في الثامنة عشر من عمرها، لكنها قامت بالفعل بجراحة تجميلية لتكبير صدرها. مظهرها وملابسها وطريقة تصفيف شعرها واستخدامها لمستحضرات التجميل ترسخ كونها رمزًا جنسيًا يتابعه الآلاف على مواقع التواصل الاجتماعي، لكنها في الحقيقة عذراء لم تجرب بعد أي علاقة جنسية. تُقدم لجمهورها مقاطع فيديو تستعرض الجمال والجاذبية ونمط الحياة الصاخب، بينما نراها منذ اللحظة الأولى تسرق من المتاجر لأنها الطريقة الوحيدة التي يمكنها من خلالها الحفاظ على صورتها المدّعاة.

ستقفز للأذهان فورًا نماذج عديدة يعرفها كل منّا لمشاهير مماثلين على الإنترنت، ونماذج أخرى لأعمال فنية تناولت الظاهرة وحللتها كان أحدثها مسلسل رمضاني مصري. لكن ما يجعل “ماس بري” عملًا يستحق العرض في مسابقة كان هو هذا الشعور المرعب بالحتمية. فعلى النقيض من أغلب الأعمال المذكورة التي تُقدم شهرة الإنترنت باعتبارها أمرًا دخيلًا جاء ليهدم الأسر ويحطم الأخلاقيات الأصيلة، يعرض الفيلم الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها؛ كونها قواعد العصر الجديد التي يستحيل تجاوزها أو التظاهر بأنها غير موجودة.

صحيح أن البطلة ليان (مالو خبيزي) تنتمي هي الأخرى لعالم الحثالة البشرية، تعيش مع أم عاطلة وشقيقة صغرى تضع الماكياج كالكبار، لكن الأمر لم يكن ليختلف كثيرًا إذا ما انتمت لطبقة أخرى، فقط ستمتلك آنذاك أدوات أفضل لتلبية طلبات تلك الندّاهة المسماة الشهرة الإلكترونية. ليان لم تكوّن أساسًا تصورًا آخر عن الحياة لا يتضمن تحقيقها شهرة تحوّلها نجمة ثرية لا تقدم للعالم أي شيء سوى مظهرها، العالم الجديد أقنعها أن عليها إيجاد سبيل لهذه الشهرة وإلا كتب عليها التعاسة والفشل للأبد.

الفتاة صاحبة الإبرة”.. الأمر ليس جديدًا

ثلاثية الحثالة البشرية في أيام “كان” الأولى اكتملت بأفضل الأعمال الثلاثة وهو فيلم “الفتاة صاحبة الإبرة The Girl with the Needle” للمخرج الدنماركي الموهوب ماجنوس فون هورن، والذي يعود لفترة مظلمة من تاريخ بلاده وهي زمن الحرب العالمية الأولى والأشهر التالية لها. فإذا كانت تصوراتنا عن الدنمارك المعاصرة هي كونها مجتمع رفاهة يعيش أبناءه حياة مثالية، فإن الوضع لم يكن كذلك على الإطلاق قبل قرن من الزمان.

ينطلق المخرج من قصة حقيقية مرعبة عن امرأة عاشت في تلك الفترة قامت بقتل عدد غير محدد من الأطفال الرضع، خنقًا وحرقًا وإغراقًا، بحجة كونهم أبناء سفاح تقوم بتخليصهم بالموت من مصير مظلم ينتظرهم في الحياة. لكن المخرج يؤجل تفاصيل الجريمة للثلث الأخير من فيلمه، ليركز خلال ما يزيد عن الساعة على تشريح المجتمع الذي أدى لظهور القاتلة داجمار.

الفيلم يتابع رحلة امرأة فقيرة، عاملة تركها زوجها وذهب إلى الحرب فانقطعت أخباره قبل أن يعود مشوّهًا، يتم استغلالها جنسيًا لتحمل بشكل غير شرعي، لتجد نفسها مثل مئات النساء غيرها، بلا حقوق أو أمل في حياة أفضل. تعيش في جحر قذر وتعمل في ظروف غير إنسانية بدون أي ضمانة أو تصور للمستقبل، فتكون على استعداد لتصديق أي كذبة تقال لها كي تتخلى عن ابنتها الرضيعة على أملٍ واهٍ بأن تنال حياة أفضل.

هل تتصور إحداكن أن طبيبًا سيتبنى طفلكم اللقيط فعلًا؟ لقد قمت فقط بعمل ما تريدونه وتخافون من فعله”، تقولها القاتلة خلال المحاكمة لتواجه بها النساء الغاضبات مما حدث للأطفال الذين تخلوا عنهم. المخرج يقوم -بثقة وبلا تحفظ- بوضع المجتمعات أمام حقيقة مرعبة: إن قتل الأطفال قد يكون في سياق ما قرار لا يمكن وصفه بعدم المنطقية!

تيمات أخرى

ما زلنا في بداية رحلة مهرجان “كان” الذي نتوقع أن يأتي بالمزيد من الحكايات الشقية والأفلام الكبيرة، لكن تقارب جوهر الحثالة الإنسانية في أول ثلاثة أفلام عُرضت من المسابقة، رغم الاختلاف الظاهري بينها، أمر دعانا للتفكير فيما يشغل صناع السينما المعاصرين، وفي رؤيتهم للعالم الذي نعيشه وأسباب التعاسة فيه. وسننتظر أن تظهر تيمات أخرى، أو أفلام يُمكن إضافتها إلى هذه القائمة التي تُعري نفوس البشر عندما يعيشون في ظروف عسيرة.

 

موقع "شهرزاد" المصري في

18.05.2024

 
 
 
 
 

في مهرجان كان السينمائي..

ثلاثة كيلومترات لنهاية العالم“ عن رهاب المثلية في رومانيا

البلاد/ كان: عبد الستار ناجي

تمثل السينما الرومانية واحدة من أبرز السينمات في أوروبا عبر مجموعة من جيل السينمائيين الشباب الذين استطاعوا أن يرسخوا حضورهم وبصمتهم في التصدي إلى الكثير من القضايا التي ظلت مسكوتا عنها ومن أبرز الصناع يأتي اسما – كريستيان ميجو الذي فاز بالسعفة الذهبية.

واليوم يطل علينا المخرج إيمانويل برافو بفيلم (ثلاثة كيلومترات لنهاية العالم) والذي عرض في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي ال 77 لعام 2024.

في الفيلم نذهب إلى حكاية آدي (سيبريان تشيوجديا) البالغ من العمر 11 عاما والذي يعيش مع والديه في بلدة ريفية صغيرة في رومانيا، ليست بعيدة عن الحدود الأوكرانية والبحر الأسود، بالقرب من بلدة تولسيا. في إحدى الأمسيات، يعود إلى المنزل بوجه مصاب بضربات شديدة، تاركا والديه في حيرة من أمرهما للتحقيق في حادثة العنف، وأمام ضباط الشرطة الفوضويين المسؤولين عن الجريمة. لم يستغرق الأمر وقتا طويلا قبل أن يكتشف فلورين (بوجدان دوميتراش)، والد آدي، أن ابني جاره في نفس عمر آدي تقريبا اعتدوا عليه، وأن المراهقين قد يواجهان ما يصل إلى سبع سنوات في السجن إذا قررت الأسرة مقاضاتهم.

وسرعان ما يتضح أن الدافع وراء الجريمة هو رهاب المثلية، بعد العثور على أدي الهادئ وهو يقبل سائحا ذكرا -بالكاد- يتردد الجناة قبل الاعتراف بالجريمة، ويدافعون عن أفعالهم بناء على الكراهية المطلقة للمثليين جنسيا. تتضاءل المودة الجنسية المثلية حيث القسوة عليه من قبل أبناء الحي: فهم يرتجفون من مجرد التفكير في أن آدي يمكن أن "يتعرض للضرب من مؤخرته". يتشارك فلورين وزوجته في قيم متشابهة جدا، ويوبخان ابنهما الوحيد على سلوكه غير المشرف. أن معرفة أن لديهم ابنا مثليا يمكن أن تلحق ضررا لا يمكن إصلاحه بالأسرة، لذلك ربما يكون من الأفضل أن يضعوا حدا لهذه المحنة برمتها. ويمكنهم الاعتماد على دعم السلطات الفاسدة، بما في ذلك والد الصبيين ذي النفوذ. تكمن المشكلة في أن ادي يتجاوز عمره 16 عاما، وأن قرار رفع دعوى قضائية يقع على عاتقه بالكامل. لذا؛ فإن الأسرة المحافظة للغاية تتولى الأمور بأيديها، بمساعدة الكاهن الأرثوذكسي المحلي.

ونشير هنا الى ان هذا الفيلم يعد الفيلم الطويل الثالث لإيمانويل بارفو بمكانة دراسة ذكية للآليات الحقيرة لرهاب المثلية، وكيف تبقي الشباب مقيدين بالنماذج المحافظة للغاية لمجتمع سريع التغير. رومانيا دولة علمانية، وقد شرعت المثلية الجنسية منذ ما يقرب من 30 عاما. ومع ذلك، ترفض عائلة ادي بعنف الاعتراف بالحب الذي لا يجرؤ على التحدث باسمه. لم يتم نطق كلمتي "مثلي الجنس" مطلقا طوال مدة هذه الدراما التي تبلغ مدتها 105 دقائق، -وفي المقابل- فاني إلينكا (إنغريد بيريسكو)، صديقة آدي الخجولة وغير المنتقدة، هي الشخص الوحيد الذي يمكنه أن يقدم له الدعم العاطفي.

الحوارات في الفيلم بسيطة وفعالة ونتوقف عند عدد منها: يشرح الكاهن أنه لا بأس بتقييد شخص ما "إذا كان ذلك لمصلحته ومصلحة الآخرين"، ويشرح موظف خدمات الأطفال على الفور أنه لا بأس في التفكير في ما تريد، لكن ليس من الجيد أن تفعل ما تريد ويبدو أنه بعد كل شيء. هناك أمل ضئيل في المؤسسات الرومانية. بالمناسبة، هذه هي الدولة التي اعتقلت المؤثر المتعصب للنساء أندرو تيت.

في الفيلم الكثير من النقد الصريح والواضح لرومانيا بالأخص المؤسسة الدينية والشرطة وأيضا شرائح المجتمع بالأخص القرى والأرياف المتحفظة.

ويبقي أن نقول،  فيلم (ثلاثة كيلومترات لنهاية العالم) يغزل قضية كبرى من خلال حكاية صغيرة التقطها المخرج من الصحف اليومية لفتاة تعرضت للتمنار والتعسف نتيجة تحفظ المجتمع الروماني وقال بتحول حكاية الفتاة إلى صبي اتهم بالمثلية. لينقلب المجتمع بكاملة ضده.

 

####

 

مهرجان كان السينمائي 2024 يكرم أستوديوهات جيبلي الياباني

البلاد/ كان : عبدالستار ناجي

مبادرات مهرجان كان السينمائي لها وليس لها اخر ومن احدث تلك المبادرات وتقدير للمكانة الفنية التي يحتلها وللإنجازات الابداعية التي قدمها، كشف مهرجان كان السينمائي الدولي في دورته الـ 77 لعام 2024، عن تكريم “استوديو جيبلي” الياباني بجائزة السعفة الذهبية وهو انجاز يرسخ مكانة هذا الصرح الفني الشامخ الذي استطاع ان يكون وراء العديد من الانجازات الفنية السينمائية الهامة . وتأتي هذا الجائزة لاستوديو جيبلي، نتيجةً لمسيرته الفنية السينمائية الحافلة بالنجاحات والانجازات الكبيرة. يعد حصول استوديو جيبلي على جائزة السعفة الذهبية، هي أول مرة في تاريخ المهرجان الدولي، لأنه عادةً ما تذهب الجائزة لأفراد بعينهم وليس الاستوديوهات وهي المرة الاولي التي يتم بها تكريم احد الاستديوهات السينمائية بعد ان درجت العادة ان تذهب جوائز التكريم للافراد . وتحدث أحد مؤسسي استوديو جيبلي، وهو المؤسس “توشيو سوزوكي” عن فوزه بجائزة السعفة الذهبية .وقال: “يشرفني ويسعدني حقًا أن يحصل الاستوديو على السعفة الذهبية الفخرية، وأود أن أشكر مهرجان كان من أعماق قلبي " . وعلق تيري فريمو رئيس مهرجان كان السينمائي، على حصول استوديو جيبلي، لجائزة السعفة الذهبية . قائلا : “إنه ليس هناك استوديو يستحق جائزة السعفة الذهبية التاريخية أكثر من استوديو جيبلي وهي أول مرة في تاريخ المهرجان " . وتابع: “ولم يختار المهرجان أن يحتفي بشخص واحد، بل باستوديو بالكامل"، واختتم تيري فريمو حديثه قائلًا: “ومع استوديو جيبلي تقف الرسوم المتحركة اليابانية كواحدة من أعظم مغامرات الشغف بالسينما بين التقليد والحداثة " . وحري بالذكر ان استديو جيبلي يعتبر واحد من اهم الاستديوهات المتخصصة في صناعة الرسوم المتحركة وكانت هذه الاستديوهات وراء الكثير من الانجازات السينمائية الخالدة . وحري بالذكر ان عدد كبير من صناع السينما اليابانية يتواجدون هنا في مدينة كان يتقدمهم المخرج الياباني القدير هيرو كازو كوري ايدا الفائز بالسعفة الذهبية عام 2018 عن فيلم – شوب لافتر – وعن فيلمه – بروكر – فاز باجائزة احسم ممثل وايضا عن فيلمه – الوحش- فاز بجائزة افضل سيناريو .

 

####

 

أفلام لا تفوت في مهرجان كان السينمائي

البلاد/ طارق البحار

يعرض مهرجان كان السينمائي هذا العام بعض الأفلام الرائعة في المنافسة وكذلك خارج المنافسة. فيما يلي أفضل اختياراتنا لما نعتقد أنه قد يكون الأفلام البارزة في المهرجان هذا العام:

Kinds of Kindness

يعود المخرج يورجوس لانثيموس مع ما يمكن أن يكون فيلمًا آخر مرشح لجائزة الأوسكار لإيما ستون، وهي قصة من نوع ما تتبع رجلًا يحاول السيطرة على حياته، وشرطي يشعر بالقلق عندما تعود زوجته المفقودة ولكن يبدو أنه شخص مختلف تمامًا، وامرأة مصممة على العثور على شخص محدد يتمتع بقدرة خاصة لجعله قائدًا روحيًا.

Bird

رجل اللحظة يلعب باري كيوغان دور البطولة في Bird، وهي قصة تتبع بيلي البالغة من العمر 12 عاما، والتي تعيش مع والدها الوحيد Bug وشقيقها Hunter في شمال كينت.

ليس لدى Bug الكثير من الوقت لأطفاله، وبيلي الذي يقترب من سن البلوغ، يبحث عن الاهتمام والمغامرة في مكان آخر.

Emilia Perez

بطولة الجميلة سيلينا غوميز ،القصة حول ريتا فتاة مفرطة في التأهيل،. تعمل كمحامية في شركة كبيرة تهتم بإخراج المجرمين أكثر من تقديمهم إلى العدالة.

وفي أحد الأيام، يتم إعطاؤها مخرجا غير متوقع، عندما يوظفها زعيم الكارتل مانيتاس لمساعدته على الانسحاب من عمله وتحقيق خطة كان يعدها سرا لسنوات، وأن تصبح المرأة التي طالما حلم بها.

Rumours

بطولة كيت بلانشيت، تتبع سبعة من قادة أغنى الديمقراطيات الليبرالية في العالم الذين يضيعون في الغابة ليلا أثناء محاولتهم صياغة بيانهم المؤقت بعد قمة G7 السنوية.

Furiosa: A Mad Max Saga

سيعرض هذا الفيلم خارج المنافسة لأول مرة في مهرجان كان، ولا يمكننا أن نكون أكثر حماسا له، الفيلم بطولة أنيا تايلور جوي وكريس هيمسوورث، وتتبع القصة Furiosa الشاب الذي تم أخذه من Green Place of Many Mothers ويقع في أيدي حشد راكب الدراجة النارية العظيم بقيادة أمير الحرب Dementus.

يجتاحون الأرض القاحلة، ويصادفون القلعة برئاسة جو الخالد. بينما يحارب الطغاة من أجل الهيمنة، يجب على Furiosa النجاة من العديد من التجارب لأنها تجمع الوسائل للعثور على طريقها إلى المنزل.

Horizon: An American Saga – Chapter 1

بين الأميركيين الأصليين الذين رأوا أراضيهم تستعمر وأولئك الذين كانوا مصممين على الاستقرار هناك، أحيانا هناك من يحاول كتابة التاريخ“.

Oh, Canada

يلعب جاكوب إلوردي من Saltburn دور المخرج الوثائقي الكندي الشهير الذي يجري مقابلة أخيرة مع أحد طلابه السابقين ليقول الحقيقة الكاملة عن حياته. اعتراف تم تصويره أمام زوجته مباشرة.

The Shrouds

ديان كروجر تلعب دور البطولة، وتتبع القصة رجل أعمال بارز لا عزاء له منذ وفاة زوجته، ونتيجة لذلك اخترع GraveTech، وهي تقنية ثورية تمكن الأحياء من مراقبة أحبائهم في أكفانهم. في إحدى الليالي، يتم تدنيس قبور متعددة، بما في ذلك قبر زوجة كارش - ويشرع كارش في تعقب الجناة.

The Apprentice

هل أنت مستعد لمشاهدة سيرة ذاتية عن الشاب دونالد ترامب؟ الفيلم من بطولة سيباستيان ستان وجيريمي سترونج، ويدور حول بطن الإمبراطورية الأميركية، ويتبع صعود ترامب إلى السلطة مع المحامي اليميني المؤثر والمصلح السياسي روي كوهن.

She’s Got No Name

تستند قصة الجريمة الحقيقية هذه إلى واحدة من أشهر قضايا القتل التي لم تحل في الصين. تتبع القصة امرأة تدعى Zhan-Zhou ، متهمة بتقطيع أوصال زوجها. تدفع جريمة القتل زان تشو إلى دائرة الضوء ومحكمة الرأي العام، مما يجبرها على مصير متشابك مع مصير بلدها.

Megalopolis

من فرانسيس فورد كوبالا وبطولة آدم درايف ، لا يمكننا أن نتخيل مدى روعة هذا الأمر، وتم وصف القصة بأنها حكاية ملحمة رومانية تدور أحداثها في أمريكا الحديثة المتخيلة.

في التفاصيل يجب أن تتغير مدينة روما الجديدة، مما يتسبب في صراع بين سيزار كاتيلينا، الفنان العبقري الذي يسعى إلى القفز إلى مستقبل مثالي ومثالي ومعارضته  العمدة فرانكلين شيشرون الذي لا يزال ملتزما بالوضع الراهن الرجعي، وإدامة الجشع والمصالح الخاصة والحرب الحزبية.

 

####

 

في كان السينمائي

(اوه كندا) عن شخصية ليونارد فيف واحتيالاته

البلاد/ عبدالستار ناجي

خلال اللحظات الأخيرة من حياة مخرج الأفلام الوثائقية ليونارد فيف (قام بالدور ريشارد جير) يوافق على تصوير  لقاء  يبوح  خلال  بكل شيء، ولكن على طريقة المثيرة للجدل والمليئة بالالتباسات التي يعريها المخرج والسيناريست القدير بويل شريدور.

فيلم (اوه، كندا) عن رواية كتبها مرسل بانكس حيث قام  شريدور بإجراء كم من التعديلات والإضافات متناسيا  أهم المشهديات في مسيرته، وهي المواجهة من الحكومة الأميركية ورفضه الصريح للحرب في فييتنام على وجه الخصوص، وتهديدات الجهات الأمنية له مما دفعه إلى الذهاب شمالا إلى كندا ليواصل مشواره  ويحصد أهم الجوائز والألقاب.

في الفيلم يعود شريدور للعمل مع النجم الأميركي الكبير ريتشارد جير الذي كان قد عمل معه في فيلم (أمريكان جيجالو).

ورغم سخاء الأحداث التي تحيط بتلك الشخصية سياسيا على وجه الخصوص إلا أنه انشغل بالجوانب العاطفية وعلاقاته الغرامية.

مع  ملاحظة أن عنوان الفيلم (اوه كندا) جملة محورية في النشيد الوطني الكندي كنوع من التعبير عن الحرية التي هرب إليها (ليو) من هيمنة المخابرات الأميركية وهجومه الصريح عليهم.

فيلم مكتوب بعناية عبر سيناريو محكم متداخل يعتمد التلاعب على الزمن وتداخل الشخصيات، ثري  بأداء ريتشارد جير الذي ينتقل بالشخصية بين لحظة وأخرى وهي تذهب إلى الموت والاحتضار نتيجة غزو  السرطان لجسده المتعب.

الإشكالية الكبرى في الفيلم اعتماده على نص روائي رغم كل الاشتغال على صعيد السيناريو من الواضح أن الماضي يتعرض بطريقة أو بأخرى للتحدي والانقلاب والتقويض ولكن هذا التحدي ليس تشويقيا أو تنويريا، فهو لا يؤدي إلا إلى الغموض. إن خياناته المتنوعة، إن كانت خيانات، ليست مثيرة للاهتمام بشكل كبير أو حتى مفهومة أو تمثل إضافة لأننا أمام شخصية محورها النضال ولكنها في الفيلم الاحتيال والالتباس ولربما الكذب والخيانة.

 

البلاد البحرينية في

18.05.2024

 
 
 
 
 

رسالة كان السينمائي: "أنواع من اللطف"

سليم البيك - محرر المجلة

يصعب على فيلم أن يمسك بأنفاس المشاهدين ما إن اتخذ لنفسه مذهب العبثية، أصعب منه أن يكون ذلك مضاعفاً ٣ مرات، الأصعب أن يمتد ذلك لقرابة ٣ ساعات. الإبهار السردي والبصري، العجائبية الممتدة من دون إرهاق متلقيها، ميزات استثنائية للانثيموس، ولهذا الفيلم تحديداً، اللانثيموسي برتبة عليا.

قبل الدخول إلى الصالة، حقيقةُ أن الفيلم لليوناني يورغوس لانثيموس تجعل التوليفة ما بين المُشاهد والفيلم، بشكل مسبق، حالةً خاصة بهذا المخرج الذي يواصل بفيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان، أسلوبَه الاحتفائي بالشكل، والعابث بالمضمون، ولا أقول الموضوع فهذا لا ملامح له. هي توليفة ينحَّى فيها المنطق جانباً، ما يحرّر الشخصيات من علاقات مفهومة ضمناً بينها وبين بعضها، وما يحرّر كلاً من الصورة والنص، أحدهما من الآخر.

الفيلم بهذه الغرائبية، وأكثر. هو استمرارية لعبثية باتت معروفة في عموم أفلام لانثيموس، ومن أولها، مع ابتعاد في الشكل تحديداً، وفي تقطيع هذا الفيلم إلى ٣ أقسام منفصلة متصلة، ما ضاعف جرعة العبث ٣ مرات.

كما يلعب "أنواع من اللطف" (Kinds of Kindness) لغوياً على العنوان، يلعب سردياً على الشخصيات ومواقعها وتقاطعاتها، في كل قسم على حدة، وفي تتابع الأقسام الثلاثة، ففي كل منها ما يجعله امتداداً للسابق أو استهلالاً للاحق، وفي كل منها، وبالدرجة ذاتها، دلائل شديدة الوضوح في استقلاليته عن القسمين الآخرين. نحن هنا أمام فيلم واحد طويل قارب ٣ ساعات، وأمام ٣ أفلام قصيرة كلٌّ منها مكتمل بعبثه، ما يجعلها معاً، فيلماً واحداً مكتملاً ٣ مرات بعبثه.

لا جدوى من محاولة جرّ الفيلم إلى علاقات منطقية، إلى سرد واضح يمكن لأحدنا أن يرويه لآخرين، أو يكتب عنه. رغم طوله، يصعب الإفلات من الدهشة الممتدة، بصرياً وسردياً، على طول الفيلم وبعتبات متفاوتة. هذا الانبهار لا يمكن تبريره، يشعر به أحدنا، بآثاره، من دون القدرة على الإمساك به. وإدراكٌ مسبق لسينما لانثيموس تهوّن على أحدنا لا مسكَ طرف الفيلم من أوله، بل إدراك أن لا ضرورة ليكون هذا الإمساك افتعالياً، تكفي المتابعة ليتخذ الفيلم مكانه في أذهان المشاهدين، على وتيرته. أقول الأذهان لا العقول.

تتناقل الشخصيات على طول الفيلم في مواقعها، تخرج من حيزها لتدخل في آخر للقسم التالي، في عمل فني ثلاثي بالدرجة الأولى، سرداً وصوتاً صورة. أول الأقسام "موت ر.م.ف" يحكي عن رجل يُبتز ليقتل آخر بحادث سيارة قد يودي بحياته هو، الثاني "ر.م.ف يطير" يحكي عن رجل يشك في امرأة تدّعي أنها زوجته بعد اختفائها، آخرها "ر.م.ف يتناول سندويشة"، يحكي عن امرأة تستطيع إحياء الموتى.

يصعب على فيلم أن يمسك بأنفاس المشاهدين ما إن اتخذ لنفسه مذهب العبثية، أصعب منه أن يكون ذلك مضاعفاً ٣ مرات، الأصعب أن يمتد ذلك لقرابة ٣ ساعات. الإبهار السردي والبصري، العجائبية الممتدة من دون إرهاق متلقيها، ميزات استثنائية للانثيموس، ولهذا الفيلم تحديداً، اللانثيموسي برتبة عليا.

 

####

 

رسالة كان السينمائي: "ليمونوف: الأغنية"

سليم البيك - محرر المجلة

الفيلم كله عبارة عن امتداد لما قاله، تطبيقاً مخلصاً لرغباته الثورية، في حياة صاخبة، في تجارب متطرفة، في المجتمع وفي تصرفاته وأقواله وعلاقاته.

تعتمد أفلام السيَّر على الشخصية الرئيسية في واقعها ومشوارها المتدرج في الحياة، وللشاعر والروائي الروسي إيدوارد ليمونوف حياة صاخبة مليئة بالدراما التي أحسن المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف استثمارها في فيلمه المشارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي.

"ليمونوف: الأغنية" (Limonov: The Ballad) بدأ من الشاعر المغمور في بلده، الاتحاد السوفييتي، وصولاً به إلى اللجوء في الولايات المتحدة في السبعينيات، حتى باريس في ثم عودته إلى بلاده بعد انهيار جدار برلين. لم تخلُ حياة هذا المتمرد بكل الأشكال، من لحظات هناء أو استقرار، منعكساً ذلك على طبيعة كتابته الأدبية، في تحررها الشكلي وثورتها المضامينية، ما سبّب تعثراً في نشر أعماله، إلى أن أصبح لاحقاً أديباً بوهيمياً تماماً، يتصيده الإعلام لصراحته الفجة كلاماً وكتابة.

هرب الشاعر إلي الغرب لكن من دون أن يقبل بتسمية "المنشق"، تلك التي أطلقت على كل مثقف لاجئ من الاتحاد السوفييتي ممالئاً الغرب وحكوماته، لم تسمح له روحه المتمردة، الخضوعَ الدعائي للغرب الرأسمالي، مادحاً سماتاً اجتماعية كانت حاضرة في بلده الأم، ماراً بالشوارع في نيويورك باحثاً عمن يطلق معه ثورة على العالم كله، بمعسكريه.

يمر، في السبعينيات، بفتاتين توزعان مناشير لحزب تروتسكي في نيويورك، يقول أنا معكم ومع كل من لم يعد لديه ما يخسره فماذا أفعل؟ دعتاه إلى مظاهرة من أجل فلسطين، محذرتاه بأنها ستكون حامية، سأل: ثم ماذا؟ قالوا :اجتماع ثم مظاهرة أخرى. فابتعد غاضباً مردداً إن ثورة لا بد من اندلاعها، لا ما هو أقل من ذلك.

الفيلم كله عبارة عن امتداد لما قاله، تطبيقاً مخلصاً لرغباته الثورية، في حياة صاخبة، في تجارب متطرفة، في المجتمع وفي تصرفاته وأقواله وعلاقاته.

لم يكتف ليمونوف بتمرادته الأدبية والفكرية والحياتية، بل ابتعد في ذلك ليكون مع القرن الجديد رئيس حزب معارض، جامع بين الوطنية والشيوعية. هو بذلك، تماهى لاحقاً مع نصوصه الأدبية، سياسياً، من بعد تماهي النصوص معه هو، السابق لها، حياتياً.

 

مجلة رمان الثقافية في

19.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004