ملفات خاصة

 
 
 

"برليناله 74":

اختياراتٌ عادية بانتظار المُقبل من أفلامٍ

برلين/ نديم جرجوره

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لكلّ مهرجان سينمائي، أيّاً تكن فئته، يومٌ يُحدَّد، في الدورة المنتهية، لافتتاح الدورة اللاحقة عليها. التاريخ يتغيّر، لكنّ اليوم المختار واحدٌ، والاستثناءات تحصل، لكنْ نادراً جداً. "مهرجان برلين" تُفتَتح دوراته السينمائية يوم خميسٍ، وكلّ دورة تُقام في فبراير/شباط. مهرجان "كانّ" يُفتَتح يوم ثلاثاء، ودوراته منظَّمةٌ في النصف الثاني من مايو/أيار. لـ"مهرجان فينيسيا" يومٌ أيضاً، سيكون الأربعاء منذ دورات كثيرة، وذاك اليوم يشهد افتتاح الدورات السنوية، الذي (الافتتاح) يكون غالباً في أحد الأيام الـ3 الأخيرة من أغسطس/آب.

هذه أمثلة عن مهرجانات مُصنّفة فئة أولى. الثبات في مواعيد كل دورة سنوية ضروريّ، فهذا جزءٌ من اقتصادٍ ومنافسة، يمنح كلّ مهرجان مصداقية حضور (المصداقية متأتيةٌ من مسائل أخرى مختلفة، أيضاً). لكنّ نقّاداً وصحافيين ـ صحافيات سينمائيين غير ملتزمين هذه المواعيد، ووجودهم ـ وجودهنّ في هذا المهرجان أو ذاك يُحدَّد وفقاً لمشاغل وارتباطات، علماً أنّ من يلتزم حضوراً سنوياً لهذه المهرجانات، ولغيرها، يُدرك أهمية تحديد مواعيد حضوره قبل وقتٍ طويل، فالعثور على مسكنٍ غير سهل، رغم أنّ هناك منافذ يعرفها هؤلاء. كما أنّ شراء بطاقات السفر مسبقاً أفضل وأرخص. أمّا الذين يحضرون عشية الافتتاح، أو في اليوم نفسه، فغير مشاركين (غالباً) في الحفلة الرسمية، لأنّ الفيلم المختار للافتتاح يُعرض للصحافة في وقتٍ سابقٍ على الافتتاح الرسمي، المحتاج (الافتتاح الرسمي) إلى دعوات خاصة، يندر أنْ يحصل عليها نقّاد وصحافيون ـ صحافيات.

معلومات كهذه معروفةٌ. استعادتها منبثقةٌ من السؤال التالي: أيكون الموعد المحدّد رسمياً "بداية" المهرجان بالنسبة إلى عاملين وعاملات في مهنتي النقد والصحافة السينمائيين؛ أمْ أنّ هناك موعداً أو أكثر، مرتبطاً بـ"أول" فيلمٍ يُشاهَد في هذه الدورة أو تلك (المسابقة الرسمية تحديداً)، ويكون له أثرٌ يسمح باعتباره "بدايةالمهرجان؟ أحياناً، يحضر العامل ـ العاملة قبل يومٍ، على الأقلّ، لكنّه يشعر أنّ "بداية" متابعته اليومية حاصلةٌ وفقاً لهذا الفيلم الأول، المُشاهَد في عروض صحافية. فأهمية المعروض أمامه للمرّة الأولى دولياً تصنع ذاك الشعور، إذْ إنّ أفلاماً عدّة، بينها أفلام افتتاح أحياناً، تكون إمّا أقلّ من المتوقّع، أو نقيض المطلوب سينمائياً، أو غير مؤثّرة في عاملين وعاملات في النقد والصحافة.

بعض هؤلاء يُردّد، أحياناً عدّة، أنّ المهرجان منطلقٌ، بالنسبة إليه، من لحظة مشاهدة فيلمٍ مؤثّر، سينمائياً وفنياً وجمالياً ودرامياً، وبعض تلك الأفلام معروضٌ في اليومين اللاحقين على الموعد الرسمي لبدء الدورات السنوية.

هذا حاصلٌ في الدورة الـ74 لـ"مهرجان برلين السينمائي"، التي تُفتَتح بأول عرضٍ دولي لـ"أشياء صغيرة كهذه" (2024)، للبلجيكي تيم مْيَلان، مساء 15 فبراير/شباط 2024 (تنتهي الدورة نفسها مساء 25 الشهر الجاري). زملاء مهنة يقولون إنّ شيئاً مهمّاً يتضمّنه الفيلم، الذي يستعيد فصلاً أسود من تاريخ الكنيسة الكاثوليكية في أيرلندا ("العربي الجديد"، 19 فبراير/شباط 2024)؛ وإنّ فيه شيئاً سينمائياً جاذباً، رغم أنّ الموضوع قاسٍ وخطر، واستعادته نوعٌ من إدانة مبطّنة، تُحسِن حِرفيةُ اشتغال سينمائي الإفصاحَ عنها مواربة. آخرون غير مسرورين وغير مرتاحين إلى خلوّ النصّ البصري من عوامل جذب، مع تأكيدهم على أهمية القصة، وضرورة إشهارها سينمائياً.

الرأي الإيجابي يعني أنّ "برليناله 2024" منطلقٌ في موعده الرسميّ. الآخرون توّاقون إلى بديلٍ، يعثر عليه بعضهم في "نهاية أخرى" للإيطالي بيارو مسّينا (المعروض للصحافة بعد يومين اثنين على الافتتاح)؛ وهناك من يُعلن ذهوله، الإيجابي طبعاً، من براعة الفرنسي أوليفييه أسّاياس في صُنع سينماه، ففيلمه "خارج الوقت" (أو "خارج الزمن"، وهما ترجمتان حرفيتان للعنوان الفرنسي: Hors Du Temps، الذي يتضمّن تفسيرات مختلفة أيضاً)، المعروض في اليوم التالي على الافتتاح، عميقٌ وقاسٍ في تفكيكه الذات الفردية وكوابيسها وأهوائها ومشاغلها، بينما آخرون يخرجون من الصالة بعد ساعةٍ من بدايته، لشدّة خوائه و"تفكّكه" كفيلمٍ سينمائي، ولطغيان الثرثرة التي تبدو كأنْ لا نهاية لها. بينما "من هيلدا، مع الحبّ"، للألماني أندرياس دْريْزن، موغل في "بكائياتٍ"، يُشحَن بها نصّ يروي أحد الفصول البشعة للحكم النازي لألمانيا، زمن الحرب العالمية الثانية، لكنّ الأسلوب أقرب إلى الميلودراما، التي تكشف بطش النازيين بشيوعيين ألمان، متعاطفين ـ "متعاونين" مع الاتحاد السوفييتي.

هذا كلّه غير متعلّق، بتاتاً، لا بالسينما ولا بالمهرجان، بل بموعد بدء دورته الجديدة. إنّه محاولة لكتابة مختلفة، قليلاً، ولإيجاد مغزى للعلاقة القائمة بين منخرطٍ في مهنة النقد والصحافة، والسينما في مهرجانٍ من مهرجاناتها الكثيرة.

الأفلام الـ4 تلك غير متشابهةٍ، رغم مشتركٍ بين 3 منها ("أشياء صغيرة كهذه" و"نهاية أخرى" و"من هيلدا، مع الحبّ")، يتمثّل بقهرٍ وخرابٍ وألمٍ في نفسٍ وروح وجسد. والقسوة، إذْ تُمارَس من سلطةٍ، كنسية أو سياسية أو عسكرية ـ أمنية، تُشكّل ركيزة أبرز في قراءة ذاك الوحش الكامن في بشرٍ (فيلما مَيْلان ودْريْزن)؛ وتتأتّى، أيضاً، من موتٍ (طبيعي، حادث سير، إلخ)، ينكره فردٌ، فالمُصاب كبير وأليم، والفقدان مؤذٍ، والبعض يحاول إيجاد مساحةٍ، تُعيد المفقود إلى نبضِ حياةٍ، كي يتمكّن من قول وداعٍ أخير لأحبّة وأهل وأصدقاء ومعارف (خارج الوقت).

أنْ يبدأ مهرجانٌ في موعد محّدد رسمياً، أو بفضل فيلمٍ من دون آخر، فهذا غير مؤثّر، سلباً أو إيجاباً، على متابعة يومية لأفلامٍ، تشي معلومات عنها بأنّها منخرطةٌ في قراءة أهوال ومصاعب وانكسارات وخيبات، أكثر من أي شيءٍ آخر. السابق محاولة لكتابةٍ، يُراد لها دخولٌ في مناخ مهرجانٍ، فيه شيءٌ من غليان فرد واجتماع وتاريخ وعلاقات وانفعالات، والغليان هذا يتناقض وبرودة قليلة، في الأيام الأولى للدورة الـ74 لـ"برليناله"، في مناخ المدينة، كأنّ الشتاء القارس منسحبٌ كلّياً، فالتغيّر المناخي كارثةٌ، والتحوّلات الحاصلة سلبياً في العالم تُنذر بالأسوأ.

 

####

 

فيلمان فرنسيان معطوبان في "برليناله 74"

برلين/ نديم جرجوره

فيلمان فرنسيان، مشاركان في المسابقة الرسمية للدورة الـ74 (15 ـ 25 فبراير/شباط 2024) لـ"مهرجان برلين السينمائي"، يُحبِطان مهتمّاً ـ مهتمّة بالسينما ونتاجاتها، وبالسينما الفرنسية تحديداً. يقول زميلٌ إنّ هذا "مزعج للغاية". يسأل: "أهذه سينما فرنسية، فعلاً؟". يتدخّل آخر: "لعلّ الانهيار الحاصل في فرنسا سببٌ".

لكنْ، أتكون فرنسا منهارة، فعلاً، ووحدها؟ أليس العالم برمّته منهاراً، والتحوّلات، الحاصلة منذ أعوام عدّة، كثيرة وخطرة، وفي الوقت نفسه تُنجَز أفلامٌ رائعة ومهمّة وسجالية وحادّة؟ من "يقود" العالم، حالياً؟ "قادة" و"رؤساء" جمهوريات وحكومات مُصابون بأعطابٍ وتحلّل وخراب. جنون يتحكّم. فساد يتفشّى. حماقات منتشرة. "كاريزما" منعدمة. إجرام طاغٍ. حتّى المصالح، التجارية والمالية والاقتصادية والسياسية والأمنية، غير شبيهةٍ بمصالح أزمنة ماضية. أيؤثّر هذا كلّه، سلباً، على نتاجٍ سينمائي فرنسي، يُعاني تحدّيات جمّة بسبب انقضاض سياسيين عليه، ومواجهتهم إياه بالدعوة إلى تخفيض الميزانيات المخصّصة به؟

هذا غير شامل النتاج كلّه. فالأجمل معروض في دورات سابقة لمهرجانات أخرى، وجمالياته متنوّعة الأشكال لا تزال تُثير نقاشاتٍ جدّية. المشكلة أنّ أفلاماً جديدة عدّة غير مُنجزة لعرضٍ دولي أول، أو أنّ صانعيها وصانعاتها غير مكترثين بالـ"برليناله"، أو أنّ خللَ "إدارة المهرجان" يُؤدّي إلى خيارات غير سليمة.

الفيلمان الفرنسيان، "خارج الوقت" لأوليفييه أساياس و"الإمبراطورية" لبرونو دومون، معطوبان، لما فيهما من ارتباكٍ في الاشتغال، رغم ضياء تفكير ومساءلة، وطرح أسئلةٍ عن حياة وعلاقات وعيش. الرغبة في اللحاق بالأميركي ـ الهوليوودي، في أنواع سينمائية، قاتل. النتيجة؟ كارثة. سبب الكارثة؟ محاولةُ تماهٍ فرنسي بالشغل الأميركي ـ الهوليوودي تصنع عطباً، يكون كارثياً أحياناً.

أمْ أنّ "مهرجان برلين السينمائي" نفسه عاجزٌ، في دورته هذه، وفي دورات سابقة قليلة، عن اختيار الأفضل في السينما الفرنسية الجديدة؟ أمْ أنّ السينما الفرنسية عاجزة عن فعل جديد مُثير للانتباه ومهمّ للمتابعة؟ المُقلق أنّ مخرجين، مُكرّسين سينمائياً في الصناعة الفرنسية، يُنجزون الأسوأ، أو بعض الأسوأ، ومع هذا تُعرض أفلامهم تلك، للمرّة الأولى دولياً، في مهرجان "عريق"، كالـ"برليناله". رغم هذا، المؤكّد أنّ السينما الفرنسية غير عاجزة عن فعل جديد مهمّ وجميل. أفلام عدّة لا تزال تُبهر إلى الآن. الأرجح أنّ العطب حاضرٌ في "عجز" الـ"برليناله" عن الحصول على الأهمّ والأفضل، أقلّه في هذه السينما تحديداً.

يُسرف أوليفييه أساياس في ثرثرة تنظيرية، في بعضها كلامٌ عن مسائل حيّة في يوميات فردٍ وجماعة. لكنّ وفرة الكلام ثقيلةٌ، وآلية سردها غير محتملة. صراعٌ بين آدميين وكائنات فضائية في زيّ بشري نواة جديد برونو دومون، لكنّ العطب الأبرز منعكسٌ في تقليدٍ باهت لهذا النوع السينمائي الأميركي. هذا انطباعٌ أوّل، غير خالٍ من نقدٍ. هناك شيءٌ غير متماسك في نصٍّ يسرد تفاصيل عيشٍ (خارج الوقت)، وتفاصيل أخرى مرويّة في قالبٍ يجنح إلى "الخيال العلمي" (أيكون "الإمبراطورية" خيالاً علمياً، فعلاً؟)، من دون تبنّيه سينمائياً بشكل كامل.

"حيرة كبيرة تستحوذ علينا في نهاية عرض الروائي الطويل الأخير لأوليفييه أساياس"، كما تكتب كْلاريس فابر ("لو موند"، 18 فبراير/شباط 2024). هذا وصفٌ أصدق نقدياً، خاصة أنّ في جديده تعريةَ ذاتٍ قلِقة. الحيرة أكبر إزاء فيلمين اثنين، ربما يجد فيهما البعضُ ما يعجز آخرون عن الإحساس به.

 

####

 

مارتن سكورسيزي: على المخرجين السيطرة على التكنولوجيا لا الخوف منها

(فرانس برس)

اعتبر المخرج مارتن سكورسيزي من برلين، الثلاثاء، أنّ المخرجين عليهم استخدام التكنولوجيا خدمةً لـ"صوتهم" بدل الخشية من أنّها ستقضي على قطاع السينما.

وقال سكورسيزي، خلال مؤتمر صحافي على هامش مهرجان برلين السينمائي الذي منحه دباً ذهبياً فخرياً عن مجمل أعماله: "لا أعتقد مطلقاً أن السينما تحتضر، بل هي تتحوّل".

وتحدث المخرج، البالغ من العمر 81 عاماً، والمرشح للمرة العاشرة لجائزة أوسكار في فئة أفضل مخرج عن "كيلرز أوف ذا فلاور مون" عن السينما خلال مرحلة شبابه.

وقال: "إذا رغبنا في مشاهدة فيلم ما، كنّا نذهب إلى السينما بغض النظر عما إذا كانت سينما جيدة أم سيئة، ولكنّ (...) التجربة كانت دائما جماعية".

وتابع: "مع التطور الشامل والسريع لتكنولوجيا الترفيه راهناً، إنّ الشيء الوحيد الذي يستطيع المخرجون التمسك به بالفعل هو الصوت الفردي".

وأضاف مخرج "تاكسي درايفر"، والذي تحظى مقاطع الفيديو التي تجمعه بابنته فرانشيسكا رواجاً في مواقع التواصل: "يمكن التعبير عن الصوت الفردي عبر تيك توك أو في فيلم مدته أربع ساعات أو في مسلسل قصير من ساعتين".

وقال: "لا أعتقد أنّ علينا جعل التكنولوجيا تخيفنا أو أن نصبح عبيداً لها".

وتابع: "دعونا نتقن التكنولوجيا ونوجهها في مسارها الصحيح"، داعياً إلى التركيز على "صوت" المخرجين مع تجنب "الاستهلاك والإهدار".

وأوصى سكورسيزي بالعودة إلى الأعمال الكبيرة، وقال: "ربما إذا شاهدتم الفيلم بعد 30 عاماً يبدو لكم أنّه تغير، بينما في الواقع هو نفسه وأنتم الذين تغيّرتم".

وأضاف: "قد ينضج الشخص مع الأفلام، على غرار الاستماع إلى موسيقى بيتهوفن، فهي تتغير بنظره في كل مرة يستمع إليها".

وعندما سُئل عن أفلامه الأخيرة المفضلة، ذكر سكورسيزي "باس لايفز" لسيلين سونغ و"بيرفكت ديز" لفيم فيندرز.

وبعد احتفال توزيع جوائز الأوسكار المرتقب في مارس/ آذار المقبل، يرغب المخرج في التركيز على مشروعه التالي الذي قد يتناول إيمانه الكاثوليكي، وهو أحد الموضوعات المتكررة في أعماله، مبدياً أمله بأن يكون العمل "محفزاً للتفكير" و"مسلياً" في الوقت نفسه.

وقال سكورسيزي إنه التقى البابا فرنسيس مرات عدة وناقش معه "أحدث طرق التفكير في شأن جوهر المسيحية".

ومن المقرر أن يختتم مهرجان برلين السينمائي فعالياته يوم الأحد المقبل.

 

العربي الجديد اللندنية في

21.02.2024

 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائي الدولي البرليناله 2024 ..

مساحات للتعبير وإتاحة الحوار السلمي

عصام الياسري

مساء يوم الخميس 15 شباط انطلقت وسط ساحة "بوتسدام" الشهيرة في العاصمة الألمانية الدورة 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي الـ "برليناله" من 15 ولغاية 25 فبراير 2024. وتنعقد هذه الدورة في ظرف يواجه فيه العالم العديد من النزاعات والحروب في العديد من المناطق. أخطرها ما يجري في غزة من حرب إبادة جماعية لا يتخيلها "العقل البشري".

ويتعرض الأبرياء من بينهم الأطفال والنساء والشيوخ والإعلاميون للقتل والاختطاف، الأمر الذي أدى إلى هجرة الآلاف منهم إلى أماكن مكتظة دون مأوى، حيث يعانون من الجوع والأمراض والحنين لذويهم المفقودين. ويبدو أن القتل والدمار لا حدود له وليس ثمة يقظة ضمير إنساني يسعى لوقفه ووضع حد للقتل الجماعي بدم بارد.

في المؤتمر الصحفي للجنة التحكيم العالمية الخاص بعملها، الذي انعقد صباح يوم الخميس 15 فبراير، أكد عضوا اللجنة، المخرج الأسباني آلبرت سيرا والمخرج الألماني كرستيان بيتزؤلد، معارضتهم للحرب على غزة، ردا على سؤال طرح عليهما يتعلق بتوقيعهم على بيان عالمي ضد الحرب ويدعو لإيقافها فورا. وفي كلمتها المقتضبة أمام الضيوف من الوسط السينمائي والثقافي والإعلامي والسياسي في حفل افتتاح المهرجان في صالة العروض الرئيسية، دار "البرليناله"، عبرت مديرة المهرجان "ريسنبيك" عن قلقها عما يجري في الشرق الأوسط بالقول: (نحن الفنانون والمثقفون والإعلاميون، تقع، مسؤولية الدفاع عن الديمقراطية والسلام والعمل لإيقاف الحرب وقتل الأبرياء في غزة).

وكانت إدارة مهرجان "البرليناله" الثنائي، المنتجة السينمائية مارييت ريسنبيك المدير العام، وكارلو شاتريان المدير الفني للمهرجان، كانا قد أصدرا بيانا مشتركا جاء فيه: توفر المهرجانات السينمائية مساحة للتعبير الفني وتتيح الحوار السلمي حول الحرب في الشرق الأوسط. إنها أماكن للقاء وتبادل الآراء بشكل مهم في التفاهم الدولي. نحن نؤمن أنه من خلال قوة الأفلام والمناقشات المفتوحة يمكننا المساعدة في تعزيز التعاطف والوعي والتفاهم- وخاصة في الأوقات المؤلمة التي تحدث الآن. نشعر بالقلق من انتشار معاداة السامية والمشاعر المعادية للمسلمين وخطاب الكراهية في ألمانيا وفي جميع أنحاء العالم. كمؤسسة ثقافية، فإننا نبذل كل ما في وسعنا لمعارضة أي شكل من أشكال التمييز والدعوة إلى التفاهم بين الثقافات المختلفة.

والجدير بالذكر أن إدارة مهرجان روتردام السينمائي الدولي، هي أيضا قد بادرت لإصدار بيان قيّم قبيل انطلاق الدورة الثالثة والخمسين، في الفترة من 25 يناير حتى 4 فبراير 2024. جاء فيه: نريد أن تتم ملاحظة معاناة جميع ضحايا الأزمات الإنسانية، وأن يفتح برنامجنا وجهات نظر مختلفة حول مدى تعقيد العالم وما يجري في الشرق الأوسط وخارجه "في إشارة إلى ما يحدث في غزة" من صراعات يذهب ضحيتها آلاف الأبرياء.

في دورته الرابعة والسبعين، على ما يبدو، أن مهرجان برلين السينمائي يعاني العديد من المشاكل. إذ كان عليه أن يواجه عدد من السلبيات، أسوأها قلة التمويل وآثار جائحة كورونا التي تسببت المزيد من المشاكل ومنها سحب الرعاة دعمهم وإغلاق دور السينما. في يوليو 2023، أعلن أن برليناله سيتعين عليها قبول تخفيضات هائلة ومن المحتمل أن تقلل عدد الأفلام المعروضة في السابق بنحو الثلث، من 287 إلى 200 فيلم. بالإضافة إلى ذلك، تم إلغاء قسمين بالكامل، بما في ذلك "منظور السينما الألمانية" لإنتاج المواهب الشابة.

مع ذلك سيظل مهرجان برليناله يقدم 120 فيلما أكثر من مهرجانات البندقية أو كان. ومن الممكن أن يخدم التخفيض درجة معينة من التركيز ويؤدي إلى تبادل أكثر كثافة حول الأعمال الأساسية في برليناله، وهو ما لم يحدث حتى الآن إلا نادرا بسبب الوفرة الهائلة للعروض. إلا أن الناقد السينمائي الألماني باتريك ويلينسكي يشير: ((إنه في ظل الوضع المتوتر العام، يشعر المهرجان بالتخلي عنه من قبل السياسة الثقافية للحكومة الفيدرالية)). لذلك فهو يود أن يرى المزيد من الالتزام ومسارا أوضح من الحكومة الفيدرالية وأيضا من مدينة برلين.

لكن السؤال: ما الذي غاب عن السياسة؟.

على الرغم من أن مهرجان برلين السينمائي الدولي "برليناله"، يعد أكبر مهرجانا جماهيريا في العالم في مجال صناعة السينما، إلا أنه لم يكن أبدا مرموق للسياسة الثقافية عند أصحاب القرار. هذا لا يظهر فقط بالتمويل غير المستقر والمناظرات السياسية حوله، ولكن أيضا في البنية التحتية الكارثية للمهرجان، التي تجعله أن يستمر في التسول من أجل إيجاد دور سينما يمكن عرض الأفلام فيها وجمع ثلثي ميزانيته البالغة نحو 32 مليون يورو.. غير أن الناقدة السينمائية والصحفية الالمانية كاتيا نيكوديموس تؤكد: ((بأن السياسة مطلوبة بالفعل الآن))، تقصد بذلك، المواجهة بدلا من الاحتجاج بصوت عال، لانقاذ المهرجان بشكل عاجل من أجل السينما لتكون متاحة. مما يتعين على المدير "الجديد" كما تشير، أن يتصرف في المستقبل بشكل أكثر حنكة باعتباره "جهة اتصال بين مدينة برلين والسياسة الفيدرالية والجمهور".

في دورته الرابعة والسبعين تشارك في البرليناله أفلام عالمية من 30 دولة. يتنافس على جائزتي الدب الذهبي والفضي في المسابقة الرئيسية 20 فيلما، من بينها لاول مرة فيلمين وثائقيين... وسيتم عرض 19 فيلما في العروض العالمية الأولى. ستة أفلام منها أخرجتها أو شاركت في إخراجها نساء. ويقدم تسعة مخرجين أعمالهم، ستة منها في المنافسة... المهم، ان مهرجان هذا العام، استطاع ان يوازن بين صانعي الأفلام المرموقين والأصوات الجديدة القوية في السينما المستقلة. أحد الجوانب المهمة ايضا، هو تنوع القصص التي تروى والأشخاص الذين يروونها. يقول كارلو شاتريان، المدير الفني: ((الأمر الأكثر إثارة هو الثراء الأسلوبي، الذي يظهر الإمكانات البعيدة المدى للغات الأفلام المختلفة)).

التركيبات والعروض المختارة لأفلام هذا العام في جميع أقسام المهرجان (منافسة، لقاءات، شورت برليناله، بانوراما، المنتدى، أجيال، كلاسيكيات برليناله) تلفت الأنظار في الغالب إلى المجتمعات- تكوينها ونقاط الانهيار والمخاطر والقيود التي تتعرض لها. المسارات الملتوية التي يضنون من خلالها في كثير من الأحيان استمرار وجودهم، أصبحت واضحة. الروابط الدائمة بين العائلات والقرابات الإختيارية تعمل على تقويض الأعراف الاجتماعية. إعادة استخدام الأشياء والمواد اليومية بشكل مجاز لاستكشاف الشبكات المخفية التي تصبح عقدها المتنوعة مرئية في أماكن غير متوقعة، تفسد استحضار التضامن والتماسك والأمل.

في دورته التاسعة عشرة على هامش المهرجان، يقدم قسم (فوروم) 21 عملا سينمائيا من 21 دولة. وقسم (شبسيال) 20 فيلما مميزا من 20 دولة مشاركة. فيما يتنافس على جائزة أفضل فيلم أول في اقسام المسابقة (اللقاءات والبانوراما والمنتدى والجيل) هذا العام 16 فيلما، وتقرر لجنة تحكيم مكونة من ثلاثة أعضاء: إليزا هيتمان (الولايات المتحدة الأمريكية)، وأندريا بيكارد (كندا)، وكاترين بورس (الدنمارك) اختيار الأفضل للجائزة. اهتم مهرجان برلينالة أيضا بشكل مكثف بصانعي الأفلام الشباب من خلال تقديم جائزة لأفضل فيلما أول. تبلغ قيمة الجائزة 50 ألف يورو، ترعاها جمعية إدارة حقوق السينما والتلفزيون (GWFF). يتم تقاسم الجائزة بين مخرج ومنتج الفيلم الحائز على الجائزة.

لجنة تحكيم دولية مشهورة تم اختيارها لهذا العام من قبل المدير الفني للمهرجان: الممثلة والمخرجة والمنتجة والمؤلفة لوبيتا نيونغو (كينيا/ المكسيك) تترأس لجنة التحكيم الدولية. أما أعضاء لجنة التحكيم الآخرون فهم الممثل والمخرج برادي كوربيه (الولايات المتحدة الأمريكية)، والمخرجة آن هوي (هونج كونج، الصين)، والمخرج كريستيان بيتزولد (ألمانيا)، والمخرج ألبرت سيرا (إسبانيا)، والممثلة والمخرجة ياسمين ترينكا (إيطاليا)، والكاتبة أوكسانا زابوشكو (أوكرانيا). ستقرر منح الدب الذهبي والفضي للافلام الـ 20 المشاركة في المسابقة. وسيتم في دار "برليناله" يوم 24 فبراير الإعلان عن الفائزين. وتمنح لجنة التحكيم الدولية الجوائز التالية: الدب الذهبي لأفضل فيلما (للمنتجين) الدب الفضي لأفضل (مخرج) الدب الفضي لأفضل (أداء تمثيلي في دور قيادي) الدب الفضي لأفضل أداء تمثيليا (في دور داعم) الدب الفضي لأفضل (سيناريو) والدب الفضي (للإنجاز الفني المتميز).

المثير للسرور مشاركة فيلم أردني لمؤسسة افلام فلسطينية ـ الأردن، سيناريو وإخراج براندت أندرسن: "قضية الغرباء" The Strangers’ Case وإنتاج براندت أندرسن، أسامة بواردي، ريان بوسه، تشارلي إنديان. يعالج رؤية الشخصية التاريخية السير توماس مور للدفاع عن اللاجئين في مسرحية شكسبير قبل أربعة قرون. يبلغ ذروته في إشارة مؤثرة إلى الحاضر: حلب، في خضم الحرب الأهلية السورية. أميرة، جراحة أطفال، تجري عملية جراحية منقذة للحياة خلال أحلك أيام الصراع. من خلال تطور غير متوقع، أصبحت هي وابنتها شخصيتين رئيسيتين في قصة درامية تتشابك حياة خمس عائلات في أربع قارات وتعيد تعريف وجودهم.

 

المدى العراقية في

21.02.2024

 
 
 
 
 

رسائل البرلينالي: "مجد!"

سليم البيك/ محرر المجلة

هو الفيلم الأول لمخرجته المعروفة كمغنّية وممثلة. هنا كانت تجربتها الأولى في الإخراج، مستوحاة من مجالها الموسيقي، مما تعرفه مسبقاً، ما يطرح أسئلة حول ما يمكن أن تصنعه مارغريتا فيكاريو من بعد فيلم أوّل استثمرت مجالها الأساسي تماماً فيه.

الفيلم موسيقي، ميوزيكال، بنسبة عالية منه. من أوّله حيث تتداخل الأصوات الإيقاعية للحياة اليومية لعاملات في الدّير، إلى المشاهد الأخيرة حيث الحفلة النهائية التي تم التحضير لها على طول الفيلم.

يحكي "مجد!" (!Gloria) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، عن فتيات يتيمات في دير، منسيّات من أهاليهن أو متروكات أو لا أهل لهن، يتعلمن العزف على الآلات الموسيقية التقليدية. تصل رسالة في أن البابا سيأتي إلى هذه القرية المجانبة لفينيسيا، فيتحضّر الراهب الذي يقود البنات موسيقياً، لتأليف مقطوعة مناسبة، يفشل.

البطلة خرساء، تعمل خادمة، نعرف لاحقاً أن الراهب البشع والشرير اغتصبها وخطف ابنها وألزمها الصمت. تبدأ بالتكلم لاحقاً، تتساعد مع الفتيات في التمرد على الراهب وتأليف موسيقاهن الخاصة، الحيوية، الحديثة، الغريبة عن كل التقاليد المحافظة.

مشهد جميل في هذا التضاد، كان في عزف الفتاة على البيانو موسيقى غير مألوفة، هي الجاز كما نعرفها في عصرنا. في تمهيد لتحرر موسيقي واجتماعي سيصل ذروته في الحفلة الأخيرة التي حبست فيها الفتيات الراهب وتمردن حتى على البابا في الكنيسة، في غناء ورقص وعزف بفرح وحرية.

ليس الفيلم مبهراً لكنه عفوي، صادق، موسيقاه نقطته الأقوى، وقصته المأخوذة عن حالات حقيقية، مثيرة، إذ امتلأت الأديرة بفتيات عزفن وألفن الموسيقى وكانت كروحهن متعطشة للحرية، خروجاً من الدير وقوانينه، ومن القمع الديني والبطريركي، وكذلك من القوانين الموضوعة مسبقاً لما يجب أن تكون عليها الموسيقى.

بأسلوب خفيف وممتع نسبياً، ينقل الفيلم واحدة من القصص غير المنتهية لنساء قُمعن في تاريخ سيطر عليه رجال الدين، في كونهم نظاماً ذكورياً وكاثوليكياً فرض -حتى- نوع الموسيقى الممثّلة لسيادته، الممثّلة لظلام وانحطاط حالا تاريخياً دون "مجد" مستحَق لنساء، مؤلفات وعازفات.

 

####

 

رسائل البرلينالي: "حمّام الشيطان"

سليم البيك/ محرر المجلة

ليست هذه الرسائل عن كل فيلم أشاهده. لا يستحق أكثر من نصف الأفلام الكتابة اليومية، فدورة هذا العام من مهرجان برلين السينمائي، بمسابقته الرسمية حتى الآن، أضعف من دورة العام الماضي.

هذا ما يفسر الحضورَ الزائد للوثائقيات في المسابقة الرسمية، وقد يحيل أحدنا السبب إلى مهرجان كان السينمائي الذي تسعى إليه الأسماء الكبيرة أولاً، وقد استحوذ العام الماضي على نسبة من أهم إنتاجات العام. لكن، فيلمنا هذا واحد من الأفلام الاستثنائية في هذه الدورة، لا لضعف في التشكيلة بل لقوة فيه.

"حمّام الشيطان" (The Devil’s Bath) للنمساويين فيرونيكا فرانز وسيفيرين فيالا عوّض النقض النوعي في أفلام هذه الدورة إلى حينه، مع استثناءات متفاوتة كتبتُ حتى الآن عمّا وجدته مستحقاً لذلك منها.

الفيلم محكم، متماسك، ساحر بصرياً ومثير سردياً. من اللقطة الأولى يقدّم موضوعه بكلام متقشف، مشاهد متلاحقة تخبئ في سرّها تراجيديا يتلمّس أحدنا، من المشاهد الأولى، الطريق إليها، مدركاً أنه أمام عمل استثنائي.

المآل التراجيدي هو لأغنيس، امرأة ستتزوج، تترقّب حياة سعادة وإخلاص متمنيةً طفلاً يملأ بيتها. يرفض زوجها، الطيّب والممل، النوم معها، أمّه تقسوا عليها، تَسودّ حياتها إلى أن تقرر الانتحار، اليأس يملأ يومياتها والسوداوية تعمّ الفيلم. نحكي عن القرن الثامن عشر، في النمسا، حيث الإيمان المنحرف في تطرفاته، والسيطرة التامة للخرافات المرتبطة بالمسيحية.

لقطات ثابتة ومتحركة شديدة الرمزية تملأ الفيلم، كعنزة معلقة بالمقلوب تبدو كمسيح مصلوب. ساد العنفان البصري والنفسي الذي تعيشهما أغنيس، في القرية الصغيرة حيث يحتفل الناس بالقتل التشويهي للمذنبين ويشربون دماءهم. بموسيقى وتأثيرات سمعية كانت عنصراً أساسياً في سيادة العنفين، ليكون الفيلم لا تراجيديا شخصية لامرأة وحسب، بل سوداوية وحتى "شيطانية" تمثّلت في باقي شخصيات القرية، من الأم المتشددة إلى باقي سكّان القرية ومعهم نفهم أن التشدد سلوكاً مجتمعياً عاماً.

ذلك كله في قرية هي أقرب لتكون غابة، الناس هنا سكّان غابة كئيبة ومقفرة، الموت والبرد يخيم عليها، والموتى وآثارهم، أناساً وحيوانات، تملأ أطراف الغابة، طريةً ومتحللة.

الفيلم، في تصوير شكلٍ من التعصب الديني، والطقوس الإيمانية المغالية، الموتيّة، يحيل إلى عالم اليوم والفاشية فيه، من أصولها، أكثر من غيره من أفلام هذه الدورة التي تناولت اليمين المتطرف أو النازية.

لا يكتفي الفيلم بجانبه السردي المحكم أو البصري الجمالي رغم سوداوية الشكل والمضمون، الشيطانيين، ورغم العنف الكامن والظاهر، والدموية السائدة، بل ينقل من خلال بحوث جُمّعت، قصةً سادت في حينها، إدراكُها يعطي للفيلم قيمة عليا في مضمونه.

في حينها، كان الساعون إلى الانتحار للتخلص من الحياة الدنيا، يتخذون طريقة تحميهم من الجحيم في الحياة الآخرة، فيخرجون سالمين من حياة أرادوا التخلص منها مهما كانت الأسباب. وكان ذلك بارتكاب ذنوب شتى آخرها، كما فعلت أغنيس، قتل طفل، هي بذلك، كذلك، تحميه من أن يكبر ويرتكب معاصي، فهو بذلك ملاك إلى الأبد. قتلت أغنيس طفلاً وحاولت الانتحار وارتكبت معاصي كي تجد مخرجاً من البؤس في حياتها.

اعترفت بذنوبها في الكنيسة، غُفرت لها الذنوب لاعترافها وحُكم عليها بالإعدام بقطع رأسها. هي بذلك نالت موتها من دون ذنب الانتحار.

يخبرنا الفيلم أخيراً أن أكثر الحالات المنتشرة لهذا النوع من الانتحار المغفور، كانت للنساء.

 

مجلة رمان الثقافية في

21.02.2024

 
 
 
 
 

ميريام الحاج تخلط «الحابل بالنابل» في شوارع الانتفاضة

رسالة برلين/  شفيق طبارة

لعلها المرة الأولى التي نشاهد فيها فيلماً وثائقياً خارجاً كلياً عن سياقه ومضمونه، وكل مشهد منه خارج عن محتوى ما يحدث داخله وعمّا سبقه. كأنّه فيلم خارج الزمن، لا يفقه عوالمه ولا يعرف التعامل مع شخصياته، غير ناضج، مفتعل، مركّب إلى درجة الزيف، ومصمّم بغير سوء نية لكنّه جاء بمثابة إهانة جماعية لكثير من البشر. «متل قصص الحب» للمخرجة اللبنانية ميريام الحاج، الذي عُرض في مسابقة «بانوراما» ضمن «مهرجان برلين السينمائي الدولي» هو أحد هذه الوثائقيات. مشكلته الأساسية هو أنّه صوِّر على سنوات عدة، بدايةً من عام 2017 كما قالت المخرجة ويُعرض اليوم. في هذه المدة، مرّ لبنان بعدة مراحل، بدءاً بالانتخابات البرلمانية عام 2018، ثم انتفاضة 17 تشرين الأول (أكتوبر) 2019، وجائحة كورونا، وانفجار مرفأ بيروت، والأزمة الاقتصادية والمعيشية وكل ما تخلّلها. فترة جعلت لبنان واللبنانيين يعانون من ضياع كامل، كان تأثيره كبيراً على الوثائقي وشخصياته، فما حدث في لبنان أسرع مما يمكن لأحد تصوّره. هذه الحالة وطول مدة التصوير، تجعلان المخرجين والمخرجات ينظرون إلى السينما كما لو أنّها ترف لن يتمكنوا من الوصول إليه مرة أخرى في أي وقت قريب. لذلك، فإنهم يغتنمون الفرصة لتضمين أكبر عدد من الرغبات والاختراعات والأحداث والمواضيع في فيلمهم. نادراً ما نرى في هذه الحالة «منتجاً» قادراً على إزالة التجاوزات وأحلام اليقظة والغرور الإخراجي، لمصلحة المزيد من الاختزال والتواصل الأوضح مع ما حدث ويحدث. يبدأ فيلم ميريام الحاج مع الصحافية والشاعرة جمانة حداد أثناء حملتها الانتخابية لانتخابات عام 2018. بسرعة نعرف أنّها كانت رابحة، ثم خاسرة بين ليلة وضحاها. في عام 2019، يبدأ الغضب الشعبي في شوارع بيروت، بيرلا جو معلولي أصبحت «رمزاً» لهذه الانتفاضة. يلاحق «متل قصص الحب» الشخصيتين طوال سنوات التوتّر اللبنانية، تشاركاننا أفكارهما وتجاربهما وتأثير ما حدث لهما. ينضم إليهما جورج (أبو الليل) أحد محاربي الحرب الأهلية الذي قال إنّه كان واحداً من المسلحين الذين أطلقوا النار على بوسطة عين الرمانة الشهيرة. عبر تعليق صوتي، تقول لنا الراوية، المخرجة نفسها، مذكراتها أثناء الحرب الأهلية وصولاً إلى الانتفاضة الشعبية ثم الانفجار. تعليق صوتي شخصي، تشارك عبره الحاج مشاعرها العامة والخاصة.

«متل قصص الحب» «مضعضع»، لا يعرف مساره ولا ما يريد الحديث عنه. خلطة قضايا وأحداث احتلت عناوين الصحف ومزاج الرأي العام، في فيلم واحد يمكن وصفه في أحسن الأحوال بأنه ريبورتاج تلفزيوني طويل أكثر منه وثائقياً سينمائياً، حتى إنّ مارسال غانم وبرنامجه «صار الوقت» يحتلّان شاشة السينما لدقائق. لم تعرف الحاج التعامل لا مع شخصياتها ولا مع فيلمها، كأن الفيلم كان شيئاً وانتهى ليكون شيئاً آخر كلياً. بدأ كأنه دعاية انتخابية لجمانة حداد، ثم أصبح يلاحق بيرلا في شوارع بيروت خلال الانتفاضة، وفي الوقت نفسه يجلس مع جورج عند الحلاق وفي بيته ليخبرنا بذكرياته عن الحرب الأهلية، وتعليقاته على ما يحدث بطريقة صادقة فيها الكثير من العفوية. بدت بطلتا الشريط متعاليتان، تصدحان بـ«الأنا». أكثر من نصف الفيلم تتحدث الامرأتان عن نفسيهما، ويتحول الاهتمام الرئيس مما يحدث بشكل عام إلى حياتهما الخاصة.

يفتقد «متل قصص الحب» إلى الإخراج، لا تفقه الحاج حشر شخوصها في زاوية وإخراج ما تريد منهم. بدت كأنها مجرد مصوّرة تتقبّل كل ما يخرج من أفواههم، كأنهم يملكون الحقيقة في كل شيء يحدث، رغم أن بيرلا مثلاً لا تعلم ما هي الشيوعية، وتساوي بين فلسطين وإسرائيل! تسمعنا الحاج كلماتها عن الحياة وصيبة العين، وبيروت وعلاقة الحب التي ساعدتها الانتفاضة الشعبية على التخلّص منها. تنتقد جورج، وتحكم عليه من خلف ظهره لا في وجهه، لتحمّله وكل من شارك في الحرب الأهلية اللبنانية، مسؤولية ما يحدث اليوم في لبنان. هناك استخفاف يتمثل في ما يقال في الفيلم، كأنّ ليس للكلمات أي وزن ولا اعتبار. لا يمكن اختزال الحرب الأهلية ببوسطة عين الرمانة. هذا الاستخفاف ينطبق على لغة الفيلم السينمائية، فهو عبارة عن تجميع مشاهد، بلا مونتاج واضح، ولا مسار معين، يمشي بلا وجهة محددة، يفتقد معرفة التعامل مع كل ما حدث في لبنان. لا يمكن أن ننتج فيلماً يتحدث عن سنوات الاضطراب في لبنان من منظور واحد، ونختزل بذلك كل المكونات الأخرى. ضاع الفيلم وضيّع معه مشاهديه، حتى شخصياته لم نعرف حقاً من هي، كأن الحاج لا تهتم بذلك، وخصوصاً جورج الذي هو أكثر الشخصيات إثارةً للاهتمام.

بدأ كأنه دعاية انتخابية لجمانة حداد، ثم أصبح يلاحق بيرلا في بيروت

الفيلم مصمّم للمشاهد الغربي، وفي الوقت نفسه لا ينجح في الوصول إليه، لأنّ من لا يعرف ما حدث في لبنان، سيبقى جاهلاً بعد مشاهدة الفيلم بسبب قفزاته الزمنية العالية. من يعرف اضطرابات لبنان، لن يخرج بأي جديد. أساء الفيلم التعامل مع ما حدث ويحدث، هذا إن لم نقل استخفّ به. نظر بسطحيّة كبيرة إلى الأحداث، فالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية أشدّ تعقيداً من مجرد شخص سيّئ وشخص جيد. مشت الحاج في فيلمها بجانب الحائط، لم تتجرأ على طرح أي سؤال يمكن أن يعطي فيلمها الثقل والعمق المناسبين. «متل قصص الحب» مجرد مشاهد ومقابلات خالية من المضمون والخلفية. كأنّ الحاج حملت كاميرتها في كل مرة يحدث فيها اضطراب في البلد وذهبت إلى جمانة وبيرلا وجورج، لتسألهم عن أحوالهم وتأخذ منهم تعليقاً على ما يحدث. يصبح الواقع المضطرب مجرد مقاطع فيديو قصيرة ممتدّة على سنوات، ومونتاجها مفيد لإنشاء منتج تجاري مُعبّأ مسبقاً عبر الصور والمشاهد المختزلة والمسحوبة من سياقها، مقارنة بتعقيد الواقع المعاش.

 

الأخبار اللبنانية في

21.02.2024

 
 
 
 
 

فيلم «رجل مختلف» ينفذ إلى الأعماق بعيدا عن المظهر الخارجي

نسرين سيد أحمد

برلين ـ «القدس العربي»: في زمن يشغل فيه الكثيرون بمقاييس الجمال ومعاييره، وتلاحقنا فيه دعايات عمليات التجميل وإزالة التجاعيد وغيرها، كما تلاحقنا دعايات قبول الاختلاف وعدم الامتثال للصور النمطية للجمال، يأتينا فيلم مختلف يبحث عن الهوية الحقيقية، التي تكمن وراء مظهرنا الخارجي. الفيلم هو «رجل مختلف» للمخرج الأمريكي آرون شيمبرغ، ويعرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي في دورته لهذا العام (15 إلى 25 فبراير/شباط).

ما يميز «رجل مختلف» حقا هو أنه ينأى بنفسه عن الوعظ والخطابة، ويناقش الاختلاف دون أن يملي علينا رأيا، أو يفرض علينا وجهة نظر.

تدور أحداث الفيلم حول إدوارد (سباستيان ستان) وهو أربعيني منطوٍ على ذاته، يعاني من تشوهات في الوجه، نتيجة لإصابته بمرض يؤثر على أعصاب الوجه. يعيش إدوارد في عزلة ووحدة في شقة بعمارة سكنية في نيويورك، الشقة ذاتها تعاني من التداعي كما يتداعى وجه صاحبها. لا يبدو لنا أن لإدوارد وظيفة ثابتة لكنه يحصل على أدوار تمثيل متواضعة في بعض حملات الدعاية، التي تحض المجتمع على عدم التمييز ضد المعاقين/المختلفين. يصبو إدوارد إلى لعب أدوار هامة كما يصبو إلى الحب، لكنه يرى أن وجهه يقف له بالمرصاد ويعوقه عن تحقيق طموحه.

لكن حياة إدوارد الراكدة يدخلها تغيران كبيران في آن واحد. أولهما هو وصول جارة جديدة جميلة لتسكن في الشقة المجاورة، وهي إنغريد (ريناتا رينسيفيه، التي أبهرتنا بأدائها في فيلم «أسوأ شخص في العالم ليواكيم تريير). إنغريد تسعى أن تكون كاتبة مسرحية ذات شأن كبير، وتبدي اهتماما كبيرا بجارها إدوارد. أما الحدث الآخر فهو علاج تجريبي جديد، يعد ليس فقط بوقف تطور مرض إدوارد، بل بالقضاء على كل تشوهات وجهه كما لو كان لم يمرض قط.

يمر الوقت ويشفى إدوارد تماما من مرضه ويصبح صاحب وجه جميل تفتن به النساء، كما يمر الوقت وتحقق إنغريد النجاح، الذي كانت تصبو إليه في عالم المسرح. تصبح مؤلفة ومخرجة مسرحية بصدد إنجاز مسرحية عن إدوارد، جارها السابق.

يشعر إدوارد بغصة في القلب أنه لا يستطيع أن يلعب الدور الرئيسي في مسرحية تدور عن قصة حياته، فشكله الحالي لا يتمشى مع متطلبات الدور. أما الذي يحظى بالدور فهو أزوالد (آدم بيرسون، الذي عرفناه في فيلم «تحت الجلد» لجونيثان غليزر».

أزوالد هو النقيض التام لإدوارد. سمح إدوارد لاختلاف وجهه أن يملي عليه حياته، وتشرب داخليا معايير المجتمع للقبح والجمال ولمن يجب أن يحظى بالحب ومن يحظى بالشفقة، وعاش في عزلة وحسرة نتيجة لذلك.
أما أزوالد فلا يسمح لاختلاف وجهه أن يحجم طموحاته أو أن يؤطر هويته، فهو يعيش الحياة كما يحلو له، يعشق ويتزوج وينجب، ويمثل فيتقن الأداء ويغني فيتمايل المستمعون له طربا.

يطرح الفيلم تساؤلات كثيرة حول مظهر الإنسان ومخبره، عن الدور الذي يلعبه الشكل الخارجي في تحديد هوية الإنسان، عن كيفية تعامل الإنسان مع شكله الخارجي. هو فيلم عن الهوية ومكوناتها، ويطرح الكثير من الأسئلة عن الهوية، لكن دون تقعر أو وعظ أو لهجة خطابية.

يجعلنا الفيلم نتساءل تُرى كيف سيكون تعامل الناس معنا لو حصلنا على وجه جديد له قسمات مختلفة. هل سنصبح أكثر شعبية؟ هل سيزداد إقبال الناس علينا؟ والسؤال الأهم: ماذا عنا من الداخل؟ هل سيتغير جوهرنا لحصولنا على وجه جديد؟ لكن مع جدية القضايا التي يحملها الفيلم، إلا أنه لا يأتينا بهذه الجدية والصرامة، بل نجد الكثير من المواقف الهزلية التي تضحكنا وتعكس حالة إدوارد النفسية. هناك على سبيل المثال سقف منزل إدوارد المثقوب الذي يسرب الماء، أو هناك الآلة الكاتبة العتيقة، التي تنتقل من بيت إدوارد إلى بيت إنغريد، أو غيرة إدوارد الشديدة من أزوولد، وغيرها من المواقف التي تجعلنا نضحك رغم جدية القضايا المطروحة.
في «رجل آخر» يقدم شيمبرغ فيلما يبادرنا بالأفكار والقضايا من كل حدب وصوب، لكن في خفة وسلاسة تجعلنا نقبل على هذه الأفكار دون الشعور بثقل الموقف. الفيلم يقدم دراسة عن «الجمال» و»القبح» عما يجعلنا ننجذب إلى الأشخاص، أو ننفر منهم، عن الهوية الحقة أو المختلقة، أو كيف نخلق هويتنا أو هوياتنا المختلفة.

 

القدس العربي اللندنية في

21.02.2024

 
 
 
 
 

برلين السينمائي يكرم مارتن سكورسيزي بجائزة الدب الذهبي الفخري

البلاد/ مسافات

منحت إدارة مهرجان برلين السينمائي، المخرج العالمي مارتن سكورسيزي، الجائزة التكريمية الأكبر في الحفل؛ وهي الدب الذهبي الفخري؛ وذلك تقديراً لمسيرته الفنية الكبيرة.

وأثناء تسلمه للجائزة التكريمية على المسرح، كشف المخرج أنه يريد العمل على أفلام جديدة، حيث قال: “مازلت أرغب في في صنع أفلام جديدة، لذا ربما سأراكم بعد بضع سنوات، آمل ذلك، بفيلم آخر”.

ونشرت صفحة المهرجان، على حسابها في موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام؛ صورة لمارتن سكورسيزي أثناء تسلمه الجائزة، مرفقة بتعليق جاء فيه: “كونه واحداً من أعظم صناع الأفلام في العالم على مرّ العصور، يفخر مهرجان برلين بتقديم هذه الجائزة له”.

كما لفت التعليق إلى ارتباط المهرجان بسكورسيزي، حيث تم عرض العديد من أفلامه في العديد من دورات المهرجان، بما في ذلك فيلم الحفل المذهل لفرقة الروك الشهيرة The Rolling Stones، والذي حمل عنوان “Shine a Light”، وكان فيلم الافتتاح في مهرجان برلين عام 2008.

 

البلاد البحرينية في

21.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004