ملفات خاصة

 
 
 

رَبِحا الجمهور... فمَن سيربح الجوائز؟

المنافسة بين ابنة الدُّمى وأبي الذّرّة بدأت

هوليوودمحمد رُضا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 96)

   
 
 
 
 
 
 

خروج «باربي» من جوائز «غولدن غلوب» من دون جائزة رئيسية لا يعني أنها المرّة الأخيرة التي سنسمع فيها عن هذا الفيلم، أو أنه لن يرتقي درجات المنصّة لتسلم جائزة أفضل إخراج أو أفضل تمثيل نسائي أو أفضل فيلم.

جوائز الأوسكار ليست على ذلك البُعد، وسنرى. أما الجائزة التي نالها في حفل الـ«غولدن غلوب» يوم الأحد الماضي، وهي جائزة أفضل فيلم ناجح، فهي لا تعني شيئاً كثيراً. بطبيعة الحال، ومع مليار و446 مليون دولار حتى الآن فإن قرار منح هذه الجائزة لهذا الفيلم يبدو أسهل قرار اتخذته مؤسسة جوائز في التاريخ.

وبناءً على ما يتردد الآن في هوليوود، من أن الشركة المنتجة (وورنر) ستُطلق صواريخ باربي جديدة العام المقبل 2025 وما بعد، فإن توديع «باربي» لا يزال بعيداً.

ومع دخول هذين الفيلمين مؤخراً الترشيحات الرسمية المعلنة لجائزة «نقابة المخرجين الأميركية»، سنشهد منافسة أخرى، ولو أنها مختلفة كما سيتبين لنا بعد قليل.

بداية ألمانية

ما شغل بال كثيرين مؤخراً هو مقارنة فيلم غريتا غرويغ «باربي» بفيلم كريستوفر نولان «أوبنهايمر». بعض المقارنات انطلقت من مبدأ أن كليهما جيد. فريق آخر رأى أن «باربي» أفضل، أو العكس.

في الواقع لكل فيلم منحاه المختلف حتى قبل المعاينة والتفضيل أو الموافقة على إذا ما كانا متساويين في اتجاه ما. الأصل في «باربي» هو سيدة أميركية اسمها روث هاندلر كانت في زيارة لبرلين (الغربية آنذاك) سنة 1956 عندما وقعت عيناها على دمى مختلفة عن دمى الألعاب كانت شركة ألمانية قد ابتدعتها باسم ليلي (Lili) أعجبتها الفكرة واشترت ثلاثاً منها وعادت إلى أميركا وعرضتها على شركة «ميتل» -حيث يعمل زوجها- التي تبنّت المشروع سنة 1959.

جَنَت «ميتل» أرباحاً طائلة من وراء تلك الدُّمى التي ترتدي شتّى أنواع الملابس والأزياء. في عام 2019، وبعد سنوات من التحضير، نالت غرويغ موافقة شركتي «ميتل» و«وارنر» على إنتاج هذا الفيلم.

كان هذا الناقد قد شاهد الفيلم في عرض في صالة امتلأت عن آخرها على الرغم من أن عروض الفيلم كانت قد دخلت شهرها الثاني. في العادة أتحاشى حضور الأسبوعين الأولين من أي فيلم ناجح حتى لا أصاب بزكام الإعجاب المفرط الذي يتناوله المشاهدون مع «البوبكورن». كرهت الفيلم مباشرةً بعد تلك النكتة الساخرة التي تَرِد في دقائقه الأولى عن فيلم ستانلي كوبريك «2001 أوديسا الفضاء». المشاهدة الثانية كانت بعد نحو شهر وأسبوع من الأولى بعدما كانت دُمى الفيلم تحلّق على علوٍّ منخفض فوق الرؤوس. كانت المرّة الثانية لتأكيد أن الموقف السابق لم يكن نتيجة إرهاق في العمل، أو كرهاً في اللون الزهريّ.

نقد في غير مكانه

لهذا الفيلم جملة من المشكلات. تبدأ بمحاولة المخرجة غريتا غرويغ تبرير الفيلم بأنه كل شيء ما عدا الدافع المادي. تقول في حوار مع صحافيّ متحمس في «نيويورك تايمز» إن فيلمها التقى روحياً مع منتجات «ميتل» وإن فيه لمسات شعرية لأن «باربي هي كل الدُّمى وكل الدُّمى هي باربي».

محاولة فهم ذلك لا تتضمن القناعة. لكن ما هو أكثر وضوحاً أن المسألة المادية هي الطاغية. الحديث ليس عن نجاح مفاجئ كما هو حال فيلم «روكي» الأول لسيلفستر ستالون، ولا كحال فيلم «هالووين» الذي تكلّف 325 ألف دولار وجمع 47 مليون دولار أيام ما كان سعر التذكرة لا يزيد على 5 دولارات، بل عن دراسة اقتصادية كاملة جذبت شركة «ميتل» للمساهمة في تمويل الفيلم مقابل الاحتفاظ بجميع حقوقها الأدبية بالإضافة إلى 5 في المائة من الإيرادات.

هذه نعمة لم تكن محسوبة لشركة كانت لا تزال تُنتج هذه الألعاب متحملةً تراجع الطلب عليها بسبب التقدم التكنولوجي الذي خلق بدائل كثيرة.

«باربي» الفيلم قد يتحدّث عن أشياء كثيرة من بينها نقد المجتمع الذي تنتقل إليه بطلة الفيلم (مارغوت روبي) من عالم الدُّمى إلى عالمنا نحن، لكنه آخر مَن يحق له مثل هذا النقد لأن عالمنا نحن هو الذي صنع الفيلم وما يروّجه.

لهْوٌ مطلق

المعضلة مختلفة تماماً مع «أوبنهايمر». هذا فيلم برسالة سياسية تناسب البعض ولا تناسب البعض الآخر، لكنها جادّة وذات اشتغال فني لا يمكن إغفاله. حكاية ج. روبرت أوبنهايمر، عالم الذرّة الذي صنع القنبلة الذرية وبارك إرسالها إلى عدو كان قد أخذ ينهزم حتى من قبل إلقاء القنبلتين عليه (واحدة فوق هيروشيما والآخر فوق جارتها نغازاكي). معظم ما يَرِد مأخوذ عن كتاب لكاي بيرد ومارتن شروِين قيل فيه إنه المرجع الشامل لحياة أوبنهايمر.

عنوان الكتاب: «ميثالوجيا أميركية». العنوان الفرعي هو «النصر والتراجيديا لدى ج. روبرت أوبنهايمر». وهو عنوان ينص على مرحلتي ما قبل الهجوم النووي وما بعده وهو المنهج الذي اتّبعه المخرج كريستوفر نولان في هذا الإنتاج. كان، بشهادة من قرأ الكتاب البيوغرافي، أميناً للأصل. طبعاً أضاف المخرج إليه بعض المشاهد (مثل لقاء مطوّل بين أوبنهايمر وسيرغي أينشتاين) لكنه اتّبع، عموماً، خطوات الكتاب. ما قام به في نطاق السرد إحداث نقلات زمنية من وإلى مواقع مختلفة (بينها الاستجواب الذي قامت به لجنة حكومية).

من العيوب

المقارنة بين الفيلمين غير عادلة؛ كون أحدهما مطلقاً، والآخر جدية كاملة. «باربي» مصنوع لغاية ربحية و«أوبنهايمر» (إنتاج يونيفرسال) مخاطرة تجارية مع احتمالات نجاح بدت في مطلع الأمر محدودة. حقيقة أنه جمع أقل من مليار دولار بقليل (952 مليون دولار تحديداً)، أمر لم يكن في الحسبان وهو فعل ذلك بسبب الموضوع ومفتاحه (أوبنهايمر) والمخرج وشهرته (كريستوفر نولان).

بلا موقف!

لكنّ «أوبنهايمر» ليس خالياً من العيوب بدوره. في ثلاث ساعات يبدو الفيلم بلا موقف المخرج، حين يأتي الأمر إلى وجهة نظر. هو غائب عن طرح وجهة نظر خاصة مكتفياً بمواقف الآخرين في الفيلم كلٌّ منهم حيال الآخر. أوبنهايمر حيال الآخرين، والآخرون حيال أوبنهايمر.

في مأزق أوبنهايمر مع الحكومة، التي أخذت تحاسبه على انتماءاته السابقة لليسار بعدما انتقد استخداماً آخر للسلاح النووي، لا يوجد ما يوعز بموقف مع أو ضد هذه المحاسبة. والقليل من المشاهد مدروس لطرح أزمة الضمير عندما بارك أوبنهايمر استخدام النووي ضد اليابان، ثم القليل من الندم. قوله إنه بدأ يفكّر في الضحايا الأبرياء ما هو إلا لمسة بسيطة وعابرة لما كان يمكن توظيفه لنقطة أهم من موقف أوبنهايمر الشخصي (على أهميّته)، وهي حقيقة أن أميركا لم تكن بحاجة لضرب اليابان؛ إذ كانت هذه قد بدأت تخسر الحرب فعلاً، وبعض المؤرخين يذكرون أن البيت الأبيض كان يعلم ذلك.

إنه كما لو أن الفيلم (كتابةً وإخراجاً) أراد تحاشي السياسة في الوقت الذي كان الفيلم يحتاج إليها، إنْ لم يكن عن طريق تحليل أو-على الأقل- استكشاف موقف أوبنهايمر بكامله (مع أو ضد القنبلة) فعلى الأقل شيء من الدواعي الحقيقية لأوامر إلقاء القنبلتين وما تسببتا به من ضحايا ودمار.

سباق آخر

عكس موقف معظم الإعلام العربي للإعراب عن معاداة فيلم «أوبنهايمر» بناءً على ما أظهره أو أخفاه على صعيد المضمون متحاشياً الحديث عن الأداءات الرائعة لمجموعة ممثليه (خصوصاً كيليان مورفي، وروبرت داوني جونيور) وعن الجانب الفني بأسره. في حين تناول الإعلام الجوانب الفنيّة (أو ما عدّها فنية) في فيلم «باربي» التي هي، في مجملها، مظهرية وبصرية.

الحاصل الآن هو أن الفيلمين الكبيرين (اعتباراً وإيراداً) وقد غادرا مرابع الـ«غولدن غلوب» بفوز «أوبنهايمر» على «باربي» باستحواذه على 5 جوائز مهمّة (فيلم، إخراج، تمثيل رجالي أول «كيليان مورفي»، تمثيل رجالي مساند «داوني جونيور»، وتمثيل نسائي مساند «إميلي ستون») لديهما مواجهات مقبلة.

واحدة من هذه المواجهات ستكون في نطاق الجوائز السنوية لنقابة المخرجين الأميركية، إذ يتصدّرها كريستوفر نولان وغريتا غرويغ.

لكن على عكس جوائز «غولدن غلوب» وتلك التي تتألف منها جوائز الأوسكار، معركة النقابة (التي ستوزّع جوائزها في 10 فبراير - شباط المقبل) محدودة بالمخرجين وحدهم. ما يجعلها، إلى حد بعيد، هو أنها من محترفين ينظرون إلى كيفية تنفيذ الفيلم أكثر مما يكترثون لما يقوله.

المسابقة الرئيسية (وهناك مسابقات فرعية لمخرجين جدد وللإخراج التلفزيوني) تضم 5 أسماء هم: كريستوفر نولان، وغريتا غرويغ، إلى جانب يورغوس لانتيموس عن «أشياء مسكينة»، وألكسندر باين عن «المستمرون»، ومارتن سكورسيزي عن «قتلة ذا فلاور مون».

بالنسبة إلى سكورسيزي، الذي لم يُتَح له بعد الخروج بجائزة من مناسبة رسمية (أي خارج مجال الجوائز التي توزعها الجمعيات النقدية)، هذا هو الترشيح الـ11 له لهذه الجائزة في إطار هذه النقابة، إذ سبق وفاز بها مرّتين من قبل (سنة 2006 عن «The Departed»، ومرّة تلفزيونية عن إخراجه حلقات «Boardwalk Empire» سنة 2010)، وهناك مرّة ثالثة عندما كانت الجائزة تذهب من دون تسمية أفلام بعينها؛ نالها سكورسيزي سنة 2002.

إنه من المحتمل جداً أن يتوجه أعضاء هذه النقابة لتقدير «أوبنهايمر» ومنحه جائزتها للعام الحالي، وهذا أكثر من مجرد توقع.

روزنامة الجوائز لهذا الشهر

-12: إعلان جوائز «معهد الفيلم الأميركي»

-12: انتهاء التصويت على جوائز «بافتا» البريطانية

-12: إعلان ترشيحات جوائز «نقابة المنتجين الأميركية»

-15: إعلان جوائز «إيمي» التلفزيونية

-17: بداية التصويت على «جوائز نقابة الممثلين الأميركية»

-18: إعلان ترشيحات «بافتا»

-22: بدء التصويت على «جوائز جمعية المنتجين»

-22 : بدء التصويت على جوائز «الأوسكار»

 

####

 

شاشة الناقد

هوليوودمحمد رُضا

تتعرض إيما ستون لعملية زرع دماغ، ويرفض آرون إيكهارت خدمة بلده ومن ثَمّ يوافق. وهناك زلزال مدمّر في فيلم استعادة بمناسبة مرور 50 عاماً عليه.

Poor Things

إخراج: يورغوس لانتيموس | بريطانيا/ آيرلندا | 2023

إذا كان الحكم على فيلم يعتمد على عدد الحسنات وعدد السيئات التي يحتويها، فإن «أشياء مسكينة» (أو الأجدر «أشياء بائسة») هو فيلم معتدل الحسنات والسيئات إنما في عدد غير متساوٍ. كلمة معتدل تعني بدورها أن حسناته لا تكفي لكي يقف جمهور مهرجان «فينيسيا»، حيث شوهد الفيلم للمرة الأولى، 8 دقائق يصفقون تحية. لكن هذا بات مُمارساً بكثرة. الجمهور، العادي والمتخصص على حد سواء، بات يقف ليصفّق كثيراً هذه الأيام، وربما بعد 5 سنوات سيتعود أن يقف ليشاهد الفيلم ويجلس ليصفق. كل شيء بات محتملاً طالما أن فيلماً كهذا نال من المدح أكثر بكثير مما يستحق.

«أشياء بائسة» يدور حول فتاة اسمها بيلا (إيما ستون بحاجبين يختلفان شكلاً وسماكة من مشهد لآخر) كان العالم غودوين باكستر غيّر نخاعها المعطوب بآخر معطوب أيضاً، لكنه قابل للتحسّن. فعل ذلك وسط ديكور من الشرارات الكهربائية. بما أن الأحداث تقع في أواخر الحقبة الفيكتورية (1837-1901)، فإن أول ما قد يستوقف بعضنا إذا ما كانت المنازل تحفل بالثريات المضاءة جيداً على النحو الذي نراه في الفيلم، وإذا ما تجاوزنا هذه العقبة فإن عقبة أخرى تطرح السؤال نفسه عندما تنتقل الأحداث إلى مدينتي لشبونة وباريس، حيث بعض معالم القرن العشرين حاضرة بلا حرج.

لا يمانع المخرج اليوناني يورغوس لانتيموس من استعارة بضع صفحات من رواية ماري شيلي (1797-1851)، التي ألّفت حكاية العالِم الذي استعان بالصواعق الجوية العاتية وما توفّره من كهرباء لبثّ الروح في رجل جُمعت أعضاؤه من موتى. ففيلم لانتيموس مبنيّ على فتاة رُكّبت على هذا النحو أيضاً. الاسم الذي مُنح للعالم، وهو غودوين (ويليم دافو)، هو اسم والد ماري شيلي الفعلي. لكننا نعرف عن تاريخ ماري شيلي أكثر مما سنعرف عن هذا العالِم الذي تعرّض وجهه للتشويه، كما نرى، لكن ذكاءه لا يزال في حالة جيدة. وهو حسب أن بيلا ستُبلوِر نفسها فتنتقل من فتاة لا تفقه شيئاً، تبعاً للمخ المزروع، لامرأة ناضجة وتنوي الخير لكل البشر.

ابتكارات غودوين ليست محدودة. لقد ابتكر حيواناً مؤلّفاً من نصف كلب ونصف بطة. ليس مهماً لماذا فالعلماء كانوا غريبي الأطوار حينها كما حالهم اليوم. كذلك ابتكر حصاناً برأس آلي ربما توفيراً لتكاليف إطعامه. لكن ستبقى بيلا أهم ابتكاراته، سيترك الفيلم العالِم وشأنه عندما تنتقل بيلا إلى البرتغال حيث تنضج عاطفتها، ومن ثمّ تنضج أكثر عندما تنتقل إلى باريس فتتحوّل إلى مومس في بيت للعاهرات كما لو أن هذا دليل الحرية التي تبحث عنها. حين تعود بيلا إلى والدها الروحي غودوين وزوجها (رامي مالك) تكون أكملت مسيرتها نحو الفهم الكامل للحياة.

لم يعرف عن المخرج لانتيموس أنه منطقي التفكير. أفلامه السابقة (مثل «مقتل الغزال المقدّس» و«لوبستر») تمارس ساديتها على المشاهدين ومثلها يفعل هذا الفيلم ولو بلمسات خفيفة. إيما ستون تفتعل ما تؤديه على نحو يجلب بؤساً إضافياً.

* عروض: موسم الجوائز

The Bricklayer

★★

إخراج: رني هارلن | الولايات المتحدة | 2024

مشكلة عملاء أجهزة الـ«سي آي إيه» المتقاعدين الدائمة هي أنه في كل مرّة تعرض عليهم العودة إلى العمل لتنفيذ مهمّة مستحيلة يرفضون في يوم ويوافقون في اليوم التالي. يسألون السؤال نفسه: «لماذا أنا؟»، ويتلقون، والمشاهدين، الجواب نفسه: «لأنك أنت الوحيد الذي تستطيع القيام بهذه المهمّة». يا له من مأزق كبير إذا كان بطل الفيلم المتقاعد هو الوحيد في جهاز المخابرات الذي يمكن الاتكال عليه.

ما بين اليوم واليوم التالي سيقع حدث يجعل العميل السابق يغيّر رأيه ويوافق على العودة للوظيفة. في «عامل البناء» (نراه لدقيقة يبني جداراً من الباطون) سبب تغيير الرأي أن أحداً أراد اغتياله في تلك الليلة. هذه هي البداية التي ستفتح للمشاهد ساعة ونصف الساعة من المفارقات المعهودة، لكنها التي لا تزال تلبّي رغبة الذين يحبّون المعارك اليدوية وتحويل ملهى إلى حطام، ومحاولة الأشرار قتل الأبطال كونهم لم يقرأوا السيناريو جيداً ليعلموا أنه ينصّ على أن الأبطال يبقون أحياء لحين انتهاء الفيلم على الأقل.

آرون إيكهارت هو عامل البناء سابقاً ومنقذ الـ«سي آي إيه» حالياً، ومهمته منع رجل مجهول لديه سُلطة نافذة يهدد بنشر غسيل الـ«سي آي إيه» الوسخ على الملأ. يقول لهم: «أنتم من تقومون بالعمليات الإجرامية وتنسبونها إلى الغير». يطالبهم بمائة مليون دولار لقاء عدم إبلاغ الأوروبيين هذا السر: «تصوّروا ماذا سيحدث إذا علموا».

كان المخرج ريني هارلن وجّه تهمة مماثلة في فيلم قديم سابق له هو «The Long Kiss Goodnight» متهماً جهة رسمية أميركية بارتكاب عمليات إرهابية وإلصاقها بالغير (بالعرب في ذلك الفيلم سنة 1996). هنا يلكز الخاصرة مرّة أخرى في بداية الفيلم عندما يسأله رئيسه أن يقبل بالمهمّة لأجل وطنه، فيرد عليه: «لقد انتهيت من وطني».

في خضم معارك جيدة التنفيذ (وفي فيلم جيد التنفيذ أيضاً)، كان المرء يتمنّى لو أن المخرج تعمّق قليلاً أكثر مضيفاً لما هو جاهز من أفكار باتت مستنسخة ومتكررة. لكن لمن يهوى فيلم أكشن يوظف الأماكن جيداً (بعض المشاهد صوّرت في اليونان) فإن «عامل البناء» يبقى ترشيح الناقد لهذا الشهر.

عروض: عالمية.

Earthquake

★★★

إخراج: مارك روبسن  | الولايات المتحدة | 1974

في عام 1974 وقع زلزال رهيب في مدينة لوس أنجليس. دمّر المدينة وأزهق الأرواح وترك الكثيرين بلا مأوى. هذا في فيلم أخرجه مارك روبنسون من إنتاج «يونيفرسال» التي مدّت صالات السينما (وبينها سينما كونكورد في بيروت) بجهاز يُحدث رجفة في مقاعد الصالة كلما رجفت الأرض على الشاشة. الفيلم كان ناجحاً في فترة شهدت أفلام كوارث عديدة مثل «مطار» (جورج سيتُون، حول طائرة في خطر التحطّم)، و«جحيم برجي» (The Towering Inferno) (جون غيلرمن، عن حريق ضخم يشب في الطوابق العليا من ناطحة سحاب)، و «The Poseidon Adventure» (لرونالد نيم حين تنقلب باخرة ركّاب رأساً على عقب في مياه المحيط).

كثيرون توقعوا وما زالوا، حدوث زلزال يسلخ كاليفورنيا عن اليابسة الأميركية، وهذا الفيلم لا يتوجه لهذا الحد من النبوءة، لكنه صور الدمار جيداً. بذل فنِّيو الديكور ومصمّمو الإنتاج في هذا الفيلم أكثر مما بذل كاتبا السيناريو، جورج فوكس ومؤلف «العرّاب» ماريو بوزو، لتأمين شيء مختلف عن المتوقع.

ذلك لأن الفيلم جلب كل «ستيريو تايب» ممكن: البطل الباذل في سبيل إنقاذ الأرواح (شارلتون هيستون) والشريف الذي يُطرد من الخدمة بعدما عارض رئيسه (جورج كيندي) والفتاة السمراء التي تجد نفسها مطاردة من قِبل أحد جنود الاحتياط ذوي النزعة العنصرية. وهناك من يحذّر انفجار السد، لكن لا أحد يكترث لما يحذر منه، والسكير (وولتر ماثاو) الذي لا يعي ما حدث تماماً ربما كبعض المشاهدين.

لو أن الكتابة شملت ما هو أعمق في الدلالات وما يوفر بعض العمق في الشخصيات، لكان زلزال الفيلم أكثر وقعاً ممّا جاء عليه. لكنه بقي عملاً ضخماً لم تعمد هوليوود إلى تكراره.

* استعادة...

ضعيف | ★★: وسط| ★★★: جيد | ★★★★ جيد جداً | ★★★★★: ممتاز

 

الشرق الأوسط المصرية في

11.01.2024

 
 
 
 
 

حصاد السينما 2023

السينما تستعيد عافيتها: معركة «باربرهايمر» والماضي الاستعماري العنيف

شفيق طبارة

كانت 2023 سنة استثنائية للفن السابع. مع تراجع الظلّ الثقيل لوباء كوفيد 19، عادت السينما بتنوّعها اللامتناهي واكتظّت دور العرض من جديد. إذا نظرنا إلى الوراء، يمكن وصف 2023 بعام التقلبات السينمائية العنيفة، مع ضربتين كبيرتين تمثّلتا في إضراب نقابة كتّاب السيناريو ونقابة ممثلي الشاشة، ما أجبر الإنتاج السينمائي على التوقف لمدة. لذلك، كان عاماً مليئاً بالإضرابات والاضطرابات، والإصدارات المؤجلة، وأرقام شباك التذاكر التاريخية. والظاهرة الثانية تمثّلت في انتشار مصطلح «باربرهايمر» للدلالة على فيلمين صيفيّين عُرضا للمرة الأولى في اليوم نفسه وحطّما الأرقام القياسية في شباك التذاكر. كثيرون كانوا ينتظرون «باربي»، وهو فيلم عن الدمية الشهيرة، يمكن وصفه بإعلان تجاري طويل، وكذلك فيلم «أوبنهايمر»، ملحمة يوم القيامة النووي. وها هما يتوجهان إلى سباق الأوسكار (10 آذار/مارس المقبل)، وينضم إليهما فيلم آخر، هو «قتلة زهرة القمر» عن ماضي أميركا الاستعماري العنيف من توقيع مارتن سكورسيزي. ولا ننسى وافدة جديدة من كوريا الجنوبية هي سيلين سونغ، التي طبعت بموهبتها المشهد السينمائي 2023 بفيلمها «حيوات سابقة». كان هناك الكثير من أفلام السيرة الطموحة التي خالفت الصيغ المعتادة. أخرج ديفيد فينشر فيلماً تشويقياً محكماً بعنوان «القاتل»، وعادت صوفيا كوبولا بـ «بريسيلا» عن العلاقة التي جمعت ملك الروك الفيس بريسلي بزوجته بريسيلا، واجتمع سكورسيزي مجدداً بممثليه المفضلين روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو لمدة ثلاث ساعات ونصف الساعة، وسافر ودي آلن إلى فرنسا في «ضربة حظ»، وعاد رومان بولانسكي في «القصر»، ولوك بوسون في «دوغمان». فيم فندرز سافر إلى اليابان لفيلمه «أيام مثالية»، ومن اليابان أيضاً قدّم ريوسوكي هاماغوتشي قصة مؤلمة في «لا يوجد شر». فيلم وثائقي حصد «دب» برلين الذهبي هو Sur l›Adamant للفرنسي نيكولا فيليبير الذي تناول موضوع سفينة تستضيف أشخاصاً يعانون اضطرابات نفسية في باريس، فيما نال يورغوس لانثيموس أسد «البندقية» بفيلمه «كائنات مسكينة» ومنح «كان» سعفته لفيلم نسوي هو «تشريح سقوط» لجوستين ترييه.عربياً كان عام 2023 موفقاً سينمائياً شهد ترميم «باب الشمس» للمصري يسري نصر الله وعرضه في مختلف المهرجانات العالمية والعربية، وسُجلّت مشاركات عربية في المهرجانات العالمية من بينها «إن شاء الله ولد» للأردني أمجد رشيد الذي فاجأ روّاد الكروازيت، وكذلك فعل السوداني محمد كردفاني في فيلمه «وداعاً جوليا» الذي يحصد اليوم الاهتمام العالمي ويُعرض في أكثر من بلد. ويخوض «بنات ألفة» لكوثر بن هنية و «كذب أبيض» لأسماء المدير، سباق الأوسكار 2024، وحصدت المخرجتان اللبنانيتان ميشيل ونويل كسرواني «الدب الذهبي» لأفضل فيلم قصير في «مهرجان برلين» عن فيلمهما «يرقة». شهدت الأشهر الـ12 الماضية إنجازات سينمائية، ومغامرات متدفقة، ودراما تاريخية لاذعة، وأفلام محاكم وهجاء، ورعباً مزّق الأعصاب، ودموعاً رافقتنا وتجمّعات بهيجة، بما يجعل اختيار أفضل الأفلام في 2023 مهمة صعبةً للغاية، فهناك ما لا يقل عن 30 فيلماً تستحقّ أن تكون على القائمة. مع ذلك ها نحن نخاطر ونختار ما نعتبره الأفضل من دون أي أفضليّة

◄ «كائنات مسكينة» (Poor Things) يورغوس لانثيموس

«أشياء مسكينة» أو «كائنات مسكينة» مقتبس عن رواية بالاسم نفسه للروائي الإسكتلندي ألسدير غراي، صدرت في عام 1992. بالنسبة إلى المخرج اليوناني يورغوس لانثيموس، فـ«الكائنات المسكينة» هي نحن البشر، خصوصاً الذكور الغارقين بشكل بائس في تقرير مصير بيلا باكستر (إيما سكون) بطلة فيلمه. في أطروحته الجديدة حتى الجنون، يجعل لانثيموس من تمكين المرأة عالمه، معيداً إحياء فرانكشتاين ليهديه للمرأة. لانثيموس لا يمزح ولا يهادن، يطلق النار علينا من دون إخفاء يده. جديده هو اعتداء أيديولوجي وعملي على النظام الأبوي، الذي سخر منه بلا رحمة. لا يضحي لانثيموس بشيء من أجل فنه، وفي عام 2023، قدم أحد أكثر أفلامه إقناعاً ووضوحاً. لا تزال المصفوفة اللانثيموسية موجودة، بين زوايا الكاميرا الواسعة والتشوهات الصورية والسخرية الحادة والذوق المروع، والحوارات غير المحتملة، لكن المليئة بالصدق. وفوق كل هذا، تعود الموسيقى في أفلامه وتُوظف كمحوّل للسرد وتطلب منّا إعادة النظر في ما نشاهده. «كائنات مسكينة»، أو نحن المساكين، عمل يجعل غرائزنا الحيوانية شيئاً رائعاً، يُعيد تثقيفنا، يعلّمنا معنى الحياة من خلال جسد امرأة بالغة في عقل طفلة تكتشف الحياة من دون حواجز. قدم لانثيموس حكاية قوطية دقيقة ومفصّلة بقدر ما هي مبهرة. أسطورة يجب أن تبقى لتتوارثها الأجيال.

◄ «تشريح سقوط» (Anatomy of a Fall) جوستين ترييه

تدور دراما جوستين ترييه «تشريح سقوط» الحائز سعفة «كان» الذهبية، حول لغز مقتل صامويل (صامويل ثيس) المدرّس والكاتب الذي سقط من الطابق العلوي لمنزله المترامي الأطراف في جبال الألب الفرنسية. هل قُتل على يد زوجته ساندرا (ساندرا هولر) الكاتبة الأكثر نجاحاً منه أم أنه انتحر؟ ساندرا، هي المتّهمة، وتحاكم بسبب ذلك، والشاهد الأساسي هو طفلهما دانيال، الذي ينغمس في صراع حقيقي مع كشف وقائع تتعلق بأحلك جوانب حياة والديه. تعمل ترييه على شدّ توتر الفيلم، وتسيطر علينا في كل لحظة، مقدمةً دراما متوترة داخل المحكمة تتحول إلى ما يشبه فيلم بيرغمان «مشاهد من زواج» لكن من إخراج هيتشكوك! «تشريح سقوط» يحكي قصة النساء والرجال في عصرنا، عندما أدت ديناميكيات السلطة المتغيّرة إلى زيادة مساواة المرأة، ما جعل بعض الرجال يشعرون كأن هذا التأكيد على العدالة، كان بطريقة أو بأخرى اعتداء قاتلاً عليهم. فيلم ترييه دقيق للغاية، إذ إن الحوار والكاميرا يلعبان معنا في كل الأوقات، ويبقى الفيلم دوماً متقدّماً علينا بخطوة واحدة. ما هو حدّ الذنب؟ هل يجب أن نشعر بالذنب فقط لأن شريكنا يريد منّا ذلك؟ هل يمكن عكس الأدوار التقليدية في الزواج؟ أسئلة تبدو قديمة بالفعل، لكن ترييه تستخدمها كنقطة انطلاق. «تشريح سقوط» دراما في قاعة المحكمة متعددة الطبقات حول مدى استعداد مجتمع اليوم ليدير ظهره للنساء حالما تسنح له الفرصة.

◄ «اغمض عينيك» (Close Your eyes) فيكتور إريثه

فيكتور إرثيه البالغ 82 عاماً، ذو فيلموغرافيا روائية صغيرة، تتمثّل في ثلاثة أفلام طويلة («روح خلية النحل»/ 1973 و«الجنوب»/ 1983 و«شمس شجرة السفرجل»/ 1992)، من بينها اثنان يصنّفان ضمن أفضل أفلام السينما الإسبانية. بعد 32 عاماً من الانكفاء، عاد المخرج الإسباني في عام 2023 بفيلم يحمل عنوان «اغمض عينيك»، يمكن أن يؤخذ على أنه وداع. تحفه إرثيه الجديدة كناية عن فيلم غير مكتمل صُوّر في أوائل التسعينيات، ثم يظهر ميغيل (مانولو سولو)، مخرج الفيلم غير المكتمل وهو يشرع في البحث عن ممثله الرئيسي الذي اختفى من دون أن يترك أثراً، وكان سبباً في توقف التصوير. كلا الفيلمين، غير المكتمل وذاك الذي نشاهده، يتحدث عن رجال يبحثون عن أحبائهم، على أمل أن يعيدوا لهم ماضيهم ويعطوا معنى لحاضرهم. «اغمض عينيك» غامض، استطرادي، طويل وفضفاض، ميلانكولي، سياسي، يمتلك ثراءً وإنسانية مميزين، وإرثيه لا يرحم ويطرح حقيقة غير مريحة: الأمر الأكثر مأساوية من فقدان ذاكرتنا هو معرفة أننا منسيون من قبل الآخرين. وعندما نُمحى من ذاكرتهم، نفقد قطعة من هويتنا. «اغمض عينيك» سينما راقية، وصية سينمائية، طريقة لتصفية حسابات إرثيه مع السينما، أو ربما تعليق ساخر على سبب غيابه. هو كل شيء عن التوازن بين الذاكرة والنسيان اللذين نتفاوض معهما عندما نصل إلى نهاية حياتنا. هو ترياق للنسيان وتأكيد للسينما باعتبارها فن البحث ومستودعاً للذاكرة.

◄ «أوراق متساقطة» (Fallen Leaves) آكي كوريسماكي

تُفرد إنسانية آكي كوريسماكي أجنحتها فوق سماء فنلندا. تقدّم نظرة حزينة على «العصور الحديثة»، وتناشد كرامة الطبقة العاملة. يمزج فيلم «أوراق متساقطة» بين الرومانسية والولع بالسينما والإدمان على الكحول وبعض المامبو الإيطالي. في فيلمه الكوميدي الحزين واللذيذ والمغطّس بالفودكا، يتوسّع كوريسماكي، بطريقة غير رسمية، بثلاثيته الشهيرة (ثلاثية البروليتاريا التي تضم «ظلال في الجنة»، و«أريال»، و«فتاة مصنع الكبريت»). يقدّم لنا قصة حب مليئة بالخلافات والسكر والمصادفات والأخبار الإذاعية عن مجازر الروس في أوكرانيا والسندويشات المنتهية الصلاحية، وأرقام الهواتف المكتوبة على قطعة من الورق تطير بعيداً.
في «أوراق متساقطة»، ستتدخل المصادفة لإطالة أمد فراق العشاق. أنسا (ألما بويستي)، العاملة في السوبرماركت التي فُصلت بسبب أخذها منتجات منتهية الصلاحية، وهولابا (جوسي فاتانين) العامل العاطل من العمل بسبب إدمان الكحول، يلتقيان في ليلة كاريوكي، ثم يلتقيان مرة أخرى للذهاب إلى السينما. لكنّ الريح كانت ضدهما، فسلبت لقاءهما الموعود الجديد. يعود المخرج الفنلندي في فيلمه إلى خيال البروليتاريا المعتاد لينقله ويمزجه بالميلودراما الرومانسية. إنه تغيير كبير يدل على الأمل والحنان وفكرة الخيال أمام هيام الأبطال الذين يجرهم الحزن كما لو كانوا أوراقاً في الريح عنوان الفيلم. نظم وخطّط كوريسماكي فيلمه ببراعة، مع تنظيم مذهل للألوان، ونثر روح دعابته المحبوبة الفريدة والبسيطة على طول الشريط، وهو يلتقط الواقع من دون أطروحات أو تفسيرات. «أوراق متساقطة» هو أكثر ميلودراما كوميدية رومانسية غرابةً وجمالاً أنتجتها السينما الحديثة
.

◄ «يرقة» ميشيل ونويل كسرواني

كُتب «يرقة» بذكاء وأُنجر ببراعة. فيلم لا يشبه كثيراً أفلامنا اللبنانية، يقوم على تقاطعات التاريخ والحاضر والسياسة والاستعمار والصداقة واستغلال المرأة. صور، مشاهد، اقتباسات، مشاهد من أرشيف، موسيقى، صورة ومشهد من دون صوت، وقصة روائية خيالية تمسك كل شيء، وفوق كل هذا صوت سارة (نويل كسرواني) وأسمى (مسا زاهر) يعلو على كثير مما سبق. كل ما يمكن تخيله موجود في الفيلم بفوضوية خلاقة، بفن لا يمكن تفكيكه عن أي شيء. الفيلم القصير للشقيقتين ميشيل ونويل كسرواني (30 دقيقة ــــ دب برلين الذهبي)، يربط تاريخ مدينة ليون الفرنسية ببلاد الشام عامة، وجبل لبنان خصوصاً في صناعة الحرير. لجأ تجار الحرير الفرنسيون إلى الاستثمار في بلاد الشام لصناعة الحرير بعد مرض أصاب زراعتهم، وبدؤوا في تغيير الزراعات وإنشاء مصانع حرير تعرّضت فيها النساء للاستغلال. أخرجت الشقيقتان الفيلم استناداً إلى بحثين هما «حب الحرير» لفواز طرابلسي (نُشر في عدد أيار/مايو 1996 من ملحق «أوريان اكسبرس»، ثم طوّره الكاتب في كتابه «حرير وحديد.. من جبل لبنان إلى قناة السويس») والثاني «بيت لآلهة البيت: الجندر والطبقة والحرير في القرن الـ19 في جبل لبنان» لأكرم فؤاد خاطر (جامعة كامبريدج ــــ 2009). يستعرض مقال طرابلسي العلاقة بين نساء جبل لبنان ومصانع الحرير الغربية في القرن التاسع عشر. وفي أحد مقاطع المقال، يقول طرابلسي إنه في حوالى عام 462، قال أمير ياباني: «بين أثداء النساء تكمن الحرارة المثالية للشرانق حتى تفقس». ومن هذه الجملة انطلقت الشقيقتان بفيلمهما الذي يتناول تأثير الأحداث التاريخية على تشكيل حياة المرء بشكل عام والمرأة بشكل خاص في العالم اليوم. خرجتا بقصة عصرية تدور حول تيمات الهجرة، وظروف العمل، وكيفية تشكّل فرديتنا عبر السفر وظروف العمل. يسافر الفيلم بين الماضي والحاضر، بين استغلال النساء في مزارع دودة القز في جبل لبنان، وبين حياة سارة اللبنانية وأسمى السورية النادلتين في أحد مقاهي ليون الفرنسية. وعلى الإثر ومن دون سابق إنذار، تبدأ الأفكار بالتدفق. لغة سينمائية حرّة لمخرجتين قادرتين على تقديم فسيفساء حية، تحيي القرون الماضية وتضعها في حوار مع القرن الحالي. «يرقة» حنون يربت على أكتاف نسائه، وهو تأنيب ثقافي واجتماعي وسياسي واقتصادي. فيلم دقيق وبارع عن الذاكرة، وعن عبور الذكريات ومحاولة تهدئة الألم الناتج من الغياب. المقارنة بين نساء المصانع وشخصيتي الفيلم ليست مجرد مقارنة بلاغية تنير شيئاً ما، بل صورة نقدية للمجتمع. وبين كل هذا، نصغي ونراقب ونتلقّف كل ما تقوله ميشيل ونويل، اللتان حملتانا بأسلوبهما الاستطلاعي إلى عالمهما بطريقة مفعمة بالطاقة والحنية.

◄ «الوحش» (La Bête) برتران بونيلو

في فيلم برتران بونيلّو، تتكشف السينما أمام أعيننا كالسحر، كجلسة تنويم مغناطيسي، كحكاية خيالية رائعة. «الوحش» المستوحى بشكل فضفاض من رواية هنري جيمس القصيرة «الوحش في الغابة»، يحكي قصة بين الواقع المرير وحيوات غابريال (ليا سيدو) المصمّمة على محو كل آثار العاطفة من داخلها ومن حمضها النووي. هذه العملية الدقيقة ستجعلها على اتصال بحياتها الماضية في أعوام 1910، و2024، و2044 وبحبّ متكرر هو لويس (جورج مكاي) الذي يظهر في حياتها كهدية حيناً، وكعقاب أحياناً. يحول المخرج الفرنسي نسيج الفيلم إلى كابوس، بانياً قصة على شكل متاهة تتسم بالوسواس والهذيان بقدر ما هي جذابة. ترتبط القطع الناقصة في الفيلم بشكل غامض وشاعري في سلسلة متتالية من مشاهد وتواريخ مختلقة. لا نعرف في بعض الأحيان ما إذا كانت هذه المشاهد عبارة عن ذكريات الماضي أو تخيّلات المستقبل أو واقع الحاضر. سيولّد«الوحش» الحب والكراهية، سيبهر المشاهدين ويثير غضبهم على حد سواء. وبالتأكيد انهمرت عشرات النصوص التحليلية التي حاولت تحليل الفيلم في ضوء راهن العالم. لا يُتوقع أقلّ من ذلك من فيلم يعتمد على تاريخ السينما الفرنسية من جان رينوار وليوس كاراكس إلى أوليفييه اساياس، ومن غودار في «ألفافيل» إلى آلان رينيه في «موريال» أو «العام الماضي في مارينباد» وما إلى ذلك. شريط مختلط لا نهائي ينتهي بإلقاء نظرة نقدية على الصورة الرقمية الفارغة التي تولّد نفسها، وفي نهاية قد تكون أغرب تتر نهاية فيلم في تاريخ السينما. عالم «الوحش» عالم غامض، وحكاية رومانسية معاصرة وغريبة، إذ يمكن القول إنّها تعبير عن بونيلّو نفسه.

 

الأخبار اللبنانية في

03.01.2024

 
 
 
 
 
 

طيف غزّة يخيّم على «غولدن غلوب»

هوامش على دفتر الطوفان

نال فيلم «أوبنهايمر» حصّة الأسد خلال الاحتفال الحادي والثمانين لتوزيع جوائز «غولدن غلوب» الذي أقيم فجر أمس الإثنين بتوقيت بيروت، وأرخى العدوان الإسرائيلي على غزّة بظلاله عليه. فقد حصد الشريط الذي يسرد قصة حياة ج. روبرت أوبنهايمر (1904 ــ 1967) عبقري الفيزياء الذي جلب فيزياء الكمّ إلى أميركا والمعروف بأنّه «أب القنبلة الذرية»، خمس جوائز، هي: «أفضل فيلم درامي» و«أفضل مخرج» و«أفضل موسيقى تصويرية» و«أفضل ممثل في فيلم درامي» (كيليان مورفي) و«أفضل ممثل مساعد» (روبرت داوني جونيور). وبفوزه بجائزة «أفضل مخرج»، تغلّب نولان على غريتا غيرويغ التي أخرجت فيلم «باربي» الصادر تزامناً مع «أوبنهايمر»، ما دفع بعدد من المشاهدين إلى متابعة الشريطين في السينما في ظلّ ما عُرف بظاهرة «باربنهايمر». وكان «باربي» الذي يتمحور على الدمية الشهيرة الأوفر حظاً للفوز بأكبر عدد من جوائز «غولدن غلوب» مع حصوله على تسعة ترشيحات، ولكنه فاز بجائزتين فقط هما «أفضل أغنية» (كتبتها بيلي إيليش وشقيقها فينيس)، و«أفضل إنجاز سينمائي وعلى شبّاك التذاكر» (فئة جديدة) بعد تحقيقه أعلى إيرادات لعام 2023. غير أنّه خسر أمام Poor Things (إخراج يورغوس لانثيموس) في فئة «أفضل فيلم كوميدي أو موسيقي»، فيما فازت إيما ستون عنه بجائزة «أفضل ممثلة في فيلم موسيقي أو كوميدي» لتجسيدها دور «بيلا باكستر».أما جائزة «أفضل ممثلة في فيلم درامي»، فكانت من نصيب ليلي غلادستون وهي من السكان الأصليين، عن دورها في فيلم Killers of the Flower Moon لمارتن سكورسيزي، في الوقت الذي ذهبت فيه جائزتا «أفضل ممثل في فيلم كوميدي أو موسيقي» و«أفضل ممثلة في دور مساعد» على التوالي لبول جياماتي ودفاين جوي راندولف من فيلم The Holdovers (إخراج ألكساندر باين). وذهبت جائزتا «أفضل سيناريو» و«أفضل فيلم بلغة أجنبية» إلى الدراما الفرنسية «تشريح سقوط»، فيما فاز فيلم «الصبي ومالك الحزين» لهاياو ميازاكي بجائزة «أفضل فيلم رسوم متحركة».

وعلى صعيد التلفزيون، حصد Succession (شبكة HBO) جائزة «أفضل مسلسل درامي». وعن أدوارهم فيه، نال ماثيو ماكفادين جائزة «أفضل ممثل في دور مساعد»، وكيران كولكين جائزة «أفضل ممثل في مسلسل درامي»، وسارة سنوك جائزة «أفضل ممثلة في مسلسل درامي».

وكان أكبر عدد من الجوائز الكوميدية من حظّ «الدبّ»، وكذلك الأمر بالنسبة إلى «بيف» في الفئات المتعلقة بالأفلام التلفزيونية أو المسلسلات القصيرة.

وأخيراً، ذهبت جائزة «أفضل أداء في الكوميديا الارتجالية على شاشة التلفزيون» (فئة جديدة) إلى الكوميديان البريطاني الشهير ريكي جيرفايس عن عرضه Armageddon، من عروض «نتفليكس» الأصلية.

جاء الحدث بعد عام صعب شهدت فيه صناعة السينما شللاً بسبب الإضراب غير المسبوق منذ الستينيات لممثلين وكتّاب سيناريو في هوليوود. هكذا، خرج نجوم الصف الأوّل بأعداد كبيرة للاحتفال، من بينهم أسماء كبيرة من عالم الموسيقى، أمثال بروس سبرينغستين ودوا ليبا اللذين رُشّحا لجائزة «أفضل أغنية»، وتايلور سويفت التي رُشّح فيلمها Taylor Swift: The Eras Tour عن فئة «أفضل إنجاز سينمائي وعلى شباك التذاكر».

لكن الهمّ الأكبر بالنسبة إلى المنظمين لم يكن فقط نسبة الحضور أو محاولات جذب الجمهور بعد سنوات من الجدل وانخفاض نسبة المشاهدة، بل إنّهم تعرّضوا لضغوط كبيرة من منظمات صهيونية (على رأسها Bring Them Home) لدفع الحاضرين لارتداء دبابيس صفراء كتعبير عن دعم الكيان الصهيوني في حرب الإبادة التي يشنّها على غزّة. ترافق ذلك مع استنفار للشرطة والدفاع المدني في مدينة لوس أنجليس ترقّباً لاحتمال خروج تظاهرات واحتجاجات ضدّ العدوان على القطاع.

هكذا، قرّر بعض النجوم الاستجابة والمساهمة في تلميع صورة العدوّ وجرائمه المستمرّة منذ أكثر من ثلاثة أشهر. فقد وصل عدد من نجوم هوليوود إلى السهرة التي أقيمت في فندق «بيفرلي هيلتون»، مرتدين دبابيس على شكل أشرطة صفراء، لإظهار دعمهم لـ «الرهائن الإسرائيليين المحتجزين لدى المقاومة الفلسطينية منذ السابع من تشرين الأوّل/ أكتوبر 2023». ومن أبرز هؤلاء، نذكر الممثلين الأميركيين جاي سميث كاميرون، وجون أورتيز. علماً أنّ تاريخ هذه الأشرطة يعود إلى أزمة الرهائن في إيران عام 1979 عندما أُسر 52 أميركياً لمدة 444 يوماً في طهران. وسبق ذلك تعبير منظمي الـ «غولن غلوب» عن خشيتهم من أن يستحيل احتفالهم مناسبة للحديث في السياسة وتسجيل المواقف حول ما يحدث في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خصوصاً بعدما أدان كثيرون من نجوم هوليوود حرب التطهير العرقي الإسرائيلية في غزة وكيفية تعامل الاحتلال مع الفلسطينيين. وكان المرشحون للـ «غولدن غلوب»، برادلي كوبر وسيلينا غوميز وواكين فينيكس وكوينتا برونسون ومارك رافالو، من بين أكثر من 260 فناناً وقّعوا على رسالة في تشرين الأوّل الماضي تحث الرئيس الأميركي جو بايدن والكونغرس على الدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار في غزة. ورغم أنّ النجوم لم يخضعوا للرقابة مباشرةً، إلا أنّ وسائل إعلام عدّة نقلت عن مصدر مطلع في عالم صناعة السينما قوله إنّ: «الجميع يأمل أن يجلب احتفال توزيع الجوائز البريق والمرح من هوليوود إلى العالم... الأمر ضروري حقّاً»!

 

الأخبار اللبنانية في

09.01.2024

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004