ملفات خاصة

 
 
 

بين مدافع ومهاجم

"ناقة" السعودي يثير جدالا ويطرح أسئلة التلقّي

سعد المحارب

البحر الأحمر السينمائي الدولي

الدورة الثالثة

   
 
 
 
 
 
 

أثار فيلم "ناقة" للمخرج مشعل الجاسر، ومن تأليفه إلى جانب نواف الشبيلي، والذي بدأت منصة "نتفليكس" بعرضه قبل أسابيع، ردود فعل عديدة، منتقلة به من خانة العمل السينمائي إلى الحكاية الاجتماعية. نُشر الكثير من الانطباعات حول الفيلم عبر شبكات التواصل الاجتماعي، اتسم مجملها بالحدّة، مدحا وقدحا. ولعلّ توالي الأعمال السينمائية السعودية، وتزايد التفاعل معها، ظاهرة إيجابية، فمن الطبيعي أن تصحبه مساعي التسويق الجاد منها والمفتعل، وأن تتجاور خلاله إساءة استعمال حق إبداء الرأي بتشويه الأفلام والتجني على منتجيها، في بعض الأحيان، أو محاولات قمع الرأي النقدي في الأفلام وتخيير المعلقين بين الصمت والمديح، كما نجد في حالات أخرى. وفي الحالين يظلّ مفيدا توسّع نطاق الابتكار والتجريب في الصناعة، كما في نقد منتجاتها.

أتناول في هذا المقال فيلم "ناقة"، في سياق مجموعة الآراء التي يوالي مشاهدوه عرضها، كما أتوقف عند تلقّي التلقي الفيلم، وتحوّله إلى حدث اجتماعي.

عثرات

الفيلم، ومن دون سرد تفصيلي، محاولة لتكوين فيلم "أكشن" سعودي، مثل محاولات سابقة فيها الكثير من الاجتهاد، والقليل من التوفيق. الملمحان الأبرز لإخفاق تجربة "ناقة"، في رأيي على الأقل، هما أولا الفشل في تنويع إيقاع الفيلم، وثانيا طريقة تصويره. وهو يكاد لا يتخلى عن ملمحي إخفاقه من بدايته حتى لحظته الأخيرة.

هذا عمل غاضب ومتشنج ومرتبك. احداثه طارئة ومتلاحقة دون لحظة تأمل، وشخصياته متوترة ومنفعلة دون أسباب واضحة

أقدّر أن الأفلام الطويلة تحتاج إلى تنويع إيقاعها، وتصاعد أحداثها، ولو على أكثر من خطّ سردي، حتى لا تفقد لحظات التوتر والخوف والقلق والغضب قيمتها. لكننا في "ناقة" أمام عمل يبدأ بمشهد صاخب مكثف، وهذا مفهوم، بل وإيجابي لجذب الانتباه، لكن الفيلم يستمر في خلق، أو إن شئت اختلاق، هذه المشاهد حتى يبلغ نهايته، هذا ما يفسّر إحساس عدم الراحة لدى متابعة الفيلم. والعمل الفني حتى عندما يتناول تجربة موجعة مهما كان سياقها، لابد أن يصنع تجربة تلقٍ ممتعة، أو في الحد الأدنى مريحة. فالعمل الفني ليس إعادة للتجربة الموجعة، بل هو مراجعتها العميقة عاطفيا، والبليغة خيالا، والآمنة للمتلقي، والتي تعيد ترتيب مشاعرك حيال ما يصوره ذلك العمل الفني. هذه المراجعة هي اقتراح الفيلم عليك لقراءة المشهد، وهو اقتراح يحتاج للحظات تأمل، واستنتاج، وابتكار للأسئلة، ولا يمكن تقديم هذا الاقتراح من خلال سرد مكثف متسارع على نحو ما جاء في هذا الفيلم.

هذا عمل غاضب ومتشنّج ومرتبك. أحداثه طارئة ومتلاحقة دون لحظة تأمل، وشخصياته متوترة ومنفعلة دون أسباب واضحة في أحيان كثيرة. وحتى المغامرة التي أنتجت ما أنتجت، تبدأ منذ لحظتها الأولى باعتبارها خيارا كريها للبطلة، وكأنها مجبرة عليه. ذلك أن سارة (تؤدّي دورها أضواء بدر) لا تنشد من رحلتها مع سعد (يزيد المجيول) متعة، ولا تجد فيها جاذبية، لا في ما يعترضهما في مطلع الرحلة، ولا في ما تختبره خلالها. يخفق العمل في إعطاء المشاهد سببا مقنعا لقبولها الرحلة، ولاستمرارها فيها. لا تعبير عن الحب، ولا لمحة عن التشوق للمغامرة، ولا اهتمام بالمستهدف. فلا هي معنية بالمخيم، ولا ما يجري فيه. كأنما تعاقب نفسها بهذه المغامرة، وبتفاصيلها المشحونة بأحداث ثقيلة وكلمات بغيضة.

تجربة تعكس تصورا ساذجا للعمل الفني باعتباره صورة وسردا، لا باعتباره معنى إبداعيا، وغوصا في عمق شعوري، تُوظف المهارات الفنية لإنجازه بدلا من توظيفه لاستعراضها. ومما زاد طين الفيلم بللا طريقة المخرج في تصوير المشاهد، حيث المبالغة في حركة الكاميرا، والتوسّع في استخدام المؤثرات البصرية، وهو ملمح يبرز قدرات المخرج إنما على حساب عمله، إذ لم ينجح في توظيف هذه المهارة لتفعيل عنصر فني داعم للعمل، بل صار عنصرا عكسيا، أضاف المزيد من إعاقة البعد الإبداعي، ومن تشويش المعنى الفني.

بقية العناصر الفنية في العمل تشبه نظيراتها في أغلب الأفلام المحلية، والأعمال الدرامية. فشلٌ في استخدام الحوار بوصفه عنصرا فنيا، وتحوله إلى إجراء وظيفي، يشارك فيه الممثلُ المؤلفَ لإبلاغك بالغرض من المشهد، في ممارسة سطحية لا تسمح باستخدام جمالي، ولا بإبداع حوار عميق المعنى، او جملة متعددة الدلالة. وسيناريو يسعى لجمع ما يظنه تعبيرا عن المكان، متوهّما أنه بذلك اكتسب المحلية. وقصة متورّطة في المبالغات ومسرفة في اقتراح المصادفة حلا، واجتهاد تمثيلي في حدود ما تيسر من إمكانيات للراغبين والراغبات في الظهور على الشاشة. كل ذلك ضمن بناء درامي متعدّد الفجوات، وحبكةٍ يعتمد نجاحها على تسامح المتلقي.

أسئلة التلقي

تكتسب العناية بمسألة التلقي، من حيث سياقها وطبيعتها، أهمية عالية في صناعة السينما، لأنها تؤثر بشكل مباشر في الإنتاج المستقبلي، ضمن عوامل أخرى. وهو أمر يزداد ثقل وزنه مع تنامي استخدام شبكات التواصل الاجتماعي، وارتفاع التأثير الاقتصادي المباشر للمشاهد، لا المعلن. فالمشاهد هو المشترك في المنصة، وهو أيضا مشتري التذكرة. لذا فإن أحد التحديات الرئيسة لصنّاع الأفلام يتمثل في الموازنة بين خياراتهم الفنية واستجابتهم لرغبات القطاع الأكبر من المستهلكين إن صح التعبير.

أثار العمل المعروض على منصة مثيرة للجدل، جدلا صاخبا في شبكات التواصل الاجتماعي، وردود فعل اتسم أغلبها بالانفعال، في هجوم قاس، ودفاع حماسي. بما عكس بوضوح مدى الحاجة الملحة لحركة نقدية واعية، ومتنوعة، ومستوعبة، ومستقلة عن المبدعين، في موازاة موجة صاعدة من الإنتاج السينمائي المحلي، لتكون وسيلة أساسية لترشيد ذلك الإنتاج، وردود الفعل تجاهه، بما يسهم في تنمية حركة فنية تكتشف طريقها.

ومع إيماني بحق المعجبين، والرافضين، للعمل بإعلان مواقفهم، دون إساءة، إلا أن ردود الفعل تضمن بعضها حججا جديرة بالتأمل، وأخص هنا الآراء التي ناقشت الفيلم خارج الاعتبار الفني، فمن المدافعين عن العمل من احتج بأن السينما فن وليد في بلادنا، وأن مخرج الفيلم في مقتبل عمره، بالمعنيين الشخصي والفني، وأن التجربة جريئة ومثيرة للجدل، وأخيرا أنها تدافع عن حرية المرأة. مع ملاحظة أن قطاعا من المدافعين حرص على تأكيد أنهم من زملاء المخرج.

الاحتجاج لكل عمل سينمائي سعودي بأننا في البداية أمر محبط، لأنه يقول إن مستوى طموح المشاهد هو المشكلة، وإن العمل السعودي هو بالضرورة متواضع

ولعلك تلاحظ في هذه الحجج والمعلومة الأخيرة أنها لا تقول شيئا عن ضعف القصة والسيناريو والحوار، ولا عن الاستعراض المبالغ فيه في طريقة التصوير والمؤثرات البصرية. بكلام آخر الدفاع عن عمل فني خارج الاعتبار الفني ليس أكثر من إقرار ضمني بتواضع العمل، وأنها مجرد دعوة للتسامح مع هذا التواضع.

أما في التفصيل فإن الاحتجاج لكل عمل سينمائي سعودي بأننا في البداية أمر محبط -لي على الأقل- لأنه يقول إن مستوى طموح المشاهد هو المشكلة، وإن العمل السعودي هو بالضرورة متواضع. وأضعف منه القول بأن المخرج حديث السن والتجربة؛ لأنه ببساطة لم يكن مجبرا على تقديم عمله إذا لم يكن جاهزا. والواقع أن رد فعل المخرج يظهر أنه أكثر نضجا مما يظن المدافعون عنه. أما الدفاع عن العمل بالجرأة والإثارة، فهو في نظري مناسب حين يكون الغرض مجرد شدّ الانتباه، وهو ما يلائم الحملات التسويقية، لكن ليس صحيحا أن كل طرح جريء هو جيد، وساذجٌ من يظن أن كل ما يثير الجدل إيجابي.

أخيرا فإن القول بأن الفيلم يدافع عن حرية المرأة يثير عندي الكثير من الأسئلة، وهذا بعضها: هل ما اقترحه العمل يعبّر عن حرية المرأة، أو حتى عن طموحها؟ هذا على افتراض أن النساء فئة اجتماعية متجانسة إلى درجة الاتفاق المطلق على المفاهيم. وفوق ذلك، هل دفاع عمل فني عن قضية أو مبدأ إنساني يمنحه امتيازا؟ اقتراحي "لا" إجابة عن الأسئلة الثلاثة.

في المقابل، فإن بين المهاجمين من استعمل حجة أن العمل لا يعبّر عن المجتمع السعودي، ومنهم من قرر إدانته على المستوى الأخلاقي. والقول إن عملا فنيا يعبّر عن مجتمع ما، يعكس وعيا قاصرا في فهم العمل الفني. لا يوجد فيلم سينمائي يمثل المجتمع، أي عمل وأي مجتمع. العمل الفني اقتراح من صنّاعه، في لحظة نشره. لا يمكن اعتبار فيلم أميركي تعبير عن كل المجتمع الأميركي، ولا يصح مؤاخذة فيلم إيطالي بأن الايطاليين، أو أغليهم،  لا يتفقون معه.

أما مسألة المعيارية الأخلاقية فهي معقدّة، وتستدعي مناقشة تفصيلية خارج هذا المقال، إنما يمكن طرح أسئلة أولية هنا، مثل: هل العمل الفني خطاب في التربية؟ وهل هو نقل للواقع، أو لجانب منه؟ وهل الفيلم -أي فيلم- يقترح الاقتداء بالنماذج المعروضة فيه؟ ثم من يقرر ما هو أخلاقي؟ وهل يمكن تصور إجماع على معيار أخلاقي في كل تفصيل من تفاصيل الحياة؟

 

مجلة المجلة السعودية في

24.12.2023

 
 
 
 
 

فيلم «الهامور ح.ع» يعيد السعوديين لبدايات الألفية.... ويتصدر «نتفليكس»

المخرج لـ«الشرق الأوسط»: 20 % من الأحداث تطابق القصة الحقيقية

الدمامإيمان الخطاف

من النادر أن تقفز الأفلام التي عُرضت في صالات السينما لتتصدر قوائم «الأعلى مشاهدة» في المنصات الإلكترونية، بوصفها كانت متاحة للجمهور في وقت سابق، إلا أن الفيلم السعودي «الهامور ح.ع» للمخرج عبد الإله القرشي تمكّن من تحقيق ذلك، حيث تصدّر فور عرضه على منصة «نتفليكس» الأفلام الأعلى مشاهدة في السعودية.

الفيلم الذي يعود بذاكرة المُشاهد لنحو عقدين من الزمان، استُلهمت أحداثه من قصة حقيقية عُرفت في المجتمع السعودي مع بداية الألفية الثانية، باسم «هامور سوا»، التي تدور حول شاب تمكّن من تحقيق أموال طائلة من خلال مساهمات بطاقات شحن الهواتف المحمولة، واحتال على عدد كبير من الناس؛ مما تسبب بسجنه لاحقاً.

خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» يفسر القرشي تصدر الفيلم في «نتفليكس»، قائلاً: «ربما لأن ارتياد السينما أمر يحتاج إلى بذل مجهود أكبر من قِبل المشاهد، بعكس عرضه على منصة تيسر له مشاهدة الفيلم وهو في منزله، كما أن عرض الفيلم في (نتفليكس) جاء بعد أن حقق نجاحاً كبيراً في شباك التذاكر، ويأتي كذلك بعد النجاح الجماهيري لأفلام سعودية سابقة مثل (شمس المعارف) و(سطار)، كما أن كثيراً من الجمهور سمعوا عن (الهامور ح.ع) مما جعلهم يترقبون صدوره على (نتفليكس) منذ وقت مبكر».

ترقب الجمهور

وأشار القرشي إلى أن «عرض الفيلم جاء بالتزامن مع صدور أفلام سعودية أخرى جديدة مثل (ناقة) و(مندوب الليل)، علاوة على الأصداء الكبيرة لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في جدة، الذي أُقيم مطلع هذا الشهر»، وجميعها أمور يرى أنها «أسهمت في مضاعفة اهتمام الجمهور بمشاهدة (الهامور ح.ع)». ويردف: «أصبح الجمهور السعودي أكثر تطلعاً لمشاهدة الأفلام المحلية، ويترقبها من باب الفضول أحياناً».

فيلم «الهامور ح.ع»، الذي رُشح لتمثيل السعودية في جوائز الأوسكار 2024 لم يحالفه الحظ لمواصلة طريقه بعد أن جاء استبعاده من القائمة القصيرة المتنافسة على الجائزة، قبل نحو يومين، وهنا يقول القرشي: «كنا سعداء جداً بترشيح الفيلم، لكني شخصياً لست متعجلاً على الأوسكار»، لافتاً إلى أن السينما السعودية ما زالت في عامها الخامس، وأمامها كثير لكسب الجمهور السعودي، ثم العربي، وبعده العالمي.

أضخم إنتاج سعودي

وفي حين وصل «الهامور ح.ع» بتصويت الجمهور إلى القائمة القصيرة لجوائز «جوي أوردز»، عن فئة «أفضل فيلم سعودي»، وهو الفيلم الذي يُعد الأضخم إنتاجياً في السينما السعودية، بسؤال القرشي عن ذلك، أوضح أن «فكرة الفيلم تطلبت ذلك، نظراً لكونه يتناول قصة حارس أمن يكوّن ثروة تقدر بنحو مليار ريال في غضون 3 سنوات»، مضيفاً: «كان من المهم أن نعرّض للجمهور أوجه إنفاق هذه الأموال، سواء أكانت في الأمور غير الأخلاقية من حفلات وليالٍ حمراء، أم في الجوانب المادية مثل توافر النقود والسيارات الفارهة والقصور وغيرها، كما أن كثرة مواقع التصوير أسهمت أيضاً في رفع تكلفة الإنتاج، حيث صوّرنا في أكثر من 160 موقعاً».

وجه سينمائي جديد

وبالسؤال عن سبب اختيار الممثل فهد القحطاني للشخصية الرئيسية في الفيلم «حامد عوض»، الذي يُرمز إليه بحروف اسمه الأولى (ح ع)، مع كونه ممثلاً جديداً على الساحة، يرجع القرشي ذلك لملامح الممثل، مبيناً أنه «يمثل وجهاً مألوفاً في المجتمع السعودي، وملامحه قد تكون لرجل من المنطقة الغربية أو الشرقية أو الجنوبية وغيرها»، مما يعكس الهوية العامة التي أرادها في هذا العمل، علاوة على لهجة الفنان المساعدة لتقمص الشخصية.

ويردف: «دورنا اليوم بوصفنا مخرجين ألا نعتمد على البطل الواحد، خصوصاً مع قلة أعمالنا المحلية، وكي لا نكرر الوجوه نفسها في الأفلام، فعلينا اكتشاف الوجوه الجديدة، كما أن فهد القحطاني لديه موهبة ممتازة، ولذا شعرت بأنه قريب من الشخصية، كما أن تعاون بقية الفنانين معه كان جميلاً، وكثير منهم مثّلوا بطولات سابقة، لكن لم يشعروا بأي إشكالية في أن تكون لهم أدوار ثانوية في الفيلم».

ألف ممثل

وعن عدد الممثلين في «الهامور ح.ع»، يفيد القرشي بأنهم نحو ألف ممثل، ما بين الممثلين الرئيسيين والثانويين والكومبارس. ويتابع: «كان لدي تحدٍ في ألا نكرر الوجوه نفسها، فلا بد من اختلافها بحسب كل طبقة اجتماعية وكل مرحلة في الفيلم»، مبيناً أن تحضير الفيلم استغرق نحو عامين. ويضيف: «الفيلم يعتمد صوت الراوي، حيث يحكي القصة من منظور حامد (فهد القحطاني)، مع التركيز على تطور الشخصية وتغيرها تدريجياً، كما أن فكرة الثراء السريع لم تُغيره بالكامل، بل ما تغير هو الماديات من حوله».

التشابه مع القصة الحقيقية

ولأن قصة الفيلم مستلهمة من قصة حقيقية، لا بد من سؤال القرشي عن مدى تقاطعها مع تلك الواقعة، ليجيب: «نحو 80 في المائة مما جاء في الفيلم من وحي الخيال، و 20 في المائة من الواقع»، مشيراً إلى أن الفيلم اعتمد بشكل أساسي على قضية مساهمات بطاقات الشحن الشهيرة آنذاك، وأبان أن مشهد رمي النقود على البطل أمام منزله، حين أصرّ الناس على استثمار أموالهم معه، هو مشهد حقيقي من الواقعة الأصلية. ويتابع: «التفاصيل والعلاقات الإنسانية وتعامل الشخصية مع الحياة كلها أمور كانت من وحي الخيال، وأظن أن ذلك أفضل بحيث يتيح لنا مساحة للإبداع الفني».

بداية الألفية الثالثة

ويعترف القرشي بأنه واجه تحدياً كبيراً في محاكاة فترة بداية الألفية الثالثة، بالقول «هي حقبة زمنية صعبة ونادرة، خصوصاً أن الناس دقيقة تجاه التفاصيل، لكننا اهتممنا بكل شيء من حيث المصطلحات، واللغة المستخدمة، والجوالات، والمباني، والديكورات والملابس، والأماكن الخارجية وغير ذلك، وحاولنا أن نكون دقيقين في التفاصيل».

ويردف: «الفيلم يعتمد على النوستالجيا إلى حد كبير، بما في ذلك ظهور أول جهاز جوال مزود بكاميرا واستخدامه آنذاك، فنحن نتحدث عن فترة تتجاوز العشرين عاماً، تغير فيها العالم بشكل كبير، حتى من حيث الأغاني والأزياء والموضة حاولنا أن نحاكي ذاك الزمن، خصوصاً أن الفيلم يركز تحديداً على الفترة ما بين 2001 و2005».كما كان لافتاً في الفيلم استخدام العملات النقدية القديمة، التي يوضح القرشي أن طباعتها لم تكن أمراً سهلاً، حيث كان لابد من الحصول على تصريح طباعة. وبسؤاله عن مشروعاته المقبلة، كشف أنه يعمل حالياً على مشروع سينمائي جديد مستلهم أيضاً من قصة حقيقية، وذلك لإيمانه بسينما الواقع وغزارة القصص التي من الممكن التقاطها من أحداث المجتمع المحلي.

 

####

 

فيلم «ناقة»... حكاية تحذيرية بطلته تنجو من الموت بفضل حذائها

الرياضد. مبارك الخالدي

بعد الاستماع إلى نصيحة أمها بأن تسلك الطريق المتعرجة، وتتفادى بِرَكَ الماء، وبألا تتحدث مع الذئب الكبير الشرير، تحملُ ذات الرداء الأحمر السلّة المملوءة بالفطائر اللذيذة، وتُسلِم قدميها إلى الطريق المتعرجة الموصلة إلى كوخ جدتها على الطرف الآخر من الغابة. في أثناء سيرها، تلتزم الطفلة بثلثي نصيحة أمها، ولكن تعجز عن إبقاء فمها مغلقاً عندما يبادرها الذئب بالسؤال عن وجهتها، فتخبره بأنها تحمل طعاماً إلى جدتها طريحة الفراش في كوخها في الناحية الأخرى من الغابة. وتضيف أن لكوخ جدتها باباً أخضر. وبينما ذات الرداء الأحمر تسير متمهلة مستغرقة في الغناء، يصل الذئب الجائع إلى كوخ الجدة... إلى نهاية القصة.

في 2004، أنجز المخرج بول هاغيس فيلمه «تصادم»، الذي اشترك في كتابة قصته مع بوبي موريسكو. وفاز «تصادم» بأوسكار أفضل فيلم. وكانت قائمة الممثلين والممثلات فيه مرصعة بالنجوم؛ ساندرا بولوك، ودون تشيادل، وجينيفير إسبوسيتو، ومات ديلون، وبريندان فريزر، وتِرنس هوارد، وثاندي نيوتن، وآخرين. أسماء كثيرة متعددة الخلفيات العرقية والإثنية والطبقية. تتقاطع وتتشابك حكاياتها بعضها مع بعض، لكن العلاقات بين أصحابها موسومة بالتوتر وملوثة بالتحيزات العنصرية والرهاب والجهل والأفكار المسبقة. هذا هو حال الشخصيات في البداية، لكن لأن التغير موضوع وثيمة كل القصص والروايات والأفلام، لا يبدو بعضها في النهاية كما كان في البداية. اقترب بعضها من بعض، إذ تحررت «نسبياً» من تحيزاتها والكره المتوارث وجهلها بالآخرين. تعرّض الفيلم لموجةٍ من الانتقادات لما اعتبره البعض تسطيحاً وتبسيطاً في معالجته لقضايا مثل العنصرية. انتقادات لا تفتقر إلى الصواب، لكنه يظل رغم ذلك فيلماً متميزاً وممتعاً، شاهدته قبل سنوات، وشاهدته مرة ثانية قبل كتابة هذه المقالة.

ما العلاقة بين قصة «ذات الرداء الأحمر» والفيلم «تصادم»؟ أتوقع أن يتشكل هذا السؤال في أذهان البعض. في الحقيقة، ثمة علاقة تربطهما، وتمتد منهما إلى مئات من الحكايات والقصص والأفلام، فكل منها يروي ما تسمى «حكاية تحذيرية cautionary tale». «ذات الرداء»، وكذلك «تصادم». وبقدر ما تهدف أفلام الحكايات التحذيرية إلى الإمتاع والترفيه، تقدم نفسها كمرايا مرفوعة - منصوبة في مواجهة الواقع، تتفيأ أن تكون قوة للتغيير، أو إثارة النقاش والجدل حول قضايا مجتمعية معينة، أو تقديم رسائل أخلاقية ودينية وسياسية، أو للتذكير بأن ما يتخذ من قرارات أو ما يرتكب من أخطاء وخطايا تكون لها نتائج وخيمة، أو قد تكون كذلك. تتوزع أفلام الحكايات التحذيرية على كل خانات التصنيف للأفلام السينمائية، وتشكل الغالبية العظمى من أفلام الرعب والإثارة.

يمكن القول إن فيلم «ناقة» للمخرج السعودي مشعل الجاسر حكاية تحذيرية. هكذا يبدو من وجهة نظري. ليس هذا إسقاطاً، إنما استنتاج مبني على ما يتوفر فيه من خصائص وعناصر الحكاية التحذيرية، كما أتمنى أن يبدو واضحاً في هذه القراءة.

لا أختلف مع من يرى أن ثمة جرأة في تقديم وتصوير الفيلم لفتاة تتعاطى المخدرات وتجرؤ على كسر التابو الديني والمجتمعي في نفس الوقت بالخروج مع صديقها في خلوة في الصحراء. لكن «ناقة»، من منظور آخر، يتضمن ما يبدو عقاباً قاسياً ومؤذياً نفسياً وجسدياً لبطلته سارة (أضواء بدر) لتجرؤها على كسر التابو، ممهدةً الطريق إلى ذلك بالكذب على والديها. لذلك لا يبدو «ناقة» ترويجاً للصداقة بين الجنسين ولخلواتهم سواء في الصحراء أو أي أمكنة أخرى. ولا يبدو أيضاً أن صانع الفيلم الضمني (صانع الفيلم كما أتصوره) ينظر بعين الرضا إلى العلاقة بين سارة وصديقها سعد (يزيد المجيول)، وإلى خروجهما إلى الصحراء، هذا ما استنتجه من سلسلة المواقف الصعبة والمخيفة التي تواجهها سارة بمفردها طوال الوقت، وتكاد تودي بها إلى الهلاك.

«النكبات» هي المفردة التي استخدمها المخرج مشعل الجاسر في وصف المواقف التي تتعرض لها سارة، في حديثه لصحيفة «الشرق الأوسط» (9 / 12 / 2023). يقول الجاسر عن «ناقة»: «لكن فيلمنا مختلف، فقصته تحدث في يوم واحد، ويمكن وصفه بالنكبات المتتالية، إذ تبدأ بموعد غرامي وتنتهي بكابوس غرامي». في الواقع إن ما يحدث لسارة كابوس لا علاقة له بالغرام. كابوس عاشته وحدها لساعات، أما صديقها سعد فلم يكن سوى نكبة من تلك النكبات التي تتعرض لها، وخيبة أمل يُعَبِّر عنها قولها صارخةً في وجهه: «والله إني مجنونة رايحة ويا واحد رخمة نص البر». أعجبتني فكرة «النكبات»، بمعنى المواقف الصعبة المُتحدية والمرعبة، وسأستمر في استخدامها إلى النهاية.

لفت انتباهي تَركز النكبات في المسافة الزمنية بين خروج الصديقين من النفق ليتوغلا في الظلام حيث «الحُوار - الجمل الصغير» في انتظارهما، وبين لحظة دخول سارة النفق راكضة من دون سعد «الرخمة» لتخرج في نهايته على نور الخلاص والنجاة من النكبات الصحراوية لتصبح بالتالي، وبمفردها كما كانت سابقاً، في مواجهة ما قد يكون نكبة، أو أم النكبات، كامنة في انتظارها إذا لم تصل إلى سوق العويس في الساعة (9:59)، الموعد الذي حدده أبوها لعودتها، كسندريلا ذات الرداء الأسود، التي كان حذاؤها أحد عوامل نجاتها من الموت تحت أخفاف الناقة الغاضبة.

يؤدي اصطدام سيارة الصديقين بالجمل الصغير ثم نحره من قبل الراعي السوداني دوراً مهماً في تطور الحدث في الفيلم؛ أولاً، لكونه الشرارة التي أشعلت حقد وغضب الناقة، أي سبب النكبة الكبرى، الموقف الأشد صعوبة وتهديداً لحياة سارة، مواجهة سارة الوحيدة في ليل الصحراء مع الناقة الغاضبة في أعقاب النكبة التي تعرضت مع سعد لها، وهي إلقاء الشرطة القبض عليه لتبقى سارة تواجه خطر الموت وحدها بعد انقطاع السبل بها. وثانياً، بالإضافة إلى أنه السبب في النكبة التي كادت تودي بسارة إلى الموت والهلاك، ينبئ موت الحوار بموت الناقة أمه في حادث يكون أحد عوامل خروج سارة من الصحراء والعودة إلى الرياض عندما يقلها سائق سيارة المثلجات من موقع الحادث إلى أحد المستشفيات على الرغم من رفضها، لذا تهرب عند توقفه ودخوله المستشفى لاستدعاء من يسعفها.

لم يكتف صانع الفيلم بالمواجهة بين سارة والناقة كذروة تعقد الأحداث في الفيلم، والصراع بين سارة والطبيعة - الصحراء - الناقة، إنما استخدمها (المواجهة) أداة لكسر خطية السرد، بتجزؤ مشهد المواجهة إلى 3 أجزاء، بكلمات أخرى، إلى 3 سلاسل من اللقطات «مشهد الولادة، والجزء الأول والجزء الثاني من المواجهة»، واستخدام اثنتين منهما (السلاسل) في سرد استباقي (فلاش فوروارد) بانتزاعهما من موقعهما في التسلسل الزمني للأحداث (القصة) ووضعهما في موقعين مختلفين في زمن السرد - الخطاب في الفيلم.

فمشهد «فلاش فوروارد» ولادة الناقة يَرِدُ مبكراُ جداً للمرة الأولى، خلال الدقيقة الرابعة من بداية الفيلم - زمن السرد، مفصولاً عما قبله وعما بعده. ثم تتكرر الولادة في الجزء الثاني من مشهد المواجهة بين سارة والناقة، نحو الساعة الثامنة مساء وفقاً لزمن الحدث، وبعد ساعة و15 دقيقة من زمن الفيلم - السرد، بعد هروب المحتفلين لسبب مداهمة الشرطة للاحتفال وتوقف سيارة سعد لنفاد الوقود في البر. ثم يظهر الحوار الوليد للمرة الثالثة قرب مكان الحادث الذي أنهى حياة أمه. أما الاستباق الأول، الجزء الأول من مشهد المواجهة، فيبدأ في الدقيقة 33 (32:34) من زمن السرد، بُعَيْد وصول سعد وسارة للمخيم، وهما في طريقهما الى مكان الحفل، الساعة (06:32) من زمن القصة - الأحداث.

يبدو أن تقطيع وتوزيع مشاهد المواجهة وولادة الناقة وموتها على رقعة الخطاب للتأكيد على مركزية الناقة في الفيلم بجعلها أمام المشاهد من البداية إلى النهاية، بالإضافة إلى كسر خطية السرد.

ليس في «ناقة» سوى نكبات تواجه سارة أنى تلتفت، حتى المخيم حيث الاحتفال الذي يفترض أن تقتنص خلاله لحظات من البهجة، كان فضاءً مزروعاً بنكبات متتالية وجدت سارة نفسها وحيدة في مواجهتها، بداً من هلوستها تحت تأثير المخدر، والاختفاء الأول الغامض لسعد، ودخولها في شجار ومشادة كلامية مع الشاعر الدعي أبو فهد حمد الوسواس (جبران الجبران) ومع فتاتين في الحفل، وتحرش شابين بها، عرض أحدهما «تضبيطها»، قبل أن تتعرض للتحرش من قبل الشبان الثلاثة أمام محل تأجير الدبابات.

«ناقة» حكاية تحذيرية، تبدو فيها النكبات التي تمر بها سارة وتنجو منها كالعقاب على كسرها التابو والكذب على والديها. اللافت أن هجوم الناقة على سارة يبدأ مباشرة بعد إنهائها اتصال أمها بها، مدعية - كاذبة أن صديقتها هديل تناديها. لكنها نجت من أم النكبات بسبب اندلاع حريق في سوق العويس.

 

الشرق الأوسط في

24.12.2023

 
 
 
 
 

انطلاق البيع المُسبق لتذاكر الفيلم الروائي الخيالي المُرتقب "حوجن"

البلاد/ مسافات

أعلنت إيمج نيشن أبوظبي، ڤوكس ستوديوز، و“استوديوهات “MBC، عن بدء البيع المسبق لتذاكر فيلم "حوجن" الذي طال انتظاره، والمقتبسة أحداثه من رواية "حوجن" الخيالية الرومانسية والأكثر مبيعاً في المملكة العربية السعودية، ابتداءً من 21 ديسمبر 2023، وذلك بعد عرض الإعلان الرسمي النهائي للفيلم على شبكة الإنترنت.

ويصل فيلم "حوجن"، المقتبس من رواية الكاتب إبراهيم عبّاس "حوجن" الأكثر مبيعاً في المملكة العربية السعودية، إلى شاشات السينما في المملكة بتاريخ 4 يناير 2024. وتمزج قصّة الفيلم بين التراث الشعبي وجُملة من الموضوعات العصرية، ويتناول الفيلم مزيجاً من الأحداث الخيالية والرومانسية بطلها حوجن جنيّ طيب (براء عالم) يعيش بين البشر في مدينة جّدة العصرية والذي يكتشف حقيقة نسبه الملكي، لتبدأ رحلته ومغامراته في مواجهة الشر لاستعادة حقه، محاولاً الحفاظ على التوازن بين عالمه وعالم البشر، وبينما تمضي القصّة في أحداثها، فجأة تنشأ علاقة رومانسية بينه وبين فتاة تُدعى سوسن (نور الخضراء)، وهي طالبة شابة تدرس الطب.

شارك في تأليف وإخراج الفيلم كل من ياسر الياسري، وإبراهيم عباس، وسارة طيبة، وحسام الحلوة، وهو من إنتاج تنفيذي من ماجد الأنصاري ("زنزانة") وسعد البطيلي ("كرز"). وتم إنتاج الفيلم من قِبل ياسر الياسري عبر شركته للإنتاج "أكس برودكشنز"، بينما نُشرت الرواية الأدبية عبر دار "يتخيلون للنشر والتوزيع"، والتي أسسها ياسر بهجت وإبراهيم عباس.

وقد أقيم العرض العالمي الأول لفيلم "حوجن" خلال الأمسية الافتتاحية لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي 2023 بحضور المخرج وطاقم العمل، بمن فيهم نور الخضراء (من مسلسل الخطّابة)، وبراء عالم (من فيلم شمس المعارف وسكة طويلة)، ونايف الظفيري (من مسلسل رشاش)، والعنود سعود (من فيلم مذكرة ابتزاز ومسلسل بنات الملاكمة)، ومنصور آش (من فيلم طريق الوادي)، ومجدي القاضي. كما أُقيمت ثلاثة عروض عامة للفيلم خلال المهرجان نفدت فيها جميع التذاكر.

يُعد "حوجن" أحد أكبر المشاريع الفنية حتى الآن التي تنضوي تحت مظلّة الشراكة الإنتاجية المبرمة في عام 2019 بين شركة إيمج نيشن أبوظبي، و”استوديوهات “MBC، الذراع الإنتاجية لـ "مجموعة MBC" واستوديوهات ڤوكس ، وهي ثلاث من أهم الشركات الإقليمية الناشطة في قطاع صناعة المحتوى الفني والترفيهي.
يمكن شراء التذاكر من هنا اعتباراً من اليوم.

 

البلاد البحرينية في

22.12.2023

 
 
 
 
 

تعرف على | 4 كتب تروي قصة السينما السعودية

جدة ـ «سينماتوغراف»

قبل نحو خمس سنوات، كُتبت ولادة جديدة للسينما السعودية الحديثة، فقد شهد يوم 18 إبريل تدشين وزير الثقافة والإعلام حينها الدكتور عوّاد بن صالح العوّاد أول صالة سينما تجارية في المملكة.

ويُعد هذا القرار نقطة تحول مهمة في تاريخ المملكة؛ إذ يفتح الباب لعودة قوية للسينما إلى المشهد الثقافي السعودي، كما يفتح آفاقًا رحبة تنعكس آثارها الإيجابية بعيدة المدى على الاقتصاد وغيره من مناحي الحياة في المملكة.

تكامل المشهد مع انطلاق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي في مارس 2020 كأول مهرجان سينمائي دولي في المملكة، في دورته الأولى، فيما انهى المهرجان دورته الثالثة 9 ديسمبر الجاري، نستعرض أربعة كتب تروي قصة السينما في السعودية.

نبدأ بكتاب "سينمائيات سعودية: قراءات في أفلام مختارة" للناقد خالد ربيع السيد، وقد صدر عن جمعية الثقافة والفنون بالدمام، ضمن الكتب الصادرة عن مهرجان أفلام السعودية في دورته الخامسة التي أقيمت في عام 2019.

ويشمل قراءات شمولية وسردية تاريخية للحراك السينمائي في السعودية، إذ يضم الكتاب المقالة التي كتبها الناقد والمخرج الأستاذ "فهد الأسطاء"، ونشرها في مجلة المجلة في شهر مايو من عام 2013. وتعد هذه المقالة قراءة مفصلة لتاريخ السينما في المملكة، وللأفلام السينمائية السعودية التي كان لها حضور مشرف سواء في المهرجانات العربية والدولية.

فقد استعرض الكتاب ما ذكره الناقد والمؤرخ السينمائي الفرنسي الشهير "جورج سادول" في كتابه المهم "تاريخ السينما في العالم"، الذي قال فيه إن المملكة عام 1965 كانت فيها دور عرض سينمائي داخل المجمعات السكنية للموظفين الغربيين من موظفي شركة أرامكو التي تعرض أحدث الأفلام السينمائية وقتها. ويذكر الكتاب افتتاح الملك فيصل عام 1966م التلفزيون حينها، بالإضافة لاتفاقات جارية مع شركات أمريكية لبناء شبكة من دور السينما يرتادها السكان العرب، كما أشار أيضًا إلى شراء الملك فيصل نفسه -حين إقامته في لندن- نسختين من فيلم «لورنس العرب» التحفة السينمائية الشهيرة لـ"ديفيد لين"، والحائز أوسكار أفضل فيلم عام 1962.

وما حدث فيما بعد هو أن الصالات السينمائية افتتحت خلال سبعينيات القرن الماضي عبر الأندية الرياضية على وجه التحديد للرجال فقط، وفي بعض السفارات الأجنبية والبيوتات الشهيرة خاصة في جدة والطائف.

ويسرد التاريخ السينمائي للمملكة من حيث الأفلام وأماكن العرض، فقد كانت الأفلام تعرض قبل نحو خمسين عامًا في مدن المملكة، والأحواش، ومجالس البيوت والأسطح، لتعرض الأفلام في دور عرض سينمائية خاصة مجهزة بأحدث وسائل التكنولوجيا العالمية.

الكتاب الثاني، (كما الماء.. تأملات في السينما السعودية)، للدكتور محمد البشير، الباحث والناقد، وكاتب السيناريو، وقد صدر الكتاب ضمن إصدارات مهرجان أفلام السعودية.

ويعد الكتاب ضمن مشروع كتابات وتأملات عن السينما السعودية والانطباعات وردود الأفعال حول مشاهدة الأفلام، لتتشكل تلك الانطباعات عن الأفلام على سطح الماء.

ويشرح الكتاب كيف أن المسافة كانت منذ عام 2006 تقترب بهون عامًا بعد عام لتشهد المملكة حراكًا سينمائيًّا، فقد حصد فيلم "السينما 500 كلم" جائزة النخلة الذهبية عن فئة الأفلام التسجيلية في النسخة الأولى من مسابقة أفلام السعودية عام 2008، لتكون المسابقة رابطة لتلاقي المهتمين بالسينما من السعوديين على أرض الحقيقة بعد أن جمعهم الفضاء الإلكتروني قبلها.

حتى بدأ جيل شاب يقلص المسافة أكثر، ويزيد سواد المهتمين بعقول شابة من بنين وبنات، مقدمين من حيواتهم ما يمكن أن يُروى بعدساتهم.

لذلك عمل هؤلاء الشباب على الحديث بلسانهم، وعرض قصصهم الواقعية بأعينهم وعدساتهم، أرادوا أن ينخرطوا بشكل فاعل في المجتمع، لم يكتفوا بأن يكونوا فقط متلقين، فعصر الصورة لا يأذن أبدًا بالعودة للخلف، ولا يتيح الحديث بالحروف حين يكون للصور أفواه أبلغ وأفصح وأجدر بكل أذن أن تصغي إليها، لأن السينما في هذا العصر، هي الأقدر على توثيق كل الحوادث بأدوات أكثر تبليغًا، وأن كل ما جاء من منجزات سينمائية شبابية هي وثائق تاريخية للزمن.

يؤكد الناقد السينمائي المصري عصام زكريا في كتابه (السينما السعودية قراءة نقدية تاريخية)، أن السينما السعودية تشهد حاليًّا ذروة انتعاش واعدة، تتوافر الآن معظم المقومات التي تقوم عليها صناعة السينما: المواهب، والتعليم والتدريب، والدعم الحكومي الكبير ماديًّا ومعنويًّا، ودور العرض السينمائي التي تشهد نموًّا متسارعًا، ومواقع التصوير الجيدة، وجمهور واعٍ متعطش لارتياد دور العرض السينمائي.

يأتي ذلك بعد أن حققت السينما السعودية خلال سنوات قليلة ما تحققه سينمات أخرى في عشرات السنوات. فعلى عكس معظم دول العالم، كانت المملكة حتى قبل شهر أبريل من 2018 لديها صناع أفلام، وجمهور، ولكن لا توجد بها دور للعرض السينمائي. ويشير الكتاب إلى أنه لو رجعنا إلى الماضي أكثر لعرفنا أن السينما كانت موجودة في المملكة منذ ثلاثينيات القرن الفائت.

ويشرح الكتاب كيف أن السعوديين لم يكونوا منقطعين عن الوسائط البصرية أو الأفلام كما يظن البعض، بل هم من أكثر الشعوب استخدامًا للوسائط الإعلامية.

وقد شهد العقدان الماضيان صناعة أفلام قصيرة ووثائقية، وحركة سينمائية عرضت عبر الإنترنت ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث عرضت أعمال سعودية من خلال مسلسلات الإنترنت التي تعرف باسم webisode.

ويستعرض رحلة السينما السعودية، وصولًا للأفلام التي تشهد صعودًا تدريجيًّا في المملكة منها أفلام البحث عن الجذور والهوية مثل فيلمي "الطريق" و"الرحلة".

ويتناول كتاب (من مكة إلى كان - سينما عبد الله المحيسن)، للناقد اللبناني إبراهيم العريس سيرة الرائد السينمائي عبد الله المحيسن، الذي أخرج أول فيلم سعودي عن تطوير مدينة الرياض، وشارك به في مهرجان الأفلام التسجيلية في القاهرة عام 1976م. ثم قدم عام 1977 فيلمًا سينمائيًّا أكثر أهمية وحسًّا فنيًّا وهو الفيلم الوثائقي الذي يحمل عنوان "اغتيال مدينة" في عرض درامي حول الحرب الأهلية اللبنانية، ومدى الضرر الذي ألحقته هذه الحرب بمدينة بيروت الجميلة.

ويؤكد الكتاب أن سينما عبد الله المحيسن لا تنفصل عن سيرة السينما في المملكة، ‏وذلك كما نعرف، حال كل الرواد الذين يؤرَّخ لهم لحظة مفصلية في تاريخهم الخاص ‏وتاريخ السينما في بلادهم.

لهذا يمكننا أن نقرأ هذا في لحظة السينما السعودية الراهنة والمفعمة بالوعود والآمال، والمضامين الفكرية والثقافية التي عمل المحيسن على ترجمتها في ‏مجموعة الأعمال السينمائية طيلة الفترة الماضية، وصولاً للنهضة التي تُدهش العالم حاليًّا.

 

موقع "سينماتوغراف" في

23.12.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004