ملفات خاصة

 
 
 

تحية من «سينماتوغراف» إلى صانعين السحر.. (سكورسيزي وكوبولا).. الإبداع في عمر الثمانين

«سينماتوغراف» ـ أسامة عسل

كان السينمائي الدولي

السابع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

عرض كل من مارتن سكورسيزي وفرانسيس فورد كوبولا أفلامًا لأول مرة في مهرجان كان السينمائي عندما كانا شابين في السبعينيات.

الآن، كل منهما في الثمانينات من عمره، ما يزالان يصنعان السحر، وما يزالان يقاتلان من أجل جلب رؤيتهما إلى الحياة.

فاز سكورسيزي بجائزة السعفة الذهبية في مهرجان كان عن تحفته سائق التاكسي عام 1976. وفي العام الماضي، عندما كان عمره 81 عامًا، أخرج سكورسيزي تحفة فنية أخرى، وهي Killers of the Flower Moon، بأسلوب مميز.

وفي الوقت نفسه، كان كوبولا أول مخرج يفوز بجائزة السعفة مرتين: الأولى عام 1974 عن فيلم The Conversation، ومرة أخرى عام 1979 عن فيلم Apocalypse Now.

أمس، عرض كوبولا فيلم Megalopolis لأول مرة في عمر 85 عامًا. إن رؤية كلاً من سكورسيزي وكوبولا وهما لا يزالان يبدعان بعد أربعة عقود أمر ملهم للغاية. اثنان من المخرجين كانا يقودان ذات يوم حركة في هوليوود خلال السبعينيات، ولا يزالان رائدين في عام 2024. إنه أمر مذهل بكل بساطة.

 

####

 

بعد 6 سنوات من الغياب ..عودة جناح الجزائر للتواجد في سوق مهرجان كان

«سينماتوغراف» ـ نبيلة رزايق

(الجزائر تعود، ALGERIA IS BACK) هو الشعار الذي اختاره القائمون على الشأن السينمائي بالجزائر، لإعلان عودة جناح الجزائر للتواجد في قلب سوق الفيلم لمهرجان كان السينمائي في دورته الـ 77، بعد غياب ستة سنوات ومن تنظيم المركز الجزائري لتطوير السينما والمؤسسة السينمائية الخاصة، وتحت اشراف وزارة الثقافة والفنون، مع حضور وفد سينمائي وكذلك بعض المخرجين والمنتجين.

وقد جاء في بيان المركز الجزائري لتطوير السينما أان الهدف الرئيسي من هذا التواجد، سيكون تعزيز السينما الجزائرية على الساحة الدولية، بالإضافة إلى تأكيد وجود الجزائر في المشهد السينمائي العالمي، وتعزيز التبادلات بين الجزائر والبلدان حول العالم بالإضافة الى تعزيز التعاون الدولي في الإنتاج السينمائي، من خلال المشاركة في نشر ثروات الجزائر وإبراز مواهب الغد وخلق فرص مع المنتجين الدوليين.

برنامج الجناح لهذا العام، كما جاء في البيان غنيًا ومتنوعًا يتضمن العديد من الجلسات النقاشية، اللقاءات، والماستر كلاس التي ستُنظم طوال فترة سوق الفيلم. كما ستكون السينما الفلسطينة وصناع الأفلام الفلسطنيين ضيوف شرف الجناح.

تجدر الإشارة في الأخير أن أول مشاركة لجناح الجزائر كان بالقرية الدولية لمهرجان كان السينمائي سنة 2012 بمناسبة خمسينية استقلال الجزائر ومن تنظيم الوكالة الجزائرية للإشعاع الثقافي، ثم أشرف المركز الجزائري لتطوير السينما على التنظيم لسنتين، ليتوقف تنظيم الجناح لست سنوات ليعود مع نفس المركز وشريك خاص 2HORLOGES في قلب سوق الفيلم لمهرجان كان السينمائي في دورته الـ 77 تحت اشراف وزارة الثقافة والفنون، كما تأتي هذه العودة مع صدور قانون جديد للسينما بالجزائر.

 

####

 

بعدما رفضه مهرجان كان سنة 1988 ..

عرض فيلم «معسكر تيرواي» في تظاهرة كلاسيكيات

كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»

بعدما رفض مهرجان كان سنة 1988 عرض فيلم "معسكر تيرواي" من إخراج تيرنو فاتي سو وعصمان صمبان، يعود هذا العام من خلال تظاهرة "كلاسيكيات كان" بعد ترميمه في إطار مشروع السينما العالمية، بالشراكة مع مؤسسات تونسية وجمعية محمد شلوف (سينما تراث الجنوب).

ويقول محمد شلوف أن هذه المؤسسة نفسها (مهرجان كان) التي تقدم الفيلم اليوم هي التي ساهمت في تهميشه (مما يقودنا دائمًا إلى نفس السؤال: هل يجب اختراع مساحات أخرى، أو طلب التعويض في نفس المساحة).

إن هذا الفيلم ما كان باستطاعته التواجد لولا تكاثف جهود انتاجه لبلدان الجنوب هي سينغال الجزائر وتونس، وأنه صحيح يتم دعم العديد من الأفلام الأفريقية (وما زال الدعم مستمرًا) من خلال التمويل الفرنسي، لكن في نفس الوقت تم منع بعض الأفلام من قبل الشمال (المنتجون، الصناديق، المؤسسات) لأنها كانت "مفرطة في التمرد لأنها تندد بوحشية الاستعمار". هذا هو حال معسكر تيرواي، الذي لم يكن ليوجد إلا "بفضل التضامن والتعاون بين ثلاث دول جنوبية."

تظاهرة (كلاسيكيات كان) لا تقل أهمية عن بقية التظاهرات التي يشملها مهرجان كان السينمائي، وقد افتتحت برنامجها يوم 14 مايو بعرض فيلم "نابليون كما يراه أبيل غاتس" في عرضه العالمي الأول في نسخة مرممة وهو أحد أهم أفلام السينما الصامتة، من إنتاج المركز الوطني للسينما الفرنسية بدعم من المركز الوطني للسينما.

لقد استغرق ترميمه أكثر من 16 عامًا من العمل لإعادة الحياة إلى هذا الفيلم إلى مجده السابق. حيث يستغرق 7 ساعات وينقسم، إلى فترتين، وسيتم عرض الفترة الأولى فقط في مهرجان كان الكلاسيكي. وسيُعرض الفيلم المرمم لاحقًا في دور السينما الفرنسية وعلى نتفليكس.

 

####

 

تلقي تصفيقاً حاراً عند عرضه اليوم ..

شاهد | الفيلم المصري «رفعت عيني للسما» يشارك في أسبوع النقاد بمهرجان كان

كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»

تلقى الفيلم المصري "رفعت عيني للسما" بعد عرضه اليوم في مسابقة أسبوع النقاد، وصلة من التصفيق الحار في عرض الصحافة، وكان من ضمن الحضور النجم حسين فهمي رئيس مهرجان القاهرة السينمائي، وكذلك مخرجي العرض ندي رياض وأيمن الأمير.

وقبل ساعات من عرض الفيلم أطلقت شركة فلوكة فيلمز الإعلان الرسمي لـ "رفعت عيني للسما"، تزامناً مع عرضه في مهرجان كان السينمائي الـ 77.

ويظهر الإعلان 6 فتيات يمتلكن أحلاما تفوق حد السماء، إذ تحلم ماجدة بالسفر إلى القاهرة لدراسة المسرح والعمل كممثلة، وتحلم هايدي بأن تكون راقصة باليه، بينما تحلم مونيكا بأن تكون مغنية مشهورة، ويتابع الإعلان هذه الأرواح المتفردة، بينما يمر عليهن العمر، وينتقلن من كونهن مراهقات إلى نساء صغيرات.

ويعتبر "رفعت عيني للسما" أول فيلم تسجيلي مصري يشارك في هذه المسابقة منذ تأسيسها، بالإضافة إلى أنه العمل التسجيلي الوحيد المشارك في مسابقة أسبوع النقاد، ليكون واحداً من ضمن سبعة أفلام فقط تنافس على الجائزة الكبرى لأفضل فيلم، وجائزة لجنة التحكيم، وجائزة أفضل ممثل أو ممثلة، وجائزة أفضل سيناريو، وجائزة التوزيع.

وتدور أحداث الفيلم حول مجموعة من الفتيات اللاتي يقررن تأسيس فرقة مسرحية، وعرض مسرحياتهن المستوحاة من الفلكلور الشعبي الصعيدي، بشوارع قريتهن الصغيرة؛ لتسليط الضوء علي القضايا، التي تؤرقهن كالزواج المبكر، والعنف الأسري، وتعليم الفتيات، بينما يمتلكن أحلاما تفوق حد السماء، وقد استضافت قرية البرشا في محافظة المنيا فريق عمل الفيلم على مدار العديد من الأعوام.

"رفعت عيني للسما" من بطولة فريق مسرح بانوراما برشا، الذي يضم كلا من: ماجدة مسعود، وهايدي سامح، ومونيكا يوسف، ومارينا سمير، ومريم نصار، وليديا هارون، ويوستينا سمير.

الفيلم من إخراج ندي رياض وأيمن الأمير، اللذين سبق لهما عرض فيلمهما الروائي القصير "فخ" بمهرجان كان عام 2019، وحصل على تنويه خاص من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في نفس العام. كما عرض فيلمهما التسجيلي "نهايات سعيدة" بمهرجان أمستردام الدولي للأفلام التسجيلية عام 2016، وهو أحد أكبر وأهم مهرجانات الأفلام التسجيلية على مستوي العالم.

 

####

 

تعرف على | التفاصيل الكاملة للجلسة الحوارية لـ ميريل ستريب في «كان السينمائي الـ 77»

كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»

شهد مهرجان كان السينمائي الدولي احتفاء خاصًا بالفنانة الأميركية ميريل ستريب بعد منحها السعفة الفخرية عن مسيرتها السينمائية الحافلة، لتتحدث في اليوم التالي بجلسة حوارية موسعة عن مسيرتها السينمائية الطويلة مستذكرة محطات وصعوبات مرت بها في حياتها.

وقالت ستريب خلال جلسة تكريمها في مسرح ديبوسي إنها تأثرت كثيراً من التصفيق والاحتفاء بها من الجمهور عندما تسلمت الجائزة في حفل افتتاح المهرجان، موجهة نصيحة للجيل الجديد من صناع السينما الشباب بعدم الاستسلام.

وعندما سألت عن السينما الفرنسية، أكدت الممثلة الأميركية أنها تشعر بالخجل لعدم مشاهدتها ما يكفي من الأفلام لعدة أسباب من بينها ساعات اليوم المحدودة وانشغالها بحياتها العائلية بالإضافة إلى تقدمها بالعمر، الأمر يجعل أولوياتها مختلفة. لكنها أبدت إعجابها بالممثلة الفرنسية كاميل كوتان في أحد الحلقات الدرامية التي شاهدتها لها.

وحول مشهد الماستر سين في فيلمها "اختيار صوفي" الذي قدمته عام 1982، قالت الممثلة الأميركية أنها صورت المشهد من أول مرة لكنهم قاموا بتصويره مرة ثانية بسبب عدم معرفة الفتاة الصغيرة بما سيحدث لها عند التصوير أول مرة.

كما تحدثت عن فيلمها "جسور مقاطعة ماديسون" الذي صور في 5 أسابيع فقط، مشيدة بزميلها كلينت إيستوود الذي كان يعمل من الخامسة صباحاً بشكل يومي لإنجاز الفيلم، حيث قام ببطولة وإخراج وإنتاج الفيلم الأميركي المأخوذ عن رواية بروبرت جيمس والر التي حملت الأسم ذاته.

وتطرقت الممثلة الأميركية لصفات المخرج الجيد الذي أكدت أنه يتوجب أن يكون لديه القدرة على معرفة ما يريد قوله، مع بناء الثقة في المجموعة التي يعمل معها، وأن يكون لديه شيء يريد أن ينقله في عمله حتى في حال خوض تجربة كوميدية. لافتة إلى أنها تفضل العودة للمنزل ما لم تجد الأمر كذلك.

وعن الأدوار التي تقدمها المرأة في العالم اليوم، أكدت ميريل ستريب أن أكبر نجوم العالم اليوم من النساء، وهو أمر مختلف عما كان عليه الوضع عندما بدأت. وكانت الأدوار الثانوية هي أدوار النساء، بينما يتمركز كل شئ حول النجم. لافتة إلى أن المرة الأولى التي يكون العمل فيها متحمور حول سيدة كانت في فيلم "الشيطان يرتدي برادا" الذي عرض عام 2006.

ورغم أن الفيلم ربما لا يكون الأهم في مسيرتها الفنية الحافلة إلا أنه شكل نقطة مهمة في مسيرتها الفنية لكونه أول دور يأتي إليها بعده صناع السينما ويتفهمون شعورها بالقدرة على اتخاذ القرار. مؤكدة أن الأفلام وإن كانت لتجسيد أحلام الناس فإن المسؤولين عنها أيضاً لديهم أحلام.

وأضافت أنه قبل صعود النساء لتولي مواقع صنع القرار في الاستوديوهات السينمائية، كان من الصعب على الرجال رؤيتهم للأنثى كبطلة. لكنها كانت ترى أنه من السهل بالنسبة لها أن تقدم أدوار بطولة على غرار الأدوار التي قدمها روبرت دي نيرو.

وأشارت إلى أن الأفلام التي حققت نجاحًا تجاريًا كبيرًا حدثت عندما كانت في سن 58 و60 عاماً مؤكدة أنها لم تكن تتوقع أن تصبح هذه الأعمال كبيرة لكن كانت تستطع انتاجها.

وتذكرت ستريب حضورها الأول لمهرجان كان مع فيلمها "الملائكة الأشرار" الذي فازت عنه بالسعفة الذهبية، وإبلاغها باحتياجها لحراس شخصيين من أجل مرافقتها بوقت لم يكن لديها أي حراس. لافتة إلى أنها عندما تسلمت الجائزة وعادت لغرفتها كانت ترتجف بسبب صعوبة الأمر، لكن هذه المرة كانت التجربة مختلفة رغم خوفها المسبق.

وتطرقت إلى الصعوبات التي واجهتها في فيلم "الخروج من أفريقيا" الذي قدم عام 1985، من بينها التصوير بالنهر بالقرب من "فرس البحر" الذي يلتهم من يقترب منه، وهو أمر وصفته بالخطير، بجانب عدة أسود جرى استيرادها من كاليفورنيا من أجل التواجد بموقع التصوير باعتبارها هادئة ومروضة بالفعل لكنها لم تكن كذلك.

وأضافت أن من بين الصعوبات التي تتذكرها الحشرات الليلية التي كانت تتجمع على الأضواء الكبيرة، بجانب الخفافيش، متذكرة استكمالها لتصوير مشهد طويل بالرغم من شعورها بحشرة دخلت إلى قميصها، بجانب قلق زميلها روبرت ريدفورد الذي أثر عليه الشعور بالخوف من "فرس البحر" خلال تصوير مشهد "الشامبو الشهير" الذي جمع بينهما، مما اضطرهم لإعادته عدة مرات وتلقيه نصائح من مصفف الشعر والماكياج ليتحسن أدائه عند التصوير للمرة الخامسة.

وكشفت الممثلة الأميركية عن حماسها للتواجد في الجزء الثالث من الفيلم الموسيقي "ماما ميا" على الرغم من وفاتها في الجزء الثاني، وهو الأمر الذي ستناقشه مع فريق العمل خلال الفترة المقبلة، بعدما أبدت للمنتجة حماسها للتواجد حال ما استطاعوا إعادة شخصيتها التي توفيت في الجزء الأخير بطريقة مأساوية.

 

####

 

«فرانس24» : كوبولا ينطلق بقوة نحو سعفة ذهبية ثالثة

كان (فرنسا) ـ «سينماتوغراف»

دام التشويق أسابيع طويلة قبل أن يكتشف جمهور كان السينمائي، أمس الخميس، فيلم "ميغالوبوليس". هذا العمل الضخم رصد له المخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا أموالا طائلة من إمكانياته الخاصة، في مغامرة مادية اندهش لها الكثيرون.

ويبدو أن صاحب "القيامة الآن" كان في مستوى انتظارات الجمهور بمهرجان كان، الذي صفق كثيراً لحضوره وللقيمة السينمائية والفنية لهذه التحفة، حسب الكثير من النقاد، التي ستعزز رصيد أعماله التاريخية.

لكن السؤال الذي تطرحه «فرانس24» في التقرير التالي: هل سيسرق "ميغالوبوليس" قلب لجنة تحكيم المسابقة الرسمية حتى ينال كوبولا السعفة الذهبية الثالثة؟.

وبهذا الشأن، كتب جان فرانسي بيكريس على صفحات "ليزيكو" أنه "سيكون الأمر استثنائياً بالنسبة لمحبي السينما أن يتوج كوبولا في آخر السباق بسعفة ذهبية. هذه الأسطورة السينمائية الحية تتفوق على كبار السينما في العالم كالبريطاني كين لوتش والنمساوي ميكائيل هانيكي والسويدي روبن أوستلوند ومخرجين آخرين يعدون من القلائل الذين نالوا السعفة الذهبية مرتين".

ويبدو أن العمل لم يخيب ظن الجمهور الذي حضر بكثافة للعرض. وكان في مستوى انتظارات الكثيرين. فيلم جمع بين تناقضات متداخلة في الأسرة الواحدة والمدينة الواحدة أيضاً، يتنازع فيها طرفان الأول يسعى للمستقبل لفتح أبواب جديدة على مستويات متنوعة للأجيال المقبلة، والثاني يظل محافظا، متمسكا بأسلوبه في التدبير والتسيير حتى لو كان الأمر لا يهمه وحده بل يعني محيطه أيضا. فيلم زاوج فيه صاحبه بين السياسة والخيال والفلسفة والشعر أيضا. الشعر ليس قولا فقط، بل كصورة سينمائية تحمل دلالات رمزية.

وهذه المدينة التي تحدث عنها كوبولا في فيلمه قد تكون العالم أيضاً، ينظر لها المهندس آدم دريفر بحمولة ليست معمارية فقط بل إنسانية تضمن شروط الحياة بشكل أفضل دون أن تطالها التهديدات المحيطة بها اليوم. عالم للجميع تتوافر فيه عدالة وصحة وتربية وغيرها، وإن كان يضع مؤسسة الزواج على رأس المؤسسات لأنها الإسمنت الذي يساهم في تماسك هذا الكل الذي يشكل المدينة وحتى العالم.

ووظف في هذا العمل إمكانيات كبيرة، سبق أن تحدثت عنها وسائل الإعلام، إذ كشفت أن المخرج اعتمد على إمكانياته المالية الخاصة، وصرف ما يقدر بأكثر من 120 مليون دولار لإنجاز هذا العمل الذي يعتبره الكثير من النقاد تاريخيا حتى في حال عدم حصوله على السعفة الذهبية. وليست المرة التي يستخدم فيها كوبولا أمواله الخاصة لطرح عمله على الجمهور، بل سبق أن التجأ إلى جيبه في إخراج فيلمه المعروف "القيامة الآن".

ينتمي كوبولا إلى ما عرف في سبعينيات القرن الماضي بمخرجي مدرسة "هوليوود الجديدة"، الذين استقلوا سينمائيا عن استوديوهات هوليوود، بالاعتماد في أعمالهم على التمويل الذاتي لها. وهذا شجع على فرز سينما جديدة، لا تخضع لتوجيهات الممولين، وتصغي بالدرجة الأولى لإرادة المخرج واختياراتها الفنية.

ومن أبرز الأعمال التي ترجمت هذه التوجهات الرحلة المجنونة بالدراجة النارية عبر الولايات المتحدة في "إيزي رايدر" Easy Rider، والرعب في "ذي إكزورسيست" The Exorcist وسوداوية "العراب" The Godfather.

وبناء على ما ذكر، يعتبر البعض كوبولا "متهوراً" ومغامراً، قد يخسر في أي لحظة كل ما يملك لأجل صناعة سينمائية برؤيته هو وبتوقيعه. واضطر لإخراج فيلمه الضخم "ميغالوبوليس" لبيع ضيعة كبيرة كان يملكها.

ومشاهد هذا العمل المثير حقاً، تظهر بجلاء أنه وظفت فيه إمكانيات مالية هائلة، لاشك أن اسم المخرج ولهفة الجمهور لمشاهدة أعماله الجديدة، وسط دعاية إعلامية كاسحة، ستساعده على استرجاعها، ولربما جني أرباح طائلة منه كما هو شأن مخرجين أمريكيين كبار آخرين.

وفكرة إنجاز هذا الفيلم أخذت منه مدة طويلة، تقدر بالسنوات، وكان في كل مناسبة يضع مشروعه في ثلاجة الوقت، الذي حضر بقوة في "ميغالوبوليس"، وخاض معه بطل فيلم معركة على امتداد العمل. هذا الوقت الذي ينسل من بين أيدينا في كل لحظة، حاول المخرج أن يؤكد على أن الانتصار عليه والتحكم فيه بداية في تحصيل مكاسب.

ويعود كوبولا للمهرجان بعد 45 عاماً من حصوله على سعفة ذهبية ثانية في 1979 عن فيلم "القيامة الآن". أما سعفته الأولى فنالها المخرج الأمريكي عن فيلمه "المحادثة" في 1974. وهو يطمح إلى الظفر بسعفة ثالثة، ليكون حينها أول مخرج يحصل على ثلاث سعفات ذهبية، حيث يوجد في الوقت الحالي ضمن مجموعة من ستة مخرجين عالمين بحوزتهم جميعا سعفتين.

وطبعاً، المهمة لن تكون سهلة أمام مخرج أمريكي كبير أيضاً، معروف كثيرا بكتابة السيناريو وهو بول شريدر الذي يتنافس في المسابقة الرسمية من المهرجان بفيلم "أو كندا"، ويأمل حصد أول سعفة ذهبية في مسيرته السينمائية، التي دشن بدايتها في نفس التوقيت مع كوبولا، ودامت حتى الآن خمسة عقود.

وفسر بعض النقاد حضور المخرج الأمريكي وآخرين ينتمون إلى مدرسة "هوليوود الجديدة" في هذا الحدث السينمائي العالمي، بمثابة لفتة من منظميه، قد تكون هي الأخيرة منهم بحق هؤلاء العمالقة بحكم تقدمهم في السن، ولربما هي آخر مبارزة فنية على حلبة كان بينهم لانتزاع السعفة الذهبية.

لكن لايزال المهرجان في أيامه الأولى، وسيكتشف جمهور كان طيلة الأسبوعين أعمالاً أخرى ستكون لها حظوظها أيضاً في المسابقة الرسمية التي يشارك فيها 22 فيلماً، إلا أن القيمة السينمائية للمخرج الأمريكي فرانسيس فورد كوبولا عالمياً، ونوعية العمل الذي عرضه في هذه الدورة، قد يرجحان كفته في آخر السباق.

في كل الأحول، التشويق سيبقى حاضراً حتى آخر نفس من عمر هذه النسخة التي تعد بالكثير من المفاجآت.

 

####

 

نظرة أولى | «أنواع اللطف» ثلاثية لانثيموس الجديدة هل تحقق نفس نجاح فيلمه «أشياء مسكينة»؟!

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

في فيلم (أنواع اللطف – Kinds of Kindness)، الذي عرض أمس وينافس في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي الـ 77، يقدم المخرج يورجوس لانثيموس بعد أقل من عام على نجاح فيلمه «أشياء مسكينة»، ثلاث قصص متشابكة، تتسم بالأصالة الجريئة والفكاهة الشريرة والغرابة، مما يعطي الانطباع بوجود خفة وطرافة موازنة لأنواع اللطف التي تخدم العمل جيدًا، وهو "أشبه بصنع ثلاثة أفلام تقريبًا" في عمل واحد.

في مراجعته التي منحت الفيلم (4/5)، قال بيتر برادشو في مقال بـ"الجارديان"، إن لانثيموس "يصل بمشروعه الجديد المثير للأعصاب والمسلي إلى مدينة كان بعد أقل من عام من إطلاق فيلمه "Poor Things". إنها لوحة ثلاثية مروعة وعبثية، ثلاث قصص أو ثلاث اختلافات سردية حول موضوع ما، تدور أحداثها في نيو أورلينز وما حولها في العصر الحديث".

وفي مراجعته بموقع"هوليوود ريبورتر"، وصف ديفيد روني، عودة يورجوس لانثيموس بـ "التصادم المذهل للواقع التقليدي مع الأحداث السريالية والغريبة والمزعجة التي ميزت أعماله السابقة، في ثلاثية من القصص الأكثر غرابة بشكل تدريجي والتي تمثل خدشًا غير متساوٍ واستكشافًا رائعًا لا يمكن التنبؤ به لمواضيع مثل الحب والإيمان على وجه الخصوص".

وأضاف روني، أن الفيلم "قد لا يكون متماسكًا من حيث الموضوع عند المشاهدة الأولى، كما يرغب بعض المشاهدين، ولكن كلما أمعنت التفكير فيه، كلما بدأت قطع اللغز في التوافق وبدأت الخيوط المشتركة في الظهور".

الفيلم، الذي يبدوا أنه سيحير النقاد والجمهور على حد سواء، كان في الأصل بعنوان "و"، وهو الفيلم الثامن لانثيموس وتشاركه في بطولته الحائزة على جائزة الأوسكار مرتين "إيما ستون"، مع النجوم ويليم دافو، مارغريت كواللي، جيسي بليمونز، هانتر شيفر، جو ألوين، هونغ تشاو، ومامودو آثي.

في العمل الجديد للانثيموس، يثور موظف مكتب أخيرًا ضد الطغيان الحميم الذي يمارسه عليه رئيسه المتعجرف، وينزعج ضابط شرطة عندما تعود زوجته عالمة الأحياء البحرية إلى المنزل بعد أشهر من تقطع السبل بها على جزيرة صحراوية، ويشتبه في أنه تم استبدالها بشخص مزدوج، بينما في القصة الثالثة يبحث اثنان من أعضاء طائفة عن امرأة شابة يعتقد أن لديها القدرة على إحياء الموتى.

يستخدم المخرج يورجوس لانثيموس أسلوب التمثيل المرجعي - وجزء من تأثير النكتة المخيفة، وهو تأثير رؤية الكون يفعل نفس الأشياء الفظيعة بشكل غامض مرارًا وتكرارًا، مع مشاهدة نفس الممثلين يظهرون بشكل متكرر، وهو مزيج فضولي من شأنه أن يربك ويسعد بنفس القدر.

ويمكن القول بأن آخر أعمال لانثيموس يرضي توقعات أي شخص، لا يمكن للجمهور في أي وقت خلال "أنواع اللطف" أن يتظاهر بتوقع ما سيحدث بعد ذلك. هذا الفيلم الطويل يأسر القلوب، حتى وإن كان محبطًا، متحديًا المنطق التقليدي بينما يقدم ضجة عبثية حول المجتمع الحديث.

إنه ليس مملًا أبدًا، ومع ذلك، فإن حساسية لانثيموس الفائقة تتطلب نوعًا خاصًا من الصبر (ناهيك عن الحذر) من المشاهدين، الذين سيأتي الكثير منهم لرؤية (بليمونز وستون) يمتدان خارج مناطق التمثيل الخاصة بهما.

تستغرق ستون، التي لعبت دور البطولة في الفيلمين السابقين للمخرج، بعض الوقت للظهور، تاركة الجمهور لاكتشاف الشخصية الأولى لبليمونز، وهو خادم شركة مثير للشفقة يُدعى روبرت يفعل ما يخبره به رئيسه ريموند (دافو)، حتى لو كان ذلك يعني التحطيم. يكافئ ريموند ولاء روبرت بتذكارات رياضية فريدة من نوعها ومنزل عصري سخي يتقاسمه مع زوجته سارة (هونج تشاو).

لسنوات، وافق روبرت على هذا الترتيب، لكن هذا الطلب الأخير - الذي يرقى إلى مستوى القتل غير العمد - يعد خطوة بعيدة جدًا، مما أجبره على رفض أوامر ريموند لأول مرة. ومثل معظم أجزاء الفيلم في القصص الأخرى، فإن ما يلي يكون أكثر تسلية عند المشاهدة الثانية، حيث يخرج روبرت عن نطاق السيطرة قبل أن يزحف عائداً إلى رئيسه.

هل يجسد ريموند جميع الرؤساء الذين تشكل توقعاتهم الكثير من الكيفية التي يجب أن تتصرف بها القوى العاملة الأمريكية؟، هل يمكن أن يكون مشرعًا أو زعيمًا دينيًا أو أي شخصية أخرى ذات سلطة يتنازل لها أتباعه عن إرادتهم الحرة؟ ربما حتى مخرج سينمائي متطلب؟، الجواب هو كل ما سبق وربما لا شيء على الإطلاق، حيث يدعونا لانثيموس إلى اتخاذ ما نشاء من الموقف، ما يجعل القصة الرمزية أكثر ضبابية بشكل عام، لكن من الناحية الفنية، يتم تقديم اللطف دون التفكير في النتيجة، في حين أن هذه القصص القصيرة الثلاثة تدور حول شخصيات تحاول يائسة إثبات حبها.

هناك قدر لا بأس به من التداخل بين الفصل الأول والثاني، حيث يلعب بليمونز الآن دور دانيال، ضابط الشرطة الذي لم يعد كما كان منذ اختفاء زوجته ليز (ستون). عندما تظهر مرة أخرى بأعجوبة، يصبح مقتنعًا بأنها ليست نفس الشخص، ولأن لانثيموس هو من يضع القواعد، فمن المستحيل على الجمهور تحديد ما إذا كان دانيال يتصرف بعقلانية. من المؤكد أن ألعابه الذهنية - وهي اختبارات صغيرة مروعة لإخلاص ليز - قد تبدو قاسية في العالم الحقيقي. لكن عندما لا نعرف كيف تعمل الجاذبية في هذا الكون، نفسر سلوكه؟، ومرة أخرى، يصبح الأمر أكثر تسليةً عند المشاهدة اللاحقة، بمجرد أن نتغلب على الصدمة الأولية.

تتولى ستون دورًا مركزيًا في الفصل الأخير، حيث تظهر على الشاشة في سيارة دودج تشالنجر ذات اللون الأرجواني تقودها كالمجنونة، لكنها على خلاف ذلك تتبع خط المعلم المسمى أومي (دافو المتباعد)، الذي كلفها وشريكها أندرو (بليمونز، ذو الشارب الآن) بتعقب فرد يتمتع بسلطات خاصة. يصر أومي على الطهارة، ويمنع تلاميذه من الشرب أو تعريض أنفسهم "للسوائل الملوثة". يكافئ هو وشريكه الروحي، أكا (تشاو)، المؤمنين بهما ويغذونهم بدموعهما - أو يحرمونهم عندما يضلون. كما في الفصل الأول، من المؤلم أن يتم استبعادك، وهذه هي الطريقة التي تعمل بها الطوائف.

في الفيلم أيضاً، يتعامل لانثيموس مع الجنس (والموت) على أنه مثير للضحك وسخيف. وليس من الواضح في النهاية ما إذا كان يهدف إلى التسلية أو التنبيه أو التنوير – ولكنه على الأرجح يعني الثلاثة.

 

####

 

ينافس ضمن مسابقة أسبوع النقاد ..

نظرة أولى | «رفعت عيني للسما» يرفع شعار حركة «Me Too» في مهرجان كان

كان ـ خاص «سينماتوغراف»

تميز مهرجان كان السينمائي الـ 77، باكتشافات حركة (Me Too، أنا أيضاً) المتزايدة في صناعة السينما الفرنسية، وانضم أبطال الفيلم المصري (رفعت عيني للسما، أو حافة الأحلام كما هو العنوان باللغة الإنجليزية) إلى الحركة النسوية دون قصد، ومن دون التعرض لها، فإنهم على دراية وثيقة بالطبيعة القمعية لنظام القيود والسلطة الأبوية ويقاومون ذلك بشكل استباقي. وفي بيئة تقليدية وعقائدية بحتة، يتناولون بجرأة موضوعات مثل زواج القاصرات وتقويض تطلعات المرأة.

في الفيلم الذي ينافس ضمن مسابقة أسبوع النقاد بالمهرجان، توثق ندى رياض وأيمن الأمير قصتهما على مدى ست سنوات، اثنان قضياهما في البحث، وأربعة في التصوير. وكيف تمكنوا من الاستفادة من نبض الحياة لهؤلاء الشابات.

إلى جانب المخرجين، يتم منح المشاهدين أيضًا نظرة نادرة على حياة الأسر العائلية، ورؤية ما وراء الكواليس من التدريبات. ومع ذلك، يبدو الأمر وكأنه ترحيب حار، وليس استراق النظر المتطفل. "تعالوا، تعالوا"، يطمئننا هؤلاء الفنانون المسرحيون: "يمكنكم أن تنظروا، نحن نثق بكم".

على الرغم من وجود العديد من الأعضاء في الفرقة، إلا أن ثلاثة منهم يبرزون: المخرجة المسرحية ماجدة (ماجدة مسعود)، والراقصة هايدي (هايدي سامح)، والمغنية مونيكا (مونيكا يوسف). طوال عملية التصوير، تظل هؤلاء النساء النواة الثابتة للمجموعة.

الفيلم من نصفين. القسم الأول، يتابع الفرقة وهي تتنقل في رحلتها الفنية، ويتفاوضون على أماكن تدريب أفضل، وينشئون مراحل مرتجلة من الطاولات وينفذون استراتيجيات تسويق حرب العصابات من خلال إحداث ضجيج في الشوارع. يمتلئ هذا الجزء بالطاقة والصراع وما تواجهه هؤلاء النساء من توتر بين طموحاتهن الفنية والقيود المجتمعية الصارمة.

وبينما لا يزال عاطفيًا، يأخذ النصف الثاني منعطفًا أكثر استبطانًا في تشريح القيود، بينما تواجه ماجدة تحديات الالتحاق بالجامعة، خلال محادثة هاتفية مؤثرة للغاية، تؤكد هايدي لخطيبها أنها ليست فتاة تافهة. كما نرى محاولات شريك مونيكا للسيطرة على خياراتها من خلال الادعاء بأن كسب أموالها الخاصة كمغنية من شأنه أن يجعلها تعصي زوجها المستقبلي، ويسلط الحوار في المشاهد السابقة الضوء على نظام القيود الذي يعمل بشكل جيد ويلف المرأة بشكل خفي حول إصبع زوجها المستقبلي. ومع ذلك، ليس كل الرجال محركي دمى فوالد هايدي يدعمها في كل قراراتها.

تنمو هؤلاء المراهقات المرحات والطموحات ليصبحن شابات ذوات رؤية ثاقبة، وفي الشوارع، بينما يشاهد الرجال المرتبكون ما يحدث، يعلن النساء بشكل جماعي أن أجسادهن ليست خطيئة، وأنهن يرغبن في تمديد طفولتهن وارتداء الملابس، وأن الآخرين لا ينبغي أن يخنقوا أحلامهن. إن الإلحاح الذي يكتسب كنغمات فردية زخمًا أوسع يتم التعبير عنه في انسجام تام.

وفي حين يتوقع المرء أن يكون هناك عدد كبير من الاندفاع بعد أربع سنوات من التصوير، إلا أن النتيجة كانت مركزة - لا توجد مفاهيم مجردة، أو مقدمات طويلة أو فوضى. الفيلم بسيط تقع جميع قطعه في مكانها الصحيح لإنشاء قصة مفيدة عن بلوغ سن الرشد، وما يسود هو الشعور القوي بالمجتمع والتواجد ليساند النساء بعضهن البعض.

يقدم المشهد الأخير العزاء لماجدة وهايدي ومونيكا – حيث تتولى فتيات النيل الصغيرات الأخريات تقاليد مسرح الشارع، مما يؤكد أنه ستكون هناك استمرارية.

«رفعت عيني للسما»، الذي يتميز بتصوير سينمائي حيوي من إبداع دينا الزيني وأحمد إسماعيل وأيمن الأمير، هو إنتاج مصري فرنسي دنماركي قطري سعودي مشترك، من إنتاج شركة فلوكا فيلمز في إنتاج مشترك مع دولتشي فيتا فيلمز و ماجما للسينما والتلفزيون.

 

موقع "سينماتوغراف" في

17.05.2024

 
 
 
 
 

رسالة كان السينمائي: "طَير"

سليم البيك - محرر المجلة

في فيلمها، تستعيد البريطانية أندريا أرنولد ما يمكن تسميته اليوم بالإرث السينمائي الاجتماعي في بلدها، المتأسّس على أفلام كين لوتش ثم مايك لايه، تصوير شخصيات بحالات فقر مدقع واستخراج عوالمها وهمومها الخاصة غير المدرَكة بالضرورة لآخرين، وبموثوقية شهدنا مثيلها في هذا الفيلم.

"طَير" (Bird) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي، والبديع في عناصره الثلاثة، السيناريو الواقعي، الرث بواقعية شخوصه، والصورة بكاميرا كانت لتكريس الواقعية مهتزةً محمولة على الكتف تلحق الشخصيات كأنها أخرى، والصوت، الموسيقى منه تحديداً، في انسجام للمسموع، بأعمال "إلكترو" لا تخلو من دراما صوتية.

استعاد الفيلمُ إرث التيار الاجتماعي في أوروبا، وأقواه في بريطانيا، مدمجاً إياه بالفانتازيا. نخرج، فجأة، من حقيقية الحاصل أمامنا إلى خيال بعيد، فور تحوّل مباغت لرجل إلى طير كبير، ثم إيحاءً إلى ثعلب أليف، ثم، بانتباه لاحق، إلى ذلك الغراب الذي ساعة الفتاة بيلي. قبل أن يطمئنها بأن لا تقلق وأن كل شيء سيكون على ما يرام، ما يجعل منه، الإنسان الطير، عالَماً موازياً جوانياً، أو تأمّلاً للفتاة بمَخرج "سينمائي" خيالي لحالها.

بيلي تحب الطيور، تصورها بكافة حالاتها، تعيش مع أبيها، شاب عاطل عن العمل قليل المسؤولية، يمضي الوقت مع أصدقائه، جسده مليء بالوشوم. هو، بمعزل عن التوصيف أعلاه، محب لمن حوله، ومرح. أمها تعيش في بيت آخر مع صاحبها الذي يعنّفها وبناتها، جسدياً ولفطياً. لبيلي إخوة من الطرفين، لكنها وحيدة، نلمس ذلك من كلامها وملامحها، باحثة عما لا تعرف ماهيته. فضولها يقربها من "طَير"، وهو شاب غريب الأطوار وشديد اللطف، تحاول أن تساعده في البحث عن عائلته التي عاشت مرة في حيّها.

لاحقاً سيتحول هذا اللطيف إلى طائر ينقذها وأمها من عنف شديد وقاتل، بالفانتازيا غير المقحَمة على السياق، بل التي فتح لهذا السياق الواقعي نفسيةَ المُشاهد، ليتقبّل مَخرجاً وإن غير واقعي، لواقع ظالم تعيشه الأم. هنا، وبذلك، كان للتقديم شديد الواقعية مآل خيالي، ومرحَّب به إن جاز القول. وكان أقرب لخلاص تأمّلي للفتاة من القساوة التي تعيشها. بذلك أيضاً أعطت أرنولد بفيلمها هذا بعداً جديداً للواقعية الاجتماعية البريطانية.

 

مجلة رمان الثقافية في

17.05.2024

 
 
 
 
 

«الفتاة ذات الإبرة» للسويدي ماغنوس فان هورن:

رؤية كابوسية لامرأة على حافة المجتمع

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: يبدأ فيلم «الفتاة ذات الإبرة» للمخرج السويدي ماغنوس فان هورن، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورته السابعة والسبعين (14 إلى 25 مايو/أيار)، بوجوه نساء يعتصرها الألم ويكسوها الشر، وجوه تتداخل وتتلوى كما لو كانت تأتي من قاع الجحيم، أو لو كانت مارست من الشرور وشهدت من الألم ما لم يشهده بشر من قبل. عالم الفيلم الموجع للغاية والبالغ التأثير، هو الجحيم المقيم الذي تعيشه النساء. المفارقة أن فان هورن اختار لفيلمه أن يكون بالأبيض والأسود بتصوير بديع لمدير التصوير ميشال ديماك، حتى إننا نتساءل كيف يكون الجحيم بهذه القتامة ويكون التصوير بهذه الجمالية العالية.
تدور أحداث الفيلم في الأحياء الفقيرة لكوبنهاغن، بُعيْد الحرب العالمية الأولى. هو عالم يعيش فيه الكثير من النساء المعدمات بمفردهن، بعد أن فُقد أزواجهن أو لقوا حتفهم في الحرب. كارولينا (فيكتوريا كارمن سون في أداء مميز)، الشخصية المحورية في الفيلم، هي واحدة من بين هؤلاء النساء. نراها في بادئ الفيلم وصاحب الغرفة التي تقيم فيها يطردها لعدم تمكنها من دفع الإيجار للشهر الثالث على التوالي. تعمل في مصنع للملابس بأجر زهيد، ولا تحصل على إعانة الترمل من الدولة، لأن زوجها فُقد في الحرب ولكن لم يثبت مقتله.
وحين يعود زوج كارولينا، يعود مرتديا قناعا يخفي وجها شائها طمست قذائف الحرب ملامحه وحولته لمسخ. لا تأخذ كارولينا الرحمة بزوجها الذي أذاقته الحرب ويلاتها، وتطرده في عنف بالغ. تمارس كارولينا على زوجها القسوة ذاتها التي يمارسها عليها المجتمع. لم يرحم المجتمع وحشتها وفقرها وضعفها، وهي لم ترحم زوجها. إنها حلقة مفرغة من القهر والعذاب والعنف، يمارسها المجتمع على الضعفاء والمقهورين.

كارولينا امرأة في مهب الريح، يلفظها المجتمع ويترصد لها ويعذبها. هي امرأة بلا مال ولا أسرة ولا رجل في مجتمع لا يحمي المرأة، إلا إذا كانت ميسورة الحال وفي حماية رجل. تنتقل إلى غرفة رثة حقيرة في مبنى تشرف عليه امرأة تراقب حركات وسكنات النساء حتى لا يأتين في صحبة رجال. وتأتي الطامة الكبرى حين تحمل كارولينا دون زواج من رجل ثري أغواها بكلام معسول عن أنه سيكون سندها في الحياة. كانت كارولينا حتى تحمل تقبع على هامش المجتمع، ولكن بعد حملها يلفظها حتى هامش المجتمع. وإن كان ما شاهدناه حتى هذه اللحظة هو الحياة المعذبة لامرأة فقيرة معدمة، فإن ما نراه منذ حمل كارولينا وحتى نهاية الفيلم هو الجحيم ذاته. كوبنهاغن التي نراها في الفيلم مدينة كابوسية مظلمة قاتمة، يلفها الدخان وتقطنها الأرواح المعذبة والوجوه القاسية الشريرة. في هذه الأجواء التي لا ترحم تجد كارولينا ألا سبيل لها للنجاة من المزيد من التردي والسقوط إلا أن تجهض حملها. أما الإبرة التي تعنون الفيلم، فهي إبرة حياكة ضخمة غليظة كانت كارولينا تغرسها في أعضائها التناسلية في محاولة لإجهاض نفسها. أثناء محاولتها تلك لإجهاض حملها بطعن نفسها بإبرة غليظة في مغطس في حمام عمومي في المدينة، تلتقي كارولينا بامرأة ذات وجه طيب وابتسامة لطيفة تهب لنجدتها وإنقاذها. المرأة هي داغمار التي تأتي إلى الحمام في صحبة طفلة صغيرة تعرفها لكارولينا على أنها ابنتها. تنقذ داغمار كارولينا وحملها، وتدعوها لزيارتها في متجر الحلوى الذي تملكه بعد أن تضع حملها، على وعد منها أن تجد للصغير أسرة ثرية لا أطفال لها لتتبناه.

لكن في جحيم قاع المجتمع الذي يصوره الفيلم لا مكان للرحمة أو التعاطف الإنساني، كما تخيلت كارولينا وتخيلنا بعد أن أعطت رضيعها لداغمار لتعرضه للتبني. ولكن سرعان ما يتكشف أن داغمار ليست كما تخيلناها، وأنها ضالعة في جريمة كبرى راح ضحيتها مئات الأطفال.

«الفتاة ذات الإبرة» لا يمنحنا مشاهدة يسيرة أو مبهجة، فهو يكيل لنا الصدمات الواحدة تلو الأخرى، بل إننا نجفل في بعض المشاهد من هول وقسوة ما نرى. ولكن فان هورن لا يهدف إلا على إغراقنا في دوامة لا تنتهى من المآسي، ولكنه يهدف لإيضاح أن قسوة المجتمع لا تولّد إلا المزيد من القسوة ولا ينتج عنها إلا مجتمع مشوه مريض قادر على ارتكاب أقسى درجات العنف بلا هوادة. حتى هذا العنف الذي ترتكبه داغمار ضد رضع صغار، لا حول لهم ولا قوة تجد هي تفسيرا له. هي تعد النساء المعدمات اللاتي يحلمن بحياة أفضل لأبنائهن، واللاتي اضطرتهن الظروف للتخلي عنهم بأن يصبح صغارهم في كنف أسر ثرية ترعاهم. هي تبيع راحة الضمير لنساء مضطرات للتخلي عن فلذات أكبادهن. وعلى الرغم من قسوة وقتامة الفيلم، إلا أنه ينتهي ببصيص من الأمل. بعد سنوات من العذاب تجد كارولينا فرصة ثانية لحياتها بإنقاذ طفلة من مصير قاس في دار للأيتام، ويعاقب القانون من اقترفوا الشرور. قد تكون نهاية لم يتم التمهيد لها جيدا، فأين كانت هذه السلطات التي تعاقب مرتكبي الجرائم حين كانت كارولينا وغيرها من النساء يواجهن قسوة العالم بمفردهن دون سند. كما أن الفيلم لا يمدنا بتفاصيل عن تبدل حال كارولينا من فقيرة معوزة إلا امرأة لديها من المال ما يمكنها من الاعتناء بطفلة يتيمة. يبدو أن فان هورن قرر الانتصار للأمل دون أن يقدم أسبابا مقنعة لوجود هذا الأمل.

 

القدس العربي اللندنية في

17.05.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004