ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم الإيراني في مهرجان برلين يحطم جميع قواعد الرقابة

أمير العمري- برلين

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

جاء الفيلم الإيراني “كعكتي المفضلة” إلى الدورة الـ 74 من مهرجان برلين السينمائي تسبقه ضجة إعلامية كبيرة، بعد أن صادرت السطات الإيرانية جوازي سفر مخرجيه: مريم مقدم وبهتاش صنايحه، ومنعتهما بالتالي من السفر لحضور عرض فيلمهما في المسابقة الرسمية. وترددت أنباء أيضا عن أن السلطات كانت قد داهمت مقر الشركة المنتجة في طهران، بحثا عن الفيلم، وصادرت جميع أجهزة الكومبيوتر لكنها لم تعثير على الفيلم، والواضح أنه أرسل إلى الخارج لاستكمال العمليات النهائية وإعداده للعرض خصوصا وانه من الإنتاج المشترك مع شركات في ألمانيا وفرنسا.

إن “كعكتي المفضلة” واحد من أجمل وأكمل الأفلام الإيرانية التي خرجت من إيران خلال السنوات الأخيرة ضمن تيار سينما ما بعد كياروستامي، وأيضا من أكثرها تماسكا وقوة وجرأة، بحيث يمكن اعتباره فيلما “ثوريا” بكل معنى الكلمة، فهو يسبح عكس التيار تماما، ويضرب بكل قواعد الرقابة على الأفلام في إيران عرض الحائط.

على المستوى الأولي، الفيلم عن إيران بين الماضي الذي عرف قدرا كبيرا من التحرر والحياة “الطبيعية” للمرأة ضمن مجتمع ذكوري بطبيعته، وإيران الحاضر بكل كآبته وقسوته وقيوده. .إنه أساسا، فيلم عن المرأة الإيرانية، مزاجها الخاص، وتطلعها للحب حتى بعد أن تجاوزت السبعين من عمرها ورغبتها في الانعتاق والتحرر والعثور على الحب.

في هذا الفيلم الشجاع ومن خلال سيناريو بارع منسوج جيدا شأن غالبية أفلام السينما الإيرانية الجديدة، هناك امرأة تظهر من دون الحجاب المفروض على الممثلات في جميع الأفلام حتى في المشاهد التي تدور بين الزوج والزوجة أو الأم والإبن، وهناك سخرية وهجوم مباشر على شرطة الأخلاق التي تعتقل الفتيات اللاتي لا يلتزمن بقواعد تغطية الرأس حسب ما تفرضه السلطة الدينية المتشددة، وهناك حديث عن الخمر بل واحتساء للخمر، وهناك مشهد الرقص الذي يجمع بين رجل وامرأة ليسا زوجين، وتلامس بينهما بالأيدي، وفضلا عن هذا كله، هناك أيضا اجتراء على ما هو محظور في العلاقة بين الإنسان والموت. ولكن كل هذه الصور والمواقف تبدو طبيعية تماما في سياق السرد، وتطور القصة، وليست مفروضة قسرا من خارج الفيلم.

هناك امرأة هي “ماهين” تجاوزت السبعين من عمرها، تعيش وحيدة بعد أن مات زوجها قبل 30 عاما، وهاجرت ابنتها إلى الخارج، وهي تعيش في شقتها الفخمة في ضواحي طهران، لا يشغلها يوما بعد يوم، أن تروي أشجار حديقتها الجميلة. إنها ممرضة متقاعدة، تحصل على كوبونات تتيح تناول الغداء في مطاعم معينة يغشاها المتقاعدون. وكان المعتاد أن تقابل صديقاتها مرة كل أسبوع لكنهن أصبحن يجتمعن عندها مرة واحدة كل شهر، وهي تهتم بالطهي وعمل الحلوى والمأكولات الإيرانية المميزة وتدعو صديقاتها حيث يثرثرن جميعهن (من دون ارتداء الحجاب) عن الحب والرجل والجنس والماضي الذي كان في إيران، أي وقت شبابهن. وفي الاجتماع الأخير الذي نشاهده، يناقشن هل يمكن للمرأة في عمرهن أن تعثر على الحب مجددا، وعلى الرفقة الإنسانية مع الرجل؟

تزور المرأة، وتدعى “ماهين” (ليلي فرهادبور) مقهى فندق في قديم كانت ترتاده في شبابها، لكنها تجد أنه لم يعد يقدم قهواتها المفضلة، وأن قائمة الطلبات أصبحت كلها الآن من خلال ما يعرف بالـ QR ، أما الموسيقى الرتيبة الخافتة التي تبدو أقرب إلى الموسيقى الجنائزية فهي تتناهى إلى أسماعنا تصل إلينا عبر شريط الصوت مختلطة بالقرآن، مما يدفع بالرهبة وينفي فكرة الاستمتاع في مقهى، وعندما تذهب الى الحديقة لا تجد الذين اعتادوا ممارسة الرياضة كما كان الأمر في الماضي، ويزداد شعورها بالوحدة، ولا تجد سوى منظف الحديقة تتبادل معه الحديث.

ماهين” تمضي إلى مطعم العجائز وتقرر في لحظة ما، أن تتمرد على واقعها، وأن تجد وسيلة للتواصل، فتتعرف على سائق تاكسي سبعيني مثلها يدعى فاراماز، يقودها إلى بيتها، تتبادل معه الحديث ثم تدعوه إلى بيتها، وفي الداخل يتطور الحوار، وينشأ الود، وتقضي ليلة معه، يرقصان معا على أغاني الماضي الجميل، يشربان الخمر المعتق من إناء تستخرجه من حديقتها حيث ظل مدفونا منذ 30 سنة.

لدى ماهين جارة متسلطة متشددة، تطرق الباب وتحاول معرفة ما إذا كان هناك رجل في الداخل إلا أن ماهين تتخلص منها في لباقة، وعندما يتساءل “فاراماز” تخبره أن ليس كل جيرانها على هذا النحو وأن هذه المرأة زوجها يعمل لحساب الحكومة، في الأمن، وهي بالتالي تشعر بنوع من الهيمنة، لكن باقي الجيران خصوصا الذين يطلون عليها من أعلى، متحررين مثلها.

يتبادل الاثنان الحوار، تحدثه في اقتضاب عن زوجها الذي توفي في حادث سيارة، ويحدثها هو عن زوجته التي كانت تفرض عليه الكثير من القيود بسبب تشددها الديني، ويبدي ارتياحه لأنها طلبت منه الطلاق منذ سنوات خصوصا وأنه لم ينجب منها.

 يقوم هو بإصلاح مصابيح الكهرباء المعطلة في الحديقة فتصبح مضاءة بحيث يمكنهما تناول الطعام معا في الحديقة ويستمعان الى الموسيقى والغناء. ويزيل الخمر الحواجز بينهما، ويرقصان معا تحت الإيقاعات الموسيقية البديعة من الزمن الجميل.

تعد ماهين كعكتها المفضلة تريد أن تقدمها لرفقيها الجديد، يطلب أن يستحم أولا، فتأتيه بثياب نظيفة من ملابس زوجها الراحل، لكنه يدعوها أن تلحق به تحت الدوش كما في الأفلام الأجنبية. وبعد تردد يبدو أنها قد وافقت، وفي المشهد التالي يقدم لنا الفيلم مفاجأة طريفة مضحكة عندما نراهما جالسين معا تحت الدوش بكامل ملابسهما.

في هذه الليلة التي تستعيد المرأة شبابها، بعد أن تكون قد أخذت هي زمام المبادرة، ولكن السعادة لن تستمر ولا يمكن أن تستمر في واقع مخنوق، وستنتهي المفارقات الكوميدية المضحكة من النص السينمائي، مع وقوع حدث مأساوي.. لكن ماهين تكون قد أتمت المهمة، أي استعادت حريتها وإن لم تنجح في استعادة سعادة الماضي، فحريتها مرتبطة باستعادة إيران نفسها حريتها.

في الفيلم مشهد كاشف عندما تتصدى بطلتنا لضابط في شرطة الأخلاق في الحديقة العامة، وهو يعتقل فتاة بسبب عدم وضع حجابها على نحو صحيح كما يعتقد، وتوبخه ماهين وتجذب الفتاة وتخلصها منه، مستعلة كونها امرأة مسنة لا تلتزم هي نفسها بقواعد تغطية الرأس. ونكتشف أيضا أن الفتاة على موعد مع حبيبها، وعندما تراه يتعانق الاثنان في مشهد جديد على السينما الإيرانية أيضا.

يسير السرد في اتجاه تقليدي من دون تداعيات، ويلمس الفيلم العلاقة المنقطعة بين الجيل القديم وجيل الأبناء من خلال انقطاع الصلة الحقيقية بين الأم والابنة، وبناء العلاقة بين ماهين وفاراماز منسوجة ببراعة شديدة، وتتطور تدريجيا مع حوار جيد مكتوب بحيث يظهر تدريجيا ما يدور داخل كل منهما، خصوصا بعد أن يقتربا من بعضهما البعض.

وينجح السيناريو في التمهيد البارع للانتقال من الكوميديا إلى الماساة، كما يبلغ الأداء التمثيلي في الفيلم درجة من أعلى درجات الأداء، ومن دون اثنين من أبرع الممثلين لم يكن الفيلم ليتمتع بكل ما يتمتع به من سحر وقوة مدهشة.

هنا يتميز أداء الممثلة البديعة الجريئة “ليلي فرهادبور” في الدور الرئيسي، وزميلها الممثل “إسماعيل مهرابي”. وقد حضر كلاهما إلى المهرجان، وشاركا في المؤتمر الصحفي الذي عقد لمناقشة الفيلم، ونقلا رسالة نقدية جريئة من مخرجي الفيلم. وليس معروفا حتى الآن كيف سمحت السلطات للممثلين بالمغادرة، ولا ما سيحدث لهما بعد ما أدليا بما أدليا به من آراء خلال المؤتمر.

تتلخص نظريتي القديمة في أن هناك جناحا داخل السلطة الإيرانية يغض الطرف عن تصوير مثل هذا الفيلم الذي جرى تصويره كله في الداخل، وربما تغض الطرف أيضا عن تهريبه للخارج، ولا بأي من منع عرضه داخل إيران فيما بعد. والمقصود أن تبقى إيران حاضرة باستمرار في ضمير العالم، تثير أفلامها الجدل في المهرجانات السينمائية والمحافل الدولية، خصوصا لو عرفنا أن هذا الجناح “التقدمي” داخل السلطة، يهتم بالفنون والسينما بوجه خاص وربما كان التصوير والخروج والعرض في الخارج منسقا ومتفقا عليه، وهذا لا يعني وجود جناح آخر أكثر تشددا وقمعا ورفضا لاي هامش لحرية التعبير. وإلا كيف يتم تصوير مثل هذه الأفلام داخل إيران من دون أن يكون التصوير سريا، بل تحت أنظار الأجهزة!

أيا كان الأمر، فقد أصبح لدينا عمل سيقلب كل الموازين والحسابات داخل السلطة، ويصبح عملا دالا على وجود وروح المقاومة في السينما الإيرانية، والمقاومة داخل إيران بشكل عام، مع قدرة على تجاوز جميع القواعد الرقابية، وفي الوقت نفسه، الالتزام بتقديم عمل فني جذاب، متقن، ومتميز في تصويره واختيار مخرجيه للاماكن والديكورات الداخلية والخارجية، مع وجود نفس إنساني يجعل الفيلم يصل للجمهور في العالم. إنها تجربة يمكن أن تلهم السينمائيين، في إيران، وفي كل البلدان الخاضعة للديكتاتورية العسكرية والدينية.

 

موقع "عين على السينما" في

16.02.2024

 
 
 
 
 

خاص "هي" مهرجان برلين السينمائي 2024

- "Small things like these" حزن مكثف ودائرة من الغموض والمبالغة

أندرو محسن

على عكس السنوات الأخيرة، يفتتح مهرجان برلين دورته 74 هذا العام بفيلم ذات طابع مأساوي بعض الشيء رغم أن أحداثه تدور في وقت احتفالات رأس السنة! الفيلم هو "Small Things Like These" (أمور صغيرة مثل هذه) للمخرج الإيرلندي تيم ميلانتس، وبطولة كيليان ميرفي، الذي يشارك أيضًا في إنتاج الفيلم.

الفيلم المبني على رواية بالعنوان نفسه للكاتبة كلير كيغان، تدور أحداثه في عام 1985، إذ نتابع بل فورلونغ (ميرفي) الذي يعمل في بيع الفحم، ويعتني بأسرته المكونة من زوجته وخمس بنات في المراحل الدراسية المختلفة. يكتشف بِل أمرًا غريبًا في دير الراهبات الذي يوصل إليه الفحم، مما يجعله يعيد النظر في ماضيه وحاضره.

بشكل ربما غير مقصود، يقسم المخرج فيلمه إلى نصفين، الأول نتابع فيه بائع الفحم وأسرته واستعدادهم لأعياد رأس السنة، لكن فورلونغ حزين لسبب نحاول أن نعرفه. وأقول هنا "نحاول" ليس لأننا سنقطع شوطًا طويلًا لاكتشاف سر الحزن، ولكن لأننا لا ندرك السبب الحقيقي وراء انفجار أحزانه حتى نهاية الفيلم!

ينتقل الفيلم بشكل متكرر بين الحاضر وماضي بِل، حين نشاهده طفلًا تعمل أمه في الخدمة في إحدى البيوت، بينما نُدرك أنها أم عزباء، ولهذا فإن بِل يحمل لقب عائلته، وهو ما يبدو أنه ترك آثاره بشكل قوي على شخصيته حتى بعد مرور السنوات.

يعكس المخرج حالة الوحدة والضياع التي يعانيها بطله، بتقديمه كلا بطل، لا نشاهده في الكثير من اللقطات القريبة، تتابعه الكاميرا من مسافة، ونشاهده فردًا وسط آخرين في بعض المشاهد أيضًا، فهو لا يشعر يملك قوة أو ميزة خاصة، كما إنه يشعر داخله بالضياع.

حتى منتصف الفيلم سيمكننا تقبل هذه الحالة، لكن السؤال الذي سيراود جميع المشاهدين: لماذا هو حزين؟ يحاول النصف الثاني الإجابة عن هذا السؤال عندما يصطدم بِل بفتاة داخل الدير تطلب منه أن يساعدها في الهرب.تذكره هذه الفتاة بأمه، إذ أن الكثير من الفتيات في هذا الدير يُجبرن على الإقامة فيه نتيجة حملهن خارج إطار الزواج، بينما يؤخذ أطفالهن منهن. وهنا ننتقل إلى الجزء الثاني من الفيلم، وهو صراع بطل الفيلم الداخلي، إن كان يجب أن يشتبك مع الدير وما يمثله من سلطة دينية، من أجل أن يساعد الفتاة، أم يتجاوز الأمر لأنه لا يخصه.

مشكلة هذا الفصل أنه كان مكررًا بشكل كبير، بالإضافة إلى أنه قدم شخصية الراهبة رئيسة الدير (إميلي واتسون) في صورة الشخصية الشريرة بشكل شديد التقليدية، فهي شخصية قوية وجافة تتصنع الود بشكل واضح، فلا نكاد نشعر حتى بإيمانها بما تفعله، حتى وإن اختلفنا معه.

رغم أننا نقترب أكثر من الشخصية الرئيسية في هذا الفصل، ونشاهد التحول الذي يمر به عن قرب فإننا نشعر بمزيد من الابتعاد عن عالمه الخاص المكون من أسرته وزوجته بالأساس، لا نكاد نشاهد بناته إلى في بعض اللقطات، بينما لا يقنعنا الفيلم بأن هذه الزوجة هي شريكة حياته، بل كأنه يعرفها منذ يومين ولا تعرف عنه هي شيئًا.

لا نجد تفسيرًا واضحًا لسبب انفجار حالة الحزن داخل بِل في هذه السنة تحديدًا، حتى وإن حاول السيناريو أن يربط بين بعض مآسيه وفترة رأس السنة، فإنه بالتأكيد مر بالكثير من الأعياد خلال سنوات زواجه وبعد رحيل أمه، فما الجديد هذه المرة؟ ولماذا يبدو أن أحزانه ظهرت كأنها مرض أصابه وظهرت أعراضه بأكملها بين يوم وليلة؟

على هذا فإن مشاهدة كيلين ميرفي في الدور ممتعة، فحتى وإن لم نفهم سر حزن البطل فإننا سنشعر به جليًا من خلال ميرفي، ودون حوارٍ حتى، هذا رجل يحمل الكثير من الهم دون أن يتفوه بكلمة. يعزز مشاعر الأسى الإضاءة المميزة التي تميل إلى المزيد من الظلام، والتي تعد من أفضل عناصر هذا الفيلم.

ربما يكون اختيار المهرجان لفيلم الافتتاح مختلفًا كما ذكرنا، ولكن مخرج الفيلم لم يجعلهم يهنأون بهذا الاختلاف إذ كان يحتاج إلى أن يدرس حالة المأساة التي قدمها بشكل أعمق.

 

مجلة هي السعودية في

16.02.2024

 
 
 
 
 

"الإلغاء الثقافي للفلسطينيين"

عن الإلغاء والإلغاء الذاتي... "رمّان" في "برلين السينمائي"

سليم البيك/ محرر المجلة

فلتقوَ المقاطعة الثقافية لكل مدينٍ للفلسطينيين أو داعمٍ لمحتلّهم، في ألمانيا وغيرها، ولكل ملغٍ لحضورهم ومحتفٍ بمحتلّهم. وليقاوم الفلسطينيون محاولات إلغائهم الثقافية، بإعلاء الصوت وتكبير الصورة وإثبات الحضور كيفما استطاعوا، ممثّلين عن بلد لم يتعب أهلها من مقاومة محاولاتِ محوٍ وجوديٍّ لهم، منذ أكثر من قرن.

خلال الشهرين الفائتين، كدتُ بين لحظة وأخرى ألغي الاعتماد الصحافي الذي نالته "رمان" من مهرجان برلين السينمائي لدورته الحالية، وفي ذهني كلماتٌ أرسلُها إلى المهرجان أعبّر فيها عن مقاطعة مجلة لهم، هي من بين الجهات الصحافية العربية القليلة التي تقدّم تعليقات نقدية عن الأفلام من المهرجان مباشرة، والوحيدة المستقلة، كما فعلتْ العام الماضي في "برلين" وغيره، في سعي لمكانة جديدة للمجلة في النشر الثقافي التخصصي والنقدي والجاد، وليس الإخباري المُلاحق لكواليس المهرجانات وثرثراتها.

ثم، في لحظة قلت "له، طوّل بالك". تراكمت الأفكار في رأسي وتفاعلت، وتوافقَ معي عليها من كتّاب المجلة وكاتباتها طمأنتْني استشارتُهم. فلتكن المجلة هناك، إذن، لأسباب ضرورية أصيغها في هذه المقالة، وأجدها فرصة لاستمرارية طرح النقاش حول ما الذي نقاطعه وكيف ولماذا؟

تتالت أخيراً الدعوات لمقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية، مع غباشة في الطرح وجدتُه في "إضراب ألمانيا" الذي تكمن أهميته في الموقّعين عليه، تحديداً الفرنسية آني إرنو (هنا ملفّنا عن الروائية النوبلية المناصرة للفلسطينيين)، أكثر مما هو في نصّه الذي تاه في المنتصف ما بين الإضراب عن التعامل مع جميع المؤسسات الألمانية أو فقط تلك التي مارست قمعاً على الفلسطينيين ومناصريهم. ولم تكن من هذه الدعوات، إلى لحظة نشر هذه المقالة، بيان أو موقف لحركة المقاطعة، BDS، الذي يمكن له أن يكون رأياً استشارياً خبيراً في مسائل كهذه، تعود لاختصاص الحركة في موضوعها ولعمليات البحث الواسعة التي تقوم بها لصياغة بياناتها. لم يكن الموضوع، إذن، ذا أهمية عليا لأصحاب الاختصاص.

رغم أني لا أجد في أي نصٍّ إلا مساحة ومناسَبة للجدال، ولا آخذه بوصفه مكتملاً، إلا أني أشرت إلى البيان الحاضر والآخر الغائب، أعلاه، لأنطلق في تحديد ما أراه، بأن الواقعي والضروري هو مقاطعة المؤسسات والمهرجانات (الألمانية قبل غيرها) التي أدانت أيّ فعل فلسطيني منذ السابع من أكتوبر، والتي مارست إلغاءً ثقافياً تجاه الفلسطينيين أو مناصريهم، والتي فرضت على الفلسطينيين المنتفعين من تمويلاتها اشتراطات سياسية. وليكن ذلك متعلقاً بالمؤسسات الغربية عموماً كونها المعنية، لا محصوراً بأسوأ أمثلتها وهي الألمانية. لكن مقاطعة كل ما هو ألماني يبقى مراهقةً نضالية لا تصيب أهدافاً لم تحدّدها أصلاً.

ما ذكرته أعلاه عن سياسات ثقافية ضد الفلسطينيين، لا ينطبق على مهرجان برلين السينمائي. لماذا؟

لن نطلب، أولاً، من مهرجان دولي في برلين ما نطلبه من مهرجان عربي للسينما مثلاً، فالموقف الأقرب للحيادية في ألمانيا اليوم هو متقدم سياسياً. الحيادية هذه لن نقبلها من مهرجان أو مؤسسة ثقافية عربية (لذلك اعتذرت أخيراً عن عدم الحضور في ندوة عن السينما الفلسطينية تنظّمها هيئةٌ حكومية في بلد أنتقد سياساته تجاه القضية، مبيّناً في رسالة بأن السبب سياسي). فلا تقاس المواقف بمقياس واحد للعربي والأوروبي، بل تؤخذ السياقات والعوامل الذاتية والموضوعية في اعتبارات كل حالة بعينها.

مهرجان برلين السينمائي لم يقدّم حتى اليوم بياناً واحداً، في موقعه أو منصّاته، داعماً لدولة الاحتلال، رغم انفلات المؤسسات والمهرجانات الأوروبية لإدانة "حركة المقاومة الإسلامية" ("إدفا" الهولندي مثلاً، الذي يديره سوريّ)، بل لإدانة أي فعل تضامني مع أهالي غزة وكل فلسطين في ظرف الإبادة الجماعية التي يتعرّضون لها.

بخلاف ذلك، ذكر المهرجان في بيان مقتضب، ١٩ يناير، بأنهم يعبّرون عن "تعاطفهم مع كل ضحايا الأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط وكل مكان." يكملون في التعبير عن قلقهم "من انتشار مشاعر وخطاب الكره المعادي للسامية والمعادي للمسلمين في ألمانيا"، وأنه "كمؤسسة ثقافية، سيتخذ موقفاً حازماً تجاه كل أنواع التمييز." وهو ما كرّره بحذر مديراه في المؤتمر الصحافي، ٢٢ يناير، من دون انحياز لدولة احتلال صار الانحياز لها أشبه بالعرف في المجال الثقافي الألماني والفرنسي وعموم الغربي. ففي سؤال المدير الفني للمهرجان كارلو تشاتريان، عن المقاطعة الثقافية لألمانيا، أجاب بأن في المهرجان فيلمين فلسطيني [وثائقي عن تدمير الاحتلال لـ"مسافر يطا" قرب الخليل] وإسرائيلي، وأنهم لا يلغون أي فيلم تبعاً لبلده. وأنهم مهرجان دولي ويعطي مساحة سياسية، وأنّ "الداعين للمقاطعة يفعلون ذلك للفت النظر إلى ما هو مؤلم للجميع في العالم."

للعبارات الموزونة هنا ثقلها في أكبر مهرجان ثقافي ألماني، ومن بين الثلاثة الأكبر سينمائياً في العالم.

وفي وقت ألغيت فيه نقاشات ولقاءات حول فلسطين في أوروبا منذ أكتوبر، بدءاً من معهد العالم العربي في باريس وامتداداً إلى جامعات الولايات المتحدة، سيخصّص المهرجان ما سمّاه "Tiny House" (البيت الصغير) ليكون "مساحة للّقاء من أجل حوار مفتوح عن الحرب في غزة"، يشرف عليها ناشطان ألمانيّان، امرأة من أصل فلسطيني ورجل من أصل يهودي. والنظر في صفحة كل منهما على انستاغرام يوحي بميول كليهما، المرأة تحديداً، نحو إنهاء الحرب وإحلال السلام، وهو ما يُعتبر اليوم فعلاً متقدماً في دولة تعيش مكارثية متطرفة في كل ما خص فلسطين.

هذا ما يجعل المهرجان دولياً مترفّعاً عن زعرنات المؤسسات الوطنية الألمانية التي صارت خط الدفاع الثقافي الأول عن حرب الإبادة الجماعية التي يرتكبها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة.

حالة الحياد الإنساني التي تموضعَ فيها المهرجان إذن، لم تعطني سبباً لمقاطعته، مع توقّعي المسبق لموقف له متلائم مع أجواء الترهيب الثقافية في ألمانيا، وهو ما ترفّع عنه. لكن للمجلة الفلسطينية أسباب أخرى كي تحضر، لا أكتفي إذن برفض المقاطعة بل بضرورة الحضور.

المقاطعة المنادى بها أخيراً، أتت لجملة أسباب من بينها إلغاء الصوت الفلسطيني. تكون المقاطعة تضامنية من غير الفلسطينيين طالما بقي حضور الفلسطينيين ملغياً. من ذلك وجدتُ ضرورة في أن تكون المجلة هناك، لسببين أولهما تكريس التخصّص الثقافي في المجلة التي ساهمت في توسيع الصحافة الثقافية الفلسطينية وإعلائها، بذلك تحضر في هذا المهرجان (تحديداً) أو ذاك، صحافة ثقافية فلسطينية من خلال "رمّان"، ولا أعتقد أن في سجلات المهرجان جهة صحافية معتمَدة تمثل فلسطين، غيرنا. وفي السنوات الأخيرة صار للصحافة الفلسطينية مكان في مهرجانات "برلين" و"كان" و"سان سيباستيان"، مع أمل أن نتوسّع إلى فضاءات فنّية أخرى.

ثاني السببين لضرورة الحضور هو التحسّب لطارئ مستبعَد لكل ما أوردتُه أعلاه، وهو أن يهطل علينا فجأة برنامج إضافي لسينما إسرائيلية مثلاً، أو خطاب متلفز أو أي إشارة إلى أي نوع من الدعم لإسرائيل في المهرجان، لتكون المجلة حاضرة وأكتب من هناك عن الحاصل من داخله. لذلك احتمالان: أن يكتشفوا انتقادات هذه المجلة التي أعطوها اعتماداً فيلغوه فنصنع فضيحة، وأن يغضّوا الطرف فتكون الفضيحة نقدية على صيغة مقالات. لكن هذا السيناريو لما قد يكون طارئاً مفاجئاً، غير واقعي ولا محتمَل، لالتزام المهرجان ذي الثقل المعنوي والفني، بمؤتمره الصحافي وبياناته السابقة لانطلاقه. ستكون إذن، "رمّان"، هناك، بصفتها المجلة الفلسطينية الوحيدة التي تشقّ طريقها في صحافة تخصّصية ونقدية، لا تبنى تغطياتها على أخبار الوكالات الواصلة إلى المكاتب.

لا سبب للمقاطعة إذن، ولن تقوم المجلة بإلغاء ذاتها، وإنْ ألغاها المهرجان لن تبقى صامتة. تقابله أسباب للحضور، مقاوَمةً لحالة الإلغاء المفترَضة.

موقف مهرجان برلين السينمائي، الوازن، يستحق أن يكون موضع نقاش واعتبار للبناء عليه. مهرجان بهذا الحجم، في ألمانيا، لم يدِن أي فلسطيني منذ أكتوبر ولم يدعم أي إسرائيلي. هو ليس مؤيداً للفلسطينيين طبعاً، لكنه ببساطة ملتزم بمهنيّته السينمائية التي أخرجته عن منطق البلطجة الثقافية الألمانية. المقابل الموضوعي لهذا الموقف في -لنقُل- بلجيكا أو إسبانيا أو النرويج، هو تضامن إنساني صريح مع ضحايا الحرب في قطاع غزة. موقف ألماني كهذا يجب أن يكون حالة دراسة في كيفية استثماره والبناء عليه وتحويل مواقف دونه، تكون أميَل إلى الاحتلال، إليه، في مساحة تمهيدية لتقديم ونشر وتثبيت السردية الفلسطينية لهذه الحرب الإبادية، السردية التي تتسلّح بتبنّي محكمة العدل الدولية لها أخيراً. أما مطالبة المؤسسات الغربية بموقف متطابق مع عواطف أصحاب مطاعم "٧ أكتوبر" في الأردن ولبنان، فهي لا تتخطى حدود النكتة.

فلتكن المقاطعة مستهدِفة لجهات عينيّة، ولأسباب محدَّدة، لا إطاراً عاماً رخواً يتّسع للجميع يسهل الحكم فيه والمزاودة، ويسهل بالتالي تفنيده. فلتكن المقاطعة لغاية كسب الآخر لا عزلنا أكثر عنه. فلتكن المقاطعة موقفاً واعياً لغايته الكبرى، وهو النضال ضد إلغاء الفلسطيني، ضد إسكاته وتغييبه، لا سلوكاً لاواعياً لإلغاء الفلسطيني لذاته. فلتكن المقاطعة منهجاً فكرياً وفعلياً لا شعاراً كلامياً.

فلتقوَ المقاطعة الثقافية لكل مدينٍ للفلسطينيين أو داعمٍ لمحتلّهم، في ألمانيا وغيرها، ولكل ملغٍ لحضورهم ومحتفٍ بمحتلّهم. وليقاوم الفلسطينيون محاولات إلغائهم الثقافية، بإعلاء الصوت وتكبير الصورة وإثبات الحضور كيفما استطاعوا، ممثّلين عن بلد لم يتعب أهلها من مقاومة محاولاتِ محوٍ وجوديٍّ لهم، منذ أكثر من قرن.

 

رمان الثقافية في

16.02.2024

 
 
 
 
 

بداية سياسية لـ «برلين السينمائي» مع ثلاث احتجاجات سبقت حفل الافتتاح

برلين ـ «سينماتوغراف»

بعد أن بدأ مهرجان برلين السينمائي بمؤتمر صحفي مشاكس، أصبح أكثر سياسية حيث نزلت ثلاث مجموعات من المتظاهرين إلى ساحة بوتسدام قبل بدء احتفالات ليلة الافتتاح.

شهد الاحتجاج الأول حوالي 50 من العاملين في صناعة السينما يسيرون على السجادة الحمراء ممسكين بأيديهم. ثم أشعل المتظاهرون مصابيح هواتفهم اليدوية وهتفوا “دافعوا عن الديمقراطية!” بينما تم عرض نفس العبارة على شاشة Palast الكبيرة.

وتم إيقاف موسيقى السجادة الحمراء لهذه المناسبة، وارتدى المتظاهرون دبابيس كتب عليها “الأفلام تتحد والكراهية تفرق”. وكان منظمو برلينالة قد خططوا لهذه المظاهرة لتسليط الضوء على قرارهم بإلغاء دعوة أعضاء الحزب السياسي اليميني المتطرف "البديل من أجل ألمانيا".

وفي مكان آخر من ميدان بوتسدام، نظمت مجموعتان أخريان احتجاجات - إحداهما ضمت مجموعة من العاملين في مجال الفن يرفعون لافتات كتب عليها "لا مقاعد للفاشيين في أي مكان"، وأخرى نظمها عمال صناعة السينما الذين طالبوا بظروف عمل أفضل.

كان إلغاء دعوة برلين لأعضاء حزب البديل من أجل ألمانيا موضوعًا ساخنًا في المؤتمر الصحفي للجنة التحكيم الدولية صباح اليوم الخميس، حيث سُئلت الرئيسة لوبيتا نيونغو عما إذا كانت ستظل حاضرة في حفل الافتتاح لو بقيت دعوة السياسيين.

وقالت نيونغو: “لا أعرف خصوصيات وعموميات الوضع السياسي هنا”. "أنا سعيدة لأنني لست مضطرًة للإجابة على هذا السؤال".

لكن عضو لجنة التحكيم كريستيان بيتزولد، مخرج فيلمي "باربرا" و"فينيكس" الألماني، كان له وجهة نظر مختلفة.

وقال: "أعتقد أنه لا توجد مشكلة في وجود خمسة أشخاص من حزب البديل من أجل ألمانيا بين الحضور". "نحن لسنا جبناء. إذا لم نتمكن من قبول خمسة أشخاص من حزب البديل من أجل ألمانيا كجزء من الجمهور، فسوف نخسر معركتنا”.

يفتتح فيلم كيليان ميرفي «أشياء صغيرة مثل هذه» مهرجان برلين السينمائي مساء اليوم، بحضور مرشح «أوبنهايمر» لجائزة الأوسكار.

ويقام مهرجان برلين في الفترة من 15 إلى 25 فبراير.

 

####

 

برلين السينمائي 2024 |

لقطات حفل الافتتاح والعرض الأول لفيلم «أشياء صغيرة مثل هذه»

برلين ـ «سينماتوغراف»

قام مهرجان برلين السينمائي الدولي الرابع والسبعون بتمهيد السجادة الحمراء اليوم للفيلم الافتتاحي والعرض العالمي الأول لـ أشياء صغيرة مثل هذه، Small Things Like This، من إخراج تيم ميلانتس وبطولة كيليان مورفي، إيلين والش، ميشيل فيرلي وإيميلي واتسون.

الفيلم مأخوذ عن كتاب للكاتبة الأيرلندية الحائزة على جوائز كلير كيجان. تدور أحداثه خلال عيد الميلاد عام 1985، عندما يكتشف الأب المخلص وتاجر الفحم بيل فورلونج (مورفي) أسرارًا مذهلة يحتفظ بها الدير في مدينته، إلى جانب بعض الحقائق الصادمة الخاصة به.

ويكشف الفيلم حقائق عن مغاسل مجدلين في أيرلندا ــ وهي مصحات مروعة كانت تديرها مؤسسات الروم الكاثوليك في عشرينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1996، ظاهريا لإصلاح "الشابات الساقطات".

ومن بين الضيوف الآخرين الذين ساروا على السجادة في حفل الافتتاح رئيسة لجنة التحكيم الدولية لوبيتا نيونغو، ومات ديمون، وماريا شريدر، وكريستيان فريدل، وفيكي كريبس، وفيم فيندرز وغيرهم.

تشمل أبرز الأحداث الأخرى في تشكيلة 2024 فيلم لا كوسينا، من إخراج ألونسو رويز بالاسيوس وبطولة روني مارا؛ احتياجات المسافر، بطولة إيزابيل هوبرت؛ سبعة حجب، بطولة أماندا سيفريد؛ وفيلم Love Lies Bleeding للمخرجة أليس جلاس، من تأليف ويرونيكا توفيلسكا وبطولة كريستين ستيوارت.

وتترأس لوبيتا نيونغو لجنة التحكيم الدولية إلى جانب آن هوي، وكريستيان بيتزولد، وألبرت سيرا، وياسمين ترينكا، وأوكسانا زابوزكو. وستقوم باختيار الفائزين بجائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج وجائزة لجنة التحكيم الخاصة.

ويتنافس 20 فيلمًا على الجوائز في مسابقة هذا العام، وسيتم الإعلان عن الفائزين في قصر برليناله يوم 24 فبراير.

 

####

 

نظرة أولى |

فيلم «أشياء صغيرة مثل هذه» يثير أسئلة حول الصمت في مواجهة الفظائع

برلين ـ خاص «سينماتوغراف»

فيلم افتتاح برلين السينمائي 2024 (أشياء صغيرة مثل هذه، Small Things Like These)، متجذر بقوة في الثقافة والتاريخ الأيرلندي، واقتبسته الكاتبة المسرحية إندا والش من رواية كلير كيغان القصيرة التي تحمل الاسم نفسه، وهي رواية حائزة على جائزة أورويل، وتكمن القوة الرئيسية للفيلم في الترجمة الدقيقة للمخرج تيم ميلانتس، التي ترفع العمل إلى ما هو أبعد من الدراما الاجتماعية المباشرة، ليتحول إلى شيء أكثر فلسفية، يقدم من خلاله كيليان ميرفي أداءً مذهلاً ليكشف عن واحدة من أكثر الأحداث التاريخية المؤلمة.

تدور قصة الفيلم في أيرلندا داخل مغاسل المجدلية، وهي شركات تديرها الكنيسة والدولة الأيرلندية بشكل مشترك حيث يتم إرسال الأمهات غير المتزوجات للتوبة عن خطاياهن، والقيام بالأعمال الشاقة من أجل لقمة العيش، وفي النهاية يلدن أطفالهن للتبني، تشير تقديرات البحث الأكاديمي إلى أن 35000 امرأة أُجبرن على هذه الخدمة، ويُعتقد أن حوالي 1600 امرأة و6000 طفل ماتوا خلف جدران الأديرة، ولم يسأل أحد - على ما يبدو - عن السبب، وتم إغلاق آخر هذه المؤسسات عام 1996.

يتابع الفيلم بضعة أيام من حياة بيل "كيليان ميرفي"، تاجر الفحم في بلدة صغيرة خلال الأيام الباردة القارسة التي سبقت عيد الميلاد عام 1985، وله خمس بنات وشركة صغيرة، يعمل لساعات أطول من المعتاد لتلبية طلباته قبل عيد الميلاد. ويعد الدير المحلي، الذي يدير المدرسة المحلية للفتيات ومغسلة المجدلية، أحد عملائه، وتدور الحكاية حول الاكتشاف الذي قام به بيل في مخزن الفحم بالديرـ ليواجه بعدها تحذيرات مشفرة متزايدة ضد التحدث علنًا.

يكمن جزء من قوة الفيلم الصادمة في الطريقة التي يوضح بها الدور الذي تلعبه المرأة في دعم المعايير الأبوية العقابية في المجتمع. يعيش بيل في عالم تهيمن عليه النساء، وبالكاد يتفاعل مع أي رجل، ومع ذلك فإن هؤلاء النساء - من الراهبات أنفسهن، إلى زوجته إيلين، إلى صاحبة الحانة - هم الذين يحذرونه مرارًا وتكرارًا من التكاليف المحتملة نتيجة تدخله أو إعلانه عما رآه.

إن ما يميز "أشياء صغيرة مثل هذه" عن الحسابات الأخرى التي تظهر على الشاشة هو الطريقة التي تحول بها التركيز بعيدًا عن الضحايا من النساء ونحو المارة الذين وقفوا متفرجين وتجاهلوا المعاناة التي كانت تحدث، وعندما يواجه بيل لأول مرة أدلة على حدوث إساءة معاملة في الدير، كان من الواضح أنه شعر بالرعب، لكنه لم يتفاجأ. يحاول مرتعشًا إثارة الموضوع مع الآخرين وزوجته لكنها ترفض وتقول له : "هذا ليس من شأننا".

مغاسل المجدلية، كانت مصحات تديرها الكنيسة الكاثوليكية حيث يتم إيواء "النساء الساقطات" في ظروف عمل مسيئة، تمت تغطيتها في فيلم من قبل، وأبرزها بيتر مولن في فيلم "أخوات المجدلية" عام 2002.

الفيلم الجديد متوتر بشكل غير متوقع. ويمكن الشعور بهذا التوتر بقوة أكبر في المشاهد التي تدور أحداثها داخل الدير، والتي تتحول أحيانًا إلى نوع من الرعب، حيث يكتشف بيل امرأة شابة محبوسة في مخزن الفحم المتجمد، ترتجف، وقذرة، وعند بزوغ الفجر يعيدها إلى الدير، حيث قادته الرئيسة الأم (إميلي واتسون) عبر ممرات ثم أجبرته على الجلوس لتناول الشاي وكعكة الفاكهة، قبل إخضاعه لسلسلة من التهديدات المبطنة. هذا التناقض بين مكتب الأم الرئيسة الدافئ المضاء بالنار والنص الضمني المثير للأعصاب للمحادثة سيكون كوميديا سوداء تقشعر لها الأبدان.

لقد أثبت مورفي عدة مرات نجاحه في التقمص قبل قدرته على الأداء العبقري لشخصية روبرت أوبنهايمر - وهنا يوجه مرة أخرى تلك القدرة على نقل التعاطف العميق الذي يكمن وراء المظهر الخارجي قليل الكلام لبيل. حيث يدفع بطل الرواية السلبي المشاهد إلى الإحباط، لكن مورفي يبرز ما يكفي من خلال تلك العيون الزرقاء للسماح للمشاهد بمتابعة الفهم التدريجي لشخصيته، وهو فهم لا يتم التعبير عنه أبدًا بل يتم الشعور به فقط، ويُرى في أصغر التموجات عندما تعبر خيال بيل ووجه الهادئ.

بالفعل يتحرر النجم "كيليان مورفي" من شخصيته في فيلم "أوبنهايمر"، ليشعل غضباً جديداً مأساوياً مع أدائه العميق لشخصية بيل، لكن يظل السؤال قائماً: هل ستواجه ما تراه أم تبقى صامتاً؟.

يكمن جزء من قوة "أشياء صغيرة مثل هذه"، في انعكاسها للسياق الحالي - وخاصة الجدل المستمر الغاضب حول الصمت في مواجهة الفظائع المستمرة في غزة - فإن الأسئلة التي يثيرها الفيلم حول الآثار الأخلاقية للتحدث علناً تبدو حية أكثر من أي وقت مضى.

 

موقع "سينماتوغراف" في

16.02.2024

 
 
 
 
 

أبرز الأفلام المشاركة في مهرجان برلين السينمائي 2024

البلاد/ مسافات

افتتحت الليلة الدورة الرابعة والسبعون لمهرجان برلين السينمائي (برلينالة) بالعرض العالمي الأول لفيلم من بطولة الممثل كيليان مورفي. وتتسم الأفلام المشاركة في المهرجان بالتنوع من شتى بقاع العالم، بما في ذاك الشرق الأوسط.

وضجت السجادة الحمراء لمهرجان برلين السينمائي مرة أخرى بإطلالات النجوم والنجمات وصانعي الأفلام من شتى بقاع العالم حيث سيكون "برلينالة" فرصة رائعة ومثالية لعرض مئات الأفلام على مدار عشرة أيام خاصة وأن المهرجان، إلى جانب كان والبندقية، يعد واحدا من أكبر المهرجانات السينمائية في العالم.

تنطلق الدورة الرابعة والسبعون لمهرجان برلين في الخامس عشر من فبراير الجاري وتستمر حتى الخامس والعشرين من نفس الشهر. وسيكون افتتاح المهرجان بالعرض العالمي الأول لفيلم (Small Things Like This) أو " أشياء صغيرة كهذه" وهو عمل من إنتاج  أيرلندي-بلجيكي مشترك ومن إخراج تيم ميلانتس وبطولة سيليان مورفي إيلين والش وميشيل فيرلي وإميلي واتسون.

يسرد الفيلم الذي يشارك في المسابقة الرئيسية في المهرجان جانبا من أزمة "مغاسل المجدلية" في ايرلندا التي ادارتها أربع جماعات من الأخوات الكاثوليكيات منذ عشرينيات القرن التاسع عشر وحتى عام 1996، حيث جرى استعباد "شابات " جرى اعتبارهن "ساقطات".

تنوع الأفلام

ويتنافس عشرون فيلما هذا العام على أرفع جوائز المهرجان وهما "الدب الذهبي والدب الفضي" فيما تترأس لجنة التحكيم لوبيتا نيونغو، الممثلة المكسيكية-الكينية الحائزة على جائزة "أوسكار".

وتضم لجنة التحكيم ستة أعضاء هم الممثل والمخرج برادي كوربيه من الولايات المتحدة والمخرجة آن هوي من هونغ كونغ والمخرج الألماني كريستيان بيتزولد والمخرج الإسباني ألبرت سيرا والممثلة والمخرجة الإيطالية جاسمين ترينكا والكاتبة الأوكرانية أوكسانا زابوزكو.

سيكون افتتاح مهرجان برلين بالعرض العالمي الأول لفيلم (Small Things Like This) أو " أشياء صغيرة كهذه"صورة من: Shane O’Connor

وتتميز الأفلام المنافسة بأنها إنتاج مشترك ما يعني أنها تمثل 30 دولة أبرزها ثلاث أفلام تمثل القارة السمراء التي غابت عن النسخة الماضية من المهرجان.

سيكون المهرجان  فرصة لعرض الأفلام الثلاثة وهي فيلم "شاي أسود" للمخرج الموريتاني عبدالرحمن سيساكو الذي ذاع صيته عقب فيلمه "تمبكتو" الذي توج بجائزة "سيزار" الفرنسية لأفضل فيلم عام 2015 ورُشح عام 2014 لجائزة الأوسكار.

تدخل المخرجة التونسية مريم جبور السباق بفيلمها الطويل الأول "إلى من أنتمي؟" وهو فيلم تونسي-فرنسي يروي قصة أم تتفاجأ بعودة نجلها الذي انضم إلى داعش.

وتشارك المخرجة الفرنسية السنغالية ماتي ديوب في المسابقة بفيلمها الوثائقي "داهومي" الذي يدور حول إعادة 26 من الكنوز الملكية لمملكة داهومي إلى بنين. ذاع صيت المخرجة ديوب عند اختيار فيلمها "أتلانتيكس" للمنافسة على السعفة الذهبية في مهرجان كان السينمائي عام 2019.

وعلى الصعيد الدولي أيضا، تسجل نيبال أول مشاركة لها في تاريخ مهرجان برلين السينمائي بفيلم "شامبالا" للمخرج مين باهادور بام.

تترأس لجنة التحكيم في مهرجان برلين لوبيتا نيونغو، الممثلة المكسيكية-الكينية الحائزة على جائزة "أوسكار"صورة من: Nick Barose

يعود المخرج الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو، الحائز على جائزة الدب الفضي ثلاث مرات، إلى المنافسة مرة أخرى مع فيلم (A Traveler's Needs) من بطولة الممثلة والمنتجة الفرنسية إيزابيل هوبرت التي سوف يتم تكريمها في المهرجان، لكنها لن تتمكن من الحضور.

ومن بين الأفلام المنافسة فيلم (My Favorite Cake) أو (كعكتي المفضلة) وهو أحدث أعمال الثنائي الاخراجي الإيراني مريم مقدم وبهتاش سنيحة اللذان لن يشاهدا العرض العالمي الأول لفيلمهما بسبب منع السلطات الإيرانية سفرهما.

وقد ناشد منظمو مهرجان برلين السماح للمخرجين بالسفر بسبب أنهما "ممنوعان من السفر حيث جرى مصادرة جواز سفريهما ويلاحقان أمام المحاكم بسبب عملهما كفنانين وصانعي أفلام".

وينافس فيلم (كعكتي المفضلة) على جائزة "الدب الذهبي"، أرفع جوائز المهرجان.

ويشارك في المنافسة فيلم "بيبي" الذي اعتبره المدير الفني لمهرجان برلين كارلو شاتريان بأنه أكثر الأفلام التي من الصعب تصنيفها.

ويسرد الفيلم وهو من إخراج نيلسون كارلو دي لوس سانتوس أرياس، قصة فرس نهر يتم نقله من أفريقيا إلى كولومبيا حيث يعيش في حديقة حيوان يمتلكها تاجر المخدرات سيء السمعة بابلو إسكوبار. يروى أحداث الفيلم فرس النهر نفسه.

أفلام أوروبية في صدارة الترشيحات

وتشارك في المسابقة أفلام ألمانية وفرنسية وإيطالية بما في ذلك فيلم "من هيلدا..مع الحبّ" للمخرج الألماني المخضرم أندرياس دريسن. يستند الفيلم إلى قصة حقيقة عن مقاومين مناهضين للنازية ضمن مجموعة عُرفت باسم "الأوركسترا الحمراء".

ويتنافس أيضا المخرجان الفرنسيان برونو دومونت وأوليفييه أساياس على أعرق جوائز المهرجان إلى جانب المخرجة الفرنسية كلير برجر الحائزة على جائزة "الكاميرا الذهبية" في مهرجان كان.

دعم الحوار في ظل الحرب في غزة

يُنظر إلى برلينالة باعتباره أكثر المهرجانات الأوروبية ذات الطابع السياسي. وفي هذا السياق، أعرب المدير الفني كارلو شاتريان والمديرة التنفيذية ماريت ريسينبيك عن تعاطفهما مع "جميع ضحايا الأزمات الإنسانية في الشرق الأوسط وأماكن أخرى".

وأضاف "نحن في حالة قلق إزاء انتشار حوادث معاداة السامية والعداء للمسلمين وخطاب الكراهية سواء في ألمانيا أو حول العالم. يهدف المهرجان إلى خلق مساحة للحوار حول الحرب في غزة."

الجديد بالذكر أن الدورة الرابعة والسبعون لمهرجان برلين السينمائي ستكون الأخيرة للقيادة الثنائية للمهرجان المتمثلة شاتريان وريسينبيك.

وستٌقام منصة "البيت الصغير" لتبادل الآراء في الفترة ما بين 17 و19 فبراير في ساحة "بوتسدام" في قلب مهرجان برلين فيما جاء المشروع كنتاج عمل مشترك بين الناشطة الألمانية-الفلسطينية جوانا حسون والناشط الألماني-الإسرائيلي شاي هوفمان اللذين عملا معا لعدة سنوات لتثقيف الناس حول الصراع في الشرق الأوسط.

وعلى هامش المهرجان، سوف تقام حلقة نقاشية تحت عنوان "صناعة الأفلام في أوقات الصراع".

وفي قسم البانوراما، يشارك فيلمان هما الوثائقي "لا أرض أخرى" وهو إنتاج فلسطيني-إسرائيلي مشترك وفيلم "يوميات من لبنان" للمخرجة مريم الحاج.

واحتجاجا على الدعم الألماني لإسرائيل، قرر المخرج الغاني أيو تساليثابا سحب عمله المشارك في قسم المنتدى الموسع في المهرجان حيث قال أنه قرر الانضمام إلى حملة "مقاطعة ألمانيا" الرامية إلى مقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية.

وعقب موجة انتقادات شديدة بعد توجيه دعوة لخمسة سياسيين من حزب "البديل من أجل ألمانيا" الشعبوي اليميني لحضور حفل الافتتاح، قرر منظمو المهرجان إلغاء الدعوة.

نجوم على السجادة الحمراء

وسيكون المهرجان فرصة للاحتفاء بنجوم ونجمات من جميع أنحاء العالم إذ سيحصل المخرج مارتن سكورسيزي على جائزة الدب الذهبي الفخرية عن إنجازاته طوال حياته.

وخلال المهرجان، سيكون العرض العالمي الأول لفيلم (Spaceman) أو (رجل الفضاء) من إنتاج شبكة نتفليكس بحضور بطلا العمل آدم ساندلر وكاري موليجان.

ويعد فيلم (A Different Man) أو  (رجل مختلف) العمل الوحيد الذي عُرض في السابق قبل عرضه في مهرجان برلين حيث عُرض لأول مرة عالميا في مهرجان صندانس السينمائي.

ويسدل الستار عن مهرجان في الرابع والعشرين من الشهر الجاري بحفل ختامي، حيث سيتم الإعلان عن الفائزين بجوائز الدببة الذهبية والفضية.

 

####

 

مؤسسة البحر الأحمر حاضرة بقوة في مهرجان برلين السينمائي بأربعة أفلام

البلاد/ مسافات

تشارك مؤسسة البحر الأحمر بقوة في مهرجان برلين السينمائي للعام 2024 من خلال عرض أربعة أفلام مميزة؛ في خطوة تهدف إلى تعزيز صناعة السينما في المنطقة العربية وقارتي آسيا وإفريقيا من خلال تعاوناتها ونشاطاتها في المهرجانات العالمية الكبرى.

الأفلام المدعومة من صندوق البحر الأحمر، هي "ماء العين"، "الشاي الأسود"، "متل قصص الحب"، و"الرحلة الأخيرة"؛ إضافة إلى الفيلم المشارك في قسم قيد الإنجاز في سوق البحر الأحمر "الناجون من العتمة".

جاءت مشاركة الأفلام الأربعة في مهرجان برلين السينمائي في دورته الـ74 على النحو التالي:

- فيلم "ماء العين" و"الشاي الأسود" يشاركان في قسم المسابقة الرسمية.

- فيلم "متل قصص الحب" و"الناجون من العتمة" فهما يشاركان في قسم أفلام البانوراما.

- فيلم "الرحلة الأخيرة" يشارك في سوق الإنتاج المشترك في المهرجان.

وانطلقت مساء الخميس، أولى فعاليات الدورة الـ 74 من مهرجان برلين السينمائي بمشاركات سينمائية من كل قارات العالم وبأكثر من 20 لغة، بما في ذلك اللغة العربية التي يمثلها الفيلم التونسي "إلى من أنتمي"، والفيلم المصري- الأردني "سكون"؛ ويستمر المهرجان لمدة 10 أيام في الفترة من 15 إلى 25 فبراير؛ بمشاركة نجوم السينما العالمية والعربية.

ويشهد المهرجان في دورته الحالية تنافس عشرين فيلمًا على جوائز المهرجان الأعلى تقدير "الدب الذهبي" و"الدب الفضي"؛ وافتتح المهرجان بالعرض العالمي الأول لفيلم "Small Things Like This".

 

البلاد البحرينية في

17.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004