ملفات خاصة

 
 
 

جوائز ضعيفة وتضامن مع غزة في ختام مهرجان برلين

أمير العمري- برلين

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

اختتمت رسميا، مساء الرابع والعشرين من فبراير 2024، الدورة الـ74 من مهرجان برلين السينمائي العريق بعد جدل وصخب كثير حول قضايا السياسة، برز خلالها بشكل واضح، موضوع الحرب في غزة، حيث أعرب الكثير من السينمائيين من كافة أرجاء العالم، عن تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، وأدانوا مسلسل القتل الإسرائيلي المتواصل، وطالبوا بوقف الحرب الدائرة في غزة، حتى لو جاءت هذه المطالبات في أشكال وصيغ مختلفة أو مخففة، بسبب حساسية الموضوع وحتى لا يتم توجيه التهمة الثابتة الجاهزة، أي العداء للسامية، التي يقصد بها معاداة اليهود وليس أي أجناس سامية أخرى غيرهم، وكما لو كانت الديانة اليهودية تضمن “جنسا موحدا”، وهي إحدى المفارقات العبثية في التاريخ!

إن الكلمات الحماسية التي ترددت على ألسنة غالبية السينمائيين الفائزين بالجوائز (وهي بالمناسبة عشرات الجوائز الرئيسية والفرعية!!) في حفل الختام، في إدانة إسرائيل والمطالبة بوقف اطلاق النار، هي صفعة مباشرة على وجه الحكومة الألمانية التي يُنظر إليها على أنها متواطئة مع العدوان الإسرائيلي، وتتبع بشكل تلقائي مستمر الموقف الأمريكي المنحاز بشكل سافر ضد الشعب الفلسطيني.

على أي حال يبقى السؤال الذي شغل كاتب هذه السطور من البداية، أي من قبل أن تبدأ الدورة في 15 فبراير: هل سينجح المدير الفني الإيطالي للمهرجان، كارلو شاتريان، في الرد على منتقديه والذين طالبوا بعزله وتم بالفعل صدور قرار بحعل هذه الدورة الأخيرة بالنسبة له ورفيقته المديرة التنفيذية الإدارية الألمانية، مارييت روزنبيك؟

الإجابة بكل اسف من واقع متابعة الدورة، هي بالنفي. فمرة أخرى تغلب الاختيارات التي وصفتها في العام الماضي بأنها اختيارات أي بمعنى “غير سوية” لعدد كبير من أفلام الدورة وأفلام المسابقة الرسمية بوجه خاص، وهي تعكس اضطرابا في الرؤية، ومحاولة مراهقة لتغليب أشكال يغلب عليها التوجه السياسي على الشكل الفني الذي يمكن أن يصل للجميع. فمرة أخرى يثبت هذا المدير الفني أنه يخضع لاعتبارات لا علاقة لها بالسينما كما نفهمها، والفشل الذريع في طرق أبواب أهم سينمات في العالم، أولها بالطبع السينما الأمريكية التي لم يأت بفيلم واحد من أفلامها الكبيرة من إخراج كبار المخرجين، بل وحتى الاختيارات من السينما الفرنسية والإيطالية تظل اختيارات ثقيلة الوطأة، تشوبها روح العبث والبعد عن سينما الشعر والجمال والأفكار الكبيرة، ويغلب عليها التجريب.

وضمت المسابقة أيضا أفلاما ربما وجد فيها البعض ما يثير الاهتمام مثل فيلم “المعماري” Architecton للمخرج فيكتور كاسوفسكي، الذي صحيح أنه يثير للنقاش موضوعا مهما يتعلق بالبيئة وما فعله بها الإنسان، ولكن من الصعب كثيرا أن يقضي المرء ساعتين في مشاهدة الأحجار وتدحرج الأحجار وتدفق الأتربة والغبار، ويتابع ما وقع للعمارة القديمة في بعض البلدان مثل تركيا واليونان والهند ولبنان، ومعظمها في الحقيقة ليست بيوتا شيدها الناس لأنفسهم، بل معابد وآثار تاريخية، حل بها الكثير من الدمار، وما بقي منها ليس سوى مجرد أطلال، ويبحث مع المهندس المعماري الإيطالي ميشيل دو لوتشي، مصير الإنسان من خلال ما وقع من تغيرات في الطبيعة نفسها ومن فعل الإنسان نفسه.

قد يكون هذا فيلما تسجيليا يثير الاهتمام، تماما كما هو الأمر بالنسبة لفيلم تسجيلي آخر هو “داهومي” Dahomey للسنغالية ماتي ديوب، الذي يتوقف أمام العلاقة بين التاريخ والحاضر، الهوية الوطنية والآثار القديمة، النهب الاستعماري والعلاقة مع الماضي، من خلال استعادة 26 قطعة أثرية من تماثيل وغير ذلك، كانت فرنسا الاستعمارية قد نهبتها في أواخر القرن التاسع عشر، من مملكة داهومي التي أصبحت اليوم جمهورية بنين، ثم أعادتها مع بقاء آلاف القطع الأخرى في متاحف فرنسا.

ورأيي الخاص أن هذين الفيلمين بالإضافة الى الفيلم الثالث “بيبي” Pepe الذي يعتبر من نوع الهجين السينمائي، ما بين التسجيلي والأنيماشن، كان من الأفضل عرضها خارج المسابقة الرسمية لمهرجان بعراقة مهرجان برلين، فهي أفلام يصلح وصفها بالتجريبية، تخصص لها أقسام أخرى عادة تهتم بالتجريب في السينما. لكن المفارقة أن “داهومي” فاز بجائزة الدب الذهبي أرفع جوائز المهرجان من لجنة التي ترأستها المخرجة الكينية لوبيتا نيونغو. كما فاز فيلم “بيب” Pepe بجائزة الدب الفضي لأفضل مخرج ذهبت لمخرجه نيلسون كارلوس دو لوس سانتوس أرياس (من الدومينيكان)، وهو فيلم آخر عن الإنسان والبيئة الطبيعية، فهو يروي على لسان الحيوان المسمى فرس البحر hippopotamus، قصة حياته القصيرة فقد قتل في غابات كولومبيا،  لكن روحه تعود لكي تروي لنا كيف أنه كان أول وآخر حيوان مائي من نوعه في محيطه، وهذا الفيلم يصلح أكثر للعرض للأطفال في قناة “ناشيونال جيوغرافيك”.

أصبحت ماتي ديوب أول مخرجة إفريقية (فرنسية الجنسية) تفوز بجائزة مهرجان برلين الكبرى، وعن فيلم غير روائي ويعتبر أيضا الفيلم الأقصر من حيث زمنه (67 دقيقة) الذي ينال هذه الجائزة، بعد أن حصل فيلمها السابق “أطلانتيك” على الجائزة الكبرى للجنة التحكيم في مهرجان كان عام 2019.

جوائز مهرجان برلين، تعكس- كالعادة- الاهتمام بالسياسة أكثر من السينما والبراعة السينمائية، وليس معنى هذا أن الأفلام الفائزة ضعيفة أو أقل من المستوى، لكنها فقط ليست الأفضل، فالفيلم الإيراني “كعكتي المفضلة” هو في رأيي الخاص، كان هو الفيلم الأفضل فنيا من جميع الجوانب، وكان يتميز عن سائر أفلام المسابقة، كما أن موضوعه “السياسي” بطبيعته، كان أيضا عنصرا بارزا، وكانت بطلته الممثلة الإيرانية ليلي فرهادبور تستحق أيضا جائزة أفضل ممثلة في دور رئيسي، وكان منع السلطات الإيرانية سفر مخرجيه (الاثنين) إلى برلين للمشاركة في المهرجان، حدثا أثار غضب المجتمع السينمائي في العالم.

الملفت للنظر أن مهرجان برلين ألغى فكرة تخصيص جائزتي، لأفضل ممثل وأفضل ممثلة، وخصص جائزة واحدة لما يسمونه أفضل أداء في دور رئيسي، وجائزة أخرى لأفضل أداء في دور ثانوي. وقد ذهبت الجائزة الأولى إلى الممثل الأمريكي سيباستيان ستان عن دوره في فيلم “رجل مختلف” وهو أداء لا شك في تميزه، وذهبت الجائزة الثانية إلى البريطانية إيملي واطسون عن دورها في فيلم الافتتاح الأيرلندي “أشياء صغيرة كهذه”.

جائزة الدب الفضي ذهبت إلى فيلم تجريبي آخر عن صراع بين الكائنات القادمة من الفضاء والبشر على سطح كوكبنا في سياق هزلي خيالي لم أجده مسليا ولا مثيرا للفكر والخيال بل ثقيل الوطأة كثيرا، هو فيلم “الامبراطورية” L’empire للفرنسي برونو ديمون، كما حصل المخرج الكوري هونج سانجسو على الجائزة الكبرى للجنة التحكيم عن فيلمه “احتياجات مسافر” الذي لم أشاهده.

جائزة السيناريو منحتها لجنة التحكيم إلى الفيلم الألماني “يموت” Dying للمخرج ماتياس جلازنر، الذي يصور تفكك العائلة الألمانية وغياب الحب ولكن من خلال عمل هزلي يقوم على المبالغات والألفاظ الصادمة التي لم أجدها شخصيا، مضحكة بل شديدة القسوة لكن نقاد وصحفيي ألمانيا تفاعلوا معها لأنها تقربهم من فوضى الحياة التي تعيشها ألمانيا بل والسينما الألمانية في الوقت الحالي. إنه باختصار فيلم عن “السقوط” أو “التدهور” وغياب القيم، وجميع شخصياته تعاني من هذا السقوط، وليس من الممكن التعاطف مع أي منها، ربما باستثناء شخصية الأب المصاب بمرض الخرف.

أسدل الستار على الدورة الـ74 التي غلب عليها الاهتمام بالفيلم التسجيلي والهجين بين الروائي والتسجيلي، التجريبي، وعكست أيضا أزمة السينما الألمانية وتهافت مستواها، وغيابا من جانب شركات هوليوود الكبرى التي تنتظر المشاركة في مهرجان كان، والأهم لديها بالطبع، مهرجان فينيسيا الذي أصبح منذ سنوات، سيد مهرجانات السينما في العالم بفضل احترافية مديره الفني وبراعة اختياراته وتنوعها، وتنظيمه الدقيق والمريح، وقاعاته التي تتسع للجميع. ولكن لكل حادث حديث!

والخلاصة أن الدورة لا يمكن القول إنها تعكس أزمة السينما في العالم بقدر ما تبرز أزمة المهرجان الذي لايزال يبحث عن استعادة دوره القديم. فهل سيحدث مع المديرة الإنجليزية الجديدة التي ستتولى المهمة ابتداء من الغد؟ لا أحد يدري!

أفضل الأفلام لم تحصل على أي جائزة وهي في رأي كاتب المقال:

الفيلم الإيراني “كعكتي المفضلة” My Favourite Cake

الفيلم الإيطالي- السويسري “جلوريا” Gloria

الفيلم المكسيكي: المطبخ” La Cosina

الفيلم النمساوي: “حمام الشيطان” The Devil’s Bath

هنا قائمة كاملة لجميع جوائز المهرجان بما فيها الأقسام الفرعية المختلفة

COMPETITION

Golden Bear for Best Film: “Dahomey,” Mati Diop

Silver Bear Grand Jury Prize: “A Traveler’s Needs,” Hong Sangsoo

Silver Bear Jury Prize: “The Empire,” Bruno Dumont

Silver Bear for Best Director: “Pepe,” Nelson Carlos De Los Santos Arias

Silver Bear for Best Leading Performance: “A Different Man,” Sebastian Stan

Silver Bear for Best Supporting Performance: “Small Things Like These,” Emily Watson

Silver Bear for Best Screenplay: “Dying,” Matthias Glasner

Silver Bear for Outstanding Artistic Contribution: “The Devil’s Bath,” Martin Gschlacht, cinematography

ENCOUNTERS

Best Film: “Direct Action,” Guillaume Cailleau and Ben Russell

Best Director: “Cidade; Campo,” Juliana Rojas

Special Jury Award: (ex aequo) “The Great Yawn of History,” Aliyar Rasti; “Some Rain Must Fall,” Qiu Yang

BERLINALE DOCUMENTARY AWARD

Best Documentary: “No Other Land,” Basel Adra, Hamdan Ballal, Yuval Abraham, Rachel Szor

Special Mention: “Direct Action,” Guillaume Cailleau and Ben Russell

GWFF BEST FIRST FEATURE

Best First Feature: “Cu Li Never Cries,” Phạm Ngọc Lân

BERLINALE SHORTS

Golden Bear: “An Odd Turn,” Francisco Lezama

Silver Bear: “Remains of the Hot Day,” Wenqian Zhang

Special Mention: “That’s All From Me,” Eva Könnemann

Awards previously announced:

PANORAMA AWARDS

Panorama Audience Award: “Memories of a Burning Body,” Antonella Sudasassi Furniss
Second Prize: “Crossing,” Levan Akin
Third Prize: “All Shall Be Well,” Ray Yeung

Panorama Documentary Audience Award: “No Other Land,” Basel Adra, Hamdan Ballal, Yuval Abraham, Rachel Szor
Second Prize: “My Stolen Planet,” Farahnaz Sharifi
Third Prize: “Teaches of Peaches,” Philipp Fussenegger, Judy Landkammer

GENERATION AWARDS

Generation International Jury

Grand Prix for Best Film in Generation 14plus: “Who By Fire,” Philippe Lesage
Special Mention: “Maydegol,” Sarvnaz Alambeigi

Special Prize for Best Short Film in Generation 14plus: “A Bird Flew,” Leinad Pájaro De la Hoz
Special Mention: “Songs of Love and Hate,” Saurav Ghimire

Grand Prix for Best Film in Generation Kplus: “Reinas,” Klaudia Reynicke
Special Mention: “Through Rocks and Clouds,” Franco García Becerra

Special Prize for Best Short Film in Generation Kplus: “A Summer’s End Poem,” Lam Can-zhao
Special Mention: “Uli,” Mariana Gil Ríos

Youth Jury Generation 14plus

Crystal Bear for Best Film: “Last Swim,” Sasha Nathwani
Special Mention: “She Sat There Like All Ordinary Ones,” Qu Youjia

Crystal Bear for Best Short Film: “Cura Sana,” Lucía G. Romero
Special Mention: “Lapso,” Caroline Cavalcanti

Children’s Jury Generation Kplus

Crystal Bear for Best Film: “It’s Okay!,” Kim Hye-young
Special Mention: “Young Hearts,” Anthony Schatteman

Crystal Bear for Best Short Film: “Butterfly,” Florence Miailhe
Special Mention: “Soukun,” Dina Naser

INDEPENDENT JURY PRIZES

Ecumenical Jury Prizes
Competition: “My Favorite Cake,” Maryam Moghaddam and Behtash Sanaeeha
Panorama: “Sex,” Dag Johan Haugerud
Forum: “Maria’s Silence,” Dāvis Sīmanis
Special Mention: “Intercepted,” Oksana Karpovych

FIPRESCI Jury Prizes
Competition: “My Favorite Cake,” Maryam Moghaddam and Behtash Sanaeeha
Encounters: “Sleep With Your Eyes Open,” Nele Wohlatz
Panorama: “Faruk,” Aslı Özge
Forum: “The Human Hibernation,” Anna Cornudella Castro

Teddy Awards
Best Feature Film: “All Shall Be Well,” Ray Yeung
Best Documentary/Essay Film: “Teaches of Peaches,” Philipp Fussenegger, Judy Landkammer
Best Short Film: “Grandmamauntsistercat,” Zuza Banasińska
Jury Award: “Crossing,” Levan Akin
Special Teddy Award: Lothar Lambert

CICAE Art Cinema Award
Panorama: “Sex,” Dag Johan Haugerud
Forum: “Shahid,” Narges Kalhor

Guild Film Prize: “Dying,” Matthias Glasner

Label Europa Cinemas: “Sex,” Dag Johan Haugerud

Caligari Film Prize: “Shahid,” Narges Kalhor

Peace Film Prize: “Favoriten,” Ruth Beckermann

Amnesty International Film Award: “The Strangers’ Case,” Brandt Andersen

Heiner Carow Prize: “Ivo,” Eva Trobisch

AG-Kino Gilde Cinema Vision 14Plus: “Last Swim,” Sasha Nathwani
Special Mention: “Disco Afrika: A Malagasy Story,” Luck Razanajaona

OTHER PRIZES

Berliner Morgenpost Readers’ Jury Award: “Dying,” Matthias Glasner

Tagesspiegel Readers’ Jury Award: “A Family,” Christine Angot

DEVELOPMENT AWARDS

Kompagnon Fellowship: “The Shore,” Vladimir Beck; “Traversée,” Tizian Stromp Zargari

Artekino International Award: “Ich bin Marika,” Hajni Kis

Eurimages Co-Production Development Award: “Screaming Girl,” Antonio Lukich

VFF Talent Highlight Award: “Silence Sometimes,” Álvaro Robles
Honorable Mentions: “Astana Internet Stars,” Assel Aushakimova; “More Than a Hug,” Liselotte Persson

Talents Footprints (Masterd Enablement Program): “Radioxity Stop Motion Animation Academy,” Esther Kemi Gbadamosi; “Return to the Source: Film Workshop & Residency Programme,” Perivi John Katjavivi
Alumni Projects: “UnderCurrent,” Shuchi Talati; “Sunshine Cinema,” Sydelle Willow Smith

 

موقع "عين على السينما" في

25.02.2024

 
 
 
 
 

كلمة و 1 / 2..

درس مارتن سكورسيزى فى برلين!

كتب طارق الشناوي

نال مارتن سكورسيزى جائزة الدب الذهبى الفخرية عن مجمل أعماله فهو أحد أهم عمالقة الفن السابع عبر التاريخ.

تلك الجائزة تحفل بها العديد من المهرجانات الكبرى، وترصدها للكبار فقط، الذين اقتربوا من شاطئ النهاية، تبدو كأنها مكافأة نهاية الخدمة، إلا أن هذا المخرج الكبير لا يزال فى عنفوانه الفكرى والإبداعى، تجاوز الثمانين حقًا، لكن عقله لا يزال يقظًا ومبدعًا، كأنه فى العشرينيات، رأيته يتنقل برشاقة طوال أيام المهرجان.

(قتلة زهرة القمر) آخر أفلامه تم عرضه فى مايو الماضى على هامش مهرجان (كان)، والفيلم مرشح لأكثر من جائزة فى الأوسكار الذي تعلن جوائزه 10 مارس المقبل، ويعكف حاليًا على الإعداد لمشروعه القادم.

الإبداع الفنى والعمر الزمني، بينهما تناقض ما، يزداد العمر ويقل العطاء بمختلف أطيافه، ظاهرة إنسانية، لا أحد من حقه المكابرة، مرور الزمن يؤدى إلى عاملين يبدو ظاهريًا أنهما متناقضان، إلا أن بينهما تكاملاً ما، بقدر ما تمنح السنوات خبرة، تخصم أيضًا منا عددًا من القدرات حتى على المستوى الطبيعى، يحدث تناقص فى المعدلات القياسية، على السمع والنظر والقدرات الجسدية عمومًا، والإبداع يشتعل ويتجدد مع زيادة منسوب التلقى ومن مختلف الاتجاهات، ويظل الفيصل، بين فنان وآخر هو أن يزيد من حصيلة الاستقبال، رغم أن أدوات الاستقبال ليست فى كامل لياقتها.

الأمر يكمن فى وسيلة واحدة، عدم الخوف من الجديد، (الإنسان عدو ما يجهل) مقولة صحيحة تمامًا، الفارق بين إنسان وآخر هو فى قدرته على أن يحيل العداوة إلى صداقة.

هذا هو الطريق الوحيد، ترويض العداوة.

السينما تتطور تقنيًا، والمخرج عليه استيعاب كل ما هو جديد، فى التصوير والمونتاج والمؤثرات الصوتية والمرئية، وإذا لم يستوعب فلن يستطيع إنجاز أعماله، وسوف يصطدم لا محالة بكل تلك التحديات لتصبح معوقات.

وهكذا انسحب البعض من الميدان الفنى وتحديدًا السينمائى مجبرًا، مع تغيُّر أدوات التعبير بسبب تدخل التكنولوجيا فى كل التفاصيل.

لديكم مثلًا العلاقة مع (المنصات) كنافذة جديدة فى العرض، هناك من اعتبرها من أشد أعداء السينما، بينما هى فى الحقيقة، ينبغى التعامل معها بوجهها الإيجابى لصالح السينما، بعض المهرجانات رفضت الأفلام المنتجة من المنصات، وبعضها تعامل معها بمرونة، لأنها كانت وستظل فقط وسيلة جديدة فى العرض، تضيف ولا تخصم أو تلغى، فهى لن تعادى أو تستبدل مثلاً دار السينما بشاشة الكمبيوتر، كما أن هناك مشروعات تنتجها هذه المنصات يشترط أصحابها أن تعرض أولًا فى دور السينما لبضعة أسابيع قبل أن تصبح متاحة على (النت) مقابل دفع اشتراك.

والسينما كما أشار مارتن سكورسيزى فى المحاضرة التي ألقاها فى برلين قبل يومين بعد نيله (الدب الذهبى الفخرى)، السينما طقس اجتماعى، لا يمكن إلغاؤه أو استبداله، وهكذا قاومت عبر الزمن كل المستجدات العلمية مثل التليفزيون والفيديو والأسطوانة وظلت قادرة على الجذب الجماهيرى الجماعى.

جزء من سحر السينما يكمن فى المشاهدة مع جمهور لا تعرفه، وكل محاولات المشاهدة الفردية لم ولن تلغى أبدًا هذا الطقس.

استيعاب كل مفردات الزمن هو الطريق الوحيد لمن يريد استمرار العطاء، وهنا فقط تتحول الجائزة الشرفية لإنجاز العمر من مكافأة نهاية الخدمة، إلى دفعة قوية ينالها المبدع، ويقدم بعدها العديد من الإنجازات، وهذا هو سر وسحر المخرج مارتن سكورسيزى وسر وسحر السينما أيضًا!

 

مجلة روز اليوسف في

25.02.2024

 
 
 
 
 

الفيلم المكسيكي «المطبخ»… صراع المال والعنصرية والهجرة

نسرين سيد أحمد

برلين ـ «القدس العربي»: لا شيء يكشف ما يجري في قاع مدينة كبيرة أكثر من مطعم يعمل فيه مهاجرون غير شرعيين، أتوا إلى أمريكا آملين في الحصول على الجنسية. هذا ما يقدمه المكسيكي ألونسو رويسبلاسيوس في فيلمه «المطبخ». ففي قلب ميدان تايم سكوير في نيويورك، يقع مطعم «ذا غريل»، الذي تدور في مطبخه أحداث الفيلم. والفيلم لا يعنيه الطهي، ولا تشغله وصفات الطعام، بل يشغله الصراع على المال والطبقة والعنصرية، وآمال طاقم المطبخ المهمشين وصراعاتهم.

«المطبخ» هو الفيلم الروائي الرابع لرويسبلاسيوس. يشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين في دورته الرابعة والسبعين (15 إلى 25 فبراير/شباط الجاري). يبدأ الفيلم مع استيلا المكسيكية، التي لم تتم العشرين من عمرها بعد، وهي التي جاءت إلى نيويورك لا شيء في جعبتها سوى بضع كلمات انجليزية، واسم بيدرو، ابن قريتها، الذي يعمل في المطبخ، والذي ترجو أن يتوسط لها لتعمل هناك.

تدخل استيلا المطعم هو الباب الخلفي، حيث تتراكم المخلفات وأكياس القمامة وبقايا الطعام التي تتخاطفها الفئران. يقودها حارس أسود عبر دهاليز طويلة ذات طلاء متسخ إلى جوف المطعم. وطوال الفيلم لا نرى أبدا نيويورك وناطحات السحاب الأنيقة، ولا نرى متنزه سنترال بارك الشهير، إلا في لقطات معدودة. ولا نرى طوال الفيلم إلا الأزقة الخلفية، وجوف المطبخ، ومن يشغلونه من عمال غير شرعيين، يكدحون ويتشاجرون ويتبادلون السباب والمزاح الماجن.

المطبخ الذي نراه بأعين استيلا مطبخ متعدد الأعراق واللغات والأجناس، فيه عاملون من أمريكا اللاتينية.. نرى سودا يتحدثون الانجليزية، وسودا يتحدثون الفرنسية، وآسيويين، وشمال أفارقة. حتى مدير المطعم يدعى رشيد، وهو يتحدث الانجليزية بطلاقة، ولكن يبدو لنا من شمال إفريقيا. جميع هؤلاء العمال يتحملون ساعات العمل الطويلة والعمل الشاق والأجر الزهيد، آملين في أن يحصلوا يوما على حق الإقامة الشرعية في الولايات المتحدة.

الفيلم مقتبس من مسرحية للكاتب الانجليزي أرلنولد ويسكر بنفس العنوان، ولكن رويسبلاسيوس نقل أحداثها من لندن إلى نيويورك.. ما نشاهده في الفيلم هو التعامل والأخذ والرد بين هؤلاء العاملين في المطبخ، وهي تعاملات فيها الكثير من الضغط، بسبب العمل المتلاحق، الذي لا ينتهي، ويضاف إليها ضغط اختفاء مبلغ نحو ثمانمائة دولار من إيراد اليوم الماضي للمطعم، الأمر الذي يتزامن مع حاجة نادلة في المطعم إلى مبلغ مقارب لإجراء عملية إجهاض للتخلص من حملها من بيدرو، أحد طهاة المطعم.

يسخر رويسبلاسيوس من الحلم الأمريكي. ففي بلد الوفرة والطعام حتى التخمة تتعطل ماكينة تقديم المشروبات الغازية في المطعم، وتغرق أرض المطبخ بالمشروب الغازي، متحولة إلى نهر من المشروبات الغازية، تغوص فيه أقدام العاملين في المطبخ، ويفقدون اتزانهم ويسقطون، وتتسخ ملابسهم. يتحول حلم الوفرة الأمريكي إلى مجرد قاذورات لزجة تلطخ الأرض، وتضيف عناء إلى عناء العاملين المرهقين للتخلص منها. نرى الطعام الذي يعد في المطعم فلا نشتهيه، بل في بعض الأحيان نتقزز منه. ولا نشعر بأن الطهاة في المطعم يتلذذون بالطعام أو يتفننون في إعداده. كلها وجبات تعد على عجل تحت ضغط عمل كبير.

المشهد الوحيد الذي نرى فيه طعاما يعد على مهل وبمذاق، هي عندما يعد بيدرو شطيرة لحبيبته بمكونات جلبتها له استيلا من منزل والدته في المكسيك. إنه الحنين إلى الوطن، والحنين إلى مذاق أصلي، وليس كل هذه الوجبات السريعة المختلقة.

في أحد مشاهد الفيلم يحدث بيدرو حبيبته النادلة في المطعم عن السلطعون. يخبرها أن السلطعون كان يوما ما طعام الفقراء، يجده الصيادون وسط الأسماك في شباكهم، فلا يجدون له مشتر، فيقذفون به للفقراء على الشط. وذات يوم عنّ لأحد الطهاة المشاهير أن يجربه في مطبخ مطعمه، وأضاف له بعض المقبلات والتوابل، وأصبح السلطعون إثر ذلك طعام الأثرياء. يقولها بيدرو وتلتمع عيناه، متمنيا أن يكون له يوما حظ السلطعون. يتمنى أن يأتي اليوم الذي يخرج فيه من حيز الفقر والبحث عن الإقامة الشرعية إلى النور والمال.
« يقدم فيلم المطبخ» صورة مصغرة لنيويورك، أو فلنقل إنها صورة جميع المدن الكبيرة في الولايات المتحدة أو أوروبا الغربية، حيث يرد المهاجرون غير الشرعيين من كل حدب وصوب ليبتلعهم جوف المدينة. ويبقون هناك قابعين يديرون عجلاتها بجهودهم المضنية، على أمل أن يأتي اليوم، الذي يخرجون فيه إلى نهارها ويرون ضوء شمسها.

 

القدس العربي اللندنية في

25.02.2024

 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائي وزَّع جوائزه في دورة سادها التوتّر:

ماتي ديوب فتحت ملف ثروات أفريقيا المنهوبة ونالت “الدبّ”

هوفيك حبشيان

بجائزة سياسية بامتياز، اختُتِمت الدورة الرابعة والسبعين ل#مهرجان برلين السينمائي، فذهبت “الدب الذهب” للوثائقي “داهوميه” للمخرجة الفرنسية السنغالية ماتي ديوب، وهو فيلم يتناول قضية اعادة الآثار والكنوز إلى جمهورية بنين (مملكة داهوميه سابقاً)، بعدما كانت نهبتها فرنسا خلال فترة الاستعمار والحرب التي خاضها في تلك المملكة في أواخر القرن الثامن عشر.

لماذا سياسية؟ هناك أسباب عدة تجعلنا نقتنع بذلك: الفيلم لا يحمل ميزات فنية كبرى، وليس فتحاً في المجال السينمائي، بل تقتصر أهميته على خطابه الذي ينبش في ملف شائك، مستحضراً قضايا سياسية وتاريخية عدة على طاولة البحث، في مقدّمها العلاقة بين الغرب المستعمِر وأفريقيا المستعمَرة. وهذا ما كان حاسماً لرئيسة لجنة التحكيم، الممثّلة لوبيتا نيونغو كونها من أصول أفريقية (كينيا)، وهي للمناسبة أول امرأة أفريقية، تتسلّم هذا المهام، ويرى البعض انها أنحازت إلى قضية مخرجة تتشارك معها الأصول نفسها، بصرف النظر عمّا اذا كان العمل يستحق هذه الالتفاتة أو لا. هذا مع التذكير انها فقط رئيسة اللجنة، أي ان القرار لا يعود اليها وحدها. في أي حال، هذا ليس بجديد على مهرجان برلين، المسيس من الرأس إلى القاعدة، وذلك خلافاً لمهرجانات أخرى أقل تسييساً. هنا المضمون السياسي للأفلام قبل أي شيء آخر.

يأتي هذا الفوز في سياق سياسي شديد التوتّر والتعقيد، حيث كان الـ”برليناله” طوال 11 يوماً حلبة صراع سياسي واستقطاب إيديولوجي، ولم تكن الإدارة بدورها صامتة وعلى الحياد، بل حلّت طرفاً في التصدّي لليمين الصاعد في ألمانيا. بالمقابل، حاولت ان تمسك العصا في منتصفه في ما يتعلّق بالقضية الفلسطينية والحرب على غزة التي تشنّها إسرائيل، وذلك خلافاً لموقف الدولة المنحاز كلياً للاحتلال.

في هذا المناخ جاء فوز فيلم ديوب، فاكتسب معنى آخر… ديوب التي كانت فازت بـ”الجائزة الكبرى” عن “أتلانتيك” في مهرجان كانّ 2019. هناك مَن آمن بها منذ بداية مشوارها، وها انها “تسرق” أكبر جائزة برلينية، من 19 فيلماً نافستها. وعندما استلمت جائزتها مساء السبت، لم تنسَ ان تعبّر عن تضامنها مع فسلطين.

******

ماتي ديوب باريسية الولادة. نشأت في عائلة فرنسية سنغالية، والدها الموسيقي واسيس ديوب، أما أمّها فمصوّرة. هي ابنة أخت جبريل ديوب مامبيتي، مخرج “توكي بوكي” (1973). منذ أوائل العقد الأول من القرن الحالي، انطلقت في صناعة الأفلام الوثائقية، ونالت عنها العديد من الجوائز. هذه الأعمال وضعتها على خارطة سينما الشتات الأفريقية. سينماها المتنقّلة تعبر الحدود بين الأنواع والأشكال، كامتداد لهويتها المزدوجة.

هذه هي الدورة الثانية على التوالي، تذهب فيها “دبّ” برلين إلى فيلم وثائقي فرنسي. العام الماضي نالها “على قارب أدامان” لنيكولا فيليبير، عن مأوى للعلاج النفسي يرسو على نهر السين يرتاده بعض الذين يصنّفهم الطب بالمرضى. هذا الفوز انتصار يتجدّد لصنّاع الفيلم الوثائقي، الذين لطالما عانوا من “التضييق” على أعمالهم داخل المهرجانات، بحيث ظلّت بعيدة من المسابقة الرسمية التي تضم عادةً أحدث ما أنجزه السينمائيون الكبار.

******

ليس “داهوميه” فيلماً سيئاً، ولكنه لا يرتقي إلى أرفع جائزة في المهرجان. سواء أحببناه أو لا، فلا يمكن ان ننكر ان الموضوع ذا أهمية قصوى، أقله بالنسبة إلى ديوب: قضية اعادة 26 تحفة أثرية تعود ملكيتها إلى مملكة داهوميه. في تشرين الثاني من العام 2021، تكفلّت فرنسا اعادة تلك الأعمال إلى وطنها، وذلك بعد سن قانون صدر في عهد ماكرون. أحدث نقل التحف بهجة شعبية ورسمية تصوّرها ديوب من دون ان تتوسّع في الموضوع كثيراً، اذ يدور على نقطة محددة جداً. فمن خلالها، يمكن تخيّل العلاقة الاشكالية بين أوروبا وأفريقيا، ولكن الفيلم لا يرى أي لزوم لخوضها طولاً وعرضاً، بل يتركها رهناً للاجتهاد. كل ما تقوم به ديوب هو الطرق على الباب، لعل الرد يأتي من خلفه.

لكن الفيلم لا يكتفي بهذه الواقعة، بل ربما المسألة الأهم لا كيف يُعاد التراث الأفريقي إلى أصحابه، بل كيف يتم تلقّيه من الجانب المُرسل اليه. سجال طويل ومثمر سيخوضه طلاب احدى الجامعات في بنين، انطلاقاً من هذه القضية. وكأي سجال، هناك مؤيد ومعارض ومَن يقف في المنتصف. انه سجال صحي بلا شك، يعكس التحولات التي تطرأ على العالم الحالي، محدثةً قطيعة مع فكرة المهيمِن والمهيمَن عليه، تساهم في تقريب أفريقيا من تاريخها. نرى شباباً يواجهون أسئلة جديدة لم تواجه من قبل.

تختار ديوب معالجة راديكالية. نتابع على أثرها رحلة التمثال من متحف كيه برانلي في باريس إلى القصر الرئاسي في كوتونو، ونرى ذلك من وجهة نظره (التمثال)، منذ لحظة وضعه في صندوق حتى وصوله إلى وطنه الجديد/القديم، مروراً بصعوده في الطائرة. يتكفّل التمثال نقل قصّته بنفسه من خلال تعليق صوتي يبقى صداه في الرأس. هذا يمد الفيلم أيضاً بصوت وكأنه يأتي من أعماق التاريخ ويربط الحاضر بالماضي. يحمل الصوت في داخله صرخة أفريقيا، حيث يموت الهاربون منها في البحر. وفي حين تحدث الهجرة من الجنوب إلى الشمال، يهاجر التمثال في الاتجاه المعاكس لهذا المسار.

******

الكوري هونغ سانغ سو نال جائزة لجنة التحكيم الكبرى عن “احتياجات مسافرة”، فبدا مستغرباً، اذ سأل اللجنة عمّا وجدته في فيلمه يستحق عليه ذلك الفوز. جديده لا يختلف في شيء عمّا صوره في أفلامه الأخيرة التي بدورها لم تختلف عن سابقاتها: ثرثرة ومواقف باهتة وقصص عقيمة، مينيمالية مملّة. إيزابيل أوبير (ثاني تعاون بينهما)، تجسّد هنا سيدة يُطلب اليها تعليم اللغة الفرنسية، وهذا ما ستفعله، كون لا شيء يشغلها أصلاً، سوى الجلوس على حافة صخرة أو التجوّل في الحدائق، أو احتساء شرابها المفضّل.

جائزة لجنة التحكيم التي نالها الفرنسي برونو دومون عن “الأمبرطورية” كانت مستحقّة حقّاً. فالفيلم منتهى الغرابة، لا يعطينا أي فكرة إلى أين يحملنا خلال النصف الأول منه، قبل ان ندرك اننا أمام محاكاة لأفلام الخير والشر الأميركية، خصوصاً في سينما الخيال العلمي. دومون يحتال على النوع، آخذاً إياه إلى عالمه الخاص، ومموضعاً الحكاية في عمق الريف الفرنسي بشخوصه ومحليته، أي في بيئة يعرف كيف يصوّرها. النتيجة غير متوقّعة على أكثر من مستوى، وتجعل الفيلم عملاً يستحق المشاهدة، لكن على المتلقّي ان يبدي انفتاحاً على المغامرة.

في المقابل، كثر لم يفهموا أي شيء من “بيبيه” للمخرج الدومينيكاني نيلسون كارلوس دو لوس سانتوس أرياس، الذي نال جائزة أفضل مخرج، وهذا كان ثاني وثائقي ضُمَّ إلى المسابقة، علماً انه يتضمّن مشاهد مع ممثّلين، وليس وثائقياً خالصاً. العمل يغرق في الغرابة المتعمّدة والغموض الفخور بنفسه، وهو عن فرس نهر تعود ملكيته على ما يبدو إلى تاجر المخدّرات الراحل بابلو إسكوبار (!).

******

السينما الألمانية كان لها حصّة بسيطة من الجوائز، اذ نال المخرج ماتياس غلاسنر جائزة أفضل سيناريو عن “أن نموت”، حكاية عائلة تجتمع في مواجهة الموت. عمل مدّته ثلاث ساعات نال بعض الاهتمام، لكن لم يكن نصيبه أكثر من هذه. في حين أُعطي جائزة أعظم مساهمة فنية لـ”حمام الشيطان” ومصوّره مارتن غشلاشت. أخيراً، وبعدما أُلغيت قبل فترة الجائزتين المخصصتين للتمثيل لعدم التمييز جندرياً وتم دمجهما في واحدة، أُسندت “أفضل تمثيل” إلى الأميركي من أصل روماني سيباستيان ستان عن دوره المميز في “رجل مختلف” لأيرون شيمبرغ حيث يجسّد دور رجل مشوّه الوجه يخضع لعملية ترميم، ثم تنقلب حياته رأساً على عقب عندما يعلم ان ممثّل ذو وجه مشوّه هو بطل مسرحية عن حياته السابقة. أخيراً، وليس آخراً، حصلت الممثّلة البريطانية إيملي واتسون على جائزة أفضل ممثّلة في دور ثانوي، عن شخصية الراهبة في “أشياء صغيرة كهذه” الذي كان افتتح الدورة المختتمة مساء أمس، وعرض خلالها أكثر من 200 فيلماً كما انه شهد اقبالاً جماهيرياً كبيراً، في مدينة سيطر عليها الطقس الربيعي. أما الأجواء التي سادت في الصالات، فتلك حكاية أخرى لم ننتهِ من الحديث عنها مع نهاية المهرجان.

 

النهار اللبنانية في

26.02.2024

 
 
 
 
 

هل يكفي التسييس ليفوز "داهوميه" الوثائقي بجائزة برلين؟

مفاجآت غير سارة ومخرج كوري استغرب منحه "الدب الفضي" وسأل لجنة التحكيم ماذا وجدتم في فيلمي؟

هوفيك حبشيان  

لم تغب المفاجآت عن مهرجان برلين السينمائي (15 - 25 فبراير/ شباط) هذه السنة، وفي جو من النقاش والتظاهر، فازت أفلام لأسباب سياسية، وبعضها وثائقي لا يرقى إلى مرتبة الفن السينمائي الروائي الحقيقي. فللعام الثاني على التوالي، يفوز فيلم وثائقي فرنسي بالجائزة الكبرى في، إثر إسناد "الدبّ الذهبي" مساء أمس إلى "داهوميه" للمخرجة الفرنسية من أصل سنغالي ماتي دويب بعدما كان نالها السنة الماضية فيلم "على قارب الأدامان" لنيكولا فيليبير، علماً أن الفيلمين مختلفان جداً أحدهما عن الآخر، طرحاً وأسلوباً.

"داهوميه" هو أحد الفيلمين الوثائقيين اللذين شاركا في مسابقة الدورة 74، وكان فوزه متوقّعاً بعض التوقع بسبب ترؤس لجنة التحكيم لوبيتا نيونغو، وهي ممثّلة مكسيكية من أصول أفريقية (كينيا)، ذاع صيتها إلى حد ما بعد اضطلاعها بدور باتسي في فيلم "12 سنة عبداً" لستيف ماكوين، واضطلعت فيه بدور "عبدة" تعمل في حقول القطن التي يملكها رجل أبيض يعاملها معاملة غير إنسانية. وفازت عنه وقتذاك بجائزة "أوسكار" أفضل دور ثانوي. وتردد خلال المهرجان أنها تعاطفت مع القضية التي يطرحها "داهوميه" وهي استعادة جمهورية بنين (مملكة داهوميه سابقاً)، لبعض من كنوزها المنهوبة التي تنتمي إلى تراثها، وهذا خلال إحدى الحروب التي خاضتها الإمبرطورية الاستعمارية الفرنسية في القرن الثامن عشر. موضوع يجمع بين السياسي والثقافي والعلاقة التاريخية المعقّدة بين أفريقيا والغرب وتاريخه الاستعماري، لدرجة بدا الخيار الأمثل لتسجيل موقف عبر تظاهرة ثقافية فنية شهدت هذا العام الكثير من التجاذبات والاستقطابات السياسية، خصوصاً في ظل الحرب الإسرائيلية على غزة.

لوبيتا نيونغو أول سيدة من أصول أفريقية تتولّى رئاسة لجنة تحكيم برلين، وهذه اللجنة أعطت "الدب" لثاني شخص من أصول أفريقية نالها في تاريخ برلين، إذ كان فاز بها "أو كارمن" للجنوب أفريقي مارك دورنفورد ماي في عام 2005. لكن، هذه ليست أول جائزة تنالها ديوب، فهي حازت على الجائزة الكبرى عن فيلمها الأول "أتلانتيك" في مهرجان كانّ عام 2019.

هل يستحق الفيلم هذه الجائزة الرفيعة؟ الرد معقَّد. فهو يستحقّها ولا يستحقّها في أن واحد. الفكرة ليست ثورية والتنفيذ مقبول، لكن هل يصح أن ينافس أعمالاً روائية أكثر تعقيداً وتأتي بأطروحات أعمق واحتاجت إلى جهد أكبر كي تُنجز؟

مسار التماثيل

يوثّق "داهوميه" مسار التماثيل والآثار والتحف التي قررت الدولة الفرنسية إعادتها إلى جمهورية بنين، بعدما سُنَّ قانون عام 2020 في البرلمان الفرنسي يتيح ذلك. إلى هنا، لا شيء جديداً في الفيلم، ولكن في لحظة من اللحظات، يبدأ أحد التماثيل الذي يحمل رقم 26 في الحديث عن تجربته في التواجد داخل مكان غير مكانه وبعيداً من بيئته طوال عقود، وعن تاريخه ورؤيته للاستعمار، وإلى ما هناك من مسائل وقضايا. هذا كله خلال الرحلة التي يقوم بها من متحف كيه برانلي في باريس إلى القصر الرئاسي في كوتونو حيث وجهته الأخيرة. سيكون في انتظاره هو وغيره العديد من أهل البلد في استقبال رسمي حاشد.

الفيلم يدور في فلكين: الأول يحاول أن يرتقي بالحدث إلى مرتبة الميثولوجيا، رابطاً الحاضر بالماضي، في حين ينزل الثاني إلى أرض الواقع ليسجّل النقاش الذي تثيره عودة الكنوز إلى ديارها، مع التذكير أن ثمة الكثير من تلك الآثار التي يُنتظر عودتها ولم تستردها الدولة بعد. وهذا موضوع نقاش طلبة إحدى الجامعات، وفيها تموضع ديوب كاميراها. فلا يكفي أن يعود التراث الأفريقي إلى بيئته الطبيعية، بل هناك كثير ممّا يجب أن يُقام في هذا المجال، انطلاقاً من سؤال الهوية الأفريقية ومستقبل الشباب في القارة السمراء، الذين من الواضح أنهم لم يتعودوا أن يذهب أي شيء من أفريقيا إلى أوروبا ليعود منها لاحقاً. فالهجرة كانت دائماً من الجنوب في اتجاه الشمال، وللمرة الأولى تقوم جهة ما بهجرة عكسية، لتصبح أحد مواضيع فيلم ديوب التي تقدّم فيلماً وثائقياً فيه فانتازيا والاستعانة بالأساطير، من دون أن يستسلم إلى الرؤية الكلاسيكية والمعالجة التقليدية.

العديد من الأقلام أثنى على خيار اللجنة، للأسباب عينها التي جعلت الفيلم يفوز: عدم القدرة على تجاهل الخطاب السياسي فيه، وهذا هو العيب الذي يؤخذ على الـ"برليناله"، إذ ينحاز دائماً إلى السياسة على حساب الفن.

جائزة لجنة التحكيم الكبرى ("دب فضي") ذهبت إلى المخرج الكوري هونغ سانغ سو عن "احتياجات مسافرة"، وفيه تضطلع إيزابيل أوبير بدور فرنسية تمضي وقتها في شوارع العاصمة الكورية وتعلّم اللغة الفرنسية لسيدتين. ثم تتعرف إلى شاب تقيم هي في منزله، ويتبادلان أطراف الحديث. سانغ سو، المعروف بسينماه المينيمالية والذي يترك مساحات غامضة في أفلامه، من الذين اعتادوا عرض جديدهم في المهرجان، وهو خلال تسلّمه الجائزة، توجّه مستغرباً إلى أعضاء لجنة التحكيم بسؤال: "ماذا وجدتم في هذا الفيلم؟".

"الإمبراطورية" للفرنسي برونو دومون، أغرب أفلام المسابقة وواحد من أفضل ما عُرض في ساحة بوتسدامر هذا العام، وجدته اللجنة أهلاً لجائزة لجنة التحكيم ("دب فضي"). دومون الذي عودنا على المعالجات الغريبة لمواضيع شائكة تأخذ من عمق الريف الفرنسي مسرحاً لها، يطلق حرباً بين معسكري الخير والشر، لكن يجب عدم توقع أي شيء يتقيّد بالمنطق، فكل شيء هنا متروك لمخيلته الخصبة، من خلال محاكاة أفلام علم الخيال الهوليوودي التي يقول عنها المخرج القدير بأنها تحكي ما تحكيه سينما المؤلف الجادة، لكن بلغة وأساليب وأنماط مختلفة. وهذا الفرق بين السينمايين هو موضوع الفيلم.

"پيپيه" للمخرج الدومينيكاني نيلسون كارلو دو لوس سانتوس أرياس، شكّل فوزه مفاجأة، إذ أُعطى جائزة أفضل مخرج ("دب فضي")، فيلم غرائبي حافل بالدلالات والرمزيات التي تجمع الأماكن والأفكار في توليفة سينمائية عجيبة جداً تخربط طريقة التلقي التقليدي عند المُشاهد، علماً أن فرس البحر هو الشخصية الرئيسة فيه. أما جائزة أفضل تمثيل، فكانت من نصيب الممثّل الأميركي الروماني سيباستيان ستان عن دوره في "رجل مختلف" للأميركي أيرون شيمبرغ، حيث لعب دور شاب أربعيني يعاني من تشوّه في وجهه، نتيجة إصابته بمرض الورم العصبي الليفي، إلى أن يحدث ما لم يكن في الحسبان: يخضع لعملية يعود بعدها إلى وسامته، إلا أن حادثة معينة تجعله يطوق إلى مظهره السابق.

في المقابل، أُعطيت الممثّلة البريطانية إيميلي واتسون جائزة أفضل دور ثانوي عن شخصية الراهبة التي تجسّدها في "أشياء كهذه" لتوم ميليانتس، فيلم الافتتاح المتواضع فنياً الذي لم ينل أي جائزة غير هذه. كذلك فاز "أن نموت" للمخرج الألماني ماتياس غلاسنر، جائزة أفضل سيناريو، وهو فيلم يمتد على ثلاث ساعات تتحدّث عن لم شمل عائلة في مواجهة لحظة الموت القاسية، علماً أنه نال إعجاب الكثيرين. أخيراً، لم تنسَ اللجنة رد الاعتبار إلى "حمّام الشيطان" للنمسويين سيفيرين فيالا وفيرونيكا فرانز (بورتريه نفسي لسيدة ريفية في زمن المحرمات الدينية)، من خلال إعطائه جائزة أعظم مساهمة فنية.

 

الـ The Independent  في

26.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004