ملفات خاصة

 
 
 

"قنبلة" كريسوفر نولان في "أوبنهايمر" تحصد جوائز الأوسكار

هوفيك حبشيان

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

"المعلم" سكورسيزي خرج فارغ اليدين وشباك "باربي" لم يشفع له وخيبة عربية بعد أمل تونسي

ملخص

لم تحمل حفلة جوائز الأوسكار اليوم مفاجآت كبيرة، فكان من المتوقع فوز فيلم "اوبنهايمر" للمخرج كريسوفر نولان الذي أثار كثيراً من الجدل في معالجته قضية القنبلة النووية الاميركية ومن يسمى "أباها". لكنّ خروج السنيمائي الكبير مارتن سكورسيزي فارغ اليدين ترك اثراً لدى جمهوره الكبير، وكذلك فشل فيلم "باربي" الذي حصد مليارا ونصف مليار دولار من خلال شباك التذاكر..

فعلها كريستوفر نولان رغم ترشيحات سابقة لـ"أوسكار أفضل مخرج" لم تتحول إلى فوز كان نالها على مدار العقدين الأخيرين، أسندت إلى نولان صباح اليوم (بتوقيت العالم العربي) الجائزة المهيبة والمنتظرة منذ وقت طويل، عن فيلمه "أوبنهايمر" الذي كان أصبح حديث العالم في الصيف الماضي، محققاً نحو مليار دولار في شباك التذاكر العالمي، في نهاية مسيرته داخل الصالات التجارية.

خمس هي المرات التي رشح فيها نولان إلى الـ"أوسكار"، بين عامي 2000 و2018، وذلك عن ثلاثة أفلام له: "ممنتو" و"استهلال" و"دنكرك"، والترشيح عن "دنكرك" خسره أمام المكسيكي غييرمو دل تورو عن "شكل المياه"، ليأتي التكريس اليوم من قبل أعضاء الأكاديمية مع الفيلم الذي يحمل الرقم 12 في مسيرته التي انطلقت في نهاية التسعينيات، مع فيلم صغير بموازنة شحيحة، مصور بالأسود والأبيض، بعنوان "تعقب"، عن رجل يلاحق الغرباء في الشارع.

سعادة محبي هذا السينمائي البالغ من العمر 53 سنة، الذي استطاع إقناع شريحة ضخمة من المشاهدين، ومعظمهم من مواليد الألفية الثالثة، مزدوجة، ذلك أن فوز نولان مزدوج: جائزة "أوسكار" أفضل مخرج و"أوسكار" أفضل فيلم وكلتاهما ذهبتا إليه شخصياً، من أصل سبع جوائز "أوسكار" نالها الفيلم، من بينها أفضل ممثل لكيليان مرفي وأفضل ممثل في دور ثان لروبرت داوني جونيور وأفضل موسيقى تصويرية للودفيغ غورانسون وأفضل مونتاج لجينيفر لايم وأفضل تصوير لهوته فان هويتيما.

بنيله سبع جوائز "أوسكار"، أصبح "أوبنهايمر" بطل الأمسية الأوسكارية التي أقيمت في مسرح دولبي في لوس أنجليس، فانضم إلى نادي الأفلام التي فازت عبر التاريخ بسبعة تماثيل ذهبية، من مثل "لورنس العرب" و"كل شيء عن إيف" و"لائحة شندلر"، علماً أن ترشيحاته بلغ عددها الـ13، وتمثل أكبر عدد من الترشيحات نالها فيلم في هذه النسخة 96 من الجوائز، التي تمنحها أكاديمية فنون الصور المتحركة وعلومها. وبفوزه بجائزة "أفضل مخرج" تغلب نولان على منافسيه الأربعة: جوستين ترييه، يورغوس لانثيموس، جوناثان غلايزر ومارتن سكورسيزي، والأخير لم يفز فيلمه "قتلة قمر الزهرة" بأي جائزة، على رغم ترشحه لـ10 منها.

منذ الإعلان عن بدء إنتاجه، أثار "أوبنهايمر" اهتماماً دولياً واسعاً. الأمر الذي يمكن تفهمه، لكونه يتناول شبه سيرة شخصية طبع إنجازها العلمي (المدمر) القرن الـ20. بالتالي يثير الفضول لما في تجربته من تقاطعات بين السياسة والعلم والأيديولوجيات، خصوصاً أن السينما لم تعط هذه الشخصية حقها من الحضور على الشاشة، أقله كما فعلها نولان في فيلمه هذا الذي يتجاوز الثلاث ساعات وصور بشريط خام سعة 65 مم، مما يوفر تجربة مشاهدة سينمائية لا مثيل لها.

أبو القنبلة الذرية

الفيلم بأكمله يدور على الفيزيائي والكيماوي الأميركي ج. روبرت أوبنهايمر (1904 - 1967) الذي يعتبر "أب القنبلة الذرية"، وما عاشه قبل صناعته تلك القنبلة وخلالها وبعدها، بتكليف من سلطات بلاده في أربعينيات القرن الماضي. وجاء هذا في سياق عملية تطوير الطاقة الذرية للتصدي للنازيين. لكن ذلك السلاح النووي كما نعلم استخدم لاحقاً ضد اليابان، من خلال إلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية.

يحمل الفيلم توقيع صاحب "إنترستيلار"، لا بل يذهب بتوقيعه إلى أبعد ما يمكن الذهاب إليه، في نوع السينما التي يقدمها، واضعاً حرفته في سبيل قضية واضحة: إنصاف أوبنهايمر، وقول ما له وما عليه، بأسلوب يبتعد عن التدليس ويحاول أن يكون موضوعياً. لكن، في النهاية، هذا كله يخدم الرؤية الأميركية وإعادة قراءة التاريخ من منظور جديد مع الاعتراف بالأخطاء. وهذا كله لا بد أن يعطي العالم صورة إيجابية عن أميركا، كبلد متسامح يفسح المجال للنقد الذاتي.

هذا ما كتبناه في "اندبندنت عربية" عند عرض الفيلم في يوليو (تموز) من العام الماضي: "يتجرأ نولان في طرح أسئلة قد تبدو مزعجة لأنها تخربط علاقتنا بالثوابت: من المسؤول عن قتل الآلاف بالقنبلة الذرية؟ هل المسؤول من كلف بصنعها أو من صنعها أو الذي ألقى بها على المدينتين؟ من خلال هدف بسيط يضعه الفيلم نصب عينيه، نرى صناعة القوة ثم تفكيكها، ثم إعادة صنعها فتفكيكها مجدداً... وهكذا إلى نهاية الفيلم، حيث في انتظارنا خاتمة هي على الأرجح من اللحظات التي ستبقى من سينما نولان".

بقية الجوائز وزعت على أفلام عدة "أفضل تمثيل نسائي" ذهبت إلى الأميركية إيما ستون عن دورها المذهل في "كائنات مسكينة" للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس الذي فاز بثلاث جوائز إضافية: "أفضل ديكور" و"أفضل تصميم أزياء" و"أفضل ماكياج وتصفيف شعر". يحكي هذا الفيلم الذي كان نال "الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية الأخير، قصة فتاة تعود إلى الحياة تدريجاً بعد محاولة انتحار، فتبدأ في اكتشاف اللذة الجنسية والحرية والعيش على أوسع نطاق، بعدما كانت مقموعة إثر زواجها من رجل متسلط. الفيلم من النوع الفانتازي، يتنقل بين الأماكن ليحكي قصة نسوية في قالب مبتكر بصرياً. لكن ستون لم تكن الوحيدة التي تستحق هذه الجائزة بحدارة، فهناك في الأقل مرشحتان كانتا من الممكن أن تخطفاها: ليلي غلادستون عن دورها كامرأة معذبة من قبيلة "الأوساج" في فيلم سكورسيزي، وساندرا هولر عن "تشريح سقوط" (الفائز بـ"سعفة" كان 2023) الذي لم ينل سوى جائزة أفضل سيناريو أصلي (كتابة المخرجة جوستين ترييه وشريكها في الحياة الممثل أرتور أراري)، وهو يحكي عن تحقيق في ملابسات قضية سقوط رجل ووفاته على الفور، تتهم بها زوجته (هولر)، مما يدخلنا في معمعة المحاكمة وما سيكشف عن تعقيدات الحياة الزوجية. أما جائزة أفضل سيناريو مقتبس، فكان من نصيب "خيال أميركي" لكورد جفرسون.

"منطقة اهتمام" للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر، الذي كان نال جائزة الـ"غران بري" في مهرجان "كان" الأخير، نال جائزتي "أوسكار": "أفضل فيلم ناطق بلغة أجنبية" و"أفضل هندسة صوت". هذا العمل أحدث جدلاً، بين مؤيدين ومعارضين، أخيراً عند عرضه، وهو يتناول المحرقة النازية بمقاربة مغايرة. فهو يصور أحد الضباط النازيين الذي يقيم هو وعائلته قرب معسكر أوشفيتز حيث أبيد اليهود خلال الحرب العالمية الثانية. واللافت أننا نتابع يوميات هذه العائلة التي يواصل أفرادها حياتهم في صورة اعتيادي. عند نيله الجائزة، ذكر غلايزر بضحايا السابع من أكتوبر (تشرين الأول) ودان أيضاً الحرب الإسرائيلية على غزة، مندداً بـ"دولة احتلال خطفت المحرقة". وكان تم تشبيه أحداث الفيلم بما يدور الآن في غزة، وهو الأمر الذي اعتبر بعضهم أنه زاد من فرص نيله بالجائزة التي تنافس عليها سينمائيون كبار من طينة الألماني فيم فندرز ("أيام مثالية") والفنلندي آكي كوريسماكي ("أوراق ميتة").

إضافة إلى سكورسيزي، كان الخاسر الأكبر في "أوسكار" هذا العام هو المخرج الأميركي ألكسندر باين. فيلمه "الباقون" اكتفى بجائزة واحدة ذهبت إلى دافين جوي راندولف عن دورها الثانوي فيه. فيلم باين الذي تدور أحداثه في السبعينيات، رقيق وخطف قلوب الكثير، وهو عن بعض التلامذة الذين يبقون داخل الجامعة خلال عيد الميلاد برفقة أستاذهم الذي يلعب دوره بول جياماتي بعبقرية لا مثيل لها. ومع ذلك لم يره أعضاء الأكاديمية أهلاً لجائزة، مفضلين عليه كيليان مرفي.

فوز "20 يوماً في ماريوبول" للأوكراني مستيسلاف شرنوف بجائزة "أفضل فيلم وثائقي" خيب آمال العرب الذين راهنوا على "بنات ألفة" للتونسية كوثر بن هنية، الفيلم العربي الوحيد الذي كان تسلل إلى الأمسية. الفيلم هو توثيق للأيام الـ20 التي أمضاها المخرج في مدينة ماريوبول المحاصرة بعد غزو روسيا لأوكرانيا. فيلم قاس نغوص معه في عمق جحيم الحرب وهو نقيض فيلم هاياو ميازاكي، "كيف تعيش"، الذي نال جائزة "أفضل فيلم تحريك"، على رغم أنه ليس أفضل ما أنجزه معلم سينما التحريك في حياته. أما "باربي" لغريتا غرويغ، وهو أكثر أفلام العام الماضي تحقيقاً للإيرادات (مليار ونصف مليار دولار على مستوى العالم)، فسقط في اختبار الـ"أوسكار" وبدا أبعد ما يمكن عن "ذوق" الأكاديمية، إذ لم يعط إلا جائزة "أفضل أغنية" (ليبلي أليش)، وهذا ما أثلج صدور بعض كارهي هذا الفيلم الذي كان تغلب على "أوبنهايمر" في عدد المشاهدين الذين جذبهم، ضمن صراع معلن، ولكن حسمت المعركة هذا الصباح لمصلحة صانع القنبلة.

 

####

 

"أوبنهايمر" يثبت هيمنته على الأوسكار ويحصد سبع جوائز

الفيلم الذي يتناول سيرة مبتكر القنبلة الذرية نال استحسان النقاد وحقق نجاحاً باهراً في صالات السينما

وكالات

ملخص

فيلم "أوبنهايمر" يختتم موسم جوائز حافلاً بالنجاحات بفوزه بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم

فاز "أوبنهايمر" بجائزة أوسكار أفضل فيلم أمس الأحد في نهاية أمسية كان فيها هذا العمل الذي يحمل توقيع المخرج كريستوفر نولان الفائز الأكبر، إذ حصد سبع جوائز في المجموع.

وقد نال الفيلم الذي يتناول سيرة مبتكر القنبلة الذرية استحسان النقاد، كما حقق نجاحاً باهراً في صالات السينما، إذ بلغت إيراداته على شباك التذاكر حول العالم مليار دولار.

وظفر "أوبنهايمر" بهذه الجائزة الرئيسة في حفلة الأوسكار بعد مواجهة محتدمة مع أعمال عدة، أبرزها "باربي" و"أناتومي أوف إيه فال" و"بور ثينغز" و"ذي هولدوفرز"، في عام شهد إجماعاً في الآراء على الجودة العالية للأفلام المشاركة في المنافسة.

وفيما حصد "أوبنهايمر" مكافآت في سبع فئات، نال فيلم "بور ثينغز" أربع جوائز. 

أفضل مخرج

وفاز كريستوفر نولان بجائزة أوسكار أفضل مخرج عن "أوبنهايمر"، وتغلب نولان على مارتن سكورسيزي ("كيلرز أوف ذي فلاور مون") وجوستين ترييه ("أناتومي أوف أي فال") ويورغوس لانثيموس ("بور ثينغز") وجوناثان غلايزر ("ذي زون أوف إنترست").

أفضل ممثلة

كذلك فازت إيما ستون الأحد بجائزة أوسكار أفضل ممثلة للمرة الثانية في مسيرتها، بفضل أدائها اللافت في فيلم "بور ثينغز" الذي يقدم ما يشبه شخصية "فرانكشتاين" بصيغة أنثوية.

وبعدما نالت المكافأة عينها عن دورها في فيلم "لا لا لاند" عام 2017، تجسد ستون في هذا العمل الجديد من إخراج يورغوس لانثيموس شخصية امرأة منتحرة أعاد إحياءها عالم زرع لها دماغ طفل، تعيد اكتشاف الحياة من دون خجل أو أحكام مسبقة.

وتغلبت إيما ستون في هذه الفئة على أنيت بينينغ ("نياد") وليلي غلادستون ("كيلرز أوف ذي فلاور مون") وساندرا هولر ("أناتومي أوف أي فال") وكاري ماليغان ("مايسترو").

أفضل ممثل

حصد كيليان ميرفي أول جائزة أوسكار في مسيرته بعد أن فاز بجائزة أفضل ممثل عن دوره في "أوبنهايمر".

وتأتي الجائزة ختاماً لموسم جوائز ناجح للممثل الإيرلندي البالغ من العمر 47 سنة، والذي كان قد حصل أيضاً على جائزة "غولدن غلوب" وجائزة "بافتا" وجائزة نقابة ممثلي الشاشة لأدائه في الفيلم نفسه. وكان ترشيحه للأوسكار هو أول ترشيح له.

 

الـ The Independent  في

11.02.2024

 
 
 
 
 

ختام حرب "باربنهايمر" مع فوز فيلم نولان بسبع جوائز "أوسكار":

كيف أقلعت هوليوود عن هوسها بالدمية وعشقت القنبلة الذرية!؟

هوفيك حبشيان

بعد رحلة نجاح مذهلة انطلقت في الصيف الماضي، تُوِّج "#أوبنهايمر" صباح أمس في هوليوود، بسبع جوائز "#أوسكار" من أصل 13 كان رُشِّح لها، وذلك ضمن الحفل السادس والتسعين لتوزيع جوائز "أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها" الذي أقيم في مسرح “دولبي” (لوس أنجليس). بالنسبة الى نولان ومحبّيه الكثر، فهذه لحظة تاريخية، كون جا\زة "أفضل مخرج" تُسند إليه للمرة الأولى في مسيرته الفنية التي بدأت في نهاية التسعينات، وكان رُشِّح لهذه الجائزة طوال السنوات العشرين الماضية، من دون ان يفوز بها يوماً. جائزة الإخراج التي نافس عليها أيضاً كلّ من جوستين ترييه ومارتن سكورسيزي وجوناثان غلايزر ويورغوس لانثيموس ليست الوحيدة التي نالها نولان، بل كان له أيضاً نصيبه من جائزة "أفضل فيلم"، كونه أحد المنتجين (مع زوجته إيما توماس التي "أنتجت كلّ أفلامه وأولاده، كما قال في كلمته). وإلى الجائزتين المذكورتين، نال "أوبنهايمر" أيضاً: جائزة أفضل ممثّل لكيليان مورفي وأفضل ممثّل في دور ثانٍ لروبرت داوني جونيور وأفضل موسيقى تصويرية للودفيغ غورانسون وأفضل مونتاج لجينيفر لايم وأفضل تصوير لهوته فان هويتيما.

نولان البالغ من العمر 53 عاماً، انطلق بفيلم متواضع في عنوان "تعقّب" (1998) التقط مشاهده بالأسود والأبيض (16 ملم) وحقّقه بموازنة لا تتجاوز الـ6000 دولار، عن رجل تحلو له ملاحقة الغرباء في الشارع. استغرق التصوير عاماً كاملاً، وكان يصوّر 15 دقيقة فقط، كلّ يوم سبت، لعدم توافر شريط خام لديه يتجاوز تلك المدة، وأيضاً لأن للممّثلين وظائف كانوا مرتبطين بها خلال أيام الأسبوع. تجربة لم يكررها، اذ انتقل سريعاً، منذ فيلمه الثاني، "ممنتو" إلى موازنات أكبر، وصولاً إلى "أوبنهايمر" الذي كلّف مئة ميلون دولار، جاعلاً منه صاحب المشاريع السينمائية الضخمة التي تحاول الدفع بحدود الممكن إلى أقصاه، مع التذكير بأنه لا يزال متمسّكاً بالتصوير بالشريط الخام، وله رؤية كلاسيكية للسينما التي يجب ان تُشاهَد داخل الصالات.  

عُرض "أوبنهايمر" للمرة الأولى في تموز من العام الماضي، وكان له أصداء إيجابية في الإعلام، وجمع في نهاية رحلته داخل الصالات إيرادات بلغت المليار دولار أميركي. وجد الفيلم نفسه بمحض المصادفة منافساً لفيلم آخر هو "باربي" لغريتا غرويغ، كان تحوّل في تلك الأثناء إلى ظاهرة ثقافية واجتماعية واعلامية، وتجاوزت إيراداته تلك التي حقّقها "أوبنهايمر". لكن، رغم ان "باربي" حمل راية النسوية في السينما الهوليوودية وحلّ أول في شبّاك التذاكر لعام 2023، فنبذه أعضاء الأكاديمية وحاصروه في إطار جائزة أفضل أغنية بصوت بيلي ايليش (من أصل تسعة كان رُشِّح لها). هكذا انتهت حرب تجارية بغلاف إيديولوجي، عُرفت باسم "باربنهايمر"، كانت استمرت طوال الصيف وأسالت الكثير من الحبر والنقاش. صحيح ان الأكاديمية لطالما أخذت في الاعتبار النجاح الجماهيري للأفلام وما تحقّقه في السوق، لكن لم يكن ممكناً هذه المرة الانحياز إلى "باربي" على حساب "أوبنهايمر"، ولو كان ممكناً لفعلت!

"أوبنهايمر" اقتباس بسيط ومعقّد في آن واحد، لكتاب سيرة وضعه كاي برد ومارتن ج. شيروين. أفلمةٌ هي غايةٌ في الدقّة، أمينة للحقائق التاريخية. ان الشخصية التي يبني عليها نولان كاتدرائيته السينمائية هو ج. روبرت أوبنهايمر (1904 - 1967) الفيزيائي والكيميائي الأميركي المولود لعائلة يهودية (كيليان مورفي) المتخصص في الطاقة النووية. خلال الحرب العالمية الثانية، ستكلّفه السلطات الأميركية إدارة "مشروع مانهاتن" الهادف إلى إنتاج الأسلحة النووية، وذلك بعد اعتقاد سائد عند الأميركيين بأن النازيين في ألمانيا يطوّرون سلاحهم النووي الخاص. 

يقترح نولان في فيلمه هذا الذي يحمل الرقم الثاني عشر، ما يشبه المعزوفة، واضعاً المُشاهد في قلب التجربة الذرية، مع الزامه حالاً من التأهب المستمر. كان ستانلي كوبريك، وهو واحد من أقرب السينمائيين إلى روح نولان وأكثرهم تقاطعاً معه (يتشاركان نظرة "جليدية" إلى الإنسان)، يحلم بفيلم لا يتكوّن الا من مشاهد أنطولوجية ولحظات ذروة، وهي الرغبة التي تعبر "أوبنهايمر"، من دون ان تتحقق كاملاً. لكن، ستبقى من تلك الرغبة المتفجّرة شظايا كثيرة في داخل الفيلم، خصوصاً ان لحظات الصفاء والسكون والانحسار نادرة جداً. هذا الخيار السردي والشكلي أنتج "جسماً سينمائياً غريباً" لا يمكن مقارنته حتى بأفلام نولان نفسه، المأخوذة عادةً بفكرة اللانهائي. لكن، حذار، فما يبدأ بمعزوفة قد يتحوّل تدريجاً - وبمنأى من الجميع - سباقاً مع الزمن. أما هل السباق هو لإنقاذ العالم أم لتدميره، فهذه مسألة أخرى لا يمكن الاعتماد على نولان للحصول على أجابة واضحة، كونه أحد أسياد السينما الضبابية التي تشرح الماء بالماء.  

ثاني الأفلام في حصد أكبر عدد من الجوائز هو "كائنات مسكينة" للمخرج اليوناني يورغوس لانثيموس. أرب" هي الجوائز التي أُعطيت له، بدايةً مع "أفضل ممثّلة" لإيما ستون المستحقة جداً والتي قدّمت أداء يحبس الأنفاس، ثم أيضاً "أفضل ديكور" و"أفضل تصميم أزياء" و"أفضل ماكياج وتصفيف شعر". هذا الفيلم الذي نال "الأسد الذهبي" في مهرجان البندقية الأخير، اقتبسه لانثيموس من رواية للكاتب الاسكتلندي ألازدير غراي، وفضلها كبير في نجاح الفيلم وتفوقه. فنحن أمام عمل فانتازي علمي خيالي سوريالي مشغول بالسرد وبقول حكاية، بقدر اهتمامه بالتعليق والإضافة وربط هذا كله بتاريخ سينما معينة، هي سينما الكائنات المشوّهة والغامضة الشريرة من ذوات القلب الكبير. جنس، عمليات جراحية، مَشاهد عنف وتوحّش وأشكال مخيفة… هذا بعض ممّا جاء في عمل المخرج اليوناني المعروف بالأفلام الغريبة الذي يعيد الاعتبار إلى المرأة في سينماه، محرراً إياها بالكامل وبلا شرط. 

فيلم آخر نال جائزتين: "منطقة اهتمام" للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر (المرشَّح أيضاً في خانة "أفضل مخرج" و"أفضل فيلم")، الذي كانت له جائزة "أفضل فيلم أجنبي" و"أفضل هندسة صوت". منذ عرضه في كانّ 2023، حيث نال الجائزة الكبرى، أضحى محل اهتمام كبير على المستويين الجماهيري والنقدي، وعُقِدت مقارنات بين ما يصوّره وما يحدث الآن في غزة من عدوان إسرائيلي وصمت المتواطئين معه، ذلك انه يعاين موضوع الشر من وجهة نظر أحد القادة العسكريين الضالعين في المحرقة النازية، الذي يقيم مع عائلته على مقربة من معسكري أوشفيتز بركناو اللذين شهدا أفظع الجرائم في حقّ اليهود الأوروبيين في أواخر الحرب العالمية الثانية. الفيلم ذكي ولمّاح، وكان محل جدالات كثيرة عبر الماضي، يتعلّق بكيفية تجسيد الشر على الشاشة. سلسلة من اللقطات الثابتة ترينا يوميات العائلة، حيث الزوجة تبقى في المنزل، فيما الزوج يحاول ابقاء العائلة خارج الأضرار الجانبية لأفعاله، وفي المساءات يقرأ القصص لأطفاله كي يخلدوا إلى النوم. لن نرى الفظائع، بل فكرة النصّ الأساسي هي ألا نراها. عند استلامه الجائزة، نعت غلايزر إسرائيل بدولة الاحتلال متّهماً إياها بمحاولة توظيف الهولوكوست، لكنه ذكر أيضاً في خطابه ضحايا السابع من تشرين الأول 2023 من دون ان ينسى مَن قضوا في غزة.  

كبار الخاسرين والخاسرات في هذا الحفل السنوي الذي يتابعه الملايين، سواءً على الشاشة أو عبر وسائل التواصل، هم: 1- الممثّلة الألمانية ساندرا هولر التي أبدعت في دور زوجة متّهمة بقتل زوجها في "تشريح سقوط" لجوستين ترييه، دراما أسرية قاسية نالت "السعفة الذهب" في مهرجان كانّ الأخير، لكن الفيلم أُسندت إليه جائزة السيناريو الذي وضعه ترييه مع شريك حياتها الممثّل أرتور أراري. 2 - بول جياماتي الذي كان متوقّعاً ان يخطف جائزة "أفضل ممثّل" (ذهبت إلى كيليان مورفي)، عن دور الأستاذ الذي يبقى مع تلاميذه خلال عطلة رأس السنة في الجامعة، وذلك في فيلم "الباقون" لألكسندر باين الذي سحق قلوب الكثيرين، لكن بدلاً منه أُعطيت دافين جوي راندولف عن دورها فيه جائزة "أفضل ممثّلة مساعدة"، وقد رأينا جياماتي يهرق دمعة خلال استلامها التمثال الذهب. 3 - مارتن سكورسيزي، الذي لم ينل فيلمه "قتلة زهرة القمر" أي جائزة، رغم انه كان ترشّح لعشر. 4 – "مايسترو"، فيلم برادلي كوبر إخراجاً وتمثيلاً، الذي استُبعد تماماً من لائحة الجوائز. 

جائزة "أفضل وثائقي" ذهبت إلى "20 يوماً في ماريوبول" للأوكراني مستيسلاف شرنوف (توثيق لما عاشه المخرج أثناء الغزو الروسي لأوكرانيا)، مخيّباً آمال بعض العرب الذين كانوا ينتظرون ان يعود "بنات ألفة" لكوثر بن هنية بالجائزة إلى تونس، بعد نجاحه في خطف جوائز عدة من بينها الـ"سيزار" الفرنسية. أخيراً، ورغم انه قدّم أحد أضعف أفلامه، فاز معلّم سينما التحريك، الياباني هاياو ميازاكي، بجائزة "أفضل فيلم تحريك" عن "كيف تعيش"، لكنه لم يأتِ لتسلّمها. 

 

النهار اللبنانية في

12.02.2024

 
 
 
 
 

نسبة مشاهدة حفل جوائز أوسكار عند أعلى مستوياتها منذ 4 سنوات

(رويترز، العربي الجديد)

أفادت شبكة "دي إي إس دوت إن"، المملوكة لـ"والت ديزني"، الاثنين، بأن حفل توزيع جوائز أوسكار الذي جرى يوم الأحد قد اجتذب نحو 19.5 مليون مشاهد على قناة إيه بي سي، وهو أعلى مستوى وصلته منذ أربع سنوات.

حفل جوائز أوسكار 1998

على الرغم من أرقام المشاهدات التي حققها الحفل هذه المرة، فإنها لم تزد إلا قليلاً عن العام الماضي عندما شاهد 18.8 مليون شخص أعلى جوائز صناعة السينما. ولا تزال من بين الأدنى في تاريخ جوائز أوسكار، إذ جاءت أعلى مشاهدات لحفل توزيع جوائز أوسكار في تاريخها عام 1998 محققاً 55.3 مليون مشاهدة، عندما فاز فيلم جيمس كاميرون الشهير "تايتانيك" بجائزة أفضل فيلم.

ومع ذلك تعتبر نسبة مشاهدة مقبولة مقارنة بعام 2021، حين لم يحقق سوى 10.4 ملايين مشاهدة.

غزة حاضرة في جوائز أوسكار

أغلق مئات المتظاهرين شارع بولفار سانست في هوليوود مساء الأحد، خلال حفل توزيع جوائز أوسكار، ونظموا مسيرة في الشارع حاملين لافتات كتب عليها "لا جوائز للإبادة الجماعية"، في احتجاج على تواصل العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.

لكن التضامن مع الفلسطينيين في قطاع غزة لم يقتصر على المحتجين في الشارع، بل على السجادة الحمراء والمسرح عبّر عدد من الفنانين والعاملين في مجال السينما عن تضامنهم مع غزة، مطالبين بوقف إطلاق النار.

على السجادة الحمراء ارتدت المغنية بيلي أيليش، ونجم فيلم "بور ثينغز" رامي يوسف والممثل يوجين لي يانغ، والمخرجة آفا دوفرناي، والمخرج ميسان هاريمان، والمخرجة كوثر بن هنية، والممثل مارك روفالو، الشارات الحمراء التي تظهر دعم الفنانين لوقف إطلاق النار.

وفاز فيلم "أوبنهايمر"، وهو فيلم يتناول السباق لبناء أول قنبلة ذرية، بسبع جوائز من بينها أفضل فيلم وممثل.

 

العربي الجديد اللندنية في

12.02.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004