ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم السعودي "ناقة"..

حالة سينمائية متفردة

القاهرة-عصام زكريا*

البحر الأحمر السينمائي الدولي

الدورة الثالثة

   
 
 
 
 
 
 

"ناقة"، فيلم سعودي مختلف، مثير للاختلاف، جريء، مثير للجدل، لكنه في نهاية المطاف عمل فني مبدع، وبديع، يحمل بصمة صاحبه الخاصة، التي لا تشبه غيره.

"ناقة" فيلم مشوق، يُجبر من يشاهده على البقاء في مقعده مترقباً، متوتراً، وسواء كان مستمتعاً أو ناقماً، سيواصل غير شاعر بمرور ما يقرب من ساعتين.

فيلم "ناقة" أيضاً صعب التلقي، لا يبوح بمكنونه بسهولة، يرتبط مضمونه بأسلوبه، ما يجعل تحويله إلى كلمات أو أفكار، أمر شبه مستحيل.

قصته بسيطة للغاية، لكن الطريقة التي تروى بها مركبة للغاية، يتحول فيه اليومي والعادي إلى حلم أو كابوس أحياناً، وصور تخطف البصر وتتسلل داخلك، مخلفة شعوراً بالقلق، بالانجذاب، النفور أحياناً.

ربما تحب حكايته وشخصياته، أو ربما تكرهها، لكن يصعب أن تنساها، وفي الحالتين سيترك مذاقاً حلواً ومراً في حلقك، يشبه الحلم المعلق لحظة الاستيقاظ، فهل هو فيلم سيريالي، كما وصفه البعض؟

سيريالية صحراوية!

إنه يحمل من السيريالية الكثير: بناء الحلم، وغرابة الأحداث والمواقف وطريقة تصويرها، وتركيزه على خلق حالة غامضة، عوضاً عن رواية حدوتة تقليدية، لكنها سيريالية سعودية، إذا جاز التعبير.

ربما يكون مخرج ومؤلف الفيلم، الشاب الموهوب مشعل الجاسر، متأثراً بأعمال مخرجين، مثل ديفيد لينش أو جوليرمو ديل تورو، لكنه متشرب أكثر بالثقافة المحلية، بالمكان، والبيئة، والخيال الصحراوي الخليجي، الذي يختلف عن خيال الصحراء الأميركية أو المكسيكية.

والسيريالية وصف لا مدح ولا ذم، كما يحلو للبعض أن يطلقها مرحباً أو رافضاً، معناها ببساطة التعبير عما يتركه الواقع على الوعي الباطن، على المشاعر والمزاج والتكوين النفسي، وليس ما يتركه على العقل الواعي أو سطح العين.

والواقع أحياناً، ما يكون من العبثية واللا منطق، ما يتجاوز عبثية ولا منطق الأحلام، ساعتها يكون البناء السيريالي (الحلمي) أفضل ما يعبر عن هذا الواقع.

افتتاحية محيرة

يبدأ الفيلم بـ"فلاش باك" عام 1975، يقوم فيه رجل شرقي نمطي باقتحام مشفى وارتكاب مذبحة، لأن زوجته ولدت طفلته على يد طبيب رجل!.

ننتقل بعدها إلى الزمن الحاضر لنتابع قصة لا علاقة لها بالمشهد الافتتاحي، ما يثير سؤالاً يظل قابعاً في الخلفية للنهاية: ما العلاقة؟!.

والعلاقة لا ترتبط بالأحداث والشخصيات على نحو مباشر، لكنها ترتبط بالحالة والمزاج والتكوين النفسي للثقافة، لمجتمع عانى كثيراً من الفهم الخاطئ والمتطرف للدين، ما أنتج أجيالاً تعيش في "أعراف" limbo ما بين الحاضر والماضي، الحلم والكابوس، شبيه بتلك الرحلة التي تقطعها بطلة الفيلم قبل أن تخرج من هذه "الأعراف" إلى الحاضر.

أين الطريق؟

يعتمد "ناقة" بناء فيلم الطريق، وهو نوع رائج أيضاً بين شباب صُنّاع الأفلام السعوديين، من أحدث الأمثلة على ذلك "آخر زيارة" للمخرج عبد المحسن الضبعان، و"مدينة الملاهي" إخراج وائل أبو منصور.

هذه الرحلة عبر الطريق تحقق غالباً هدفين: استخدام الصحراء والطرق السريعة الممتدة، كمكان جمالي ممتلئ بالتعبير عن الهوية، والثاني: التعبير عن فكرة الطريق الذي يقع بين زمنين أو ثقافتين، يقف الإنسان أو يتحرك حائراً بينهما، وفوق ذلك بالطبع التعبير عن حالة الرحلة الدرامية نفسها، والتحول الذي تمر به الشخصيات.

تتجسد هذه الأفكار في "ناقة"، من خلال الرحلة التي تقطعها البطلة الشابة سارة (أضواء بدر) خلال يوم واحد، حيث تمر بتجربة خطيرة تكاد تفقد فيها حياتها فعلياً أو معنوياً، إذ تقبل دعوة حبيبها سعد (يزيد المجيول)، للذهاب إلى حفل بمخيم في قلب الصحراء، فيما يفترض أبوها أنها تتسوق، ويُحدد لها موعداً محدداً ليمر عليها مصطحباً إياها إلى البيت.

ولكن الرحلة إلى المخيم والعودة تصبح بمثابة زيارة لقلب الظلام أو للجحيم، إذ تواجه خلالها كل أشباحها، من الخوف من الذكور إلى الخوف من الأنوثة ذاتها، تكتشف سارة خلال هذه الرحلة زيف حبيبها وزيف رجال آخرين، كما تعيد اكتشاف الأب الطيب، وقبل ذلك وبعده تواجه انتقام الأم المكلومة، متجسدة في ناقة يقتل سعد طفلتها بالخطأ، ما يحيلنا إلى مشهد البداية، وصورة الأم الذبيحة.. الأم التي تعرضت للقمع والقهر التي تصب غضبها على الابنة (سارة) بدلاً من أن تصبه على قاتل ابنتها الحقيقي (سعد).

جرأة متعددة 

الفيلم الذي أنتجته منصة "نتفلكس" من خلال شراكتها مع شركة "تلفاز 11"، بالتعاون مع شركتي "مناسب" و"موفيتاز" جرئ في كل عناصره، رغم أن البعض قد لا يرى من الجرأة سوى أن البطلة تدخن، وأن لها حبيباً، وأن هناك بعض الجمل التي يرددها الناس كل يوم لكنهم يخجلون حين يسمعونها في فيلم أو مسلسل.

الفيلم جرئ في فكرته الفنية والشخصية القوية التي بنيت عليها الأحداث، والتي تؤديها أضواء بدر ببراعة مدهشة، إذ تحمل ملامح وجهها المعاني كلها، دون أن تتكلم، وحين تتكلم تنفجر هذه المعاني.

والفيلم جرئ في لغته السينمائية، بداية بتصوير مشهد البداية الذي تنقلب فيه الكاميرا رأساً على عقب، وحتى مشاهد عدو البطلة في شوارع الرياض وسط الحشود في نهاية الفيلم، مروراً ببعض اللوحات الفنية للطبيعة أو للتكوينات البشرية وسط الديكور، أو لوجه سارة تحديداً في حالاتها المختلفة، أو لانعكاسات الضوء على سطح المشروب داخل كوب.

يمزج الفيلم بين الإثارة (حد الرعب أحياناً) والكوميديا الخفيفة، ومن العناصر المميزة فيه الموسيقى التصويرية التي استطاعت أن تمزج بين الرعب والكوميديا في جمل موسيقية واحدة.

من مزايا الفيلم أيضاً، كسره للتتابع الزمني الذي ينبني عليه السيناريو، فبعد نصف ساعة تقريباً يفاجئنا بقفزة زمنية إلى الأمام، قبل أن يعود مجدداً للتتابع التقليدي، وهي حيلة رفعت حالة التشويق، إذ أضافت لسؤال "ما الذي سيحدث؟" سؤال آخر هو "كيف حدث ذلك؟".

ربما فقط كان يمكن اختصار بعض المشاهد التي طالت أكثر مما ينبغي أحياناً، مثل مشهد مطاردة الشرطة لسيارة البطلين، ومشهد مطاردة الناقة لسارة، وبعض اللقطات في قليل من المشاهد الأخرى.

"ناقة" فيلم غير تقليدي، يمكن أن يصدم بعض الذين يألفون ويحبون السينما السائدة، المصنوعة وفقاً لنماذج شعبية جاهزة، ولكن من يعطي للفيلم بعض اهتمامه، فربما يكافأ بتجربة فنية ممتعة وفارقة.

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

18.12.2023

 
 
 
 
 

نيكولاس كايج: أريد أن أصور فيلما في السعودية وسأنجح

تهرب من اسم عائلة كوبولا والسينمائيون على قدر من الغرور وبات أكثر اهتماماً بالمخرجين الشباب والآن يفكر بالتلفزيون

هوفيك حبشيان  

"في صباي، وددت أن أكون صياداً"، بهذا التصريح بدأ الممثل الأميركي الكبير نيكولاس كايج، 59 عاماً، ندوته الحوارية خلال الدورة الأخيرة من مهرجان البحر الأحمر السينمائي، مستعيداً فصولاً من حياته منذ طفولته وصولاً إلى سنواته الأخيرة، فمستقبله الذي يراه مختلفاً عن حاضره. جمهور في المهرجان من كل أنحاء العالم، تدافع للاستماع إلى ما سيقوله كايج الفائز بأكثر من 40 جائزة دولية، والذي عاصر أكثر من جيل، وفي سجله أكثر من 100 فيلم تحت إدارة كبار السينمائيين: فرانسيس فورد كوبولا، آلن باركر، ديفيد لينتش، جون هو، براين دبالما، مارتن سكورسيزي، أوليفر ستون، بول شرايدر، وغيرهم كثر. يكفي إلقاء نظرة سريعة على فيلموغرافيته لندرك تنوع خياراته والاتجاهات التي حملته مسيرة انطلقت في مطلع الثمانينيات وحولته إلى نجم أميركي كبير بالمعنى الكلاسيكي للكلمة. 

عن البدايات واكتشاف الموهبة وأولى المشاهدات، روى كايج لريا أبي راشد التي أدارت الحوار معه، قائلاً: "بدأ فضولي بالسينما في سن مبكرة. في صغري، ربطتني علاقة روحانية بالكوميدي جيري لويس، أحببت مشاهدة أفلامه الكوميدية من مثل "البروفيسور المجنون"، وكنت أجلس أمام التلفاز وأنتظره. أعجبت أيضاً بفيلم الأسبوع المعروض على التلفاز، كانوا يطلقون عليه "فيلم المليون دولار". وكان غالباً تشارلز برونسون في "ذات زمن في الغرب". أتذكر أيضاً برامج تبث على حلقات بطولة روك هادسون. وبما إني أحببت الويلز على غرار جيري لويس، فكنت من هواة رواية "موبي ديك" التي أثارتني وأرعبتني. غريغوري بك في دور القبطان أهاب، يا له من ممثل! أفلام الغودزيللا، هذه أيضاً أردت مشاهدتها". 

يقول كايج، إنك إذا أردت أن تعرف إذا ما كان فلان في عائلتك، موهوباً في التمثيل، فأعطه هاتفاً خلوياً وشاهد كيف سيتحدث عبره. ستعرف إذا كان ممثلاً أو لا. الممثل الموهوب سيجعلك تصدق أن ثمة شخصاً على الخط يتحدث معه فعلاً.

يتحدر كايج من عائلة فنانون أصولهم من إيطاليا وبولندا وألمانيا. والده أستاذ أدب وأمه مصممة رقص أو كوريغرافية، وهو ابن أخي فرانسيس فورد كوبولا. في الأصل اسمه "نيكولاس كوبولا" إذاً، لكنه غيره إلى "نيكولاس كايج". يوضح قائلاً: "هناك سببان دفعاني إلى تغيير اسمي: في عام 1982، مثلت في فيلم متواضع بعنوان "أزمنة سريعة في مرتفع ريدجمونت"، وكنت وقتذاك في الـ16. خضعت لمليون اختبار للتمثيل في هذا الفيلم، لكن لم أختر لدور براد، جاج رينهولد هو الذي أخذ ذلك الدور. لكن عندما كنت في موقع التصوير، وكنا جميعاً شباباً، بعضهم لم يكن يؤمن بموهبتي، بل كان يعتقد أنني هنا فقط لأنني ابن أخي فرنسيس كوبولا. كانوا يذكرون أمامي جملة شهيرة من "القيامة الآن" ويحرفونها إلى "أحب رائحة نيكولاس عند الصباح" (بدلاً من "أحب رائحة النابالم عند الصباح" الذي يقولها أحد الضباط" في الفيلم)، لذلك قررت تغيير اسمي. لكن هناك سبباً آخر دفعني إلى ذلك. السينمائيون أناس على قدر من الغرور، ولديهم عقلية تنافسية جداً. أعتقد أن ما من سينمائي يرغب باسم "كوبولا" فوق اسمه على عنوان الفيلم. لذلك، جاء التغيير لأسباب متعلقة بالبزنس".

لعب كايج في ثلاثة أفلام لعمه كوبولا، في بداياته، قبل أن يصبح نجم شباك من الصف الأول. يرى أنه كان محظوظاً بالعمل مع عمه. يقول "فرنسيس كان بمثابة أب لي. لم يكن بإمكاني أن أقول "لا" في وجهه. عندما ترددت في قبول "بيغي سو تزوجت"، بدأ ذلك يحبطه حقاً. آخر شيء كنت أريده هو إغضاب عمي. لذلك وافقت. لكن، كان عليّ أن أجد طريقي إلى الكاريكاتير كي يصبح مثيراً. أما تصوير "كوتون كلوب"، فاستغرق كثيراً من الوقت. كنت ألعب شخصية مستهجنة للغاية. جرى التصوير بعد "بردي"، وكنت أتلقى كل العروض التي أرغب فيها حقاً. أردت فقط أن أكون قادراً على إنجاز تلك الأفلام. لكنني، علقت في تصوير "بيغي سو تزوجت" لبضعة أشهر".

شكل "مونستراك" (1987) لنورمان جيويسون منعطفاً في مسيرة كايج. شريكته في الفيلم، الممثلة شير، ناضلت من أجل فرضه. يتذكر: "لا أعرف لماذا شاهدت "بيغي سو"، لكنها قالت فوراً: "أريد ذلك الشاب كي يكون بطلي الرومانسي. زرتها في منزلها وسألتها "لماذا؟ لماذا تريدينني؟". ردت: "خيل لي وأنا أشاهدك أنني أشاهد حادثة سير طوال ساعتين وكان عليّ أن أحصل عليك، هذا ما قالته لي بالضبط. لم أكن أنوي إنجاز "مونستراك"، لأنني كنت أنظر إلى نفسي باعتباري مغني بانك روك. أردت أن أبدو مثل شخص تسلل إلى هوليوود. مدير أعمالي في تلك الفترة أصر أن أمثل في الفيلم، أما أنا فكنت ميالاً إلى سيناريو عمل غريب ومتواضع بعنوان "قبلة مصاص الدماء"، لكن هو لم يحبذ أن أضع تلك الأسنان البلاستيكية الرخيصة في فمي. فاتفقت معه أن يتركني أمثل في هذا الفيلم، في مقابل أن أُمثل في "مونستراك"، وفي النتيجة كلانا نال ما يريده. اليوم، من وجهة نظر إنسان ناضج، أقول إن "مونستراك" فيلم جميل على مستويات عدة، لكن "قبلة مصاص الدماء" يبقى من أفلامي المفضلة".

في "بردي" (1984) لآلان باركر، قدم كايج أداء متماسكاً إلى جانب ماثيو مودين، وكان الدور الذي عرفه على الجمهور العريض. اليوم يقول إن الأداء "الناتورالي" أو الطبيعي الذي اعتمده في هذا الفيلم أضحى أفقاً مسدودا في حينها. "بعد هذا الفيلم، بدأت أهتم بما يمكنني أن أعمل على المعايير، وأين يمكنني الرقص على هامش أداء الروح. فرحت أشاهد الأفلام الصامتة تحديداً التعبيرية الألمانية: فريتز لانغ، ماكس شريك وآخرون. رغبت في أن أجرب بعضاً من ذلك التمثيل المصمم كوريغرافياً في فيلم ينتمي إلى عصرنا هذا. أفلام مثل "مونستراك" و"قبلة مصاص الدماء" سمحت لي بذلك. يمكنك الذهاب إلى أي مكان تريده بالأداء، ما دام مطعماً بعاطفة حقيقية. إني أيضاً معجب بممثلي العصر الذهبي مثل جيمس كاغني. وعندما مثلت في "فايس/أوف"، استلهمت تلك الطاقة، في مشهد الهرب من السجن، من أداء جيمس كاغني في فيلم "حرارة بيضاء"، حيث وصل إلى ذروة الأداء الباروكي. أعتقد أننا في فترة من الفترات، كنا جميعاً مهووسين بالأداء "الناتورالي" الذي ساد في السبعينيات في أفلام مثل "كاوبوي منتصف الليل"، وهو أداء عظيم للمناسبة. لكن، فجأة بات معيار التمثيل الجيد. ففكرت أنه يمكن فعل مزيد بهذا الأداء. لذلك، بدأت أجري اختبارات وتجارب. إني في الحقيقة تلميذ، تلميذ أداء. أريد الاستمرار في التحدي. إذا نظرت إلى نفسك بصفتك تلميذاً، تداهمك رغبة في تحدي نفسك سواء نجحت أو لا. قلت ما أود قوله في السينما إلى درجة كبيرة، والآن بت أفكر في التلفزيون. التلميذ الذي في داخلي يرغب في الذهاب إلى هناك للتعلم".

عن دوره في "الرحيل من لاس فيغاس" (1995) لمايك فيغيس، فاز كايج بـ"أوسكار" أفضل ممثل، فكان التكريس النهائي. دور لا يزال ماثلاً في الذاكرة، يروي عنه قائلاً: "لا أعرف ما سر صموده في الذاكرة. كنت صادقاً للغاية عندما جسدته. كنت قررت مسبقاً، بما إنني لن أفوز بـ"أوسكار" في حياتي، فدعني في الأقل أمثل في هذا الفيلم، فلا أحد غيري كان يريده، بسبب فرط السوداوية فيه. أحببت السيناريو لأنه كان جميلاً، يروي علاقة حب بين شخصين جريحين. أحسست بشاعرية عندما قرأته".

بعد الـ"أوسكار"، لا أحد، باستثناء المنتج الشهير جيري بروكهايمر، كان يؤمن بأن كايج قادر على تجسيد أدوار في أفلام مغامرات وحركة، فأسند إليه شخصية ستانلي في "ذي روك" لمايكل باي، فكانت بداية انتقاله من شخصية أفلام عاطفية رقيقة ودرامية إلى البطل الهوليوودي القادر على كل شيء. يتذكر: "صورت "ذي روك" مع شون كونري، ولكن كانت لي رغبة في مزيد من تلك الأفلام. التلميذ الذي في داخلي أراد أن يتأكد إذا كان في إمكانه أن يلعب شخصية كاميرون برو، بطل "كون إير". مجدداً، شكَّل هذا منعطفاً تعليمياً لي، وأعتقد أنني نجحت فيه. وربما نجحت فيه أكثر مما يجب، فوجدتني عالقاً في دوامة. لكني الآن عائد إلى شغفي الحقيقي في السينما، المتمثل في الأفلام الدرامية التي تحمل روحاً مستقلة".

يقول كايج إن ما تعلمه من أفلام الحركة "أكشن" هو أن لديه وقتاً قصيراً لبناء شخصية قبل أن ينتقل به المشهد إلى المطاردات. في "ذي روك" مثلاً، جعل الشخص مهووساً بـ"البيتلز"، فنراه ينفق 600 دولار لشراء أسطوانة "تعرف على البيتلز".

يتذكر كايج عمله في "فايس/أوف" قبل ربع قرن، الذي جسد فيه أحد أشهر أدواره. يقول إنه أغرم بالمخرج جون هوو. "كان أراني فيلمه "رصاصة في الرأس" ولم يكن يتحدث الإنجليزية بطلاقة، لكن عندما شاهدت فيلمه هذا علمت أين سيحملني معه على مستوى الأداء الأوبرالي. وهذا شرع لي الأبواب. إنه لمخرج رائع يصور بعديد من الكاميرات التي تلتقط المشهد في وقت واحد. يتابع كل شيء بنفسه وفور صراخه "اقطع"، يعاين كل لقطة بلقطة. يقوم بالمونتاج في باله. إنه حرفي عظيم". 

رغم تكاثر أفلام الحركة في فيلموغرافيته، فهو حافظ على شيء من التنوع. "قد يحدث لك" و"مدينة الملائكة" و"ثروة وطنية" عناوين تؤكد حرصه ألا يحصر نفسه في إطار مغلق. يقول "إذا ألقيت نظرة على سجلي السينمائي، فسترى أنني مثلت في "ثروة وطنية" و"استخراج الموتى" (أحد أفلامي المفضلة). كثيراً ما وددت اختبار أنواع سينمائية مختلفة. وغريزتي هي التي وجهتني دائماً. ولطالما كان لي فريق ينصحني ويرشدني. أما نوعي السينمائي المفضل، فجذوري تضرب بعمق في السينما الدرامية المستقلة. آتٍ من هناك وإليه أعود باستمرار. إنه ينبوعي. فيلمي الأحدث، "سيناريو الحلم"، يتحدث عن هذا بقوة. في النهاية، الأهم هو أن تبقى تلميذاً، تحافظ على التنوع، تدفع نفسك إلى التعلم. لا تستسلم للسهولة. صدق أو لا تصدق، إني تعلمت هذا من ديفيد بووي. التقيته في مونريال ذات يوم، وكان يقدم حفلة وأنا كنت في مفاوضات لتجسيد دور سوبرمان. كنت أريده أن يكتب أغنية لسوبرمان. فسألته: "ديفيد، كيف تفعل؟ أقصد، كيف تجدد نفسك في كل مرة؟". فأجاب: "لا أجعل نفسي مرتاحاً تجاه أي شيء أفعله"، وكانت هذه كلمات حكيمة لي. عليك الاحتكاك بما تخشاه، ولكن ضمن حدود العقل، ما دمت لا تضر نفسك والآخرين".

ترى ما الذي أحبه في "سيناريو الحلم" لكريستوفر بورغلي الذي عرض في مهرجان تورونتو الأخير، وكان له صدى طيب. يعلق: "هذا الفيلم عن رجل يستيقظ صباحاً والجميع يخبره بأنه حلم فيه الليلة الماضية. ثم، يتحول الحلم إلى كابوس، هذا كله يحدث تغييراً جذرياً في حياته. لا أعرف إذا كان بإمكاني تصنيفه ككوميديا، هذا عمل مختلف ومبتكر جداً. إنه أحد أفلامي المفضلة في مسيرتي. إني سعيد بأنني عشت لأنجزه. وصلت إلى مرحلة من حياتي أود فيها أن تكون خياراتي أكثر شخصية. لعلني استمعت كثيراً إلى أغاني جون لينون التي أوصلته إلى عمق انفعالي ما. فقلت في سري، حسناً، ربما عليك أن تحاول ذلك في أدائك، هذا الفيلم مهم عندي، لأنني مررت بما يعرف بظاهرة أن يتحول الإنسان إلى "ميم" (Meme). عندما دخلت التمثيل، لم يكن الإنترنت موجوداً ولا هاتف محمول مع كاميرا فيديو في يد الجميع. وددت أن أكون ممثل شاشة. ثم، في عام 2009، ارتكبت خطأ أن أبحث عن اسمي عبر محرك بحث "غوغل"، فرأيت صورة مع تعليق يقول إن "نيكولاس كايج فقد صوابه"، ورأيت أناساً ينشرون كل هذه اللحظات المقتطعة من الأفلام من دون أي اعتبار للفصل الأول أو الثاني في البنية الدرامية، ومن دون أي اهتمام بكيفية وصول الشخصية إلى هذه المرحلة. فقلت لنفسي "لم أمتهن التمثيل كي أتحول إلى قمصان وألعاب ساخرة، هذا كله أربكني وأحبطني. ثم، قرأت نص "سيناريو حلم"، وفهمت شعور البطل، لأنه يمر بالظاهرة نفسها التي مررت بها، حيث إن الجميع في أماكن مختلفة من العالم يحلم به ولا يعلم لأي سبب. لذلك وظفت مشاعري تجاه تحويلي إلى "ميم" لأفهم ما يعانيه البطل عندما يتحول إلى حلم. الأمر كان شخصياً إلى هذا الحد".

يروي كايج أنه نشأ على مشاهدة أفلام من كل بقاع الأرض. كان والده يحرص على ذلك، وهذا ما دفعه لاحقاً إلى أن يذهب إلى أماكن مختلفة من العالم لتجسيد الأدوار، بعيداً من السينما الهوليوودية، إيماناً منه بوجود طاقة في بعض الأماكن. وهذا ما جعله يعلن من "البحر الأحمر": "أريد أن أصور هنا في السعودية، سيكون هذا نوعاً من تقارب الطاقة التوافقية، وستتشكل شخصية عظيمة. في كل مرة تتوجه إلى مكان وتصنع فيه فيلماً، تستمد شيئاً من هذا المكان. المكان يصبح شخصية في ذاتها، سواء على مستوى الشكل أو الديناميكية التي تبث". 

ترى أي نوع من التعاون يحبذ كايج مع المخرج الذي يديره؟ يرد وكأنه كان ينتظر السؤال: "هذا شيء في غاية الأهمية. الآن، بت أكثر اهتماماً بالسينمائيين الشباب. أولئك الذين نشأوا وهم يشاهدون أفلامي، والذين قد يكونون مهتمين بما قد يستخرجونه مني ومن أدائي التمثيلي. وهذا ما حدث مع "سيناريو حلم". يوجد سينمائيون شباب لم يحققوا أحلامهم بعد، هؤلاء كلهم حياة وطاقة، وهذا ما يبقيني على خصوبتي المهنية". 

كبار الممثلين اتجهوا إلى الإنتاج في مرحلة من مراحل حياتهم للمحافظة على حريتهم الإبداعية. ما المكان الذي يحتله هذا الجانب في حياة كايج؟ يجيب: "الإنتاج أشبه بأن تستضيف أشخاصاً في وليمة عشاء، لأنك تريد أن ترى أي علاقة ستنشأ بين شخصين. مثال جيد على هذا هو فيلم أنتجته وكان عنوانه "ظل مصاص الدماء"، وضعت فيه اثنين من ممثلي المفضلين: ويلم دافو وجون مالكوفيتش. طلب إلى أن ألعب دور مصاص الدماء، ولكن اخترت ويلم، وسعدت بالنتيجة، هذا هو النشاط الإنتاجي بالنسبة إليّ. هي فرصة للم شمل مبدعين في بقعة واحدة وقضاء بعض الوقت برفقتهم. وعندما يتعلق الأمر بممثلين كبار، تشعر بأن مستوى الأداء يرتقي. لا تريد أن تكون موهبة أحدهم مصدر حرج لك، بل تريد شيئاً منها، كي ترتقي بنفسك إلى مصاف أعلى. العمل مع ممثلين عظماء يجعلك ممثلاً أفضل".  

لكن، بعيداً من التمثيل، كيف يوظف كايج صورته كنجم لإحداث تغيير؟ في نظره أن الفنان، عندما يحط في أماكن مختلفة من هذا العالم، لا بد أن يشهد على مآسٍ لا يمكن صرف النظر عنها، وهي تتغلغل حتماً في داخله، وقد تحثه على التغيير. أما هو، فعندما مثل في "لوردات الحرب" (2005)، فذهب إلى أفريقيا للتصوير، وهناك التقى كثيراً من الأطفال المجندين الذين خضعوا لإعادة تأهيل. رؤيته لهؤلاء حطمت قلبه. وهذا ما جعله يرغب في مساعدة مزيد من المحتاجين. لكن هذا الجانب من نشاطه يفضل عدم الإفصاح عنه وإبقاءه في الإطار الشخصي. 

صون الحياة الشخصية، سمة أخرى طبعت سيرته. يعلق: "دخلت التمثيل مستلهماً تجربة أبطالي وأحدهم جيمس دين، وكان في رغبتي أن أروي الحكايات. وسائط التواصل هي من الأشياء التي أتفادها، لأنني نشأت على رومانسية نجوم العصر الذهبي للسينما. كان هؤلاء مصدر حلم لنا. لم نرد أن نعرف عنهم كثيراً. لم نرد أن نعرف أخبارهم كل خمس دقائق، هذا يفقدهم غموضهم. لكن، في المقابل، أنا مع فكرة لقاء كهذا، حيث بإمكاننا إجراء حوار. كفنان، عندما يتوقف الحديث عن شغلك، يبدأ الجميع في طرح أسئلة شخصية عليك، وهذا ليس ما يرغبه الواحد منا. الأشياء التي تقوم بها في حياتك الشخصية، يجب ألا تلقي بظلالها على عملك، ولا تريد لهذه الأشياء أن تلقى اهتماماً أكبر من عملك". 

ما النصيحة التي يتوجه بها إلى الشباب كي يفرضوا بصمتهم في التمثيل كما فعل هو؟ يقول "عليهم أن يؤمنوا بتعويذة. النجاح ليس مستحيلاً. قد يحدث. وعليهم الاستمرار بعقلية أنه "قد يحدث". لا تدعوا أحداً يقنعكم بالعكس. سمعت كثيراً من "اللاءات" في المدرسة. كنت أقول لرفاقي إنني سأصبح نجماً سينمائياً، فأسمع منهم "لا، لن تصبح نجماً سينمائياً". لا تنصتوا إلى هؤلاء. ابقوا أوفياء لأحلامكم وابحثوا عمن تستطيعون العمل معهم وتستمتعون برفقتهم". 

أخيراً، كيف يرى كايج المرحلة المقبلة من مسيرته، علماً أنه يطرأ عليها تغيير مرة كل بضع سنوات؟ يرد: "بفضل الناس الذين عملت معه والظروف التي أحيطت بي، حققت أحلامي السينمائية. بوركت لأنني عملت مع مخرجين أتاحوا لي أن أفعل ذلك. إلا إنني، بعد 45 عاماً وأكثر من 100 فيلم، قلت إلى حد كبير كل ما أود قوله في السينما، والتلميذ الذي في داخلي يريد الآن أن يجرب شيئاً آخر. أود أن أجرب "فورما" عمل جديد. التلفزيون سيكون أحد خياراتي المقبلة. قد أعتلي أيضاً خشبة "برودواي". أود أن أبقى في حالة تحد دائم للذات. لن أقول "لا" لكل الأفلام. لكن معاييري ستكون أكثر صرامة من قبل. لي في المنزل ابنة عمرها 15 شهراً تنتظرني. ولا أريد أن أجرها معي في أماكن مختلفة من العالم. أريد البقاء في المنزل لأجلها وأراها تكبر. لذلك، أرى أن التلفزيون خيار جيد، حتى على المستوى العائلي. مع دخولك الـ60 من العمر، تعي ما هو المهم وما هو أقل أهمية. الوقت بالغ الأهمية، والأهم منه كيف تمضيه".

 

الـ The Independent  في

17.12.2023

 
 
 
 
 

جوني ديب: “لايمكنني نصح السينمائيين السعوديين ..

بل أنا من ينتظر منهم النصيحة

احمد العياد

خطف حضور النجم جوني ديب في فعاليات الدورة الثالثة لمهرجان “البحر الأحمر” السينمائي في مدينة جدة الأنظار، وكانت لحظة فريدة تعكس روحه الفنية اللافتة، إذ يتميز ديب بطابعه السينمائي الفريد الذي صنع من اسمه علامة مميزة في تاريخ السينما.

وزار الفنان العالمي المملكة العربية السعودية، وأتاح فرصة لقائه محبي وزوار المهرجان ومشاهدة أحدث أعماله، وهو فيلم “جان دو باري” (العمل الذي افتتح به مهرجان “كان” السينمائي لهذا العام) في عرضه الأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.

وقد أتيحت لنا في “فاصلة” فرصة لقائه، وإجراء حوار ثري مع أحد أهم نجوم هوليوود في العقود الماضية.

وقدّمت كلمات جوني ديب أملاً وإلهاماً وزرعاً للثقة في نفوس الشباب الذين لا يعرفون بعد ما يريدون أن يكونوا لكنهم يحبون خوض تجارب مختلفة، وهذا هو المستقبل، بل هدف المهرجان الأساسي.

تحدث ديب في البداية عن مشاركته في مهرجان “البحر الأحمر” السينمائي، وقال: “أظن أن هذا من الرائع حقاً، ولعل أكثر ما لاحظته حتى الآن في المرات القليلة التي زرت فيها المملكة العربية السعودية هو الضيافة الرائعة، وأعتقد أيضًا بأن هذا المهرجان يقدم رسالة لصنّاع الأفلام، سواء أكانوا شبّاناً أم كباراً”.

وتابع: “أعتقد بأن ما يحدث هنا في السعودية فيما يتعلق بالرؤى الفنية المختلفة، والفن والسينما، كل شيء، يفتح الأبواب ويقدم فرصًا أكثر للجميع، وهذا أمر جدير بالذكر”.

ازدهار ثقافة الشباب السعودي

وأبدى الفنان الأمريكي رأيه في التغيّرات الحاصلة في المملكة العربية السعودية، من ازدهار ثقافي وفني: “ثقافة الشباب هنا تزدهر بشكل جميل. إنها ثقافة مثيرة للاهتمام. أصبحت المملكة العربية السعودية وجهة زيارة يحلم بها المرء كما يحلم بالذهاب إلى نيويورك أو لوس أنجلوس، فالمملكة أصبحت تفتح الأبواب للمهرجانات الرائعة، مثل “البحر الأحمر” وأيضًا مهرجان الموسيقا (MDL Beast).

 مهرجان “MDL Beast” نزَع الستار!

وروى لنا الفنان العالمي جوني ديب تجربته مع مهرجان “MDL Beast” الذي أقيم لأول مرة في السعودية العام الماضي، وقال: “كنت هنا في العام الماضي لحضور “MDL Beast”، وكان الأمر كما لو أنه تم نزع ستارة عن عيني؛ لأنك لا تعرف ماذا تتوقع. ولكني رأيت الناس وهم يستمتعون بحرية، الآلاف والآلاف منهم على خشبة مسرح رائعة، بجهود جبارة وعناية فائقة تم وضعها في هذا المهرجان. هذا هو بالضبط ما أشعر به مع هذا المهرجان، وأعلم أنه قبل عدة سنوات لم تكن هناك مهرجانات كهذه هنا؛ فالفرص المتاحة الآن للشباب السعودي رائعة”.

السعودية بلد جميل في طياته غموض مثير

وفي حديثه عن تجربة تصوير فيلم في السعودية قال: “فكرة تصوير فيلم هنا مثيرة، السعودية بلد جميل جداً يحمل في طياته غموضاً كبيراً. وفيها الكثير من المناظر الجميلة والمبهرة بصريًا، هذا أمر مثير للاهتمام”.

وأكد أنه سيكرر زيارته للمملكة مرة أخرى ولمهرجان “البحر الأحمر” الذي وصفه بكونه “مكاناً مميزاً جدًا” إذ قال: “سأعود هنا مرة أخرى، سآتي بسعادة لتصوير فيلم بالطبع، وسوف أكرر زيارتي ولو بعد 37 عامًا من الآن، وسأحضّر لنفسي الإفطار في وقتي المعتاد  الخامسة والنصف صباحًا مع بعض القهوة”.

صنّاع الأفلام هم الفنانون وليس الممثلين

أكد جوني ديب أنه لا يفضل استخدام كلمة “فنان” لوصف نفسه؛ لأنها تنطبق أكثر على صنّاع الأفلام، ويرى أن صناع الأفلام هم الفنانون الحقيقيون. وقال: “يبدو أن الجميع هنا يفهمون ماذا يعني أن يكون الإنسان فنانًا، ويعرفون النهج الفني ولا ينحرفون عنه، علينا أن نصنف الفنانين ونضعهم في فئة معينة؛ لكي نفهم من هم وماذا يفعلون”.

لم أقتنع بتقديم لويس الخامس عشر في البداية

وتطرقنا إلى الحديث عن أحدث أعمال ديب، أي: فيلمجان دو باري، الذي قدم فيه دور لويس الخامس عشر، حيث أكد أنه كان رافضًا للدور في البداية؛ وذلك لاقتناعه بأن أفضل تجسيد لشخصية سيكون من قِبل فنان فرنسي”.

 وقال: “عندما عُرض الدور عليّ بدت لي الفكرة غريبة، وكان ردي الأوّلي هو أنه ربما ينبغي أن يؤدي الدور ممثل فرنسي، وتحدثت مع مايوين حول ذلك، وقلت لها: أعتقد بأن خيار توظيف ممثل فرنسي لتجسيد ملك فرنسا هو الأفضل. لكنها أصرت على أن أؤدي أنا الدور؛ لذا قررت الاستمرار وحاولت أن أبحث عما يمكنني إضافته لإثراء المشاهد التمثيلية، وعما يمكنني إضافته لجعل الدور أكثر إثارة، أو تجربة شيء أو فكرة غير متداولة”.

التحدي الأصعب في شخصية لويس الخامس عشر

يوضح الممثل: “لطالما كان التحدي، التحدي الأبدي مع أداء أي دور، خاصةً إذا كانت لديك خبرة طويلة، هو: أن تُتقن جوانب الشخصية كافة لإقناع الجمهور بها؛ لأنه إذ لم يقتنع بها بعد أول ثلاث دقائق من ظهورها على الشاشة فهذه الشخصية تعدّ فاشلة”.

وتحدّث عن تحضيره لأداء الدور، مبيّناً أنه اهتم بالتعمق في أسلوب الشخصية وطريقتها في التعامل مع الآخرين، والتعامل مع شخصية لويس الخامس عشر كرجل أولاً، ثم ملك ثانياً، والتركيز على تفاصيل اختلاف سلوك مع “بلاطه الملكي” عن تعامله مع المواطنين من دولٍ أخرى، أو عنه عندما يتحدث مع السيناتور.

واستطرد: هذا ما كنت أتطلع إليه، تعلّم جوانب الحياة المختلفة التي عاشها منذ ولادته حتى أصبح ملكًا في الثانية عشر من عمره، لقد كنت أبحث عن الأشياء التي اعتقدت بأنها ستكون مثيرة في حياته؛ لأتمكن من إتقان تلك التغييرات البسيطة في شخصيته من موقف لآخر، وذروتها كانت لقاءه بجان دو باري.. لقد أردت تعلّم كيفية اجتماع كل تلك المتغيرات في شخصية واحدة”.

جوني ديب يطلب النصيحة من المواهب السعودية

أكد الممثل جوني ديب : “أنا عاجز عن تقديم نصيحة معينة للمواهب السعودية، وأظن أنهم هم من يمكنهم أن يقدموها لي. لقد جرت هنا تغييرات مهمة، والمستقبل يزدهر في المملكة، وأنا سعيد بأنني أشهد هذه اللحظة بنفسي وأعيشها”.

 وأضاف: “كل ما أعتقده هو أن الفرصة حانت للسينما السعودية لتبني شكلها المستقل، والتمرد على كل ما تقوم به هوليوود الآن؛ وذلك أن الجمهور أُصيب بالملل مما تقدمه هوليوود، لقد تشبّعت الجماهير مما يُعرض في السينما الأمريكية”. 

وأشار إلى أن المجال الآن أُتيح لتجديد السينما، والعثور على شبّان موهوبين ورائعين، سواء أكانوا مخرجين أم صانعي أفلام أو كتاباً حتى فنانين. لافتاً إلى التعاون مع المبدعين الأكبر سنًا الذين حملوا عبء المهنة على عواتقهم “فهم يستحقون أن يَتركوا بصمتهم وأفكارهم وتجاربهم للجيل الأصغر”.

وضرب عدداً من الأمثلة الناجحة: “لا يزال لدى ديفيد لينش الكثير ليقدمه هو وتيم بيرتون وإمير كوستوريكا، يوجد صناع أفلام رائعون في جميع أنحاء العالم”.

خطأ كبير 

من التجارب السيئة التي خاضها جوني ديب وحذر بشدة تجربة الإخراج والكتابة والتمثيل: “جربت الإخراج والكتابة والتمثيل في فيلم صنعتُه منذ سنوات مضت؛ بهدف الحصول على المال وتصويره، ولكن النتيجة كانت كارثية؛ فالجمع بين التمثيل والإخراج أمر صعب للغاية”.

وأضاف: “ينبغي أن يكون الممثل متفرغاً للتصوير، وأن يدرك جيدًا جوانب شخصيته، ولا يُشترط أن يكون مُدركاً كل ما يدور في موقع التصوير، على عكس المخرج الذي يؤدي مهمة تجميع الفنانين، وعليه معرفة جميع جوانب الفيلم، وهو أمر مرهق، ويصعب على الممثل فعله”.

التمثيل باللغة الفرنسية والأفق الجديد

تحدث جوني ديب عن تمثيله لفيلم “جان دي باري” باللغة الفرنسية، وقال إنه يُتقن اللغة، ولكن التمثيل بلغة ما ليس بسهولة التحدث بها، بخاصة عند استخدام مصطلحات فريدة مثل تلك التي يستخدمها الملوك وليس العامة. ووصَف تجربته بأنها كانت تحديًا كبيرًا.

وسألته “فاصلة” عما إذا ما كان يفكر في خوض تجربة التمثيل بالفرنسية مرة أخرى فأجاب: “بالتأكيد، من يعلم، ربما بلغة أخرى أيضًا، فهذا النوع من الأعمال ملهم ومشجِّع، ولو كان بإمكاني أن أكون على هذا القدر من القرب من لويس دي فونيس لما توقفت أبدًا عن صناعة الأفلام الفرنسية”.

شخصيات أود تجسيدها

عندما سُئل عن الشخصيات التي يحلم بتقديمها على الشاشة أشار إلى أنه قد تحدث مع صديقة له، وهي ممثلة أمريكية، وأعرب عن رغبته في تقديم دورها كمقدمة برنامج التلفزيوني. وبعد يومين فقط تلقى اتصالًا منها، واستفسرت عن جدية نيته. ورد عليها بأنه يعتقد بأن الدور سيكون أفضل وأنسب للمسرح بدلاً من السينما.

وأضاف: “كان لديّ هذا الهاجس المطارد لسنوات، حيث حاولت تجسيد شخصية صديقة لي. يمكنك اعتبارها محاولة لوضع نفسي في مكان صديقتي. ولكن أشعر أن مثل هذه الشخصيات تحمل في طياتها الكثير من القصص والأفكار التي لم تُروَ”.

مودي”.. قريبًا

كشف جوني ديب في نهاية حديثه أنه يحضر حاليًا لفيلمه الجديد “مودي”، وهو اسم اختصار لأميديو موديلياني الرسام الإيطالي الشهير، وذكرَ أنه سيكون مخرج العمل.

 

موقع "إيلاف" في

18.12.2023

 
 
 
 
 

عن أفلامنا التي تمثلنا… “ناقة” نموذجاً

احمد العياد

ردود فعل متباينة، مع قطاع ليس بالقليل يشعر بالغضب، وجدل كبير – متوقع – صاحب انطلاق عرض أحدث الأفلام السعوديةناقة الذي بدء عرضه قبل أيام عبر منصة “نتفيلكس” ويتصدر أعلى المشاهدات في السعودية، وهو الفيلم الذي عرض أيضاً ضمن فعاليات مهرجان البحر الأحمر ومن قبله رفعت عروضه لافتة كامل العدد في مهرجان “تورونتو” ضمن عروض منتصف الليل وسط إشادات نقدية بالفيلم.

لا خلاف على أن مواكبة النقد السينمائي السعودي للأعمال السعودية حالة صحية جدًا خاصة مع أهميته لتناول الأعمال بشكل نقدي سينمائي لا يعتمد على إرضاء صناع الأعمال فقط وتجاهل نقاط الضعف أو الخلل بالأفلام لمجرد أنها فقط سعودية، وهو الأمر الذي تزداد أهميته مع تراكم الخبرات والتجارب في السنوات الماضية إضافة للدعم الحكومي الكبير الذي يجده صناع الأفلام في المملكة.

الحديث السابق للتأكيد على أهمية النقد السينمائي وإن كان قاسياً، لكن أن يكون نقداً سينمائياً  لا مجرد كلمات فيها من  “التجريح والتشويه والتشكيك” بوطنية صناع الأعمال السينمائية، فلا خلاف على وطنية أي مبدع سعودي أياً  كان مكان وجوده، ولا يمكن لعمل فني أن يكون صورة للمملكة في الخارج، لأن الأعمال الفنية تقدم حالات، أحيانا إيجابية وأخرى سلبية.

في السينما الفرنسية على سبيل المثال تجد أفلام عدة تتناول الوضع المأساوي في أحياء اللاجئين بباريس التي تعد وجهة السائحين المفضلة عالميا ولم يتهم أحد المخرجين الفرنسيين بأنهم يحاولوا الإضرار بسمعة العاصمة، في هوليود نشاهد أفلام جريمة وقتل عنف ولا تزال شريحة كبيرة من الشباب يحلموا بزيارة الولايات المتحدة، لذا فما تقدمه السينما هي قصة فنية بها مساحة من الواقع في نماذج محدودة يسلط الضوء عليها، وبها أحيانا مساحة من الخيال قد لا تتحقق بالواقع.

أكثر ما جعلني أشعر بالإستغراب من اتهامات التخوين والتشكيك في صناع العمل هو توجيه اتهامات بالمجاملة والمحاباة لمن يشيدون بالفيلم وهو أمر أفهمه في بعض الأحيان لكن في حالة هذا الفيلم نتكلم عن عمل نال إشادات نقدية من نقاد عالميين لديهم خبرة طويلة في النقد السينمائي وتعاملوا مع الفيلم من منظور فني وليس سياسي أو اجتماعي، فالفيلم عرض وقيم فنياً بأحد أهم المهرجانات العالمية وليس في مهرجان سينمائي محلي أو مهرجان طلابي!

ثمة أفلام سعودية طرحت بالفعل خلال الفترة الماضية لم يتلقى معظمها إشادات أو شاهدنا لها نقد تفصيلي، على غرار ما حدث مع “ناقة” وهو اعتراف ضمني باختلاف الفيلم، أما مسألة أنه لا يتشابه مع المجتمع السعودي وغريب عنه أمر يمكن الرد عليه من خلال طرح ثلاثة أسئلة هي، هل صانع الفيلم مُطالب بأن يمثل فيلمه المجتمع الخاص به؟ هل الفيلم فعلاً لا يمثل أي مجتمع من مجتمعات بلد مترامي الأطراف ومتنوع الثقافات مثل السعودية؟ هل يمكن قولبتنا وتسطيحنا كمجتمع في إطار ضيق واحد؟.

السينما متنفس لخيال صناعها والابتكار والقدرة على خلق عوالم فريدة أدوات قصصية مهمة جداً، “ناقة” في نهاية المطاف ليس فيلماً وثائقياً، وهنا أستعيد حديث المخرج محمد كردفاني معي في بودكاست خام عن نقد مماثل تعرض له بسبب فيلم “وداعاً جوليا” -الذي يتم الاحتفاء به حالياً في صالات السينما السعودية- حيث أن سيل الانتقادات كان بسبب كون الفيلم لا يمثل ولا ينقل الواقع السوداني الحقيقي.

إن وجود بوصلة أخلاقية تحكم نوعية القصص والأفلام التي يتم عرضها أمر يمكن أفهمه في مجتمعنا المحافظ، ولكن الإفراط بهذا النقد والحرص على تقديم صورة خالية من الشوائب لهذا المجتمع غير منطقي ولا يناسب المرحلة المتطورة التي وصلنا إليها من دعم سينمائي، سواءً كان ذلك الدعم لصناع الأفلام أو إتاحة الفرصة لرواية قصص متنوعة كما شاهدنا في أفلام ومسلسلات مثل “الهامور ح ع” و “ضحايا حلال” و “جايبة العيد”.

وفيما يخص تعامل المخرج مشعل الجاسر مع ما حدث وتدوينته التي شكر فيه مشاهدي الفيلم وتأكيده على التعلم من الأراء وأمنيته اعجاب المشاهدين بتجربته القادمة تعكس ثقافة الاختلاف التي يتمتع بها فالفيلم كما حصل على إشادات تعرض لانتقادات لكن الأهم أن لا ينظر للانتقادات البعيدة عن المعايير الفنية لأن وضع قيود على الإبداع سيجعلنا نعود للوراء ولا نتقدم للأمام ونقطة أخرى مهمة ليس مطلوب من كل صانع فيلم أن تحقق له نجاحا أو إجماعا ً جماهيريا! وإلا لكانت كل أفلامنا تشبه بعضها البعض ولم نقدم لهذا الفن العظيم التنوع بين الفانتازيا والواقع والتاريخ والجمال وغير ذلك من محمولات السينما.

 فيلم ناقة  عمل سينمائي طموح وجريء ساهم تحريك المياه الراكدة، فبهذه الأداءات تخلد الأعمال السينمائية والزمن كفيل بإنصاف صناعه ، أما من ناحية الهجوم التشكيك الذي واجهه صناع العمل  فليتذكروا من هوجموا سابقًا من الفنانين والمثقفين أبطال “طاش ما طاش” مثالا ً، حيث وصل الأمر إلى  للتكفير من هيئة كبار العلماء في أواخر التسعينات، ولنشاهد أين من كفرهم الآن وننظر لمكانة طاش وأبطاله في المجتمع.

دعونا ننظر بعين الفن ولا نكسر أجنحة التجريب ونحن في البدايات، فطريق السينما السعودية طويل، ويحتاج كل الأدوات والأفكار والمنعطفات والطرق الرئيسية!

 

موقع "إيلاف" في

18.12.2023

 
 
 
 
 

جدة.. عروس المهرجانات القادمة

تركي صالح

مهرجانات السينما لها أهمية كبيرة في عالم السينما. تعتبر هذه المهرجانات فرصة لعرض الأفلام الجديدة والمبتكرة وتكريم المواهب السينمائية. وهي أيضًا مناسبة للمخرجين والممثلين وصناع الأفلام للقاء بعضهم ببعض وتبادل الأفكار والخبرات. بالإضافة إلى ذلك، تساهم المهرجانات في تعزيز الثقافة السينمائية وتوسيع آفاق المشاهدين من خلال عرض أفلام من مختلف الأنواع والأصول الثقافية. وتعزز التواصل الثقافي وتعطي الفرصة للجمهور لاكتشاف أفلام جديدة ومختلفة.

بدأت المهرجانات تاريخيًا في العقد الثاني من القرن العشرين. ويعد مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي أقدم المهرجانات حيث بدأ عام 1932. ومنذ ذلك الحين، تأسست العديد من المهرجانات السينمائية الشهيرة مثل مهرجان كان السينمائي ومهرجان برلين السينمائي الدولي. وتطورت هذه المهرجانات لتصبح أحد أبرز الأحداث السينمائية في العالم.

هناك العديد من الأفلام التي تعد خصوصًا للمشاركة في مهرجانات السينما. يتم اختيار هذه الأفلام بناءً على جودتها وابتكارها وقدرتها على جذب الجمهور والنقاد. وتتنوع هذه الأفلام في الأنواع والأصول والقصص التي تحكيها. فمنها الأفلام الوثائقية والأفلام الروائية والأفلام القصيرة وغيرها. تلك الأفلام تعرض وتنافس في المهرجانات السينمائية لتحظى بالاهتمام والتقدير من قبل الجمهور وصناع السينما.

وعلى ساحل البحر الأحمر في مدينة الفن الدافئة جدة، وضعت العروس الأبدية أقدامها على بساط السينما الأحمر، ترسيخًا لدورها الثقافي المميز، وموقعها المهم وأثرها التاريخي النابع من خليط من الثقافات الفاعلة، لذلك فقد برز مهرجانها السينمائي كمحفل جديد وواعد في عالم يعج بالتظاهرات العالمية المتزاحمة في الجداول والفعاليات.

مهرجان البحر الأحمر للسينما الذي بدأ عام 2019 في مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية، يهدف إلى تعزيز السينما العربية والعالمية وتشجيع المواهب السينمائية. ويقدم المهرجان عروضًا لأفلام قصيرة وروائية طويلة ووثائقية، إلى جانب فعاليات وورش عمل ومحاضرات.

يتألّف البرنامج السينمائي للمهرجان من 11 قسمًا منسّقة بعناية من قِبل فريق من المبرمجين المخضرمين والمرموقين عالميًا، حيث يقدم المهرجان عبر هذا البرنامج تشكيلة متنوّعة وحصريّة من أفضل وأحدث الأفلام السينمائية الطويلة والقصيرة، إلى جانب الأفلام الكلاسيكيّة وأفلام التحريك وحلقات المسلسلات التي جرى استقطابها من جميع أرجاء العالم للعرض الحصري في جدة عبر شاشات المهرجان «موقع المهرجان». خطوة جديدة وسباقة في مجال السينما، رحلة تحتاج إلى الاجتهاد والعمل والصبر، تصنع عراقة تستلزم التزامًا متجددًا ودائمًا، وشغفًا لا يتوقف، ورصيدًا من الأعمال المتعاقبة والمتتالية، في نسق زاخم يتناغم مع مسيرة سعودية قادمة لا تتوقف في خلق حيوية متصاعدة وعالم شرق أوسطي قلبه السعودية.

 

####

 

أفلام البحر الأحمر: إخفاء صدام حسين.. الجاذبية تتجاوز الجدل

محمد عبدالرحمن

لم يخرج «إخفاء صدام حسين» بجوائز في سباق اليسر للأفلام الطويلة بالدورة الأخيرة لـ«مهرجان البحر الأحمر»، لكنه حاز اهتمام الكثيرين، خصوصًا أنه كان من أوائل الأفلام التي تضمنها برنامج الدورة الثالثة المنتهية في التاسع من شهر ديسمبر الجاري.

الفيلم الوثائقي «إخفاء صدام حسين» للمخرج الكردي النرويجي هالكوت مصطفى، جذب الانتباه حتى قبل انطلاق المهرجان، موضوع مشوق للغاية تجاوز الجدل حول أن تكون مع صدام حسين أو ضده. جدل سياسي استمر طويلاً قبل وبعد سقوط بغداد 2003، وسيظل قائمًا كلما جرت أحداث تفتح الملف من جديد. لكن بعيدًا عن كل ذلك، وقف المخرج العراقي يبحث كما قال عن الواقعة من منظور إنساني، ولمدة 10 سنوات ظل يعمل على إنجاز الفيلم الذي يعد الأول من نوعه، الكاشف عمَّا جرى مع الرئيس العراقي الراحل لمدة 235 يومًا فصلت بين دخول الجيش الأميركي بغداد والعثور عليه متخفيًا في حفرة بمزرعة فلاح عراقي بمنطقة الدورة.

الفكرة بدأت من محاولة إقناع علاء نامق الدوري بأن أوان الكلام قد حان، الرجل الذي استقبل الرئيس العراقي الراغب في التخفي قبل نحو 20 عامًا وقرر – دون تفكير- أن يمنحه الأمان باعتباره ضيفًا حتى لو كان خلفه 150 ألف جندي أميركي يبحثون عنه في كل شبر بطول العراق وعرضها. نجح المخرج في استنطاق علاء نامق الذي تجاوز الآن عامه الخمسين وكان نجمًا لعروض مهرجان البحر الأحمر، حيث اعتمد الفيلم بالكامل على روايته، لكن المخرج صنع معادلًا بصريًا على مستويين؛ الأول إعادة تمثيل بعض المشاهد من خلال ممثلين أقرب في الشبه جسديًا من الرئيس الراحل ونامق وباقي الشخصيات التي ظهرت، وكذلك المادة الأرشيفية التي وثقت حال العراق طوال عام 2003، الأمر الذي أحدث قدرًا من التوازن بين صوت البطل المستمر منذ اللقطة الأولى – مدة الفيلم 96 دقيقة – والصورة التي أعادت لمعاصري الحدث الكثير من الذكريات وفتحت أمام الجيل الأحدث الباب للتعرف على ما جرى.

المهمة كانت صعبة بالفعل أمام هالكوت مصطفى، رجلان كان يتخفيان طول الوقت بالتالي لن يوثقا الأمر بصورة أو فيديو، وأصبح المصدر الوحيد هو الراوي باعتباره الشاهد الملازم لصدام حسين، وكان لا بد من صنع المعادل البصري بهذه الطريقة ومن خلال الأوصاف التي رددها علاء الدوري، فرأينا كيف كان يتنكر الرئيس، كيف كان يعد الطعام بنفسه ويقابل أولاده سرًا، وحتى أقرب المقربين وصولًا لفكرة حفر الخندق لتأمينه، وكيف كان يتصرف المضيف إذا تعرض الرئيس لأزمة صحية مع استحالة استدعاء الطبيب، وصولًا إلى أنه عرض عليه الزواج من سيدة تؤنسه عندما طالت مدة الإخفاء وتقاربهما لدرجة تبادلهما المساعدة في الاستحمام.

وثق الفيلم أن من وشى بصدام أحد أقاربه ومساعديه الموثوقين بعد تعذيبه، وكان علاء نامق حريصًا على القول داخل الفيلم وخارجه على أن ما يهمه الآن تأكيد براءته من تسليم الرئيس بعد سنوات من شعوره بالخوف والقلق بسبب توجيه هذا الاتهام له، بينما تعامل هو مع الرئيس كابن يحافظ على حياة أبيه وليس فقط مضيفًا يكرم ضيفه الثقيل.

ليس غريبًا إذًا أن يعلن المخرج أنه حتى فريق العمل لم يكن يعرف موضوع الفيلم خوفًا من أن تتدخل جهات ما وتمنع الراوي من إكمال شهادته، وبالتالي ليس مثارًا للدهشة استمرار العمل على المشروع لعقد كامل من الزمان، لكنه في النهاية خرج للناس وفتح الملف من جديد؛ ملف كيف تعامل الفلاح البسيط مع رئيس هارب كان ملء السمع والبصر ويخشاه كل أهل العراق، لكنه في لحظات ضعف إنسانية أجبرته عليها تقلبات السياسة بات لاجئًا محتميًا بفلاح فقير صان الأمانة حتى وجد المارينز فوق رأسه يبحثون عن الحفرة التي أخفى فيها صدام حسين.

 

موقع "سوليوود" في

18.12.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004