ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين السينمائي الدولي الـ74:

مُحاولات مُتعثرة للنهوض

برلين ــ محمد هاشم عبد السلام

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

اختتمت في العاصمة الألمانية برلين، مساء الـ25 من فبراير/ شباط الماضي، فعاليات الدورة الـ74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي (البرليناله)، التي انطلقت يوم 15 فبراير/ شباط، بعد عرض الفيلم الأيرلندي "أشياء صغيرة كهذه" للمخرج تيم ميلانتس، المعروض ضمن "المُسابقة الرئيسية" للمهرجان التي تنافس فيها 20 فيلمًا، وكان الفوز بجائزة "الدب الذهبي"، أهم وأرفع جوائز المهرجان، من نصيب الفيلم الوثائقي "داهومي"، للمُخرجة السنغالية ماتي ديوب.

مُحاولات للنهوض

خلال السنوات الأخيرة من العقد الماضي تحديدًا، ترددت في الأجواء بعض التذمرات والشكاوى بخصوص مُستوى المهرجان المُتفاوت من عام إلى آخر، واتجاهه صوب التدهور، وربما الأفول، تحت قيادة مديره الألماني المُخضرم ديتر كوسليك. وكانت هناك مُناداة مُلحة بضرورة التغيير وضخ دماء جديدة لإنقاذ المهرجان، ومن ثم إنعاشه، واستعادته لسابق مجده. ما دفع الإدارة السياسية والثقافية، قبل أربع سنوات، إلى اختيار المُدير الفني الإيطالي كارلو شاتريان (القادم من مهرجان لوكارنو)، والمُديرة التنفيذية الألمانية مارييت روسينبيك (القادمة من مجال التوزيع والإنتاج)، وأول امرأة في تاريخ رئاسة المهرجان، ليقودا المهرجان معًا قيادة مُزدوجة، وذلك للمرة الأولى في تاريخ المهرجان العريق.

مع تتابع دورات المهرجان، خلال السنوات الأربع الماضية، وصولا إلى العام الحالي 2024، بدأ يتضح الفارق الشاسع، ومدى الإمكانيات الهائلة، والاختيارات العريضة المُتميزة التي حرص ونجح المُدير الفني السابق ديتر كوسليك في اجتذابها خلال فترة رئاسته، مُقارنة بحال المهرجان تحت قيادة الثنائي شاتريان وروسينبيك. تجلى الفارق الشاسع بين الإدارتين في الضعف الملحوظ أو حتى التدهور الفني المُتكرر للأفلام المُختارة، في مُختلف الأقسام، واختيارات لجان التحكيم والتكريمات. وباتت العيوب المرصودة تحظى بإجماع شبه كامل، يُؤكد على تدهور بَيِّن للمهرجان خلال دوراته الأربع الماضية.

مُشكلة ضعف الأفلام، السائدة خلال السنوات الأخيرة، باتت مُثيرة للإزعاج والإحباط إلى حد كبير في البرليناله، تحديدًا. ثمة نُدرة ملحوظة في الأفلام الجيدة، ناهيك عن انتفاء روائع فنية لافتة. إذ، رغم كثرة المُشاهدات، سواء لصناع سينما راسخين أو يقدمون أعمالهم الأولى، في أقسام مُختلفة، يصعب فعلا تذكر عنوان دُرة فنية أو تُحفة سينمائية واحدة. أو ما سيبقى طويلا في الذاكرة، ويَسِمَ هذه الدورة بأنها دورة هذا الفيلم أو ذاك.

ينطبق هذا، مع الأسف، على الأفلام الفائزة بـ"دببة" هذا العام. إذ ذهبت أغلب الجوائز، تقريبًا، لمن لا يستحقونها. قرارات لجنة التحكيم جاءت غريبة ومُفاجئة فعلا، رغم سهولة المُهمة. الأمر يُثير مجموعة أسئلة مُختلفة ومُقلقة: مثلا، هل تستحق هذه الأفلام جوائز مهرجان عريق بحجم "البرليناله"؟ ما سبب هذا الضعف البَيِّن لأفلام هذه الدورة والأعوام السابقة؟ على أي أساس بنى شاتريان اختياراته؟ أثمة ندرة فعلا في الأفلام أو فقر في الإبداع يتزامن و"البرليناله"؟ وغيرها من الأسئلة المُؤكدة على أن الأمر أكبر وأعقد من أفلام الدورة الـ74، ومن ذوق واختيارات وبرمجة المُدير الفني وفريقه.

جهود غير مُجدية

رغم جهود روسينبيك الإدارية في التغلب على العديد من الصعاب المالية والإدارية، ومُحاولات شاتريان الفنية الملموسة، وحرصه الشديد على مُشاركة أفلام من كافة الأنواع والمُستويات، بغية خلق توازنات وإرضاء أذواق مُختلفة، والانفتاح على سينمات مُغايرة من مُختلف أنحاء العالم، وإفساح المجال أكثر لأسماء جديدة تُشارك لأول مرة، ليس في قسمي "البانوراما" أو "المُنتدى"، بل "المُسابقة الرئيسية"، مثل، مُشاركة الفيلم التونسي "ماء العين"، للمُخرجة مريم جوبير. كذلك، رغم منح مساحة أكبر للإنتاجات السينمائية المُستقلة حول العالم، الأميركية تحديدًا، هربًا من سطوة الاستوديوهات وجهات الإنتاج الكبرى؛ فإن هذه المُحاولات لم تُثمر عن أي تقدم.

"هل مُشكلة "البرليناله" الأساسية إذًا كامنة في مُحاولته التوفيق بين جوانب فنية وصحافية ودعائية مُختلفة ومُتباينة؟"

ربما كانت الأمور ضدهما فعلا أو صادفهما سوء حظ. إذ أن السياق السينمائي العالمي يُعاني من الضعف والتخبط، وليس في أفضل حالاته بالتأكيد. وبعد انعقاد المهرجان افتراضيًا على الإنترنت تارة، وبنصف طاقته تارة أخرى جراء انتشار فيروس كوفيد، وأيضًا تأثر أوروبا، وألمانيا على رأسها، بالحرب الروسية الأوكرانية، والتبعات الاقتصادية وغيرها من الأمور، غير المُواتية أو المُساعدة، كان لها أبلغ الأثر، وتُؤخذ في الاعتبار بالطبع خلال الأربع سنوات الماضية، لكنها، مع ذلك، ليست الأساس فيما يتعلق بمُعضلة المهرجان المُستفحلة.

لوجيستيا، أيضًا، وبعيدًا عن الأمور الفنية، يُعاني المهرجان من مشاكل تتالت خلال السنوات الماضية، أبرزها تلك المُرتبطة بميزانيته، وذلك في ظل التضخم العالمي المُتسارع، والركود المُؤثر على الاقتصاد الألماني. ما اضطرت معه إدارة المهرجان إلى زيادة الميزانية بنسبة 10-15%. بالأرقام، يعني هذا زيادة الميزانية من حوالي 29 مليون إلى 34-35 مليون يورو. ثمة صعوبات في توفير هذا المبلغ، الذي يبدو أنه سيزداد، مع تفاقم الأزمة المالية، من عام لآخر. جزء كبير من هذا يتعلق بتكاليف المُوظفين الذين يلتهمون الثلث تقريبًا. نظرًا لأن المهرجان يتلقى أموالًا حكومية، يتعين عليه دفع الرواتب وفقًا لمُعدلات النقابة. لذلك، تزداد الرواتب كل عام تلقائيًا. وهناك الكثير من المُتطلبات المُتعلقة بدور السينما وإيجاراتها المُتزايدة، ومُحاولة إبرام عقود طويلة المدى، لتجنب الارتفاع السنوي في أسعار الإيجارات. كما أن الكثير من الخدمات اللوجيستية، بما في ذلك بسط السجادة الحمراء يُكلف الكثير من المال. كل هذه الخدمات صارت مُرتفعة، ويصعب للغاية التحكم فيها.

كافحت مارييت روسينبيك لسد الفجوة النقدية، قبل استقالتها، والإعلان عن قدوم تريشيا تاتيل لرئاسة المهرجان، بداية من تيسان/ أبريل القادم. فأجرت إعادة هيكلة داخلية. مثلا، ضم بعض الأقسام أو دمجها بحيث تكون هناك حاجة إلى عدد أقل من المُوظفين. ومُطالبتها مدينة برلين بضرورة توفير أي دعم مالي، سيما وأن المدينة لا توفر أي دعم بالمرة. الحكومة الوطنية فقط هي التي تدعم المهرجان. كذلك، حاولت العثور على رعاة وشراكات جديدة، وغيرها من الحلول، كي لا يتأثر ويتعثر المهرجان إداريًا وماليًا على المدى الطويل. ويضطر في النهاية أو يلجأ لخيارات أخرى صعبة منها تقليل عدد الأفلام، التي تقلصت بالفعل. المُثير للغرابة جدًا، بخلاف إحجام بلدية برلين عن توفير أي دعم، أن أحد البنوك البرلينية أجرى بعض الحسابات الخاصة بعام 2019، وقدّر أن المهرجان يستعيد ويجلب ما يُقرب من 100 مليون يورو إلى المدينة، في حين أن ميزانيته كانت أقل من 30 تقريبًا.

السياسة والفن والجمهور

تفاوت المُستوى من عام لآخر من طبائع الأمور، ويحدث في مُختلف المهرجانات. لكن لدورة عابرة فقط، ليس إلا. في "البرليناله" الأمور ليست كذلك. رغم أن المهرجان لا يُعاني بالمرة من مشاكل تنظيمية. بل يُعتبر من بين الأسهل والأيسر حضورًا ومُتابعة وتغطية، وولوجًا إلى الصالات... إلخ. حتى مع استحداث نظام الحجز الإلكتروني لبطاقات العروض، وضخامة إقبال الجمهور، وكثرة الأفلام، وازدياد دور العرض. هل مُشكلة "البرليناله" الأساسية إذًا كامنة في مُحاولته التوفيق بين جوانب فنية وصحافية ودعائية مُختلفة ومُتباينة من جهة. وإرضاء جهات حكومية وسياسية تُساهم في دعم، لا يُستهان به، ماديًا وسياسيًا من جهة أخرى؟ أو المُشكلة تتلخص في أخذ أذواق الجمهور الضخم المُتردد على قاعات المهرجان في الاعتبار، بُغية الحفاظ على مبيعات تذاكر قياسية، من عام لآخر. ما يتطلب أو حتى يفرض تشكيلة أفلام بعينها، ذات صبغات مُختلفة عن تلك التي تنشدها نخبة النقاد والصحافيين والمُوزعين والمُنتجين، وغيرهم من أهل الصناعة؟

من الأمور التي انتشرت سابقًا، في إطار تبرير الضعف، تلك المُتعلقة بموعد انعقاد المهرجان. إذ يتوافق ومطلع العام، حيث مُعظم الأفلام في طور التصوير أو المُونتاج... إلخ. وبالتالي من الصعب أن تلحق بالمهرجان. أو أن الأفلام المعروضة، عادة، إنتاجات مُتبقية أو لم تلحق أو تُبرمج في مهرجانات العام السابق الكُبرى. أيضًا، قيل إن المشكلة مُرتبطة بانعقاد المهرجان في فصل الشتاء، حيث برودة برلين القارسة، ودرجات الحرارة دون الصفر.

"يُثير فيلم "داهومي" لماتي ديوب الكثير من الأسئلة حول الماضي الاستعماري للدول الكُبرى، ونهبها لثروات وشعوب وتراث أمم"

وهي من الأمور غبر المُحبذة لدى النجوم، بالتأكيد. إذ تعوقهم عن السير فوق البساط الأحمر والتقاط الصور بأريحية في طقس يتمتع بالصفاء والنقاء، كما في "كان" و"فينيسيا"، مثلا. أيضًا، تردد أن أكبر استوديوهات أو شركات الإنتاج العالمية، الأميركية تحديدًا، تحجم عن طرح أحدث وأبرز الإنتاجات في برلين، مُفضلة "كان"، وتحديدًا "فينيسيا". والاكتفاء بتواجد مُكثف ونشط في "سوق الأفلام"، الذي يتسم عادة بحضور قوي لأرباب الصناعة من أميركا وآسيا. وهو ما تجلى فعلا في دورة هذا العام التي خلت تقريبًا من أي حضور أميركي مُهم وفارق يُذكر في أقسام المهرجان.

من التساؤلات المُلحة المطروحة في هذا السياق، أيضًا، هل الاضطرابات الراهنة على الساحة العالمية أضعفت وسيَّست المهرجان أكثر وأكثر؟ مثلا، ضرورة الاهتمام بالصوابية السياسية. مُراعاة توازنات المثلية الجنسية. وكذلك الجندرية، ونسبة الـ50 – 50، في التمثيل النسائي. وتأكيد الحضور النسائي في لجان التحكيم والإدارة والبرمجة. مثلا، بعد تفجر مُشكلة التحيز ضد السود العام الماضي، واتهام المهرجان بعرضه لأفلام مُعادية لأصحاب البشرة السمراء والتحيز ضدهم، أعلنت الإدارة عن تفهم الأمر، والعمل على تداركه. وقد كان، إذ جرى ضم وتوظيف جاكلينا نسيا، من غانا، ضمن طاقم المهرجان، في لجنة اختيار الأفلام. وإسناد رئاسة لجنة تحكيم "المُسابقة الرئيسية" هذا العام للمُمثلة الكينية السمراء لوبيتا نيونجو (وهي ليست نجمة عالمية أو ذات تاريخ سينمائي حافل)، والتي أعلنت بدورها عن اختيارها، وأعضاء اللجنة، لفيلم "داهومي" للسنغالية ماتي ديوب للفوز بجائزة "الدب الذهبي". هل الأمر محض صدفة بحتة؟! ربما.

انتفاء المُصادفة تأكد مع الحضور السياسي اللافت، وربما المفروض فرضًا، لأوكرانيا العام الماضي، وكل ما يتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية في أروقة المهرجان. والسماح بالتضامن والوقفات الاحتجاجية، على البساط الأحمر، من جانب الإدارة مُساندة لأوكرانيا. وذاك في مُقابل انتفاء أي تضامن مع فلسطين والحاصل في غزة، أو وقفات احتجاجية لإدانة الحرب وجرائم الإبادة والفظائع في غزة، من جانب الإدارة. والاكتفاء بإطلاق ما يُسمى بجلسة حوارية لـ"تقريب وجهات النظر الفلسطينية الإسرائيلية"!

وقد تأكد الأمر، بما لا يدع أي مجال لأدنى شك، بعد تصريح عمدة برلين كاي فيجنر، عقب حفل الختام وتوزيع الجوائز، على صفحته على موقع تويتر/ (X)، مُعلقًا على إبداء الكثير من الفائزين لتضامنهم مع فلسطين، وإدانة العنف والقتل وضرورة وقف الحرب، وعلى رأسهم ماتي ديوب الفائزة بالدب الذهبي، كتب: "إن ما حدث ليلة ختام البرليناله كان لا يُطاق. لا مكان لمُعاداة السامية في برلين، وينطبق هذا أيضًا على المشهد الفني. أتوقع من الإدارة الجديدة للبرليناله أن تضمن عدم تكرار مثل هذه الشيء مرة أخرى. لدى برلين مواقفها الواضحة عندما يتعلق الأمر بالحرية. برلين تقف بقوة إلى جانب إسرائيل. ليس هناك شك في ذلك. إن المسؤولية الكاملة عن المُعاناة العميقة في إسرائيل وقطاع غزة تقع على عاتق حماس. وهي وحدها القادرة على إنهاء هذه المُعاناة بإطلاق سراح جميع الرهائن وإلقاء أسلحتها. ولا مجال للنسبية هنا"!!!

بتصريح مُخيف مثل هذا، وفي رسالة واضحة لا لبس فيها لمُديرة المهرجان الجديدة الأميركية تريشيا تاتل، يرقى إلى حد التهديد، وقمع الأصوات، والحجر على حرية الرأي والتعبير وإبداء التضامن، بل والترهيب المُسبق لمن سيقف العام القادم على مسرح "البرليناله" لينال جائزة أو يحظى بتكريم أو غيره- أمور كهذه، لا تُؤكد على تسييس "البرليناله" فحسب، بل تدق نواقيس خطر مُنذرة بهاوية ينزلق إليها المهرجان بُسرعة صاروخية، ولن تنقذه منها أية إدارة كانت، مهما بلغت احترافيتها، وقدرتها على جلب أروع الأفلام، وأعظم السينمائيين.

الفيلم الفائز

بعد فيلم روائي أول طويل بعنوان "أطلانتس"، فازت عنه بـ"جائزة لجنة التحكيم الكبرى" في مهرجان "كان السينمائي الدولي" عام 2019، تُنجز ماتي ديوب، مواليد 1982، أول وثائقي لها بعنوان "داهومي". وهو رصد توثيقي في 86 دقيقة، لرحلة 26 قطعة أثرية مسروقة من مملكة "داهومي"، حاليًا دولة بينين في غرب أفريقيا، عندما غزت القوات الفرنسية واحتلت بينين قبل 130 عامًا، تقريبًا. تُطلعنا ديوب على رحلة عودة هذه القطع الأثرية التراثية الثمينة للغاية لدى أهل بينين. وكيف أن هذه القطع مُجرد قطرة من بحر، قوامه 7000 قطعة منهوبة، تُماطل فرنسا في إعادتها إلى بينين منذ عقود، واكتفت بعودة 26 منها فقط. يُثير الفيلم الكثير من الأسئلة حول الماضي الاستعماري للدول الكُبرى، ونهبها لثروات وشعوب وتراث أمم. والمُحزن أنه عوضًا عن الاعتذار عن هذا الماضي الدموي المُؤلم، والمُطالبة بالتكفير عنه، وإعادة الحقوق المادية والمعنوية إلى أصحابها، يُصبح مُجرد استعادة الفتات مدعاة للاحتفال والنصر.

إجمالا، يتوافق منح "داهومي" جائزة "الدب الذهبي"، والتوجهات السياسية البحتة للمهرجان، المُؤثرة دون شك على لجان تحكيمه، غير المُكترثة عادة للجماليات السينمائية والفنية والفكرية في الأفلام. المكسب الوحيد، ربما، أن يكون هذا الفيلم بمثابة رسالة أو خطوة على الطريق لإيقاظ شعوب القارة الأفريقية، وغيرها، وحثها على البحث عن تراثها وكنوزها المنهوبة، والمُطالبة بعودة الحقوق.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

01.03.2024

 
 
 
 
 

عن التبرير الثقافي للإبادة

يزن التميمي

مع بداية الحرب على غزّة، انتشرت فيديوهات يُظهر بعضُها جنوداً للاحتلال الإسرائيلي وهُم يتقدّمون بطلبات زواج من صديقاتهم فوق أنقاض غزّة، أو جندياً يفجّر مبنى احتفالاً بعيد ميلاد ابنته، أو آخر يشارك متابعيه روتين العناية ببشرته أو مجنّدات يرقصن عبر تيك توك.. وربّما ظنّ هؤلاء أنهم، بسلوكهم هذا، يُقنعون العالم الغربي بأنّهم جزء منه، وأنّهم يقاتلون ويفجّرون المدن باسمه ولتنتصر ثقافته.

هكذا يسوّق الجيش المحتلّ نفسه، ويؤكّد بهذا سطحية كلّ من يؤيّده ويقف وراءه، وهشاشة المنظومة الأخلاقية التي كان من المفترض أن ترضخ لها مؤسّسات ودول العالم جميعها. إنّها أخلاقية صُورية، تعتمد على "حداثة" تلغي ما قبلها، ولا تهتمّ في حاضرها إلّا بالشكل الخارجي، حتى لو كان الباطن قتلاً ودماراً وتشريداً.

ومع استمرار الحرب وانكشاف فداحة الإبادة الجماعية الموثّقة، يبدو أنّ هذه الطريقة في محاولة تبرير العدوان وحمل عدد كبير من الناس حول العالم للسكوت والتجاهل، لا تزال فعّالة عند عدد من العنصريّين والسطحيّين الذي يُصرّون على رؤية العالم بثنائية سخيفة، وجعل هذه القشور أساساً لمنظومتهم الأخلاقية.

نقاشات سطحية تحاول لفت الأنظار عن قضية الاستعمار

فبعد ظهور عدد من الفنّانين - ومن بينهم الفنّانة سيرفان ديلكي - على مسرح "مهرجان برلين السينمائي" مؤخّراً، وهُم متوشّحون بالكوفية الفلسطينية، نشر كلاوس ستونزر، الذي يعرّف نفسه بالكاتب والصحافي، على حسابه في موقع "إكس" (توتير سابقاً)، صورةً للفنّانة، معلّقاً على ملابسها: "وشاح فلسطين وحاملة صدر: في برلين يجري التصفيق لها، في غزّة سيتمّ رجمُها. ما هذا إذن: غباء؟ جهل؟ أم فنّ؟"، ليُعلّق الناشط الألماني من أصول كردية حسن: "لا يا كلاوس، رجمُها كان سابقاً. اليوم تستعمل إسرائيل أساليب أُخرى، على سبيل المثال الفوسفور الأبيض، لقتل عدد أكبر من المدنيّين".

وقد نشر الصور نفسها مدوّن آخر يُدعى سيفيرين تاتارتشيك وعلّق عليها: "ماذا يُمكن أن يحدث إذا مشت في شوارع غزّة بهذا اللباس؟". وقد جاء الرد بعشرات التعليقات التي تخبره أنّها قد تتعرّض لصاروخ إسرائيلي كحال عشرات الآلاف ممّن يمشون في شوارع غزّة.

لم يخفَ أيضاً على المعلّقين، والذين تداولوا آراء هذين الشخصين، أنّ تعليقهما - مع ما يحمله من نظرة ذكورية واقتحام للخصوصية - يتضمّن تبريراً واضحاً للعدوان الإسرائيلي المستمرّ على أهل غزّة، ولكلّ أشكال الاضطهاد والعنف والتهجير الذي يمارسه ضدّ الفلسطينيّين.

وبينما يظنّ الجندي الذي يشارك "روتينه اليومي" للعناية بالبشرة أنّه بهذا يحجز مكاناً في الغرب، بغضّ النظر عن كونه يشارك في تصفية أكثر من مليوني إنسان من الوجود، لا يزال هناك عدد من المدوّنين والكتّاب الغربيّين يُبرّرون اتهامهم للفلسطينيّين وهجومهم عليهم وسخريتهم من معاناتهم بأنّ هؤلاء الفلسطينيّين ينتمون إلى ثقافة مختلفة، هي بالضرورة ثقافة أدنى وأحط، لا بأس لو اختفت وأصحابُها عن الأرض.

لا تصدر تصرّفات جنود الاحتلال بشكل عبثي، فإمّا هي جزء من حملات مخطّط لها، أو أنّها تنطلق من الدوافع والخيالات الداخلية التي تأسّس عليها مجتمع كامل من العنصريّين، وكذلك تعليقات المدوّنين الغربيّين، التي تأخذ النقاش إلى مناطق بلا معنى ولا أهمية في سياق الحرب الدائرة.

يريد الاحتلال لفت النظر إلى الفرق الشاسع في الرفاهية بينه وبين الشعب الفلسطيني في غزّة، ومن جهة أُخرى يريد أن يُبرّر بهذه الرفاهية للعالم السطحي الواقف خلفه ما يفعله بالشعب الفلسطيني. ببساطة يقول: "نحن نشبهكم وهؤلاء أغيار، فادعمونا ولا تعبأوا بهم".

ولم يكن رهان الجنود المجرمين إذن في غير محلّه، إذ يبدو أنّ صور الجنديات الراقصات لا تزال ناجحة لحمل طبقة واسعة من الغربيّين على تحديد الجانب المعتدي والجانب البريء، في تحديد "النور والظلام" بتعبير المجرم نتنياهو. ويبدو أنّ صورة الفنّانة "المتحرّرة" قد سبّبت اضطراباً عند هذه الذهنية الغربية لأنّها تخالف الصورة النمطية عن المرأة، ليس فقط الفلسطينية، بل التي يمكن أن تتضامن مع فلسطين، فلم تحتمل هذه الذهنية أن يدافع إنسان عن إنسان آخر لا يشاركه في طريقة اللباس وطراز العيش، وأنّ هناك معنى أشمل وأعمق للأخلاق والإنسانية.

غير أنّ الشباب الفلسطيني، والمتضامنين معهم، عرفوا اليوم كيف يديرون المشهد، فلم ينجرّوا وراء السطحية التي لا يتواصل الاحتلال مع العالم إلّا من خلالها، واستفادوا من وسائل التواصل الاجتماعي ووجودهم في البلدان الغربية ليقدّموا السردية الفلسطينية كما يجب أن تُقدَّم، ويضعوا الغرب ومنظومته الأخلاقية أمام المحاكمة.

وهكذا، بدأ انزياح الفكر المثخن بأدبيات "نقد الذات" وإعلاء قيم الغرب والولع بتقليد "الغالبين" مع ظهور جيل جديد يفهم العالم جيّداً، رغم أنه (وربمّا لأنّه) عانى ويعاني من التهميش والعنصرية وقلّة الفرص وانقطاع الصلة والتواصل مع من رحل إلى بلادهم أو نشأ فيها، لمجرّد أنّ له نمط حياة مختلفاً.

إنّه جيل لا يخلط مفهوم الحرّية الشخصية بحرّية الوجود والتمسّك بالأرض والهوية، جيلٌ يعلم أنّ تحصيل الحقوق الوطنية مقدَّم على الاختلافات في أبعاد الحرّية الفردية ونمط العيش، ويعلم أنّ أَولى الأولويات اليوم هو حماية الإنسان بوصفه إنساناً، وإعطاؤه حقوقه في الأمن والاستقرار والتعلّم، ثمّ مناقشة وبحث كلّ المسائل الفكرية والدينية معه، وليس العكس.

يعلم هذا الجيل أنّ الأخلاق لها أساس مختلف عن هذه الصور السطحية، وأنّ كل هذه المسميات هي اختلافات ثقافية لا تصلح أساساً أخلاقياً لاحترام إنسان أو شعب ونفي أو إثبات حقّه في العيش ورغبته في ممارسة هذه الثقافة والتشبّع والاستمتاع بها.

حين وعى هذا الجيل هذه القواعد نقل الجدلية إلى مكانها الصحيح، بعيداً عن التسطيح والتفاهة وقريباً من الجوهر، راح يناقش العالم عن معنى الاستعمار وتبعاته، عن الاستيلاء الحضاري، وأغلق الباب أمام التعليقات التي تحاول تشتيت انتباهه أو إضعاف ثقته بنفسه.

* كاتب من فلسطين مقيم في ألمانيا

 

العربي الجديد اللندنية في

01.03.2024

 
 
 
 
 

إشادات واسعة يقابلها تحريض على القتل..

مخرجا الفيلم الفلسطيني No other land يكشفان إرهاب المستوطنين بكاميراتهم

الشيماء أحمد فاروق

أشعل فيلم No other land الجدل في ألمانيا بعد فوزه بجائزتين في الدورة 74 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، لكونه يروي مدى التناقض الذي يحدث على أرض فلسطين من حيث توفر عوامل الأمان ومقومات الحياة للمستوطنات، في مقابل هدم المنازل الفلسطينية بالجرّافات وقطع مواسير المياه وخطوط الكهرباء التي تغذي المساكن الفلسطينية المتواضعة.

فاز الفيلم التسجيلي الفلسطيني - النرويجي «لا أرض أخرى»، الذي عُرض للمرة الأولى ضمن فعاليات مهرجان برلين في دورته الـ74 بجائزتي أفضل فيلم وثائقي في المهرجان، بالإضافة إلى جائزة الجمهور في برنامج البانوراما لأفضل فيلم وثائقي.

صناع الفيلم

باسل عدرا، ناشط فلسطيني شاب من منطقة "مسافر يطا" في الضفة الغربية، يكافح منذ طفولته ضد التهجير الجماعي لأهله على يد الاحتلال الإسرائيلي، وهو يوثق عملية الإبادة البطيئة للقرى في منطقته حيث يقوم الجنود الذين نشرتهم الحكومة الإسرائيلية بهدم المنازل تدريجيا وطرد سكانها، وفي مرحلة ما، يلتقي بالصحفي الإسرائيلي يوفال، الذي يدعمه في جهوده، ويتطور تحالف غير متوقع.

لكن العلاقة بين الاثنين متوترة بسبب التفاوت الهائل بينهما: باسل يعيش تحت الاحتلال العسكري بينما يعيش شريكه في الفيلم يوفال أبرهام بحرية ودون قيود، وتم إنتاج هذا الفيلم من قبل مجموعة فلسطينية إسرائيلية مكونة من 4 نشطاء شباب ليكون بمثابة عمل من أعمال المقاومة الإبداعية على الطريق نحو تحقيق قدر أكبر من العدالة، بحسب الوصف المذكور عن الفيلم على المنصة الرسمية لمهرجان برلين، الذي كان الشاشة الأولى التي تعرض الفيلم عالميا.

مسافر يطا، هي مجموعة من القرى التي سعت إسرائيل إلى استخدام أراضيها كمنطقة عسكرية، وفي عام 2022، بعد معركة قانونية استمرت عقدين من الزمن، قضت المحكمة العليا بأن لإسرائيل الحق في الأرض وأن ما يقرب من 2000 فلسطيني يعيشون هناك قد يضطرون إلى المغادرة.

وهاجم يوفال، في خطابه أثناء استلام الجائزة النظام الإسرائيلي، وتحدث عن السيطرة العسكرية على الضفة الغربية، وقال: "ملايين الفلسطينيين محتجزين في الضفة الغربية وهذا الوضع من الفصل العنصري وعدم المساواة، يجب أن ينتهي"، كما ندد بـ"المذبحة" التي ترتكبها إسرائيل بحق الفلسطينيين ومبيعات الأسلحة الألمانية لإسرائيل.

هجوم على المخرج الإسرائلي

بثت هيئة الإذاعة العامة "كان" الإسرائيلية مقطعًا مدته 30 ثانية من الخطاب، ووصفت حديث المخرج الإسرائيلي بأنها "معادية للسامية"، وقال الناقد السينمائي الإسرائيلي رون فوجل، إنه غير مرتاح بسبب الانتقادات الموجهة لإسرائيل في مهرجان الفيلم.

غرد يوفال في وقت متأخر من يوم الأحد، بعد حفل الختام، أنه يتعرض لتهديات منذ انتشار خطابه والعديد من الشتائم اللفظية، وقال: "أنا اتلقى تهديدات بالقتل منذ ذلك الحين"، وبينما كان يستعد للصعود إلى منزله في إسرائيل، اتصل به أشخاص وهددوه بلقائه عند وصوله إلى المطار، وقد ألغى رحلته منذ ذلك الحين قائلاً: "لقد فهمت أنني لا أستطيع العودة"، بحسب واشنطن بوست.

كما انتقد السياسيون الألمان التصريحات التي أُلقيت على خشبة المسرح ووصفوها بأنها "منحازة" وألقوا باللوم على منظمي المهرجان لأنهم تركوا هذه التصريحات تمر دون منازع، وغرد عمدة برلين كاي فاغنر قائلاً إن التصريحات "غير مقبولة" وأن "معاداة السامية ليس لها مكان في برلين، على حد وصفه"، مضيفا أنه يتوقع من منظمي المهرجان "ضمان عدم تكرار مثل هذه الحوادث مرة أخرى".

كواليس فيلم "لا أرض أخرى"

كتب الناقد نيكولاس رابولد في مقدمة حواره مع مخرجي الفيلم: "يستحق التكريم بجدارة لتصويره المؤثر والمثير للغضب للمجتمع الفلسطيني المتماسك الذي يقاوم حملة الطرد الإسرائيلية التي لا هوادة فيها، إن تميز الفيلم والشجاعة المطلوبة لإخراجه أمر يستحق التأكيد عليه"، وفقا لمجلة filmmaker.

وقال يوفال: "كان لدينا تحديان رئيسيان: الأول هو أننا نروي ثلاث قصص مختلفة، لديك قصة باسل الشخصية، إنها فيلمه، من وجهة نظره، وروايته، وطفولته، ثم لديك قصة الصداقة بيننا، ثم قصة مجتمع مسافر يطا وما يحدث هناك، إن دمج هذه القصص الثلاث في فيلم واحد متماسك كان تحديًا كبيرًا للغاية، والثاني هو أحداث العنف التي تحدث في مسافر يطا، كيف يمكنك أخذ كل لحظات العنف والهدم والتشريد والترحيل وتحويلها إلى قصة في خضم الاعتداءات والاشتباكات".

وأضاف عدار، أنه من بين التحديات إيجاد نهاية لهذا الفيلم، لأننا لا نوثق شيئا حدث وانتهى، إنه مستمر، ويزداد سوءًا، كنا على وشك الانتهاء في أكتوبر، ولكن ما حدث أثر على الوضع في مسافر يطا، حيث بدأ الوضع يسوء أكثر فأكثر، ومن ثم أضفنا أمورا أخرى.

وأوضح أن النهاية ارتبطت بمقتل ابن عم عدرا، حيث أطلق مستوطن من البؤرة الاستيطانية القريبة من قرية عدرا النار على ابن عمه في بطنه، وقام عدرا بتصوير هذه اللحظة، وبعد ذلك بدأ القرويون بالمغادرة بأعداد كبيرة نتيجة للإرهاب والرعب بعد هذا الحادث.

وكشف عدرا، في حواره عن تعرضه لتهديلات بالقتل أيضا من قبل مستوطنين في كثير من الأحيان، حيث أخذ مجموعة من المستوطنين صورة له وصنعوا له ملصقًا: "مبروك، نأمل أن تعتني زوجتك الجديدة بهذا المحرض –في إشارة له- وتبقيه في المنزل".

 

الشروق المصرية في

01.03.2024

 
 
 
 
 

مهرجان برلين... فيلم ألماني طويل بعنوان "معاداة السامية"

برلين/ العربي الجديد

"مشاهد مخزية وصادمة". "نشاط ضحل ودعاية فظة ومفسدة". "نقطة تدني ثقافية وفكرية وأخلاقية". بهذه العبارات، خرج الإعلام الألماني وسياسيوه بطرق جديدة، لمهاجمة ووصف أي دعم للفلسطينيين في ألمانيا. هذه المرة، تركز الهجوم على مهرجان برلين السينمائي الدولي (برليناله) في دورته الـ74، وذلك بعد فوز فيلم "لا أرض أخرى" للمخرج الفلسطيني باسل العدرا والمخرج الإسرائيلي يوفال إبراهام بجائزة أفضل فيلم وثائقي.

ركّز الإعلام الألماني على أن خطاب الفائزين الذي دعا إلى "وقف إطلاق النار"، وقوبل بالتصفيق الحار، قد تجاهل "إدانة حماس على أفعالها في السابع من أكتوبر". كذلك، انتقد عدم ذكر الفيلم، إلا لوهلة عابرة، لأحداث السابع من أكتوبر.

فيما أوردت صحيفة "بيلد" الألمانية الشهيرة سؤالاً استنكارياً، حاولت من خلاله التلاعب بالرأي العام، وتزوير المعاني حول ما وراء خطابات بعض المشاركين في المهرجان، وكتبت: "التضامن مع رفاقنا؟ من غير الواضح ما إذا كان هذا يعني أيضاً الإرهابيين الذين هاجموا إسرائيل في 7 أكتوبر"، وذلك في إشارة لكلمة المخرج الأميركي بن راسل، الذي ظهر على المسرح مرتدياً كوفية فلسطينية، وقال: "بالطبع، نحن أيضاً نقف من أجل الحياة هنا، ونقف ضد الإبادة الجماعية ومن أجل وقف إطلاق النار، ونتضامن مع كل رفاقنا"، الذي كان واضحاً أنه يقصد فيه زملاءه من المخرجين الفلسطينيين.

كذلك، ركزت صحيفة "دير شبيغل" الألمانية على أنه لم يُشر إلى "جرائم حماس"، وعلى أنه "لم تكن هناك أي ردة فعل من مدير الجلسة حول خطابات الفائزين التي طالبت بوقف إطلاق النار ووقف الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين".

استخدم الإعلام الألماني في أكثر من تقرير وصف "معاداة إسرائيل في برليناله"، "وفضيحة معاداة السامية في برليناله"، وكذلك تناقل سريعاً الاتهامات التي وجهها السياسيون والناشطون الألمان للمهرجان بـ"معاداة السامية".

صرحت نائبة المتحدث باسم الحكومة الألمانية، كريستيانه هوفمان، أن المستشار الألماني أولاف شولتز يتفق على أن "مثل هذا الموقف أحادي الجانب لا يمكن السماح له بالاستمرار على ما هو عليه". وأضافت أنه في أي نقاش كهذا يجب أن يؤخذ في الاعتبار "السبب وراء التصعيد الجديد للصراع، وهو الهجوم الذي شنّته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر الماضي".

فيما انتقدت السياسية الألمانية دوروثي بار الوزيرة الألمانية للثقافة، وقالت: "تتواصل فضائح معاداة السامية واحدةً تلو الأخرى في عهد وزيرة الثقافة. في البداية، متحف الفن المعاصر، ثم الصمت المدوي للجسم الثقافي بعد 7 أكتوبر 2023، والآن برليناله. من غير المحتمل أن يُستغل أحد أكبر المهرجانات السينمائية في العالم كمهرجان مناهض لإسرائيل في العاصمة الألمانية".

فيما وصفت وزيرة الدولة الألمانية للثقافة، كلاوديا روت، الخطابات بأنها "أحادية الجانب بشكل صادم"، و"تتسم بكراهية عميقة لإسرائيل"، وأعلنت عن إجراء تحقيق.

واعتبرت هيلج ليند، المتحدثة باسم السياسة الثقافية والإعلامية للمجموعة البرلمانية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الألماني، أن التصفيق القوي وعدم وجود معارضة بين الجمهور أمر "صادم وكاشف". وأضافت أنه كان ينبغي على إدارة المهرجان أن تعلق على التصريحات على المسرح أو تضعها في سياقها. وقالت: "أشعر بالعار من أن الناس في بلدي يحتفلون باتهامات الإبادة الجماعية ضد إسرائيل بدلاً من الالتزام بالحديث عن الإبادة الجماعية الألمانية"، في إشارة منها إلى المحرقة الألمانية ضد اليهود في الحرب العالمية الثانية. وادعت أن ألمانيا تشهد على نحو متزايد "استخدام الحرية الفنية كوسيلة للنشاط الضحل والدعاية الفظة والمفسدة"، وأن ما وصفته بـ"معاداة السامية اليسارية، التي كانت من المحرمات منذ فترة طويلة، تظهر حالياً عواقبها وفعاليتها".

بدوره، وصف مايكل ساشر، الخبير الثقافي في حزب الخضر، الخطاب الذي ألقاه المخرج الفلسطيني باسل العدرا في المهرجان بأنه "أحادي الجانب"، و"يصعب تحمله"، وأضاف: "من غير المقبول، في ظل الوضع الإنساني والسياسي الخطير الحالي، عدم ذكر الهجوم الإرهابي المستهدف والوحشي الذي شنته حماس على أكثر من ألف طفل وامرأة ورجل في إسرائيل، واحتجاز أكثر من 130 رهينة".

كما وصف فولكر بيك من حزب الخضر الألماني ورئيس الجمعية الألمانية الإسرائيلية تصفيق الجمهور لخطابات الفائزين بأنه "نقطة تدنٍّ ثقافية وفكرية وأخلاقية".

أما نائبة زعيم المجموعة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا (يميني متطرف)، بياتريكس فون ستورش؛ فقد ادعت أن "كراهية اليهود متجذرة بقوة في المشهد الثقافي اليساري"، وذلك رغم أن الخطابات في المهرجان لم تأتِ على ذكر اليهود، بل انتقدت الاحتلال إسرائيلي والعدوان على غزة والفصل العنصري الذي يتعرض له الفلسطينيون. وأضافت فون ستورش: "يدور حديث عن انقراض إسرائيل وحضارتنا اليهودية المسيحية"، وطالبت بوقف الدعم المالي الألماني للمشاريع الثقافية اليسارية.

يذكر أن المهرجان تخللته أيضاً شعارات وانتقادات لحزب البديل من أجل ألمانيا اليميني المتطرف. أما ليندا توتيبرغ، من الحزب الديمقراطي الحر، فقد رأت أن ما حدث في حفل توزيع الجوائز "مخز"، ودعت إلى "إيقاف أي فضائح مثل هذه في المستقبل، وليس مجرد التعليق عليها بقلق". وأكدت أن "مسؤولية ألمانيا الخاصة لا تقتصر على تذكر المحرقة، بل تتطلب أن تكون ألمانيا حليفة حقيقية لليهود الأحياء في ألمانيا وإسرائيل". 

ظهرت على حساب المهرجان في إنستغرام صور حملت شعارات " فلسطين حرة - من النهر إلى البحر"، و"أوقفوا الإبادة الجماعية في غزة"، وحُذفت لاحقًا. بدورهم، أنكر منظمو المهرجان مسؤوليتهم عن هذه المنشورات، وادعوا أن الحساب قد اختُرق. وكتبوا في بيان نشر على موقعهم: "في يوم الأحد الموافق 25 فبراير، اختُرق حساب إنستغرام الخاص بنا لفترة وجيزة، ووُضعت منشورات نصية مصورة معادية للسامية حول حرب الشرق الأوسط، وهذه التصريحات ليست صادرة عن المهرجان ولا تمثل موقف المهرجان. حُذفت المنشورات على الفور وفُتح تحقيق في كيفية وقوع هذا الحادث".

ووجه المهرجان دعوة قضائية ضد أشخاص مجهولين، وبدأت النيابة العامة تحقيقها ضد مجهولين "استخدموا شعارات لمنظمات إرهابية"، بحسب ما ذكرت صحيفة بيلد الألمانية، وذلك في إشارة لشعار "من النهر إلى البحر". وقال منظمو المهرجان في بيانهم، إن "التصريحات أحادية الجانب والناشطة أحياناً التي أدلى بها الفائزون بالجوائز تعبيراً عن آراء شخصية فردية، لا تعكس بأي حال من الأحوال موقف المهرجان". وكانت مارييت ريسنبيك، المديرة التنفيذية لبرليناله، قد أدانت، في خطابها أثناء المهرجان، "عملية طوفان الأقصى"، ودعت إلى إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين.

 

العربي الجديد اللندنية في

02.03.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004