ملفات خاصة

 
 
 

أفلام برلين السينمائي تطرح السؤال الصعب..

كيف يمكننا الاستمرار في الحلم والعالم ينهار من حولنا؟

برلين- خالد محمود:

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

* 20 فيلما تبدأ السباق بينها «الوقت المعلق» و«المطبخ» و«رجل مختلف» و«نهاية أخرى» و«الكعكة المفضلة لدى»

كيف يمكننا الاستمرار فى الحلم والعالم ينهار من حولنا؟.. ذلك هو السؤال الأكبر والأوحد الذى تطرحه أفلام شاشة مهرجان برلين السينمائى الدولى الرابع والسبعين، الذى يواصل عروضه وسط محاولات سينمائية تدعو لإعادة منهجة الحياة بقلوب تنبض ذواتها دون أن تطغى على الآخرين من حولنا ولا تضل أبدا الطريق إلى الامل. «نحن فخورون بشكل خاص باختيارات هذا العام من الافلام التى تحقق أفضل توازن ممكن بين المخرجين الذين نعتز بهم ونعجب بأعمالهم، وبين الأصوات الجديدة القوية فى مشهد السينما المستقلة».. هكذا يقول كارلو شاتريان، المدير الفنى للمهرجان، ويضيف: «ما يدفعنا إلى هذه الاختيارات هو بالطبع تنوع القصص ورواة القصص، ولكن أيضا، وأكثر من ذلك، تعدد الأساليب بهدف إظهار الإمكانيات الواسعة للغة السينما».

فى الاطار نفسه قالت المديرة الإدارية لمهرجان برلين السينمائى مارييت ريسينبيك «يهدف المهرجان بدورته الـ 74 إلى إثارة الحماس مرة أخرى للسينما، وذلك من خلال تقديم مجموعة متنوعة من الأفلام المميزة من مختلف أنحاء العالم، وخلق تجربة سينمائية ممتعة».

ويتنافس على جائزتى الدب الذهبى والدب الفضى 20 فيلما، تطرح صورة مفصلة للسينما كما هى وكما ستكون. سواء من المخرجين المعروفين أو الصاعدين، وباعتبارها مركز ثقل المهرجان، والنقطة المحورية، تعمل المسابقة على جذب انتباه العالم، حيث تضم أكثر الأفلام التى تم الحديث عنها لهذا العام، وهى تمثل إنتاجات من 30 دولة، منها ثلاثة أفلام تمثل القارة السمراء التى غابت عن النسخة الماضية من المهرجان، 19 فيلما تقدم فى عروضها الأولى فى العالم، من بينها فيلمان وثائقيان وستة أفلام أخرجتها نساء فى مقدمتهن المخرجة التونسية مريم جبور التى تنافس بفيلمها «إلى من أنتمى» وتشارك فى إنتاجه تونس وقطر والسعودية وفرنسا. الفيلم بطولة صالحة النصراوى التى تجسد دور عائشة، وهى امرأة فى تونس تجد نفسها عالقة بين حبها الأمومى وبحثها عن الحقيقة عندما يعود ابنها فجأة إلى منزله من حرب كان قد انضم خلالها لإحدى الجماعات الإسلامية، ويطلق العنان للظلام فى جميع أنحاء قريتهم فى أجواء رمزية توحى بالكثير. ويشارك فى بطولة الفيلم محمد حسين جرايعة، ومالك شرقى، وآدم بيسا، وديا ليان، راين شرقى.

ويتنافس الفيلم المكسيكى الامريكى المرتقب «المطبخ» اخراج ألونسو رويز بالاسيوس، وبطولة راؤول بريونيس كارمونا، رونى مارا، آنا دياز، موتيل فوستر، والذى يروى قصة علاقة حب فى مطعم نابض بالحياة فى نيويورك بالقرب من تايمز سكوير.

حيث يقع بيدرو (راؤول بريونيس كارمونا)، فى حب مضيفة المطعم المرهقة (رونى مارا)، ويرفض قبول الحقائق الصعبة التى قد تعقد فرصتهم فى المستقبل معا. عندما تبدأ الشائعات فى الانتشار بأن أحد موظفى المطبخ قد سرق 870 دولارا من الخزانة.

ومع فيلم «نهاية أخرى» يعود المخرج الإيطالى بييرو ميسينا إلى المنافسة على الدب الذهبى بفيلم الخيال العلمى الحزين والتأملى الذى يقوم ببطولة جايل جارسيا بيرنال، رينات رينسفى، برنيس بيجو، أوليفيا ويليامز، بال آرون، وتدور أحداثه فى المستقبل القريب عندما توجد تقنية جديدة يمكنها إعادة وعى شخص ميت إلى جسد حى، فى محاولة لتخفيف حزن الانفصال، وتوفير القليل من الوقت الإضافى ليقول وداعا.

نحن أمام شخصين يحبان بعضهما البعض، ويستمران فى الحب، حتى بعد وفاة أحدهما «سال» يعيش فقط على الذكريات منذ أن فقد «زوى»، حب حياته: ذكريات مثل أجزاء مرآة محطمة لا يمكن جمعها مرة أخرى. تقترح أخته إيبى، التى تراقب شقيقها بقلق متزايد، أن يلجأ إلى «نهاية أخرى»، وهى تقنية جديدة تعد بتخفيف آلام الانفصال عن طريق إعادة وعى أولئك الذين ماتوا إلى الحياة لفترة وجيزة. يجد سال زوى مرة أخرى بهذه الطريقة، ولكن فى جسد امرأة أخرى. جسد لا يعرفه لكنه قادر فيه بطريقة غامضة على التعرف على زوجته. فى الواقع، «نهاية أخرى» يمنح سال الوقت لمشاركة المزيد من الحياة مع زوى، ليحبها مرة أخرى، وليقول وداعا فى النهاية. لكن هذه فرحة هشة وعابرة وماكرة.

المخرج بييرو ميسينا أعرب عن سعادته باختياره لمسابقة برلين، وقال «نهاية أخرى» هى قصة حب.. الحب الذى يعيش فى الكلمات، فى الأفكار، فى الذكريات ولكن قبل كل شىء، الذى يعيش وينمو فى صمت فى أجساد الناس. بعيد عن الانظار. مثل سر تلك الأجساد نفسها.

المخرج الموريتانى الكبير عبدالرحمن سيساكو الذى اعتدنا مشاهدة أعماله بمهرجان كان السينمائى، وذاع صيته عقب فيلمه الرائع «تمبكتو» الذى توج بجائزة «سيزار» الفرنسية لأفضل فيلم عام 2015 ورشح عام 2014 لجائزة الأوسكار. ينافس هذه المرة فى مسابقة مهرجان برلين بفيلم يحمل عنوان «شاى أسود» بطولة نينا ميلو، تشانج هان، وو كى شى، ومايكل تشانج.

دراما رومانسية شاملة تمتد من ساحل العاج إلى حقول الشاى فى قوانجتشو، حول امرأة تهرب من زوجها وتتخلى عنه، فى يوم عرسها، من ساحل العاج إلى الصين، حيث تكتشف الطريقة الخاصة لصنع الشاى. تبدو الحكاية شاسعة والتصوير فعلا كذلك، إذ ينتقل من قارة إلى أخرى، كما أنه ملىء بالمواقف التى تطرح تساؤلات حول الواقع ايضا.

المخرجة والممثلة السنغالية الفرنسية ماتى ديوب تشارك فى المسابقة الرسمية بفيلمها، «داهومى»، الذى ينتمى إلى النوع التسجيلى، وفيه تقوم المخرجة بالعودة إلى تاريخ الاستعمار الفرنسى للسنغال، ودول إفريقية أخرى مشابهة. تدور الأحداث فى نوفمبر 2021، حيث 26 من الكنوز الملكية لمملكة داهومى على وشك مغادرة باريس للعودة إلى بلدهم الأصلى، جمهورية بنين الحالية. جنبا إلى جنب مع الآلاف من هذه القطع الأثرية التى نهبتها القوات الاستعمارية الفرنسية عام 1892.

تصور ديوب فيلمها بتأمل غنى ومضطرب حول روح الشتات الإفريقى، هذا الفيلم الوثائقى الذى مدته 67 دقيقة يركز على نقاش أشعل فتيله بين الطلاب فى جامعة أبومى كالافى فى بنين عندما تمت إعادة الكنوز بعد أكثر من 100 عام من سرقتها القوات الاستعمارية الفرنسية وشحنها إلى باريس عرض يتبع تحقيق ديوب المركز بشكل مكثف بينما يناقش المتحضرون المعاصرون لشعب داهومى المعنى الذى قد تحمله هذه الآثار بالنسبة لبلد اضطر إلى تشكيل هويته الخاصة فى غيابهم

ويعرض داخل المسابقة فيلم «رجل مختلف» إخراج آرون شيمبرج. وبطولة سيباستيان ستان، ريناتى رينسف، آدم بيرسون، وهو يعد العمل الوحيد الذى عرض فى السابق قبل عرضه فى مهرجان برلين حيث عرض لأول مرة عالميا فى مهرجان صندانس السينمائى.

بينما ينافس المخرج برونو دومونت بفيلم «الإمبراطورية»، بطولة براندون فليجى، لينا خودرى، أنا ماريا بارتولومى، كاميل كوتين، فابريس لوتشينى.

الفيلم إنتاج فرنسى إيطالى ألمانى مشترك، ويدور حول صبى لديه قدرات عجيبة تكاد تشعل الحرب بين الدول.

المخرجة الإيطالية مارجريتا فيكاريو تنافس بفيلمها الأول «جلوريا» بطولة جالاتيا بيلوجى، كارلوتا جامبا، فيرونيكا لوتشيسى، ماريا فيتوريا دالاستا، سارة ما فودا. تقع أحداث هذا الفيلم فى القرن الثامن عشر، ناقلة الأجواء التاريخية والفنية من خلال قصة مجموعة من راقصات الباليه اللواتى يقررن الخروج عن النمط الكلاسيكى.

سيعرض أيضا للمخرج الفرنسى الكبير أوليفييه أساياس، العرض الأول لفيلمه الجديد «الوقت المعلق» فيلم كوميدى من عصر كوفيد يدور حول زوجين يقضيان فترة الحجر الصحى معا، ويعيدان اكتشاف بعضهما البعض، وهو من بطولة فنسنت ماكين وميشا ليسكوت وناين دورسو ونورا حمزاوى.

المخرجتان الإيرانيتان مريم مخدم وبهتاش صناعية يتنافسان فى المسابقة بفيلم «الكعكة المفضلة لدى»، حيث تقدمان دراما ملهمة وجريئة حول الشعور بالوحدة من خلال سيدة تعيش بمفردها وتتعرف على رجل مسن مثلها لديه نفس الهم والحياة الانعزالية ويندمجان معا بعد أن تدعوه لمنزلها، لكنه يفارق الحياة وهى تعطى لها ظهرها بعد رحلة. وكانتا المخرجتان قدمتا فيلما جيدا من قبل بعنوان «أنشودة البقرة البيضاء» الذى عرضه هذا المهرجان فى دورة سابقة.

وقد ناشد منظمو مهرجان برلين السماح للمخرجين بالسفر بسبب أنهما «ممنوعان من السفر حيث جرى مصادرة جواز سفريهما ويلاحقان أمام المحاكم بسبب عملهما كفنانين وصانعى أفلام» وفيلم «لغة أجنبية» إنتاج فرنسى ألمانى بلجيكى مشترك إخراج كلير برجر وليليث جراسموج، جوزيفا هاينسيوس، نينا هوس، كيارا ماسترويانى، جلال الطويل.

وهناك فيلم «أبناء» للمخرج السويدى جوستافو مولر، وهو دراما حول رئيسة سجن فى السويد، تفاجأ بأن أحد معارفها السابقين تم إدخاله السجن الذى تشرف عليه. يشكل ذلك تحديا لعواطفها، وما يترتب على ذلك من مشاكل.

فيما يقدم المهرجان نيلسون كارلوس ولوس سانتوس أرياس فى فيلم «طفل» بطولة جون نارفايز، سور ماريا ريوس، فريد ماتجيلا، هارمونى أهالوا، خورخى بونتيلون جارسيا.

وفى المسابقة فيلم «شامبالا» إخراج مين باهادور بهام وبطولة ثينلى لامو، سونام توبدين، تنزين دالها، كارما وانجيال جورونج، كارما شاكيا.

يعود المخرج هونج سانج سو الكورى الجنوبى إلى برلين، بعد أن شارك فى ستة أفلام فى المنافسة فى المهرجان منذ عام 2008. وقد وصف شاتريان أحدث أفلامه، «احتياجات مسافر»، بأنه «كوميدى وتناول خفيف ولكنه ثاقب للعلاقات الإنسانية» يقوم ببطولته الممثلة الفرنسية ايزابيل هوبير، التى ستحصل أيضا على الدب الذهبى الفخرى.

وتسجل نيبال أول مشاركة لها فى تاريخ مهرجان برلين السينمائى بفيلم «شامبالا» للمخرج مين باهادور بام.

وهناك فيلم من هيلد، مع الحب إخراج أندرياس دريسين وبطولة ليف ليزا فرايز، يوهانس هيجمان.
وتنافس ألمانيا بالفيلم الوثائقى «معمارى» إخراج فيكتور كوساكوفسكى
.

 

الشروق المصرية في

17.02.2024

 
 
 
 
 

مهرجان «برلين» على نيران السياسة المشتعلة فى غزة!

طارق الشناوي

الجمهور الألمانى أكثر ولعًا بالسينما كرسالة ثقافية، ولهذا يحقق مهرجان (برلين) أعلى أرقام فى شباك التذاكر بالقياس مثلًا لمهرجان (كان)، بينما نجد على الجانب الآخر، ومن خلال متابعتى للمهرجانين (برلين) و(كان)، أن الجمهور الفرنسى أكثر ولعًا بالنجوم.

ولا تعنيه بنفس الدرجة الأفلام، فهم أقصد الفرنسيين، لا يعرفون النوم طوال أيام المهرجان، والهدف الأسمى الاقتراب من السجادة الحمراء ومشاهدة عن قرب أساطير الفن السابع وأغلبهم من هوليوود، بينما المتفرج الألمانى يفعل ذلك قطعًا ولكن بقدر من العقلانية لا تتوفر لهؤلاء العاشقين المتيمين الفرنسيين.

مدينة (برلين) فى أيام المهرجان تعرف النوم بعد انتهاء الفعاليات اليومية، بينما فى (كان) لا وقت للنوم، الكل يقف بالساعات أمام السجادة الحمراء ويحيط من كل جانب الفنادق التى يقيم فيها النجوم، لعل وعسى يحظى بصورة (سيلفى).

كثيرًا ما يضرب مهرجان برلين دائمًا بكل القواعد والبروتوكول المعمول به فى عالم المهرجانات عرض الحائط، باستثناء لون السجادة (الحمراء)، فهو لم يغير أبدًا اللون، إلا أنه على المقابل لا يضع أبدًا شروطًا مسبقة لارتداء الزى الذى ينبغى الالتزام به لحامل الدعوة، كما أنه يفتح الباب أكثر للإعلاميين من مختلف دول العالم لحضور هذا الحدث.

ويخصص لهم أيضًا أماكن مميزة، ولهذا ستجد على سجادة (برلين) خليطًا من كل شىء من يرتدى الببيون والاسموكن ومن يرفض حتى ارتداء الكرافت، مكتفيًا أحيانًا فى عز البرد بالقميص، وهو على عكس تمامًا مهرجان (كان) الذى يتدخل حتى فى توجيه النساء إلى حتمية ارتداء أحذية بالكعب العالى، وهو ما دفع عددًا كبيرًا من النجمات وقتها إلى تحدى القرار وخلع الأحذية والسير حافيات على السجادة الحمراء.

مهرجان (برلين) أسقط كل تلك التفاصيل الشكلية وكأنه يردد مع محمد منير بشعر عبدالرحيم منصور وتلحين أحمد منيب (يهمنى الإنسان ولو مالوش عنوان)، وهكذا وكما توقعت تواجدت كل القضايا السياسية فى الافتتاح سواء على السجادة أو داخل قصر الاحتفال بدار العرض، الذى يطبق حقًّا قواعد الديمقراطية ولم تغب أبدًا فلسطين وما يجرى فى قطاع غزة عن ضمير المهرجان وعدد كبير من رواده، قبل الافتتاح تابعنا كيف أن بعضًا من العاملين داخل الإدارة الفنية للمهرجان يعلنون تضامنهم مع أهالى غزة، وهو ما تأكد أيضًا فى الافتتاح حيث لونت أحداث غزة ملامح المهرجان.

وهذا لا يعنى أنهم لا يدينون قتل المدنيين فى إسرائيل، ولكن هناك تعاطفا مع غزة أشهده لأول مرة، ولم يغب أيضًا ما يجرى فى إيران من قمع للحريات، وبعيدًا عن السجادة تابعنا عددًا من التجمعات من المواطنين الألمان أو الضيوف وهم ينددون أيضًا بالقمع فى إيران، الدولة لا تضع أبدًا قواعد تمنع التعبير، فقط تشترط مسافة للمواطن الذى يريد التعبير عن موقفه بعيدًا عن السجادة، رغم أن السجادة كانت صاخبة بما يكفى بكل الأحداث السياسية.

المهرجان يضم نحو 200 فيلم من واقع آلاف الأفلام التى تقدم أصحابها بالعرض فى العديد من أقسامه، ومؤكد أقصد من المنطقى أن بعض صناع السينما المصرية تقدموا بأفلامهم داخل (برلين)، إلا أن لجان الاختيار لم توافق، فى العادة لا يعلن المخرج أو المنتج المصرى عن المحاولة ولا إدارة المهرجان تكشف أسرارها، فهذا يعد اختراقًا لقواعد السرية المعمول بها فى العالم كله.

قطعًا هذا الغياب يجب أن يحمل رسالة أتمنى أن تصل لمن يهمه الأمر، لو كان حقًّا هناك من يعنيه هذا الأمر، وربما الشراكة السينمائية مؤخرًا بين مصر والسعودية من خلال هيئة الترفيه ووزارة الثقافة السعودية وعدد من الشركات الخاصة فى مصر والسعودية تلعب دورها فى تقديم نوعية من الأفلام، وبقدر ما تحقق رواجًا داخليًّا فإن عددًا منها ستتقدم للمهرجانات العلمية لتزداد فرص تواجدنا، ويجب أن نذكر أن صندوق مهرجان (البحر الأحمر) يشارك بأربعة أفلام فى تلك الدورة بينهما الفيلمان العربيان التونسى والموريتاتى فى المسابقة الرسمية (ماء العين) و(الشاى الأسود)، بالإضافة إلى (مثل قصص الحب) و(الناجون من العتمة) فى البانوراما و(الرحلة الأخيرة) فى السوق.

بالمناسبة لا تتواجد السينما المصرية هذه الدورة حتى فى السوق، ولا أتصور أنها على الأقل فى السنوات الخمس عشرة الأخيرة تواجدت فى سوق المهرجان الألمانى، بينما كانت لنا مشاركات داخل السوق فى مهرجان (كان)، من خلال وزارة الثقافة ومهرجان القاهرة وغرفة صناعة السينما، وأحيانًا بمشاركة من وزارة السياحة، بينما حاليًّا حتى تواجدنا فى (كان) داخل السوق بات شحيحًا.

المهرجان هذا العام لا تتواجد فيه السينما الأمريكية بأفلامها ولا نجومها بكثرة برغم حضورها فى تكريم المخرج الكبير مارتن سكورسيزى بالدب الذهبى الفخرى على إنجازه الفنى، الذى سيلقى أيضًا محاضرة.

ولا أتصور كما يحلو للبعض التفسير بأن الأمر مقصود أو أن هوليوود تدعم أكثر مهرجانى (كان) و(فينسيا)، على حساب (برلين)، لأنه فى عدد من السنوات الأخيرة كنا نتابع أيضًا اتهامات أخرى بأن هوليوود لا تريد لمهرجان (كان) أن يزداد بريقه حتى لا تشعر فرنسا بأنها تسترد حقها التاريخى باعتبار أنها هى التى اخترعت السينما فى نهاية القرن التاسع عشر على يد الأخوين لوميير.

وتريد أن تصل الرسالة للعالم بأنها لا تزال عنوان السينما من خلال البريق الذى يحققه مهرجان (كان)، بينما أمريكا وبأقدم مسابقة سينمائية والتى تبلغ 96 عامًا وهى الأوسكار والذى تعلن جوائزه 10 مارس القادم، تلك المسابقة هى التى تستحوذ على السينما وعلى الجمهور فى العالم، كما أن مصنع هوليوود يصدر للعالم الأفلام ومنها قطعًا ألمانيا وفرنسا، ونحو أكثر من 70 فى المائة من إيرادات الأفلام فى أغلب الدول الأوروبية تحسب للسينما الأمريكية وليست الوطنية التى تنتجها هذه الدول، وهو ما بات يتكرر أيضًا فى مصر آخر عامين، بعد أن أسقط قانون تحديد النسخ للفيلم الأمريكى التى كانت لا تتجاوز تسع نسخ.

وذلك بسبب ضعف إيرادات الفيلم المصرى بينما على المقابل عدد من الشاشات لا تجد ما تعرضه، وهكذا تم إلغاء هذا القرار عمليًّا رغم أنه لا يزال ساريًا من الناحية القانونية، ولم يصدر قرار وزارى بإلغائه وهو ما يدفعنا للمطالبة بتوضيح الأمر رسميًّا، كانت فى الماضى غرفة صناعة السينما تتدخل عندما تجد تسيبًا فى تطبيق القانون بتجاوز الحد الأقصى فى النسخ للفيلم الأمريكى، الآن وجدت أن من مصلحتها أن تغض الطرف،

ولا بأس قطعًا من المرونة وفتح الباب لقانون العرض والطلب، على شرط أن يواكب ذلك قرارات تنظيمية تصدرها وزارة الثقافة لحماية الفيلم المصرى مع عدم الإخلال لمنح أصحاب دور العرض حقهم فى عرض الأفلام الأجنبية، وبالطبع فإن المقصود بالأجنبى (الأمريكى)، حيث لم يتعود المتفرج المصرى على التعاطى مع أفلام أخرى.

الشوارع فى برلين تمتلئ بعشاق السينما، أغلبهم يقفون أمام شبابيك قطع التذاكر لمشاهدة الأفلام، عدد قليل فقط هم الذين يقفون أمام فنادق إقامة النجوم للحصول على صورة (سيلفى)، ونكمل غدًا من برلين!.

 

المصري اليوم في

17.02.2024

 
 
 
 
 

شبح غزّة يخيّم على البرليناله

رسالة برلين/  شفيق طبارة

برلين | يفتخر «مهرجان برلين السينمائي الدولي» الذي انطلق مساء الخميس، بأنّه الأكثر إثارة للجدل بين المهرجانات السينمائية الأوروبية الثلاثة الكبرى. هذا العام، طرقت التوترات والحروب أبواب المهرجان وعرّضته لعواصف كثيرة على رأسها الحرب الإسرائيلية على غزة، والحرب الأوكرانية الروسية، ودعوة اليمين الألماني إلى المهرجان (سُحبت الدعوة لاحقاً)... خلال المؤتمر الصحافي الذي أقامته لجنة التحكيم، ذُكرت جملة «مهرجان برلين هو مهرجان سياسي» أكثر من عشر مرات، إلى درجة أنّ عضو لجنة التحكيم المخرج الألماني كريستيان بيتزولد قال بعدما ضاق صدره: «أحب أن أذهب إلى مهرجان غير سياسي»، لتكمل رئيسة لجنة التحكيم الممثلة الأميركية لوبيتا نيونغو «لا أعتقد أن حديث الفنانين عن غزة وأوكرانيا وحزب «البديل من أجل ألمانيا» هو ما يدور حوله الأمر. الأمر متعلّق بالأفلام والسينما». خلال المؤتمر، لم يجد الحاضرون وقتاً للحديث عن السينما والأفلام الـ233 المشاركة في المهرجان، بل سيطرت السياسة على الدورة الرابعة والسبعين، خصوصاً في ظل مناخ القمع الذي قوبل به مناصر فلسطين في ألمانيا. قبل أيام من بدء المهرجان، نشرت مجموعة من العاملين في «البرليناله» رسالةً مفتوحة تطالب المهرجان باتخاذ «موقف مؤسساتي أقوى» بشأن «الاعتداء الحالي على حياة الفلسطينيين». الرسالة التي نُشرت على انستغرام، جاءت رداً على بيان المهرجان البارد حول الحرب على غزة، إذ قال مديرا المهرجان كارلو شاتريان ومارييت ريسنبيك: «نتعاطف مع ضحايا الأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى، نحن نتخذ موقفاً حازماً ضد جميع أشكال التمييز ونلتزم بالتفاهم بين الثقافات». رسالة العاملين وضعت الأمور في نصابها. جاءت لتدين بشكل واضح الإبادة الحاصلة بحقّ أهل غزة، جاء فيها: «ندرك بشكل مؤلم الديناميكيات التي لا تطاق للجمود المؤسساتي في القطاع الثقافي في ألمانيا، وندرك القيود الحالية المفروضة على حرية التعبير. نريد أن نرفع المهرجان وأنفسنا إلى مستوى أعلى. عبر أدوارنا كمبرمجين ومستشارين ومشرفين، جنباً إلى جنب مع العاملين في المهرجان، يمكننا، بل يجب علينا، التعبير عن معارضتنا للهجوم الحالي على حياة الفلسطينيين. إننا ننضم إلى حركة التضامن العالمية للمطالبة بالوقف الفوري لإطلاق النار». وتابعت الرسالة: «بينما يشهد العالم خسارةً لا يمكن تصوّرها في أرواح المدنيين في غزة، بما في ذلك أرواح الصحافيين والفنانين والعاملين في مجال السينما، فضلاً عن تدمير التراث الثقافي الفريد، فإننا بحاجة إلى مواقف مؤسساتية أقوى، نتوقع أن يتخذ المهرجان موقفاً يتوافق مع المواقف المتّخذة رداً على الأحداث الأخرى التي ضربت المجتمع الدولي في السنوات الأخيرة».من المؤتمر الصحافي إلى السجادة الحمراء، حضرت السياسة في فيلم الافتتاح، مع كثير من التوابل الدينية، ووجه سينمائي كبير، لتكون جميع المكونات حاضرة لفيلم ملائم لافتتاح المهرجان. الوجه هو الغني عن التعريف كيليان مورفي، الذي يحكي القصة عبر عينيه وصمته. رجل يحمل ثقل الماضي ويمشي في شوارع إيرلندا مثل الشبح. يلعب الممثل الإيرلندي دور بيل فورلونع، تاجر الفحم في بلدة صغيرة في ويكسفورد في إيرلندا، يعيل زوجته وبناته الخمس. بيل رجل هادئ، منظّم، لا يتذمّر، مشيته منحنية تظهر تواضعه، وعلامات الفقر واضحة على ملابسه وجسده. يريد أن يفعل الخير ويعيش حياة هادئة. في صباح أحد الأيام، أثناء ذهابه إلى الدير لتوصيل طلبية، يكتشف شيئاً فظيعاً يجبره على مواجهة ماضيه. في المدينة التي تسيطر عليها الكنيسة، يجب أن يختار ما يجب القيام به: التزام الصمت أم المواجهة؟ في «أشياء صغيرة كهذه»، ينظر المخرج البلجيكي تيم ميلانتس بعمق في وجه كيليان مورفي وهو يواجه فصلاً مظلماً من تاريخ إيرلندا. تدور الأحداث عام 1985 في الأيام التي سبقت عيد الميلاد، علماً أنّه مقتبس عن رواية قصيرة بالعنوان نفسه للكاتبة الإيرلندية كلير كيغان. يسلّط الضوء على «الملاجئ المجدلية» التابعة للكنيسة الكاثوليكية التي كانت نشطة من 1820 إلى 1996. كان هدف هذه الملاجئ علاج الشابات الحوامل غير المتزوجات. في هذه البلدة الصغيرة، أطفال يشربون الحليب الذي يتركه السكّان للقطط ليلاً. وهناك أمهات صغيرات يواجهن العقاب والإذلال طوال الحياة باسم الربّ.

تحاول سينما كيغان أن تظل قريبة من القصة الحقيقية ومن الرواية. هذا ما يمنع حصول أي شيء عاطفي من شأنه أن يهز القصة أو يهزّنا نحن، رغم فاجعة الحدث. «أشياء صغيرة كهذه» فيلم واضح جداً من الناحية النفسية ومباشر وجامد. شيئاً فشيئاً، يفقدك الاهتمام به. يجمع بين قصة الفتيات في الملجأ وماضي بيل، ويحاول أن يثير الحواس مراراً وتكراراً بالرعب، خصوصاً في مشاهد الدير، حيث ينغمس في رموز أفلام هذا النوع، وأيضاً يحاول تشويقنا في مشاهد الفلاش باك عن طفولة بيل، وتقديمها كلغز. لا يخرج الفيلم عن الكليشيهات المعروفة عن قصص الشخص المضطرب الذي عليه أن يفعل الأشياء الصحيحة رغم الظروف المعاكسة. يقفز بين ماضي بيل وحاضره، ومن العمل الشاق في الفحم، إلى المجتمع الخاضع والمخلص للسلطة الدينية، فكل شيء واضح جداً، حتى في عتمة الفيلم التي لا تنتهي. مع ذلك، يظلّ أداء كيليان مورفي مطبوعاً في ذاكرتنا بسبب قدرة الممثل الإيرلندي على إظهار كيف أن بيل هو شخص مغلّف تماماً بأفكاره ومغيّب عن الواقع الذي يحيط به. تتألق إميلي واتسون أيضاً في دور الأخت ماري، بأداء يُظهر مدى قوة السلطة الدينية وسطوتها عبر نظرتها الجليدية، كأنها شبح شيطاني بلباس راهبة.

 

الأخبار اللبنانية في

17.02.2024

 
 
 
 
 

فيرارا وغيتاي يغرقان في مستنقع الصراع في برلين

انحياز أميركي حماسي لأوكرانيا وتجاهل يساري لمأساة غزة في المهرجان

هوفيك حبشيان  

مخرجان قديران يسقطان في فخ الرداءة والادعاء والغموض، في شكل فاضح، وهذا منذ أول أيام الـ"برليناله" في دورته الرابعة والسبعين: الأول هو الأميركي من أصل إيطالي، الصادم والمستفز أبيل فيرارا الذي يقدّم "نكء الجرح"، والثاني زميله الإسرائيلي اليساري التقدّمي أموس غيتاي، وشاهدنا له مساء أمس "شيكرون" في عرضه الصحافي البرليني. كلاهما، وهما في بداية السبعينات اليوم، صاحبا تاريخ طويل من النجاحات والاخفافات، وها هما يغرقان في مستنقع الصراعات السياسية الحالية، من أوكرانيا إلى فلسطين. لحسن الحظ أن العملين عُرضا في قسم "خاص برليناله" غير التنافسي. 

في "نكء الجراح"، يستكشف فيرارا (على الأقل يحاول ذلك)، الصراع البشري والبحث عن السلام والتوازن من خلال موسيقى وكلمات لباتي سميث من جهة، وتجارب الناس في الحرب على أوكرانيا من جهة ثانية. بمعنى  آخر، الفيلم عن العدوان الروسي على أوكرانيا. واستخدام كلمة عدوان في هذا السياق ليس صدفة، لأن هكذا يراه المخرج، وهو ربما على حق. لكن ما لا يمكن فهمه واستعيابه وتقبّله هو انحيازه الكامل وغير المشروط للجانب الأوكراني، ممّا ينتج فيلماً دعائياً، رغم تجاوزه السبعين وامتلاكه باعاً طويلة في فهم خفايا الجغرافيا السياسية. حمل فيرارا كاميراه، وذهب إلى أحياء أوكرانية مدمّرة جراء القصف الروسي، ليلتقط روايات ناسها وضحاياها والمتضررين من جنون بوتين وجيشه. شهادات لا تقدّم ولا تؤخّر ضمن الصراع الدائر، ولا تحمل ذرّة من السينما، فيها تكرار فظيع وممل (رغم قصر مدة الفيلم)، وتفاصيل ليس لها أي محل من الإعراب. هذا كله لا يأتي بما هو جديد أو مختلف عمّا نراه أو رأيناه عن النزاع الروسي الأوكراني، وحتى توظيفه فاقد لأي حس ّجمالي ونقدي، مفكّك، بل مصوغ على شكل أفكار الرجل الأخيرة المشتتة على قاعدة "من كل واد عصا".

يصوّر فيرارا نفسه وهو يستمع إلى الناس، أحياناً يقول كلمة أو أكثر. ثمة مترجمة تنقل له تجربتهم. يمزج الفيلم هذه الشهادات بأغاني نجمة الروك والشاعرة الأميركية المعروفة باتي سميث، وبإطلالاتها على المسرح، مع بعض من تعليقاتها أمام كاميرا فيرارا. تقرأ لأنتونان أرتو وأرتور رامبو، لكن أي من كلماتها لا تحدث أي مفعول عندما يقترن بشهادات منكوبي أوكرانيا، بل على العكس، تشعر معها بالهوة بين العالم الحقيقي المهدد فعلاً، وعالم الفن الذي يبقى مجرد صرخة في البرية. حضور باتي سيبقى لغزاً، وإن شرحه المخرج بكلمات. لمَ هي هنا وما علاقتها بأوكرانيا؟ هذه من الأشياء التي سيكون من الصعب إيجاد مسوغات لها، وإذا وجدت فستكون مفتعلة. 

باتي سميث الحائرة

أما فولودومير زيلينسكي، الذي كان نجم افتتاح عدة مهرجانات سينمائية كبيرة في السنتين الماضيتين، وآخرها في برلين العام الماضي، قبل أن تثير هذه المبادرات استياء العديد من الحاضرين وسخريتهم لما يحمله من تدليس سياسي، فهو من شخصيات الفيلم، إذ يجري معه فيرارا مقابلة طويلة بلا معنى. في تعليق، لا يخفي إعجابه بالرئيس الأوكراني. يقول: "عندما سُئل الدالاي لاما كيف يمكنه مساعدة العالم، أجاب بالقول: "أن أكون أفضل نسخة من نفسي". عندما أرى باتي سميث في عملها وحياتها كشاعرة وكمغنية وكأم، أو الرئيس زيلينسكي يحكم بما لديه من تواضع، فهذا مصدر إلهام عندي. أريد ما لديهم، أريد أن أكون قريباً منهم، أن أتعلم منهم. الحرب بعيدة عن واقعي اليومي المباشر، لكنها حقيقة يومية للكثير من الناس الذين هم بشر مثلي تماماً. لا يمكن محاربة الموت والدمار إلا من خلال القيام بما هو عكسهما: الحب، الرحمة، التعاطف، الشعر، الأفلام".

مشكلة فيلم غيتاي، "شيكون"، أعمق، ولكن في الحين نفسه يصعب تأكيد ما مشكلته الحقيقية، لعلها بالأساس في طبيعة المشروع نفسه. فهو عبارة عن أحجية متتالية، ناس يتجولون داخل رواق في مبنى ويتحدثّون بلغة الألغاز، بشعر وبلاغة. الممثّلة إيرين جاكوب البطلة هنا، معها ينطلق الفيلم وبها ينتهي، وبين البداية والنهاية مجموعة ناس يمرون أمام الكاميرا، ويتحدّثون عن أشياء بعضها منزوع من سياقها. هؤلاء من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية، معظمهم يهود جاؤوا من أوروبا وغيرها، ليجعلوا من إسرائيل وطنهم. تقع "الأحداث" (إذا صحت تسميتها "أحداثاً")، داخل مبنى إسرائيلي متعدد الاستخدام، معروف ب"شيكون" (كلمة تعني "مساكن شعبية" باللغة العبرية، والأجواء مستوحاة من مسرحية "الكركدن" لأوجين يونيسكو، وهي عبارة عن مجموعة من الحلقات المسرحية التي تصورّ صعود الفكر الاستبدادي، فتتحوّل بعض الشخصيات إلى كركدن، فيما يقاوم البعض الآخر هذا التحوّل. الفيلم يحاول أن يمنح سقفاً لهؤلاء، كي يشعروا في منأى عن تهديد الكركدن لهم. ماذا يعني هذا كله؟ وكيف يُترجَم إلى واقع ملموس لإسقاطه على ما هي عليه إسرائيل اليوم؟ في هذا المجال، سيحتاج المُشاهد إلى الكثير من الصبر والتحليل والتمعن في الرموز ليأتي باجتهاداته الشخصية.

مع الحرب الدائرة في غزة، كنّا نتوقّع من مخرج جريء، طالما وثّق الصراع العربي الإسرائيلي على طريقته (هو احد المشاركين في حرب 73 وخرج منها جريحاً يحمل ندوبها)، أن يقول كلمته في ما يحدث حالياً، لكن هذا لم يحدث. فالوقت مبكر وبعض المسافة مطلوب. لكن، كانت لغيتاي دائماً مواقف قريبة من الفلسطينيين، كي لا نقول مؤيدة، ولا بد أن نتذكّر فيلمه "أنا عربية" أو  "رابين، اليوم الأخير"، وفيه صوّر التحقيقات التي تلت اغتيال إسحاق رابين في العام 1995، كلحظة عالقة في مسار التاريخ. في فيلمه هذا، كان غيتاي القاضي والمحقّق والمخرج والمناصر للقضية الفلسطينية والعلماني الغاضب، الذي طالما بادر إلى استجواب المجتمع الإسرائيلي، أمراضه وعقده وعدم تسامحه والاجتهادات الدينية لبعض من حاخاماته المتشددين الذين يحضرون في جديده في أكثر من مشهد. لم يخفِ غيتاي يوماً قلقه من تنامي ظاهرة التدين اليهودي التي يعتبر أنها تطيح أي محاولة لبناء تفاهم مع الآخر، والتهديد الذي تمثّله هذه الظاهرة يشمل الفلسطينيين كذلك. وقد ذكر في هذا السياق حادثة الرضيع الفلسطيني الذي تم حرقه على يد وحوش بشرية. 

صحيح أن "شيكون" لا علاقة له بما يجري في غزة، لكن أي فيلم فلسطيني أو إسرائيلي ظهر وسيظهر بعد ذلك التاريخ، لا بد أن يحمل صداه ولو بشكل غير مباشر. 

لكنّ السينما لا تُصنَع بالنيات. فـ"شيكون" عمل ثقافوي جداً، يلّف ويدور حول المسألة من دون أن يناقشها فعلاً، وهو على قدر غير معقول من الفذلكة. وربما علينا أن نستمع إلى كلام غيتاي، كي نفهم ما يقصد: "الفيلم عن الفوضى في العالم، الفوضى التي جاءت نتيجة الحروب وعدم المساواة الاقتصادية والظلم. يميل معظم الأفلام إلى تلطيف هذه الفوضى، جامعةً التفسيرات المنطقية والنفسية والاجتماعية وغيرها من التفسيرات للسلوك الإنساني، وهذا ما يطمئن الجمهور. ولكن في رأيي هذا وهم وخيانة للأمانة. الواقع هو نتيجة القوى غير المتجانسة والانتهازية والتدخّل غير المنطقي. وداخل هذا كله هناك قوة فاعلة: الخوف. الخوف ليس أمراً مُعطى، بل هو مؤسَس، وهو من صنيع قادة مثل ترامب ونتنياهو وأوربان وبوتين وغيرهم. هؤلاء هم مهندسو صناعة الخوف، ومن البديهي أن حماس كذلك أيضاً. إنهم يزدهرون على الشعور بالخوف الذي ينتجونه ويحافظون عليه. هذا ما يمثّله الكركدن، وهذا ما علينا ان نقاومه".

 

الـ The Independent  في

18.02.2024

 
 
 
 
 

(كعكتى المفضلة) يثير كالعادة غضب إيران!!

طارق الشناوي

يستحق هذا الفيلم الإيرانى (كعكتى المفضلة) الكثير من التأمل، كشريط سينمائى ملىء بالشحنات الفنية، رغم أنه حاليا تحت مرمى السلطات الإيرانية، وهى حكاية تبدو متكررة خاصة فى مهرجان (برلين)، ولا أتصور أن إدارة المهرجان تتعمد اختيار المخرجين المعادين للنظام، بقدر ما يقع الاختيار على العمل الفنى الذى يستحق الحفاوة ويصادف أنه ممنوع من العرض أو أن صناعه ممنوعون من السفر خارج الحدود لأسباب سياسية. السينما الإيرانية كثيرا ما تصاحب عرض أفلامها معارك فى (برلين) وعدد من المهرجانات الأخرى مثل (كان) و(فينسيا).

المخرجون الكبار عندما تختار أفلامهم للعرض الرسمى بالمهرجان وتوجه لهم الدعوة للحضور، نكتشف أنهم مغضوب عليهم رسميا، ولا ينتهى الأمر عادة عند تلك النقطة الشائكة، بل يمتد إلى غضب إيرانى رسمى يزداد شراسة ضد المخرجين الذين يمثلون البلد لأنهم فى عرف الدولة متهمون رسميا بانتهاك القانون، أسماء مثل جعفر بناهى ومحمد رسولوف وأصغر فرهدى وغيرهم، تثير لدى النظام الإيرانى تحفظات على أفلامهم، وبعضهم ممنوعون أساسا من ممارسة المهنة كمخرجين للسينما، وآخرون سحبوا جوازات سفرهم.

المهرجان لديه هدف استراتيجى يفرض عليه الدفاع عن كل هؤلاء وغيرهم، انضم للقائمة هذا العام المخرجان الإيرانيان بيهتاش سانيها ومريم مقدم اللذان يتنافسان بفيلمهما (كعكتى المفضلة) على جوائز الدب الذهبى داخل المسابقة الرسمية فى المهرجان.

دافع مديرا المهرجان مارييته ريسينبيك وكارلو شاتريان عن الموقف الذى تتبناه الإدارة المنظمة فى الدفاع عن حرية التعبير، وكان المخرجان فى شهر أكتوبر الماضى قد احتجزا على يد الشرطة فى المطار عندما كانا فى طريقهما لباريس. ولم تكن المرة الأولى التى يجد فيها المخرجان أنهما يشاركان فى برلين، فقد سبق قبل نحو ثلاثة أعوام أن عرض لهما فيلم (أغنية البقرة البيضاء) الذى تناول عقوبة الإعدام فى إيران، ولكن لم يثر الفيلم ضجة لأننا كنا فى عز سطوة فيروس كورونا على الحياة.

على الجانب الآخر دافع اتحاد المخرجين فى إيران على حقهما فى السفر وممارسة المهنة، وهكذا سيطرت على الفيلم قبل عرضه الحالة السياسية التى أثارها، وهذا يظلم الشريط السينمائى الذى أراه واحدا من أجرأ الأفلام فى التعبير عن الموقف الرافض للعديد من (التابوهات)، وفى نفس الوقت حاول صناعه بقدر كبير أن يقدموا فيلما سينمائيا جريئا.

وأن يظل فى كل تفاصيل التعبير الدرامى مراعيا للحالة الإيرانية الرقابية بكل قيودها التى تفرض على المخرجين الابتعاد عن العنف والقبلات والعرى، إلا أن هذا الفيلم يحسب له قدرته الفكرية التى تحمل شغبا مع الدولة فى هامش مفروض أنه متاح فيه الأخذ والرد، إلا أنه عمليا، هناك من يقف شاهرا سيفا بحجة أنه ممنوع الاقتراب.

المرأة السبعينية تقابل رجلا فى نفس مرحلتها العمرية، كل منهما يعيش وحيدا، وتجمعهما ليلة فى شقة المرأة. قبل ذلك يقدم لنا الفيلم تفاصيل عن تلك المرأة خفيفة الظل التى تضع على رأسها نصف حجاب يظهر جزءا من مقدمة شعر رأسها، وهذا ممنوع بحكم القانون هناك.

نرى المرأة فى السوبر ماركت تتعامل ببساطة وبخفة ظل مع البائع، تحب الاستماع إلى الموسيقى، لا تنسى أن تطيل النظر فى المرآة وتضع بعض مساحيق التجميل، تنام على الكنبة فى الصالة، بدلا من السرير، فى لمحة تمنح ظلالا عن شخصيتها المتمردة، يأتى لها تليفون من ابنها نفهم من خلاله أنها تعانى الإحساس بالوحدة حتى مع أبنائها المسافرين خارج الحدود.

فى الشارع تصطدم برجل الشرطة يعترض عليها وهى فى طريقها للركوب فى الميكروباص، يمارس ضدها قدرا من العنف، وتنبهه إلى الخطأ ولكنه لا يكترث باحتجاجها، ندرك فى هذا المشهد أن هناك تمردا على الحجاب، فى الشارع، ويعلن عن نفسه مجددا بفتاة صغيرة نراها فى الشارع أيضا تغطى رأسها بنصف حجاب وتلتقى مع شاب فى الحديقة.

التفاصيل التى نراها تشير إلى ارتفاع منسوب الرفض الذى سبق أن تابعناه عمليا من خلال المظاهرات قبل نحو عام بسبب الحجاب.

تلك ليست هى قضية الفيلم، ولكن إحساس الوحدة الذى تعيشه هذه المرأة وهى تشعر باقتراب النهاية، تقرر الذهاب إلى الكافيتريا، تسمع حوارا مع سائق تاكسى تدرك أنه وحيد وتقرر أنه هو الجدير بأن يصبح أنيسا لها وتصبح هى كذلك بالنسبة له، وفى طريقهما لمنزلها، تبدو له الصفقة فى البداية مريبة ثم يطمئن إليها وهو فى طريقه لمنزلها، يطلب أولا الذهاب للصيدلية وندرك أنه يبحث عن (فياجرا).

الموسيقى العصرية الممنوعة، خاصة تلك التى يصاحبها الرقص، نستمع إليها. الإيرانيون، أقصد قطاعا منهم، لم تغادرهم أبدا تلك الأحاسيس فى عشق الموسيقى، تحتفظ المرأة بقنينة ضخمة من الخمر عمرها عقود من الزمن لم يقترب منها أحد، يتبادلان الكؤوس وتصنع له كعكة مفضلة لديها ونراه مستلقيا على السرير وندرك أنه لبى نداء ربه، ولم تكن تلك أبدا هى النهاية، موته كان منتظرا لأنه أسرف فى الحديث عن خوفه من الموت وحيدا، ما جاء بعد ذلك هو الأهم، وهى تضع قطعة من التورتة فى فمه قبل أن تحيك له كفنا من (اللحاف) الذى كان يتغطى به وتدفنه فى حديقة منزلها الصغيرة.

لن تسأل قطعا بعدها عن شىء متعلق بالموت، ولكن بالحياة، المؤكد أنها عاشت ليلة بعد ثلاثين عاما مع رفيق لها لم تكن بينهما مشاعر جنسية بقدر ما يجمعهما الاحتياج الإنسانى للآخر، ونراها فى لقطة ختامية فى الحديقة المدفون بها الرجل الذى آنس وحدتها. هناك مراعاة لكل التفاصيل التى تفرضها الرقابة هناك، مثلا فى الحمام وجدناهما فى مشهد كوميدى وبكامل ملابسهما تحت (الدش).

الإطار الخارجى ليس فى الحكاية بقدر ما هو فى الدعوة المبطنة لكشف مشاعر المجتمع الرافض للقيود، وأيضا الرغبة للتحرر من خلال سيدة ورجل طاعنين فى السن، إلا أن الرسالة فى النهاية وصلت. وبعيدا عن كل الملابسات المصاحبة لفيلم (كعكتى المفضلة)، فهو من الأعمال الفنية التى لا أتصور أنها من الممكن أن تغيب عن الجوائز عند إعلانها مساء السبت القادم!!.

 

المصري اليوم في

18.02.2024

 
 
 
 
 

كلمة و 1 / 2..

فى (برلين) مزيج من السياسة والفن!!

كتب طارق الشناوي

الأفلام تتلاحق فى مهرجان (برلين) الذي افتتح دوررته الـ (74) مساء الخميس الماضى، مع غياب كامل للسينما المصرية عن كل الفعاليات، وهو موقف أتمنى أن يدفعنا إلى الإحساس بالخطر، ورغم تكراره فى السنوات الأخيرة، لم يتحرك أحد ولكنى لا أزال أتمنى أن نشعر جميعا بخطر تكرار الغياب.

الكل يترقب تلك الدورة، رغم أن صوت السياسة يعلو بين الحين والآخر مسيطرًا على المشهد، إلا أننا فى النهاية نبحث عن السينما ونعثر أيضا عليها ونتابع السياسة ونجدها تفرض نفسها فى العديد من المناقشات.

نضبط جميعا معشر الصحفيين والنقاد الساعة بالدقيقة والثانية على موعد عروض الأفلام، جاء حسين فهمى بصفته رئيسا لمهرجان القاهرة لانتقاء الأفلام من (برلين) التي تصلح للعرض (بالقاهرة).

وهو ما تفعله العديد من المهرجانات مثل (البحر الأحمر) حيث تواجد عدد من مبرمجى المهرجان وأيضا (مالمو) يتابع الأفلام المخرج محمد القبلاوى رئيس ومؤسس المهرجان ومختار العجيمى رئيس مهرجان (الحمامات) فى تونس وغيرهما.

بعد دورتين من المهرجان كان حضور أوكرانيا هو المسيطر، على الجو العام، حيث تعاطف المهرجان فى مختلف فعالياته مع أوكرانيا ضد روسيا وهو ما تكرر أيضا قبلها فى مهرجانى (كان) و(فينسيا)، شاهدنا هذه المرة تعاطفا مع غزة ومطالبة بإيقاف نزيف الدماء، وبدأ هذا الصوت الذي تغلفه مشاعر إنسانية يعلو، داخل أروقة المهرجان، مع ملاحظة أن أغلب الأوروبيين لا يدركون بالطبع حقيقة الصراع، وليس لديهم معلومات تاريخية عن فلسطين والأمر ضبابى، وهو ما يجعلنا فى بعض الأحيان، نحتاج لمزيد من الشرح التاريخى لحقيقة الصراع.

الماكينة الإسرائيلية نشطة دعائيا ولولا أن (السوشيال ميديا) فى العالم، بدأت تنشر لقطات من المذابح الإسرائيلية ضد النساء الأطفال ما كان من الممكن أن نلحظ هذا التعاطف.

السينما حتى الآن لم تقدم شيئا ولكنى أترقب فى المهرجانات القادمة مثل (كان) و(فينسيا) أن نرى أفلاما تسجيلية مثلما شاهدنا تلك الأفلام عن الحرب الروسية ضد أوكرانيا، احتلت مساحات مميزة، وسيطرت على الافتتاح فى أكثر من مهرجان عالمى قبل عامين، كان لها كل الحضور.

هل يستيقظ العرب، ويقدمون فيلما عن مجزرة غزة يخاطب وجدان العالم، رغم أن أغلب القيادات والقرارات الرسمية للدول الأوروبية تنحاز للموقف الإسرائيلى، إلا أن المشاعر الإنسانية للمواطنين باتت مسيطرة على المشهد، وأصبح هناك رأى عام يتقبل أن يرى الوجه الآخر من الحكاية، أقصد طبعا الوجه الحقيقى منها، أغلب من التقيتهم من أهل السينما فى عالمنا العربى وليس فقط الفلسطينيين لديهم رغبة فى تقديم تلك الرؤية للعالم، أتمنى أن ننجح فى ذلك، لأن الأرض حاليا تسمح والفكر العالمى يرحب وأتصور أن عددا كبيرا من أهم المهرجانات، لن يمانع فى عرضها، حتى ولو كانت السياسة الرسمية للدولة تنحاز لإسرائيل، إلا أن المشاعر التي سيطرت على قطاع من الجمهور الأوروبى، وأعلنت التعاطف من الممكن أن تلعب دورها فى عرض تلك الأفلام، فهل نقتنص الفرصة!!

 

مجلة روز اليوسف في

18.02.2024

 
 
 
 
 

رسائل البرلينالي: "يموت"

سليم البيك/ محرر المجلة

قد يكون من بين الأقوى على طول هذه الدورة من مهرجان برلين السينمائي، في مسابقته الرسمية، يساعد في ذلك أيضاً أن لا أفلام قوية حتى الآن، بمعنى أن أحدها متكامل بوصفه فيلماً بجوانب فنية مختلفة يمكن أن ينافس، من خلال تكامله، على أهم جوائز المهرجان.

"يموت" (Dying) للألماني ماتياس غلاسنر الذي لم يحقق حتى فيلمه هذا، ما أمكن أن يرفع من التوقعات للفيلم أو يستبقها، لكنه، الفيلم، قد يكون بداية لنقلة في مسيرة مخرج هذا العمل وكاتبه.

من خلال فصول يحكي كل منها عن شخصية، قبل أن تربط الفصول النهائية بين ما سبقها من خلال "الحب" و"الحياة"، في تقابل مع العنوان الكبير للفيلم، "يموت"، وهو اسم لمقطوعة موسيقية هي الخيط الرفيع الذي تجتمع الأحداث حوله.

توم، قائد أوركسترا، والده يعاني من أمراض في شيخوخته فتعتني به والدته، هو بالكاد يزورهما. شريكته تنجب ولداً من حبيبها السابق. يشتغل على أداء مقطوعة من تأليف صديقه. حياته مجتزأة كمكوّناتها هذه. أمه تخبره أنها أوقعته أو أسقطته طفلاً، لا تذكر، لكنها كرهته طويلاً. شقيقته تفسد له الحفلة الأولى التي حضّر لها كثيراً. صديقه الوحيد يطلب مساعدته في الانتحار. زوجته تقول له، أمام صديقها السابق، أنه ليس أقرب إلى طفلها من الأب البيولوجي. يخون شريكته مع زميلته في العمل.

حياته عبارة عن تداعيات، أو أشياء تموت بالتتابع، ضربات متتالية تنزل على رأسه قبل أن يصل إلى فصلَي "الحب" و"الحياة". الفيلم ممتلئ بالموت المادي والمعنوي وبالتصادفات الخائبة والبائسة، وهو بالكاد يستدركها.

الفيلم أقرب إلى قطعة موسيقية في أجزائه، تمهيد فنغمات متتالية تتصاعد، تهدأ أحياناً، إلى أن تخفت نهايةً، للفيلم بذلك اسمه القطعة التي يعمل عليها. هو كذلك قريب إلى الأدب في تقديمه للقصة وشخصياتها، لكل فصل عنوان باسم شخصية، أولها أمه ثم هو ثم أخته. كل فصل يعيد الأحداث من جانب شخصيته، من ناحية الأم أولاً، ثم تالياً من ناحيته، كأننا في المقطوعة نستمع إلى اللازمة الموسيقية من أداة أولاً فلتكن التشيلّو، ثم ذاتها بصوت ليكن للكمنجة.

الفيلم عمل سينمائي لا يخلو من جماليات موسيقية وأدبية. الموسيقى بانت في القصة وإيقاعها، والأدب في الشخصيات وتقديمها ثم تقاطعاتها. ثلاث ساعات مرت استطاع الفيلم خلالها، لتمكنّه من السرد، الإمساك بكل دقيقة فيه. ليكون أخيراً عملاً محكماً، ابتعد واقترب في أحداثه من دون إرخاء يفلت فيه الفيلم من مُشاهده.

 

رمان الثقافية في

18.02.2024

 
 
 
 
 

تعرف على | أفلام اليوم الثالث في «برلين السينمائي»

قصص ووجهات نظر حول المرأة وصمودها

برلين ـ «سينماتوغراف»

يقدم اليوم الثالث لمهرجان برلين السينمائي الـ 74، مجموعة مختارة من الأفلام ضمن تشكيلة هذا العام، تستعرض نظرة فريدة عن الروايات ووجهات النظر النسائية، وتغوص في القصص المقنعة التي تتمحور حول تمكين المرأة وصمودها.

ـ فيلم "الربيع المظلم، Dark Spring" للمخرج إنجيمو إنجستروم، حيث تتحدث نساء من دائرة المخرج عن العلاقات والحب المثالي. الفيلم أطروحة المخرج لمدرسة ميونخ السينمائية، ويعرض في برنامج جيل 2024.

ـ فيلم "تضخيم، Amplified" للمخرجة دينا ناصر، يتناول حياة هند، التى تمارس رياضية الكاراتيه وهي شابة ثقيلة السمع. في يوم من الأيام وبعد تعرضها لسلوك مسيء في مركز التدريب أصبح عالمها مشوهًا. يجب أن تجد هند طريقة لاستعادة قوتها.

ـ شكل القمع والمحرمات صورة الأنوثة لآنا (68) وباتريشيا (69) ومايلا (71)، في فيلم "ذكريات جسد محترق، Memories of a Burning Body" يعرض في قسم (بانوراما) للمخرجة أنتونيلا سوداساسي فورنيس، حيث تجتمع قصصهم لتشكيل مشهد من الذكريات والأسرار والأشواق.

ـ في فيلم "باي باي تورتل، Bye Bye Turtle" للمخرجة سيلين أوكسوزلو، تتجول إنشي البالغة من العمر خمس سنوات عبر المناظر الطبيعية التلالية الشاسعة بجوار البحر الأسود. توفيت والدتها للتو. عندما تقابل زينب البالغة، تقرر أن تتبعها.

ـ وضمن قسم بانوراما 2024 يعرض فيلم "كوكبي المسروق، My Stolen Planet" للمخرجة فرحناز شريفي الذي يدور حول فرح، امرأة إيرانية مجبرة على الهجرة إلى كوكبها الخاص لتكون حرة. تشتري ذكريات الآخرين على شكل أفلام وتقوم بتسجيل وأرشفة ذكرياتها الخاصة لإنشاء تاريخ بديل لإيران.

 

####

 

فيلمهما المرشح لـ الدب الذهبي يتجاوز الخطوط الحمراء ..

مخرجان إيرانيان يطلقان صرخة حرية من «برلين السينمائي»

برلين ـ «سينماتوغراف»

حوّل المخرج الإيراني بهتاش صناعي ها ومواطنته مريم مقدّم قرار سلطات طهران حظر سفرهما ومنعهما من حضور مهرجان برلين السينمائي الذي يقام في الفترة من 15 إلى 25 فبراير الجاري، لمواكبة العرض العالمي الأول لفيلمهما "كيك محبوب من" (بالعربية: كعكتي المفضلة) إلى فرصة لتأكيد شجاعة المرأة وتمسكها بحريتها. فمخرجا الفيلم المرشح لجائزة الدب الذهبي توجها الجمعة إلى منظّمي مهرجان برلين السينمائي الدولي من خلال رسالة من طهران.

وجاء في رسالتهما التي قرأتها الممثلة الرئيسية في فيلمهما ليلي فرهادبور التي استطاعت حضور المؤتمر الصحفي إلى جانب زميلها إسماعيل محرابي “ممنوعان من الانضمام إليكم ومشاهدة فيلم على الشاشة الفضية عن الحب والحياة وأيضا عن الحرية، الكنز المفقود في بلدنا.. نهدي، بكل حرية وفخر، العرض الأول لهذا الفيلم إلى النساء الحرّات والشجاعات في بلدنا، اللواتي كنّ دائما في طليعة النضالات الاجتماعية والتغيير، ويحاولن كسر جدار المعتقدات الكاذبة المتحجرة التي عفا عليها الزمن، ويضحين بأنفسهنّ من أجل الحرية”.

وكتب المخرجان في الرسالة "أصبحنا نعتقد أنه ليس من الممكن سرد قصة امرأة إيرانية مع الالتزام بالقوانين الصارمة مثل الحجاب الإلزامي". وإذ رأى المخرجان البالغان 54 و43 عاماً أن القواعد الصارمة التي تحكم إنتاج الأفلام في إيران تَحول دون إظهار واقع المجتمع، أوضحا أنهما شاءا “إبراز الصورة الحقيقية للمرأة الإيرانية، الممنوع التعبير عنها في السينما الإيرانية منذ الثورة الإسلامية”، وأضافا “نحن نتقبل العواقب".

وسرعان ما حلّت هذه العواقب بالفعل على المخرجين اللذين سبق أن عُرض لهما في مهرجان برلين عام 2021 فيلم "قصيدة البقرة البيضاء" المحظور في إيران. وفي مقابلة عبر الفيديو مع وكالة فرانس برس، بالاشتراك مع مريم مقدم، روى بهتاش صناعي ها كيف "داهمت الشرطة منزل منتج الفيلم وصادرت كل الأقراص الصلبة وأجهزة الكمبيوتر الخاصة بالمشروع”، مضيفا "ثم، عندما أردنا مغادرة طهران إلى باريس، لإنجاز مرحلة ما بعد التصوير، صادروا منّا جوازَي سفرنا في المطار".

وتخضع السينما الإيرانية التي تحظى بتقدير كبير في المهرجانات الدولية، لرقابة مشددة من قبل النظام، وغالباً ما يتعرض أبرز مخرجيها الذين يتحدون الرقابة للقمع. ودرج "برليناله" منذ مدة طويلة على دعم المخرجين الإيرانيين المعارضين. وسبق للمهرجان أن منح جائزته الكبرى الدب الذهبي لمخرجين إيرانيين بارزين، من بينهم أصغر فرهادي عن "انفصال" وجعفر بناهي عن "تاكسي طهران" ومحمد رسول آف عن "لا وجود للشيطان".

ويروي "كعكتي المفضلة” في 97 دقيقة قصة “ماهين” (تجسد دورها ليلي فرهادبور)، وهي أرملة تبلغ 70 عاماً هاجرت ابنتها. وفي هذا الفيلم الدرامي الذي يركّز على الاقتصاد، تمضي ماهين قسما من وقتها في الطهو لمجموعة من أصدقائها، لكنها لم تنس الحرية التي كانت تتمتع بها خلال شبابها قبل قيام الجمهورية الإسلامية. وفي أحد المطاعم، تلتقي متقاعدا آخر، هو سائق سيارة أجرة.

وينشأ إعجاب متبادل بين ماهين والرجل. وفي المنزل، بعيداً عن أنظار الجيران، يستمعان إلى الأسطوانات الموسيقية ويرقصان ويشربان نبيذا مهربا. وتغوي ماهين صديقها وتأخذ زمام المبادرة، أما هو فلا يمانع. واعترفت مريم مقدم بأن الفيلم “يتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء" في مسائل “محظورة في إيران منذ 45 عاماً". ورأت أنها “قصة امرأة تعيش حياتها، وتريد أن تكون حياتها طبيعية، وهو أمر محظور على النساء في إيران".

وما زاد الطين بلّة أن الممثلة ليلي فرهادبور، وهي أيضا صحافية ومؤلفة في إيران، تظهر في الفيلم من دون حجاب. وشرحت الممثلة في مؤتمر صحفي أن النساء الإيرانيات في حياتهن اليومية “لا يضعن الحجاب أثناء النوم أو غسل الملابس”، إلا في الأفلام، مما “يجعل الجمهور الإيراني يضحك”، مضيفة “أردنا أن يكون هذا الفيلم واقعياً”.

 

####

 

نظرة أولى | «رجل مختلف» يطرح أسئلة حول مظهر وهوية الإنسان

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

فيلم «رجل مختلف A Different Man»، عُرض ضمن مسابقة مهرجان برلين السينمائي الـ 74، للمخرج أرون شيمبيرغ، في ثالث تجاربه خلف الكاميرا، ومن إنتاج شركة «أي 24» الأميركية المستقلة التي فرضت نفسها مؤخراً في المشهد السينمائي، ويلعب بطولته النجم سيباستيان ستان.

تركز حكاية الفيلم، على إدوارد (سيباستيان ستان) الذي يعيش في نيويورك مصابًا بتشوه شديد في الوجه المغطى بأورام كبيرة، ولا يكاد يرى عينيه وفمه، وكلامه مشوه. يكسب المال من خلال المشاركة في الحملات العامة ضد التحيز وضد التشوه. إنه يحلم بمهنة أكبر بكثير وأيضًا بصديقة. جارته النرويجية الرائعة إنغريد (تلعب دورها الممثلة النرويجية رينات رينسف) والتي هي مغرمة جدًا بإدوارد، وتُظهر بعض المودة الغامضة، فهي تعرض الضغط على رأس أسود على أنفه وتعطيه كريمًا للوجه. لحظة مؤثرة بين الجميلة والوحش. يصبح الرجل مفتونًا، ولكن لا يبدو أن مشاعر المرأة تتجاوز التعاطف.

دون علم إنغريد، يخضع إدوارد لعملية جراحية رائدة لإزالة الأورام غير الطبيعية. لتتقشر الكتل المروعة بأعجوبة ويصبح إدوارد بطريقة سحرية رجلًا وسيمًا للغاية، ليتظاهر بعدها بأن إدوارد مات ويبدأ حياة جديدة كرجل «طبيعي» يُدعى غاي، ويحصل على دور يلعب فيه شخصية إدوارد في مسرحية كتبتها إنغريد، بناءً على تجربتها الخاصة مع جارها الذي يُفترض أنه ميت.

أثناء الأداء، يرتدي غاي وجهًا صناعيًا يجعله يبدو تمامًا مثل نفسه قبل التحول (إدوارد). يصبح الممثل الوحشي الذي تحول إلى الأمير متورطًا بشكل رومانسي مع إنغريد. القصة غريبة كما تبدو: تنزلق الحبكة بقوة إلى سخافة لغوية خارقة حيث ينتحل غاي شخصية إدوارد لعشيقته الكاتبة المسرحية في سياقات مختلفة.

يصبح الأمر أكثر تعقيدًا. عندما يأتي أوزوالد (الذي يلعب دوره الممثل البريطاني آدم بيرسون، الذي يعاني من تشوه حقيقي يسمى الورم الليفي العصبي، ووجه واقعي يشبه إلى حد كبير الوجه الاصطناعي في الفيلم) وهو صديق قديم لإدوارد، ويبدو أنه يعرف هوية غاي الحقيقية.

يقوم أوزوالد باختبارات الأداء للمسرحية على أمل تقديم شخصية صديقه "الراحل"، وبالفعل شخصية بيرسون الجذابة هي أهم ما يميز الفيلم.

إنه يضفي على القصة إحساسًا بالسخرية، واستنكار الذات، والفكاهة البريطانية، بل والجمال حقًا (يمزح قائلًا: "الرجال في بريطانيا لا يلاحظونه حتى"، في حين أن رد فعل الأمريكيين أقوى بكثير)، حتى لو كانت تطورات الحبكة المحيطة شخصيته خرقاء للغاية. فغناء بيرسون على المسرح هو متعة حقيقية. إن هذا الشخص الواقعي الذي يعاني من تشوه في الوجه هو مناضل شجاع ومؤدٍ موهوب يتمتع بمهارات متعددة.

وعلى الرغم من تزويد بيرسون وممثلين آخرين مصابين بتشوهات حقيقية بمنصة وسعيهم لتثقيف المشاهدين حول كيفية التعامل مع هؤلاء الأشخاص (من خلال الحملات الإعلانية في بداية الفيلم)، إلا أن فيلم "رجل مختلف" لا يكتفي بسرد الحكاية فقط، بل يغوص كثيراً في الكوميديا السوداء.

الفيلم الروائي الثالث لآرون شيمبيرغ يطرح أسئلة كثيرة حول هوية الإنسان، ومظهره، الفرق بين الداخل والخارج، وكيفية التعاطي مع الآخر عبر حبكه تدفع للتعاطف مع البطل، خصوصاً مع التركيز على عالم الرغبات، حيث لم يمارس إدوارد وأوزوالد الجنس مطلقًا، ونادرًا ما يقبلان امرأة، وبالتأكيد، إذا كان من المفترض أن نقبل هؤلاء الأشخاص، فيجب علينا أيضًا أن نكون مستعدين لنشهد حبهم بكامل بهائه.

النهاية المربكة للعمل، بما في ذلك الطعن والسجن والحادث الغريب، تفشل في إضافة أي شيء ذي صلة بحكاية الفيلم الطموح للغاية، والذي يتحدي الصور النمطية، ولم يقع في فخ الاستسهال أو الرسائل المباشرة.

 

####

 

نظرة أولى | «نهاية أخرى» يتناول إطالة الحياة من خلال الوسائل التكنولوجية

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

مما تتكون هويتنا؟، كيف تساهم الذاكرة في هوية الفرد؟، ما هو الدور الذي تلعبه الذاكرة والهوية عندما نتعامل مع فقدان أحد أفراد الأسرة؟، وماذا ستفعل لو كان بإمكانك إطالة حياة أحبائك من خلال ذكرياتهم؟، هذه هي الأسئلة التي يتناولها فيلم المخرج بييرو ميسينا، "نهاية أخرى ـ Another End"، والذي يشارك في المسابقة الرئيسية لمهرجان برلين السينمائي هذا العام.

فريق كتابة الفيلم يشمل جياكومو بيندوتي وفالنتينا جادي وسيباستيانو ميلوني، ويضم طاقم الممثلين جايل غارسيا بيرنال ورينات رينسف وبيرينيس بيجو.

يطمح العمل إلى نسج سرد معقد يستكشف حدود الاتصال البشري وعملية الحزن وإمكانية إطالة الحياة من خلال الوسائل التكنولوجية. ومع ذلك، على الرغم من فرضيته الطموحة، إلا أنه لا يرقى إلى مستوى إمكاناته، ويكشف عن تجربة سينمائية محيرة.

تدور أحداث هذه الدراما في مستقبل كئيب إلى حد ما ولكن ليس بعيدًا، وتركز على سال (جايل غارسيا بيرنال)، الرجل الذي فقد حب حياته، زوي. بعد فشله في التغلب على خسارته والتعمق في ذكرياته وذكريات عشيقته الراحلة، تتولى رعاية سال أخته إيبي (بيرينيس بيجو)، التي تراقب بقلق دوامة الحزن وتدمير الذات. يقنع إيبي سال بالتغلب على معاناته من خلال تجربة التكنولوجيا الجديدة، القادرة على إعادة وعي الشخص المتوفى إلى الحياة لفترة وجيزة. بهذه الطريقة، يلتقي سال مرة أخرى مع زوي، التي عادت روحها وعقلها وذكرياتها إلى الحياة مرة أخرى، وإن كان ذلك في جسد شخص آخر يعمل "كمضيف" (النجمة الصاعدة رينات رينسف). ومع ذلك، تم إعداد البرنامج للتشغيل لفترة محدودة من الوقت، وهدفه الأساسي الواضح هو مساعدة الشخص أخيرًا على توديع أقرب وأعز شخص لديه.

ينجح الجزء الأول من الصورة في تقديم الشخصيات والمفاهيم الأساسية لعالم القصة بطريقة بسيطة، ولكنها ليست واضحة للغاية. لقد أصبحت الحوارات جافة، وهناك ما يكفي على الطاولة لإثارة إعجاب الجمهور - ففي نهاية المطاف، نعلم أن سال وإيبي يلعبان بالنار، ونتوقع تمامًا حدوث فوضى. يأخذ الجزء الثاني اتجاهًا ميلودراميًا أكثر، وربما يكون في بعض الأحيان ممتدًا بعض الشيء ومبتذلًا، لكنه يؤدي إلى نهاية مرضية تواكب السرد.

من الناحية الجمالية، الصورة أنيقة. يستخدم التصوير السينمائي، بعدسة فابريزيو لا بالومبارا، عنايته لظلال اللون الأزرق والأسود والرمادي، مما يخلق جوًا محبطًا للغاية وبارد القلب يجعل المواقع الداخلية والخارجية بلا حياة ومجهولة إلى حد ما. أما بالنسبة لعملية المونتاج، فإن إحدى ميزات باولا فريدي الأكثر إثارة للاهتمام هي القطع المفاجئ لبعض مقاطع الذروة العاطفية - وهذا يمنع بعض المشاهد من الظهور بشكل مكتمل، ليعيدنا على الفور إلى الواقع المحزن لوجود سال.

بشكل عام، حكاية المخرج بييرو ميسينا هي رحلة عاطفية للغاية، وإن كانت تعتمد على مجموعة واسعة من المجازات القديمة والجديدة في الخيال العلمي الأدبي والسينمائي. هناك العشرات من المراجع والتلميحات الواضحة تمامًا - بالإضافة إلى بعض الإشارات الأكثر غموضًا - التي تجعل هذا العمل غير أصلي بشكل خاص وتترك شعورًا قويًا إلى حد ما بأننا قد شاهدناه من قبل.

ومع ذلك، فإن الأداء الممتاز للممثلين الرئيسيين الثلاثة (وأداء جايل غارسيا بيرنال) على وجه الخصوص، الذي يجعل من سال شخصية يمكن الارتباط بها، جنبًا إلى جنب مع الأسلوب البصري الأنيق قد يجعل الفيلم ممتعًا للجمهور.

وفي النهاية، يمكن أن يتردد صدى إمكانات "نهاية أخرى" بعمق في عصر يتلاقى فيه الرقمي والبيولوجي، مما يتحدى تصوراتنا للهوية وقدسية الذاكرة البشرية. لكن محاولته للإبحار في القصة المعقدة بين الحياة والخسارة والحب في مستقبل متقدم تقنيًا تتعثر بسبب ترددها السردي.

 

موقع "سينماتوغراف" في

18.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004