ملفات خاصة

 
 
 

من هيلدا مع حبي” في مهرجان برلين

أمير العمري- برلين

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لا شك أن السينما الألمانية في أزمة. تماما مثل ألمانيا نفسها، التي تعاني من مأزق هوية مستمر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، أي منذ أن خضعت للاحتلال من طرف دول الحلفاء، ثم أصبحت مجرد قاعدة أمريكية نووية كبيرة منذ انتهاء الاتحاد السوفيتي وسقوط القسم الشرقي منها.

السينما الألمانية التي قدمت لنا الكثير من الروائع بل والمدارس السينمائية العظيمة مثل التعبيرية الألمانية، وأضافت إلى العالم أسماء مرموقة في عالم الإخراج السينمائي، تقف اليوم ممزقة، عاجزة، تائهة، تعاني من عقم في الأفكار بل وفي أساليب المعالجة أيضا.

في مهرجان برلين السينمائي الـ74 المقام حاليا عدد من الأفلام الألمانية، كما هي العادة بالطبع، فهذا هو مهرجانهم، والمناسبة السنوية الطبيعية التي تفرض عرض الجديد المتميز من السينما الألمانية. ولكن هل شاهدنا حتى الآن شيئا متميزا حقا؟

الفيلم الأول الذي يعرض داخل المسابقة الرسمية، هو “من هيلدا مع حبي” In Liebe, Eure Hilde للمخرج أندرياس درسن. وهو الذي سبق أن قدم قبل عامين فيلما متميزا كثيرا عرض في المهرجان نفسه هو فيلم “ربيعة قورماظ ضد جورج دبليو بوش”، وهو من نوع الكوميديا السياسية الساخرة، وكان مخرجه يعالج موضوعه بمنتهى الحرفية والمهارة، من خلال دراسة جيدة للشخصية التي يقدمها وهي شخصية حقيقية، لامرأة تركية اعتقل ابنها بتهمة الإرهاب لكنها وصلت إلى حد الذهاب إلى واشنطن حيث نجحت في تنظيم حملة للدفاع عنه على أن تم إطلاق سراحه.

يعود أندرياس درسن هذا العام من خلال سيناريو كتبته نفس كاتبة سيناريو فيلميه السابقين، “المحارب” و”ربيعة قورماظ”، الكاتبة الألمانية “ليلة شتيللر”، هو فيلم “من هيلدا مع حبي” From Hilde, With Love. ويستند الفيلم إلى شخصيات وأحداث حقيقية، وقعت خلال الحقبة النازية، وتحديدا خلال الحرب العالمية الثانية، لكن هذه الحقيقة لا تعتبر دائماـ ميزة في حد ذاتها، فالعبرة بالمعالجة الدرامية، وبأسلوب المخرج وطريقته في تناول الموضوع.

وكما أنه قصة حب تجمع بين هيلدا وهانز، الأولى فتاة المانية عادية أقرب إلى السذاجة، والثاني شاب ألماني، عضو في خلية من الشباب كانت تتجسس أو تحاول نقل المعلومات إلى الاتحاد السوفيتي، ويفترض أن الدافع أيديولوجي، ومع تطور العلاقة تصر هيلدا على أن تتزوج من هانز رغم تحذير خالتها لها.

هانز مغرم بهيدا لكنه جزء من مجموعة من الشباب الألماني الذين يبدو حماسهم للسوفيت أقرب إلى المراهقة الفكرية، مع غياب أي مقاومة حقيقية للنظام النازي، ومن دون أن تبذل كاتبة السيناريو أي جهد في تعميق هذه الشخصيات أو حتى تصوير مناقشاتهم معا، فنحن نظل حتى النهاية نجهل من هؤلاء، وما الذي يخططون له، وما هي مشكلتهم مع النظام سوى أنهم يميلون للاتحاد السوفيتي ولكن حتى ولائهم المفترض للاشتراكية غير واضح. بل وحتى الرسائل التي يبعثون بها تهدف الى طمأنة الجنود الأسرى على أهاليهم وعائلاتهم.

إننا أمام فيلم لدراسة الشخصية character study لشخصية هيلدا، التي يجد فيها صانعو الفيلم نموذجا لفتاة عادية أو أقل من عادية، لم يكن لها نشاط سياسي، ولا موقف أيديولوجي، ولم تفعل سوى أنها اندفعت تحت سطوة وقوعها في الحب، على نقل جهاز إرسال إلى حبيبها، من دون أن تعرف حتى ما هو، ثم تتحمس أيضا لتعلم لغة الشفرة التي يرسلون بها رسائلهم البدائية على موسكو.

والحقيقة أن غياب أي أبعاد مثيرة للاهتمام في شخصية هيلدا دفع كاتبة السيناريو إلى التركيز على الجانب الذي افترضت أنه سيدفع المشاهدين إلى التعاطف معها، ومن خلاله يمكنها أن تجسد قسوة النازية، هذا الجانب هو حمل هيلدا في جنين من هانز، واعتقالها وهي حامل مع مجموعة أفراد الخلية التي عرفت بـ”الأوركسترا الحمراء”. لكن الفيلم لا يظهر الجانب المعتاد من معتقلات النازية، بل نراها في مستشفى السجن تجد رعاية لا بأس بها بل وقدرا من التعاطف حتى من قبل السجانة النازية التي يذوب بعض جمودها تدريجيا خصوصا بعد أن تنجب هيلدا طفلها داخل السجن، وهو سجن عادي وليس معسكر اعتقال جماعي، وهي في صحبة معتقلات مثلها، سواء من نفس الخلية الشيوعية، أو المثلية الجنسية، وأسباب أخرى لا يكشفها لنا الفيلم.

سياق السرد يقوم على الانتقال المستمر من البداية إلى النهاية، بين الماضي والحاضر، والقصد من العودة إلى الماضي من خلال الفلاش باك، هو قص حكاية هيلدا من بداية علاقتها بهانز ورفاقه، وعلاقتها بأمها، وتصوير تطور العلاقة العاطفية، مع بعض مشاهد الجنس، ولكن المشكلة أن هذه المشاهد لا تخلو من أي عمق أو قدرة على الإحاطة، سواء بالفترة التاريخية، أو بواقع القهر كما ينعكس على المجتمع في الخارج، أي خارج السجن، ولا على الشخصيات المحيطة حتى بعد اعتقالها، بل وحتى القبض على هيلدا يبدو مخالفا تماما لما درأت عليه أفلام النازي، فرجال الجستابو لا يرتدون الملابس النازية، ولا يصرخون أو يقومون بتعذيبها، بل يبدو استجوابها أقل مشقة من أي استجواب يدور اليوم من جانب أجهزة الأمن في بلدان العالم الثالث!!

ولكن أهم ما يركز عليه الفيلم هو تحمل هيلدا التجربة في شجاعة، وصمودها، ورعايتها لطفلها داخل السجن، وعدم إبداء أي مقاومة أو رد فعل، بحيث كثيرا ما بدا أنها لا تفهم العالم الذي تعيش فيه ولا تعرف لماذا وضعوها في السجن، ثم تواجه الإعدام في النهاية مع عدد من النساء، في شجاعة أقرب في الحقيقة إلى بلاهة وعدم إبداء أي مشاعر باستثناء أنها تكتب رسالة الى ابنها الذي أطلقت عليه اسم والده، هانز، التي انتزعوها منها على وعد بنقلها إلى أمها.

يعاني الفيلم من سوء اختيار الممثلة التي تقوم بدور هيلدا (ليف ليزا فرايز) التي ربما تكون مناسبة من حيث الشكل، إلا أن أداءها اتسم بالسطحية والجمود والتعبير الواحد الذي ظل مرتسما على وجهها طوال الفيلم. كما أن بناء شخصيتها من الأصل في السيناريو، يجعلها فتاة  خجولة، انطوائية، مرتبطة بأمها، تقع في الحب وتخلص لحبيبها رغم انه لا يمانع من إقامة زملائه علاقات متعددة في وقت واحد، ويعاني الفيلم أيضا من ترهل الإيقاع، وهبوطه في النصف الثاني، ومن الإطالة والاستطرادات، فنحن أمام عمل يقوم أساسا على الوصف مع غياب للحبكة الدرامية أو لأي تصاعد في الأحداث من الناحية الدرامية، فالفيلم يبدأ باعتقال هيلدا ويبقى داخل هذه الحالي حتى النهاية..

 

موقع "عين على السينما" في

19.02.2024

 
 
 
 
 

على طريقة «ماجدة الرومى»..

ماريام الحاج تحكى للعالم مأساة لبنان!!

طارق الشناوي

في قسم (البانوراما) بالمهرجان يشارك الفيلم اللبنانى (مثل قصص الحب) إخراج ماريام الحاج، الذي حظى بقدر من الحفاوة بعد أن تعددت فرص عرضه، الشريط يفتح الباب على مصراعيه لكل ما يعيشه ويكابده الشعب اللبنانى الشقيق من مخاطر تهدد أمنه القومى والوطنى والشخصى، تمنعه حتى من الحياة بأقل ما هو متاح، إلا أن نصف الكوب الملآن من تلك الصورة المخجلة لضمير العالم، يؤكد أن هذا الشعب المحب للحياة سوف يسترد حقه الشرعى في الحياة. يبدو ظاهريا أن كل الأبواب صارت مغلقة بعد أن حل الظلام، إلا أنه عمليا هناك عن بعد في نهاية النفق الذي يزداد ظلاما، بصيص من نور، وأفلام مثل (مثل قصص الحب) التي تعبر الحدود قادرة على أن تثير بداخل كل مواطن لبنانى الأمل في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، ليمسك بشعاع النور.

يطرح الفيلم سؤالا كثيرا ما يواجهنا، خاصة في عالمنا العربى ودول أخرى نصفها بالعالم الثالث، عندما تنشط غدة الرقابة رغم أنها عادة هي في حالة استنفار دائم.

تابعنا ما حدث مع المطربة الكبيرة ماجدة الرومى مؤخرا في حفل أقامته في (أبوظبى)، قبل أن تشرع في الغناء، بعد أن توجهت بالشكر إلى الشعب الإماراتى، حكت بكل صدق عن مأساة بلدها لبنان، وكأن الحكى صار مستهجنا، فتحوا عليها من كل اتجاه نيران الغضب وكأنها تنقل سرا عسكريا.

ماجدة بين عدد محدود جدا من الفنانين في عالمنا العربى تحمل دائما في كل مواقفها هما اجتماعيا، لم تنس أبدا هذا الواجب، وكثيرا ما تحملت الكثير وعلى كل المستويات، ودفعت أيضا من مالها الخاص الكثير وواجهت من الظلم الكثير، إلا أنها لم تصمت، وحكت من قلبها ما نعرفه جميعا من خلال (الميديا).

هل أصبح لدينا شىء خاص من الممكن أن نداريه ولا يعرفه العالم؟، شىء من هذا أترقب أن يحدث أيضا لهذا الفيلم في لبنان، وهناك من يجد في هذه المقولة الخائبة غطاء يحميه، فرصة للنيل من صناع الأعمال الفنية التي تعرض خاصة خارج الحدود وكأن المطلوب هو أن نضع التراب تحت السجادة حتى لا يراه العالم.

الفيلم إنتاج مشترك قطر والسعودية ولبنان وفرنسا

الأبطال ثلاث شخصيات رئيسية في الفيلم تعبر عن ثلاثة أجيال، الشريط السينمائى يتناول السنوات الأربع الأخيرة من 2018، وما حدث فيها من تدهور على كل المستويات، بشخصيات فاعلة تناقشها المخرجة ماريام الحاج مع جمانة حداد وجورج مفرج وبيرلا جو معلولى، تنتقل المخرجة بالكاميرا إلى الشارع وتنقل لنا مشاهد حية من الشارع اللبنانى، ومع تفجير المرفأ الذي هز ضمير العالم وأثار خوفه من احتمال لتردى الأوضاع أكثر، التي تهدد كل العالم، لأن هذه التفجيرات كانت تحمل أيضا مخاطر إشعاعية- أظلمت الشاشة، لنرى نحن كجمهور أن الخطر يتجاوز قدرة الصورة على التعبير، وصار الموقف ملكا لك كمتلق.

هل نعتبر الفيلم فضفضة من شخصيات تعانى اقتصاديا ونفسيا بعد أن تدهور بها الحال، الشريط يتجاوز قطعا ذلك، لأنه يمتلك خصوصية في التعبير، يتوقف أمام ما يجرى من حزب الله، باعتباره هو المشكلة الكبرى التي تواجه لبنان، وكان التعبير المباشر أنهم وبطريقة ساخرة لا يذكرون اسم حزب الله مباشرة، فهو دولة داخل دولة، عرض المشكلات المتعددة مع تفاقمها لأن السياسى يختلط بالسياسى والعقائدى له وجه آخر أكثر مباشرة وهى الطائفية. الفيلم حرص على أن يطرح المأساة، التي تعنى حضور عام 1975، الذي شهد اندلاع أكبر حرب أهلية هزت لبنان والعالم العربى، حيث تم تقسيم البلد إلى شطرين، حتى بيروت صارت هناك تقسيمة ما بين شرقية وغربية واحدة للمسيحيين والأخرى للمسلمين.

وكانت أغلب الأفلام اللبنانية تتوقف أمام تلك الحرب العبثية، الآن الكل مهدد، مسلما ومسيحيا، وستكتشف أن الصوت الطائفى لم يتوقف.

مثل هذه الأفلام يجب أن يرحب بها وبصناعها في بلدها أولا حتى لو رأى فيها البعض انتقادا لاذعا، أتذكر عام 1991 عندما عرض يوسف شاهين فيلمه (القاهرة منورة بأهلها) في قسم (أسبوعى المخرجين) بمهرجان (كان)، وطالبت جريدة مصرية كبرى بسحب جواز السفر من المخرج الكبير بمجرد عودته إلى مصر، وواجهت نقابة الصحفيين، هذا الموقف المتعنت، وأدار الندوة التي حضرها يوسف شاهين كاتب هذه السطور، وحرصت على عرض الفيلم القصير مرتين قبل بدء الندوة، وواجهنا هذا الصوت، ومع الزمن صار عاديا جدا أن يرى الجمهور المصرى (القاهرة منورة بأهلها) على إحدى الفضائيات، مثلما سيصبح عاديا جدا أن يشاهد اللبنانى (مثل قصص الحب) لماريام الحاج، إنها فعلا مثل قصص الحب بل أغلاها؛ لأنه حب الوطن!!.

 

المصري اليوم في

19.02.2024

 
 
 
 
 

مهرجان «برلين»... خمسة إبداع وخمسة سياسة!

طارق الشناوي

في هذه الدورة من مهرجان «برلين»، التي تحمل رقم 74، مساحة معتبرة في العديد من التظاهرات للسينما العربية، وهناك مشاركات سعودية وحضور مؤثر عن طريق «هيئة الأفلام»، ودعم إنتاجي من صندوق «مهرجان البحر الأحمر» أسفر عن أفلام مهمة، بينها الفيلمان العربيان المشاركان في المسابقة الرسمية من تونس «ملء العين» للمخرجة مريم جبور، و«شاي أسود» للمخرج عبد الرحمن سيساكو (موريتانيا).

وأيضاً الفيلم اللبناني «مثل قصص الحب» في قسم «البانوراما» من إخراج مريام الحاج وغيرها.

يحرص المهرجان على توجيه الدعوة لقطاع من الصحافيين الذين لهم باع في الحضور عبر سنوات متعددة، ولا يزالون حريصين على الوجود، يتحمل المهرجان نفقات الإقامة لمدة خمسة أيام والضيف يتحمل خمسة.

«الغاوي ينقط بطاقيته»، كما قالت صباح في الأغنية الشهيرة، عشاق «الفن السابع» من النقاد والصحافيين و«الميديا» عموماً، يتحملون درجة الحرارة الثلجية والأمطار والصقيع في سبيل مشاهدة الأفلام التي يتميز بها هذا المهرجان العريق.

فهو يتمتع بخصوصية ارتبطت به منذ انطلاقه عام 1951، كل المهرجانات السينمائية والموسيقية والمسرحية لا تخلو فعاليتها من سياسة، دائماً هناك هامش تتفاوت مساحته، بينما في «برلين» يبدو أن السياسة صوتها أعلى.

تستطيع أن تقرأ تلك التوجهات، في اختيارات الأفلام بمختلف أطيافها، المهرجان يناصر الحرية، ولهذا لا يخلو أي عام في العقود الثلاثة الأخيرة، من أفلام إيرانية تدعو لاختراق الممنوعات التي تفرضها الدولة، وترسم ملامحها بكل التفاصيل وتحصد بعدها أيضاً، العديد من الجوائز، نالها مؤخراً عدد من المخرجين الإيرانيين مثل جعفر بناهي ومحمد رسولوف وأصغر فرهدي، وغيرهم، وهذا العام مرشح بقوة للحصول على جائزة «الدب الذهبي» الفيلم الإيراني «كعكتي المفضلة» إخراج مريم مقدم وبهتاش صنايحة، والمخرجان ممنوعان من السفر، بعد أن سحبت السلطات هناك جوازات السفر، الفيلم يخترق الممنوعات الرقابية، وأنتظر حصوله السبت المقبل عند إعلان الجوائز على جوائز الإخراج، وأيضاً التمثيل لبطلة الفيلم ليلى فرها دبور.

أتذكر قبل ثمان سنوات حصل المخرج جعفر بناهي على «الدب الذهبي» عن فيلمه «تاكسي»، وكان ممنوعاً أيضاً من السفر، وهو أحد أكثر المخرجين الإيرانيين - دفاعاً عن الحرية، وهو أيضاً كان ممنوعاً بالقانون من ممارسة الإخراج، ورغم ذلك تمكن من تصوير فيلمه وإرساله لمهرجان «برلين»، وفي إحدى دورات المهرجان تم اختياره عضواً بلجنة التحكيم، بينما هو ممنوع من السفر، وتوجهت الكاميرات في حفل الافتتاح إلى مقعده الخالي، حتى تصل الرسالة إلى العالم.المهرجان يتخلص من كل التقاليد المتعارف عليها، ومن بينها ارتداء ملابس سهرة محدد بكل تفاصيله للنساء والرجال، «برلين» لا يفرض زياً، ويعدُّ ذلك معادياً لفكرة الحرية، برغم أن لكل مقام مقالاً، وأيضاً لكل حفل «بروتوكوله»، فإن تلك هي فلسفة إدارة مهرجان تفتح الباب حتى لمن يرتدي «الكاجوال».

الجمهور الألماني هو صاحب قوة الدفع الكبرى، يمنح مهرجان البلد المضيف خصوصية، وبالأرقام هو الأكثر شغفاً بالحضور، قطاع كبير من الألمان يضبطون جدول حياتهم على «برلين»، ويأتون كل عام في الميعاد نفسه لمشاهدة هذا العرس العالمي.

المهرجانات الكبرى لا تمنح جوائزها إلا لمن يستحقها، بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى، حتى التوجه السياسي لا يفرض نفسه، ربما يلعب بنسبة مقننة دوراً في اختيار الأفلام التي تتسابق على الجوائز في مختلف التظاهرات، في الوقت نفسه، لا تخضع لجان الاختيار لهذا الانتقاء السياسي، كما أن لجان التحكيم تملك تماماً حريتها.

ننتظر جميعاً ليلة السبت المقبل وماذا تقول الفنانة الرائعة لوبيال نيونجو الكينية الأصل السوداء اللون، صاحبة الحضور الطاغي؟ قطعاً لم يتم اختيارها لرئاسة لجنة التحكيم بسبب لون بشرتها، ولكن لأنها تمتلك موهبة استثنائية.

هل لا تلعب السياسة أي دور في توجيه الجوائز؟ قد ينطبق هنا توصيف خمسة عليك خمسة عليهم، لتصبح المعادلة هذه المرة، خمسة إبداع وخمسة سياسة!

 

مجلة روز اليوسف في

19.02.2024

 
 
 
 
 

«برلين» بين الحلم الأميركي وادّعاء أساياس... و«الكعكة» الإيرانيّة

شفيق طبارة

برلينبعد الأجواء السياسية الحامية التي بدأت بها الدورة الرابعة والسبعون من «مهرجان برلين السينمائي الدولي» (راجع الأخبار 17/2/2024)، انصرف الجميع إلى مشاهدة الأفلام. اكتظّت قاعات السينما بالزوّار الذين يبدؤون نهارهم من التاسعة صباحاً حتى منتصف الليل، يتنقلون من قاعة إلى أخرى بحثاً عن فيلم جيد، وهرباً من الطقس البارد والماطر في برلين. بدأ المهرجان بعروض أفلامه، التي تبدو متواضعة حتى الآن لا ترقى إلى اسم هذا المهرجان العريق. حتى إنّ بعض الأفلام إهانة لمجرّد وجودها في قوائم هذا المهرجان وفي المسابقة الرسمية. حتى كتابة هذه السطور، عُرض تقريباً تسعة أفلام من المسابقة الرسمية، ناهيك بأفلام المسابقات الأخرى. وحتى الآن، لا يبدو أن هناك فيلماً مرشحاً قوياً لنيل الدبّ الذهبي، ما عدا الفيلم الإيراني «كعكتي المفضلة» الذي يبدو أن جائزته محفوظة لأسباب سياسية، وخصوصاً بعد المؤتمر الصحافي الذي شهد غياب مخرجي الفيلم بسبب المنع من السفر.

«كعكتي المفضلة»: مرثية خادعة

لم يستطع الزوجان مريم مقدم وبهتاش صناعى ها، حضور «مهرجان برلين» لتقديم فيلمهما الجديد «كعكتي المفضلة»، بسبب مصادرة جواز سفرهما من الحكومة الإيرانية. حاولت السلطات أيضاً مصادرة الفيلم قبل إرساله إلى برلين، لكن لحسن الحظّ، عُرض الفيلم كاملاً. إنها ليست المرة الأولى التي يتعرّض فيها المخرجان للمضايقات. بعد فيلمها «أغنية البقرة البيضاء»، الذي ينتقد عقوبة الإعدام في إيران، تفتّحت العيون عليهما. فيلمهما الجديد مختلف إلى حد ما: قصة بسيطة جداً، لكن فجأة يجد الزوجان نفسيهما في الإقامة الجبرية. وهذا ما أعطى الفيلم مساحة أكبر مما يستحق، وأصبح ـــ رغم قصته المبتذلة إلى حد ما ــــ يشكّل استعارة لواقع قمعي يجد فيه الغرب حجةً للدلالة على قمع النظام الإيراني بغض النظر عن حقيقة ما يحصل هنا. قصة الفيلم قد تحدث في أي مكان في العالم، ومع أي جنسية أخرى مع النهاية والأحداث نفسها، لكن واقع أنّها تحدث في طهران، يُغير كل شيء بالنسبة إلى المشاهد الأجنبي.

تبلغ ماهين (ليلي مرهادبور) 70 عاماً. أرملة تعيش بمفردها في شقة كبيرة وجميلة في طهران. بالكاد تستطيع الاستمتاع بحياتها، وخصوصاً بعد وفاة زوجها قبل 30 عاماً. تعيش ابنتها في الخارج. هي لا ترى أصدقاءها إلا نادراً، بسبب الغلاء والملل من الأحاديث عن المرض والعجز. ماهين ذات احتياجات تحاول جاهدةً تلبيتها، فهي لا تزال امرأة تحاول أن تستمتع بحياتها قبل أن تموت. تحاول العثور على رجل ليقضي معها ما تبقى من العمر. تلتقي في أحد المطاعم بفرامرز (إسماعيل محرابي) الأكبر سناً الذي يعمل كسائق تاكسي. خلال عودتها إلى منزلها معه، تدعوه إلى الدخول، ويقضي الاثنان بضع ساعات خالية من الهموم وفيها الكثير من الحب. نقضي معهما الوقت في البيت طوال الفيلم تقريباً. هناك الغناء والرقص وشرب النبيذ، وحتى قرص الفياغرا. يتحول البيت إلى ملجأ لهذين الروحين. سجن صغير للذكريات الحزينة عن الماضي الخاص والعام لإيران. الليلة التي بدت كأنها بصيص أمل لماهين، واجهت من بعده صباحاً رمادياً بارداً وقاتلاً، ونهاية صارخة.

«كعكتي المفضلة» يستحق المشاهدة، بسبب روح الدعابة اللطيفة وخفة الحركة، والممثلين الرئيسيين اللذين ملآ الشاشة حباً وضحكاً. لكن مع تقدم الفيلم، يصبح كل شيء واضحاً، ومركباً. يبدأ الفيلم ببساطة ويتطور ببطء تتخلّله مشاهد تبدو كأنها مجرد حشو غير مؤثر حول محاولة معارضة النظام، مثل النصيحة التي قدمتها ماهين إلى شابة بعدما أنقذتها من شرطة الأخلاق: «كلما تصرفت بخضوع، كلما تعرّضت للاضطهاد أكثر».
«
كعكتي المفضّلة» سوف يثير الجدل بالتأكيد مع قادم الأيام، وبطريقة ما، جائزته محفوظة في المهرجان. فهو معارض قاسٍ للنظام في إيران، ولغته سياسية متمردة مخبأة وراء السخرية والنغمة المتغيّرة للفيلم، التي لم تُدَر بشكل متوازن وبصلابة. الحنان المتحفظ والتقارب الفكاهي اللذان يتطوران بسرعة بين ماهين وفرامرز في الشقة، يصبحان قصيدة حنين إلى العصر القديم، قبل الثورة الإسلامية. تقترب ذكريات الروحين بشكل خطير حتى تنهار الحقائق. تتذكر ماهين الأيام الخوالي، قبل أن يفرض عليها الحجاب، ويتذكر فرامرز حياته في الجيش أيام الشاه. «كعكتي المفضلة» فيلم خادع، يبدأ بطريقة خفيفة ليتحول تدريجاً إلى مرثية تراجيدية، مع نهاية متطرّفة ومفتعلة بعض الشيء، أفقدَت الفيلم كل الحنان والحب الذي كان يتدفّق من الشاشة
.

أوليفييه أساياس «خارج الزمن»

بعد جائحة كورونا، صادفنا نوعين جديدين من الأفلام: الأول سيرة ذاتية بنبرة اعترافية عن الجائحة وآثارها على صانع الأفلام. والثانية أفلام عن الحجر وكيفية قضاء الوقت خلاله. فيلم المخرج الفرنسي أوليفييه أساياس «خارج الزمن» (Hors du temps) الذي يشارك في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان برلين»، يلعب بطريقة بهلوانية بين هذين النوعين. دخل أساياس عالم سينما الذات لكن بتعثّر، ويبدو أنه مهتم باللعبة الفوقية والتفاخر أكثر من اهتمامه بالحميمية التي تقدّمها سينما الذات. أساياس مخرج يتساءل باستمرار عن عصرنا، هو من صنّاع الأفلام الذين تعاملوا بشكل جيد في أفلامه مع الأزمة الناجمة عن ظهور التكنولوجيا وصعودها. في جديده، يغوص في أزمة جديدة هي كورونا، محاولاً فهم اللحظة التي يعيش فيها.
نحن في الحجر الكامل أثناء أزمة كوفيد. لجأ بول (فنسان ماكين) إلى منزل عائلي كبير في الريف الفرنسي مع صديقته، وأخيه وشريكته. يعيش كل واحد منهم، وخصوصاً الأخوين، الحبس بطريقة متعاكسة تماماً. بينما يستمتع بول بالعزلة، يتمرّد أخوه على جمود القواعد المفروضة. يتطور الفيلم على طول خطين أو سجلين زمنيين مختلفين: هناك الراوي أساياس نفسه بضمير المتكلم، الذي يغلف الفيلم بنكهة أدبية وروائية، حاكياً لنا ذكرياته عن طفولته وتاريخ عائلته في فيلا في القرن التاسع عشر. ولدينا أيضاً إعادة بناء فترة الحجر التي قضاها أساياس في منزل العائلة في الريف، مع ممثلين وأسماء مختلفة. لكن في هذا الجزء يسرد الفيلم التفاصيل الدقيقة للحجر الذي فُرض على المخرج وعائلته وما حدث خلاله
.

الفيلم بمثابة مقال عن عصرنا، راسخاً بقوة في الحاضر. في المنزل، يتلقى بول طروداً من شركة «أمازون»، وهناك امرأة تقدم دروساً في الرقص عبر زوم. تناقش الشخصيات الوقت الحاضر الذي تشعر فيه بعدم الارتياح ولا تعرف كيف تتعامل معه. ناقش تأثير «أمازون» على الشركات المحلية. تستشير غوغل باستمرار، وتجرّب وصفات عبر الإنترنت، وتشاهد مقاطع فيديو على يوتيوب لمعرفة كيفية غسل يديها بشكل صحيح. بول هو صنوّ أساياس، نعرف عبره الكثير من التفاصيل عن حياة أساياس أثناء الحجر، في المنزل الريفي نفسه الذي يصوّر فيه شخصياته، ونسمع صوت أساياس نفسه كراوٍ للكثير من الاعترافات. هذا النسيج الهجين والنغمة غير المستقرة، يفقدان الفيلم توازنه. أجمل لحظات الفيلم هي تلك التي يكون فيها أساياس أقرب إلى المخرج، عندما يقترب من الذاكرة والحنين عبر شاعرية الصور.

الذكريات الشخصية وإعادة تمثيل الواقع في «خارج الزمن»، لا تعفيان مخرجنا الفرنسي من النهج البورجوازي المتعالي. في بعض الأحيان يسبّب الإزعاج بشخصياته النرجسية الحقيقية: الإقامة في منزل ضخم، محاط بالغابات، مع ملعب تنس ونبيذ مجاني، ومن دون الحاجة إلى العمل، لأن أساياس لا يواجه مشكلات مالية. في «خارج الزمن»، استنماء فكري، نهج وجودي متفاخر وزائف، مشكلات الرجل الأبيض في زمن الحجر. طوال الفيلم، يحدثنا أساياس عن الفن والأدب والكتب، بينما أبطاله يقتبسون من عدد كبير من القصائد والروايات والأفلام. يستمعون إلى موسيقى الروك، ويقررون ما إذا كانوا سيذهبون إلى الفراش باكراً أو يشاهدون فيلماً صامتاً. يناقشون قطعاً أدبية من كنوز الأدب الفرنسي، ويشرحون كمعلّم متفان للمشاهد الذي الذي هو أقل ثقافة منهم. «خارج الزمن» فيه الكثير من الفوقية، صُوِّر بطريقة كسولة، حاول فيه أساياس أن يكون المخرج ذا الثقافة العالية على كرسي الاعتراف، لكن انتهى الأمر بأن يكون فيلماً تعليمياً وخطابياً متعالياً. شريط تثقيفي على الجميع أخذ دفاترهم وأقلامهم معهم خلال المشاهدة لتسجيل كل أسماء الكتّاب والرسامين والروائيين والشعراء والمخرجين الذين يذكرهم لنا اساياس.

عدسة على اليد العاملة في أميركا

في أواخر الخمسينيات وأوائل التسعينيات، تطورت حركة ثقافية في بريطانيا في المسرح والفن والروايات والسينما، سميت بـ«Kitchen Sink Realism». يوصف عادةً أبطال هذه الحركة بأنهم «شباب غاضبون» أصيبوا بخيبة أمل كبيرة من المجتمع الحديث. استخدمت هذه الحركة الأسلوب الواقعي، الذي يصور الأوضاع الاجتماعية للبريطانيين من الطبقة العاملة، الذين يعيشون في مساكن مستأجرة ضيقة ويقضون ساعاتهم خارج العمل في الحانات، يشربون ويتحدثون عن القضايا الاجتماعية والسياسية المثيرة للجدل مثل الإجهاض والتشرّد وما إلى ذلك. الكاتب المسرحي أرنولد ويسكر، كان أحد رواد هذه الثقافة، تدور غالبية مسرحياته حول المشكلات والقضايا الاجتماعية. كما تعكس توجهه الاشتراكي، إذ يوجه عبر مسرحياته النقد اللاذع لقيم المجتمعات الصناعية الحديثة. أحد أهم مسرحياته تسمّى «المطبخ» (1959)، وكما يشير عنوانها تدور في مطبخ أحد المطاعم اللندنية المزدحمة، يمجّد فيها العمل الجماعي وينتقد بشدة استغلال الرأسمالية للعمال، ويسلط الضوء على المشكلات الاجتماعية عبر الشباب الغاضبين. في عام 1961، استند المخرج البريطاني جيمس هيل إلى المسرحية ليخرج فيلمه الذي يحمل الاسم نفسه والذي لم يلق نجاحاً كبيراً. بالعودة إلى الحاضر، اقتبس ألونسو رويز بالاسيوس المسرحية ذاتها، ليقدّم فيلمه الجديد «المطبخ» (La Cocina)، في المسابقة الرسمية لـ «مهرجان برلين». عندما سئل عن موضوع الفيلم في المؤتمر الصحافي، قال «إنّه يتعلق بالكثير من الأشياء». قالها كأنّه يعرف تماماً أنّ فيلمه هو مجرد إرهاق فكري ونفسي وبصري وسمعي غير مجدٍ، يستكشف فيه موضوع اليد العاملة في أميركا، وزيف الحلم الأميركي والإجهاض، والأحلام، والهجرة، وكل ما يتعلق بذلك.

مطعم The Grill مكان سياحي كبير في «التايمز سكوير» في نيويورك يخدم يومياً آلاف الزبائن. يبدأ الفيلم مع إستيلا (آنا دياز) التي تحاول أن تعثر على المدخل الخلفي للمطعم. إنها جديدة في المدينة وتأمل في الحصول على وظيفة. تعرف أحد الطهاة، بيدرو (راؤول بريونيس كارمونا)، الذي نشأت معه عندما كانت طفلة في موطنها الأصلي المكسيك. معظم العاملين في المطعم هم من المهاجرين غير الشرعيين، يكافحون من أجل وظيفتهم، ويحضّرون مجموعة لا نهاية لها من الأطباق طوال اليوم.

يعمل «المطبخ» كاستعارة لموضوع سياسي ملحّ هو سياسة الهجرة في أميركا

بيدرو مليء بالطاقة والأحلام والأمل، يبحث عن المزيد من الحياة، ومثير للمشكلات. يقع في حب الشابة الأميركية جوليا (روني مارا)، التي تعمل نادلة في المطعم. تصل المأساة عندما يُتهم بيدرو بأنه سرق أموالاً من المطعم، ما يسرّع الأحداث ليصل الفيلم نحو كارثته النهاية. لا قصة معينة في الفيلم. طوال الشريط، ننظر إلى العلاقات المختلفة بين الموظفين، طاقم العمل في المطبخ من الذكور، وطاقم النادلات من الإناث. الصورة بالأبيض والأسود، صغيرة نسبياً لشاشة السينما، لنتكيّف مع المكان الضيق الذي يتم فيه إعداد البرغر والسندويشات وجراد البحر. كل شيء يمشي بسرعة في المطبخ. هناك فوضى خالصة، لغات كثيرة وأصوات صارخة تندد بكل شيء.

كما نعلم، إنّ كثرة الطباخين تفسد الطبخة، وكثرة المكوّنات بالطبع ستفسد أي عمل سينمائي. في «المطبخ»، يحاول ألونسو رويز بالاسيوس التوفيق بين الشكل والمحتوى بطريقة سريعة، يعمل «المطبخ»، كاستعارة لسياسة الهجرة في أميركا. وعلى الرغم من أنه موضوع سياسي ملحّ هذه الأيام، إلا أن الفيلم ينحدر في النهاية إلى الابتذال. يخسر في محاولته الحثيثة لإبهارنا، بينما يتجه نحو كارثة متوقعة وغير مقنعة. تدفع الأحداث القصص إلى مكان متناقض وفارغ، فلسفة فوضوية زائفة. مشكلته في كمية الحوارات الكثيرة والمونولوجات التي تقدم رسائل شبه عميقة. «المطبخ» فيلم متضعضع، يحاول أن يكون عميقاً ليتحدث عن كل المواضيع التي تقلق راحة العاملين غير الشرعيين في أميركا، لكنه يطلب الكثير من المشاهد، بسبب طول الفيلم وكثافة بعض لقطاته. ليس هناك ما يكفي لجذب الجمهور رغم ضخامة المحتوى. الصراخ المستمر والجدل يصبح مملّاً إلى أقصى الحدود. يرفع «المطبخ» بالدراما إلى نقطة الغليان، في مكان مليء بالبخار والنار والغاز، لذلك كان لا بد أن يصاب شخص ما بحروق، وهو رويز بالاسيوس، الذي احترق وأفسد المسرحية والفيلم.

 

الأخبار اللبنانية في

19.02.2024

 
 
 
 
 

إقبال كبير على ندوات مركز السينما العربية بمهرجان برلين السينمائي

خالد محمود

في إطار أنشطته بالدورة 74 من مهرجان برلين السينمائي الدولي، نظم مركز السينما العربية حلقتين نقاشيتين وذلك ضمن فعاليات سوق الفيلم الأوروبي. شهدت الحلقتين إقبالا كبيرا من صناع السينما العالمية والعربية وتفاعل واضح مع المتحدثين بالحلقتين من قبل رواد مهرجان برلين السينمائي.

جاءت الحلقة النقاشية الأولى تحت عنوان "طفرة شباك التذاكر العربي" وتناولت الإيرادات غير المسبوقة التي حققها شباك التذاكر في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتي تقترب الآن من مليار دولار، والتي شهدت أرقام مذهلة في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى جانب الإنجازات الجديدة التي حققتها السينما المستقلة في دول أخرى مثل مصر. كما ناقشت الحلقة النجاح المتنامي للأفلام الناطقة باللغة العربية، ومدى قدرة منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على الصمود في مواجهة إيرادات شباك التذاكر في المناطق الأخرى في الوقت الحالي، وما يحمله مستقبل ما بعد جائحة كورونا للأعمال السينمائية العربية في مواجهة المنافسة المحلية القوية من وسائل التواصل الاجتماعي وخدمات البث المباشر.

شارك في الحلقة الأولى كل من واين بورج، المدير العام للصناعات الإعلامية في نيوم، وجيانلوكا شقرا، المدير التنفيذي ل Front Row Entertainment، وماريو حداد جونيور، رئيس التوزيع في Empire International، وعلاء كركوتي، رئيس مجلس إدارة MAD Solutions، وأدارتها ميلاني جودفيلو، كبيرة مراسلي الأفلام الدولية في موقع ديدلاين.

أما الحلقة الثانية، والتي تحمل عنوان "نقطة التحول الدولية لصناعة السينما السعودية"، فتناولت مدى تطور صناعة السينما السعودية منذ بدايتها قبل 12 سنة فقط، وكيف أصحبت الأفلام السعودية عنصرًا أساسيًا حاضرًا بشكل سنوي في دوائر المهرجانات العالمية، وهو دليل على الجهود الاستثنائية التي تبذلها المملكة لتعزيز كل من صناعة الأفلام والبنية التحتية لدور العرض السينمائية، مع إنشاء سلاسل دور عرض بارزة في جميع أنحاء المملكة العربية السعودية وإنشاء مدينة نيوم، المركز الإعلامي الرائد الذي يضم أكبر منشأة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لقد أصبحت موقع تصوير رئيسي لإنتاج المحتوى العالمي، حيث استضافت تصوير 35 عملًا خلال آخر سنتين.

شارك في الحلقة الثانية كل من واين بورج، المدير العام للصناعات الإعلامية في نيوم، ومهند البكري، المدير العام للهيئة الملكية الأردنية للأفلام، والمنتجة دوروث بينماير، والمنتجة مريم ساسين، وعماد اسكندر مدير صندوق البحر الأحمر السينمائي ويدير الحلقة مايكل روسر، محرر الأخبار الدولية في سكرين إنترناشيونال،

بالإضافة إلى الندوات، ضمت أنشطة مركز السينما العربية الكشف عن العدد الجديد من مجلة السينما العربية. ومراسم تسليم جائزة شخصية العام السينمائية العربية، والإعلان عن انضمام أحدث دفعة من النقاد إلى لجنة التحكيم الموسعة لجوائز النقاد للأفلام العربية.

 

الشروق المصرية في

20.02.2024

 
 
 
 
 

الفيلم الإيراني «كعكتي المفضلة» ينافس على الدب الذهبي في برلين

نسرين سيد أحمد

برلين ـ «القدس العربي»: في أحد مشاهد فيلم «كعكتي المفضلة» للمخرجين الإيرانيين مريم مقدم وبهتاش صناعي، الذي ينافس على الدب الذهبي في مهرجان برلين، في دورته للعام الحالي (١٥ إلى ٢٥فبراير/شباط الجاري) نرى فتاة في بداية العشرينيات تتعرض للتضيق والتعنيف وتكاد تعتقل في متنزه من المتنزهات في طهران، لأنها كانت لا تحكم لبس الحجاب، ولأنها كانت تسير بصحبة صديقها الشاب.
كان من الممكن للفيلم أن يمضي في سلاسة، وكان من الممكن ألا يتضرر سياقه العام، لكن مخرجي الفيلم ارتأيا أن وجوده يقدم إضافة له. ربما أرادا بهذا المشهد التذكير بمدى تدخل النظام الإيراني في الحياة الخاصة للناس، خاصة النساء، لكن كان من الممكن للمشاهد أن يستشف تلك الرسالة دون هذا المشهد التلقيني.
وكان من الممكن أيضا لفيلم «كعكتي المفضلة» أن يكون فيلما عذبا شجيا لولا إقحام السياسة فيه إقحاما. وما ضاعف من تدخل السياسة في تلقينا للفيلم هو منع السلطات الإيرانية مخرجي الفيلم من السفر إلى برلين لتقديم فيلمهما في المهرجان، وهذا الغياب يعطي زخما إضافيا للفيلم في مهرجان برلين ذي الطابع السياسي بامتياز. والفيلم ليس المشاركة الأولى لمخرجيه في مهرجان برلين، إذ سبق لهما أن شاركا فيه عام ٢٠٢٠ بفيلم «أنشودة البقرة البيضاء» الذي يندد بعقوبة الإعدام ويلمز من مصداقية النظام القضائي في إيران.
كان من الممكن للفيلم أن يكون فيلما كوميديا برومانسية محببة عن الشجن والحنين لزمن مضى، وعن البحث عن الحب والصحبة، رغم تقدم العمر، لكن جرعة السياسة والميلودراما غير المبررة، تحد من تماهينا مع الفيلم ومن تصديقنا له.

ماهين (ليلي فرهدبور) امرأة في السبعين من العمر، توفي زوجها منذ أعوام طويلة، وسافر الأبناء إلى الخارج، وبقيت هي، في منزلها الفسيح وحديقته الجميلة، بمفردها. كانت تلتقي صديقاتها بين الحين والآخر، لكن اللقاءات قلت حتى كادت تندثر. غير أن ماهين تأبى أن تستسلم لتلك الحياة الرتيبة الخاوية، وما زال قلبها يطرب للحياة ويصبو للحب. لهذا فهي ترتاد المتنزهات ومطاعم المتقاعدين، آملة أن تلتقي بمن يخفق قلبها له.
تلتقي ماهين بعد بعض البحث بفرامرز (إسماعيل محرابي) وهو عضو سابق في القوات المسلة وسائق تاكسي حاليا، فتعجب به، وتدعوه لتناول الحلوى في منزلها. نحن إذن أمام امرأة قوية تحن لزمن كانت فيه ترتاد الحفلات دون حجاب، لتستمتع بالغناء والرقص، على وقع موسيقى الأغاني التي كانا يطربان لها في شبابهما، ومع بضع كؤوس النبيذ المعتق، الذي تخفيه ماهين عن الأعين، يمضي فرامرز وماهين ليلة يسودها الحنين والحب والشجن والضحك.

لكن الليلة التي بدأت حانية دافئة ضاحكة، تعمها رائحة الطعام الشهي، تتحول فجأة لليلة موحشة مفجعة باكية. ربما قد تحزننا نهاية الفيلم وقد نجدها صادمة على نحو غير متوقع أو مبرر في فيلم بدء لذيذا بمذاق الكعك الشهي، لكن مخرجي الفيلم ارتأيا أن مثل هذه النهاية هي ما سيساعد على تقديم رسالتهما السياسية عن النظام القمعي في البلاد.

ضجت القاعة التي شاهدنا فيها الفيلم في مهرجان برلين بضحكات الجمهور، الذي طرب لقصة الحب الوليدة، وللحضور العذب لكل من الشخصيتين الرئيسيتين، الذي جعلنا ننتشي بصحبتهما كما انتشيا هما بصحبة بعضهما البعض وبكؤوس النبيذ. ربما كان من الممكن لقصة الحب تلك، بما فيها من تحد للأعراف المجتمعية التي تفرض على المرأة، التي تقدم بها العمر أن تتصرف وفقا لأعراف محددة، أرساها المجتمع التقليدي، أن تكون أكثر معارضة وتمردا من المشاهد المقحمة لشرطة الأخلاق، لكن مخرجي الفيلم ظنا أن المباشرة والتلقين يوصلان الرسالة بصورة أفضل.

لا تأتي نهاية الفيلم مباغتة وصادمة فقط، بل إنها تأتي أيضا غير مبررة ومفتعلة. بعد أن نطرب لقصة الحب ونسعد للحظات البهجة الصرفة، التي تعيشها ماهين وفراميرز، تأبى الأقدار أن تتبخر تلك السعادة سريعا. فيبدو لنا في نهاية المطاف أن المخرجين استكثرا على تلك المرأة السبعينية أن تجد بعض السعادة، فقررا اختطافها منها.

 

القدس العربي اللندنية في

20.02.2024

 
 
 
 
 

عودة سكورسيزى لمهرجان برلين لحصد الجائزة الأضخم بعد غياب عقد من الزمان

كتب آسر أحمد

بعد مرور أكثر من عقد على حضوره مهرجان برلين، يعود أسطورة السينما المخرج العالمي مارتن سكورسيزي إلى الأضواء من جديد للمهرجان الأشهر والأضخم فنيًا في القارة العجوز بدورته الـ74 المقامة حاليًا في قصر برليناله بمدينة برلين الألمانية تزامنًا مع تصدره للأضواء بفيلمه الأحدث Killers Of The Flower Moon مع النجم العالمي ليوناردو دي كابريو.

ووفقًا لتقرير نشرته صحيفة Deadline، فإن أسطورة السينما الشهير سيعود غدًا لمهرجان برلين بعد غياب عن الحضور لسنوات طويلة لتكريمه بالجائزة الأكبر في المهرجان وهي Golden Bear والتي تعد أعلى وسام في برليناله.

وسبق وذهب سكورسيزي إلى برليناله عدة مرات من قبل، مع أفلامه Raging Bull وGangs of New York وShutter Island، والتي تم عرضها جميعًا خارج المنافسة، ومع دخول مسابقة برليناله Cape Fear في عام 1992، ويأتي سكورسيزي إلى الدورة الرابعة والسبعين من مهرجان برلين في وقت يشهد فيه الحدث تغيرًا مستمرًا، حيث يواجه البرمجة والتمويل وتحديات سياسية أوسع نطاقًا، يمثل الإصدار الأخير للمخرجين المنتهية ولايتهم كارلو شاتريان ومارييت ريسنبيك.

في السنوات الأخيرة، تحدث سكورسيزي نفسه بقوة عن التحديات التي تواجه السينما، وعن وفاته، ونعم، عن أفكاره حول أفلام مارفل، لقد استكشفنا بعض هذه المواضيع بمزيد من التفصيل في مهرجان كان، عندما قمنا بالتعمق مع المخرج حول Killers Of The Flower Moon.

 

اليوم السابع المصرية في

19.02.2024

 
 
 
 
 

رسائل البرلينالي: "احتياجات مسافرة"

سليم البيك/ محرر المجلة

المخرج الكوري هونغ سانغ-سو صاحب أسلوب خاص، كثيف الإنتاج والحضور في المهرجانات، بل ونيل جوائزها، يمكن أن يُخرج فيلمين في العام ويعرضهما في اثنين من المهرجانات الكبرى. هو حالة خاصة عالمياً في كل هذا. ولسطوة أسلوبه، يختار أحدنا مشاهدة فيلم له، من دون تردد، لمعرفة مسبقة بخصوصية ما سيشاهده.

هذه المقدمة كتبتها ويكتبها أي محب لسينما سانغ-سو، تحديداً لعفوية التصوير والأداء، فظله يقع على الشخصيات مهما كانت. الفيلم هنا أقرب ليكون عملاً مسرحياً، عبثياً لا في مآلاته بل في عاديّته. حوارات وحوارات لا بداية لها ولا نهاية، ولا منطق يجمعها، تدور حول بعضها البعض في أمكنة ثابتة، يتجوّل متلفّظوها مشياً من دون أن يحصل ما هو أشد أهمية من حواراتهم هذه، من حولهم، ومن دون أن تصعد الأحاديث إلى نقطة "حبكويّة" يمكن عندها أن ينعطف الفيلم الرتيب شكلاً، يميناً أو يساراً.

مازال الكلام هنا، من محب للأعمال الفنية السردية لهذا المخرج الخاص، الآتية على شكل أفلام سينمائية. وإن يحصل أن يخرج الوصف أعلاه عن أذواق سينمائية لقرّاء.

لكن، زاد مقدار هذه الخصائص في الفيلم الأخير، "احتياجات مسافرة" (A Traveler’s Needs) المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي. الرتابة تعدّت حدّ المينيمالية المحتفظة بجمالياتها الخاصة، وصلت حد الملل، وهذا الأخير بائن على أوجه الممثلين وحواراتهم، تحديداً بطلته الفرنسية إيزابيل أوبير، التي كانت في أشد أدوارها تفاهة، هنا. أما اللغة الانكليزية في شكلها المبتدئ لفرنسية وكوريين يتكلمونها، فزادت من منسوب العبث والعادية غير المحتمَلين، بخلاف أفلام سابقة للمخرج بُنيت على اللغة الكورية أساساً، مانحةً محليةً في طبيعة المحكيّ وأمكنته.

المخرج الذي يتعامل مع أفلامه بوصفها نصوصاً أدبية أقرب ليوميات عشوائية تُصوَّر، أو أعمالاً مسرحية متقشفة -كما يمكن أن يلاحط متتبّع مسيرته- بالغ، هنا، في عادية الحوارات وتفاهتها، أقول الحوارات لأن ليس في الفيلم غيرها. كأنه، الفيلم، تجربة يقوم بها في نقلة إلى درجة أخرى، أشد تطرفاً، في أسلوبه، كأنّه تمهيد لمغالاة في الأسلوب، لكن أموراً كثيرة، في الفنون تحديداً (والطبخ)، تفقد سحرها متى زاد مقدار واحد من مكوناتها عن حده الضروري أو نقص. حتى الجماليات تفقد اتزانها متى أخلّت بما منحها امتيازها.

 

رمان الثقافية في

20.02.2024

 
 
 
 
 

نظرة أولى | «أصدقائي الجدد» لـ إيزابيل هوبر وأندريه تشيني يفتقد إلى التشويق والمنطق

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

على مدار حياته المهنية الطويلة (التي امتدت إلى 28 فيلمًا روائيًا طويلًا)، يسعى دائمًا المخرج الفرنسي المخضرم أندريه تشيني يبلغ الآن 80 عامًا، إلى تصوير أفلام أوسع نطاقًا، يغوص في القضايا المجتمعية ضمن السياق الحميم للشخصيات التي تبني علاقات معًا. ومع مرور الوقت، جرب تشيني أيضًا طرقًا مختلفة، وعمله الجديد "أصدقائي الجدد ـ My New Friends "، الذي تم الكشف عنه في قسم بانوراما الدورة الرابعة والسبعين لبرليناله، يغامر في الطرح السردي، ويحاول رسم صورة من أجل تبسيط الكل، ولكن حتى إيقاع أو كاريزما الممثلة الرئيسية (إيزابيل هوبير) يفتقر هو أيضاً مثل افتقار الفيلم الأساسي إلى العمق.

تلعب إيزابيل هوبر دور شرطية حزينة تجد نفسها تعيش بجوار ناشط مناهض للشرطة، ويروي قصة جديرة بالتقدير، لكنه يتسم بالسذاجة منذ البداية ولا ينجح أبدًا في استمالة الجمهور.

على الورق، يتمتع فيلم My New Friends، الذي شارك المخرج في كتابته مع ريجيس دي مارترين دونوس، بإعداد جيد، لا تزال ضابطة الطب الشرعي لوسي (هوبر) تتغلب على انتحار زميلها الشرطي سليمان (مصطفى مبينجي) شريك حياتها.

وبعد فترة قضتها في مستشفى للأمراض النفسية انتهت قبل ثمانية أشهر، تتمسك لوسي (هوبر) بوظيفتها كفنية على الرغم من الشكوك التي يواجهها رؤساؤها، والتي ليست في غير محلها تمامًا، نظرًا لأن لوسي تعيش سرًا مع شبح سليمان (إنه بجانبي دائمًا، لكن لا أحد يستطيع رؤيته). إنها حياة منعزلة، يقطعها الركض في حيها السكني، حتى يأتي اليوم الذي تتعرف فيه بشكل عشوائي على جيرانها، زوجان مكونان من المعلمة جوليا (حفصية حرزي) والفنان الجرافيكي يان (ناهويل بيريز بيسكايرت)، وعائلتهما الصغيرة.

أقامت لوسي صداقة معهم وعادت إلى الحياة ببطء (لقد استمتعنا، لقد أحببت إحساسهم بالخيال)، وسرعان ما علمت لوسي أن يان ناشط في الكتلة السوداء. على الرغم من كذبها بشأن وظيفتها وإغماض عينيها عن كل شيء (أفضل أن أعرف أقل قدر ممكن عن ماضي يان)، إلا أن لوسي تعلم المزيد عنه، ولا سيما عن طريق جوليا (وجود الأب في مرمى الشرطة لا يشكل قدوة حسنة)، ويأتي الوقت أخيرًا عندما يتعين عليها الاختيار.

تتمحور معظم الأحداث الدرامية حول هذا الاختيار، حين يقع يان في مشكلة كبيرة مع زملائه الناشطين وتقرر لوسي مساعدته. ولكن حتى هذا لا يجلب سوى القليل من التوتر لفيلم يفتقد إلى التشويق والمنطق.

يلجأ تشيني إلى التعليق الصوتي لشرح نوايا لوسي عندما لا تكون واضحة أو قابلة للتصديق تمامًا. كما أنه أعاد سليمان الميت بجبن إلى شكل شبح، وهو يعزف على البيانو في المنزل ليلاً بينما تنظر له لوسي بصمت.

عادةً ما تكون هوبرت هي أفضل ما في الأفلام التي تلعب دور البطولة فيها، لكن أدائها هنا يبدو مشوشًا مثل شخصيتها، ولا توجد لحظة تظهر فيها بمصداقية كشرطية، وكان أداء هيرزي وبيريز بيسكايارت أفضل، على الرغم من أن الزوجين يميلان إلى التعبير عن كل فكرة بصوت عالٍ، في سيناريو ثقيل غالبًا ما يبدو أقرب إلى فيلم تلفزيوني.

حتى من الناحية الفنية، يبدو أن الفيلم قد تم تجميعه بشكل عشوائي، مع تصوير فوتوغرافي مهتز ومونتاج يبدو مبتذلاً للغاية (مدة العرض بدون الاعتمادات تزيد قليلاً عن 80 دقيقة).

أظهرت أفلام تشيني الأخرى بعض اللحظات المذهلة، خاصة عندما يضعها وسط جمال الريف الفرنسي الضعيف. هنا يكون الإخراج صالحًا للخدمة في أحسن الأحوال، ولا تبدو النتيجة جميلة أبدًا في فيلمه الجديد.

وبشكل عام، يتناول My New Friends بالفعل بعض القضايا المثيرة للاهتمام، سواء كانت الالتزامات المهنية مقابل الالتزامات الشخصية، أو المعتقدات السياسية المتضاربة، أو التعامل مع الصدمات والخسارة، لكنه يفشل في معالجة أي منها بشكل مقنع.

 

####

 

نظرة أولى | «كعكتي المفضلة» يقدم إشارات الحنين إلى إيران ما قبل الثورة

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

كانت كل الأنظار متجهة نحو الإيراني مريم مقدّم وبهشات صناعي- أو بالأحرى غيابهما - في العرض العالمي الأول لفيلمهما الجديد كعكتي المفضلة My Favorite Cake، الذي قُدم لأول مرة في المسابقة الرئيسية بمهرجان برلين السينمائي 2024.

تصدر الثنائي عناوين الأخبار الدولية من دون قصد، حين صادرت الحكومة الإيرانية جوازات سفر الثنائي وأوقفت سفرهما إلى برلين، ومن المعروف أن فيلمهما Ballad of a White Cow عُرض عام 2020 لأول مرة في فئة المنافسة في برلينالة، لكنه ظل محظورًا في إيران.

ومع ذلك، كان حضورهم محسوسًا من خلال النجمين ليلي فرهادبور وإسماعيل محرابي، حيث قرأت فرهادبور بيانًا من صناع الفيلم في المؤتمر الصحفي للمهرجان.

يتتبع الفيلم الأرملة السبعينية الوحيدة ماهين (ليلي فرهادبور)، التي تنام حتى الظهر، وتسقي نباتاتها، وتذهب للتسوق من البقالة من أجل لقاءات الغداء مع أصدقائها "المسنين". بعد إحدى وجبات الغداء هذه، والتي تناقشت خلالها النساء حول فائدة الزواج والرجال، قررت ماهين إعادة التواصل مع الحريات المفقودة في شبابها، والتي تم طمسها الآن في إيران التي لا يمكن التعرف عليها. إنها تتوق إلى تبني فرصة جديدة لتحقيق السعادة وتعزيز التواصل الهادف، بعد أن فقدت زوجها منذ 30 عامًا.

وعندما تسمع محادثة في مطعم للمتقاعدين، تضع نصب عينيها سائق التاكسي المطلق فارامرز (إسماعيل محرابي). تتبعه باندفاع إلى موقف سيارات الأجرة حيث يعمل وتصر على أن يقودها إلى المنزل، وتدعوه لقضاء أمسية معها، ويمضيان ليلة من العمر، مملوءة بالحميمية والضحك ومحاولة كل طرف التعرف على الآخر.

الفيلم ينسف كل المحرمات التي قامت عليها الأفلام الإيرانية، فلا حجاب يغطّي شعر المرأة كما جرت العادة حتى وهي وحدها في المنزل، بل انها تستقبل رجلاً غريبا في بيتها وتتناول معه الخمر، و ترقص معه ثم يستحمّان بالملابس.

تم تصوير الفيلم (في الغالب سرًا) في نفس الوقت تقريبًا الذي اندلعت فيه احتجاجات "المرأة والحياة والحرية" في جميع أنحاء البلاد. و"كعكتي المفضلة" أكثر انتقادًا للنظام الإيراني مما توحي قصته فقد أثار الجدل لأنه يظهر امرأة لا ترتدي الحجاب الإلزامي، وأشخاصًا يشربون الكحول ويرقصون، ولكنه يتضمن أيضًا بعض الانتقادات القوية لشرطة الأخلاق.

يجلب المصور السينمائي محمد حدادي إحساسًا بالواقعية البصرية الدافئة إلى العمل، والذي يتجسد في مشهد يجلس فيه ماهين وفرامارز في حديقة، وقد تم تأطير شخصياتهما بلطف بأوراق وأغصان خارجة عن نطاق التركيز تبدو وكأنها تحتضن علاقتهما الحميمة الجديدة.

لا تبتعد الكاميرا أبدًا عن ماهين، مما يسمح لفرهادبور بالتألق وتكتمل الموسيقى التصويرية المليئة بالأغاني الإيرانية القديمة المبهجة بتصميم الصوت غير المزعج لحسين جورشيان، حيث تطن طائرة بدون طيار منخفضة بشكل خطير أثناء ذروة الفيلم، وتعزف قيثارة الإبهام لحنًا حلوًا ومرًا عند نهايته.

يحمل فيلم مريم مقدّم وبهشات صناعي أكثر مما تراه العين، حيث يقدم إشارات الحنين إلى الحريات الممنوحة في إيران ما قبل الثورة، والتي تضيف إلى دوافع المقاومة لدى صانعي الأفلام. إنه ينضم بقوة إلى موجة جديدة من الأفلام التي تحتفل بالعيش المشترك وتكشف التعقيد في حياة النساء الأكبر سناً.

 

موقع "سينماتوغراف" في

20.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004