ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم التونسي في مهرجان برلين: الاصطناع الشكلاني يفسد الموضوع!

أمير العمري- برلين

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لا بأس أن يكون هناك فيلم يمثل تونس هو العمل الأول لمخرجته الشابة، مريم جبور، في مسابقة مهرجان دولي كبير مثل مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ74. لكن المشكلة أن يصمد الفيلم بين أفلام المسابقة، اعتمادا على مستواه الفني الجيد وحده، لا على تسويق حكاية من تلك الحكايات التي تجذب أنظار السياسيين وأجهزة الإعلام في الغرب، عن ذلك الجزء المليء بالمشاكل في جنوب المتوسط.

ولكن السؤال الأساسي يظل: هل كان فيلم “ماء العين” (وله عنوان فرعي باللغة الإنجليزية هو “إلى من انتميTo Who I Belong To?” عملا جديدا في موضوعه؟ والأهم بالطبع، هل كان جديدا في أسلوب معالجته لموضوعه بحيث يمكن للمشاهدين في العالم أن يصبحوا أكثر وعيا بالقضية التي يطرحها عن ذي قبل، أو حتى أكثر قربا من الفكرة من خلال صياغة سينمائية حديثة تجعل الموضوع مفهوما؟

من دون أدنى تردد، الإجابة بكل أسف هي: كلا!

ولكن ما هو الموضوع؟

قرية تونسية صغيرة. أسرة مكونة من الأب “إبراهيم”، والأم “عائشة”، وابنهما الصغير “آدم”. لكن يغيب عنها الابنان الأكبر وهما مهدي وأمين. فقد ذهبا الى سورية حيث التحقا بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في الرقة. لكننا لا نشاهد شيئا من الرقة الآن، وربما لن نشاهد سوى أضغاث أحلام.. وفجأة يعود الإبن الأكبر “مهدي” ملتحياً وبصحبته ما نفهم أنها زوجته “ريم” المنتقبة التي سنعرف أنها سورية وليست مسلمة أصلا، وأن كل أفراد عائلتها قتلوا على أيدي مقاتلي التنظيم الإرهابي ثم قاموا بسبيها.

سيمضي وقت طويل جدا من زمن الفيلم قبل أن نعرف هذه المعلومات من خلال ما يرويه مهدي لأمه، لكنها لا تفسر شيئا. فالنصف الأول من الفيلم يتركز على لوعة الأم التي تعرف أن ابنها الثاني أمين، قُتل هناك، ليس في القتال ضد (الكفار)، بل على أيدي أعضاء التنظيم الإرهابي بعد محاولته الفرار. أما مهدي فقد نجح في الفرار. لكننا لا نعرف كيف، أما السبب، فهو أنه لم يجد الأمور هناك كما تخيلها. ما الذي كان يتخيله، وما الذي وجده. ليس مهما أن تسأل أو تعرف!

لوعة الأم تزداد وتزداد معها محاولتها كبح جماح زوجها (إبراهيم) الذي يصر على طرد مهدي وزوجته خشية أن يجلب وجودهما المشاكل لهما خصوصا وأن هناك شخصا آخر هو شاب يدعى بلال، لا نفهم بالضبط من هو، يظل يتردد على العائلة، يوزع الحلوى على الأطفال، يقال إنه كان صديقا في الماضي لكل من مهدي وشقيقه، وربما كان أيضا- كما يشير الفيلم في اقتضاب وغموض، على صلة بالشرطة، أي مرشد أمني. وهو يتعهد لعائشة بأنه لن يشي بأمر رجوع مهدي.

تتمكن عائشة من إقناع زوجها بعدم طرد مهدي لأن زوجته “ريم” حامل. لكن ريم لا تتكلم ولا تبدو عليها أي أعراض للحمل، وكل ما نراه منها فقط عيناها الخضراوان اللتان تحملقان من داخل الثقبين الموجودين في النقاب. وحتى عندما ترى الأم في أحد كوابيسها أنها تقدم لها لفة مخضبة بالدم لنفهم أنها تعرضت للإجهاض، لا نتأكد لأننا لا نرى أي أثر لما بعد الإجهاض. فكلما طرق الفيلم فكرة محددة أو اقترب منها على استحياء، سرعان ما يقفز ويفر منها إلى الغموض والاصطناع الشكلي والغرق في الأحلام والتداعيات البصرية الغامضة التي تزيد من تعقيد السرد وتفسد الموضوع.

من الواقعية الطبيعية، إلى الخيال، ومن الواقع إلى الأحلام والكوابيس التي تتراءى للأم، يظل الفيلم يقفز خارج أي سياق واضح، بل يجعل الموضوع نفسه يزداد غموضا، ويتكرر مشهد ظهور الحصان داخل غرفة عائشة حيث يقف أمامها مباشرة وكأنه يريد أن ينقل لها رسالة، لكننا لا نعرف ما الرسالة وما الرمز، فالسياق كله يخضع لمزاج المخرجة وشعورها الخاص بالموضوع، لا لمنطق السرد الذي يقصد منه توصيل الفكرة إلينا.

الفيلم بأكمله لا يتجاوز فكرة أن داعش سيئة (ما الجديد)، وهم ينكلون بغير المسلمين (بل وبالمسلمين أيضا بالطبع!!)، ويقتلون المسيحيين السوريين ويغتصبون بناتهم كما حدث للفتاة ريم، وعندما تحاول الهرب يعتقلونها وينكلون بها ويضربونها حتى الموت. ومشهد الفلاش باك الذي يستعيد فيه مهدي ما وقع للفتاة، يؤكد بصريا موتها، لكننا نعرف من قبل أنها لم تمت بل عادت إلى القرية مع مهدي. هل تزوجها؟ هل أعتقها منهم قبل أن تفارق الحياة” ليس مهما أن تعرف!

هناك لقطات كثيرة ثابتة، تستغرق اللقطة الواحدة منها نحو دقيقة كاملة على الشاشة. لقطة للزرع الأخضر، لقطة لظلام الليل. لقطة لأشكال غامضة لا تتبين منها شيئا. وهناك دون شك تكوينات جميلة في الصورة، لكنها تكوينات مقصودة في حد ذاتها، وشريط صوت مثير، لكن هذا لا ينقذ الفيلم من الهبوط.

اللقطات التجريدية الطويلة تجعل الإيقاع يهبط بل ويضطرب أيضا بسبب الانتقالات التي تشوش وتشتت الذهن وتصرف المشاهد عن متابعة الموضوع وتعيق تطوره الطبيعي. وهي مشكلة مونتاج، لكنها أساسا، مشكلة إخراج لأن هذا ما تريده المخرجة. أن تقتل إيقاع فيلمها لكي تضفي عليه طابعا سرمديا خاصا ولكن، في الفراغ. فالولع بالشكل في حد ذاته كفيل بإفساد أي فيلم.

أهم ما يشغل بال المخرجة هنا ليس الموضوع بل بذل كل ما يمكنها أن تشوش به على الموضوع، من خلال التحذلق الشكلاني، واختلاق مشاهد خارجة تماما عن الفيلم وعن الموضوع السياسي بالضرورة الذي لا يتم إشباعه أو تقديمه من زاوية جديدة بخلاف أن العائلة تعاني وخصوصا الأم ولكننا لا نفهم سر هواجسها وكوابيسها حتى بعد عودة ابنها الأكبر. صحيح أن الابن الثاني مات، لكن هذا الموت لا يبدو أنه الدافع لأزمتها النفسية.

المخرجة التي تجرب في فيلمها الروائي الطويل الأول تقول إن فيلمها ليس عن داعش بقدر ما هو عن لماذا يذهب البعض في هذا الاتجاه، أي ما الذي يدفعهم للالتحاق بتنظيمات العنف. ولكن المشكلة أن المشاهد يخرج بعد مشاهدة فيلمها أكثر جهلا بالسبب عما كان من قبل.

إن فيلم “ماء العين” نموذج للفيلم “الوصفي” الذي لا يقترب من موضوعه بل يظل يبتعد عنه كلما بدا أنه سيقربه، ويبقى فيلما وصفيا، يصف حالات مبعثرة من هنا وهناك مشاعر أم خائفة مرعوبة حتى بعد عودة ابنها الأكبر ربما بسبب خشيتها من القبض عليه، وإن كنا لا نعرف أصلا كيف تمكن من دول البلاد مع زوجة أو رفيقة منتقبة (لسنا متأكدين!)؟ هل تسلل عبر الحدود؟ كيف؟ ليس مهما أن تعرف في فيلم من هذا النوع.

مريم جبور مغرمة كثيرا بأسلوب الواقعية السحرية، وهي تحاول أن تتصنع وتفتعل كثيرا ما يمكن أن يقرب فيلمها من هذا الأسلوب لكي يجد له صدى عند نقاد الغرب، ولكن من دون جدوى، فطبيعة الموضوع كانت تفرض أسلوبا آخر، يوضح ويبين ويخلق علاقات حقيقية بين الشخصيات في سياق واقعي، ولا يغرق في الاصطناع وإغراق المشاهد في الصور التي تجعل الموضوع يصبح أكثر انغلاقا وصعوبة، وتدفع أي متفرج عاقل في العالم إلى طرح عشرات الأسئلة: كيف، ولماذا، وما السبب، وما الهدف، وإلى أين؟ وكلها أسئلة منطقية وطبيعية، لكنه لن يحصل أبدا على إجابات، وكل ما سيحصل عليه هي مجموعة من التهويمات والصور العابرة المتكررة كثيرا، للكوابيس والأحلام، التي لا تغذي ولا تضيف الى الفيلم سوى المزيد من التشتت والتبعثر.. بكل أسف طبعا!

 

موقع "عين على السينما" في

22.02.2024

 
 
 
 
 

«السينما الألمانية» تفوق عددى وتراجع فنى

طارق الشناوي

تلك الحرية فى النقد والمتابعة والتحليل التى ينعم بها الكُتاب والنقاد والصحفيون فى رصدهم للأحداث العالمية، وتحديدًا الفنية والثقافية، وعلى وجه الخصوص فى مهرجان «برلين»، أتمنى أن يمارسوها أيضًا فى عالمنا العربى مع كل الأنشطة الفنية والثقافية بدون أدنى حساسية، وأن يتقبل القائمون على هذه الأنشطة تلك الآراء بدون أدنى حساسية.

تنتشر فى دائرة المهرجان الرئيسية والشوارع المحيطة بهذا الحدث العالمى كاميرات تنقل بكل شفافية ردود فعل الجميع من أبناء البلد أو الضيوف عن الأحداث والفعاليات، وتستطيع أن تلمح، بنسبة كبيرة، ردود فعل سلبية أسفرت عنها تلك الدورة التى أوشكت على الرحيل، كما أن التغطية الإعلامية فى الإعلام الألمانى ليست أبدًا لصالح برلين 74، ولأنها الدورة الأخيرة لمدير المهرجان كارلو شاتريان.

لم تشفع له أبدًا فى حمايته من سهام النقد بسبب تضارب مواعيد العديد من الفعاليات وأيضًا اختيارات الأفلام، وحتى توصيف «المليح يبطئ»، أى أن الأفلام المهمة ستأتى مع نهاية المهرجان، من الصعب أن تنطبق عليه، لم يتبق سوى يومين على إعلان النتائج، وتقف على المسرح رئيسة لجنة التحكيم الممثلة كينية الأصل لوبيتا نيونجو الحاصلة على الأوسكار، لإعلان النتائج، بينما هذا المليح من الأفلام لم يأتِ بعد.

كل مهرجان يحمل هدفا ورسالة، وغالبا هناك موقف سياسى، مثلما فرضت الحرب الروسية- الأوكرانية أحداثها على الجميع، وصارت المشاركة مكفولة فقط للأفلام التى تنتقد الجانب الروسى، كما أن النداء الإنسانى لإيقاف نزيف الأبرياء فى غزة وجد له مساحة فى الافتتاح، وصار متكررا فى الفعاليات، وأعتقد أن حفل الختام، مساء السبت القادم، لن يخلو أبدا من التعبير الصارخ عن تلك المواقف.

السينما فى البلد المضيف عادة تسيطر على الملامح العامة، وفى المهرجانات الثلاث الكبرى «كان» و«فينسيا» و«برلين»، تصبح فرصة لكى يرى العالم ما قدمته السينما عبر تاريخها مع إطلالة لإنجاز السينما الحالى ليعلن للعالم حضورها.

وفى هذا المهرجان قطاع زاخر من الأفلام إما إنتاج ألمانى أو هناك مشاركة ألمانية فى الإنتاج، وهو ما تجده أيضا فى مهرجان «كان»، من كثرة عدد الأفلام التى تشارك فرنسا فى إنتاجها، بينما مثلا فى المهرجانات المصرية يتضاءل الحضور للسينما التى تمثلنا، بل إن العثور على فيلم جدير بأن يحمل اسم مصر ويمثلها بدلا من التمثيل بها، يصبح هو المشكلة الرئيسية التى تواجه الهيئة المنظمة لأى مهرجان.

ورغم ذلك فلقد أقام مركز السينما العربية، الذى يقوده الباحث السينمائى علاء كركوتى، ندوة على هامش «برلين»، تناولت زيادة حجم الإيرادات التى تحققها دور العرض العربية، وتكتشف مثلا أن الإيرادات التى ينالها الفيلم المصرى فى الخليج العربى والمملكة العربية السعودية تحديدا باتت مؤثرة جدا، ولعبت دورا محوريا فى زيادة عدد الأفلام المنتجة فى مصر، العام الماضى تجاوزت الأربعين، وأتوقع هذا العام أن تربو على الستين، وهنا لا أتحدث مباشرة عن المستوى لكن ظنى ومنطق الأمور يؤكد أنه، مع الزمن، سوف يؤثر ذلك بالإيجاب على المحتوى، ولديكم مثلا فيلم «رحلة 404» يعتلى قمة الإيرادات للأسبوع الثالث على التوالى فى دور العرض السعودية، رغم أنه لا يحظى بالمركز الأول فى إيرادات الشباك بمصر، وهذا يعنى إشارة واضحة للإنتاج بأن تلك السينما الجادة مطلوبة، الكوميديا لاتزال تشكل الأغلبية، وهى قضية شرحها يطول تحتاج لإطلالة أخرى بعيدا عن تلك المساحة، دعونا الآن نعود إلى «برلين».

الفيلم الألمانى فى المهرجان يحقق أعلى إقبال، ورغم ذلك فالجمهور الألمانى لا يكفيه جنسية الفيلم ولا اللغة التى ينطق بها الحوار، وكثيرا ما أنتقد الأفلام الناطقة بالألمانية.

وأتناول هذه المرة الفيلم المغلف بقصة حب ويتوقف أمام مرحلة حكم النازى فى ألمانيا فى فيلم «من هيلدا مع حبى» إخراج اندريس دريسن، الحب الذى يدفعها فى النهاية للحكم عليها بالموت فى معسكرات النازى، لأنها انضمت فى المقاومة ضد الحكم ومتهمة بالتجسس لحساب روسيا.

المفارقة أنها ليست شخصية ثورية صاحبت موقفا، لكن حبها لمناضل ضد الفكر النازى يعمل لحساب عدو النازية فى تلك السنوات وهى روسيا (الاتحاد السوفيتى) سابقا، قصة حب تسفر عن طفل وهى تقبلت العقاب بكل سعادة.

الطفل تلده قبل تنفيذ حكم الإعدام بأشهر قليلة، وعندما يتم انتزاعه منها طبقا للأحكام المعمول بها تكتب له رسالة (ومنها جاء عنوان الفيلم) تحتفظ بها وتذهب إلى أمها التى تتولى رعاية هذا الطفل، ومع المشهد الأخير نكتشف أن الطفل هو الذى يروى القصة لنا، وهذا يعنى ضمنا أن الخيال وارد جدا فى كل الأحداث، فهو لا يحكى بالضبط ما حدث كشاهد عيان، ولكن خيال الطفل أضاف الكثير وهو عامل مؤثر فى الأحداث وكيف نقرؤها كجمهور.

الفيلم لا يتعمق فى الدوافع السياسية، سواء للشاب الذى يعادى النازية ولا الفتاة التى أحبته، لكنه يروى قصة بلا مكسبات طعم ولون ورائحة، فقط قصة تتحول إلى رسالة من أم وهى فى طريقها لتنفيذ حكم الإعدام.

تتعامل معها بعيدا حتى عن ظروفها التاريخية، وهى على هذا النحو أعجب وأغرب قصة حب!!.

 

المصري اليوم في

22.02.2024

 
 
 
 
 

خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2024

"متل قصص الحب".. هل تصنع العاطفة وحدها فيلمًا؟

أندرو محسن

واحد من الأفلام العربية القليلة المعروضة في مهرجان برلين السينمائي الدولي في دورته 74 هو "متل قصص الحب" (Diaries From Lebanon) للمخرجة ميريام الحاج، وذلك ضمن قسم البانوراما. هذا الفيلم الوثائقي كان قد حصل على الكثير من الدعم من الصناديق المختلفة في الدول العربية، وهو أمر ليس بغريب بالنظر إلى موضوعه المهم، إذ يتابع الفيلم السنوات الأخيرة في لبنان والتي شهدت الكثير من التطورات أو ربما الانهيارات بشكل أكبر مما يحتمله أبناء هذا البلد. تبدأ المخرجة رحلتها منذ عام 2018 عند اندلاع الثورة اللبنانية في الشوارع مرورًا بفترة جائحة الكورونا وتأثيرها على هذه الثورة وانتهاءً بعام 2021 بعد مرور عام على انفجار مرفأ بيروت، الحدث الذي ترك تأثيرًا ربما لا يقل عن الحرب الأهلية نفسها على لبنان.

تختار المخرجة ثلاثة شخصيات منتقاة بعناية لتتابع من خلالهم ما حدث في لبنان المعاصر، الأول هو جورج، المجند السابق، والعجوز صاحب الساق الواحدة حاليًا، الذي شارك بدور كبير في الحرب الأهلية، الثانية من الجيل الأصغر قليلًا هي جمانة حداد، الصحفية والسياسية، التي شاركت في قبل الثورة في الانتخابات، ولها شعبية كبيرة بين الشباب، والأخيرة هي بيرلا جو معلولي، والتي تعرف نفسها داخل الفيلم كفنانة، وهي أيضًا ناشطة سياسية شاركت في المظاهرات التي كانت في لبنان في تلك الفترة.

كما نشاهد فالشخصيات الثلاثة تعبر عن مراحل عمرية ومختلفة وانتماءات سياسية متباينة، بين من شارك في الحرب ويعتبرها أيام مجده، ومن تحاول استخدام السياسة لإحداث التغيير، ومن تجد في الثورة وفي صوتها وقودًا للتغيير. إلى هنا يبدو كل شيء مرتبًا ويعد بنظرة عميقة على ما حدث في هذا البلد الصغير مؤخرًا، لكن الاختيار الجيد للشخصيات لا يعني بالضرورة صناعة فيلم جيد.

مشكلات الفيلم تبدأ مبكرًا جدًا، فكل شخصية من الثلاثة بدلًا من أن تحمل همًا حقيقيًا يمثل جيلًا أو توجهًا سياسيًا ما، تحولت إلى عبء ما على الفيلم. فجورج يذكر في البداية أنه يحمل الكثير من الأسرار التي سيكشفها في الوقت المناسب، لا يكشف لنا شيئًا في الحقيقة سوى مشاركته في الحرب، وإن افترضنا أن هذا الجانب الذي اختارت المخرجة التركيز عليه، أي أنه شخص يجعجع بلا طائل، فإن هذه الجعجعة ابتلعت جزءًا من مدة الفيلم لتصبح مشاهده مكررة تخلو من جديد.

على الجانب الآخر كانت جمانة هي الشخصية الأكثر وعيًا بحضور الكاميرا، بشكل أضر بمصداقيتها أمامها. الوقوف أمام عدسات التصوير ليس جديدًا عليها، بل إن ميريام الحاج تستعين بمداخلة لجمانة في أحد البرامج أثناء الثورة في الفيلم. لكن اعتياد الأخيرة على الوقوف أمام الكاميرا أضر بمصداقيتها داخل الفيلم، إذ في كل مرة تظهر على الشاشة، تبدو وكأنها حضّرت ما ستقوله من قبل بشكل دقيق، وكأنها تلقي خطبة سياسية بغرض حصد الأصوات، وهكذا كانت مجرد كأنها سياسية تعد بوطنٍ أفضل، ولا نعلم كمشاهدين لماذا يجب أن نصدقها هي تحديدًا دونًا عن غيرها. يزداد وضوح مشكلة هذه الشخصية تحديدًا عندما نقارنها بالشخصيتين الأخريين، وخاصة بيرلا.

هذه الأخيرة كانت الأكثر انفعالًا أمام الكاميرا، وقد هي الشخصية التي نشاهد فيها نتائج كل ما حدث في لبنان الماضي، وإرهاصات أيضًا للبنان المستقبل. تصرخ في البداية بأنها لا تستطيع أن ترى مستقبلًا لها وأنها تحمل صدمات الجيل السابق الذي عانى من الحرب الأهلية، وتصرّح في النهاية بأنها تخشى أن تكون مثل السابقين، وتورث أبناءها مأساة جيلها، خاصة بعد الانفجار. ربما كانت نقطة الضعف الأكبر في هذه الشخصية هي حديثها عن الفن وفنها تحديدًا، دون أن ندرك حتى نهاية الفيلم ما هي طبيعة فنها، وهذه مشكلة أخرى ممتدة في الفيلم بشكل عام، وهي افتراض أن المشاهد يعرف وسيملأ الفراغات.

ذكرنا أن الشخصيات الرئيسية ثلاثة، ولكن يمكن أن نضيف إليها شخصية رابعة وهي المخرجة نفسها ميريام الحاج، التي كانت تشارك بتعليق صوتي في بعض المشاهد، تعبر خلالها عن مشاعرها عما يمر به بلدها، أو أفكارها حيال كل فترة من الفترات التي يعرضها الفيلم. لم تضف هذه المشاهد الكثير للفيلم، بل ربما زادته تشتتًا، فمع التقسيم الواضح للشخصيات كما ذكرنا، سنشعر أن المخرجة تؤكد على ما قالته بالفعل من خلال الشخصيات الأخرى، وربما لو كانت قد ظهرت محل إحدى الشخصيات لأصبحت النتيجة النهائية مختلفة، ولكان الفيلم ذهب في اتجاه آخر.

عنوان الفيلم "متل قصص الحب" يأتي شرحه على لسان إحدى الشخصيات، عندما تذكر أن المحاولات المتكررة لإصلاح الوطن هي مثل قصص الحب التي ينفصل فيها الطرفين ثم يعودا إلى بعضهما عدة مرات، وفي كل مرة يشعرون أن القصة ستنجح هذه المرة. ومثل قصص الحب أيضًا يضم الفيلم الكثير من العواطف الواضحة تجاه لبنان، رغم اختلاف وجهات النظر، ولكن هذه العواطف لم تكفِ لجعل الفيلم متماسكًا، إذ كان يحتاج إلى المزيد من القسوة في المونتاج.

 

مجلة هي السعودية في

22.02.2024

 
 
 
 
 

مخرج موريتاني من مهرجان برلين السينمائي: هناك عالم آخر خارج أوروبا

(رويترز)

كان من المهم بالنسبة للمخرج عبد الرحمن سيساكو إظهار جانب من أفريقيا كثيرا ما تغفل شاشات السينما عن تصويره، وذلك من خلال فيلمه الرومانسي الذي يربط بين قارتين ويركز على الشاي. وهو فيلم "الشاي الأسود"، الذي تم عرضه في مهرجان برلين السينمائي مساء يوم الأربعاء.

وقال المخرج، المرشح لجائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام (بافتا)، للصحافيين قبل العرض: "كان من المهم بالنسبة لي أن أوسّع هذه النظرة. في أغلب الأحيان تكون هناك نظرة أوروبية أو تركز على ما هو أوروبي، كما لو كان هذا هو كل العالم". وتابع: "لكن هناك عالما آخر موجودا".

يبدأ الفيلم الذي يشبه الحلم أحيانا بحفل زفاف في ساحل العاج حيث تترك آية، التي تلعب دورها نينا ميلو، عريسها في اللحظة الأخيرة وينتهي بها الحال في مجتمع الشتات الأفريقي الراسخ في قوانغتشو بالصين.

وهناك، تقع آية في حب كاي، صاحب المقهى الذي تعمل فيه، والذي يلعب دوره تشانغ هان، بينما كان يعلمها قواعد حفلات الشاي في قبو المتجر.

وقال سيساكو: "من المهم للغاية إظهار أفريقيا بصورة قوية وشامخة، لأنه لا يوجد ما يكفي من القصص التي تُروى عن أفريقيا، ولا توجد قصص جيدة كافية تُروى بشكل جيد عن أفريقيا".

ومع ذلك، عارضت ميلو فكرة أن شخصيتها يمكن اعتبارها امرأة أفريقية قوية بالمفهوم النمطي. وقالت: "ما أعجبني في آية هو أنها ضعيفة. وهذا الضعف هو ما يجعلها قوية وقادرة للغاية".

وأضاف المخرج موريتاني المولد أن الأفلام المتعلقة بأفريقيا تعاني من تحميلها بكليشيهات، والتي تسبب ضررا في بعض الأحيان.

وقال سيساكو للصحافيين في مهرجان برلين السينمائي: "لقد مررنا بتجربة صعبة مع الغرب، مع المسؤولين عن الاستعمار. ونحن فقراء نتيجة لذلك، ونزداد فقرا".

وأضاف: "في عالم يتسم بالعولمة، تحتاج أفريقيا إلى الانفتاح على الآخرين وعدم الخوف من أي شريك. هناك الصين، لكن ليس فقط الصين".

 

العربي الجديد اللندنية في

22.02.2024

 
 
 
 
 

في ليلة تكريمه بمهرجان برلين.. سكورسيزي: السينما تتطور ولا تموت

برلين ـ «سينماتوغراف»

قال المخرج مارتن سكورسيزي في تصريحات له على هامش تكريمه في مهرجان برلين السينمائي الدولي، إن السينما لا تموت ولكنها تتطور أو تتحول.

وأكد سكورسيزي في تصريحاته، على أنه يفضل رؤية الأمر من منظور التحول، فالسينما لا يفترض أن تكون أمراً واحداً على الدوام.

وأوضح سكورسيزي، أنه في نشأته كانت السينما بصورة واحدة، إذا أراد أحد مشاهدة فيلم عليه الذهاب إلى دار العرض، وكانت المشاهدة دائماً تجربة جماعية.

وتابع سكورسيزي: "لكن التكنولوجيا تغيرت بسرعة كبيرة ومرهقة، لدرجة أن الشيء الوحيد الذي يمكنك التمسك به حقًا هو الصوت الفردي.. يجب أن أقول إن الصوت الفردي يمكنه التعبير عن نفسه على TikTok أو يمكنه التعبير عن نفسه في فيلم مدته أربع ساعات أو مسلسل قصير مدته ساعتان".

وأشار سكورسيزي إلى أنه لا ينبغي أن ندع التكنولوجيا تخيفنا، بل يجب توجيهها في الطريق الصحيح.

حصل سكورسيزي على جائزة الدب الذهبي الفخري، إلى جانب عرض تكريمي لفيلمه "The Departed" الذي طرح عام 2006.

 

####

 

مارتن سكورسيزي خلال تسلمه «دب برلين الذهبي» :  «ربما أراكم بعد عامين»

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

حصل مارتن سكورسيزي على الدب الذهبي الفخري لإنجاز العمر من مهرجان برلين السينمائي مساء أمس الثلاثاء، وتسلمه من صديقه القديم المخرج الألماني فيم فيندرز بعدما قدم إليه تحية شخصية حارة.

وقال فيندرز بعد أكثر من نصف قرن أصبح سكورسيزي علامة تجارية، وأضاف :

"يمكنك الذهاب بأمان إلى دار السينما، والجلوس ومعرفة أنك مع فيلم لـ مارتن سكورسيزي".

وتجمعت الدموع في عيني سكورسيزي عندما قال فيندرز: "عزيزي مارتي، أقف في رهبة لأننا هنا في هذه الغرفة الآن بعد 46 عامًا".

وقال سكورسيزي وهو يعتلي المسرح: "لا أعرف ماذا يمكنني أن أقول عن 50 أو 60 عاماً، هل قلت 70 عاماً من صناعة الأفلام؟". "ماذا حدث؟"

ثم ركز سكورسيزي على الدور الذي لعبته المهرجانات السينمائية في تغذية حياته المهنية ومنحه مجتمعًا من صانعي الأفلام.

وفي إشارة إلى مكانة برلين في مسيرته، استذكر فوز (بريان دي بالما) بجائزة الدب الفضي في عام 1968.

وفي معرض حديثه عن مجتمع زملائه من صانعي الأفلام، قال سكورسيزي إن "العمل الذي نقوم به بشكل فردي هو جزء من محادثة مستمرة لا نهاية لها في نهاية المطاف" قبل أن يلمح إلى أنه قد يعود إلى برلينالة عاجلاً وليس آجلاً.

وقال: "أشعر حقًا أنني محظوظ لأنني شاركت في تلك المحادثة طوال معظم حياتي، وأما بالنسبة للنظر إلى أعمالي، فلا أستطيع التوقف، وسأظل أرغب في التقاط الصور، لذلك ربما أراكم في غضون عامين، وآمل أن أراكم بعد سنة أخرى".

كان سكورسيزي ضيفًا منتظمًا في برلينالة طوال مسيرته المهنية، حيث بدأ مع فيلم Raging Bull الحائز على جائزة الأوسكار، والذي تم عرضه خارج المنافسة في عام 1981، يليه فيلم Cape Fear، الذي تم عرضه في المنافسة في عام 1992؛ وعصابات نيويورك، الذي تم عرضه خارج المنافسة في عام 2003 .

افتتح فيلمه الموسيقي Shine a Light لرولينج ستونز مهرجان برلينالة في عام 2008 بينما تم عرض Shutter Island خارج المنافسة في عام 2010.

 

####

 

المخرج مارتن سكورسيزي ممثلاً في الفيلم الجديد In the Hand of Dante

لوس أنجلوس ـ «سينماتوغراف»

انضم المخرج الأميركي مارتن سكورسيزي، المرشح لجائزة أوسكار أفضل مخرج عن فيلم "قتلة زهرة القمر" (Killers of the Flower Moon)، إلى فريق عمل فيلم "بين يدي دانتي" (In the Hand of Dante)، لكنه لن يمارس مهنته التي اشتهر بها منذ أكثر من 50 عاماً، بل سيمثل دوراً صغيراً في العمل الذي يخرجه جوليان شنابل.

ونشرت مجلة "فارايتي" تقريراً أكدت فيه أن سكورسيزي سيظهر في دور صغير -لكنه مؤثر- إلى جانب كل من الممثلين أوسكار إيزاك وغال غادوت وجايسن موموا وجيرارد بتلر وآل باتشينو.

وقصة "بين يدي دانتي" مقتبسة من رواية للكاتب نيك توشيس، تحمل نفس الاسم، وتدور أحداثها بين القرنين الـ14 والـ21، وينسج الكاتب خلالها قصتين منفصلتين، تدور أحداث إحداهما في القرن الـ14 في إيطاليا وصقلية، ويظهر فيها دانتي أليغييري، فيما تدور أحداث الأخرى في خريف عام 2001، وتتميز بنسخة خيالية من نيك توشيس باعتباره بطل الرواية.

ودانتي أليغييري الذي يدور حوله الفيلم هو شاعر إيطالي ومؤلف ملحمة "الكوميديا الإلهية"، التي تعتبر واحدة من أهم القصائد في العصور الوسطى، وتعتبر أعظم عمل أدبي في اللغة الإيطالية.

تدور قصة الفيلم حول المخطوطة الأصلية لكتاب دانتي أليغييري "الكوميديا الإلهية"، والتي تظهر مهربة في السوق السوداء في مدينة نيويورك، ويتم تعيين شخصية إسحاق من قبل العصابة للتحقق من صحتها، لكنه يسرقها، وينطلق هاربا. في هذه الأثناء، تتكشف قصة أليغييري نفسه عندما يهرب من زواج بلا حب إلى صقلية ليكتب ملحمته الفنية.

وكشف المخرج جوليان شنابل أن شخصية سكورسيزي الحكيم، الذي لم يتم الكشف عن اسمه في العمل، أرسلها الشاعر الإيطالي غيدو كافالكانتي لإرشاد أليغييري في رحلته في "الكوميديا الإلهية"، وقد أثرت الشخصية على أليغييري لـ20 عاما، كانا يلتقيان خلالها كثيرا.

وأشاد شنابل بأداء المخرج البالغ من العمر (81 عاماً) قائلاً "لا يمكنك أن ترفع عينيك عنه".

ولن تكون مشاركة سكورسيزي كممثل هي الأولى في تاريخه، وإنما ظهر في أدوار صغيرة في أفلام، مثل "آنا بافلوفا" (Anna Pavlova) في 1983، المستوحى من السيرة الذاتية لراقصة الباليه الروسية الأسطورية، كما شارك في فيلم "نحو منتصف الليل" (Round Midnight) في 1986 للمخرج الفرنسي برتراند تافيرنييه، والذي يدور حول موسيقي أميركي موهوب ونصف مجنون، يقرر الهروب لباريس، وهناك يلقى الدعم ويحقق النجاح.

وفي أفلامه كمخرج، ظهر سكورسيزي في فيلم "سائق التاكسي" (Taxi Driver) في عام 1976 بدور راكب سيارة أجرة للحظات على الشاشة، وظهر أخيراً في فيلمه الشهير" قتلة زهرة القمر"(Killers of the Flower Moon).

 

####

 

نظرة أولى | «شاي أسود» لـ عبد الرحمن سيساكو يفتقد صراع الحب بين مهاجرة أفريقية وبائع صيني

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

مرت 10 سنوات منذ أن أخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو فيلمه "تمبكتو" عام 2014، وهو سرد للحياة تحت الحكم الجهادي في مالي المعاصرة، لكن عودته التي طال انتظارها كانت مليئة بالتناقض واختيار سيناريو كان في الإمكان أن يكون أفضل من ذلك، حيث نشاهد دراما رومانسية تبث بعضًا من نفس النزعة الإنسانية التي شقت طريقها إلى فيلم "تمبكتو". لنجد فيلم "شاي أسود، Black Tea" يطبق فيه سيساكو نظرته المتعاطفة في خدمة رؤية خفيفة يشارك بها في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي الـ 74.

يبدأ الفيلم بمقدمة من نوع ما تدور أحداثها في ساحل العاج. آية (نينا ميلو)، امرأة في الثلاثينيات من عمرها، على وشك الزواج لكنها تكتشفت أن زوجها المستقبلي كان غير مخلص. وفي الصورة الافتتاحية التي لا تُنسى، تمشي حشرة سوداء عبر ثنايا فستانها الأبيض وبينما تنتظر بدء حفل الزفاف، ووجهها حزين، تُذهل عائلتها برفضها للزواج ونزولها إلى الشارع.

يقفز الفيلم بعد ذلك إلى الأمام، حيث تذهب آية إلى قوانغتشو، لتعيش في "مدينة الشوكولاتة"، وهو مجتمع أفريقي صيني حيوي ذات تراث مختلط متعدد الأجيال.

تحصل آية على وظيفة في مقهى راقي وتقيم علاقة سريعة مع رئيسها كاي (هان تشانغ) الذي يعلمها طقوس حفل الشاي الصيني. بعد أن جمعهما شغفهما بالشاي ونظرات الشوق العديدة فوق الأكواب الفخارية المتصاعدة من البخار، ليبدأ كاي وآية في متابعة قصة حبهما.

للأسف، هذه العلاقة الناشئة مهددة بسبب الصدمات التي لم يتم حلها من ماضيهما، بما في ذلك توتر كاي مع زوجته السابقة ينغ (وو كه شي)، وابتعاده عن طفل أنجبه سابقاً.

ورغم ضعف السيناريو في بعض نقاطه، إلا أن إحدى سمات قوة الفيلم هي الصورة المتعددة الجوانب التي يقدمها للمغتربين الذين لا يُشاهدون على نطاق واسع على الشاشة، على الأقل من قبل الجمهور الأوروبي.

تتمتع قوانغتشو بتاريخ من الهجرة الأفريقية يعود إلى الازدهار الاقتصادي في التسعينيات، ويشكل هؤلاء المهاجرون الآن أقلية كبيرة، حوالي 2% من سكان ثالث أكبر مدينة في الصين، مما يجعلهم أكبر مجتمع أفريقي في آسيا.

من خلال تحديد موقع فيلمه ضمن هذا الشتات، يشير سيساكو إلى هذه القصة الجيوسياسية، موضحًا كيف أن القوة الاقتصادية العالمية المتغيرة تعيد تشكيل وجه الصين المعاصرة.

في فيلمه "شاي أسود"، يلخص سيساكو هذا التوازن المتغير بذكاء من خلال تسلسل يتنقل فيه رجل أعمال عربي في أسواق الجملة في قوانغتشو، ويتفاوض للحصول على أفضل الأسعار على الملابس الداخلية المزركشة من خلال مترجم فوري، الذي يترجم بأناقة عبر ثقافتين تجاريتين مختلفتين.

لطالما كانت تجربة المهاجرين الشغل الشاغل لسيساكو، الذي تعكس أعماله في كثير من الأحيان حلاوة ومرارة حياة الشتات. فمثلاً في فيلمه «في انتظار السعادة» (2002)، يعود طالب إلى موريتانيا بعد الدراسة في الخارج ويجد أنه لا يكاد يتذكر اللهجة العربية المحلية، بينما في «الحياة على الأرض» (1998) يلعب المخرج نفسه دور المهاجر، الذي يعود من فرنسا إلى بلدة صغيرة في مالي.

وفي "شاي أسود"، تشكل قصة آية المهاجرة الجذع الذي تتفرع منه حكايات عرضية أخرى عن الحياة عبر الثقافات والحب والخسارة.

يحتوي فيلم "شاي أسود" على العديد من اللحظات الغنائية، لكن في بعض الأحيان يكون شكل السرد محبطًا. وفي أحيان أخرى، ينهار الفيلم تحت وطأة توقعاتنا، ويكافح من أجل تحقيق التوازن بين مجازات وصراع الدراما الرومانسية واهتمام سيساكو بتقديم لقطة بزاوية 360 درجة للحياة متعددة الثقافات.

وعلى الرغم من الصدى العميق المحتمل للموضوع، فإن هذا الافتقار إلى المخاطر العاطفية يمتد أيضًا إلى استكشاف سيساكو لتجربة المهاجرين. وقرب نهاية الفيلم، يؤدي وصول أصهار كاي العنصريين إلى إجراء حساب بين كاي وآية، وهو ما يشير إلى التمييز ــ الصريح والضمني ــ الذي يعاني منه العديد من الأفارقة في الصين. إن إدخال هذا العنصر، في وقت متأخر جدًا، كان من الممكن أن يكون مثيرًا للاهتمام لو تم استكشافه مبكراً بطريقة أخرى، ضمن أحداث الفيلم الذي يفتقد للرؤية العميقة مثل أعمال سيساكو السابقة.

 

####

 

«مركز السينما العربية» ينظم حلقتي نقاش بمهرجان برلين

برلين ـ «سينماتوغراف»

في إطار أنشطته بالدورة 74 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، نظم مركز السينما العربية حلقتين نقاشيتين وذلك ضمن فعاليات سوق الفيلم الأوروبي. شهدت الحلقتين إقبالا كبيرا من صناع السينما العالمية والعربية وتفاعل واضح مع المتحدثين بالحلقتين من قبل رواد مهرجان برلين السينمائي.

جاءت الحلقة النقاشية الأولى تحت عنوان «طفرة شباك التذاكر العربي» وتناولت الإيرادات غير المسبوقة التي حققها شباك التذاكر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تقترب الآن من مليار دولار، والتي شهدت أرقام مذهلة في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى جانب الإنجازات الجديدة التي حققتها السينما المستقلة في دول أخرى مثل مصر.

كما ناقشت الحلقة النجاح المتنامي للأفلام الناطقة باللغة العربية، ومدى قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الصمود في مواجهة إيرادات شباك التذاكر في المناطق الأخرى في الوقت الحالي، وما يحمله مستقبل ما بعد جائحة كورونا للأعمال السينمائية العربية في مواجهة المنافسة المحلية القوية من وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات البث المباشر.

شارك في الحلقة الأولى كل من واين بورج، المدير العام للصناعات الإعلامية في نيوم، وجيانلوكا شقرا، المدير التنفيذي لـ Front Row Entertainment، وماريو حداد جونيور، رئيس التوزيع في شركة Empire International، وعلاء كركوتي وأدارتها ميلاني جودفيلو، كبيرة مراسلي الأفلام الدولية في موقع ديدلاين.

أما الحلقة الثانية، والتي تحمل عنوان «نقطة التحول الدولية لصناعة السينما السعودية»، فتناولت مدى تطور صناعة السينما السعودية منذ بدايتها قبل 12 سنة فقط، وكيف أصحبت الأفلام السعودية عنصرًا أساسيًا حاضرًا بشكل سنوي في دوائر المهرجانات العالمية، وهو دليل على الجهود الاستثنائية التي تبذلها المملكة لتعزيز كل من صناعة الأفلام والبنية التحتية لدور العرض السينمائية، مع إنشاء سلاسل دور عرض بارزة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية وإنشاء مدينة نيوم، المركز الإعلامي الرائد الذي يضم أكبر منشأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد أصبحت موقع تصوير رئيسي لإنتاج المحتوى العالمي، حيث استضافت تصوير 35 عملًا خلال آخر سنتين. وكجزء من هذه الحلقة، ناقش المتحدثون كيف ستواكب المملكة العربية السعودية مع النظام البيئي لصناعة السينما الإقليمية والعالمية كشريك إنتاج دولي.

وشارك في الحلقة الثانية كل من واين بورج، المدير العام للصناعات الإعلامية في نيوم، ومهند البكري، المدير العام للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، والمنتجة دوروث بينماير، والمنتجة مريم ساسين، وعماد اسكندر مدير صندوق البحر الأحمر السينمائي ويدير الحلقة مايكل روسر، محرر الأخبار الدولية في سكرين إنترناشيونال.

 

موقع "سينماتوغراف" في

22.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004