ملفات خاصة

 
 
 

أيام على «الأوسكار»

هل تذهب جائزة السينما المرموقة للأفضل أم للأشهر؟

لندنمحمد رُضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

ثمة ممثلة اسمها دافين جوي راندولف تخوض مجال التمثيل منذ 2013، وظهرت حتى الآن في 40 فيلماً. لم يكن أحد ليعرفها وإنْ شاهدها شخصياً أمامه، لشبهها بكثير من الوجوه، وعدم تفرّدها بملامح مميّزة؛ على العكس لو التقى الواحد منا مصادفة بمارغو روبي، أو جودي فوستر، أو إيما ستون.

لكن الحال ستتغيّر، ولو بمقدار كافٍ، في العاشر من فبراير (شباط) الماضي خلال حفل «الأوسكار» السادس والتسعين. هذا لأنّ دافين هي أقوى مرشّحات مسابقة «أفضل ممثلة مساندة» عن دورها في فيلم ألكسندر باين «المستمرّون» (The Holdovers).

لن يكون فوزها سهلاً أمام جودي فوستر وإيميلي بلنت خصوصاً، لكنه، ووفق توقّعات الغالبية، هو الفوز الأكثر احتمالاً في هذا القسم.

لا بأس بالحديث عن السبب. دافين هي الممثلة الأنثى شبه الوحيدة في «المستمرّون». بطولته لبول جياماتي، وموضوعه يتمحور حوله وطلابه الذكور. هي الطبّاخة والمُشرفة على شؤون المدرسة: امرأة كبيرة الحجم، بدينة، لا يمكن قياس نسبة جمال ملامحها، لكن أحداً من بين جميع منافِساتها في هذا السباق لم يقدّم أداءً مؤثراً وتلقائياً ومندمجاً بعفوية مدروسة أكثر منها. لا يمكن لأي مُشاهد نوعي إلا أن يُعجب لا بدورها فحسب، ولا بطريقة أدائها وحدها، بل كذلك بشخصيّتها الطبيعية والمشبّعة بالمشاعر. ثمة مَشاهد لها وحيدةً، وأخرى أمام بول جياماتي والشاب دومينيك سيسا، لكنّ العين لن تتركها من أجل الآخرين. ستراقبها وهي تعكس حالة إنسانية عميقة. من خلالها، يكاد المُشاهد أن يرى تاريخ أفضل الممثلين والممثلات الأفرو- أميركيين في تاريخ السينما.

اثنان في الطليعة

ربما يتمنّى بطل الفيلم بول جياماتي لو أنّ احتمالات نجاحه في الفوز بـ«أوسكار» أفضل ممثل في دور رئيسي، مضمونة كما حالها.

هو الأستاذ الذي لا يحبّه أحد لمنهجه الجامع بين العداء والعناد. لا كلام لطيفاً لديه ليقوله لأحد. مديره يخبره بصراحة «لا أحد يحبك»، وهو في مقدّمة هؤلاء. طريقة جياماتي لتمثيل الدور مُشبَّعة أسلوبياً. يبتكر شخصيّته على أفضل وجه، ويمنحها الطاقة والفرادة. لكن ذلك لا يبدو أنه المطلوب تماماً لهذا الدور. هناك قدر من المنهج الاستعراضي الذي لا يتساوى مع أداء بعض منافسيه الذين مالوا إلى مبدأ «القليل أفضل من الكثير».

بين هؤلاء منافسه الأول كيليان مورفي عن دوره في «أوبنهايمر». هو في أفلامه السابقة (من بينها فيلمان للمخرج كريستوفر نولان، هما «دنكيرك» و«تمهيد») جيد على الدوام. الفارق بين أفلامه السابقة وفيلمه الجديد، هو أنه يحمل هنا الفيلم بأسره، عارياً من عناصر كثيرة، منها أنه أصغر سناً بسنوات من أوبنهايمر نفسه، وعليه أن يمثّل شخصية مثيرة للنقاش على نحو محايد حتى لا ترجح كفة على أخرى في مواقفه. نعم؛ اخترع القنبلة، لكنه كان يشعر بالذنب. نعم؛ كان يساري الميول، لكنه لم يكن خائناً.

إلى جياماتي ومورفي في سباق أفضل ممثل في دور أول، يتّجه الاهتمام إلى جيفري رايت عن «أميركان فيكشن». مثل جياماتي، كان رايت على مقربة دائمة من دخول مواسم الجوائز المختلفة. ومثله جرى تجاوزه لغير مرّة؛ ومثله أيضاً، هو ممثل يمكن الاعتماد على موهبته، واستحقّ في الواقع جميع الأدوار الجيّدة التي مثلها، بما فيها دوره هنا.

ما سبق سيؤدّي بالتأكيد إلى تجاوُز ممثل جيد آخر هو كولمان دومينغو عن دوره في «رستِن»، وهذا سيكون سهلاً لأن تشخيصه انفعالياً تشابَه أو لم يتشابه مع الشخصية الحقيقية التي يُمثّلها.

الأخير في الحسبان هو برادلي كوبر عن دوره في «مايسترو». فقد سبق وترشّح لغير مرّة ولم يفُز. ليس ثمة أسف إذا لم يفعل عن تمثيله شخصية الكاتب الموسيقار ليونارد برنستاين، فكثير من التصرّف الشخصي والمرور على التفاصيل كان على الفيلم القبول بهما تبعاً لسيناريو ضعيف.

ملاحظة أخيرة هنا، هي أنّ «أوبنهايمر»، و«رستِن»، و«مايسترو» عن 3 شخصيات حقيقية. من هذه الزاوية، يمكن التنبؤ أكثر بأن كيليان مورفي هو مَن سيصعد إلى المنصّة ويوجّه الشكر للمخرج على هذه الفرصة.

غلادستون: سؤال محرج

على الجانب النسائي في سباق أفضل ممثلة في دور أول، تشير التوقّعات إلى فوز ليلي غلادستون بـ«الأوسكار» ضمن هذه الخانة. لديها مُنافِسات عنيدات، هنَّ آنيت بنينغ التي تضع ذخيرة موهبتها المديدة في «نياد» (شخصية حقيقية أخرى)، وإيما ستون عن «أشياء مسكينة»، وكاري موليغان عن «مايسترو»، ثم ساندرا هولر عن «تشريح سقوط».

ما يجعل غلادستون في مقدّمة التوقّعات هي أنها أول ممثلة من المواطنين الأصليين لأميركا (الهنود الحمر) التي تُرشَّح للجائزة عن دورها في «قتلة ذا فلاور مون» لمارتن سكورسيزي. هذا يؤخذ جيداً في الحسبان بزمن تنتشر فيه توجّهات الإصلاح وجمعياته، والرغبة في رفع قبعة التقدير لمواطنيها جميعاً. إنه التوجّه عينه الذي دفع الأكاديمية لمنح سيدني بواتييه «أوسكار أفضل ممثل» عن دوره في «زنابق الحقل» عام 1969.

لكنّ السؤال المحرج هو؛ هل هي بالفعل أفضل المتواجدات؟ دورها في فيلم سكورسيزي لم يحرص على إظهار قدرات بسبب أنها في وقت واحد الممثلة الرئيسية والممثلة المهمّشة. فالمخرج وجَّه اهتمامه لتقديم روبرت دي نيرو وليوناردو ديكابريو. مَشاهدها متشابهة، تبدأ نضرة وعاطفية، ثم تسقط في رتابة المرض. هذه ليست مَشاهد تتطلّب أداءً متميّزاً، ما يرجّح كفّة ما سبق، وهو أنّ «الأوسكار»، إذا ما نالته فعلاً، سيكون نوعاً من التكريم لأصولها.

إيما ستون قد تسرق الأصوات القليلة التي ستفصلها عن غلادستون. لكنّ أداءها فوضوي؛ محسوب بالمَشاهد الصادمة أكثر من تلك التي تعكس قدرة درامية.

أفضل منها كاري موليغان، لكنها بالكاد تسحب نفسها من تحت هيمنة المساحة التي يمنحها كوبر لنفسه.

هذا يتركنا أمام الألمانية ساندرا هولر. جديرة بالاهتمام، لكنها ليست مَن سينال الجائزة مع وجود الأخريات المتمتّعات بتموّجات درامية أقرب منالاً وإثارة للإعجاب.

داوني تحت الضوء

إذا كانت ثمة تفاوتات بين مستويات التمثيل في السباقات الأخرى، ففي سباق «أفضل ممثل مساند» مستويات تختلف وتلتقي في الوقت عينه.

هناك 4 مشاهير وجديد واحد هو ستيرلينغ ك. براون، الأفرو - أميركي الذي يؤدّي دوره جيداً في «أميركان فيكشن»، لكن كيف يتوفر له حظ الفوز في مواجهة أداء جاهز للإدهاش والتأثير كذلك الذي يندفع فيه كل مِن مارك رافالو في «أشياء مسكينة»، وروبرت داوني جونيور في «أوبنهايمر».

البعض يرى أنّ داوني جونيور كان جديراً بتأدية دور كيليان مورفي. ليس لأنّ داوني لا يصلح لهذه المسؤولية، فهو في السنّ المناسبة على الأقل، لكن بعض ما رفع من قيمة «أوبنهايمر» هو أنّ مورفي غير معروف بالحجم عينه، مقارنة مع داوني. بالتالي، صنو آخر من الأداء كان يمكن أن يقع على واجهة هذا الفيلم، ليس أفضل ولا أسوأ، لكنه مختلف بحيث يسرق داوني الفيلم بموهبته، وهو ما لا يحدث مع مورفي في الدور.

بالنسبة إلى مارك رافالو ودوره المفاجئ بالنسبة إلى مَن يتابعه، فإنه على وشك سرقة الضوء من كل هذه النخبة من الممثلين بتشخيصه الذي هو مِن أفضل عناصر «أشياء مسكينة». نعم؛ يعاني الفيلم مشكلات كتابة وبعض عثرات في التنفيذ، لكن حين يصل الأمر إلى كيفية اختار رافالو تجسيد شخصيّته، فلا يمكن إلا الإعجاب بهذا التنويع الذي أنجزه عنوة عن أفلامه السابقة.

هذا لا يحدث مع رايان غوسلينغ المرشّح عن دوره في «باربي». دور كان يمكن لأي ممثل آخر إنجازه، لأنه مكتوب مثل رسالة مفتوحة لا أسرار فيها. هو طيّع بلا ريب، لكن دوره هنا هشّ، ولن يستقطب ما يكفي من أصوات المقترعين لمنحه أي جائزة.

يبقى روبرت دي نيرو. هذا الممثل الذي لا يمكن قهره في الأدوار الجادّة التي يؤدّيها، خصوصاً تلك تحت إدارة سكورسيزي كما الحال في «قتلة ذا فلاور مون» مشكلتان ستحجبان عنه «الأوسكار»: الأولى اسمها كيليان مورفي، والثانية أننا شاهدناه في أدوار مكتوبة أفضل.

توقّعات وتمنّيات

* «أوسكار» أفضل ممثل في دور أول:

- ذو الحظ الأوفر: كيليان مورفي عن «أوبنهايمر»

- يستحقها أيضاً: بول جياماتي عن «المستمرّون»، وجيفري رايت عن «أميركان فيكشن»

- الأضعف حظاً: كولمان دومينغو عن «رستِن»

* «أوسكار» أفضل ممثلة في دور أول:

- ذات الحظ الأوفر: ليلي غلادستون عن «قتلة ذا فلاور مون»

- تستحقها أيضاً: آنيت بنينغ عن «نياد»، وكاري موليغان عن «مايسترو»

- الأضعف حظاً: ساندرا هولر عن «تشريح سقوط».

* «أوسكار» أفضل ممثل في دور مساند:

- ذو الحظ الأوفر: روبرت داوني جونيور عن «أوبنهايمر».

- يستحقها أيضاً: مارك رافالو عن «أشياء مسكينة».

- الأضعف حظاً: ستيرلينغ ك. براون عن «أميركان فيكشن»

* «أوسكار» أفضل ممثلة في دور مساند:

- ذات الحظ الأوفر: دافين جوي راندولف عن «المستمرّون»

- تستحقها أيضاً: لا أحد سواها.

- الأضعف حظاً: أميركا فيرارا عن «باربي».

 

####

 

شاشة الناقد: رحلة من قلب تاريخ أسود

لندنمحمد رُضا

رحلة الخلود ★★★

إخراج: فرانك جلبرت| دراما تاريخية | العراق | 2024

حفلت الأفلام العراقية في السنوات العشرين الماضية بموضوعات تصدّت للفترة السابقة لذلك التاريخ في عهد صدام حسين. لن نجد بينها جميعاً ما دافع عنه أو عالج فترته على نحو متوازن أو علمي.

«رحلة الخلود» ليس في وارد الدفاع عن ذلك النظام بالطبع، لكنه يعالج المسألة على نحو تاريخي محدّد، وفي نطاق تجربة معيشة ومُضافةٌ إليها نظرة ملمّة بالأحداث، أكثر منها مجرّد كتابة خيالية.

هذا يعود إلى أنّ المخرج العراقي فرانك جلبرت، آشوري، وموضوعه هو الاضطهاد الذي عاناه الآشوريون في أحداث وقعت قبيل رحيل النظام البعثي، عندما اعتقل الجيش ومخابراته عدداً كبيراً من الآشوريين، فأعدم بعضهم، وسجن عدداً آخر، بعد تعذيب الجميع. التهمة هي التمرّد على النظام، في الوقت الذي تخوض فيه البلاد حرباً ضدّ العدو الفارسي، كما يَرِد على لسان أحد الضباط.

بطل الفيلم إيشو (آبي سرغيز)، سيق بين هؤلاء المتّهمين، بعدما صادف وجوده في القرية التي دهمها الجيش. حُقِّق معه، ثم أُطلق. على أثر ذلك، يقرّر القيام برحلة طويلة من بغداد إلى شمال العراق، بعدما أدرك أنّ موقعه كآشوري يفرض عليه ذلك.

الدقائق الـ44 الأولى من الفيلم داخلية. يمكن القبول بما يُضفيه المخرج عليها من لون قاتم وإضاءة مبتسرة، فغُرف التعذيب والزنزانات عادةً ما تكون على هذا النحو. لكنّ المرء يتساءل عندما ينتقل المشهد إلى اجتماع مع بعض كبار المسؤولين، عما إذا كانوا يعيشون في العتمة ما دام ذلك القسم من الفيلم معنيّاً بالتفاصيل الواقعية.

تلك الفترة من العمل تؤسّس جيّداً لرحلة إيشو التي تشكّل النصف الثاني منه، فينتقل بها المخرج من الجوّ الداكن إلى الطبيعة الجميلة للبلاد العراقية. كان يُفضّل لو أنّ الوقت أُتيح لتعميق الرحلة المنشودة بمفارقات مناسبة، وربما بمَنْح الكاميرا وقتاً أطول قليلاً من التشبّع بالمكان. إيشو يقابل أشخاصاً عدّة، لكن الحقيقة أنّ الحوارات هنا لا توفر شيئاً يُذكر عنهم، ولا عن تبرير أعمق لرحلة الخلود التي يقوم بها.

لا ينحني الفيلم إلى التنميط. هو وطني من وجهة نظر آشوري لموضوع شخصياته، وهي في غالبيتها آشورية. كذلك لا يخصّ هؤلاء بأي تميّز عن سواهم ممَن عانوا من طوائف الشعب العراقي. نسمع، في أحد المَشاهد، أسماء عربية يُنادى عليها بين المعتقلين؛ وفي مشهد آخر يذكر أحدهم أنّ أطيافاً عدّة عَبَرت المكان من طوائف واتجاهات سياسية مختلفة. وفي ثالث، يذكّر الضابط المُشرف على التعذيب (الممثلون الذين يؤدّون أدوار الضباط والمسؤولين الأساسيين، هم أفضل تمثيلاً من سواهم)، أنّ النظام البائد كان حريصاً على معاملة المسيحيين كافة أسوةً بالمسلمين من دون تمييز. حقيقة لم يشأ الفيلم التعليق بشكل كافٍ عليها، فالجانب الآخر منها هو أنّ النظام نفسه كال للآشوريين. كلمة السرّ هنا هو إذا ما كان المواطن موالياً للنظام أو يطالب بالديمقراطية، كما يردُ في الفيلم.

العناصر الفنية والتقنية جيّدة، ولا بدّ من ذِكر أنّ التصوير بدأ عام 2019، ومن ثَم دهمه الوباء فتوقّف، لينتهي فعلياً العام الماضي.

عرض خاص

THE ZONE OF INTEREST ★★

إخراج: جوناثان غلازر | هولوكوست | ألمانيا | بولندا | 2023

أسوأ ما يحتويه فيلم جوناثان غلازر «منطقة الاهتمام»، هو أنه لا يهتم كثيراً بشخصياته. مراقبتها وهي تعيش حياتها في ذلك المنزل الكبير الذي تشغله مع الخدم والحاشية فوق مساحة أرض واسعة، هي مثل مراقبة الأثاث والديكورات وكل شيء آخر. نعم؛ هي تتحدّث في ما بينها. تتبادل أزمة احتمال الانتقال من هذا المكان إلى ذاك. تضحك هنا وتعبس هناك، لكنها لا تعيش ما تقوم به، بل تردّده. تمنحه شكلاً متحرّكاً بلقطات حرص المخرج على أن يكون معظمها بعيداً عن تلك الشخصيات، كما لو أنه لا يريد الاقتراب منها لئلا يُصاب بعدوى.

يبدأ الفيلم بشاشة سوداء تستمر لنحو 4 دقائق. هذا إنذار مبكر بأنّ المخرج يريد الحديث عن نفسه وقدراته وتميّزه. هذا كله ينحدر في خانة التكلّف، وإنْ لم يتبع ذلك أي تفعيل جيّد للحكاية التي نراها، فسينتهي كما بدأ: قطعة من حياة الآخرين اختيرت لسبب معيّن، وعولجت كما لو أنهم ليسوا أكثر من ديكورات متحرّكة.

بعد السواد الداكن، يفتح الفيلم على عائلة الضابط رودولف هوس (كريستيان فريدل) المؤلَّفة منه ومن زوجته هدفيغ (ساندرا هولر)، و5 أولاد، وربما 5 من الخدم، بينهم فتاة بولندية مِن جملة مَن يمر بهم الفيلم كما لو أنها عثرة عليه تجاوزها.

رودولف هوس كان شخصية حقيقية. ضابط مكلّف الإشراف على معسكر اعتقال «أوشفيتز»، الملاصق للمنزل الذي يقيم فيه وأسرته. جزء من منوال هذا الفيلم يدور حول كيف أنّ هذه العائلة المسيحية (بالطبع) لم تشعر بأي حرج حيال أنْ يفصلها عن المكان الذي يُساق إليه اليهود سوى جدار بالكاد يرتفع فوق القامة، ولا هي طرحت سؤالاً حوله ولا اهتمّت بضحاياه. للدلالة، ثمة ذلك المَشهد الصغير المحشور في وسط الفيلم لصبي يبلغ 12 عاماً يلعب في غرفته ببعض الأحجار، ويسمع صوت ضابط داخل المعسكر يأمر بإعدام ضحية. يتوجّه إلى النافذة ليُتابع. لا نرى ما يراه.

لن يكترث المخرج لتصوير أي شيء من المعسكر باستثناء الدخان، ومشهد للنهر الجميل وقد غمره رماد بني اللون.

حتى في المَشاهد التي تكشف عن مرامي الفيلم بوضوح، مثل ذلك الذي يسبح فيه رماد الضحايا فوق النهر، مما يجبر العائلة على الفرار؛ معالجة من دون تفاعل. واقع تلتقطه الكاميرا وتمضي. حسناً تفعل في هذا المشهد، لكنها لا تُحسن في معظم المَشاهد الأخرى تحقيق الغاية عينها. الكاميرا بعيدة عن البشر (في نحو 90 في المائة من المَشاهد). تعرض حياة أشخاص يعيشون بمحاذاة المأساة من دون الإحساس بها. علاقة المخرج بموضوعه مثل مَن يلقي نكتة ساخرة، فتخونه الطريقة، لتأتي هامدة ومن دون سخرية.

«منطقة الاهتمام» مأخوذ عن رواية طويلة الأحداث تستند إلى وقائع حقيقية شهدها المكان. لكنه؛ وقد انتهى هذا الناقد من قراءته للتوّ، ما يبرّر سبب التأخر في استعراض هذا الفيلم الذي شوهد مرتين، أولاهما في مهرجان «كان»؛ يستغني عمّا جعل ذلك الكتاب مؤثراً. أهمل أحداثاً عدّة، واستغنى عن شخصيات مهمّة، وتجاهل حبكات. لا بأس. أحد لا يفترض أنْ على الاقتباس احتواء كل شيء، لكنّ النبرة اختلفت لتتحوّل إلى ما يُشبه الصحن البارد، مزوّدة بمنزل مصمَّم بلون نحاسي، ومن دون حسنات. نعم؛ الحديقة كبيرة، لكنّ حمام السباحة صغير. البيت شاسع، لكنه من الداخل عارياً إلا من لوازم محدودة.

حتى قبل انتهاء المُشاهَدة بنحو ساعة، يتبادر السؤال الذي يكرهه معظمنا وهو: لماذا هذا الفيلم، وما المقصود منه؟ هو لا يطرح قضية، ولا هو فني أو تجاري. نعم؛ هناك فكرة مفادها أنّ ثمة عائلة تعيش بفاصل جدار عن المأساة ولا تشعر بها. لكن أليس هذا هو الواقع كيفما نظرنا إليه؟ أليس هذا شبيهاً بتجاهل الغرب للإبادة التي يتعرّض لها الفلسطينيون اليوم؟

فيلم غلازر أُنجِز قبل السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، لذلك هو غير مسؤول، لكن وجوده اليوم يطرح السؤال المذكور بسهولة. الضابط الفعلي هوس قُبض عليه مع انتهاء الحرب، وأُعدِم عام 1947 في باحة معسكر الاعتقال الذي أشرف عليه.

عروض: موسم الجوائز الحالي.

OUTLAW POSSE ★★

إخراج: ماريو فان بيبلس | وسترن | الولايات المتحدة | 2024

يتوجه كثير من أفلام الغرب الأميركي هذه السنوات إلى تطوير مفردات النوع البصرية لتحاكي أي نوع أكشن آخر. أستثني فيلم والتر هيل الأخير، «ميت لأجل دولار»، فالمخرج من جيل سابق احترم قوانين أفلام الوسترن في عالم لم يعد يأبه للنوع.

«جماعة الخارجين على القانون» لماريو فان بيبلس، يكشف عن رغبته في تجاوز الشيفرات الكلاسيكية من المشهد الأول؛ عندما ينتصر لهنديّ أحمر ويطيح بالعصابة الشريرة المحيطة به، ويجد الوقت كذلك لإلقاء خطاب قصير حول اغتصاب البيض أراضي الأميركيين الأصليين. كون البطل، فان بيبلس نفسه، أفروأميركياً، فإنّ المناسبة مُتاحة لتصويره على خُطى أي شخصية كلاسيكية من الغرب القديم تداولتها السينما مراراً، مثل بيلي ذا كيد، أو وايات إيرب من دون شارة «الشريف». سريع بسحب المسدس وإطلاق النار، ورصاصته لا تخطئ الهدف؛ وقوي في فن القتال اليدوي، وبعض المَشاهد ينمّ عن قدرات أخرى بما في جاذبية لا تستطيع ممثلات الفيلم مقاومتها.

الحبكة تنصّ على أنه عاد من المكسيك ليستخرج ذهباً أخفاه والده. سيحتاج لتأليف جماعة متعدّدة الأجناس، مُدركاً أنه ليس الوحيد الذي يسعى إلى استخراج الذهب، بل ثمة عدو اسمه آنجل (ويليام مابوثر) لديه عصبته لتساعده في المَهمّة عينها. باقي الفيلم من هذه النقطة المتقدّمة استعارة من سينما الوسترن الإيطالية وتطبيقها على قواعد أميركية. لا الاستعارة، ولا الأصل، يتمتّعان بأسلوب فني أو بإخراج يتضمّن بعض ثقافة ذلك العصر وواقعه.

بذلك، يدلف الفيلم سريعاً إلى الفئة المنتشرة من أفلام الغرب الأميركية في السنوات العشرين الأخيرة، حيث المغالاة في رسم الأجواء، وتصميم المعارك يتقدّم على فن النوع وحسناته السابقة.

عروض: تجارية.

ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز

 

الشرق الأوسط في

07.03.2024

 
 
 
 
 

من سيفوز بجائزة أفضل فيلم في حفل توزيع جوائز الأوسكار؟

البلاد/ طارق البحار

من الأعمال الدرامية حول القنبلة الذرية، إلى الكوميديا حول الدمى والجثث، فإن تشكيلة أفضل المتنافسين في جوائز الأوسكار يوم الأحد هي الأكثر تنوعًا منذ سنوات.

سيأتي حفل توزيع جوائز الأوسكار السادس والتسعين في نهاية هذا الأسبوع، وسواء أحببنا ذلك أم لا، فإن الكأس المطلية بالذهب التي يبلغ وزنها 8 جنيهات ونصف لأفضل فيلم تظل أكبر جائزة في موسم الجوائز كل عام.

إن جائزة الأوسكار لأفضل فيلم هي تمييز يعزّز مكانة الفيلم في التاريخ، وبينما من السهل تخمين الأكاديمية بشأن الفائزين بها، فإن وضع هذه الجوائز في السياق يظل أمرًا مثيرًا للاهتمام على وجه التحديد للتأكد من مدى صمود الأفلام في اختبار الأفلام، وكيف أن قلة قليلة فقط من الأفلام هي التي تستحق الجائزة حقًّا.

شخصيًّا أعتقد أن أوبنهايمر سيضيف اسمه بقوة على الأرجح إلى هذه القائمة، حيث إن ملحمة كريستوفر نولان التي تدور أحداثها حول القنابل والازدهار هي المرشح الأوفر حظًّا فوق أمثال Poor Things و"تشريح السقوط" و"حياة الماضي" و"منطقة الاهتمام" وغيرها.

فيما يلي الأفلام التي ستذهب وجهًا لوجه لجائزة هوليوود الأكثر شهرة في عالم توزيع الجوائز السينمائية:

American Fiction: يسلّط الضوء على العنصرية المنهجية والنفاق المتعصب، وفيه يقوم جيفري رايت بدور البطولة كمؤلف أسود يشعر بخيبة أمل من صناعة النشر التي تريد فقط كتبًا منه عن الآباء الذين يهملون المسؤوليات وعدم دفع إعالة أطفاله، أو عن الكوكايين. عندما يسلم ذلك بالضبط كمزحة، تتحوّل الرواية بضجة كبيرة، وهو من المرشحين لجائزة الأوسكار لأفضل سيناريو.

Anatomy of a Fall: تشريح السقوط، دراما قانونية فرنسية معقدة عن امرأة يشتبه في وفاة زوجها أخذت مكانة كبيرة في المهرجانات، ويعتبر المفضل لأفضل سيناريو أصلي.

يمكن أن يكون الأمر في متناول اليد في الأوسكار!

Barbie: بمجرد ترشيح باربي لأفضل فيلم، يكون قد فاز بالفعل بالجائزة. اجتذب الفيلم الساخر النسوي لجريتا جيرويج جحافل من المعجبين الذين يرتدون ملابس وردية إلى المسارح، وأثار عددًا لا يحصى من النكات والتعليقات، وكان الفيلم الأكثر ربحًا لهذا العام، حيث حقق 1.4 مليار دولار. لم يهيمن أي فيلم - حتى فيلمه التوأم غير المتوقع 'أوبنهايمر' - على السينما العالمية، وقد ظهر الفيلم بشكل بارز في الحملة الترويجية لبث حفل توزيع جوائز الأوسكار. ولكن هل يمكن أن يفوز؟

The Holdovers: دراما ساحرة وذكية وقديمة الطراز، تتبع قصة ثلاثي غير متوقع تقطعت بهم السبل معًا خلال عطلة الشتاء في مدرسة داخلية في نيو إنجلاند في السبعينيات.

يجمع الفيلم المخرج ألكسندر باين مع النجم بول جياماتي الذي يتمتع بمطالبة قوية بجائزة أفضل ممثل هذه المرة، وإذا كان هناك أي فيلم يمكن أن يمنع 'أوبنهايمر' من الحصول على جائزة أفضل فيلم، فقد يكون 'The Holdovers'!

Killers of the Flower Moon: 'قتلة زهرة القمر' بالرغم من مدته الثلاث ساعات ونصف. لكن الدراما الفخمة التي أخرجها مارتن سكورسيزي حول جرائم القتل التي تعرض لها الأميركيون الأصليون في أوكلاهوما في عشرينيات القرن العشرين كانت مذهلة للغاية ومهمة، بحيث لا يستطيع الناخبون في الأكاديمية أن يتجاهلوها.

بصرف النظر عن الرجلين البارزين ليوناردو دي كابريو وروبرت دي نيرو، فإن فيلم Killers of the Flower Moon يلقي بشكل مثالي النجمة الأصلية ليلي جلادستون في دور حيوي ومأساوي. قد يكون أدائها كزوجة ثرية ساذجة هو أول أداء يقوم به أميركي أصلي للفوز بجائزة الأوسكار.

Maestro: 'المايسترو' أحدث محاولة للمرشح الدائم برادلي كوبر لجذب الناخبين لجوائز الأوسكار، حقق فيلم السيرة الذاتية لليونارد برنشتاين 'المايسترو' - الذي يكتبه ويخرجه ويمثل فيه - 7 ترشيحات مثيرة للإعجاب، ومع ذلك يبدو أن الفيلم هو الأقرب للفوز بجائزة الأوسكار لأفضل مكياج فقط.

Oppenheimer: 'أوبنهايمر' من الصعب أن نتذكر حفل توزيع جوائز الأوسكار مع مرشح أكثر هيمنة منه، نال الفيلم الدرامي الذي أخرجه كريستوفر نولان عن مخترع القنبلة الذرية استحسان النقاد، وحقق ما يقرب من مليار دولار، وفاز تقريبًا بكل الجوائز الكبرى التي تقدمها هوليوود.

من المتوقع بأغلبية ساحقة أن يخالف فيلم 'أوبنهايمر' الاتجاه الحالي المتمثل في فوز الأفلام الأصغر حجمًا والمستقلة بجائزة أفضل فيلم، وهو فيلم ضخم قديم الطراز للكبار، تم تصويره بميزانية قدرها 100 مليون دولار. ستكون أكبر مفاجأة منذ خسارة فيلم La La Land - الذي تم الإعلان عنه عن طريق الخطأ كأفضل فيلم في عام 2017 - إذا لم يحصل على الجائزة النهائية.

Past Lives: "الحياة الماضية" لم يقم أي فيلم برحلة أطول إلى حفل توزيع جوائز الأوسكار من هذا الفيلم، الذي حول رواد المهرجانات المتشددين إلى عشاق له، مع ظهوره لأول مرة في مهرجان Sundance بيناير 2023.

يتنقل فيلم سيلين سونغ بين القارات، ويتبع لم الشمل المكثف بين اثنين وحب قديم من أيام الطفولة وحياتهم بطريقة درامية. ربما يكون من غير المرجح أن يفوز بجائزة أفضل فيلم، لكنه خاض رحلة رائعة على الرغم من ذلك.

Poor Things: 'أشياء مسكينة': فاز الفيلم بجائزة كبرى، والجائزة المرموقة في مهرجان البندقية في الخريف الماضي. كان على بقية العالم أن ينتظر شهورًا لرؤية إيما ستون كجثة متجددة، تتجول في رؤية Steampunk لأوروبا في القرن التاسع عشر، وتحطم قلوب الرجال الكارهين للنساء.

يحمل فيلم 'Poor Things' المضحك والعبثي والمناصر بقوة للنسوية ظلالًا من الفيلم السابق للمخرج يورغوس لانثيموس 'The Favourite'.

 

البلاد البحرينية في

07.03.2024

 
 
 
 
 

بودكاست السينما حكاية يناقش السينما العربية والأوسكار..

قصة حب من طرف واحد

خالد محمود

انطلقت أولى حلقات بوكادست "السينما حكاية"، للكاتب محمد عبدالجليل، عبر منصات الاستماع الرقمية، مثل "أنغامي" وSpotify، وApple وgoogle وDeeser والذي يتحدث فيه عن صناعة السينما بشكلٍ عام، وإلقاء الضوء على رموزها ونجومها منذ نشأتها، وكواليس حصرية من داخل المهرجانات السينمائية حول العالم وغيرها.

وتحدث عبدالجليل، في الحلقة الأولى عن ملامح الدورة الـ96 لحفل توزيع جوائز الأوسكار، والتي يتنافس فيها 54 فيلما متنوعا من أفضل إنتاجات السينما عام 2023، ومنها الفيلم التونسي "بنات ألفة" للمخرجة كوثر بن هنية، حيث سلط عليه الضوء خلال الحلقة باعتباره الفيلم العربي الوحيد في قائمة الترشيحات.

واستعرض أبرز العناصر في فيلم "بنات ألفة" برؤية نقدية وتحليلية، بداية من الأسلوب السينمائي للقصة، والرؤية الإخراجية في تقديمها، مرورا بالأداء التمثيلي لأبطال العمل، مشيدا بأداء هند صبري ومجد مستورة، نهاية برصد الجوائز الذي حصدها الفيلم وجولته في المهرجانات السينمائية، وفرصه في الحصول على جوائز بـ"الأوسكار".

كما تحدث محمد عبدالجليل، خلال الحلقة، عن حكاية السينما العربية مع جوائز الأوسكار، والممتدة منذ أكثر من 6 عقود تقريبا، حيث تطرق إلى تفاصيل أول فيلم عربي جرى ترشيحه للمنافسة، فضلا عن حكاية أول مشروع سينمائي عربي حصد جائزة في "الأوسكار".

واختتم "عبدالجليل" أولى حلقات بوكادست "السينما حكاية" بالحديث عن المخرج مارتن سكورسيزي، صاحب المسيرة الطويلة والممتدة في تاريخ السينما لأكثر من 50 عاما، فقد أخرج 70 فيلما، وفاز بـ190 جائزة تقريبا، منها أوسكار أفضل إخراج، كما شارك في إنتاج أكثر من 80 فيلما.

وتطرقت الحلقة، إلى مشوار "سكورسيزي" مع السينما الوثائقية، بجانب الكشف عن تفاصيل فيلمه الجديد، الذي يحمل اسم A Life of Jesus، والمستوحاة أحداثه من رواية تحمل الاسم ذاته، صُدرت عام 1973، للكاتب الياباني شوساكو إندو.

ومن المُرتقب، أن تشهد الحلقات المقبلة من بوكادست "السينما حكاية"، لقاءات خاصة مع صُنّاع السينما في الوطن العربي، يتحدثون فيها عن أسرار وكواليس أعمالهم، ورؤيتهم المستقبلية في ظل التطور التكنولوجي الحالي، خاصة مع دخول تقنية الذكاء الاصطناعي في الصناعة

 

الشروق المصرية في

08.03.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004