ملفات خاصة

 
 
 

في مهرجان برلين السينمائي لا مكان للمتطرفين

ينطلق اليوم في جو من التوتر وتكريم سكورسيزي يعوض الغياب الأميركي

هوفيك حبشيان

برلين السينمائي

الدورة الرابعة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

مهرجان برلين السينمائي يفتتح هذا المساء دورته الرابعة والسبعين في جو يسوده التوتر والتجاذبات السياسية والخلافات العقائدية. فقبل أسبوع من انطلاق هذا الحدث الدولي البارز الذي يستمر من 15 إلى 25 فبراير (شباط)، قررت الإدارة سحب الدعوة إلى حضور حفلة الافتتاح التي كانت وجهتها إلى أربعة من أعضاء حزب "البديل من أجل ألمانيا" المُصنّف من الأحزاب اليمينية المتطرفة، بعدما تحولت تلك الدعوة مادة للجدال والأخذ والرد في الإعلام التقليدي وعلى وسائط التواصل الاجتماعي.

وتبين أيضاً أن استضافة هؤلاء، كانت موضوع خلاف حاد داخل أروقة المهرجان وفي صفوف فريق العمل. علّقت الادارة في بيان: "الالتزام بمجتمع حر ومتسامح والوقوف ضد تطرف اليمين هما الحمض النووي للمهرجان الذي خضع طوال عقود لقيم الديمقراطية وناهض كل أشكال التطرف اليميني. ويجسّد "البرليناله" كمؤسسة ثقافية بمجموعة الأفلام التي يعرضها، هذا التوجه. وقد أشرنا مراراً إلى أننا نتابع بقلق مدى تزايد معاداة السامية والاستياء من المسلمين وخطاب الكراهية وغيرها من المواقف المناهضة للديمقراطية والتمييزية في ألمانيا. (...) يتبنّى حزب "البديل من أجل ألمانيا" والعديد من أعضائه وممثّليه وجهات نظر تتعارض بشدة مع القيم الأساسية للديمقراطية: مطالبة بمجتمع متجانس، فرض قيود على الهجرة والترحيل الجماعي، عنصرية وتصريحات معادية للمثليين، رؤية تحريفية للتاريخ الألماني، هذا كله شديد الحضور في صفوف هذا الحزب. في زمن ينتقل فيه المتطرفون اليمينيون إلى البرلمانات، يود "البرليناله" تسجيل موقف صريح من خلال سحب هذه الدعوة". 

يأتي هذا الرفض لجهة سياسية في وقت يعاني المهرجان من صراعات على محاور عدة، مصدر أحدها الحرب على غزة التي تلقي بظلالها الثقيلة على الغرب عموماً وألمانيا خصوصاً. فبعد محاولة مفوّض الشؤون الثقافية جو شيالو فرض شروط على المؤسسات المستفيدة من المال العام تلتزم بموجبها عدم التعرض لدولة إسرائيل، مصنّفاً أي نقد للصهيونية في خانة معاداة السامية، قامت حملة كبيرة ضد هذه المبادرة بمقاطعة المؤسسات الثقافية الألمانية. ووفق المدير الفني للمهرجان كارلو شاتريان، فقط اثنان انسحبا منه بعدما كان تم اختيار أفلامهما، لكنه يوضّح أن ثمة لغطاً في هذا الصدد لأن "البرليناله" لا يتلقى دعماً من المدينة بل من الحكومة الفيدرالية الألمانية. وأشار إلى أن المهرجان للجميع بلا استثناء بل هو مكان للحوار بين الأضداد. ويحدث هذا كله في سياق سياسي شديد الانحياز لإسرائيل، فنتج منه حظر وتهميش ومحاولة إلغاء لعديد من الأصوات المناصرة للقضية الفلسطينية منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، ممّا أدى إلى استياء، خصوصاً في الوسط الثقافي، من هذا التضييق على الحريات التي تعيشه ألمانيا بشكل غير مسبوق.

سجال سياسي وفني

المسألة الأخرى التي أحدثت سجالاً منذ الإعلان عنها قبل أشهر، هي عدم رغبة الثنائي مارييته ريسنبيك (مديرة تنفيذية) وكارلو شاتريان (مدير فني)، اللذين يتوليان شؤون المهرجان منذ عام 2020 (الدورة التي شهدت تفشي كورونا) في الاستمرار على رأس "البرليناله"، بعدما تعرضا لضغوط من وزيرة الثقافة كلوديا روث التي في جعبتها مخططات أخرى على ما يبدو. شاتريان كان قد أعلن استقالته من إدارة المهرجان في سبتمبر (أيلول) الماضي، وهذه آخر دورة له، نتيجة رغبة وزارة الثقافة دمج وظيفتي المدير التنفيذي والمدير الفني، والعودة إلى النموذج الذي كان معمولاً به سابقاً في أيام المدير السابق ديتر كوسليك. كتب شاتريان يقول: "اعتقدتُ أن من الممكن تسهيل الاستمرارية إذا بقيتُ جزءاً من المهرجان، ولكن في إطار الهيكلة الجديدة، بات من الواضح تماماً أن الظروف التي تسمح لي بالاستمرار كمدير فني لم تعد قائمة". هذا الأمر لم يمر بلا انتباه، إذ وقّع نحو 300 شخصية سينمائية على بيان للمطالبة بإبقائه والاحتجاج على القرار، ومن بين الموقعين بعض الأسماء البارزة كمارتن سكورسيزي. في أي حال، فور انتهاء الدورة الحالية، سيصبح اسم كارلو شاتريان من الماضي، بعدما عُيِنت الأميركية تريسيا توتل خلفاً له، وهي كانت أدارت سابقا مهرجان لندن السينمائي. 

على مستوى البرمجة، هناك تغييرات في هذه الدورة تشمل خصوصاً عدد الأفلام الذي تم تخفيضه من 285 فيلماً في الدورة الماضية إلى نحو 200 في الدورة الحالية. والحق يُقال أن "البرليناله" كان أحد أكثر المهرجانات ازدحاماً حدّ أن الأفلام تتيه وسط الزحمة والكم. على رغم أن الجمهور ضخم إذ يتجاوز الـ400 ألف مشاهد في كل دورة، وهذا مرتبط بواقع أن المهرجان يُقام في مدينة ضخمة يقيم فيها نحو 4 ملايين نسمة. لكن التضخم الذي شهدته السنوات الماضية والتكلفة العالية للحياة، لا سيما بعد الصراع الروسي- الأوكراني، وعدم زيادة الموازنة المرصودة، جعلت المهرجان يلجأ إلى خيار إلغاء بعض الأقسام (في مقدّمها قسم مخصص للسينما الألمانية) والتقليل من عدد الأفلام المشاركة. إلا أن المسابقة لم تُمَّس، وعدد الأفلام المعروضة فيها هذا العام هو 20 وينطوي على عدد غير قليل من الأعمال التي تحمل تواقيع سينمائيين غير مكرسين أو لا يزالون في مقتبل مسارهم الفني، وسيتسابقون مع بعض الأسماء الكبيرة على "الدببة" الذهبية والفضية وغيرها من الجوائز التي تمنحها لجنة تحكيم، تترأسها الممثّلة المكسيكية من أصل كيني لوبيتا نيونغو في الرابع والعشرين من هذا الشهر.

من الأسماء المعروفة المشاركة في مسابقة هذا العام: الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو والروسي فيكتور كوساكوفسكي والموريتاني عبد الرحمن سيساكو والفرنسيان برونو دومون وأوليفييه أساياس والألماني أندرياس درايسن، فيما تشارك التونسية مريم جوبار بفيلم هو العربي الوحيد في المسابقة، إذا ما اعتبرنا سيساكو غير عربي. من اللافت هذا العام الحضور الخجول للسينما الأميركية داخل المسابقة، فهناك فيلم أميركي واحد فقط، وهذا كان العيب الذي يشكو منه المهرجان في السنوات الماضية. يبدو أن الأميركيين باتوا يفضّلون سجادة "كانّ" الحمراء وسحر البندقية الذي لا يُقاوَم على برلين وشتائها القارص لترويج أعمالهم. إلا أن هذا الغياب يعوضه حضور المخرج الأميركي الكبير مارتن سكورسيزي الذي سيُسلَّم جائزة فخرية عن مجمل أعماله، وهي جائزة أُسندت إلى زميله ستيفن سبيلبرغ العام الماضي. حضوره لن يكون فقط لغرض التكريم، بل سيقدّم درساً، انطلاقاً من تجربته داخل جدران ما يُعرف بـ"مواهب البرليناله"، كما أنه سيعرض أحدث أعماله "صُنع في إنجلترا: أفلام باول و برسبرغر"، وهما المخرجان اللذان اكتشفهما مخرج "سائق تاكسي" عندما كان صغيراً وربطته بها علاقة خاصة جداً يروي فصولها في هذا العمل الوثائقي.

فيلم الافتتاح، "أشياء صغيرة كهذه"، مستوحى من رواية بالعنوان نفسه للروائية الإيرلندية كلير كوغان، من إخراج البلجيكي تيم ميلانتس (44 سنة) الذي يقدّم هنا فيلمه الروائي الطويل الثالث، علماً ان باكورته "باتريك" عن مغامرات طفل في مدينة عراة، كان لفت الأنظار. لكن مع جديده هذا الذي سنكتشفه هذا المساء، ينتقل إلى مستوى إنتاجي آخر، لكونه أعطى الدور الرئيس فيه للممثل كيليان مرفي المرشح حالياً لـ"أوسكار" أفضل ممثل عن دوره في "أوبنهايمر". تجري الأحداث في عام 1985، في الفترة التي تسبق عيد الميلاد في بلدة صغيرة في مقاطعة ويكسفورد، إيرلندا. يكدح بيل فورلونغ كتاجر فحم لإعالة نفسه وزوجته وبناته الخمس. في وقت مبكر من صباح أحد الأيام أثناء خروجه لتوصيل الفحم إلى الدير المحلي، يكتشف اكتشافاً يجبره على مواجهة ماضيه والصمت المتواطئ لمدينة تسيطر عليها الكنيسة الكاثوليكية.

 

####

 

مهرجان برلين السينمائي ينطلق مع فيلم من بطولة كيليان مورفي

(فرانس برس)

ينطلق مهرجان برلين السينمائي، الخميس، مع عرض عالمي أوّل لفيلم أيرلندي يؤدي بطولته الممثل كيليان مورفي المشارك في سباق الأوسكار، على وقع توترات عالمية مرتبطة بالحرب في الشرق الأوسط وأوكرانيا.

وقالت رئيسة لجنة تحكيم "برليناله"، الممثلة المكسيكية الكينية لوبيتا نيونغو، خلال مؤتمر صحافي لمناسبة انطلاق المهرجان: "أعتقد أننا هنا لنرى كيفية تفاعل الفنانين مع ما يحصل في العالم الذي نعيش فيه الآن. أشعر بالفضول لرؤية ما يفعلونه".

لوبيتا نيونغو هي أول شخصية من أصحاب البشرة السوداء في تاريخ "برليناله" تترأس لجنة التحكيم، المسؤولة عن الاختيار بين عشرين فيلما تتنافس على جائزة الدب الذهبي، أرفع مكافأة في المهرجان.

ويشكل هذا الحدث في برلين، الذي يقام في الفترة من 15 إلى 25 فبراير/ شباط الحالي، باكورة المهرجانات الأوروبية السنوية الثلاثة الكبرى، قبل مهرجان كان الفرنسي في مايو/ أيار والبندقية الإيطالي في سبتمبر/ أيلول.

ويقدّم مهرجان برلين في نسخته الرابعة والسبعين برنامجاً متنوعاً، مع مخرجين وممثلين من جميع أنحاء العالم ونجوم وأفلام وثائقية سياسية وسينما فنية وتجريبية.

كيليان مورفي نجم الافتتاح

يفتتح فيلم "سمول ثينغز" من بطولة كيليان مورفي، سلسلة العروض السينمائية للأفلام العشرين المشاركة في المسابقة.

وهذا العمل مقتبس من كتاب حقق مبيعات كبيرة للكاتبة الأيرلندية كلير كيغان، تدور أحداثه المستندة إلى قصة حقيقية عن أمهات عازبات يتعرضن للاستغلال على يد راهبات كاثوليكيات.

وفي الفيلم، الذي أخرجه البلجيكي تيم ميلانتس، يؤدي كيليان مورفي دور أب مخلص يكتشف سراً عن الراهبات اللواتي مارسن بين عشرينيات القرن العشرين وتسعينياته ما يشبه الاستعباد في الأديرة بحق شابات بعد إرسال أبنائهنّ المولودين من دون زواج للتبنّي.

وقال الإيطالي كارلو شاتريان، الذي يشارك في إدارة مهرجان برلين للمرة الأخيرة مع الهولندية مارييت ريسنبيك، في تصريحات أدلى بها أخيراً: "نحن مقتنعون بأن هذه القصة التي تجمع بين الطيبة تجاه الأشخاص الأكثر ضعفاً، والرغبة في الوقوف ضد الظلم، سيكون لها صدى لدى الجميع". وستتولى إدارة المهرجان العام المقبل الأميركية تريشيا تاتل.

ومن بين النجوم المنتظرين في برلين، سيحصل المخرج الأميركي الشهير مارتن سكورسيزي على جائزة الدب الذهبي الفخرية عن مسيرته المهنية.

توترات سياسية

يقام المهرجان، الذي عُرف على امتداد تاريخه بالتزامه السياسي، وسط توترات عالمية كبيرة هذا العام.

وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقدته لجنة التحكيم الخميس، سأل أحد الصحافيين لوبيتا نيونغو والمخرج الألماني كريستيان بيتزولد حول توقيعهما على رسالة مفتوحة في ديسمبر/ كانون الأول الماضي تدعو إلى وقف إطلاق النار في غزة. وأجاب المخرج الألماني: "أنا دائما مع السلام وأؤيد النقاش، وهو ما نأمل أن نفعله هنا".

ورداً على سؤال حول قرار إدارة المهرجان إلغاء دعوة كانت موجهة إلى سياسيين من "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف لحضور حفل الافتتاح، اعتبر كريستيان بيتزولد أن حضور هؤلاء "الرجال الخمسة" الحدث ليس مهماً.

وقال وسط تصفيق الحاضرين: "هناك مئات الآلاف من الأشخاص (في ألمانيا) يتظاهرون ضدهم، وهم أهمّ بكثير من هؤلاء الأشخاص الخمسة".

حضور أفريقي ملحوظ

رحبت لوبيتا نيونغو بالعدد الكبير غير المعتاد من الأفلام الأفريقية التي تتنافس على جائزة الدب الذهبي (ثلاثة)، أو تلك المشاركة عموماً في الـ"برليناله". وقالت: "أتشوق لمشاهدة هذه الأعمال وسأتطلع دائماً لرؤية المزيد منها" في المهرجان.

وحتى الآن، لم يفز أي مخرج سينمائي أفريقي بجائزة الدب الذهبي.

ويتضمن برنامج المهرجان فيلم "لو روتور" (Le Retour) عن استعادة بنين كنوز أبومي الملكية التي جرى الاستيلاء عليها في مرحلة الاستعمار، وهو وثائقي للفرنسية السنغالية ماتي ديوب Le Retour (الفائزة بالجائزة الكبرى في مهرجان كان 2019 عن فيلم "أتلانتيك").

أما المخرج الموريتاني عبد الرحمن سيساكو الذي لم يصور أيّ فيلم منذ نجاح "تمبكتو" وحصوله على جائزة سيزار لأفضل مخرج عام 2015، فيعود من خلال مهرجان برلين بفيلم "بلاك تي" (Black Tea)، وهو قصة حب في الجالية الأفريقية في غوانجو.

وستكون تونس ممثلة بفيلم "ماء العين"، وهو أول شريط روائي طويل للمخرجة مريم جعبر.

وبعد مرور عامين على خوضه مسابقة مهرجان كان بفيلم "فرانس" (France) يعود برونو دومون بفيلم "لامبير" (L'Empire)، وهو مستوحى من "حرب النجوم" بنكهة شمال فرنسا، حيث صُوّر.

ويشارك في الفيلم الممثل الفرنسي فابريس لوكيني والممثلات البارزات أناماريا فارتولوميه والجزائرية لينا خودري وكاميّ كوتان.

 

الـ The Independent  في

15.02.2024

 
 
 
 
 

غياب السينما المصرية.. «كلاكيت خامس مرة»!

طارق الشناوي

السياسة جزء حميم ومؤثر في مهرجان برلين، وهكذا وقّع عدد من العاملين الفنيين داخل إدارة مهرجان برلين بيانا ضد استهداف المدنيين في غزة وطالبوا العالم بالتدخل الفورى، لإيقاف نزيف الدم والنيران التي تغتال الأبرياء.

في العام الماضى افتتح برلين في ذروة الحرب الروسية الأوكرانية وانحاز المهرجان الأوروبى في كل فعالياته إلى موقف أوكرانيا، وقدم فيلما تسجيليا للممثل والمخرج الأمريكى شون بين يحاور الرئيس الأوكرانى زيلينسكى، ولم يكتف بهذا القدر، بل منحه في نهاية اللقاء (الأوسكار) الشرفى، وشهدت السجادة الحمراء في الافتتاح انحياز نجوم العالم تأييدا لأوكرانيا، خفت هذه الدورة حضور التعاطف مع أوكرانيا، وصارت غزة هي العنوان.

أكد البيان الصادر عن قطاع من العاملين في المهرجان أن هذا هو الهدف الأسمى للمهرجانات، وتلك كانت أول رسالة عند انطلاق المهرجان عام 1951 في أعقاب هزيمة ألمانيا وتقسيمها إلى شرقية وغربية، ومهرجان برلين ينتمى إلى الجزء الغربى، ولاتزال أجزاء من سور برلين تعرض في العديد من ميادين برلين القريبة من فعاليات المهرجان لكى يستعيد العالم تلك السنوات قبل وحدة برلين 1990.

شعار المهرجان منذ البدء هو التصدى للتطرف والعنف في العالم، وهكذا استجابت الإدارة قبل ذلك لاحتجاج عدد من السينمائيين والمثقفين في ألمانيا، بعد أن وجهوا الدعوة لخمسة ينتمون لحزب يمينى متطرف (البديل من أجل ألمانيا) ليصبحوا ضيوف شرف للمهرجان، حيث إن الحزب له مواقفه ضد اللاجئين ويعادى الديمقراطية، ولديه نظرة ضيقة بقدر ما هي متطرفة ضد الأقليات، وجزء من الرأى العام في ألمانيا عبر عن غضبه بتوجيه رسائل على (السوشيال ميديا)، وتم إطفاء الحريق بإلغاء الدعوة، ولم يكن هناك حل آخر، وهذا يعد ذكاء من الإدارة، لأن الإصرار على الموقف بدعوتهم سيؤدى قطعا إلى سرقة الكاميرا من الأفلام والندوات، ويحيل الأمر إلى تراشق سياسى، ويخفت بعدها حضور المهرجان في (الميديا).

الانحياز للمرأة وجه مؤثر جدا في المهرجان، بل أراه أحد أهدافه، فهو يحرص في كل دوراته على حضور المرأة في مختلف التظاهرات، وبقسط وافر من الأفلام، تشكل ما يقترب من 50 في المائة من الأفلام الرسمية في مختلف المسابقات، ولا يعنى ذلك انحيازه للمرأة لكونها امرأة، ولكن الإبداع أولا والمرأة ثانيا، أي أنه يشترط تفرد العمل الفنى هذا العام مثلا اختيرت الممثلة السمراء لوبيتا نيونجو الحاصلة على جائزة الأوسكار ممثلة مساعدة قبل عشر سنوات، عن فيلمها (12 عاما من العبودية)، وذلك قبل نحو 8 سنوات وهو ليس انحيازا بسبب لون البشرة بقدر ما يحمل رسالة في المقام الأول إبداعية.

قبل سنوات ضرب المهرجان مثلا عمليا في توصيل رسالة أن ألمانيا في زمن المستشارة أنجيلا ميركل تفتح الباب أمام المهاجرين من العالم للشاطئ الآخر، خاصة السوريين تحديدا، وكانت الطباخة الرسمية للمهرجان سيدة سورية هربت هي وعائلتها إلى ألمانيا.

دأب المهرجان الذي تفتح مساء اليوم دورته رقم 74 على تحطيم كل ما دأبنا على اعتباره قواعد عصية على الاختراق، مثلا قبل ثلاث دورات تم إلغاء جائزة أفضل ممثل وممثلة، اعتبرت إدارة المهرجان أن الفصل في النوع (رجل أم امرأة) لا معنى له، وطالما لا توجد جائزة لأفضل مخرجة وأخرى لأفضل مخرج، فلماذا التفرقة بين الممثلين، وهكذا صارت جائزة واحدة تحمل اسم (التمثيل) يحصل عليها رجل أو امرأة.

يفتتح المهرجان بفيلم (أشياء صغيرة مثل هذه) بلجيكى أيرلندى مشترك، إخراج تيم ميلانتس وبطولة كيليان مورفى.. غيابنا حقيقة، مفروض أنها مؤلمة، لكن تعايشنا مع الغياب.هناك حضور عربى في العديد من التظاهرات، تونس (ماء العين) للمخرجة مريم جوبار، وأيضا موريتانيا (الشاى الأسود) عبدالرحمن سيساكو، لبنان في قسم البانوراما بفيلم (مثل قصص الحب) وغيرها.

عدد من زملاء المهنة من النقاد والصحفيين تحملوا المشقة المادية من أجل حضور فعاليات (برلين)، في ظل الظروف الاقتصادية الحالية، ورغم ذلك ألاحظ في كل عام تواجد زملاء جدد سواء في برلين أو كان، مما يعنى أن الشغف بالمهرجانات الكبرى لايزال له سطوته على الزملاء، خاصة الشباب. قبل سنوات كانت قناة (نايل سينما) التابعة للتليفزيون المصرى تحجز مكانا لتقديم تغطية مميزة، أتصور أن الأمر بات صعبا هذه المرة.

عندما نتحدث عن (برلين) عبر التاريخ، نتوقف قطعا بكل تقدير أمام يوسف شاهين الذي شارك أكثر من مرة بأفلام مثل (باب الحديد) 1958 واقترب كما يحكى هو كثيرا من جائزة أفضل ممثل عن دوره الأثير (قناوى)، وهذا الفيلم الاستثنائى هو أيضا أول فيلم مصرى شارك في نفس العام ممثلا للسينما المصرية لاختيار أفضل فيلم في الأوسكار.

يوسف شاهين شارك بعدها بعام بفيلم (جميلة) الذي يتناول حياة المناضلة الجزائرية جميلة بو حيرد، ويومها نددت فرنسا بالفيلم وانتقدت المهرجان الألمانى الذي انحاز لفيلم يناصر المقاومة المسلحة ضد فرنسا، وقالت ماجدة الصباحى، في أكثر من لقاء، إنه كانت هناك خطة لاغتيالها، ولهذا كانت تصاحبها في المهرجان حراسة مشددة.

أما أهم الجوائز التي حصلنا عليها ليوسف شاهين لجنة التحكيم الخاصة (الدب الفضى) عن فيلم (إسكندرية ليه) عام 1979، الفيلم ضرب في كل الاتجاهات وتناول التسامح بين الأديان، انتقد الفساد ووجه الدعوة من أجل التوافق بين كل الجنسيات والأديان في مدينة الإسكندرية، كانت تعد نموذجا لمفهوم (الكوزموبوليتان)، وكالعادة هناك من حاول قراءة سياسية للفيلم لأنه يقدم الشخصية اليهودية بإيجابية.

ويبقى ماثلا أمامنا هذا الغياب السينمائى عن برلين وغيره من المهرجانات الكبرى، هل صار قدرنا الذي علينا التعايش معه هو حضور الغياب؟!.

 

المصري اليوم في

15.02.2024

 
 
 
 
 

مشاركات عربية لافتة وتكريم سكورسيزي أبرز ملامح الدورة الـ74 للـ"برلينالة"

 أحمد العياد

إيلاف من برلينتنطلق غدا الخميس الدورة الـ74 لمهرجان برلين (برلينالة) الذي يفتتح بالعرض السينمائي الأول لفيلم "أشياء صغيرة كهذه" (Small Things Like This)، إنتاج أيرلندي-بلجيكي مشترك، إخراج تيم ميلانتس، وبطولة كيليان مورفي، إيلين والش، ميشيل فيرلي، وإميلي واتسون.

المهرجان الذي يبدأ يوم 15 فبراير، ويسدل الستار على فعالياته في الـ25 منه، سيتيح أمام جمهور السينما الاستمتاع خلال عشرة أيام بمشاهدة عدد كبير من الأفلام من بينها 20 فيلمًا تتنافس على أرفع جوائز المهرجان، "الدب الذهبي"، تليها جائزة "الدب الفضي"، فيما تترأس لجنة التحكيم لوبيتا نيونغو، الممثلة المكسيكية-الكينية، الحائزة جائزة "أوسكار" لأفضل ممثلة ثانوية عن دورها في فيلم "12 عاما من العبودية".

تضم لجنة التحكيم ستة أعضاء هم الممثل والمخرج برادي كوربيه من الولايات المتحدة، المخرجة الصينية آن هوي من هونغ كونغ، المخرج الألماني كريستيان بيتزولد، المخرج الإسباني ألبرت سيرا، الممثلة والمخرجة الإيطالية جاسمين ترينكا، والكاتبة الأوكرانية أوكسانا زابوزكو.

"الدب الذهبي" لسكورسيزي

لعل أحد أهم الأحداث المنتظرة هذا العام في المهرجان، منح المخرج المخضرم مارتن سكورسيزي جائزة "دب برلين الذهبي" عن أعماله، تقديرًا لمسيرته السينمائية الرائعة وتأثير أعماله في الفن السابع.
أخرج سكورسيزي، وهو أحد أشهر المخرجين في هوليوود، 70 فيلمًا من الروائع الفنية، آخرها فيلم الدراما "قتلة زهرة القمر" (Killers of the Flower Moon) الذي شهد تعاونه مرة أخرى مع النجمين روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو. ومن المنتظر حضور النجم العالمي حفل الافتتاح لتسلم جائزته
.

إيزابيل أوبير تتسلم جائزة مؤجلة

من المفارقات التي تشهدها الدورة الـ74 لـلـ"برلينالة"، حضور الممثلة الفرنسية الشهيرة إيزابيل أوبير، لتسلم جائزة "الدب الذهبي" لعام 2022، التي كان منحها إياها المهرجان عام 2022، ومنعتها إصابتها بفيروس كورونا وقتئذ من تسلمها بنفسها، وبذلك تشهد عرض أحدث أفلامها "احتياجات مسافر" (A Travelers Needs) للمخرج الكوري الجنوبي النشط فنيًا هونغ سانغ سو، الذي أصبح حضوره في مهرجان برلين اعتياديًا حيث لم يتغيب عنه خلال النسخ الثماني الأخيرة إلا عام 2019، أي أنه شارك بسبعة أعمال في ثماني دورات.

أوبير هي بطلة فيلم سانغ سو الجديد، الذي يشارك في المسابقة الرسمية للمهرجان، ويدور حول امرأة فرنسية تسافر إلى كوريا الجنوبية من دون أن تحمل أموالًا، فتعمل معلمة للغة الفرنسية لتدبير عيشها، وتقع في غرام كؤوس خمر الأرز الكوري الشهير.

"احتياجات مسافر" هو التعاون الثالث للممثلة الفرنسية مع المخرج الكوري، وكانا التقيا قبلًا عام 2012 في فيلم "في بلد آخر" In Another Country وعام 2017 في فيلم Claire,s Camera.

موريتانيا وتونس تمثلان العرب في المسابقة الرسمية

ضمن العشرين فيلمًا في المسابقة الرسمية لا يوجد سوى فيلمين عربيين، "شاي أسود" Black Tea من موريتانيا، و"ماء العين" Who Do I Belong To" من تونس ويشارك في إنتاجهم مؤسسة البحر الأحمر السينمائي .

"شاي أسود" للمخرج المالي الموريتاني المتميز عبد الرحمن سيساكو، صاحب الأفلام المحملة بالهموم الأفريقية، التي تتناول حياة سكان القارة الذين يواجهون الفقر والإرهاب والهجرة والبطالة وغيرها. يعود سيساكو بفيلمه "شاي أسود" اثر غياب عشرة أعوام كاملة عن السينما، بعدما قدم فيلمه "تمبوكتو" Timbuktu، الذي تناول وصول الجهاديين إلى مالي، وأثر ذلك على المجتمع. الفيلم حاز عددا كبيرا من الجوائز العالمية المستحقة.

في فيلمه الجديد المشارك في الدورة الحالية، يروي قصة امرأة من ساحل العاج، تهرب يوم زفافها لرفضها الزواج التقليدي، وتتجه إلى الصين، وتعمل في أحد متاجر الشاي، لتقع في حب مالك المتجر الصيني الذي يكبرها في العمر.

أما فيلم المخرجة التونسية مريم جعبر، "ماء العين"، فيتناول بشكل مستفيض قضية المجاهدين التونسيين العائدين من ليبيا، وكانت المخرجة تصدت لهذه المسألة في فيلمها القصير "إخوان" الذي ترشح للأوسكار عام 2020.

الفيلم يدور حول شاب سافر للجهاد، وعاد بزوجة غامضة، إلى قريته البسيطة، ومع وصولها تبدأ أحداث غريبة في القرية.

جدال سياسي بسبب أحداث الشرق الأوسط

للعام الثاني على التوالي، يقام المهرجان في أوقات عصيبة يشهدها العالم بأسره، حيث كان هناك احتضان واضح من إدارة المهرجان في العام الماضي للأزمة الأوكرانية في حرب كييف أمام روسيا، وفي العام الحالي، يواجه المهرجان أزمة بسبب مطالبات لمشاهير بمقاطعة الفعاليات الثقافية في ألمانيا بسبب دعمها الحرب الإسرائيلية على غزة.

المهرجان الذي يسعى إلى الحفاظ على أن يكون "مساحةً للحوار والاندماج" في عالم حافل بالصراعات، أعلن رسميًا إلغاء خمس دعوات لحضور حفل الافتتاح كانت موجهة إلى سياسيين من "حزب البديل من أجل ألمانيا"، أحد الأحزاب اليمينية الشعبوية، وذلك بعدما شهدت الدولة تظاهرات لمئات الآلاف من المنددين بأفكاره الراديكالية، وأثار إعلان توجيه الدعوات إلى هذا الحزب احتجاجات في الأوساط السينمائية والثقافية الألمانية.

 

####

 

هيئة الأفلام السينمائية تشارك في مهرجان برلين السينمائي الدولي الـ 74

شيماء صافي

إيلاف من برلينتشارك هيئة الأفلام السينمائية في مهرجان برلين السينمائي الدولي"برلينالي" بدورته الـ74، والمقرر عقدها خلال الفترة ما بين 15 و25 فبراير الجاري، بهدف التعريف بجهود المملكة في دعم صناعة الأفلام، وتطوير الإنتاج السينمائي، وتنمية المواهب المحلية عبر تشجيعهم للمشاركة في المهرجانات العالمية، وذلك في إطار سعي المملكة لأن تكون وجهة عالمية لصناعة الأفلام. وتأتي المشاركة بجناح سعودي بالشراكة مع فيلم العلا، والصندوق الثقافي، ونيوم، ومبادرة "استثمر في السعودية"، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومركز الملك عبدالعزيز الثقافي العالمي (إثراء).

من جانبه أكد الرئيس التنفيذي لهيئة الأفلام عبد الله آل عِياف، أن المشاركة في مهرجان برلين السينمائي الدولي تعكس التزام الهيئة بدعم صناعة السينما وتشجيع المنتجين للتعرف على مقومات مواقع التصوير الملهمة في السعودية. وأضاف: "تتجاوز مشاركتنا تسويق الإنتاج السينمائي في المملكة، إذ تهدف إلى تقديم المواهب المحلية على الساحة العالمية، بالإضافة إلى خلق فرص للتبادل المعرفي والثقافي، وتقديم الجهود البارزة التي تشهدها الصناعة السينمائية في المملكة، ورواية قصصنا المحلية بالشكل الذي يليق بها".

وتعقد الهيئة ضمن مشاركتها جلسة نقاش بعنوان "برامج التمويل ومواقع المملكة"، يوم الأحد 18 فبراير، والتي تسلط الضوء على كل من برامج التمويل ومواقع التصوير ذات الطبيعة الفريدة والتنوع الملهم، كما تستعرض الجلسة الممكنات اللوجستية المتوفرة لدعم صناع الأفلام، والحوافز التمويلية التي يمكن الحصول عليها،

يعد مهرجان برلين السينمائي الدولي أحد أكثر المهرجانات السينمائية أهمية في العالم وأكثرها حضوراً، إذ تأسس عام 1951م في مدينة برلين بألمانيا، وتأتي مشاركة هيئة الأفلام في سياق مشاركتها في المحافل السينمائية الدولية ، مثل مهرجان كان السينمائي الدولي، ومهرجان تورنتو السينمائي الدولي، ومهرجان البندقية السينمائي، وذلك بهدف تطوير قطاع الأفلام وبيئة الإنتاج في المملكة، إلى جانب تحفيز وتمكين صناع الأفلام السعوديين، وتبادل الخبرات والتجارب؛ بما يقود إلى تطوير البيئة الداعمة لصناعة الأفلام.

 

إيلاف السعودية في

15.02.2024

 
 
 
 
 

"برلين السينمائي 74" ينطلق اليوم: نهاية عصر الاستكشافات؟

مشاركة عربية وسكورسيزي مكرما

فراس الماضي

برلينتنطلق مساء اليوم، الخميس 15 فبراير/ شباط، أنشطة الدورة 74 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، وتستمر حتى 25 من الشهر نفسه، ويبدأ معها موسم المهرجانات الكبرى لهذا العام، إذ يليه مهرجان "كان"في مايو/ أيار ثم فينيسيا- البندقية في أغسطس/ آب. وتُفتتح دورة هذا العام بفيلم "أشياء صغيرة مثل هذه" للمخرج الأيرلندي تيم ميلانتس، من بطولة كيليان ميرفي وإميلي واتسون وكلير دون.

دورة هذا العام من المهرجان، وكالعادة، لا تأتي هادئة. إذ بدأت أحداثها وأخبارها مبكرا جدا بالإعلان المفاجئ عن تغييرات هيكلية، أعلنتها إدارة المهرجان في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بدأت بتقليل الأفلام المختارة بنسبة الثلث ليصبح عدد الأفلام المشاركة 200 فيلم فقط، انخفاضا من 300 فيلم شاركت في دورة العام الماضي. وأرجعت إدارة المهرجان قرارها إلى خفض التكاليف، في اتجاه معاكس لما تُقدِم عليه المهرجانات الدولية الشبيهة التي تسعى إلى زيادة أقسامها الموازية للمسابقة الرئيسية وكذلك زيادة الأفلام المختارة للعرض والتنافس في الأقسام المختلفة وتنويعها. إلا أن قرار مهرجان برلين يمكن تفسيره بما تمر به ألمانيا - أقوى اقتصادات أوروبا من انكماش.

آثار الهيكلة

وبعيدا من الضغوط الاقتصادية، تمتد آثار الهيكلة التي قررتها إدارة المهرجان لتشمل تغييرا غير معلن في الرؤية، إذ تنتهي بهذه الدورة فترة عمل المدير الفني الإيطالي كارلو تشاريتيان الذي شهد المهرجان منذ توليه المنصب تغييرا استراتيجيا ملحوظا، تمثل في اتجاهه إلى خلق خصوصية سينمائية للمهرجان تميزه عن المهرجانات العالمية الأخرى.

 غدا المهرجان تطبيقا حرفيا لقيمة المهرجانات ومسؤوليتها في الكشف عن الاتجاهات السينمائية الجديدة والمغايرة

تجسدت تلك الخصوصية في تنوع المهرجان في اختياراته الفيلمية، وفاعلياته التي صنعت فارقا في اكتشاف المواهب السينمائية الجديدة، لتتألق عبر المهرجان - عبر السنوات الأربع الماضية- أسماءعدة واعدة، أحدثها ليلا أفيليس مخرجة "طوطم"، ولويس باتينو في "سامسارا" وكلاهما عرض خلال الدورة الماضية 2023.

وتألقت على مدار السنوات الأربع الماضية كذلك أسماء أليكساندر كبردزه، وروث بيكرمان، وأندرياس فونتانا، وسوي شيانغ وغيرهم. هذا النهج رسمه كارلو من قبل في مهرجان لوكارنو على مدار 9 أعوام قبل انضمامه إلى برلين، اكتشف خلالها مواهب لا نبالغ إن قلنا إنها اليوم تقود سفينة الأفلام في المهرجانات الكبرى الأخرى، مثل راوسكي هاماغوتشي، وماتياس بينترو، وبي جان، وغابرييل ماسكارو.

اتجاهات سينمائية

لعب مهرجان برلين السينمائي خلال السنوات الأخيرة دورا مهما في هذا المضمار، وغدا تطبيقا حرفيا لقيمة المهرجانات ومسؤوليتها في الكشف عن الاتجاهات السينمائية الجديدة والمغايرة، وإبراز أفلام العالم غير المعروف لدينا بأروع الطرق. ويمكن أن نستشهد في هذا المقام بما أوجده المهرجان من مساحة لإبراز أسماء وأفلام مهمة عربيا، مثل صهيب الباري في الفيلم السوداني الرائع "الحديث عن الأشجار"، وما قدمه المهرجان العام الماضي من رواج للفيلم اليمني "المرهقون"، ليبرهن من خلال أولئك المخرجين وغيرهم من المبدعين المُكتَشَفين، عن ما يمكن أن تحدثه الاختيارات السينمائية لدول ليست بالضرورة ناجحة سينمائيا أو (لا تملك إنتاجا حقيقيا)، من أثر في دفع ظهور المواهب من تلك الدول، وقدرتها على الخروج - عبر برلين- إلى العالم، بأفلام قوية وحقيقية.

إلا أن هذا المنهج الشغوف بفن السينما، الصحي والحقيقي، يبدو أن المهرجان يبحر بعيدا عنه من خلال استراتيجية جديدة تعطي الأولوية لبريق السجادة الحمراء لا لقاعات السينما، على عكس ما كان عليه في سنوات قيادة كارلو الأربع الماضية. فالمهرجان يتجه في المستقبل للبحث عن النجوم والأضواء، وهو ما يجعل هذه النسخة مميزة باعتبارها الأخيرة لهذا الفريق المخلص للسينما، قبل الاتجاه إلى نموذج المهرجانات الاعتيادي الذي يُخشى أن يجعل مهرجان برلين شبيها بسواه، غير قادر على خلق أية قيمة مضافة يحتاجإليهاالمشهد السينمائي بشدة.

 وعود للمستقبل

الدورة الجديدة هذه هي دعوة لذواقة السينما- نرجوألا تكون الأخيرة- يعلن المهرجان من خلالها العديد من الأسماء الجديدة على الساحة، فبالطبع معظم الأفلام هي هدايا مغلفة، لا نعرف عن مخرجيها إلا أسماءهم، لكنّ هناك أعمالا قد نجزم بأنها ستكون ضمن أفضل الأفلام مع حلول نهاية العام، وهو ما يصنع الفرق دوما.

نأمل أن يأتي الاحتفاء بقدر قيمة سكورسيزي التي كانت ولا زالت مساهمة في عالم الأفلام

عربيا هناك أسماء وأفلام واعدة يستقبلها برلين هذا العام، أبرزها الفيلم التونسي "ماء العين" الذي يشارك في المسابقة الرسمية لمخرجته مريم جعبور في أول فيلم طويل لها، بعد فيلمها القصير الرائع "إخوان" (2018)ويهدينا المهرجان كذلك الوثائقي "مذكرات من لبنان" للمخرجة مريم الحاج في قسم بانوراما، وفيلم المخرج هشام قرداف "في تبجيل البطء" في قسم فورم، والفيلم الأردني "سكون" لدينا ناصر، المشارك في قسم أجيال.

يقف فيلم "ماء العين" في مواجهة أفلام لأسماء عالمية كبرى عادة ما تنحصر المنافسة في المسابقة الرسمية بينها، يتصدرها فيلم المخرج الكوري هونغ سانغ سو "احتياجات المسافر" من بطولة الفرنسية إيزابيل هوبير في ثالث تعاون بينهما بعد فيلم "في بلاد أخرى" (2012)و"كاميرا كلير" (2018). وفيلم "دوهيمي" للسنغالية الفرنسية ماتي ديوب (ابنة الموسيقي الشهير واسيس ديوب، شقيق المخرج السنغالي العملاق جبريل ديوب مامبيتي)، ويشارك أفريقيا أيضا الموريتاني عبدالرحمن سيساكو، صاحب "تومبكتو" (2014)والرائع"باماكو" (2006).يعود سيساكو هذا العام مع الفيلم الذي طال انتظاره وعمل على إنتاجه منذ 2019: "شاي أسود".

أما السينما الأوروبية، فيمثلها في برلين هذا العام عديد من الأسماء الفرنسية التي تشغل اهتماما كبيرا وتحوز شهرة غير هينة، وأبرزهم برونو دومونت في فيلم الخيال العلمي "الإمبراطورية" وأوليفييه أسياس بفيلم "وقت مستبعد".

أما السينمائيون التجريبيون، فإنهم كذلك يحتلونحيزا لا بأس به هذه الدورة، ابتداء من بن راسل مع فيلمه "فعل مباشر" في القسم المفضل لدي شخصيا "تقاطعات".

وبعد اعتزال تساي مينغ ليانغ مع "كلاب ضالة" (2012) ثم عودته في برلين بعدها في"أيام" (2020)، يقدم هذا العام في قسم "نظرة خاصة" فيلما طويلا آخر من سلسلة أفلام "الماشي"، عن الراهب الذي يمشي ويجول العالم بخطواته الساكنة، هذه المرة في واشنطن مع فيلم"abiding  nowhere  أو لا يدوم في أي مكان.

وتأتي لجنة التحكيم في المنافسة الرئيسية هذا العام بقيادة شابة كما جرى العام الماضي، ترأسها الممثلة الأميركية لوبيتا نيونغو، والتي تتضمن كذلك المخرج الإسباني ألبرت سيرا، الأميركي برادي كوربت، والمخرجة الهونغ كونغية آن هوي، والألماني العريق كريستيان بيتزولد، والمخرجة الإيطالية جازمين ترينكا، والكاتبة الأوكرانية أوكسانا زابوتشكو.

وفي سياق مشاركتها في المحافل السينمائية الدولية، تشارك المملكة في هذه الدورة عبر جناح خاص بهيئة الأفلام، بالشراكة مع فيلم العلا، والصندوق الثقافي، ومبادرة "استثمر في السعودية"، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، ومركز إثراء، وذلك بهدف التعريف بجهودها في دعم صناعة الأفلام وتطوير الإنتاج السينمائي، وتنمية المواهب المحلية عبر تشجيعهم للمشاركة في المهرجانات العالمية.

وختاما، يحتفي المهرجان هذه الدورة بمارتن سكورسيزي، المخرج الهائل صاحب المسيرة الكبيرة، ونأمل أن يأتي الاحتفاء بقدر قيمة سكورسيزي التي كانت ولا زالت مساهمة في عالم الأفلام، ورمزا من رموز عشاق السينماالذينيحتفلون بنوادرها ويعملون دوما على إعادة إحيائها.

 

مجلة المجلة السعودية في

15.02.2024

 
 
 
 
 

كيليان مورفي نجم حفل افتتاح مهرجان برلين السينمائي

البلاد/ مسافات

ينطلق اليوم الخميس في العاصمة الألمانية مهرجان برلين السينمائي الدولي "البرليناله". وترأس الممثلة لوبيتا نيونجو، الحائزة على جائزة الأوسكار عن دورها في فيلم "عبد لاثني عشر عاماً"، لجنة التحكيم الدولية لهذه الدورة. ومن المقرر افتتاح المهرجان الدولي بعرض فيلم "أشياء صغيرة كهذه".

ومن المتوقع حضور بطل هذا الفيلم وهو الفنان العالمي كيليان مورفي للعاصمة الألمانية، وهو أيضاً بطل الفيلم الشهير "أوبنهايمر" الذي حاز على شهرة واسعة في جميع أنحاء العالم مؤخراً.

جدير بالذكر أن مهرجان "برليناله" يندرج ضمن أكبر مهرجانات الأفلام العالمية بجانب مهرجاني كان والبندقية بحسب د ب أ.

 

البلاد البحرينية في

15.02.2024

 
 
 
 
 

مهرجان برلين أطلق دورته الـ74 مساء أمس بخيبة:

"أشياء صغيرة" لا تليق بافتتاح تظاهرة سينمائية كبرى

هوفيك حبشيان

لم تكن أفلام الافتتاح في #مهرجان برلين السينمائي على قدر عال من التألق والجاذبية، طوال السنوات الماضية، وهذا ما منعنا من توقّع الكثير ونحن ندخل عرض الصحافة صباح أمس. لكن الحال على الأرجح لم تصل إلى هذا الحد من البهتان كما وصلت إليه مع "أشياء صغيرة كهذه" الذي عُرض أمس في ساحة ماريلين ديتريتش لاطلاق الدورة الرابعة والسبعين من التظاهرة الألمانية التي تستمر إلى الخامس والعشرين من الجاري.

معالجة أكاديمية، نصّ ممل، حكاية ثقيلة الظلّ، ممثّلون لا يظهر على وجوههم وفي أدائهم أي دليل بأنهم يصدّقون الحوارات التي يتلونها ببغائية ما. الأفظع من هذا كله، غياب أي نوع من أنواع الانفعال. بهذا الانطباع نخرج من عرض الفيلم الذي أنجزه البلجيكي تيم ميلانتس (44 عاماً) وهو ثالث روائي طويل له، علماً انه كان انطلق بـ"باتريك" الذي يُعتبر تحفة فنية مقارنةً بما يأتي به اليوم. لكن الفيلم، مع ذلك، نقلة على مستوى الإنتاج وتوزيع الأدوار، خصوصاً انه يستعين بأسماء معروفة مثل كيليان مرفي للبطولة (سبق ان جمعهما مسلسل) للبطولة وإيميلي واتسون في شخصية لافتة. لكن هذا كله لا يصنع فيلماً جيداً، بل صنعة وحرفة جيدة، ذلك اننا نرى التفاصيل كافة فيها ونقدّرها، لكن لا نشعر شيئاً ازاءها، ولا تعنينا أكثر من هذا، لا بل بعد تجاوز الفيلم منتصفه بقليل، لا يعود أي شيء يمسّنا مما يدور على الشاشة. الأنكى ان الفيلم ليس سيئاً، بمعنى ان كلّ جهة ساهمت فيه أدّت وظيفتها كما يجب، لكن - وهنا المصيبة - لم يفضِ هذا إلى أي ألق، ولا إلى أي مشهد يعلق في الذهن. انها فعلاً أشياء صغيرة، قولاً واحساساً.

الفيلم مقتبس من رواية للكاتبة الإيرلندية كلير كيغان التي تُرجِمت إلى العديد من اللغات. وهنا الطامة الكبرى، ذلك ان المخرج، البلجيكي الثقافة والتأهيل، يعطي الانطباع بأنه خارج ملعبه، بعيداً من الأرض التي يعرفها جيداً ويتحكّم بتفاصيلها. الذهاب إلى ثقافة أخرى وشؤون مختلفة وزمن بعيد، عملية باهظة الثمن، وفي ظل هذا تقتصر وظيفة المخرج على التنفيذ لا أكثر، بلا أي روح.

تبدأ حوادث "أشياء صغيرة كهذه" في العام 1985 في قرية إيرلندية صغيرة، عشية عيد الميلاد. البطل بيل فورلون (كيليان مرفي)، رب عائلة يعتاش من تجارة الفحم، وكلّ شيء في حياته مكرر وتقليدي، إلى اليوم الذي سيكتشف فيه سراً خلال زيارته ديراً للراهبات، ومن هنا تبدأ مجموعة من الحوادث المترابطة التي ستفضي إلى كشف ملابسات تتستّر عليها البلدة التي تسيطر عليها الكنيسة، حيث الكلّ متواطئ على طريقته مع ما يجري.

الفيلم من إنتاج شركة "أرتيستس إيكويتي" المملوكة للممثّلين بَن أفليك ومات دايمون، وهو تمويل إيرلندي بلجيكي، لكن مهما يكن رأينا فيه، فهو لا يليق بافتتاح مهرجان كبير كبرلين، رغم جهود الفريق خلف العمل في الامعان بقضية اجتماعية مهمة (ولو مر عليها الزمن)، طارحاً إياها بعيني رجل معذّب يحاول ان يقوم بالواجب، لكنه مسكون بإحساس بالذنب، لا بل يتأكله الندم، فلا يعرف اذا كان يقوم بالصواب أو بالخطأ.

ينتهي الفيلم بإهداء إلى الفتيات الضحايا (وهن بالآلاف عبر الزمن)، اللواتي عشن القهر والعذاب داخل ما يُعرف بالمغاسل أو الملاجئ المجدلية في إيرلندا التي ظلّت تمارس البطش بين القرن الثامن عشر وأواخر القرن العشرين، وكان الهدف من هذه المؤسسات احتضان و"غسل عار" النساء اللواتي أنجبن خارج اطار الزواج أو اللواتي عشن حياتهن بخلاف التعاليم الأخلاقية للكنيسة. هناك الكثير من العذابات حبيسة جدران هذه المؤسسات التي جعلت من مسألة الرعاية أداة لمعاقبة النساء، من خلال فرض نظام صارم ومتشدد لا يرحم. من أهم مَن صوّروا محنة هؤلاء الناجيات، الممثّل الاسكتلندي بيتر مولان في فيلمه الشهير" راهبات مجدلين" الذي نال عنه "أسد" البندقية عام 2002، كما ان المخرج البريطاني ستيفن فريرز قدّم فيلماً من وحي الموضوع نفسه، "فيلومينا" (2013)، مع الكبيرة جودي دنتش. هذا الاستطراد في الموضوع، الهدف منه التذكير بأن لا جديد تحت الشمس، بل ان القضية سبق ان طُرحت وبطريقة أفضل بكثير ممّا هي عليه اليوم في هذا العمل الباهت الذي لا يقدّم ولا يؤخّر في مجال توثيق الانتهاكات في ظلّ الكنيسة وفي اشرافها.

أما اذا كان ميلانتس، الذي يقول انه يضع برغمان وتاركوفسكي فوق كلّ اعتبار، هو المخرج المناسب لمثل هذه الحكاية، فهذا ما أوضحه قبل العرض الرسمي للفيلم إلى مجلّة "ذي هوليوود ريبورتر"، فقال: "تقريباً كل ما أنجزته إلى الآن، حتى أفلامي الروائية الطويلة، كان الحزن هو الموضوع المشترك فيه. أعتقد في الواقع ان الأمر يعود إلى الألم الذي عشته في طفولتي. لقد فقدتُ أخي عندما كنت صبياً، وكان من الصعب التعامل مع ذلك. شاهدتُ والديّ يمران بذلك، رأيتهما يعيشان الحزن المؤجل الذي يأتي لاحقاً. كان هذا شيئاً اعتقدتُ انني أود حقّاً مشاركته والتعمّق فيها مع كيليان مرفي. لقد كان شيئاً استوعبته فعلاً. هذا هو محرك القصة في ما يخصّني. وبطبيعة الحال، كل شيء في الفيلم يدور حول الكنيسة الكاثوليكية، وهذا غاية في الأهمية. أنا من خلفية كاثوليكية، وهنا في بلجيكا، لدينا الكثير من القصص المشابهة. ولكن في الحقيقة، كانت هذه فكرة رجل في منتصف العمر يحاول التعامل مع الحزن ويكافح من أجل فعل الصواب، وهو أمر أفهمه جيداً. كان هذا هو نوع الكوكتيل الذي شعرتُ به، فقلتُ حسناً، أعتقد أنني قد أكون قادراً على سرد هذه القصّة".

في العودة إلى بدايات ميلانتس، كانت "النهار" قد حاورته يوم عُرض باكورته "باتريك" في مهرجان كارلوفي فاري، وفاز عنه يومها بجائزة أفضل مخرج، واليكم ما جاء في الحوار معه. عن ولادة فكرة موضعة حوادث الفيلم داخل مخيم للعراة، قال: "في العام 1985 (أي في العام نفسه لأحداث فيلمه الجديد) رافقتُ أهلي إلى مخيم عراة واقع في جبال البيرينيه الفرنسية، مخيم لم يعد موجوداً اليوم. هذه الاقامة تركت فيّ آثاراً بالغة. الأجواء التي شاهدتها كانت مدهشة. تعرفتُ إلى ناس غريبي الأطوار وغامضين. هذا كله ظلّ في داخلي، وعبر السنوات، سمعتُ حكايات أخرى مصدرها مخيم العراة هذا، خصوصاً حكاية شاب وأمه. الأم كانت سيدة عمياء لا تعلم ان الناس حولها يتجولون عراة. ثم حاورتُ المزيد من الناس واكتشفتُ ان والدي كان قد ارتبط بعلاقة صداقة مع أعضاء من تنظيم إيتا الإرهابي الذي كان أخذ من المخيم مقراً له. في كلّ مرة كنت أذهب لمعرفة ماذا حدث في الصيف السابق، أعود بمعطيات جديدة وغريية. في مرحلة من المراحل، بدأتُ أفكّر أي من التيمات التي جمعتها عبر الزمن كانت الأهم، فقررتُ الحديث عن عملية الحداد بعد الموت. اخترتُ ان أنجز فيلماً انطلاقاً منه".

*****

من المنتظر عرض 20 فيلماً في مسابقة مهرجان برلين لهذا العام، وهو القسم الذي لم يطله أي تقليص في عدد الأعمال كما الحال في أقسام أخرى كانت ضحية الهيكلية الجديدة التي خضع لها الـ"برليناله". العديد من الأعمال التي تتسابق على الدببة الذهبية والفضية (رئاسة التحكيم تتولاها الممثّلة المكسيكية لوبيتا نيونغو) تعود الى سينمائيين لا يشكّلون ذروة ما ينتظره عادةً السينيفيليون حول العالم، لكن قد نجد فيها مفاجآت وتجاوزا للسائد. الأسماء البارزة والمعروفة ليست أكثر من ثلث المسابقة: الكوري الجنوبي هونغ سانغ سو والروسي فيكتور كوساكوفسكي والموريتاني عبد الرحمن سيساكو والفرنسيان برونو دومون وأوليفييه أساياس والألماني أندرياس درايسن… أما البقية فهي قيد الاكتشاف في الأيام المقبلة.

 

النهار اللبنانية في

16.02.2024

 
 
 
 
 

ضحايا الملاجئ الدينية في افتتاح "برلين" المحاصر بالتظاهرات

"أشياء صغيرة كهذه" خيبة سينمائية رغم نجومية كيليان مرفي بطل "أوبنهايمر"

هوفيك حبشيان

بخيبة أمل كبيرة، افتتح مهرجان برلين السينمائي أمس دورته الرابعة والسبعين التي تستمر إلى 25 من الشهر الجاري. خيار برلين لفيلم الإفتتاح أضحى في السنوات الأخيرة محل انتقاد صريح لدى نقّاد ومراقبين، بسبب أنه يأتي دون المستوى أو محمّلاً بأجندات غير فنية. ولم يكن الأمر مختلفاً هذا العام، بعد اختيار المهرجان "أشياء صغيرة كهذه" للمخرج البلجيكي تيم ميلانتس. عدد من النقّاد الذين صادفتهم على طريقي فوجئوا حتى إنني كلفتُ نفسي عناء مشاهدة فيلم افتتاح برلين وكأنه شيء لا فائدة منه والنتيجة معروفة مسبقاً. هذا الإفتتاح وصفته مجلّة "سكرين دايلي" بـ"واحد من أكثر الافتتاحات مثيراً للتشاؤم في مهرجان كبير". 

هذا العمل الحميمي الذي يحملنا إلى منتصف الثمانينيات، ينطلق عشية عيد الميلاد ليعرفنا على تاجر فحم (كيليان مرفي) يعيش مع عائلته بهدوء. هو شخص متحفّظ بملامح جادة، لا تظهر مشاعر على وجهه، لكنه يعمل لمصلحة زوجته التي يحبّها وبناته الخمس اللواتي يهتم بهن، وفيه ما هو مختلف عن بقية سكّان قريته. إلى أن يكتشف سراً يقلب حياته رأساً على عقب. فيصبح رجلاً معذباً، في بحث عن حل لما كان شاهداً عليه، على نحو ينسجم مع قيمه ويلبّي نداء ضميره الحي. يحدث هذا كله بعد أن يكتشف الحقائق المروعة داخل مؤسسة دينية تعيد تأهيل الفتيات اللواتي "ضللن طريق الصواب"، لكنها تعاملهن بصرامة وقسوة، ممّا يجعل الرجل يواجه أسئلة مرتبطة بالمكان كله والحياة التي تدور فيه.   

الملاجئ المجدلية

لا يمكن كشف المزيد عن تفاصيل الفيلم، علماً أنه مقتبس من رواية شهيرة بالعنوان نفسه، للكاتبة الإيرلندية كلير كيغان، وهو في أي حال يتناول قضية الملاجئ المجدلية التي كانت منتشرة في بعض البلدان الغربية، بين القرنين الماضيين، وأُغلِق آخر واحد منها قبل نحو ربع قرن. أصبحت هذه القضية مادة مثيرة لعدد من الأفلام، في مقدّمها "راهبات مجدلين" لبيتر مولان و”فيلومينا” لستيفن فريرز، لكنّ هذين الفيلمين يتجاوزان العمل الحالي أهمية وعلى كافة المستويات. فـ"أشياء صغيرة جداً"، يحمل، بالاضافة إلى افتقاده للشخصية الفنية، خطاباً تنويرياً يصبح مباشراً، خصوصاً مع الإهداء الذي يظهر في الختام كنوع من رد اعتبار لضحايا هذه المؤسسات وأطفالهن، وتصحيح ما عايشن من عذاب جراء الوجود في هذه المؤسسات التي تدّعي الدفاع عن الأخلاق الحميدة. 

حظي "أشياء صغيرة كهذه" بمعالجة كلاسيكية جداً تثير الملل، ورغم أن مدته لا تتجاوز الـ96 دقيقة، فعدم الاكتراث يصبح شريك المُشاهد بعد وصول الفيلم إلى منتصفه. لحظات الفراغ عديدة، أما الممثّلون فليسوا في أفضل حالهم، وفي مقدّمهم كيليان مرفي الذي يلعب على تدرّجات الصمت والبلاغة والسكون، وبأقل حد من الإمكانات. وبقدر ما كان هذا النوع من الأداء يأتي بمردود عال في "أوبنهايمر" (الفيلم الذي اشتهر فيه دولياً الصيف الماضي)، يتحول هنا إلى عائق. أما الإنفعال، فالأفضل أن ننساه. ماذا يعني انفعال أصلاً في فيلم كل شيء فيه مدروس بطريقة دقيقة، كيلا نشعر بشيء؟ هذا لا يعني أننا إزاء فيلم سيئ الصنعة، بالعكس، يصعب لوم المخرج على خياراته، بل إن العلّة في طبيعة المشروع نفسه، لكونها لا توفر مساحة إبداع وخلق أكثر من التي نراها. هناك أيضاً الحاجز الثقافي، رغم أن ميلانتس يشدد على أن الفيلم هو عن الحزن، وهذا موضوع تتشاركه أعماله كافة. هناك روح إيرلندية في الرواية يصعب عليه التقاطها، مما يجعل الفيلم مسطّحاً بلا مشاعر، يعجب بعض النقّاد ولكن لا يخاطب كثراً منهم، لوجود هذا الجدار الفاصل الذي لا يمكن القفز فوقه. 

فيلم السيرة

المخرج ميلانتس كان انطلق في العام 2019 بفيلم "باتريك" الذي يروي تجربة صبي يرافق والديه إلى مخيم للعراة. نال الفيلم المستوحى من سيرته، تقديراً، وعُرض في مهرجان كارلوفي فاري ونال جائزة أفضل مخرج. مذذاك انتقل هذا السينمائي البالغ من العمر 44 عاماً إلى مستوى آخر من مسيرته، فأنجز مسلسلاً جمعه بكيليان مرفي، وها هما يتعاونان معاً في هذا العمل الجديد الذي يستفيد حتماً من حضور النجم الإيرلندي كي يُعرض في الصالات، وما كان للمهرجان أن يختاره لولا حضوره فيه. لكن، ورغم أن حضوره يساعده على الانتشار، فسيخيب ظن نادي محبّي الممثّل وهم كثر في المرحلة الأخيرة، مع العلم أنه سواء في "أوبنهايمر" أو هنا، يمثّل بدواخله، بصمته ونظراته. هذا فنان مقتصد جداً، لا يحتاج إلى الكثير من الإمكانات، خلافاً لجاك نيكلسون أو دانيال داي لويس أو آل باتشينو. 

سبب آخر مهد طريق الفيلم إلى برلين: وقوف نجمان خلفه بصفتهما منتجين له، وهما الممثّلان بن أفليك ومات دايمون، والأخير قال في المؤتمر الصحافي بعيد العرض الصحافي، إن فيلماً كهذا يطلب من الجمهور أن يكترث بالسينما، مضيفاً أن رغم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي يعاني منها قطاع السينما، فلا يزال هناك جمهور يهتم بما تعرضه الصالات من أعمال تخرج عن المألوف. كما انه أبدى حنيناً إلى حقبة التسعينيات (الفترة التي انطلق فيها)، حين لم تكن نادرة أفلام كهذه، كما هي الحال اليوم. 

بالتوازي مع عرض "أشياء صغيرة كهذه”" مساء أمس، شهد محيط قصر الـ"برليناله”" ثلاث تظاهرات، واحدة أخذت من السجادة الحمراء ساحة لها وجرت بالتنسيق مع ادارة المهرجان، وضمّت عاملين وعاملات في مجال السينما عبّروا عن ضرورة الانتصار للديموقراطية المهددة في ألمانيا، ورفعوا شعارات مثل "الأفلام تجمع، الكراهية تفرّق". وجاء هذا انسجاماً مع قرار المهرجان في سحب الدعوة من أعضاء في "حزب البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف الذي كان دعاهم سابقاً. وعلى مقربة من القصر، في ميدان بوتسدامر، أقيمت تظاهرتان، واحدة ضمّت عاملين وعاملات في مجال الفنّ رُفِعت خلالها يافطة كُتب عليها "لا كراسي للفاشيين في أي مكان"، وأخرى جمعت سائقي التاكسي العاملين في مجال السينما فطالبوا بظروف عمل أفضل. 

المهرجان الذي وجد نفسه مؤخراً، داخل نيران الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس، شهد أيضاً قبل ساعات من الافتتاح مؤتمراً صحافياً قالت فيه رئيسة لجنة التحكيم الممثّلة المكسيكية لوبينا نيونغو أنها لا تعلم عن خفايا السياسة في ألمانيا لكونها غريبة عن البلد. وذلك رداً على سؤال حول سحب الدعوة من أعضاء حزب "البديل من أجل ألمانيا". أما المخرج الألماني كريستيان بتزولد، العضو في لجنتها، فقال إن لا مشكلة في تواجد خمسة أشخاص من هذا الحزب بين الحضور، وأضاف: "نحن لسنا جبناء. إذا لم تتمكن من قبول خمسة أشخاص من هؤلاء كجزء من الجمهور، فمعركتنا خاسرة".

 

الـ The Independent  في

16.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004