ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان برلين 74: مخرج يدعو إلى “ديموقراطية الجنس” وآخر إلى اعادة تأهيل القتلة!

هوفيك حبشيان

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لم يحدث "#الزائر" للمخرج الكندي بروس لابروس، المعروض في #مهرجان برلين السينمائي (15-25 الجاري) الفضيحة المشتهاة التي كان يمكن ان تقع لو عُرض مثلاً في كانّ. هذا لا يعني ان جمهور المهرجان الفرنسي، أقل انفتاحاً من المشاركين في زميله الألماني، وأكثر حرصاً على القيم أو غير قادرين على تحمّل الخضّات. الموضوع بسيط: لا شيء يرتقي هنا في برلين إلى مستوى الفضيحة، مهما عُرض ومهما قيل، وهذه ربما طبيعة الألمان، تمر الغرائبيات على مرأى منهم ولا يكترثون. حتى الأشياء التي يحبّونها، يتعاملون معها بطرف الأصابع، من دون إظهار حماسة مفرطة تجاهها. أما الصحافة الأجنبية، فمن الصعب معرفة كم من أفرادها شاهدوا هذا العمل المستفز الذي عُرض في قسم "بانوراما". فكثيراً ما يكون التركيز، هنا وفي المهرجانات الأخرى، على أفلام المسابقة. في أي حال، متى آخر مرة أحدث فيلم بلبلة في برلين؟ لا أذكر ان ذلك حدث على أيامي!

******

"الزائر" نسخة بورنوغرافية لـ"تيوريما" لبيار باولو بازوليني الذي يتناول حكاية بسيطة: شخص يُدعى الزائر يقتحم خصوصية عائلة إيطالية ويغوي كلّ أفرادها، وصولاً إلى ان ينام معهم جميعاً. عندما أنجزه بازوليني في نهاية الستينات، أراده نقداً لاذعاً لقيم البورجوازية الإيطالية، والفيلم أحدث فضيحة آنذاك عند خروجه إلى الصالات، وهذا ما يطمح اليه لابروس في نسخته الحالية عنه. في أي حال، ما كان يعالجه بازوليني بالتلميح والايحاء، يتعامل معه لابروس بمشاهد صريحة واضحة.

اذاً، بعد 56 سنة، جاء لابروس ليقدّم تحديثاً لفيلم بازوليني، وتلبيسه رداء جديدا. فالعالم، لمن لا يعلم، شهد الكثير من التقلّبات منذ ذلك الحين، وفي مقدّمها ما يُعرف بالهجرة غير الشرعية من الجنوب إلى الشمال. ترنس ستامب عند بازوليني تحوّل إلى مهاجر أفريقي (بيشوب بلاك) عند لابروس نتيجة ذلك. انه شاب ذو جسد مرسوم، يحط على شاطئ مدينة بريطانية، ويخرج من شنطة كان اختبأ داخلها. نعم، يبدأ الفيلم على هذا النحو الهزلي. هذا بالنسبة إلى الصورة، أما الشريط الصوتي، فينطوي على تعليق رجل يستنكر غزوة حضارات متخلفة لبلاده. يسمي المهاجرين "صراصير" في امكانهم الصمود حتى أمام القنبلة الذرية، لا بل يدعو إلى إبادتهم والتخلّص منهم بأي ثمن. ويستمر التعليق الصوتي المعادي للهجرة في الدقائق الأولى، معبّراً عن قرفه من هذه الظاهرة وبغضه لها.

لا يبذل الزائر الكثير من الجهد لبلوغ منزل العائلة التي سيغويها، وهي مؤلّفة من أب وأمّ وابنة وابن، كلهم على قدر من الغرابة ويستسلمون بسهولة. نجده فجأةً في منزلهم، وكأن الأشياء جاهزة لا تنتظر الا وصوله. في مشهد مقزز، يعدّ طبّاخ العائلة مأدبة عشاء مستخدماً بول الزائر وبرازه من جملة المكونات. نعم، قرأتم جيداً: بوله وبرازه! هذا المشهد (لعله تحية إلى "سالو" لبازوليني)، سيمهّد لسلسلة لا تنتهي من العلاقات الجنسية، سيقيمها الزائر، حيناً مع الأب والأم، وحيناً مع ولديهما، وفي الأخير مع الجميع في فراش واحد. ولا نتحدّث عن جنس تقليدي: تعذيب وفيتيشية، سادو مازوخية وسفاح قربى، وكل ما يمر في البال. لن يوفّر ذكراً أو أنثى، فالطريق سالكة في كلّ الاتجاهات، والعائلة تخضع له، لا بل تجلد ذاتها. وكأن الفيلم، يطمح إلى وضعنا أمام واقعين: عنصرية من هذا الطرف، وآكلي براز اللاجئين من ذاك. في أي حال، لا يمر الكثير من الوقت، قبل ان نعي ان اللجوء عند لابروس شيء مرتبط بالجنس، اذ انه يدعو إلى قلب الآية، ليصبح مُستعمَر الماضي، مُستعمِر اليوم، لكن لا بعقله بل بقضيبه!

******

على مشاهد المضاجعة (غير المثيرة ولا توجد فيها أي حسية، وربما هذا مقصود)، يمرر الفيلم شعارات وبيانات سياسية وعقائدية فضفاضة، لا يمكن أخذها على محمل الجد، بل هي مجرد تحريض على التفكير أو شعارات انتخابية ملعوبة. من جملة ما يرد على الشاشة: "حدود مفتوحة أفخاذ مفتوحة"، "رؤية جنسية جديدة للمملكة المتحدة"، "ديموقراطية جنسية، صوّت للتغيير"، "انضم إلى النظام العالمي الجديد"، وغيرها وغيرها…
يحمل الفيلم اسلوباً خاصاً قريبا من سينما الأندرغراوند، لكن بموازنة عالية نسبياً ومعالجة بصرية لا تهمل تماماً الصواب التقني، هذا مع العلم ان فرط الاسلوبية فيه لا يكون دائماً لمصلحته. لكن، هذا هو الفيلم، نأخذه كما هو أو نرفضه كما هو. لا يمكن اصلاحه أو ارشاده. يعطي لابروس الانطباع بأنه يتسلّى، في فيلم يتسبّب له بالمتعة والنشوة.

اليكم الأجواء: ألوان فاقعة على موسيقى إلكترونية، وكادر داخل الكادر، وكاميرا مهزوزة لا تبالي. هذه نسخة "كيتش"، سوقي، صادم، "كويري"، لفيلم المعلّم بازوليني، يعرف لابروس ذلك جيداً ويتحمّل "عواقبه". في الأخير، ماذا يمكن ان نستنتج من عمل يمكن قراءته على مستويات عدة، خصوصاً ان الزائر ليس سوى جسد: عضلات، شفتان، قضيب. أما لسانه فأقل أعضائه استخداماً، اذ لا يقول الكثير.

 

النهار اللبنانية في

23.02.2024

 
 
 
 
 

"الداعشي" العائد يخض القرية التونسية ومهرجان برلين

المخرجة مريم جعبر تتناول ظاهرة التحاق الشباب بالتنظيم الإرهاي في سوريا ورد فعل الأهالي

هوفيك حبشيان  

فيلم تونسي، وهو آخر أفلام المسابقة، صنع مفاجأة سارة في مهرجان برلين السينمائي (15-25 الشهرالجاري) الحافل بالأفلام المتوسطة الجودة. انه “ماء العين”، باكورة الأعمال ، وهو آخر أفلام المسابقة. "ماء العين"، باكورة الأعمال الروائية الطويلة للمخرجة الشابة مريم جعبر (صاحبة الفيلم القصير "أخوان" - 2018)، الذي يعود مجدداً إلى النبش في أحد المواضيع التي تكرر طرحها في السينما التونسية خلال السنوات الأخيرة: الشباب التوانسة الذين انضمّوا إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي، لخوض معارك مسلحّة في سوريا، قبل أن يعودوا إلى الوطن لمواجهة السجن. آخر الأفلام التي تطرقت إلى هذه القضية، هو "بنات ألفة" لكوثر بن هنية، الذي عُرض في الدورة الأخيرة من مهرجان "كان" السينمائي، وهو مرشّح حالياً لجائزة "أوسكار". لكن معالجة جعبر ورؤيتها للموضوع، تبتعدان سنوات ضوئية عمّا قدّمته زميلتها. من دون أن تقع في فخ "فيلم الملف" الذي يحاول الإحاطة بالموضوع من كل الجوانب، لا سيما السوسيولوجية منها، تقدّم جعبر عملاً سينمائياً ناضجاً ومتماسكاً، كل لقطة فيه تتنفّس سينما، ولا مبالغة في القول إننا إزاء أحد أفضل أفلام المسابقة ومرشّح حقيقي لـ"الدب الذهبي". 

ينظر الفيلم إلى مسألة الخيبة الناتجة عند بعض الذين انضموا إلى صفوف التنظيم الإرهابي، من وجهة نظر التجربة الفردية والعائلية الأليمة، من دون أن يفتي بأي شيء في هذا المجال، ومن دون السقوط في وحول الأخبار الكاذبة المستقاة من قصاصات الصحف الصفراء. قيل وكُتب وصُوِّر الكثير عن ضحايا تنظيم داعش، وقد آن آوان النظر في معاناة أهالي الإرهابيين الذين ظلوا في الظلّ، وهذا يحتاج إلى جرأة وفضول ورغبة في الابتعاد عن السهولة والإبحار عكس التيار.  

تونسيان يقاتلان في سوريا

القصة التي في "ماء العين"، هي أولاً قصة أم، عائشة (صالحة نصراوي)، ذهب إثنان من أولادها إلى القتال في سوريا، وها أحدهما (مهدي - مالك مشرغي) يعود بعدما ترك أخاه جثّة على أرض المعركة. المشكلة أنه لا يعود وحده، بل تصاحبه امرأة سورية، منقّبة وحامل، غامضة ومشبوهة، لن نسمع صوتها قط طوال الفيلم كله، تزوجها مهدي بعدما أنقذ حياتها، كما يقول. العائلة، وفي مقدّمها الأب (محمد حسين غرايا)، مستاء من رؤية ابنه يعود، وذلك لألف سبب وسبب. فهو رغم ريفيته، يبدو على قدر من الانفتاح مقارنةً بالإبن وأقل تعصّباً منه. أما الأم فتبقى أماً، تماماً كما هي حال الأم الدانماركية في "أبناء" لغوستاف مولر (فيلم آخر يشارك في المسابقة)، فهي مأخوذة بعطفها على ابنها وفي الوقت نفسه تريد أن تفهم ماذا حدث في جحيم سوريا ولماذا عاد هو ولم يعد أخوه. عودة الإبن الضال، تحدث اضطراباً على نطاق القرية التي تجري فيها الأحداث (شمال تونس)، فيُغرق الفيلم كله في أسى مزمن وسوداوية شديدة وأجواء متوترة تصورها جعبر عبر كادرات فيها عناية فائقة وحسّ بصري هائل (تصوير فنسان غونفيل)، تعكس ما في دواخل الشخصيات من صراعات متناقضة، وذنب وسقم وعار، وغيرها من الأحاسيس التي تنقلها كاميرا جعبر في شكل لافت لا يمكن التعبير عنها بالكلمات. وما أدراكم ما الذنب في حكاية كهذه! هي الثيمة التي لا يتوقّف الفيلم عن العودة اليها، خصوصاً في ظلّ ما يشعربه الجميع تجاه الجميع: الأخ تجاه أخيه وأهله وضحاياهما، والأهل تجاه الأبناء. 

هناك تفاصيل تخص شخصية الزوجة الحامل، لا يمكن كشفها أو تناولها في المقال، لأن هذا سيفسد على المُشاهد متعة الاكتشاف لما تمثّله. هذا كله محبوك حبكاً ممتازاً، والأهم أنه لا يسمح لنا أن نتوقّعه، لا بل سيتركنا مع حالة من الارباك الإيجابي.  

الفيلم بأكمله مصوَّر ككابوس تدور فصوله في وضح النهار، نعيشه وتعيشه الشخصيات بعيون مفتوحة، وهذا ما يعطيه كاراكتيراً خاصاً به. الأم شخصية محورية، فيما الآخرون كلهم يتحلّقون حولها. إنها الأصل، ومنها يتفرع كل شيء وإليها يعود. 

بيئة الحكاية

الأماكن التي موضعت فيها جعبر الحكاية، أي عمق الريف التونسي، تلقي بظلالها على الكاراكتيرات. يستمد الفيلم منها شرعية، فتصبح شخصيته أكثر تماسكاً وأكثر تجذراً في البيئة. وبالرغم من أن المخرجة عاشت طوال حياتها في الولايات المتحدة، فإنها تلتقط خصوصية هذه البيئة كما يتعذّر على المولودين فيها التقاطها. فكرة الزج بالأحداث في الطبيعة موفّقة وتأتي بثمارها على مستوى المناظر واحتضانها للشخصيات، فتلك المناظر غير منفصلة تماماً عن تصرف الناس وسلوكهم. الطبيعة قاسية كقسوة علاقاتهم بعضهم ببعض. ولكن، هذا ليس فيلماً ينبغي أن نتوقّع منه عواطف جياشة، كل شيء فيه ممسوك ومنضبط وعلى قدرعال من الثبات الإنفعالي، لا يملي علينا أي نوع من الأحاسيس، بل يتركنا على سجيتنا. رد الفعل يتأخّر ربما، لكنه يأتي، حتى بعد صعود جنريك النهاية.

صحيح أن جعبر، كامرأة أولاً وكمخرجة ثانياً وكتونسية ثالثاً، تضع قضية المرأة في عمق المسألة الإرهابية، وترد لها الاعتبار، سواء كانت زوجة أو أماً أو ابنة، لكنها تفعلها بصدق، من دون أدنى توظيف طمعاً بتمويل. 

وكأي نصّ يمعن في المحلية، فهو ينتهي بأن يخاطب شريحة أوسع. هذه واحدة من نقاط القوة في الفيلم، لأن معناه  يتجاوز المكان الذي يأتي منه، وهذا مرتبط بواقع أنه يحاول أن ينزل إلى عمق السؤال وعدم الاكتفاء بشيطنة الأشياء، وهذه مساحة تتيحها السينما، خلافاً لوسائل الاعلام. 

عند السؤال عن اطلاعها على قضية الإرهاب الذي يمارسه "إسلاميون" ، تقول المخرجة في مقابلة: "لم أرغب في التركيز على هذه النقطة. إقتصرت نيتي على التقرب من سؤال انضمام الأخوين إلى داعش من منظور عالمي، مع تسليط الضوء على حقيقة أن هذه الظاهرة ليست حكراً على التطرف الإسلامي. أردتُ لفت الانتباه إلى الأصولية عموماً. شعرتُ بالفضول إزاء التجربة العائلية والشخصية المؤلمة التي تدفع بشخص ما إلى السقوط في الإيديولوجيا المتطرفة. إني من الجيل الذي نشأ في الولايات المتحدة ما بعد 11 سبتمبر/ أيلول. شهدت تونس ما بعد ثورتها، ارتفاعاً ملحظوظاً في التطرف والفكر المحافظ، كرد فعل على عدم الاحساس بالأمان. وما يثير اهتمامي هو القواسم المشتركة بين الأشخاص الذين يندفعون إلى اتخاذ إجراءات متطرفة، سواء عبر الانضمام إلى جماعات أصولية أو اعتناق إيديولوجيات متطرفة. يبدو أنهم كلهم ينطلقون من مكان واحد: البحث عن معنى ومساحة آمنة داخل مجموعة في أوقات الخوف، ومتنفس للجرح الشخصي والغضب والاستياء. يسهل تصنيف شيء ما على أنه محض شر والابتعاد عنه، لكنّ الأصعب هو فهم جذور المشكلة بهدف معالجتها". 

 

####

 

أزمات عربية في مهرجان برلين: السياسة قبل الفن

فيلم ينقل مأساة السوريين في قارب الهرب وآخر يوثق الأمل المفقود في لبنان

هوفيك حبشيان  

يحضر العالم العربي بأزماته السياسية والاقتصادية وحروبه وثوراته إلى الدورة الـ74 من مهرجان برلين السينمائي الذي يختتم مساء غد، ولو بمشاركة خجولة هذا العام. هذا ما نلمسه من خلال مشاهدتنا عديداً من الأعمال التي إما تأتي من العالم العربي مباشرة ومن منظور عربي خالص، أو تحمل توقيعات سينمائيين أجانب لهم اهتمامات بالعرب وبشؤونهم ومشكلاتهم وقضاياهم، خصوصاً في ظل اللجوء الذي تشهده بلدانهم. لسوء الحظ، إن الجودة على المستوى الفني ليست دائماً المعيار الوحيد الذي يقنع المبرمجين لضم هذه الأفلام إلى مهرجانهم. فالانفتاح على قصص وتجارب من مناطق مختلفة من العالم، وإعطاء منبر لمن لا منبر لهم، من هواجس مهرجان برلين الذي كثيراً ما تباهى بأنه تظاهرة سياسية في المقام الأول، ولا يهم إذا كان الفيلم المشارك فيه يتضمن عديداً من العيوب الإخراجية والهفوات الكتابية والضعف الأدائي.

أحد النماذج الصارخة التي تعبر عن هذه النزعة إلى تفضيل المضمون الإنساني والسياسي على الشكل الفني وطريقة المعالجة، هو "حال الغريب" (قسم "خاص برليناله") للمخرج والناشط في مجال حقوق الإنسان برانت أندرسن، الذي سبق أن أنجز فيلماً قصيراً بعنوان "لاجئ"، كان رشح لـ"أوسكار"، مما جعله يقرر تطويله كي ينجز أول فيلم روائي طويل له. يعبر أندرسن عن حبه للسوريين وإعجابه بهم في كلمة منشورة داخل الملف الصحافي للفيلم، ولكن هل الحب والإعجاب كافيان لصنع سينما ونقل تجربة شعب ومعاناته؟ في أي حال، هذا الإعجاب هو ما قاد خطى هذا المخرج لتصوير قصة أم وابنتها تفران من جحيم الحرب السورية إلى اليونان، هرباً من قصف الطيران الروسي وبطش النظام الحاكم. كاميرا أندرسن تتعقب مسارهما المحفوف بالأخطار، خصوصاً مع صعودهما وآخرين في قوارب الموت للانتقال من تركيا إلى اليونان. 

العسكري والمهرب

الحكاية، أساساً، عن هذه السيدة وابنتها، لكن هناك حكايات متداخلة أخرى تطل برأسها وتتشابك بعضها ببعض. أبطالها: عسكري في جيش النظام السوري ووالده المعارض، ومهرب أفريقي مقيم في تركيا لا تهمه أرواح الناس بقدر ما يهمه المال، وشاعر يحاول نقل عائلته إلى اليونان، وقبطان سفينة نجاة يوناني لا يستطيع التخلص من عقدة الذنب تجاه الناس الذين فشل في إنقاذهم… لهؤلاء كلهم، أطفال، يضعهم الفيلم في الصدارة لخلق مزيد من التحسيس الأخلاقي والضغط على ضمير المشاهد. أما السيناريو فيتبنى تقنية تشابك المصائر، التي كان اشتهر بها السيناريست المكسيكي غييرمو أرياغا في أفلام أليخاندرو غونزاليث إينياريتو.

الفيلم يحاول أن يشد انتباه المشاهد الغربي إلى المأساة التي عاناها هؤلاء الناس في بلدانهم، ويبرر انطلاقاً منها انتقالهم إلى الغرب، ورغبتهم في الحصول على ملاذ آمن. لا اعتراض على هذا الخطاب، وهو مدعوم بمقولة لشكسبير تظهر في بداية الفيلم، يستمد منها فكرة التضامن البشري مع الضعفاء والمضطهدين. لكن، المشكلة في الأساليب التي يستخدمها والتي سرعان ما تخنقنا. ما من لحظة راحة في الفيلم المستعجل، ثم إنه يملي علينا جملة مشاعر، من خلال موسيقى وحركات كاميرا وإيقاع مونتاجي. هذا كله يحول الفيلم كليباً طويلاً عن حقوق الإنسان. لا نشعر بكثير ونحن نتابع الأحداث، والسبب الأبرز في ذلك هو الفرط في توظيف المواقف الدرامية لدفعنا إلى ذلك. طبعاً، هناك مشاهد قوية، لكن إذا تم توزيعها على ساعة ونصف الساعة، فالنتيجة ستكون مخيبة.

وإذا كان أندرسن بنظرته الخارجية على الأحداث والناس ورغبته العارمة في خلق وعي عند المتلقي الغربي لم يستطع نقل ما يجب أن ينقل إلى العالم بنضج وعمق، فهذه المشكلة هي ما تعانيها أيضاً ابنة البلد عندما تحكي عن قصتها وتجربتها. والمقصود بها المخرجة اللبنانية ميريام الحاج وفيلمها "متل قصص الحب" الذي عرض في قسم "بانوراما" المخصص للأفلام الوثائقية. 

توثيق لبناني

الفيلم عبارة عن توثيق للأحداث التي مر بها لبنان منذ عام 2018، من انتفاضة الـ17 من أكتوبر (تشرين الأول) وصولاً إلى تفجير مرفأ بيروت، مروراً بالوباء وأزمة المصارف، ويبدأ بفوز الصحافية والكاتبة جمانة حداد بمقعد برلماني خلال انتخابات 2018، قبل أن تصادره منها بلا وجه حق في صباح اليوم التالي المافيا الحاكمة.  

ثمة أحداث وتفاصيل يجب أن تقال وتروى وتنقل للعالم، وهذا يصح أيضاً في حال الأزمة اللبنانية التي تعاني تجاهلاً دولياً كبيراً. لكن من الضروري أن نسأل أنفسنا كيف يجب أن يقال ذلك كله، والأهم ما الفرق بين الفيلم الوثائقي الذي ينطوي أولاً على لغة سينمائية ومقاربة فنية للموضوع، وتقرير تلفزيوني الهدف منه محض إخباري. من الواضح أن ثمة لغطاً بين هذين المفهومين وقعت فيه المخرجة. فما قيمة مشاهد تظاهرات ومقابلات، إذا لم يكن هناك توظيف لها ووجهة نظر تبررها؟

عادة، عندما نقول وثائقياً نفهم شخصيات، والفيلم يعرفنا على اثنتين: جمانة حداد وميليشياوي سابق خاض الحرب، وقام بما قام من أعمال وممارسات، ومن جملتها إطلاق النار على بوسطة عين الرمانة التي أطلقت شرارة الحرب الأهلية اللبنانية (1975 - 1990). شخص يصعب التعاطف معه ولا يمكن فهم محله من الإعراب، وهو يحمل كل عيوب المحارب السابق الذي لا يزال يعيش الحرب في خياله ويحلم بعودتها. يكرر هذا الرجل زياراته إلى حلاق الحي، وفي الصالون يتبادلان أطراف حديث بلا أهمية كبيرة. هذا الرجل المقيم في الماضي يضعه الفيلم في محاذاة جمانة حداد، التي تملك رؤية لمستقبل لبنان، قائمة على نسف الطاقم السياسي القديم ورموز الحرب، والإتيان بدم جديد. وهذا ما نراه تسعى إليه في نشاطها. 

جمانة وجورج (المحارب السابق) نقيضان، الأولى عقلانية تطمح إلى التغيير، الثاني يعتاش على البهورة وعينه على الماضي. يائس، يغلف يأسه بشعارات ماضوية ثم يعترف بالخسارة، أما جمانة فتؤكد رداً على سؤال أنها ستواصل المعركة، لكن الانتقال المفتعل من هذه إلى ذاك يحدث خللاً، ويحول الفيلم مسخاً، لا نفهم ما المطلوب منه. فنسأل ما علاقة هذا كله بعضه ببعض؟ هذا ما لا يمكن فهمه، والأجدر طرح السؤال على المخرجة.

لعل الجانب الذي يعبر عنه الفيلم جيداً هو انحسار الأمل، وكيف أن الزمن ترك آثاره العميقة في وجوه الناس بعد الجائحة والتفجير والأزمة المالية وفشل الثورة. بسرعة يخسر هؤلاء حماستهم للأشياء، فيسيطر على الفيلم النغم الحزين، وهذا ينقله الفيلم جيداً من خلال الوجوه.

تجوب كاميرا ميريام الحاج أزقة المدينة المنكوبة، وتعلق بصوتها على ما وصلت إليه الحال، متحسرة ومتحدثة عن قصصها العاطفية وتفاصيل قليلة عن أهلها. 

لكن السؤال يفرض نفسه: من يخاطب هذا الفيلم؟ فاللبناني يعرف هذا كله عن ظهر قلب، بل عاشه ويعيشه إلى هذه اللحظة، أما الغربي فلا يوجد في الفيلم ما يروي عطشه السينمائي والمعرفي. في أي حال تبدو القضية اللبنانية هامشية، عند إلقاء النظر عليها من مسافة 3500 كيلومتر، وبعد زجها بين كم هائل من الأفلام التي توثق مآسي البشر والخراب الذي يحل بهم، من شرق الكرة الأرضية إلى غربها.

 

الـ The Independent  في

23.02.2024

 
 
 
 
 

(شاى أسود).. فنجان بارد من ساحل العاج إلى الصين!!

طارق الشناوي

ساعات قليلة تفصل ما بين متابعتى لتكريم المخرج العالمى الكبير مارتن سكورسيزى 81 عاما، بمنحه (الدب الذهبى الفخرى) عن مجمل عطائه الممتد لأكثر من نصف قرن، وبين مشاهدة الفيلم الموريتانى (شاى أسود) لعبد الرحمن سيساكو، الذى يمثل السينما الإفريقية والعربية بالمهرجان.

سكورسيزى هو الورقة الرابحة فى برلين وصاحب البريق الأعلى، حيث خفت فى هذه الدورة حضور النجوم العالميين، إلا فيما ندر، على المقابل ازداد وهج هذا المخرج الذى يشكل فى التوثيق العالمى للسينما منذ مطلع السبعينيات أحد أهم العلامات التى صنعت عالما سحريا، ولا يزال فى الملعب متألقًا ومبدعًا بل وأيضا مرشحًا للأوسكار هذا العام بين الأفضل.

ساعات محدودة فقط بين هذا التكريم وعرض فيلم (شاى أسود) لعبد الرحمن سيساكو أحد أهم عناوين الإخراج الإفريقى والعربى الذى يمثل موريتانيا بالمهرجان داخل المسابقة الرسمية ومن ثم فهو أيضا يمثل العرب، ولنا فى المسابقة الرسمية أيضا كعرب الفيلم التونسى (ملىء العين) لمريم جوبير.

استوقفنى فى محاضرة سكورسيزى بعد تكريمه أن المخرج الأمريكى الذى يعيش بكل شباب فى بداية عقده التاسع، لا يزال يتطلع لكى يزيد حصيلته من المعرفة، فهو لا يتوقف عن المتابعة لكل ما يقدم عالميا، وقبل نحو خمسة عشر عاما منح جزءا كبيرا من طاقته وأيضا أمواله، لمشروع يخدم البشرية، وهو ترميم أهم الأفلام فى العالم للحفاظ على التراث السينمائى المهدد بالانزواء، ووقع اختياره على الأفلام الأهم فى التاريخ، ومن مصر تم ترميم الفيلم الأيقونى لشادى عبدالسلام (المومياء)، وعرضت النسخة التى تم إنقاذها فى مهرجان (كان)، وقال سكورسيزى وقتها عند تقديمه للفيلم، مشيدًا بإبداع شادى، إنه اخترع أبجدية خاصة للفيلم المصرى وكأنه يعيد الكتابة سينمائيا بلغة خاصة.

وفى المحاضرة التى ألقاها قبل أيام بمهرجان (برلين) توقفت كثيرا أمام إجابته لسؤال إذا كان الصغار يتعلمون من الكبار فهل من الممكن أن يحدث العكس ويتعلم الكبار من الصغار؟ أبدى المخرج الكبير سعادته بالسؤال فهو بالفعل يتعلم من الجدد وأشاد بالفيلم الكورى (حيوات سابقة) للمخرجة سيلين سونج وسبق أن عرض فى برلين الدورة الماضية وتناولته بمقال فى تلك المساحة.

الكبار لا يتوقفون على التأمل من الكبار الذين سبقوهم، وأيضا من الجدد الذين جاءوا بعدهم، وهو ما دفع سكورسيزى للإشادة بتلك المخرجة، التى أمسكت بفكرة تبدو للوهلة الأولى تقليدية ومتعارف عليها، عندما نلتقى بأشخاص، بعد مرور زمن ونكتشف أنه كان بيننا حيوات سابقة، الخط الدرامى العام امرأة حائرة بين رجلين فكرة ظاهريا تقليدية، ولكن المعالجة تكمن فيها كل طاقة الجمال الفنى، الأول عرفته قبل 25 عاما وتلتقى بالصدفة هى وزوجها بهذا الرجل الذى كان هو حبها الأول وهاجر على أمريكا، ولم يكن أى من الرجلين يعرف تفاصيل الحكاية.

الدرس هو طزاجة المعالجة وعصريتها وبالمناسبة الفيلم الكورى مرشح هذا العام للحصول على الأوسكار، الخطوط الدرامية العامة، رأيتها من قبل ولكن المعالجة الدرامية المقصود بها زاوية الرؤية هى المختلفة، وهذا هو بالضبط ما افتقدته فى الفيلم الموريتانى (شاى أسود) لعبد الرحمن سيساكو الذى حقق قبل 10 سنوات نجاحًا استثنائيًا بفيلمه (تيمباكتو) واقترب من اقتناص الأوسكار ولم يحصل عليها إلا أنه توج بـ(سيزار) التى تعد بمثابة (الأوسكار) الفرنسى.

الكل يترقب من بعدها هذا المخرج، شاهدت له أيضا عددا من أفلامه ولديه (تيمة) درامية متكررة وهى التوقف عند معاناة الإفريقى مع الآخر، وهو ما تكرر مع (شاى اسود) عندما تسافر الفتاة الحسناء (آية) ليلة زفافها من ساحل العاج إلى الصين لتعمل هناك بتجارة الشاى الأسود، وهو المشروب الذى أجمع العالم على حبه وبكل الألوان والطقوس، مع اختلاف الدرجة، وهنا تبدأ قصة حبها للرجل الصينى.

المخرج وهو أيضا الكاتب يبرر اختيار الصين لأنه لم يكن يريد أن يكرر ما نراه فى أغلب المعالجات الدرامية، حيث إن أوروبا او أمريكا هى الهدف، لكل القادمين من إفريقيا أو العالم الثالث، إلا أنه قرر أن يطل على العالم الآخر من خلال الصين لنعايش قصة حب تتناقض فيها الثقافتان الإفريقية والصينية حينا وتتوافقان حينا، إلا أن ما يجمعهما المشاعر العاطفية.

السيناريو انطلق فى البداية بقوة الدفع ثم لم يجد ما يضيفه بعد ذلك ووصلنا فى النصف الثانى من الفيلم إلى مرحلة الملل.

يعيش المخرج الذى يحقق نجاحًا استثنائيًا فى عمل فنى تحت سطوة الفارق بين التوقع والواقع، وتلك هى بالضبط ما يمكن أن تصف به سيساكو بعد أن أنجز فيلمه الأهم (تمبكتو) محققا سقفا عاليا من الإبداع، وتوج أيضا بالجوائز فى العديد من المهرجانات، ولهذا فإن ما جاء بعده يصطدم بهذا الحاجز وهو التوقع وتتردد مقولة وماذا بعد؟ وغالبا يغتال التوقع الواقع، وهكذا يظل المبدع فى حالة ترقب بسبب أشواك النجاح التى أنجزها عمل فنى قدمه وسط معايير وظروف مختلفة بينما الناس تترقب دائما شيئا أبعد.

الفيلم الموريتانى أشبه بفنجان شاى أسود بارد يقدم من (ساحل العاج) إلى (الصين)، فلا تشعر بحلاوة المذاق!!

مساء اليوم نحو الثامنة بتوقيت مصر، تعلن رئيسة لجنة التحكيم الممثلة الكينية الأصل المكسيكية الجنسية لو بيتا نيونجو جوائز (برلين)، وأعتقد أن الفيلم الإيرانى (كعكتى المفضلة) إخراج مريم مقدم وبهتاش صناعى، لن تخلو منه قائمة الجوائز وبينها (الدب الذهبى) وأيضا أحسن ممثلة ليلى فرهدبور، ليتجدد الحديث عن تدخل العالمين السياسى والفنى فى مهرجان برلين، وتلك حكاية أخرى نتناولها بالتفصيل فى تلك المساحة بعد يومين!!.

 

المصري اليوم في

23.02.2024

 
 
 
 
 

فيلم كعكتي المفضلة يفوز بجائزة الاتحاد الدولي للنقاد بمهرجان برلين السينمائي

خالد محمود

أعلنت لجنة تحكيم الاتحاد الدولي لنقاد السينما "الفيبريسي " في مهرجان برلين السينمائي الدولي جوائزة اليوم، لكل من المسابقة الدولية وقسم البانوراما والمنتدى والمواجهات.

وكما توقعت "الشروق" في المسابقة الدولية، ذهبت جائزة الفيبريسي إلى الفيلم الايراني "كعكتي المفضلة" (Keyke mahboobe man) إخراج مريم مقدم وبهتاش صناعية، والذي يروى قصة حب منزع السلاح بين شخصين مسنين وحيدين، في جو كئيب في المجتمع الإيراني اليوم، تروى بطريقة جميلة ومؤثرة مع الفكاهة والتعاطف.

في قسم بانوراما، تم تقديم الجائزة إلى فيلم "فاروق" إخراج أسلي أوزجي، والتي "تضيء المواضيع العالمية من خلال القصص الشخصية عن الشيخوخة والتغيير".

بينما ذهبت الجائزة في قسم المنتدى إلى "السبات البشري" إخراج آنا كورنوديلا كاسترو. والذى تدور قصته في عصر ما حيث يتم إطعام معنى الأفلام للجمهور، من المنعش رؤية صورة شخصية مفتوحة لجميع أنواع التفسيرات.

في هذا الفيلم الشجاع الذي تم تصويره في البيئة المحيطة الصعبة، هناك انعكاسات عميقة على الحياة والطبيعة والأسرة ومكانة البشرية في العالم.

وأخيرا، في قسم المواجهات، منح فيلم " النوم وعيناك مفتوحة "إخراج نيلي ووهلاتز، وهو رحلة تأمل ساحر في العولمة المفرطة، تحول كل شيء متطابق، مفهوم، وحيد. في استكشاف تشنجات قصص المهاجرين التي تأتي معاً، يعكس البطل الكاريزمي حياة العمال الرحل في مدينة برازيلية ساحلية.

ضمت لجنة تحكيم الفيبريسي: جيورجي بارون، الرئيس (المجر)، نينوس ميكيليديس (اليونان)، باربرا شوايزرهوف (ألمانيا)، رون فوغل (إسرائيل)، باربرا لوري دي لاشارير (فرنسا)، جويس يانج (هونج كونغ)، سيباستياان خو (هولندا)، نيكولاس ميدينا (أوروجواي)، شايان رياز (ألمانيا)، دارتا سيريتشا (لاتفيا)، دينيز سيرتكول (ألمانيا)، ناس زافرل (سلوفينيا).

 

الشروق المصرية في

23.02.2024

 
 
 
 
 

رسائل البرلينالي: "شامبالا"

سليم البيك/ محرر المجلة

ليس العنوان وحسب ما يحيل إلى تعاليم بوذية تِبتيّة، فالشامبالا هناك مملكة روحية، بل الفيلم بأكمله داخل إلى هذه العوالم، من التصوير المنفتح بعدسات واسعة، على جبال الهمالايا النيباليّة، إلى منطق القصة وتصرف الشخصيات، كأن يبدأ الفيلم بعرس لامرأة من ثلاثة رجال أشقاء، زوج أوّل هو مزارع، والثاني راهب، أما الثالث فطالب في المدرسة.

سرعان ما يسافر المزارع في رحلة تبادل تجارية، يغيب لأشهر. الولد يرغب بترك المدرسة فتذهب الزوجة إلى المدرّس الوحيد في القرية الجبلية لطلب مساعدته. لاحقاً تحبل المرأة ويشيع كلام عن علاقة بينها وبين المدرس. لا يعود زوجها لشعوره بالعار وقد انتشر الخبر ووصل إليه. تقرر هي أن تذهب للبحث عنه لتثبت له وللآخرين براءتها. الفيلم في معظمه رحلة بحثها هذه.

سنفهم تدريجياً أن الرحلة والبحث ليسا في الصحراء والوديان ولا عن الزوج بقدر ما هما في روحها وعن براءتها، عن استردادها كرامتها. يرافقها الراهب الذي يتقرّب منها أكثر خلال الرحلة، قبل أن يموت معلّمه وتطلب منه العودة إلى معبَده.

في البداية نراها تحيك كنزة صوفية صفراء زاهية لزوجها الذي هجرها، بعدها ولتعليقات الراهب المتكررة في إعجابه بالكنزة تكاد تمنحه إياها قبل أن يعود إلى معبده. أخيراً، وقد نهشت الذئاب فرسها المدفونة في الثلج، قررت العودة إلى القرية مشياً على الأقدام متدفئة هي والجنين في بطنها، بالكنزة.

الفيلم (Shambhala) للنيبالي مين باهادور بهام، المنافس في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، هو كأي عمل يطمح لسرد روحي أو إرشادي، ممتلئ بالرمزية. التعاليم الروحية التي لاتزال منتشرة في ثقافات ومناطق معزولة من هذا العالم، تزيد من هذه الرمزية، كأن تضطر المرأة أخيراً، إثباتاً لبراءتها، من الامتثال لامتحان هو أن تطلق سهماً إلى هدف فإن أصابته نالت براءتها، وإن لم تفعل كانت مذنبة. تفعلها وتنال، بحسب الامتحان، براءتها. لكن بالنسبة لها كما سيتضح تباعاً، لا يهم ابن من الذي في بطنها. هو ابنها هي في النهاية.

لا نعرف أخيراً من هو الأب، لا يهم أصلاً، فليس في ذلك أي أهمية بالنسبة لها، وبالنسبة لعموم القصة التي تتمحور حول المرأة الساعية لنيل كرامتها في مجتمعها المنغلق من دون السماح للآخرين من الحكم عليها. فكانت الرحلة للبحث عن الزوج، رحلةً لاسترداد سمعتها الحسنة، وبراءتها.

الفيلم بصوره الجميلة وطقوسه الغريبة، رحلة في هذه العوالم التي قادت إليها امرأة كانت، على طول الفيلم، أعلى من تلك التقاليد، المجتمعية منها قبل الروحية.

 

مجلة رمان الثقافية في

23.02.2024

 
 
 
 
 

معرض "الشاشة الكبيرة" لملصقات أفلامٍ في الـ"برليناله 74"

برلين/ العربي الجديد

"الشاشة الكبيرة ـ مُلصقات الأفلام من كلّ العصور" عنوان معرضٍ، يرتبط بالملصق السينمائي كفنٍ وصناعة وترويج، ويُقام في "المنتدى الثقافي"، بين 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023 و4 مارس/ آذار 2024، وحضوره منبثقٌ من متابعة أيام الدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/ شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، الذي تتعاون إدارته مع "مكتبة الفنون" و"مؤسّسة السينما الألمانية" لتنظيمه.

يتضمّن المعرض مُلصقات أفلام مختارة بعناية، من مجموعات خاصة "تحتوي على 5 آلاف ملصق تقريباً، وهذا كنزٌ يستحقّ تقديمه وعرضه أمام الجمهور"، كما في تعريفٍ صحافي بالمعرض، الذي يشهد حضور أناسٍ يسعون إلى فهم التطوّر التاريخي لصناعة الملصق، ومحاولة تبيان آليات اشتغاله وتقنياته، كما في تفاصيله الفنية والجمالية والدرامية. هناك 26 متخصّصاً في السينما والتلفزيون والتصميم الفني و"غرافيك ديزاين"، يوضحون أسباب خياراتهم ـ خياراتهنّ في نصوصٍ منشورة في "كاتالوغ" صادر عن المعرض نفسه.

الملصقات تلك مختارة من بداية السينما، وصولاً إلى راهنٍ يشهد تبدّلاً جوهرياً في صناعة فنّ الملصق، المحتاج إلى فهمٍ أبرز للّون والتصميم والصُور والكتابة، كما لحجم كلّ شيءٍ فيه، كي يكون الملصق متناسقاً في مواده، التي يُفترض بها أنْ تُلخِّص الفيلم برمّته: "من خلال المعروض، يتّضح كيف أنّ للفنان والمُصمّم أثراً كبيراً في الترويج لفيلمٍ، وفي إيصال فكرته وجوهره، بأبسط الأساليب، إلى مُختلف الطبقات والأذواق"، وفقاً للزميل محمد هاشم عبد السلام، في مدوّنته الإلكترونية Cinarts 24، المعنيّة بشؤون الفن والأدب (20 فبراير/ شباط 2024).

يُذكر أنّ "جوهرة" المعرض و"دُرّة تاجه" متمثّلتان بملصق كبير الحجم (2 بـ3 أمتار) لـ"متروبوليس" (1927)، أيقونة المخرج الألماني فريتز لانغ (1890 ـ 1976). إنّه نسخة فرنسية كبيرة، ربما تكون "آخر نسخة أصلية مطبوعة موجودة في العالم". فوفقاً للـ"كتالوغ" أنّه، بعد بحث استمرّ 20 عاماً، "لم يُعثَر منه بعد على نسخة أخرى مُماثلة". والملصقات الأخرى أصلية، ومطبوعة عشية إطلاق العروض التجارية لكلّ فيلمٍ: "عند افتتاح "كوكب القرود" (1968)، لفرانكلين شافّنر، في صالات السينما، صمّمت كلّ دولة ملصقاتها الخاصة، وكلّها أصلية".

إلى ذلك، يُلاحَظ أنّ الملصقات الخاصة بالسينما الألمانية حاضرةٌ بشكل بارزٍ، أكثر من ملصقات أفلامٍ أخرى، وهذا طبيعيّ، فالمعرض يُقام في برلين، والسينما الألمانية، بمراحلها التاريخية وأنواعها الفنية والجمالية، كما باختباراتها وتناقضاتها، ماثلة في تاريخ الفن السابع، ومؤثّرة فيه. اختيار الملصقات تلك عائدٌ إلى مرحلة قديمة، شاهدة على انقسام ألمانيا إلى "جمهورية ألمانيا الديمقراطية" و"جمهورية ألمانية الاتحادية"، قبل الانتقال إلى مرحلة توحيد البلد، والتالي عليه.

هناك أيضاً تصاميم خاصة بالمناخ، السياسي والثقافي والاجتماعي، السائد في زمن الشيوعية، وأخرى متعلّقة بأفلامٍ معروضة في الجانب الشرقي من ألمانيا، حينها، كما في دول اشتراكية مختلفة.

 

العربي الجديد اللندنية في

23.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004