في عرض أول بـ «كان السينمائي»
«الجميع
يحب تودا» .. نبيل عيوش أول مخرج يمنح صوتاً لمغنيات «العيطة» المغربيات
كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»
قُدم مساء أمس الجمعة فيلم "الجميع يحب تودا" للمخرج
المغربي نبيل عيوش ضمن قسم "العروض الأولى"، وهو عمل سينمائي كرَّم فيه
(الشيخات، المغنيات) وفن "العيطة"، أحد الألوان الموسيقية والغنائية
الشعبية بالمغرب، عبر قصة مؤثرة لشيخة تقاوم مجتمعياً على أكثر من جبهة
لفرض الذات وضمان القوت اليومي.
يظل المخرج المغربي نبيل عيوش وفيا لأسلوبه السينمائي
المثير للجدل في الساحة المغربية. ويتسلل من جديد عبر فيلمه "الجميع يحب
تودا" لمناطق خفية أو محظورة في المجتمع، لا يتجاسر عليها عادة زملاؤه من
المخرجين المغاربة. لكن دائماً بعين سينمائية ذكية، تضفي لمسة من التميز
على أعماله مهما اختلفت وجهات النظر حولها.
هذا الحفر المستديم سينمائياً في الجروح الغائرة للمجتمع
المغربي، يقوم به هذا المخرج المتألق بموهبة فنية، أكسبته احترام وتقدير
الأوساط السينمائية دولياً، وهذا ما يفسر حضور أعماله في هذا الحدث
السينمائي الدولي باستمرار إلى جانب زوجته مريم التوزاني التي تعتبر شريكته
في الحياة وفي المشاريع السينمائية أيضا. وشاركته في هذا العمل مهمة كتابة
السيناريو.
قبل بداية عرض الفيلم ألقى تيري أفريمو المندوب العام
لمهرجان كان كلمة، أشاد فيه بما يقدمه المغرب من أعمال سينمائية، معتبراً
إياه "بلداً سينمائياً كبيراً"، كما نوه بالعطاء المتواصل لنبيل عيوش، الذي
بفضله يسافر المهرجان عبر أجواء مختلفة من المملكة بتعدد ثقافاتها، "وهذه
المرة سيأخذنا معه لعالم الموسيقى"، التي تظل بعض ألوانها المغربية مجهولة
من قبل عشاق الأنغام الشعبية سواء في الأوساط العربية أو عبر العالم.
وهذا اللون المتحدث عنه في الفيلم هو ما يعرف بفن "العيطة"،
التي لها تاريخ عريق في المغرب، وظهرت قبل قرون بمنطقة آسفي على المحيط
الأطلسي غرب البلاد، وارتبطت خاصة بالمقاومة.
ويحكى أن النساء كانت ممنوعات من الغناء، لكن امرأة تدعى
خربوشة وتحول اسمها الفني فيما بعد إلى الشيخة خربوشة، وصارت أسطورة ترددها
الأجيال، تمردت على تقاليد القبيلة وقمع السلطة وقتها، موظفة "العيطة"
كأسلوب نضالي، إلى أن اعتقلت في النهاية فيما تختلف الروايات حول مصيرها.
و"العيطة قبل أن تكون غناء فهي مقاومة"، يقول عيوش في
مقابلة نشرها موقع المهرجان. لكن لا يمكن ذكر هذا الفن الموسيقي والغنائي
دون استحضار "الشيخات" اللواتي يؤدين هذا اللون الغنائي الشعبي، وبقين على
الهامش، خاصة بعد أن أصبح هذا الفن مهنتهن ومصدر رزق، لنساء مورس على
الكثير منهن الظلم والحيف فقط لأنهن اخترن الغناء.
ويفسر عيوش سبب هذا الاختيار: "لقد كانت الشيخات دائماً
حاضرات في أفلامي منذ زمن طويل، لأنهن كن يستوقفنني دائما، ويؤثرن في،
وأردت أن يكنَّ يوما ما في قلب أحد أعمالي، في وسط إحدى قصصي. لقد كنت
دائما معجبا بالنساء القويات، بدون شك لأنني نشأت مع والدتي التي هي مثلهن".
وببداية موسيقية بإيحاءات عالمية، ينتقل المخرج شيئا فشيئا
لإيقاع موسيقى "العيطة"، ليدخل في سرد سينمائي متماوج بين الفرح والحزن
لحياة الشيخة تودا، التي عشقت هذا الفن، وتحلم أن تكون مغنية بارزة فيه،
تضمن قوتها وقوت طفلها الوحيد الذي يعاني من مشكلة إعاقة.
لكن في مجتمع ذكوري ينظر للمرأة كجسد قبل أي شيء آخر، ستكون
باستمرار عرضة للاعتداء والاستغلال حتى من رجل سلطة متزوج، لكن هذه المرأة
كانت قادرة أن تقول لا بقوة وبجرأة عندما تقرر ذلك. وإن كان الظلم أقوى من
هذه المقاومة كما أظهر الفيلم في أول المشاهد التي تعرضت فيه للاغتصاب من
مجموعة من الرجال.
ظلت بطلة الفيلم حاضرة باستمرار في جميع مشاهده لربما لطول
القصة وحيثياتها واختيار المخرج سرد أجزاء مهمة من تفاصيلها، أو لأنه تعمد
هذا الأمر كأسلوب لإبقاء المشاهد وفيا لتسلسلها حتى النهاية. قصة مزجت بين
لحظات ضاربة في الحزن واليأس بأخرى احتفالية تعيد للرأس مزاجه وتسعد النفس
أيضا.
وهذه المقاربة يفسرها المخرج بأنها تشبه حياتهن، فهي
"مصنوعة من نفس الشيء"، فرح وحزن، و"يملكن هذا القدرة الخارقة على الانتقال
بينهما"، لأنهن مطالبات بذلك. "هذا استلهمته من قصص حياتهن التي حدثنني
عنها. قصص تركتني أحياناً بدون صوت. إنه أمر صعب، لكنها الحقيقة" التي صنع
منها عملاً متميزاً صفقت له القاعة بحرارة كبيرة، خاصة وأن تاريخ السينما
سيظل يذكر بأنه أول مخرج يمنح صوتاً لهؤلاء النساء في مهرجان كان. |