ملفات خاصة

 
 
 

"الدب الذهبي" لوثائقي مجدداً:

"داهومي" ومحاولة تبييض ماء الوجه

برلين/ محمد هاشم عبد السلام

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

للعام الثاني على التوالي، يكون الفوز بالجائزة الأولى من نصيب فليم وثائقي في المسابقة الرئيسية لـ"مهرجان برلين السينمائي". إذْ أعلنت لجنة تحكيم المسابقة، في دورته الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024)، برئاسة الممثلة الكينية لوبيتا نْيونْغو، فوز الوثائقي "داهومي"، للسنغالية ــ الفرنسية ماتي دِيوب، بأرفع جوائز المهرجان، "الدبّ الذهبي لأفضل فيلم"، التي مُنحت، في دورة العام الماضي (16 ـ 26 فبراير/شباط 2023)، للوثائقي أيضاً، "على متن أدامان"، للفرنسي نيكولا فيليبير ("العربي الجديد"، 3 مارس/آذار 2023).

هذا يطرح أسئلة كثيرة، أُثيرت مراراً، حول سبب تنافس الأفلام الوثائقية مع الروائية الطويلة، ووجاهته، وحتّى مع الرسوم المتحرّكة، في مسابقات المهرجانات الكبرى.

تكرار منح "الدبّ الذهبي" لأكثر من وثائقي في "برليناله"، في أعوامٍ سابقة، يقود إلى نقاش حول الأنواع السينمائية المختلفة، نسبة إلى التنافس العجيب بينها وبين مختلف الأنواع، وكيفية تفرقة وحُكم وتمييز لجان التحكيم بين فنّيات وأخرى، وجماليات وثائقية خاصة، في مقابل أخرى روائية بحتة. المُثير للانتباه، أنّ غالبية المهرجانات الكبرى، التي تعتمد هذا الخلط، السائد منذ أعوام عدّة، لديها أكثر من قسم ومسابقة خاصة بالأفلام الوثائقية، القصيرة والطويلة، من دون غيرها. الأغرب، أنّه، رغم اتفاق وميل أذواق لجان تحكيم عالمية إلى السينما الوثائقية، تأتي أفلام هذه السينما، ومهرجاناتها طبعاً، في ذيل الاهتمامات، حتى من أهل الصناعة أنفسهم.

على عكس نيكولا فيليبير، المُكرّس في السينما الوثائقية منذ عقود، تخوض ماتي ديوب تجربتها الوثائقية الأولى، في "داهومي"، بعد التقاطها خبراً صحافياً، نسجت منه أحداث فيلمها، البسيطة جداً، وغير المتشعّبة والمتكلّفة، مع أنّ الأحداث، على قلّتها، تحمل في طياتها تساؤلات ملحّة ومتطلّبة لإجابات آنية وتحرّكات فورية، في المستويات كلّها. في "داهومي"، يحضر التاريخ، مع السياسة والثقافة. الحضور القوي، وقيام البنية على السرقات الأثرية، ونهب تراث الشعوب وفنونها على أيدي المُستعمرين، وكيف أنّ جرائم الماضي لا تزال حاضرة، ولن تموت، بل تطغى على الحاضر، وتأبى الاندثار.

تبدأ ديوب فيلمها من متحفٍ فرنسي، للمتابعة الدقيقة لمدى الاهتمام والحرص والحذر في معاملة تماثيل خشبية وبرونزية، من مُتخصّصين. يتبيّن لاحقاً أنّ الأمر ينتهي بها، ليس إلى ترميم أو تجديد أو عرض خارجي، بل إلى شحنها في صناديق خاصة، تحملها إلى وجهتها الأخيرة، الأصلية (دولة بينين)، بعد نحو 130 عاماً من وجودها غير الشرعي على الأراضي الفرنسية.

تدريجياً، يُعرَف أنّ هذه تماثيل تنتمي إلى كنوز مملكة "داهومي" السابقة، أي "دولة بينين" حالياً (غرب أفريقيا)، وأنّ منحوتات خاصة بملك "داهومي" سرقها الجيش الفرنسي عند غزوه المملكة واحتلالها عام 1890، وأنّ تلك القطع تُستعاد، وباتت في طريقها إلى المتحف الرئاسي في العاصمة "بورتو نوفو".

عبر لقطات صامتة تستعرض ما يجري، تكشف ديوب مدى فرحة شعب "بينين" وفخره واعتزازه، إزاء استعادة تلك القطع الأثرية، القليلة جداً والمنهوبة، وما تمثّله له، ولتراثه وثقافته. لقطات للشوارع، وفيها احتفالات صاخبة وأناس كثيرون مصطفّون على جوانبها، بانتظار مرور الموكب؛ رقصات أفريقية احتفالية، بكلّ بهرجتها وزخارفها؛ عناوين متفاخرة في الصحف. ثم رصد وصول القطع الفنية إلى متحف القصر الرئاسي، وإطلاق أعيرة نارية شرفية، احتفالاً بالمناسبة، وعلى رأسها عودة أحد أهم التماثيل الخشبية في مملكة "داهومي"، لملكها وزعيمها "بيهانزين". أخيراً، رصد توافد كبار رجال الدولة في "بينين"، ورؤساء أفارقة، لحضور الحدث المشهود.

للنجاة بالفيلم من السقوط في فخّ الرصد الريبورتاجي البحت، وبثّ بعض الروح والحيوية، وحتى الدراما، تستعمل ديوب التعليق الصوتي لتمثال الملك، بين حين وآخر، للتعبير عن حاله، وعمّا يشعر به في رحلة عودته إلى الوطن ـ أرض مملكته السالفة، وبعدها. من ناحية أخرى، تستعرض نقاشات طلاب جامعيين عن عودة التماثيل، ما يزيد من وعينا أكثر بالقضية المطروحة، وطرحها جانباً آخر مُغايراً، ربما نقيض ما يظهر من فرح وسعادة وفخر، إذ يُعبّر طالبٌ، بانفعال شديد، عن إحباطه، لأنّ الأمر استغرق 127 عاماً لإعادة 26 قطعة فقط، من أصل 7000 مسروقة؛ وكيف أنّ هذا سيستغرق مئات السنوات قبل عودة مزيدٍ من القطع.

آخرون يتحدّثون عن أنّ هذا مُجرّدَ تبييضِ فرنسا سُمعتها الاستعمارية في أفريقيا، ومحاولة خبيثة لتهدئة الأمور الثائرة ضدها حالياً، المُناهضة لأدنى وجود فرنسي في مستعمراتها السابقة في تلك القارة. هناك من يؤكّد عدم جدّية فرنسا وصدقها، بعد أفعالها ببلدهم، المتمثّلة في سرقة ودمار وقتل، ومصادرة تراث وفنون، ولغتهم أيضاً، التي أضحت فرنسية.

تلك طريقةُ ديوب في الإشارة إلى رأي شبابي جامعي متعلّم ومثقف في "بينين". لكنّ سؤالاً حقيقياً يُطرح: هل من أهمية لأصواتهم، أو ضرورة للتوقّف عند ما يقولونه، والتأمّل به؟ أم أنّ الحاصل فعلياً مواءمات وتسويات سياسية، فقط؟

رغم حُسن تنظيمها وضرورتها، والابتعاد عن الخطابية والمباشرة، تنطوي مناظرة الطلاب في "داهومي" على تكرارٍ؛ كما مع لقطات صناديق تُحمَّل وتُفرّغ، إذْ تسير بوتيرة بطيئة بعض الشيء. كان يُمكن تفادي التعليق الصوتي، وتضخيم نبرة الراوي وتشويهها، فتُصبح غير بشرية. ورغم مثالب أخرى هيّنة، فذكاء اختيار الفكرة واستعراضها بهذا الشكل، وطرح وجهات نظر أخرى، يُؤكّد ضرورتها وأهميتها، ويثير أفكاراً وتساؤلات وضرورات كثيرة، مُلحّة جداً، ليس فقط فيما يتعلّق بـ"دولة بينين"، واستعادتها جزءاً قليلاً من تراثها الفني والأثري، بل أيضاً بالشعوب الأخرى، خاصة في أفريقيا، التي تملأ كنوزها خزانات معظم متاحف الغرب، التي (الكنوز) لو عادت يوماً إلى بلادها الأصلية، لأغلقت متاحف عدّة في الغرب، من دون أدنى مُبالغة.

 

####

 

ما معايير "برليناله" في منح جوائز؟

برلين/ نديم جرجوره

فوز الوثائقي "داهومي"، للسنغالية الفرنسية ماتي دِيوب، بجائزة "الدبّ الذهبي لأفضل فيلم"، في الدورة 74 (15 ـ 25 فبراير/ شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، يُثير رأيين يتناقض أحدهما مع الآخر: ترحيبٌ يستعيد تجربة "برليناله" مع "الفيلم غير الروائي"، كما يُسمّى الوثائقي غالباً، ويعتبر أنّ المهرجان يتجاوز النوع، ولو قليلاً، بحثاً عن "سينما" تليق بها الجائزة، ويقول إنّ "داهومي" نفسه مُثير لاهتمامٍ، لما فيه من تفاصيل فنية ودرامية وسردية وتاريخية، عن استعمار وتحرّر وعلاقات قائمة بين الطرفين. ونفورٌ وسخرية من منحه الجائزة الأولى في مهرجان مُصنَّف فئة أولى، وتذكير بأنّ في المسابقة الرسمية ـ غير المتضمّنة أصلاً ما يُبهِر، سينمائياً على الأقلّ، رغم بعض المقبول والممتع والمشغول بحِرفية مهنية ـ أفلاماً أهمّ، ومنها وثائقيّ آخر بعنوان "معماريّ"، للروسي فكتور كوسّاكوفْسْكي.

هذا يعيد طرح سؤالين، يطرحهما زملاء وزميلات أحياناً: لماذا إدخال الوثائقي في مسابقة رسمية لمهرجان دولي، إلى جانب الروائي، خاصة أنّ في المهرجان نفسه أقساماً تُعنى بالوثائقي؟ ألا يوجد اختلافٌ بين النوعين، صناعة واشتغالاً وتوزيعاً ومشاهدةً وقراءةً؟

وثائقي آخر في المسابقة نفسها، بعنوان Pepe، للدومينيكانيّ نلسون كارلو دي لوس سانتوس أريوس، ينال جائزة "الدبّ الفضي لأفضل إخراج". هذا يعني أنّ تجاوز النوع من أجل السينما غير موفَّق، فـ"معماريّ" أهمّ بصرياً، وأعمق درامياً، وأفضل فنّياً وتقنياً، وأجمل في طرحه (السينمائي والأخلاقي والفنّي) من الفيلمين الفائزين، وأقدر على التأثير في ذات وروح وتفكير، لما فيه من متتاليات سينمائية، تكشف فداحة خرابٍ يعتمل في العالم، جرّاء تنامي العمارة "البشعة"، و"قتل" الطبيعة.

يعاين الفيلمان الوثائقيان الفائزان (أميل إلى وصف "داهومي" بالتقرير التلفزيونيّ، رغم لقطات توحي بالسينما، من دون بلوغها) موضوعين "مهمّين": آثار مسروقة، ومعنى إعادة جزء بسيط منها إلى من يُفترض بهم ـ بهنّ أنْ يكونوا "أصحابها" (داهومي)؛ وسرد حكاية نوع من الحيوانات ينقرض، في عالمٍ يتبدّل إلى الأسوأ (Pepe). لكنّ هذا غير مشغول بحِرفية بصرية يتمتّع بها "معماريّ"، ويُمتّع بها أيضاً.

إذاً، أيكون منح "داهومي" الجائزة الأولى، في مهرجان مُصنَّف فئة أولى، إعلاناً لموقف، سياسي ـ ثقافي ـ جندري، أكثر من كونه حقّاً سينمائياً، والسينما في الفيلم منعدمةٌ، إلى حدّ كبير؟ السؤال غير بريء. تخبّط إدارات مهرجانات "أولى" وغير "أولى" في ارتباكات وخلل ومتاهات، وتعرّض بعضها، كـ"برليناله"، لضغوط من حكومة البلد في مسائل مختلفة، غير خفيّةٍ. اختيار امرأة، الممثلة لوبيتا نْيونْغو (كينيا ـ المكسيك)، لرئاسة لجنة التحكيم الخاصة بالمسابقة الرسمية، غير منفصل عن جهد إدارة "مهرجان برلين" في "تثبيت" موقف متوازن إزاء مسائل حسّاسة، أبرزها الجندرية.

التساؤلات غير حاصلة على إجابات واضحة وصريحة ومؤكَّدة، الآن، وربما غداً أيضاً. لذا، كلّ كلامٍ نقديّ يُحلِّل، وربما يجنح إلى تنظيرٍ في قوله، غير نافع. فالجوائز ممنوحة، والتحليل معقودٌ على كاتبه ـ كاتبته، المعنيّين به وحدهما، فقط.

 

####

 

"قضية الغرباء": فيلم يمتد من شكسبير إلى اللاجئين السوريين

الدوحة/ عماد كركص

حصل فيلم "ذا ستراينجرز كايس" (The Strangers' Case أو "قضية الغرباء" بالعربية)، الذي يعالج مسألة اللاجئين السوريين على جائزة منظمة العفو الدولية بفرعها الألماني، ضمن فعاليات الدورة الـ74 من مهرجان برلين السينمائي الذي أقيم في فبراير/ شباط الحالي.

وما زالت قضية اللاجئين السوريين التي أفرزتها الحرب في بلادهم، واحدة من أكبر مآسي القرن الحالي التي تحظى باهتمام عالمي. يتتبع فيلم المخرج الأميركي براندت أندرسن قصة عائلة سورية تفرّ من مدينة حلب، شمالي البلاد، عقب اندلاع الحرب، إذ تشتّت شمل تلك العائلة بين قارات العالم، كحال الكثير من العائلات السورية التي تعرضت للقصف الوحشي طوال سنوات الحرب.

ووقف النظام السوري وراء قتل الآلاف من السوريين في كل المحافظات السورية، وذلك في أعقاب اندلاع الحراك المناهض لحكم رئيس النظام بشار الأسد، الذي سانده كلٌّ من روسيا وإيران، اللتين ارتكبتا مع مليشياتهما مجازر مروعة بحق السوريين، علاوة على التهجير القسري.

ولعبت الممثلة ياسمين المصري دور البطولة في الفيلم بشخصية الطبيبة "أميرة"، ويشاركها الفرنسي عمر سي البطولة.

واقتبس أندرسن قصة "قضية الغرباء" من مسرحية لوليم شكسبير عن الشخصية التاريخية السير توماس مور، الذي كتب خطاباً دافع فيه بشدة عن اللاجئين قبل أربعة قرون، لينتقل إلى الحاضر ويتحدث عن مدينة حلب، التي عاشت ويلات الحرب.

تدور الأحداث حول جرّاحة الأطفال أميرة (تلعب دورها ياسمين المصري)، التي تجري عملية جراحية معقدة في أصعب أيام الحرب، ومن خلال تطور غير متوقع، تجد نفسها هي وابنتها شخصيتين رئيسيتين في قصة درامية، تتشابك فيها حياة خمس عائلات في أربع قارات، وتعيد تعريف وجودهم.

وقالت لجنة التحكيم في بيانها إن "قضية الغرباء، فيلم روائي طويل عن رحلة الهروب من سورية، حقق نجاحاً في جميع النواحي، من السيناريو إلى المنظور السردي إلى التمثيل، ويحتوي هذا الفيلم على كل ما يحتاجه للتأثير عاطفياً على الكثير من الناس".

أضافت اللجنة: "في هذه الدراما، يتم سرد وجهات نظر مختلفة بحساسية وتعاطف، سواء كانت وجهة نظر جرّاحة الأطفال التي تجري عملية إنقاذ الحياة، أو القبطان الذي لم يعد قادرا على النوم، أو (المهرب) الذي هو نفسه لاجئ، يريد استخدام المال الذي يكسبه لمنح ابنه المريض حياة أفضل".

ووجّه عرض الفيلم خلال مهرجان برلين في نسخة العام الحالي الأنظار إلى القضية السورية، وكذلك إلى مأساة اللاجئين في دول وقارات العالم المختلفة، كما حاز طاقم العمل الذي حضر بمعظمه إلى المهرجان على الترحيب والاهتمام من قبل المنظمين والمشاركين.

وقالت منظمة العفو الدولية بفرعها الألماني، التي منحت جائزتها الخاصة ضمن المهرجان لـ"قضية الغرباء" إنه "فيلم مثير للإعجاب، يتناول قصة ملحمية عن الهروب من سورية".

وسبق للمخرج والناشط الأميركي براندت أندرسن، أن أنتج أكثر من 30 فيلماً، ووصل أول فيلم من إخراجه "لاجئ" إلى القائمة المختصرة لجائزة الأوسكار في فئة أفضل فيلم قصير.

 

####

 

مخرج إسرائيلي يتلقى تهديدات بالقتل لانتقاده الاحتلال في مهرجان برلين

(الأناضول، العربي الجديد)

كشف المخرج الإسرائيلي يوفال أبراهام، أنه تلقّى تهديدات بالقتل عقب الخطاب الذي ألقاه خلال استلامه جائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي الدولي، دعا من خلاله إلى وقف إطلاق النار في غزة، وانتقد ممارسات الفصل العنصري التي ينتهجها الاحتلال.

والفيلم الوثائقي يحمل اسم "لا أرض أخرى"، وأخرجه مجموعة من صانعي الأفلام الفلسطينيين بمشاركة أبراهام، وفاز قبل أيام بجائزة أفضل فيلم وثائقي في مهرجان برلين السينمائي الدولي الرابع والسبعين (برلينالة).

وقال أبراهام في منشور له عبر منصة إكس، يوم الأحد الماضي، إنّ القناة 11 التلفزيونية الإسرائيلية بثت جزءاً مدته 30 ثانية من خطابه في حفل توزيع الجوائز، ووصفت حديثه بأنه "معاداة للسامية" بطريقة جنونية.

وأكد أبراهام أنه تلقى تهديدات بالقتل بعد استهدافه على شاشة التلفزيون الإسرائيلي، مشدداً على أنه يقف وراء كل كلمة قالها في خطابه في الحفل.

وقال أبراهام في خطابه، خلال الحفل نهاية الأسبوع الماضي، إنه إسرائيلي الجنسية وزميله باسل عدرا المشارك في الإخراج فلسطيني، وأنهما سيعودان بعد يومين فقط إلى بلد لا يتمتعان فيه بالمساواة.

وتابع: "أنا أعيش في ظل نظام مدني وباسل في نظام عسكري. نقيم على بعد 30 دقيقة فقط من بعضنا البعض. أتمتع بحق التصويت، أما هو فلا، ويُسمح لي بالتحرك بحرية في هذا البلد، في حين أن باسل، مثل ملايين الفلسطينيين، مقيد في الضفة الغربية المحتلة. يجب أن تنتهي عدم المساواة هذه بيننا".

وعلى امتداد أيام مهرجان برلين، الذي أقيم بين 15 و25 فبراير/شباط الحالي، عبّر عدد من الممثلين والمخرجين عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني ورفضهم للعدوان على قطاع غزة، إن كان من خلال ارتدائهم الكوفية وحمل العلم الفلسطيني أو عبر تصريحاتهم.

كلمات وكوفية وعلم فلسطين.. 3 وسائل لإدانة إبادة غزة في مهرجان برلين

وتكرّر تعبير المشاركين عن دعمهم لفلسطين في حفل توزيع الجوائز، السبت الماضي، ومن بينهم المخرج الأميركي بن راسل، الذي صعد إلى المسرح واضعاً الكوفية الفلسطينية على كتفيه، واتهم إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة جماعية، بحسب وكالة فرانس برس.

ومن على منصة التكريم، اتهم المخرج الفلسطيني باسل عدرا دولة الاحتلال بارتكاب إبادة بحق الفلسطينيين وانتقد بيع ألمانيا الأسلحة لإسرائيل. قائلا: "إنني أحتفي بالجائزة هنا، ولكن في الوقت نفسه من الصعب جداً بالنسبة لي أن أقيم احتفالاً، فعشرات الآلاف من الناس يُقتلون من قبل إسرائيل في غزة"، مضيفا: "أريد شيئاً واحدا فقط من ألمانيا، وهو احترام نداءات الأمم المتحدة والتوقف عن إرسال الأسلحة إلى إسرائيل".

تهديدات بـ"معاداة السامية" في مهرجان برلين.. الاتهام المعتاد

واستفزت الدعوة إلى وقف إطلاق النار وإنهاء الإبادة أنصار ومؤيدي إسرائيل الذين سارعوا إلى استعمال الاتهام المعتاد لكلّ خصوم إسرائيل، أيّ معاداة السامية. وقال رئيس بلدية برلين كاي فيغنر، في منشور عبر منصة إكس، إنّ "معاداة السامية لا مكان لها في برلين، وهذا ينطبق أيضاً على الفنانين"، معتبراً "ما حدث في مهرجان برلين السينمائي اجتزاءً لا يُحتمل"، كما دعا إلى محاسبة إدارة المهرجان.

وفي الوقت الذي دعت فيه بعض الأصوات إلى فرض مزيدٍ من القواعد والرقابة على مهرجان برلين المموّل بشكل رئيسي من الحكومة الألمانية، قالت إدارة المهرجان، في بيان تلقته وكالة فرانس برس، إن تصريحات المخرجين تمثل "آراء فردية ومستقلة" عن المهرجان، ولا تمثل رأي هذا الحدث السينمائي، وينبغي "تقبلها" طالما أنها "ضمن الأطر القانونية".

وأضافت أنها "تتفهم السخط" الذي أثارته التصريحات "التي بدت وكأنها متحيزة جداً" خلال حفلة توزيع الجوائز.

ويتناول فيلم "لا أرض أخرى"، الذي أخرجه الفلسطيني باسل عدرا والإسرائيلي يوفال أبراهام، قضية التهجير القسري للفلسطينيين من قرية مسافر يطا في الضفة الغربية بسبب العنف الذي يرتكبه المستوطنون الإسرائيليون.

 

####

 

الاحتلال يروج سرديته:

السينما ذراع دعائية محشوة بالكذب والادعاء

لندن/ العربي الجديد

من خلال تسييس تخصيص الأموال، والتهديد بمنع صانعي الأفلام اليساريين من الحصول على المنح، ووضع المشاريع تحت الإشراف السياسي، تسعى دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى تحويل صناعة السينما إلى ذراع دعائية.
وبينما تضيق إسرائيل على الأعمال السينمائية التي تنتقدها، وتقلّص تمويلها، فإنها تروج سرديتها على الصعيد العالمي، مستغلةً أموالها ونفوذها والمنحازين في العالم، وخصوصاً في أميركا موطن هوليوود
.

في عام 2000، أصدرت الحكومة الإسرائيلية قانون السينما الجديد لضمان وتأمين المزيد من التمويل للسينما الإسرائيلية. ويعمل صندوق الأفلام الإسرائيلي على تمويل صناعة أفلام إسرائيلية.

تعتمد الثقافة والصناعة الإبداعية في إسرائيل على المساعدة الحكومية في إنتاجاتها. وتقدم صناديق عدة، إلى جانب اليانصيب الوطني، منحاً لصانعي الأفلام.

في إسرائيل، هناك ستة صناديق أفلام بارزة تمول وتدعم الإنتاج الإسرائيلي، وهي صندوق الأفلام الإسرائيلي، والصندوق الجديد للسينما والتلفزيون، ومؤسسة ماكور للسينما والتلفزيون الإسرائيليين، وصندوق القدس للسينما والتلفزيون، ومؤسسة يهوشوا رابينوفيتش للفنون، وصندوق غيشر للأفلام متعددة الثقافات.

لكن هذه التمويلات تشهد تسييساً من خلال التهديد بمنع صانعي الأفلام اليساريين من الحصول على المنح، ومن خلال وضع المشاريع تحت الإشراف السياسي.

الاحتلال لا يحبّ النقد

في مقال رأي له عبر صحيفة نيويورك تايمز، يحكي مخرج الأفلام الوثائقية والصحافي الذي سبق أن خدم في الجيش الإسرائيلي نعوم شيزاف كيف أُلغي فيلمه الذي يفضح تصرّفات الاحتلال في مدينة الخليل المحتلة.
ألغي مجلس مدينة تل أبيب عرض الفيلم بحجة غريبة مفادها أن الأماكن العامة لا يمكنها استضافة أحداث مثيرة للجدل سياسياً، وهدّد أعضاء مجلس مدينة القدس بخفض ميزانية "سينماتك القدس" إذا عرضت الفيلم.
كما قدّم ائتلاف نتنياهو مقترحات من شأنها أن تجعل الصحافة النقدية والعمل الوثائقي أقرب إلى المستحيل. يحظر أحد مشاريع القوانين بث التسجيلات التي تُجرى من دون موافقة المشاركين، في حين يحظر آخر تسجيل الجنود أثناء القتال، أو حتى مشاركة مقاطع فيديو كهذه عبر الإنترنت
.

يقول شيزاف إن المشهد الوثائقي الإسرائيلي المزدهر ظلّ مكاناً رئيسياً لتعريف الجمهور بالواقع في الأراضي المحتلة، بما في ذلك أعمال حائزة على جائزة إيمي وأخرى ترشّحت لجائزة أوسكار، إذ سلّطت الضوء على الممارسات القاسية التي تستخدمها إسرائيل في الضفة الغربية، وأثارت نقاشات عامة حادة، وبعضها تناول، نقدياً، السرد الرسمي لجذور الصراع العربي الإسرائيلي.

يضيف: "ليس من المستغرب أن تثير هذه الأفلام الوثائقية الانزعاج ورد الفعل العنيف. والآن يرى اليمين الإسرائيلي، الذي سعى منذ مدة طويلة إلى نزع الشرعية عن انتقاد الاحتلال أو حتى تجريمه، فرصة لإيقاف مثل هذه الأفلام".

يسعى وزير الاتصالات الجديد شلومو كارهي إلى إغلاق هيئة البث العامة الإسرائيلية، وهي واحدة من أكبر المستثمرين في المحتوى الأصلي في إسرائيل. ووفقاً للتقديرات الشائعة في الصناعة، فإن نية الحكومة تتمثّل في تحويل جزء على الأقل من ميزانية "كان" إلى الشبكات التجارية، وخاصة إلى قناة إخبارية صغيرة يمينية متشددة يُنظر إليها على نطاق واسع أنها ناطق بلسان السيد نتنياهو وأنصاره.

ويُعيّن في المؤسسات الأعلامية أنصارُ اليمين المتطرف من معلِّقين وصحافيين، ما حرّف النقاش حول العدوان على قطاع غزة، وقوّى خطاب اليمين المتطرف، وقلّل الوعي بالوضع الحقيقي في القطاع.

تناسل عدد كبير من منابر اليمين المتطرف الجديدة، وأبرزها القناة 14، التي أصبحت تبث دعاية اليمين المتطرف بشكل لم يسبق له مثيل في التلفزيون الإسرائيلي، ولا تتوانى عن بثّ أخبار كاذبة، وتحظى بدعم رسمي كبير، وهي وسيلة لترويج الخطاب الدعائي والأيديولوجي لحكومة اليمين المتطرف الحاكمة في تل أبيب، حتى إن شركات سحبت إعلاناتها منها.

بروباغندا فقط

في مقال رأي له نشرته صحيفة ذا غارديان، يشرح الكاتب والمساهم في صحيفة هآرتس إيتان نيشين أن لاستيلاء اليمين المتطرف والمستوطنين على الإعلام أهمية كبيرة من ناحيتين. أولاً، الاستهداف، بقوة، آخر معاقل الصحافة الحرة والليبرالية، سعياً ليس فقط إلى تطبيع المشروع الاستيطاني، بل أيضاً إلى إخفاء الجرائم المرتكبة للحفاظ عليه. ثانياً، في سياق العدوان، لا يظهر للجمهور الإسرائيلي المدى الكامل للهجوم على قطاع غزة.

بدورها، نظّمت الممثلة الإسرائيلية غال غادوت عرض فيلمٍ دعائيٍ لدولة الاحتلال حول عملية طوفان الأقصى، التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر/تشرين الأوّل الماضي، بحسب مجلة نيوزويك الأميركية.

ويأتي الفيلم الدعائي، الذي يدوم 47 دقيقة وقدمه المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، مثالاً على تمرير الاحتلال سرديته حول القضية الفلسطينية في هوليوود، كخطوة طبيعية لاستخدام تأثيرها في أكبر مركز سينمائي في العالم.

وكان المخرج الإسرائيلي الحائز على جائزة أوسكار غاي ناتيف قد أكّد تقديم غادوت وزوجها يارون فارسانو المساعدة في الجهود التي قادها بهدف عرض الفيلم في الولايات المتحدة الأميركية.

وبحسب وكالة أسوشييتد برس، فقد سبق لجيش الاحتلال أن عرض الفيلم في أكتوبر/تشرين الأول الماضي أمام الصحافة الأجنبية.

بدورها، تتعاون المسؤولة السابقة في شركة ميتا وإحدى أكثر النساء نفوذاً في سيليكون فالي شيريل ساندبرغ مع إسرائيل لترويج الادعاءات حول حصول اعتداءات جنسية خلال عملية طوفان الأقصى، رغم عدم تقديم أي دليل فعلي عليها حتى الآن. تعمل ساندبرغ على الفيلم مع شركة الإنتاج الإسرائيلية كاستينا كوميونيكيشنز، التي أنتجت مسلسلات تلفزيونية إسرائيلية شعبية، وتعمل أيضاً على ثمانية أفلام إضافية عن العدوان على غزة من وجهة نظر الاحتلال.

 

العربي الجديد اللندنية في

28.02.2024

 
 
 
 
 

المخرج الإسرائيلي يوفال إبراهام يتعرض للتهديد بالقتل

بسبب فيلمه No other land وخطابه في برلينالة

إيناس العيسوي

أثار المخرج الإسرائيلي يوفال إبراهام الجدل، بعد حصول فيلمه No other land، على جائزة أفضل فيلم وثائقى، في ختام مهرجان برلين السينمائي الدولي.

وقال إبراهام: "فى غضون يومين سنعود إلى أرض، لا نجوم فيها متساويان، فأنا أعيش في ظل قانون مدني أما زميلي باسل عدرا يخضع للقانون العسكري، بالرغم من إننا نعيش على بعد 30 دقيقة من بعضنا البعض، لكن أنا لدي حق التصويت، وباسل لا يتمتع بحق التصويت".

وتابع إبراهام قائلا: "أنا حر في التحرك أينما أريد فى هذه الأرض، أما باسل فمثل الملايين من الفلسطنيين المحتجزين في الضفة الغربية المحتلة، وهذا الوضع من الفصل العنصري بيننا، وعدم المساواة يجب أن ينتهى".

وتعرض أبراهام للتهديد بعدها، حيث كتب من خلال حسابه الرسمي على موقع X: "جاء حشد إسرائيلي يمينى إلى منزل عائلتي أمس للبحث عنى، وهددوا أفراد العائلة المقربين الذين فروا إلى بلدة أخرى في منتصف الليل، ما زلت أتلقى تهديدات بالقتل واضطررت إلى إلغاء رحلتى إلى الوطن".

وتابع أبراهام من خلال حسابه مؤكدا: "حدث هذا بعد أن وصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية والسياسيون الألمان بشكل سخيف خطابي في برلينالة - حيث دعوت إلى المساواة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ووقف إطلاق النار وإنهاء الفصل العنصري - بأنه "معادي للسامية"، إن سوء الاستخدام المروع لهذه الكلمة من قبل الألمان، ليس فقط لإسكات المنتقدين الفلسطينيين لإسرائيل، ولكن أيضًا لإسكات الإسرائيليين من أمثالي الذين يدعمون وقف إطلاق النار الذي ينهي القتل في غزة ويسمح بالإفراج عن الرهائن الإسرائيليين - يفرغ كلمة معاداة السامية من مكانتها".

كما أشار: "وهذا يعني بالتالي تعريض اليهود في جميع أنحاء العالم للخطر، بما أن جدتي ولدت في معسكر اعتقال في ليبيا وقُتل معظم أفراد عائلة جدي على يد الألمان في المحرقة، أجد أنه من المثير للغضب بشكل خاص أن يتجرأ السياسيون الألمان في عام 2024 على استخدام هذا المصطلح كسلاح ضدي بطريقة تعرض حياتي للخطر".

وأنهى أبراهام تغريدته: "ولكن قبل كل شيء، فإن هذا السلوك يعرض حياة المخرج الفلسطيني باسل عدرا للخطر، والذي يعيش تحت احتلال عسكري محاط بالمستوطنات العنيفة. فهو في خطر أكبر بكثير مني. أنا سعيد لأن فيلمنا الحائز على جوائز، No Other Land، يثير نقاشًا دوليًا مهمًا حول هذه القضية - وآمل أن يشاهده الملايين من الأشخاص عند صدوره هذا العام. إثارة المحادثة هو سبب قيامنا بذلك".

فيلم No Other Land من إخراج 4 مخرجين فلسطينيين وإسرائيليين وهم باسل عدرا، وحمدان بلال، وراشيل سزور ويوفال أبراهام، ويدور الفيلم حول محاولات الاحتلال الإسرائيلي في طرد الفلسطينيين في قرية مسافر يطا، بالضفة الغربية المحتلة.

 

الشروق المصرية في

28.02.2024

 
 
 
 
 

مخرجة "متل قصص الحب": الأفلام هي وسيلتنا لمعرفة الماضي

ميريام الحاج: الفيلم هو الذي اختار شخصياته ولست أنا التي اخترتُها

 أحمد العياد

إيلاف من برلينزخم كبير شهده العرض العالمي الأول للفيلم الوثائقي اللبناني ، "متل قصص الحب"، لمخرجته اللبنانية ميريام الحاج ، في الدورة الـ74 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، الذي توثق فيه المخرجة فترة متخبطة يعيشها لبنان منذ عام 2019، من خلال مذكراتها الشخصية.

تدور أحداث الفيلم حول ثلاث شخصيات من ثلاثة أجيال مختلفة تحاول كل منها إطفاء النار المشتعلة في البلاد بطريقتها الخاصة، سواء بالحب أو السياسة أو الثورة.

"إيلاف" كان لها لقاء في برلين مع ميريام، للحديث عن فيلم "متل قصص الحب"، والحرب اللبنانية وأشياء أخرى.

قضيتي الأولى

تقول ميريام الحاج إنها منشغلة بالمسائل المتعلقة بالحرب في لبنان: "أنا أعمل عادة على موضوع الحرب الأهلية. "متل قصص الحب" يندرج في هذا الهم، وفيلمي الأول كان متعلقا بتلك الحرب، وأكتب فيلما خياليا يتناول الموضوع نفسه أيضا".

"الحرب الأهلية موضوع يشغلني كثيرا لأن عائلتي شاركت في الحرب، وأنا أرى أن تأثير الحرب لا يزال كبيرا جدا علينا. ولا يزال كل السياسيين ممن شاركوا في الحرب موجودين في السلطة. وأعتقد أننا جميعنا نقدم محاولات في لبنان. لكننا، مثل كل البلدان العربية، لا نُخبر قصصنا كثيرا. ليس لدينا جمهور أو إمكانات لتقديم القصص التي نريدها. لكل فيلم أهمية كبيرة في التاريخ، لأنه يقدم جزءا من التاريخ بطريقة المخرج ورؤيته".

الحاضر والماضي في لقطة واحدة

"متل قصص الحب" يدور على 3 شخصيات تلتقي مرة واحدة في الفيلم، ومن خلال اللقاء تمزج الحاضر بالماضي: "هدفي من الفيلم كان إظهار كيف أن الماضي -رغم وجود محاولات اليوم لتغيير الواقع - لم يُحَل وينته وينسدل الستار عليه، فهو لا يزال يؤثر على الحاضر. كيف نتخلص منه ونتحرر؟ يشغلني السؤال حول كيفية المصالحة مع الماضي رغم قسوته وثقله".

اختيار الرسالة

استغرق تصوير الفيلم مدة طويلة بحسب ميريام الحاج وكذلك عملية المونتاج، نحوا من سنتين ونصف سنة تقريبًا: "الفيلم انتهى تصويره في 2022، لكنني بدأت المونتاج في عام 2020. عقب انفجار بيروت بنحو 4 أشهر، وكنت لا ازال في مرحلة التصوير، شعرت أن عليّ البدء. في 2022 كان لديّ أكثر من 300 ساعة تصويرا، لا بد أن أخبر القصة من خلالها. النسخة الأولى من الفيلم مدتها 4 ساعات، تتضمن كل المراحل والحقبات. بعدها بدأت مرحلة التقصير والقص. الصعوبة كانت تكمن في ما أريد أن أقوله من خلال ذلك كله، لأنني أعيش مع الشخصيات. تتغير حياتي مع الأحداث التي تقع، فكيف أجد الرؤية التي تجعلني أظهر ذلك كله".

انفجار بيروت نقطة مفصلية

وكما حال كل اللبنانيين، أثّر انفجار بيروت على المخرجة وعلى رؤيتها إلى الحياة، وإلى الفيلم أيضًا. فجّر ذلك الحادث الكثير من التساؤلات لديها حول هدفها ورسالتها من تقديم السينما.

تقول: "بدأ الفيلم فعليا في 2018، ولم أكن وقتها أعلم إلى أين سيتجه العمل، كنت أجرب تقديم شيء عن تفاؤل الجيل الجديد، وعن شعوره بأن هناك تغييرا مقبلا أو محتملا يمكن أن تعرفه البلاد من خلال الانتخابات والتحولات السياسية وخصوصا ما حدث في الثورة. لكن التغيير لم يحدث من خلال الاتجاه السياسي. كنت أفكر أنه سيحدث من خلال الثورة أو الشارع. في ذلك الوقت وقع انفجار بيروت".

"بعد الانفجار، توقفت فترة عن التصوير، ولم أكن أستطيع استكمال المشروع. كانت أفكاري وقتذاك تتمحور حول أهمية ما أقدمه وحول السينما من الأساس. وطرحتُ على نفسي سؤالا: ما أهمية السينما في بلدٍ تصبح الأولوية فيه العثور على حبة دواء؟! لم يعد يوجد دواء ولا مستشفيات، وكان الناس يموتون على أبواب المستشفيات. "خلصت البلد!" وكنت أخاطب نفسي بأنني أقدم فيلما عن نهاية بلد! طرحت كل تلك الأفكار وهي فتحت أبوابا على العديد من الأسئلة".

جمانة حداد صورة للأحداث

من شخصيات العمل، الكاتبة والناشطة النسوية والسياسية جمانة حداد، التي تعدّ رمزا للمواطن اللبناني الذي أراد أن يستمر، ويبحث عن فرص للحياة بعد انفجار بيروت: "بعد التفكير وجدتني أقدم فيلما عن بلد يمر في وضع خطير وكبير، لكن في الوقت نفسه هناك شعب يرفض أن يموت ويجرب التمسك بأحلامه حول التغيير. جمانة حداد شخصية معروفة، فهي فازت في الانتخابات النيابية عام 2018 على لوائح قوى التغيير، لكن السلطة منعتها من الفوز بتزوير النتيجة. لم يتركوها تدخل على البرلمان لأنها كانت ستطالب بقضايا وأشياء لا يريدونها؛ من مثل المساواة بين الرجل والمرأة، والدولة المدنية العلمانية، وإلغاء الطائفية، وهم لا يرغبون بذلك. بعد عملها في السياسة راحت تبحث عن شغل يجعلها ترغب في الحياة. أخبرتني بأنها تأخذ دواء حتى تستطيع النوم بعد الانفجار. هذا الشيء شعرنا به جميعا بعد الانفجار، ظللنا لأشهر لا نستطيع النوم. في النهاية هي تمثل فئة من الشعب وتقدم هذه الفئة من خلال تمسكها بالحياة. فمن لم يمت في الانفجار راح يبحث عن طريقة للحياة حتى لا يموت من اليأس".

الفيلم اختار أبطاله

اللافت في الفيلم أن المخرجة لم تختر الشخصيات، فمن وجهة نظرها أن "الفيلم هو الذي قام بالاختيار. في البداية كنت أعلم أنني لا أزال أتحدث عن الماضي. تعرفت الى جورج الذي فقد رجله في الحرب، والذي يتحمل في الوقت نفسه مسؤولية كبيرة عما حدث في الحرب، لكنه لم يصبح رجل سياسة ولا صاحب أموال. تركز كل همه على مظهره الخارجي فكان يذهب مثلا 5 مرات في الأسبوع إلى صالون الحلاقة. ذلك الشيء جعله شخصية سينمائية لي. كان يحكي شيئا عن الماضي لسنا أكيدين منه، مُبهما وغير واضح".
تتحدث المخرجة عن بيرلا، بعدما رأتها في تظاهرات الثورة، وكيف كانت تعمل على تجميع الناس وتأطيرهم، "ولأنها مليئة بالحياة، فرضت نفسها كشخصية في الفيلم. هكذا جرى اختيار الشخصيات. وهذا هو الفارق بيني وبين من يعملون يعملون بالتقارير الذين يبحثون عن أشخاص وممثلين حول موضوعات معينة للأرشفة -التي هي مهمة- لكنني لم اختر تلك الطريقة. شعرت بأن شخصياتي هي من اختارت الفيلم
".

توثيق التاريخ من خلال الأفلام

عن أهمية الأفلام الوثائقية بشكل خاص، ترى المخرجة أنها توصلت إلى خلاصة مفادها أنه لم يعد يهمها السؤال هل ما تقدمه في أفلامها من حقائق من الممكن أن يغضب جهة أو مسؤولا في بلدها، مؤكدة أنها لو كان يهمها هذا الجانب، "ما كنت قدمت فيلمًا. قلت لنفسي أن تلك الأفلام التي نقدمها لن تظهر أو تُعرض في لبنان حاليا، لكن لا نعلم ماذا يخبئ المستقبل. حاليا يوجد السياسيون الذين نخاف منهم، لكنهم غدا سيموتون. فإذا لم أكن أقدم الفيلم لليوم فأنا أقدمه للمستقبل. كانت تخطر في بالي فكرة عدم لوم أولادنا لنا كما فعلنا مع آبائنا، لأننا نكون قد أخبرناهم أننا قلنا "لا" من قبل ورفضنا واقعنا".

تقول: "اللبنانيون الذين شاهدوا الفيلم أخبروني بعد خروجهم من الصالة أنهم يتحدثون مع حالهم قائلين "إحنا عشنا كل هذا! كيف بقينا عايشين وما جنّينا!". هناك إسقاط في الفيلم على حياتهم وما عايشوه، فإذا الفيلم لم يُعرض حاليا في لبنان فسيعرض في المستقبل. نحن اليوم نشاهد الأفلام التي صورت في الحرب الأهلية. اليوم نشاهد أفلام المخرج برهان علوية التي تم تصويرها في الثمانينات ونفهم لبنان من خلال تلك الأفلام. الأمر جيد إذا كنا نقدم أفلاما للتاريخ، من الواقع".

السينما اللبنانية مرتبطة بالحرب

السينما اللبنانية، في رأي المخرجة، لا تشبه السينما في مصر أو فرنسا مثلًا، "ليس لها تاريخ مثلهما، لكنها مرتبطة بشكل وثيق بالحرب، فنقول سينما قبل الحرب، سينما الحرب، سينما ما بعد الحرب. السينما لدينا لها علاقة بالحرب طوال الوقت، والحرب تغيرنا طوال الوقت. والتحدي الذي قدمته يتمثل في فيلم صعب لأنه يقوم على 3 شخصيات لا تلتقي. كان ذلك تحديا. المراجع لدي كانت أفلاما عدة وليس فيلما محددا، بعضها أفلام فلسطينية، المخرج الفلسطيني الذي كان يدافع عن القضية الفلسطينية من خلال أفلامه، فأنا أحب تحدي تقديم شخصيات عدة تشتبك في ما بينها بطريقة ما من خلال القصص التي ترويها، أفضل من ردها بعضها على بعض، وحوارها بعضها مع بعض".

 

إيلاف السعودية في

29.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004