ملفات خاصة

 
 
 

كائنات بائسة” Poor Things..

عظمة السينما!

أمير العمري

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

هذا عندي، دون أدنى شك، أفضل أفلام العام 2023، بل ومن أفضل ما شاهدت خلال السنوات العشر الأخيرة. إنه عمل كبير، قد لا يوازيه سوى أعمال الفن التشكيلي الكبرى، وكلاسيكيات السينما الحديثة، من فيلليني، إلى بونويل، ومن برغمان إلى أنطونيوني وتاركوفسكي. وفيه يصل المخرج اليوناني الكبير يوغوس لانثيموس إلى أرقى مستوى في الإخراج السينمائي.

لانثيموس لا يكتفي بالترجمة البصرية لصفحات رواية الكاتب البريطاني أليسدير غراي، والتي صاغها في سيناريو سينمائي، الكاتب المبدع توني مكنمارا (بالاشتراك مع غراي نفسه). فهو يجسد رؤيته الخاصة، ويضع بصمته الشخصية التي تعكس خياله الجامح، ويصور عالما لم نره من قبل، يدور في المساحة الواقعة بين الواقع والخيال، الماضي والمستقبل، الخيال العلمي والماضي المستقبلي، إن جاز التعبير. إنه يقفز بين الأساليب، من التأثيرية إلى السيريالية، ومن قصص الأطفال الملونة، إلى الأبيض والأسود، ومنها إلى الألوان الحراقة القوية، التي تضفي طابعا خرافيا على الصورة، وتساهم في خلق “التغريب” للتقريب.

يثبت لانثيموس في فيلمه هذا، أنه فنان سينما من الطراز الأول، وأن هذا الفيلم المقتبس عن عمل أدبي هو أفضل مثال على قدرة السينمائي العظيم على تجاوز الطابع الروائي، ليصنع تحفة “بصرية” ترقى إلى مستوى “السينما الخالصة”، التي تعتمد على الصورة، والصوت، والمونتاج، مع الأداء والديكور والأزياء والموسيقى. وكل عنصر من هذه العناصر مدروس بعناية شديدة، وكل تفصيلة من تفاصيل الأزياء والديكورات الغريبة الباروكية أو القوطية، تعكس مزاج الفيلم، أو بالأحرى مزاج بطلته، المتقلب، التي تبحث من أجل الوصول إلى المعرفة، وتجاوز مأزق الوجود.

سبق أن كتبت مقالا قصيرا عن هذا الفيلم بعدما شاهدته في مهرجان فينيسيا السينمائي في سبتمبر 2023، لكن المشاهدة الثانية، أضافت الكثير، وجعلتني أتجاوز مرحلة الدهشة والإعجاب والفضول، إلى اليقين بأنني أمام تحفة سينمائية متكاملة العناصر والأركان، لا يضاهيها أي عمل سينمائي آخر. صحيح أن لانثيموس هنا يبدو متأثرا بثيمات سبق أن شاهدناها من قبل، سواء في أفلام فرانكنشتاين أو “الرجل الفيل” لديفيد لينش، أو “كاسبار هاوزر” لفيرنر هيرتزوغ، إلا أنه يخلق أسلوبه الخاص، ويستدرجنا معه لنتوغل داخل صوره الوحشية، وخيالاته التي تفوق أي خيال أدبي.

تبدأ الأحداث في لندن- القرن التاسع عشر، أي في عصر داروين وفرانكنشتاين، أي الواقع والخيال العلمي، وفي ذروة العصر الفيكتوري، عصر القيم المتزمتة، وخضوع المرأة المطلق للرجل. أما “بيلا باكستر” (إيما ستون) بطلة فيلمنا هذا، فهي فتاة شابة نحيلة، تتحرك داخل قصر هائل، ذو ممرات طويلة ملتوية، وغرف باروكية الطابع، مليئة بالأثاث واللوحات والفضيات والطاولات، وفي داخله أيضا معمل طبي يجري فيه الدكتور “غودوين باكستر” (وليم دافو) تجاربه الغريبة على الكائنات، فيزاوج بين الدجاجة والكلب، وبين الخنزير والوزة.

تطلق بيلا على هذا باكستر- (الإله God)، فهو الذي أعادها إلى الحياة ورباها وأصبح المتحكم الأول في حياتها. وسنعرف بعد قليل، أنها كانت قد حاولت الانتحار وهي حامل، فألقت بنفسها من فوق جسر “تاور لندن”، إلا أن غودوين أنقذ جسدها من الغرق، ولكي يعيدها عملياً للحياة، قام بنقل مخ جنينها إليها، فأصبحت بالتالي، طفلة داخل جسد امرأة. لا تمتلك أي ذاكرة من الماضي. فماضيها هو فقط حاضرها منذ أن أعيد ميلادها في منزل باكستر الغريب. وهي تتحرك وتتحدث مثل طفل صغير، لا تلقي بالا لأي شيء، تتشبث في عناد بما تريده، لا يحول بينها شيء. وإذا غضبت حطمت الأواني والمقتنيات داخل معمل الدكتور باكستر، تتبول على الأرض، تنطق الكلمات التي تلقن إياها بطريقة بدائية، وعندما تريد شيئا فإنها تشير إلى نفسها كما لو كانت تشير إلى شخص غائب أي تحل اسمها مخل الضمير (هي) فتقول: “بيلا تريد هذا أو ترغب في ذاك”.. إنها مازالت في مرحلة “التطور” بالمفهوم الدارويني، من عقل جنين، إلى طفل، ثم سيستغرق الأمر بعض الوقت حتى تصبح امرأة ناضجة تدرك معاني الأشياء.

عندما يروي د. غودوين باكستر على تلميذه “ماكس” كيف أنقذ بيلا من الغرق، ثم نقل إليها مخ جنينها، نشاهد هذه المناظر من خلال “فلاش باك”، وهو يجري العملية الجراحية باستخدام أجهزة تسلط أشعة كهربائية على دماغ بيلا على نحو يذكرنا بأفلام فرانكنتشاين، وفي قصر باكستر أيضا كائنات أخرى غريبة أجرى عليها التجارب، كما أنه سيروي فيما بعد لماكس، كيف أنه خضع هو نفسه للتجارب التي أجراها عليه والده، الذي كان جراحاً أيضا، مما أدى إلى تشوه في أصابع يديه، بل سيعترف له فيما بعد بأن والده أجرى له عملية إخصاء، وتلاعب في مخه فأصبح وجهه مشوها مليئاً بالتشققات، يشبه وجه مخلوق الدكتور فرانكنتشاين، وبين آونة وأخرى، يتجشأ أو يتثاءب فتخرج من فمه فقاعة تنتفخ ثم تنفجر مع صوت قبيح.

وفي مرحلة متقدمة من الفيلم، عندما يصبح على فراش الموت، سيسر لبيلا أنها الوحيدة التي قبلته كما هو، ولم تفزع لمنظره، وأحبته بالفعل. أما ارتباط بيلا بغودوين باكستر الذي تناديه بـ”الإله”، فهو ارتباط بين الخالق والمخلوق، يمكن لها أن تعصاه وتتمرد عليه وتخرج عن طاعته، لكنها تحبه ولا يمكنها الاستغناء عنه حتى بعد أن تتحرر من قبضته، فهي تعود إليه في النهاية قبل أن يفارق الحياة. لكنها أصبحت الآن تقبض على مصيرها بنفسها، وتواجه الشر الذي يحيط بها، بحيلة تجعلها تنتقم من الرجل الذي أراد أن يسخرها ويستعبدها، لكنني لن اكشف هنا عن الالتواء المثير الذي يحدث في الحبكة في الفصل الأخير من الفيلم، حتى لا يفقد القاريء متعة المشاهدة.

في البداية، بيلا حبيسة داخل جدران هذا القصر الغريب بدهاليزه الغامضة المليئة بالأسرار. لم تغادره قط. وسيسند غودوين مهمة مراقبة سلوكياتها إلى مساعده الشاب “ماكس ماكندلز” (رامي يوسف)، الذي يقع في حبها، وتشعر هي بميل نحوه، فيعرض عليه غودوين أن يتزوجها شريطة أن يقيما في القصر معه وتحت إشرافه، ويأتي بمحام يكتب شروط عقد الزواج. وتكتشف بيلا عادة “الاستمناء” التي تحصل عن طريقها على المتعة الجنسية، ثم تستسلم لمداعبات المحامي اللعوب “دنكر ويديربيرن” (مارك روفاللو) الذي تتذوق معه الجنس لأول مرة، ثم يقنعها أن تذهب معه في رحلة حول العالم.

يسود القسم الأول من الفيلم التصوير بالأبيض والأسود، مع صور “محببة” أي مليئة بالحبوب، لإضفاء الطابع القديم مع إطار للصورة يحافظ على منسوب الأفلام الكلاسيكية (1: 1.66) أي ما يوازي تقريبا منسوب 3: 4 الذي كان يستخدم في شاشة التليفزيون القديم، فالشاشة هنا أضيق من الشاشة المعتادة التي أصبحت سائدة اليوم (بمنسوب 1.85:1) ويستخدم مدير التصوير الأيرلندي “روبي راين” عدسة “عين السمكة” الواسعة wide angel التي تحيط بالكثير من مكونات الصورة لكنها تجعلها تبدو مضغوطة أو مشوهة بعض الشيء لكي تمنحها طابعا يبتعد عن الواقعية. ومع بدء الرحلة يتحول الفيلم إلى الألوان الصريحة التي تجعل اللقطات تشبه اللوحات الفنية التأثيرية أو الانطباعية، مع تعميق الألوان وجعلها أكثر قوة، مع مسحة مقصودة من الاصطناع على الديكورات، فالأهم هنا أن تمنحنا الصورة “الانطباع” بأننا أمام “رؤية” الفنان لموضوعه، وليس محاكاة الواقع. وهذا الطابع التأثيري، الانطباعي، يتجسد أيضا في الديكورات والمواقع الخارجية (البحر، السوق، المقهى، السفينة، بيت الدعارة.. إلخ) التي تستخدم فيها أحيانا، الصور المولدة عن طريق برامج الكومبيوتر بتقنية CGI، أو اللوحات كخلفية للديكور، مرة أخرى، لتأكيد الطابع اللاواقعي.

مكونات الصورة (ديكورات داخلية وخارجية، وملابس لكل منها تأثير خاص، ودلالة تميز الشخصية التي ترتديها)، والألوان ومصادر الضوء، والتكوينات التشكيلية في الصورة، وكتابة عناوين الفصول على طريقة فصول الرواية الخيالية، وكلها عناصر تجرد الفيلم من فكرة الإيهام بالواقع، ولا شك أنها تستحق دراسة خاصة. ويبرع مهندس الديكور المجري “ميهاليك زوسا” في تصميم الديكورات طبقا للرؤية التي أرادها المخرج، بحيث تمنح الطابع القديم، في القرن التاسع عشر، لكنها في الوقت نفسه تمنح الشعور بالخيال المستقبلي المرتبط بالماضي، أي من عالم جول فيرن، من دون أن نغفل تأثير الموسيقى التي تتدرج من الاضطراب والتشتت مع طرقات ونغمات الموسيقى الالكترونية في البداية تعبيرا عن القلق المحيط بشخصية بيلا، ثم تتخذ طابعا أكثر كلاسيكية في الجزء الثاني من الفيلم، وهي الموسيقى التي كتبها ببراعة الموسيقار الإنجليزي جيركسن فيندركس، الذي يعرف بملك موسيقى البوب الحديثة ultra-modern pop.

بيلا” تخرج إلى العالم، تتصرف في تلقائية الأطفال، تخاطب الآخرين كما يحلو لها ومن دون أي اعتبار لما يذكرها به مرات عدة رفيقها “دنكر” أي “اللياقة الاجتماعية”، لكن المدهش أن الآخرين الذين يتعرضون لمشاكساتها الطفولية يتقبلون منها سلوكها الفظ من دون احتجاج، خصوصا النساء، كما لو أن المرأة في تلك الفترة كانت تتطلع ولو سرا، إلى التحرر من القيم الفيكتورية المتزمتة أيضا.

من هنا تبدأ رحلة الوعي بالذات. وسنرى أن كل الرجال الذين تعرفهم بيلا، وأولهم بالطبع، والدها الروحي الدكتور غودوين، يحاولون باستمرار التحكم فيها، وتسخيرها لما يريدونه منها. ماكس يستنكر سلوكها ويطالبها بالسيطرة على نفسها، وبأن تتصرف بطريقة “محترمة” وقبل زواجها منه ستقرر الفرار مع دنكر لكنها لا تحب دنكر، ودنكر سيحاول تطويعها للصورة التي يريدها خصوصا بعد أن يعرض عليها الزواج لكنها لا تقبل بل ستتمرد باستمرار على الزواج وتهرب منه قبل أن يتم. وبعد أن تكتشف المتعة الجنسية من خلال الاستمناء، ثم الجنس، تشعر بنوع من التحرر الذي يدفعها نحو المزيد من التجارب.

في لشبونة ستكتشف متعة الحلوى البرتغالية، وستجرب الخمر، وتعرف القراءة، وتتطور لغتها، وتصبح راغبة أكثر في تقديم شيء للعالم. ومن السفينة التي تنقلها مع رفيقها الى الإسكندرية تتطلع في حسرة وأسى إلى الأطفال البؤساء، على رصيف الميناء في الأسفل، ولا تتورع عن الاستيلاء على كل المال الذي ربحه “دنكر ويديربيرن” من القمار، لتمنحه إليهم، مما يجعله يجن جنونه، لكن المال لن يصل إلى مستحقيه، بل سيستولي عليه الحارسان اللذان سلمته لهما لتوصيله للبؤساء، فهي مازالت تثق في الآخرين ولم تكتشف بعد الخسة والجشع والخديعة.

وفي باريس تهبط مع رفيقها من دون أي مال، لكنها سرعان ما تكتشف أنها من الممكن أن تجني المال من الجنس أي من بيع نفسها للزبائن في ماخور تديره المدام الفرنسية (كاثرين هانتر) وهي امرأة عجوز مثل كائن مفترس، يغطي جسدها الوشم، وعند أول فرصة تقضم أذن بيلا في شهوة عارمة. وبيلا تستجيب لدعوتها للعمل بشكل مستمر في الماخور، ليس فقط من أجل الحصول على المال، بل من أجل خوض التجربة الجنسية مع رجال متعددين من دون أي مشاعر، ثم تتعرف على رفيقة من عاهرات الماخور، امرأة سوداء هي “توانيت” (سوزي بيما) التي تخوض معها أيضا التجربة الجنسية المثلية، ثم تذهب معها لحضور اجتماعات الاشتراكيين. وهي التي ستظل معها حتى النهاية.

إن “بيلا” تلخص المرأة الجديدة، التي تريد أن تعثر على نفسها، على هويتها، على استقلاليتها، وهي مليئة بكل الحب والرغبة في العطاء. إنها تبكي كثيرا بعد أن ترى الأطفال المرضى المشرفين على الموت على شاطئ الإسكندرية، وهي لا تهتم بالمال كقيمة أو كهدف في حد ذاته، وتشعر بالحاجة إلى التواصل مع الآخرين، ولكنها حتى بعد أن تدرك وتعي وتعرف كيف تتكلم بعد أن تكون قد اكتسبت قدرا لا بأس به من الثقافة، لا تعير “التقاليد الاجتماعية” أو “قواعد اللياقة الاجتماعية” اهتماما كبيرا، لأنها أصلا متحررة من قيود الطبقة، وسيأتي وقت تتطلع فيه لدراسة الطب وان تصبح طبيبة مثل معلمها ومربيها، اعتمادا على نفسها

من أهم عناصر الفيلم الحوار العبقري الذي يتدرج من العبث والطفولية والتلعثم، إلى الحوار الناضج ثم إلى الحوار الذي يبدو أقرب إلى “مونولوغ” منه إلى “ديالوغ”، وهنا يمتليء الحوار بالتساؤلات الفلسفية عن العالم، خصوصا الحوار الذي يدور بين بيلا، والشاب الأسود “دكتور هاري أستلي” (جيرود كارمايكل) الذي تلتقيه على ظهر السفينة تقدمه لها السيدة المسنة الألمانية “مارتا” (هانا شيغولا) التي تعترف لها بأنها لم تمارس الجنس منذ 20 عاما. أما “هاري” فهو يقدم لها كتابا للكاتب والفيلسوف الأمريكي “رالف والدو إيميلسون” Ralph Waldo Emerson  الذي كان يؤمن بأن البشر والطبيعة متحدان، وهو صاحب الفلسفة الفردانية التي تعلي من قدرة الإنسان على التحرر والاستقلالية وتحقيق السعادة بمعزل عن المؤسسات الاجتماعية التي تحد من حريته.

إلا أن هاري يشعر أيضا، بعبثية الحياة، ويرى أن الإنسان مجبول على الشر، وأننا ككائنات بشرية، محكوم علينا بالفناء، وعندما تقول له إنها لو كانت تعرف العالم لأمكنها أن تجعله أفضل، يقول لها: لا تستطيعين ذلك. وهذه هي الفكرة الأساسية. لا تقبلي أكذوبة الدين، الاشتراكية، الرأسمالية، إننا كائنات هالكة. يجب أن تحتمي بالواقعية. بالحقيقة.  

 ولكن بيلا تقول له إنه مجرد طفل صغير لا يستطيع تحمل آلام العالم. فيطرق ويقر بذلك، فتقبله ويكون هذا هو آخر لقاء بينهما لقد تضاعف وعي بيلا بذاتها ليسكبها قوة تدفعها إلى رفض توسلات “دنكر” لها بالعودة إليه.

في الفيلم مواقف كثيرة من الكوميديا (السوداء)، تتمثل في المفارقات التي يخلقها التناقض بين سلوكيات بيلا في الأماكن التي يغشاها علية القوم، ورد فعل المجتمع من حولها، كما في التناقض بين بيلا ودنكر، فهو على سبيل المثال، يتناول الكتاب الذي تقرأه على ظهر السفينة، ويلقي به في البحر، فتناولها السيدة مارثا نسخة أخرى من الكتاب، فيتناولها أيضا ويلقيها في البحر. وفي تصرفات ديكر العصبية المتوترة الكثير من المبالغة لكن هذه المبالغة في الأداء سواء من جانب مارك روفالو أو إيما ستون، هي جزء من الخروج عن الواقع، من التغريب المقصود، من فكرة أننا نشاهد قصة مصورة ملونة لشخصيات خيالية تتحرك في عالم خيالي لكنها، على نحو ما، وثيقة الصلة بنا، بمشاعرنا وأفكارنا.

ويظل أهم وأكثر عناصر الفيلم بروزًا وقوة وما يمنحه حضوره وتألقه ويسمو به فوق سائر الأفلام، هو الأداء العبقري لإيما ستون. فهي الفيلم والفيلم هي. وهي تحمل الفيلم بكامله على عاتقها، تظهر في كل مشاهده، تتماهى مع الشخصية، تتلبسها في طفوليتها ومشاكساتها، ثم تنضج معها، تشعر بكل خلجة من خلجاتها في اللقطات القريبة للوجه “فلاش باك”، كما تتحرك في البداية حركتها المتعثرة، وهي مازالت تحت تأثير التحول الذي نتج بعد زرع مخ جنينها في دماغها، إلى أن تصبح أكثر اتزانا وقدرة على الجدل وتكتسب قدرا من الثقافة وتصبح شخصية متأملة حتى وهي في أكثر لحظات الجنس المادي انغماسا، خلال عملها في بيت الدعارة الباريسي الباروكي الغامض الذي يجعله مصمم الديكور يشبه بيوت الرعب بممراته ودهاليزه وسلالمه الملتوية وحجراته الخافتة الإضاءة، وألوانه القاتمة. هنا تصبح بيلا مراقبة أكثر منها مندمجة. تراقب بل وتغمر بعينها أيضا للولدين اللذين أتى بهما والدهما معا لكي يعلمهما ممارسة الجنس. وهو المشهد الذي استبعدته الرقابة البريطانية لخشيتها من تأثيره السلبي!

إن أداء إيما ستون يرتفع فوق كل أدوارها السابقة، ويجعلها ترقى إلى مصاف كبار الممثلين في عصرها. ومن دونها لا يوجد الفيلم، فالشخصية تبدو كما لو كانت قد كتبت لها، ولا غرو في ذلك بعد أن قامت ببطولة فيلمين من أفلام لانثيموس. إن مشاهدة أداء إيما ستون هو وحده، متعة خالصة، وليس من الممكن فصل أدائها عن تلك اللوحات التشكيلية الخيالية البديعة التي صنعها لانثيموس مع مصوره العظيم.

كائنات بائسة” عنوان مقصود به أساسا -كما أظن- عالم الرجال، الذين يتعذبون وهم يحاولون السيطرة على المرأة، بشتى الطرق، من أول الدكتور غودوين باكستر، إلى الجنرال بلسنجتون الذي يريد استعادتها كجزء من ممتلكاته. وكل الرجال الذين تمارس معهم الجنس في بيت الدعارة الباريسي هم رجال أوغاد، قذرون، همجيون، والجنس نفسه مصور هنا بطريقة هزلية، آلية، مع موسيقى عبارة عن طرقات على البيانو في نغمة متكررة تساهم في إضفاء الطابع الهزلي على المشاهد.

الفيلم بأسره، تعبير عن رغبة كائن فتح عينيه على عالم لا يعرفه، وظل يتساءل عن معاني الأشياء، يبحث عن المتعة واللذة، وعن الألم والرغبة، وعن الحب والانتماء والهوية، وعن المعنى الأكبر في الحياة، يشعر بآلام الآخرين، ويسعى إلى الخلاص من عبودية القيم السائدة، من الأسر، ومن قيود النفس. وهو لذلك عمل يقتضي أن نشاهده أكثر من مرة. ورغم كل ما يتضمنه من مشاهد صادمة وحوارات خارجة عن المألوف، إلا أنه يظل متعة للعين. ومتعة للعقل.

 

موقع "عين على السينما" في

29.02.2024

 
 
 
 
 

فيلم Anatomy of a Fall يحقق 30 مليون دولار عالميا منذ أكتوبر الماضى

لميس محمد

وصلت إيرادات فيلم الدراما الفرنسى Anatomy of a Fall إلى 30 مليونا و 720 ألف دولار بشباك التذاكر العالمى منذ طرحه يوم 13 أكتوبر من العام الماضى 2023، العمل وصلت مدته إلى ساعتين و31 دقيقة.

وانقسمت الإيرادات إلى 4 ملايين و768 ألف دولار بشباك التذاكر الأمريكى، و25 مليونا و952 ألف دولار بشباك التذاكر العالمى.

وذلك بعدما فاز فيلم الدراما الفرنسي Anatomy of a Fall أو Anatomie d'une chute  بجائزة السعفة الذهبية من مهرجان كان السينمائى فى دورته الـ76، العمل يدور في إطار إثارة، من إخراج جوستين ترييت من سيناريو شارك في كتابته ترييت وآرثر هراري، وتلعب دور البطولة ساندرا هولر ككاتبة تحاول إثبات براءتها من وفاة زوجها.

عرض فيلم Anatomy of a Fall لأول مرة في العالم في مهرجان كان السينمائي الـ 76 يوما 21 مايو الماضى، وتم إصداره في دور العرض الفرنسية يوم 23 أغسطس الماضى.

فيلم Anatomy of a Fall يدور حول ساندرا، كاتبة ألمانية، ألقي القبض عليها بتهمة القتل بعد وفاة زوجها في الثلج في ظروف غامضة وتحاول إثبات براءتها خلال المحاكمة.

العمل يقوم ببطولته كل من ساندرا هولر، سوان ارلاود، ميلو ماتشادو جرانر، أنطوان رينارتز، صموئيل ثيس، جيني بيث، سعدية بنتيب، كميل رذرفورد، آن روتر، صوفي فيليير.

 

اليوم السابع المصرية في

01.03.2024

 
 
 
 
 

هؤلاء سيقدمون حفل جوائز الأوسكار الـ96.. ليلة الإثنين المقبل

لميس محمد

سيكون كل من زيندايا وميشيل فايفر والفائزين بالأوسكار نيكولاس كيج وآل باتشينو هم من بين المجموعة الأولى من مقدمي حفل توزيع جوائز الأوسكار الـ 96 لهذا العام، بالإضافة إلى الفائزين من العام الماضي بريندان فريزر من فيلم "The Whale" وميشيل يوه، وكي هوي كوان، وجيمي لي كيرتس من الفائز بجائزة أفضل فيلم " Everything Everywhere All at Onc".

الفائزون بجوائز الأوسكار، ماهرشالا علي (Moonlight وGreen Book)، وجيسيكا لانج (Tootsie وBlue Sky)، وماثيو ماكونهي (Dallas Buyers Club)، ولوبيتا نيونجو (12 Years a Slave)، وسام روكويل (“Three Billboards Outside Ebbing, Missouri”) من المقرر أن يقدمون جوائز أيضا.

ومن بين المقدمين الإضافيين باد باني، وكريس هيمسوورث، ودواين جونسون، ومايكل كيتون، وريجينا كينج، وجنيفر لورانس، وكيت ماكينون، وريتا مورينو، وجون مولاني، وكاثرين أوهارا، وأوكتافيا سبنسر، ورامي يوسف.

بالإضافة إلى ذلك، سيتم عرض جميع الأغاني الأصلية الخمس المرشحة لجائزة الأوسكار لهذا العام على مسرح Dolby Theatre في حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس والتسعين، من قبل جون باتيست، وبيكي جي، وبيلي إيليش، وفينياس أوكونيل، وسكوت جورج وأوساج سينجرز، وكما ذكرت فارايتي سابقًا، فإن رايان جوسلينج ومارك رونسون سيؤديان اغانيهم ايضا.

يتصدر فيلم " Oppenheimer" لكريستوفر نولان الترشيحات هذا العام برصيد 13 ترشيح، يليه فيلم " Poor Things" ليورجوس لانثيموس بـ 11 ترشيح، وفيلم " Killers of the Flower Moon" لمارتن سكورسيزي بـ 10 ترشيح.

سيقام حفل توزيع جوائز الأوسكار ليلة الاثنين المقبلة 11 مارس الجارى، على مسرح دولبي، حيث يعود جيمي كيميل لاستضافة الحفل، والذي يمكن مشاهدته مباشرة على قناة ABC وفي أكثر من 200 منطقة حول العالم.

 

اليوم السابع المصرية في

03.03.2024

 
 
 
 
 

«أوبنهايمر» يلفت أنظار العالم إلى مدينة لوس ألاموس

لوس ألاموس (الولايات المتحدة) ـ «سينماتوغراف»

لم يكتف فيلم "أوبنهايمر" الذي بلغت إيراداته مليار دولار بتحقيق أرباح كبيرة للأستوديوهات الهوليوودية، بل كان من نتائجه أيضا ازدهار سياحي في مدينة لوس ألاموس التي يلفّها الغموض.

فمعظم وقائع فيلم كريستوفر نولان الذي يتناول سيرة مخترع القنبلة الذرية، ويُعدّ الأوفر حظا لنيل جائزة الأوسكار لأفضل فيلم، تدور في لوس ألاموس، وهي بلدة بُنيَت على عجل في ولاية نيو مكسيكو لإيواء مختبر سري للغاية، نزولاً عند اقتراح من روبرت أوبنهايمر، حيث كان الفيزيائي عاشقًا للأماكن الخارجية الرائعة في هذه المنطقة الواقعة جنوب غرب الولايات المتحدة.

ومنذ عرض الفيلم في يوليو الماضي، أصبح السياح يبدون اهتماما بمواقع مثل منزل أوبنهايمر و”فولر لودج”، حيث كان العلماء النوويون يقيمون حفلات للاحتفال بنجاحهم في صنع القنبلة. وزادت أعداد الزوار بنسبة 68 في المئة العام الماضي، وفقا لمسؤولي المدينة.

وقالت المرشدة في الجمعية التاريخية المحلية كاثي أندرسون التي اضطرت إلى زيادة عدد جولاتها اليومية ثلاث مرات “بدأنا نشهد تدفقا كبيرا في الربيع الماضي، حتى قبل أن يُعرض الفيلم في دور السينما”، متوقعة أن “يصبح الاهتمام أكبر إذا فاز الفيلم بجائزة الأوسكار”. لكن هذا النجاح يخفي الوجه الحقيقي للعلاقة المعقدة بين لوس ألاموس وماضيها من جهة، ومن جهة ثانية بينها وبين العالِم الذي اخترع القنبلة ولا يزال البعض يطلق عليه لقب “أوبي” تحببا.

ومن شأن الازدهار السياحي المستجدّ أن يتيح جمع مبلغ المليونَي دولار اللازم لترميم منزل آل أوبنهايمر الذي يعود تاريخه إلى قرن من الزمان، وهو مبنى متقادم يستلزم عددا من التصليحات. وأشار مؤرخ مختبر لوس ألاموس الوطني نيك لويس إلى أن أوبنهايمر “كان معروفا… بكونه مضيافا وودودا جدا مع ضيوفه، وقد شهدت هذه الغرف أحداثا تاريخية عدة”.

ولكن من الصعب تحمّل الإرث المدمر للقنبلتين الذريتين اللتين صُنِّعَتا في هذه المدينة، حيث لا يزال 15 ألف عالم يعملون في المختبر النووي نفسه. وكما يُظهِر الفيلم، أصبح أوبنهايمر نفسه من أشد منتقدي انتشار الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة. وبعد إلقاء القنبلتين على مدينتَي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين، اعترف العالِم بأنه “المسؤول عن تدمير مكان رائع”، بحسب كتاب “بروميثيوس الأميركي” الذي استند إليه نولان في فيلمه.

وقال لويس “نحن ندرك أنه إنسان، له عيوبه، وارتكب أخطاء”. ولاحظ أنه “كان معقدًا جدا، وعميقا جدا. وأعتقد أن نولان عبّر بدقة شديدة عن هذا الجانب من أوبنهايمر”. ورغم كل شيء، أحدثَ قرار المخرج تصوير مشاهد عدة في المباني نفسها التي حدثت فيها فعليا في لوس ألاموس، ضجة حقيقية في المدينة. ودُعِي العلماء العاملون في المختبر عبر إعلان في الجريدة المحلية إلى تأدية أدوار صامتة (كومبارس) في الفيلم.

وأتيحت الفرصة لعالم الفيزياء الفلكية شين فوجيرتي، المعجب بنولان، لمناقشة الاندماج النووي ونشأة القمر مع النجمين كيليان مورفي وروبرت داوني جونيور، في فترات الاستراحة بين اللقطات. ولفت فوجيرتي إلى أن “كريس (نولان) اضطر إلى أن يذكّر الجميع باحترام جو العمل والتزام الهدوء”. وهو يواظب على رواية هذه الواقعة للسياح الآخذين في التزايد، عندما يلتقيهم.

وفي بضعة أشهر، تغيرت حياة أبناء لوس ألاموس الذين يقتصر عددهم على 13 ألفا، فالمدينة الهادئة نسبيا باتت مقصدا للسياح، و”أصبح من الصعب الحصول على حجز في المطاعم القليلة في المدينة”. ويتمحور الفيلم على ملحمة سباق الذرة العلمية في القاعدة السرية في لوس ألاموس، حيث انكبّ علماء وعسكريون أعضاء في “مشروع مانهاتن” في خضمّ الحرب العالمية الثانية على الانتهاء من القنبلة قبل النازيين.

وكان يتنازع هذه الحفنة من الرجال إدراكها، من جهة، أن اختراعها سيجعل البشرية تجتاز نقطة اللاعودة من خلال توفير سلاح قادر على تدمير الكوكب بأسره، وحماستها من جهة ثانية لفكرة التمكن ربما من إنهاء الحرب العالمية، وربما وضع حد بواسطة الردع لأي شكل من أشكال الحرب في المستقبل.

 

موقع "سينماتوغراف" في

03.03.2024

 
 
 
 
 

أيام على الأوسكار... تنتقل بين الواقع والخيال وبعض الأزمنة

10 سيناريوهات في سباقين حاسمين

لندنمحمد رُضا

تنطلق حفلة توزيع جوائز الأوسكار في دورتها الـ96، مساء الأحد المقبل (10 مارس- آذار الحالي)، لتتبلور التوقعات على نحو أكثر تحديداً من ذي قبل.

إحدى أهم الجوائز الممنوحة كل سنة هي تلك الخاصّة بالسيناريو في قسميه المقتبَس من وسيط آخر والمكتوب خصيصاً للسينما.

في النطاق الأول لا بدّ من القول إن فيلم «أوبنهايمر» واجه ما توقعناه من انقسام النقاد والرأي العام معاً. هو فيلم ممتاز ومتميّز بالنسبة إلى المؤيدين، وفيلم لا يفي الحقيقة دورها عند المعارضين. وعند عدد كبير من المشاهدين العرب دعاية يهودية.

معظم تلك التعليقات بُنيت على الرأي لا على المعرفة. الفيلم من النوع الذي لا تكفي مشاهدته مرّة واحدة للحكم له أو عليه، بل يتطلّب الأمر قراءة السيناريو الذي كتبه المخرج كريستوفر نولان، والذي هو من بين السيناريوهات الخمسة المتسابقة في قسم «أفضل سيناريو مقتبَس».

المصدر الذي اعتمد عليه نولان أكثر من سواه هو كتاب كاي بيرد ومارتن شرين المعنون «انتصار ومأساة ج. روبرت أوبنهايمر» المنشور سنة 2005 حول مخترع الذرة أوبنهايمر (1904-1967).

خطوط متوازية

تقودنا قراءة السيناريو ومشاهدة الفيلم إلى استنتاج أوّلي سريع، وهو أن الفيلم بُني بالفعل على أساس كتابة موسوعية شاملة تضع ما ورد في ذلك الكتاب على شكل مَشاهد. في قراءة أعمق فإن ما يختلف هي حرية الكاتب/المخرج في الانتقال بين الأزمنة المختلفة وتلوين شخصياته بمواقف ذات خيارات صعبة. هذه بدورها مستوحاة من الكتاب وإن كانت لا تتَّبع الترتيب الزمني الوارد فيه. هذا أيضاً شأن السَّردَين الأدبي والفيلمي من حيث إن الأول اتَّبع منهجاً متوالياً من دون قفزات زمنية أو جانبية، على عكس ما عمد إليه السيناريو والفيلم من بعده.

ملاحظة ثانية هي أن السيناريو والفيلم يبدآن متقاربين ويستمران على هذا النحو ما يدلّ على أن الكثير من التغييرات الحاصلة في الفيلم وقعت، غالباً، حين التوليف. هذا مثل تقديم لقطة على أخرى تحمل ترتيباً مختلفاً في السيناريو أو حتى مشهد على مشهد.

في مجمله، وإذا ما كنّا نريد الحديث لغوياً حسب مفردات السينما، هذا أعقد وأصعب سيناريو بين كل تلك المتقدّمة للتنافس في هذا القسم.

الأفلام الأربعة الأخرى المتنافسة على هذا الأوسكار هي: «باربي» (Barbie) من كتابة نُوا بومباش وغريتا غرويغ (التي أخرجته)، و«أميركان فيكشن» (American Fiction) كتابة وإخراج كورد جيفرسون، و«أشياء مسكينة» (Poor Things) لتوني مكنمارا، و«منطقة الاهتمام» (The Zone of Interest) لجوناثان غلازر.

الاهتمامات بطبيعة الحال مختلفة، لكن ببعض الإمعان نكتشف أن هناك خطوطاً تلتقي فيها بعض هذه السيناريوهات مع بعض آخر؛ مثل لقاء «أوبنهايمر» مع «منطقة الاهتمام» في أن كليهما يتناول تاريخاً يخصّ اليهود، ينتقل كل منهما بين أزمنة مختلفة (لكن على نحو مختلف أيضاً). ثم مثل أن هناك تعليقاً اجتماعياً في «باربي» و«أميركان فيكشن» على الرغم من أن قيمة التعليق في «باربي» محض ترفيهية يلتزم بها الفيلم لأنه يحتاج إلى حبكة ما بعد الانتقال من عالم باربي إلى المجتمع البشري (قبل العودة منه)، بينما هو تعليق أساسي يدور عليه فيلم «أميركان فيكشن» كاملاً وينصّ على شخصية الكاتب الأفرو-أميركي (جيفري رايت) الذي يشهد تمنّع دور النشر عن شراء روايته الجديدة فيحاول الاستجابة لما هو مطلوب منه وهو أن يكتب عن البيئة الاجتماعية الأفرو-أميركية حتى ولو اضطر للتنميط.

«أميركان فيكشن» هو أكثر السيناريوهات المذكورة رغبةً في التعبير عن الفرد والمجتمع، مستوحياً مادته من رواية وضعها برسيڤال إيڤرَت، وقام المخرج كورد جيفرسون بكتابتها (كما هو حال كل السيناريوهات في هذا القسم باستثناء «أشياء مسكينة» الذي لم يكتبه المخرج يورغوس لانثيموس، بل وضعه توني مكنمارا عن رواية لألاسدير غراي).

ما هو آسرٌ في سيناريو جيفرسون، إلى جانب الموضوع الذي يجسد وضع الكاتب الأفرو-أميركي في دوامة دور النشر، ذلك الحوار المحدّد والسريع كما في المشهد الذي يتلقّى فيه الروائي مونك (جيفري رايت) هاتفاً من عميله الذي يخبره بأنه وجد دار نشر لكنها تطلب من الكاتب ما هو مختلف عمّا كتب:

العميل: يريدون كتاباً أسود.

- مونك: لديهم ما يطلبونه؛ أنا أسود وكذا كتابي.

العميل: تعرف ما أعنيه.

- مونك: تعني أنهم يريدون قصّة شرطي يقتل مراهقاً، أو عن أُم في (منطقة) دورشستر تحاول تنشئة خمسة أولاد.

العميل: دورشستر الآن يسكنها بيض، لكنْ نعم.

بصرف النظر عمّا سيلي، هذا المشهد الذي كتبه وصوّره المخرج متقاطعاً بين مونك يقف في الشارع وعميله وراء مكتبه، هو حجر الأساس في تحوّل اتجاه مونك مضطراً من كاتب يكتب كما يكتب المؤلّفون البيض إلى آخر عليه أن يعود إلى الجحر الذي خرج منه.

قتلة غائبون

يعكس ما سبق فرصاً شبه متساوية لكيف ستنتهي المنافسة في مجال السيناريو المقتبَس:

إذا ذهبت غالبية الأصوات لفيلم عميق المغزى ويتعامل مع المجتمع الأميركي فإن الأوسكار سيذهب إلى «أميركان فيكشن».

«باربي» سينالها إذا ما شعر المقترعون بأنهم حرموه من أوسكار أفض فيلم (حيث يسود «أوبنهايمر») فيقررون نوعاً من التعويض. كذلك هناك من بينهم من يعتقد أن السيناريو جيّد، لكنه -بالحكم عليه بعد قراءته- لا يقل فوضى عن «باربي».

«منطقة الاهتمام» مهم في نطاقه الخاص لأنه يتحدّث عن الهولوكوست، لكنّ هناك شعوراً لدى المتابعين بأنه لا يحمل النسيج الجديد الذي حمله، ذات مرّة، «قائمة شندلر» (كلاهما يتعامل مع مسيحيين حيال الهولوكوست).

كذلك من غير المتوقع أن يفوز «أشياء مسكينة» بهذه الجائزة. بالمقارنة بينه وبين «أوبنهايمر» هناك انتقال بين الأزمنة، لكنَّ فيلم نولان يتميّز -كسيناريو- بأنه يتصدّى لشخصية ولموضوع أهم وأن انتقالات السيناريو عبر الأزمنة أكثر حِرفية وأقل وضعاً وصفياً، كما هو الحال مع «أشياء مسكينة».

يُلاحَظ كذلك غياب سيناريو «قتلة زهرة القمر» (وضعه إريك روث ومارتن سكورسيزي) عن هذه المسابقة، ولو أنه في عداد السيناريوهات المتنافسة في «نقابة كتّاب السيناريو» التي ستقيم حفلة توزيع جوائزها في 14 من الشهر المقبل.

سذاجة عاطفية

السيناريوهات المدرجة في سباق أفضل سيناريو مكتوب خصيصاً للسينما، هي: «حياة ماضية» (Past Lives)، و«مايسترو» (Maestro)، و«تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall)، و«المستمرون» (The Holdovers)، و«ماي ديسمبر» (May December).

أول ما نلاحظه هنا هو أن التحديات الكبيرة التي لا بدّ أنها صاحبت تحويل الأعمال المقتبَسة إلى سيناريوهات، تختلف وتقلّ في هذا القسم.

بعض ذلك يعود إلى أن كتابة سيناريو غير مقتبَس يمنح الكاتب حرية التوجه منفرداً في الاتجاه الذي يتخيّله هو. بذلك هو الكاتب الأصلي الذي لم يعتمد على كاتب آخر أو مصدر سابق (مسرحية أو رواية أو شركة دمى، مثل «باربي»).

الملاحظة الثانية أن الحب كوّن لُبّ اهتمام ثلاثة سيناريوهات من هذه المذكورة. الحب (أو عدمه في الواقع) في كنه «تشريح سقوط» (وضعت المخرجة جوستين ترييه السيناريو مع آرثر هاراري)، وفي لُبّ «مايسترو» (كتابة جون سنجر، والمخرج برادلي كوبر)، و«حياة ماضية» الذي وضعته سيلين صونغ.

سيناريو هذا الأخير يحمل كتابة تعكس خبرة محدودة في فن الكتابة. هو الفيلم الأول لمخرجته ونتيجته على الشاشة، من زاوية تقنية، أفضل من تلك المكتوبة، لكنّ الفيلم بأسره، وبصرف النظر عن الاحتفاء الكبير الذي حازه في الغرب، عاديّ الحرفة في مجموعه ويستند إلى فكرة وحبكة ساذجتين في الحقيقة.

شيء من هذا نراه في «مايسترو» أيضاً. الكتابة منصرفة لتوفير غطاء وردي اللون حول موسيقار وضع موسيقاه لأكثر من 100 فيلم هوليوودي (من مختلف المستويات) اسمه ليونارد برستين. الوجهة التي يتخذها السيناريو تبجيلية طوال الوقت؛ مما يعني أن الكاتبين لم يسمحا بوجود أي نقاط سوداء فعلية في حديثهما عن الموسيقار، متّكلَين (لحد الملل) على حكاية حبّه للمرأة التي تزوّج منها (فيليسيا مونتليغر، كما تؤدّيها كاري موليغن).

فيلم تود هاينز «ماي ديسمبر» أفضل هذين الفيلمين المذكورين كتابةً (سامي بورس وأليكس ميكانِك). يغزلان حكاية تحتاج إلى مهارة حول امرأتين واحدة ذات ماضٍ كان محط اهتمام الإعلام قبل سنوات عدّة (تؤديها جوليان مور) والأخرى ممثلة (نتالي بورتمن) ستلعب شخصية الأولى في فيلم سينمائي مقبل وتصل إلى منزل المرأة الأولى لكي تقابلها وتتعرّف عليها تمهيداً لدورها.

لكنّ السيناريو يخلو من المفاجآت، مما يدفع المخرج لتقديم مشاهد وصفية وليست حدثية متتابعة. ما يؤدي إليه مشهدٍ ما هو الدخول في كنف مشهد آخر بينما يبقى ما تحت خط المعالجة على النحو نفسه.

في الحسبان إذاً أن التنافس في هذا المجال هو بين «المستمرون» و«تشريح سقوط».

ميزة ومشكلة

ميزة سيناريو جوستين ترييه هو إصرار مسبق على تحاشي مطبّات أفلام المحاكم قدر الإمكان. مهمّةٌ صعبة لأن الفيلم، مهما اقترب أو ابتعد، هو فيلم قائم على مشاهد محكمة يستمد من المتهمة بقتل زوجها قوّة مضمونه.

نقطة ضعفه ليست في نوعية الحوار بل اضطرار السيناريو للإكثار منه. في الواقع يبدأ الفيلم به (مقابلة صحافية مع بطلة الفيلم ساندرا). القيمة في حوار هذه المقابلة هو الإيحاء بالمزج بين الحقيقة والخيال، مثل أن تقول لها الصحافية: «بالنسبة إليه حتى الخيال يحتاج إلى معايشتك للواقع».

تبعاً لقراءة الصحافية لعالم ساندرا سيتتبَّع السيناريو أحداثاً يختلط فيها الواقع مع الخيال، وهو محور الفيلم. ساندرا تحاول تأكيد أنها تفصل بين الخيال والواقع (تقول للصحافية: «حال أبدأ الكتابة أنسى حياتي. إنها حياة مملة»).

مشكلة الفيلم (السيناريو والتنفيذ) أن كل شيء مرتّب للغاية. بدوره لا يحتوي على إجابات فعلية ولأنه يرفض أن يطرق باب نوعٍ محدد فإن ذلك يجعله طائراً في الهواء.

رغم هذا، فإن حظوظه هنا لا بأس بها كذلك في نطاق أفضل فيلم عالمي (أجنبي).

يبقى «المستمرّون» الذي بعد قراءة السيناريو كاملاً. يدرك القارئ مكامن اهتمامات المخرج ألكسندر باين من خلال تلك الحكاية التي تسرد قصّة الأستاذ الذي لا يطيقه طلابه، والذي يُفرض على بعضهم قضاء عطلة الميلاد معه في المدرسة. تبادُل وجهات النظر بينه وبين أحد هؤلاء الطلاب هو تبادُل مواقف لكنْ لا السيناريو ولا الفيلم يطرحان هذا الوضع بطريقة سهلة. ليست المسألة هي فعل ورد فعل، بل يمشي كل منهما بعيداً في نهاية السيناريو والفيلم كذلك، مع قَدرٍ أفضل من المعرفة لكن من دون تغيير كبير في السلوكيات.

مكتوب بسلاسة وبمرح تماماً كما الفيلم في حقيقته.

 

####

 

«كثبان 2»... أفضل من الأول ولو بالمشكلات نفسها

يُكمل حكاية ملحمة الصحراء المذهلة

لندنمحمد رُضا

اليوم (الجمعة)، سيكون الافتتاح الكبير لفيلم «كثبان- الجزء الثاني»، (Dune: Part 2)، لمخرجه دينيس فيلنوف، الذي كان قد أنجز الجزء الأول من هذا الفيلم قبل عامين. الفيلم- التكملة تَكلّف 190 مليون دولار (مقابل 165 مليون دولارٍ للجزء السابق)، وينوي أن ينجز من 80 مليون دولارٍ إلى 100 مليون دولارٍ أميركي وكندي، ومثل ذلك حول العالم، بين يومي الجمعة ونهاية الأحد.

سيؤازره كل المعجبين بالفيلم الأول، وكل من قرأ رواية فرنك هربرت المنشورة سنة 1965 وبعض الذين شاهدوا نسخة ديفيد لينش (1984)، من منطلق الاستزادة من عالم الرواية وبصريات الأفلام التي تناولتها.

فيلم فيلنوف السابق، كان تمهيداً لكل ما يحدث هنا: كيف تعاونت قوى الشّر في عالم بعيدٍ في زمن أبعد لاحتلال كوكب فيه نبتة الحياة اسمه أراكيس. لكي يُتاح لها ذلك، كان لا بدّ من مواجهة عائلة أرييدس التي كانت تُشرف على ذلك الكوكب بالخداع وقتل زعيمها وكل قيادييها. خطة إمبراطورية هاركونن للاستيلاء على الكوكب نجحت، لكن الابن الوحيد لزعيم أرييدس بول (تيموثي شالاميت) نفذ بجلده، ويظهر في هذا الجزء الثاني، وهو ما زال يؤمن باستعادة مُلك أبيه والانتقام من قاتليه في الوقت الذي يريد فيه مساعدة أهل الكوكب الذين يواجهون الاحتلال على الانتصار في حربهم ضد المحتلين.

نقاط لقاء واختلاف

الكوكب صحراوي بالكامل. لا شيء سوى كثبان الرمال والصخور العالية فوق بعض هضابها. تحت الأرض هناك ديدان ضخمة تلتهم البشر إذا ما سنحت لها الفرصة بذلك. هناك عناكب سامّة وأصوات شبحية، وفوق كل ذلك غارات تُنفّذها قوات هاركونن ليست بعيدة عن الغارات العسكرية فوق كوكب الأرض.

بول بحاجة إلى شعب هذا الكوكب، الذين يرتدون ثياباً تبدو عربية التصاميم مع «حطّات» رؤوس كتلك التي تشتهر بها القبائل العربية في شمال أفريقيا. في أحد المشاهد يتحدّثون عن «المهدي»، وفي آخَرٍ يركع خافييه باردم ويسجد بطريقة تشبه ركوع المسلمين وسجودهم.

هناك لقاء بين هذه الحبكة وتلك التي في «أڤاتار» رغم اختلاف كل التفاصيل الأخرى. في كلا الفيلمين هناك كوكب بعيد يعيش فيه شعب قنوع امتلك ذلك الكوكب الحافل بعناصر الحياة الآمنة. في كليهما هناك قوّة تأتي لتحتل وتستعمر لتستثمر خيرات ذلك الكوكب (في «أڤاتار» الأول إشارات تحاكي ما حدث للقبائل الأميركية عندما انتشر البيض فوق القارة). هناك فرد واحد يرفض ما يقوم به المحتلّون (من أهل كوكب الأرض في «أڤاتار» ومن كواكب أخرى في «كثبان») وينضم إلى المتمرّدين.

عدا ذلك، هناك اختلافات كبيرة بين المسلسلين تدحض أي اعتقاد بأن أحدهما استعار من الآخر مقداره من الأحداث والدراميات المترامية على طول حكاية كل منهما.

أحد هذه الفروقات، العنصر الزّمني للأحداث في كل منهما؛ «كثبان» هو عن مستقبلٍ خالٍ من التكنولوجيا، وفي «أڤاتار» التكنولوجيا هي، كحال سلسلة «ستار وورز»، أساسية.

هذا يعود في الواقع إلى أن هربرت فرنك لم يكتب رواية من الخيال العلمي، لذلك من الخطأ اعتبار أن «كثبان» ينتمي إلى هذا الميدان الشاسع. هو، بتعبير دقيق، خيالٌ وليس علماً. كل ما يقع فيه يشبه أزمنة سالفة على الأرض وبعض المشاهد في الجزء الأخير من الفيلم تشبه تلك التي استخدمها ريدلي سكوت في «غلادياتور».

من دون تعبير مناسب

ذِكْر «غلادياتور» هنا ليس عبثاً. ذلك الفيلم (2000) هو عن تحرير العبيد من العبودية (ليس بعيداً بدوره عن «سبارتاكوس» لستانلي كوبريك، 1960). فيلم «كثبان 2» يمتزح في هذا النحو، فَبُولْ (شالامات) ينتقل من كونه ضحية إلى كونه قائد تحرير. لكن إحدى مشكلات الفيلم هي أداء شالامات دوره هذا. هو أفضل هنا من أدائه في الجزء الأول. هناك بدا كما لو أنه يطرق باب رأسه باحثاً عن معاني الفيلم أو ربما حقيقة ما أُسند إليه. هنا هو أكثر إدراكاً، لكنه في الفيلمين ما زال بارداً حيال كل شيء. حتى القُبلة التي يتبادلها مع زندايا فوق كثبان الصحراء (فيما قُصد به أن يكون لمسة رومانسية)، فإن زندايا هي التي تضع حاستها العاطفية بينما يحافظ شالامات على برودته.

هذا لا يمكن أن يكون مطلباً من المخرج أو إيعازاً من الرواية (شخصية بول، فيما قرأته من رواية فرنك، توفّر شخصية حماسية تجسّد معاني البطولة)، بل هو استمرار لأداءٍ لا يريد (أو لا يعرف كيف؟) التعبير عن أحاسيسه. لذلك، عندما ينتقل موقف بول من الضحية إلى القيادة، وباستثناء تهليل المحيطين به وابتساماته التي أُريد لها أن تكون واثقة، يبقى اللاتعبير الموازي للاتمثيل حاضراً.

يتمنى المرء لو أنه امتلك قدراً من موهبة الممثل كايل ماكلاكلان، الذي لعب الدور نفسه في نسخة لينش، المختلفة كثيراً عن «كثبان» في جزأيه، ليس على صعيد الحكاية بالطبع، بل على صعيد البصريات المستخدَمة لتجسيد العالم والأحداث التي تمرّ تلك الحكاية بهما.

في الحديث عن التأثير والمؤثرات، لا بدّ من الإشارة إلى أن تصاميم الملابس يعود، على نحوٍ شبه مؤكد، لفيلم «العشاء الأخير للمسيح»، (The Last Temptation of Christ)، كما حقّقه مارتن سكورسيزي سنة 1988؛ ألوان الملابس، تصاميمها من الرأس حتى القدمين متشابهة (هناك من يقترح أن فيلنوف كان قد تواصل مع سكورسيزي عندما كان الأول في مطلع سنوات مهنته).

كون الفيلم يدور، فيما يدور حوله، عن استعمار كوكبٍ ولجوءِ شعبه إلى القوّة لدحر ذلك الاستعمار لا يجعله فيلماً سياسياً. فيلنوف يعرض هذا الجانب لأنه موجود تلقائياً (كان للمؤلف نزعة معادية لحرب فيتنام وللمكارثية والاتحاد السوفياتي (على حد سواء) وليس لأنه مرغوب على نحو جاد. رغم ذلك، لا يفوّت الفيلم تناول مسائل تتعلق بطيبة الشعب المضطهَد وحقوقه، في مقابل تعسّف وفاشية الأشرار. لكن المتعثّر هنا هو منح الشخصية البطولية أكثر ممّا يمكن لها أن تستوعبه أو تقوم به، كما لو أن الجميع كان ينتظر الخلاص على يديه. حتى ولو رأينا، ولو بحدودٍ، أن هذا هو المقصود، فإن قوّة شعب ذلك الكوكب التي تبدّت في الجزء الأول لا تتبدّى هنا في الحجم نفسه.

أفضل من الأول

هذه مشكلة واضحة، كون الحكاية تعتمد على شعب قوي في الأصل، في حين ما يدور في أرجاء المعروض هنا هو تصوير شعبٍ يعيش في خوف ويلجأ إلى السرِّية. حياته مزدانة بالعادات المتوارَثة والعبادات الخاصّة، ما يخلق فجوة بين المتوقّع لهذا الشعب وبين الطريقة التي يُصوّر بها. شيء يمنع تلك العادات هو امتلاك زمام الاهتمام بأكثر من شكلها التمثيلي. وبما أن فيلنوف لا يريد تحويل فيلمه إلى منصّة فاعلة ضد الإمبريالية بالطريقة التي كتب فيها المؤلف روايته، وبالطريقة التي انتهجها جيمس كاميرون في فيلمَي «أڤاتار»، فإن حضور شعب فريمن، الذي يعيش فوق ذلك الكوكب الخطر، يبدو كما لو كان مجرد ركن ديكوراتي عِوَض أن يكون فاعلاً.

لكنّ بقية المقارنات بين الجزأين تميل حتماً لصالح الفيلم الجديد. الجزء السابق كان مثل سياحة تعريفية، وذلك بعد نصف الساعة الأولى. هذا الجزء إنجاز بصريٌّ أشمل، وجرأة في تنفيذ المهام المنوطة به بوصفه فيلماً حربياً على الرغم من فترات راحة طويلة بين المَشاهد القتالية. هنا ينتقل المخرج من التأسيس إلى الأحداث. ينفرد بابتكار مزيد من مزايا العالَم، حيث تقع الأحداث. الصحراء والسماء يؤلِّفان فضاءً بلا حدودٍ، كلٌّ منهما بمزايا خاصّة. عندما يأتي الأمر إلى التصوير، فإن اهتمام الكاميرا (بإدارة كريغ فرازر الذي سبق له أن صوّر الجزء الأول)، ينضوي على أن تُصبح جزءاً من المساحة المعروضة ومن البيئة نفسها. موسيقى هانز زيمر المحسوبة وغير الطاغية، تساعد كذلك على إشباع الجو بألحان هي، مثل الفيلم، نِصفها يواكب الغرائبيات، ونصفها الآخر المشاهد التشويقية والمعارك.

بصريات الفيلم بديعة حتى على الرغم من نهاية متسارعة كما لو أن المخرج اكتشف أنه لم يعد يملك الوقت الكافي لإبقاء مدّة العرض دون ثلاث ساعات.

عوالم بديلة في أزمنة مختلفة

يقترح «كثبان» عالماً كاملاً يقع في مكانٍ بعيدٍ وفي زمن آخر. هذان الشرطان يَرِدان في أفلام أخرى تنقلنا إلى تلك العوالم المختلفة والأزمنة المجاورة، التي لم نكن نعلم عنها شيئاً. التالي بعض تلك الأفلام التي تميّزت بميزانياتها الكبيرة.

سلسلة «ستار وورز»، التي بدأت سنة 1977 في أحداث فوق كواكب ومجرات بعيدة. لا حصر سريعاً لعددِ أجزائها وتفرّعاتها على الشاشتين الكبيرة والصغيرة والفورمات المختلفة لها.

سلسلة «سيد الخواتم» (The Lord of the Rings)، التي بدأت سنة 2001 وشهدت أربعة أفلامٍ وحالياً مسلسلاً تلفزيونياً.

• «ذا هوبيت»، بيتر جاكسون، مخرج «سيد الخواتم»، أتبع تلك السّلسلة بهذا المسلسل الفانتازي المبهر كسابقه.

سلسلة «أڤاتار» لجيمس كاميرون، التي صدر منها جزآن حتى الآن.

سلسلة «هاري بوتر»، التي تكوّنت من ثمانية أفلام، وحالياً تُحضّر بوصفها مسلسلاً تلفزيونياً.

 

الشرق الأوسط في

04.03.2024

 
 
 
 
 

حائزو أوسكار وصنّاع أفلام في «اكسبوجر» الشارقة يناقشون آليات نجاح السينما

الشارقة ـ «سينماتوغراف»

شهد اليوم الثالث من فعاليات المهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر 2024" بالشارقة، سلسلة جلسات حوارية، ناقشت آليات وسبل نجاح الأفلام، وجهود تطوير صناعة السينما في الشرق الأوسط، واستعرضت سيرة مبدعين من الحاصلين على جائزة الأوسكار، وذلك بمشاركة خبراء ومتخصصين.

في الجلسة الأولى، روى الممثل والكاتب الأميركي تريفون فري، والمخرج الأميركي مارتن ديزموند رو، تفاصيل حصولهما على جائزة الأوسكار، أمام جمهور المهرجان الدولي للتصوير "اكسبوجر 2024"، موضحَيْن أن الفكرة جاءت وبدأ تنفيذها مع تصاعد أزمة كورونا وتفشي الوباء، وهو ما جعلهما يواجهان صعاباً كبيرة أثناء تصوير الفيلم.

وأوضح الفائزان بجائزة أوسكار عن أفضل فيلم حركة قصير "two distant strangers" عام 2021، خلال جلسة "أفضل يوم في حياتنا.. كيف فزنا بجائزة الأوسكار"، أن الفكرة استوحيت بالنسبة لهما من مقتل السود في أميركا، وتكرار القصة مراراً، وهو ما جعلهما يقرران تجسيد تلك الأزمة في عمل فني كـ"فيلم قصير"، حيث تم كتابة النص الخاص بالفيلم في 5 أيام فقط ثم إرساله للمنتجين رغم المعوقات التي سببتها الجائحة.

وذكرا أنه مع حلول عام 2021 تصاعدت أزمة الجائحة وكان الناس ممنوعين من الخروج إلى الشوارع، إلا أنهما استطاعا توفير أماكن محدودة لتصوير الفيلم، ولذلك تم اختيار نفس الأماكن في مشاهد عدة.

وأكدا أنهما أصرّا على الحصول على جائزة الأوسكار رغم الصعاب التي واجهتهما، لاسيما وأنه "لا يوجد حلم أفضل من أن تكون صانع أفلام وتحصل على أوسكار"- بحسب ما ذكر مارتن ديزموند رو.

وأشار الفائزان بجائزة أوسكار، أنهما وجدا الممثلين الذين سيلعبون الأدوار داخل الفيلم، إلا أنه واجهتهما مسألة التمويل، لذلك قاما بإرسال النص إلى جميع المنتجين، وبالفعل قرر اثنان من نجوم الدوري الأمريكي للمحترفين لكرة السلة إنتاج الفيلم وتمويله.

وقال مخرج الفيلم مارتن ديزموند رو: "رُشحت من قبل للفوز بالأوسكار، وهذا الأمر غيّر حياتي كثيراً، لكن يوم فوزنا بالأوسكار كان شعوراً لا يوصف، وقلت لتريفون: اليوم نحن أبطال.. لقد فزنا".

وفي جلسة "من الفكرة إلى الصورة"، اتفق عدد من صنّاع الأفلام على أهمية مزج الأفكار للوصول إلى فكرة واحدة متماسكة، مؤكدين أهمية العمل الجماعي، وكذلك تسجيل الأفكار والاحتفاظ بها لحين استخدامها وقت اكتمال الصورة.

وقالت المخرجة ندى حشيش: "دائماً ما تأتي إليّ الأفكار بشكل جمل، ولذلك علينا أن نُبقي أعيننا مفتوحة وأن نترك الفكرة تأتي إلينا"، مضيفة: "بدلاً من التخلي عن فكرة لصالح أخرى، أفكّر في مزج الأفكار والوصول إلى خليط واضح من هذه الأفكار".

وأكدت أهمية العمل الجماعي بشرط اختيار الأشخاص المناسبين لذلك، لافتة إلى أنه حينما يبذل الشخص قصارى جهده في عمل ما، حتماً ستظهر قيمته.

وقالت مخرجة الأفلام، دانييل أردن: "إذا جاءتك أفكار عليك أن تضعها جميعًا في عمل واحد، فبالنسبة لي كنت أحتفظ بأفكاري في دفاتر متعددة، وفتحتها منذ أسبوع وبدأت العمل عليها من جديد".

وأضافت: "إذا فكرت بأمر ما لن أقبل بالتخلي عنه حتى أكتب عنه ولا أقبل بكتابة أي نص لا أقع في حبه، فإذا لم أحبه فكيف سيحبه الأشخاص الآخرون، لذلك يجب على الكاتب أن يكون صاحب رؤية"، مشيرة إلى أنه من الرائع أن يتشارك الكاتب مع شخص يقدّره لكن الأهم أن يتم العمل بديناميكية.

وأكد المخرج أحمد عبد القادر، أهمية التعاون في العمل الفني، قائلاً: "أصبحت أستمع إلى كل الآراء، بعدما كنت أعتبر الجهات الأخرى خصوماً، لكن اليوم تغير الأمر بالنسبة لي فتلك الآراء تساعدنا على الخروج من أي مأزق".

من جانبه، قال المخرج الأميركي الحاصل على الأوسكار، ترافون فري: "ننتظر كل فكرة لتأتي في وقتها، وكل فكرة لديها أمر تقدمه، وربما لا تتحول الآن إلى صورة أو فيلم لكن حينما أعود إلى أفكاري فإنني أجد رابطاً مشتركاً بينها مثل قطع الأحجية، وربما لا تكون الأفكار مترابطة لكن كل فكرة مهمة بطريقة أو بأخرى، لذلك لا أتخلى عن أي فكرة".

وأكد على أن أفضل طريقة للنجاح هي العمل كفريق، فإذا تم قراءة النص نفسه من أشخاص آخرين يمكن تحسينه، خاصة وأنه مع كل قراءة له نتعرف على الثغرات الموجودة به.

أما الجلسة الثالثة بعنوان "تطوير صناعة السينما وتخضيرها في الشرق الأوسط"، تحدث خلالها غلين روغمان، مؤسس ورئيس ستوديوهات "AED studios"، قائلاً: "الأفلام تمنحك المشاعر والأحاسيس ويمكننا صناعة ذلك بالذكاء الاصطناعي لكن قلب صناعة الأفلام هو المشاعر وقلب المشاعر هم البشر".

وأكد روغمان، أهمية الإضاءة بالنسبة للأفلام، وهو ما جعله يستخدم استوديوهات ذات أضواء عالية الجودة، لافتاً إلى أنه من الضروري الاتجاه للنظام الهجين في عمل الاستوديوهات، لاسيما وأن الواقع الافتراضي سيمثل الخطوة التالية.

وأشار إلى أن الفرق بين المشهد على الشاشة الخضراء والمشهد الحقيقي هو مثل الفرق بين الليل والنهار بالنسبة للممثل، موضحاً أنه حينما يعبر الممثل عن مشاعره فهذا يعطي عمقاً للمشهد، وذلك يظهر بصورة واضحة في المشهد، وقد يتراجع عند استخدام "الشاشة الخضراء"، واعتبر أن العامل البيئي مهم جداً، وقال: "نسعى إلى تحويل الأفلام إلى صناعة صديقة للبيئة".

 

موقع "سينماتوغراف" في

04.03.2024

 
 
 
 
 

القصة الحقيقية للفيلم التونسي «بنات ألفة»  المرشح لجائزة أوسكار 2024

بي. بي. سي ـ «سينماتوغراف»

تبدو رحمة وغفران الشيخاوي صغيرتين جداً في الفيلم الوثائقي "بنات ألفة"، لا يظهر من المراهقتين إلا وجههما وحجابهما الأسود، كان عمرهما حوالي 15 و16 عاماً على التوالي عندما انخرطت الشابتان التونسيتان في تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تصنفه الحكومة البريطانية -من بين آخرين- كجماعة إرهابية.

واستطاع الفيلم الوصول بمخرجته التونسية كوثر بن هنية للترشح لجائزة الأوسكار للمرة الثانية، وهذه المرة عن فئة الأفلام الوثائقية.

وترشحت بن هنية لجائزة الأوسكار المرة الأولى - عن فئة الأفلام العالمية - عام 2021 عن فيلم "الرجل الذي باع ظهره"، الذي يسلط الضوء على قصة لاجئ سوري "باع نفسه" من أجل الفن، للحصول على تأشيرة شنغن.

ويتناول فيلم "بنات ألفة"، قصة غفران ورحمة الشيخاوي، وإيا وتيسير والأم ألفة، من خلال سرد الأحداث التي أدت إلى انضمام الأخوات الأكبر سناً إلى تنظيم الدولة الإسلامية. ويكشف عن تاريخ من "الصدمات النسائية" عبر الأجيال، والمتشابك مع تاريخ تونس.

في البداية، تقول بن هنية، إنها كانت مهتمة بما قد يحفز امرأة شابة للانضمام إلى مثل هذا التنظيم، وقالت لبي بي سي الثقافية: اعتدنا قيام الرجال بذلك، لكن من الجديد أن النساء باتوا متورطات أيضاً في "الإرهاب"، وأعتقد أنني أردت أن أفهم سبب انجذاب الشابات إلى هذا الأمر.

وتضيف: إحدى الأفكار التي وجدتها غريبة، هي أن غفران ورحمة كانتا تبحثان عن الحرية، لقد أرادتا التحرر من اضطهاد والدتهما، وأرادتا أن تثبتا لأمهما وأبيهما أنهما تستحقان الحرية المطلقة. لذا، أردت أن أفهم كيف أن الرغبة بنيل الحرية، يمكن أن تقودك إلى هذا الطريق.

هناك العديد من الصور لشابات مثل الأخوات الشيخاوي، اللاتي هربن للانضمام إلى تنظيم الدولة في ذروته. وقدّر تقرير صدر عام 2018 من جامعة كينغز كوليدج في لندن أنّ 4761 مواطنة أجنبية ارتبطن بأنشطة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا بين عامي 2013 و2018.

وكما تفعل بن هنية، تهتم وسائل الإعلام أيضاً بفكرة "الإرهابيات". وقد جُرّدت مؤخراً المراهقة البريطانية، شاميما بيجوم، التي انضمت إلى تنظيم الدولة الإسلامية عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، من جنسيتها البريطانية، على الرغم من أنّ محامييها استأنفوا الحكم على أساس أنها قد تم استدراجها من قبل التنظيم. وتقول بن هنية "لديك العناوين الرئيسية، ولكن ماذا وراء هذه العناوين؟ هنا يأتي دور السينما".

تؤكد مخرجة العمل كوثر بن هنية، أن الفيلم ليس دراما وثائقية، وليس كفيلم "ذا أكت أوف كيللينغ" للمخرج جوشوا أوبنهايمر الذي رُشح لجائزة الأوسكار عام 2012، والذي طلب من قادة فرق الموت الإندونيسية السابقة إعادة تمثيل جرائمهم.

"على الرغم من وجود ممثلين، إلا أن الأدوار التمثيلية صغيرة جداً في الفيلم والممثلون يتصرفون كأشخاص، فهم يشاركون أفكارهم وأسئلتهم مع ألفة وابنتيها"، تقول بن هنية.

وتضيف: "لقد بدأت بتصوير فيلم وثائقي سريع، لكنني أدركت بسرعة أنه لن يكون مثيراً للاهتمام، أحتاج إلى المزيد من التعمق في هذه القصة. لذا جمعت الممثلين بألفة - والدة البنات الحقيقية - وابنتيها الصغيرتين، حتى يتمكنوا من توجيه الممثلات ومشاركة ذكرياتهم وما حدث معهم. إنه حوار، بين الممثل والشخصية الحقيقية، إنها قصة انتقال العدوى من الأم إلى ابنتها، وانتقال العنف، وما تسميه الأم - اللعنة".

ما يبدو واضحاً من الفيلم هو أن ألفة الحمروني عانت من سوء المعاملة عندما كانت شابة، متذكرة أنها عندما كانت مراهقة حاولت حماية والدتها وأخواتها من العنف الجنسي. عندما تزوجت والد بناتها، تتذكر أختها وهي تحث العريس على معاملة ألفة بقسوة لإتمام الزواج، لكن ألفة لكمت العريس واستخدمت هذا الدم لتلطيخ الملاءات التي كانت من المفترض أن تشير إلى حدوث علاقة جنسية بحسب العُرف.

وفي وقت لاحق، أصبحت ألفة، التي تربي بناتها بمفردها، عنيفة مع فتياتها، خوفاً من أن يصبحن ما يصفه الفيلم بـ "الفاسقات". وعندما صبغت غفران شعرها وحلقت ساقيها، تتذكر ألفة أنها ضربتها. ومع نهاية الفيلم، تقول ألفة لكوثر بن هنية إنها كانت مثل القطة، التي تأكل أولادها خوفاً عليهم، وتقول: كنت خائفة عليهم جداً، لم آكلهم، ولكني فقدتهم.

وتوضح بن هنية: "تشير ألفة إلى دورة الأجيال هذه في الفيلم باسم "اللعنة". لذلك، ما مرت به عندما كانت طفلة ومراهقة، فعلته مع بناتها، وفهمت خلال أحداث الفيلم ما كان يحدث معها، وكيف أثر هذا الإرث من الصدمات على بناتها أيضاً".

وتؤكد بن هنية أنّ غفران ورحمة كانتا أيضاً مراهقتين خلال فترة انتشار "التطرف"، وبعد الثورة التونسية عام 2011 وصعود تنظيم الدولة الإسلامية، إذ انجذب العديد من التونسيين إلى فكرة الانضمام إلى التنظيم في ليبيا أو العراق أو سوريا. وتشير التقديرات إلى أن ما يصل إلى 6000 تونسي قد انضموا إلى التنظيم بحلول عام 2015.

وتصدّر اسم غفران ورحمة الشيخاوي عناوين الأخبار في تونس عام 2015 عندما تبين أنهما انضمتا إلى تنظيم الدولة، ظهرت ألفة أيضاً على شاشة التلفزيون التونسي قائلة إنها حذرت السلطات من أن بناتها أصبحن "متطرفات" (حتى أنها طلبت حبس رحمة لمنعها من الهرب)، وأُلقي القبض عليهن لاحقاً في ليبيا.

وفي عام 2023 حُكم عليهن بالسجن لمدة 16 عاماً، وترعرعت فاطمة، ابنة غفران، البالغة من العمر ثماني سنوات، في سجن ليبي مع والدتها.

وتشير بن هنية إلى أن فيلمها لا يزال يعرض في دور السينما بتونس، بعد حوالي ستة أشهر من صدوره.

وتقول إن الخطة كانت إما السماح بمحاكمة الأخوات في تونس، أو السماح لفاطمة،ابنة غفران، بمغادرة السجن، ولكن حتى الآن لم تنجح تلك المحاولات.

ولعل أكثر ما يثير المشاعر في فيلم "بنات ألفة"، والذي يلخص تاريخ الصدمة العائلية، هو عندما سُئلت الأخت الصغيرة عما ستقوله لأخواتها إذا تمكنت من رؤيتهن مرة أخرى، فقالت: "هذه العائلة التي دمرتكن، لن أسمح لها بتدميري".

 

موقع "سينماتوغراف" في

05.03.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004