ملفات خاصة

 
 
 

خاص "هي" رسالة مهرجان فينيسيا 2023

"Origin" فيلم ضائع بين الروائي والوثائقي

أندرو محسن

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثمانون

   
 
 
 
 
 
 

في أحدث أفلامها ”Origin“ (الأصل)، لا تبتعد المخرجة آفا دوفيرناي عن الموضوعات أو الموضوع الذي تفضله في أعمالها السابقة، وهو تاريخ العنصرية ضد السود في الولايات المتحدة. الفيلم الذي يشارك في مسابقة مهرجان فينيسيا (البندقية) في دورته الثمانين، مستوحى عن كتاب ”Caste: The Origins of Our Discontents“ (الطبقية: بدايات السخط) للصحفية والباحثة إيزابيل ويلكرسون، وخلاله تبحث ويلكرسون عن مفهوم الطبقية كأساس للمعاملة القاسية التي تلقاها السود طوال تاريخهم في أمريكا، وتربط بين ما حدث لليهود في ألمانيا النازية، والتفرقة الطبقية في الهند، مع ما يحدث للسود تحت إطار كبير وهو ”الطبقية“.

حقق الكتاب نجاحًا كبيرًا بالفعل، لكن عند قراءة موضوع الكتاب، سيكون من الممتع تخيل تحويل هذه الدراسة الدقيقة عن الأعراق المختلفة، والتي تبحث خلال فترة زمنية طويلة، إلى فيلم روائي.

دراما بلا معنى

في معالجتها السينمائية للكتاب، قررت دوفيرناي، التي كتبت السيناريو أيضًا، أن تحول الفيلم إلى خطين رئيسيين، الأول هو جزء من السيرة الشخصية للكاتبة إيزابيل (أنجينو أليس)، والثاني تقدم خلاله أفكار الكتاب نفسها، من خلال المزج بين مشاهد البحث الذي تقوم به إيزابيل ومشاهد فلاش باك تمثيلية.

يبدو الخط الخاص بحياة الكاتبة عبارة عن دراما مقحمة للتمهيد لأحداث الدراسة، التي هي الأمر الأبرز في الفيلم، بينما ما يحدث لإيزابيل وحياتها الشخصية تأتي وكأنها تُجبر المُشاهد على التعاطف معها أو مع الفيلم بشكل عام، رغم أن الموضوع الأساسي مؤثر بالقدر الكافي ولا يحتاج إلى فرض مشاعر إضافية، تفقد تأثيرها مع كل مشهد جديد يخص أسرة إيزابيل، إذ نشاهدها تمر بسلسلة من الوفيات المتتالية لأشخاص مقربين. بينما كنا ننتظر أن تكون لهذه الوفيات، أو لهذه المأساويات تأثيرًا قويًا على الحبكة أو على الشخصية، كأن تدفعها لتغيير أو تطوير مسارها بشكل ما، فإننا سنجد أنها لا تؤدي إلى شيء حقيقي على الإطلاق. حتى علاقتها مع زوجها الأمريكي الأبيض، وما ينطوي عليه هذا من أهمية لموضوع الفيلم لم يكن ذو تأثيرٍ كافٍ، وربما ازداد غياب التأثير المطلوب نتيجة ضعف الأداء التمثيلي بشكل عام.

وثائقي أفضل من الروائي

عندما ينتقل الفيلم للتركيز على فصول الكتاب، فإنه يتحول إلى شكل أقرب للمسلسلات الوثائقية، إذ تقدم المخرجة مشاهد تمثيلية لعدة فصول، مع تعليق صوتي لا ينقطع. تتابع ثلاث ثنائيات في ألمانيا النازية، أحدهم من اليهود الذي يتعرضون للتعذيب من النازيين، في مشاهد مكررة تمامًا. في الهند تقدم مشاهد للسياسي أمبيدكار، الذي ساهم بشكل أساسي في وضع دستور الهند، يمكن أن تكون مشاهد مهمة للتعريف بتاريخ هذه الشخصية المؤثرة في الهند، لكنها تأتي في تتابعات سريعة مع التعليق الصوتي لتساهم في الحالة التقليدية للشكل الوثائقي. وأخيرًا فإن الفيلم لا يخلو من مشاهد للممارسات القاسية مع الأفارقة من قِبل الأمريكان في الماضي، وهي أيضًا تبدو مشاهد مقحمة، إذ أن الفيلم منذ البداية وضح فكرته والهدف الذي تعمل الكاتبة لإثباته.

على العكس من كل هذا يأتي أحد أجمل مشاهد الفيلم، عن طفل أسود فاز مع فريقه في بطولة مهمة، وكانت المكافأة أن يذهبوا إلى حمام السباحة. بينما نزل جميع الأطفال إلى الحمام، فإن الطفل الأسود هو الوحيد الذي مُنع من النزول، وعندما أصر بقية الأهالي على نزوله أخلو الحمام تمامًا ووضعوه وحده على عوامة داخل المسبح! هذا التتابع ربما يكون كثف فكرة الفيلم بشكل مميز وجمالي أكثر من أغلب المشاهد الأخرى التي حاولت المخرجة إدراجها لكسر رتابة الحوارات العلمية، لتصبح في النهاية بمثابة ثِقَل على الفيلم.

فيلم "الأصل" هو استمرار واضح لمسيرة مخرجته في مناقشة تاريخ العنصرية، أو الطبقية كما هي الحالة هنا، ضد الأفارقة السود في الولايات المتحدة، لكنها هذه المرة اختارت أسلوبًا تاه بين الوثائقي والروائي فلم تنجح في إمتاع المشاهد بهذا أو ذاك، وربما كان المكسب الأهم هو التعريف بشكل أوسع بهذا الكتاب المهم.

 

مجلة هي السعودية في

08.09.2023

 
 
 
 
 

فينيسيا 2023.. كأس اللاجئين الدوّار في فيلم The Green Border

فينيسيا- رامي عبد الرازق*

10 دقائق كاملة من التصفيق المستمر والحميمي تلقتها المخرجة البولندية أجنشكيا هولند، بمجرد نزول تيترات فيلمها The Green Border (الحدود الخضراء) عقب عرضه الأول في مهرجان فينسيا السينمائي الدولي، ليصبح واحد من أكثر أفلام المسابقة الرسمية في الدورة 80  تتويجاً بتصفيق الجمهور تعبيراً عن حصوله على المتعة الشعورية والذهنية المنتظرة، من تجربة سينمائية مكتملة العناصر فائرة التداعيات.

بجانب The Green Border ثمة تجربة بولندية أخرى داخل قائمة أفلام المسابقة الرسمية Woman Of.. (امرأة من..) للمخرجين مالجورزاتا سزوموفسكا وميشال إنجليرت، عن رحلة رجل يعاني من أزمة هوية جنسية بالتزامن مع خروج بولندا من الإتحاد السوفيتي عقب انهياره، وينتمي لنوعية أفلام المتحولين والباحثين عن ميولهم الجندرية- وهي نوعية أصبحت على رأس قائمة المهرجانات الدولية ضمن أجندات الصوابية السياسية.

يمكن أن نشير أيضا إلى اسم آخر في أفلام المسابقة الرسمية هذا العام، للمخرج الإيطالي ماثيو جاروني  The Capitan (الكابتن)، رغم كونه أقل أفلامه عنفا وصدامية، فعلى غرار The Green Border ينضم الفيلمان إلى مفرزة سينما اللاجئين والهجرات غير الشرعية، وهي أيضا من النوعيات الفيلمية التي لا تخلو منها مسابقة أو برنامج سينمائي دولي خلال العقد الأخير، وإن كان الحدود الخضراء باذخ الانفعالات، جرئ، ومتجاوز للتقليدية التي اصبحت سمة عامة للأفلام التي تتابع فيها الكاميرا زحف الأجساد من فوهات الحروب والفقر في بلادهم إلى أسفل الكباري، وعراء العنصرية، وروائح المراحيض العمومية في قاع الحلم الأوربي الزائف.

أين ذهب الأخضر؟

يبدأ الفيلم بلقطة أقرب لعين طائر يسبح في هواء ناعم فوق بحر تشكله قمم الأشجار العالية، دافئة الخضرة، وقبل أن تتشبع العين بخلايا الأخضر المريحة، ينسحب اللون من اللقطة تماماً ليسود الأبيض والأسود من هذه اللحظة وحتى النهاية.

إنها الحدود الخضراء التي فقدت لونها في إرهاصة لكل ما حدث ويحدث، ضمن تقلبات الوضع السياسي والإنساني الإقليمي والدولي من قبل حتى أن تبدأ الحرب الروسية الأوكرانية.

تُجردنا المخرجة من اللون الأخضر لأن العالم لم يعد مكانا صالحا لحضوره الحميمي، عالم رمادي بلا ميزات لونية تفرق بين الأجناس لكنه لا يخلو من دمامة الكآبة، بل أننا مع كل مشهد يمكن أن نستعيد تلك اللحظة التي تجدرنا فيها من الأخضر في بداية الشريط السينمائي، لندرك عمق المآساة التي نعيشها جميعاً، شخصيات ومتلقين.

يدور The Green Border في 4 فصول متفاوتة الطول تحمل عناوين (الأسرة- حرس الحدود- النشطاء- جوليا) في سياق ملحمي واضح على مستوى السياقات النفسية والفكرية، رغم أن الفيلم كله لا يتجاوز بضعة أيام في زمنه الأساسي.

تبدأ عجلة الزمن في الدوران مع نهايات أكتوبر 2021 (الخريف الأوربي الصريح) على الحدود التي من المفترض أنها خضراء بين بيلاروسيا وبولندا، ويستمر دورانها – ككأس من المرار المكتوب على كل الأفواه- على الحدود ما بين بولندا وأوكرانيا عقب اندلاع الحرب الأخيرة.

اختيار نقطة الانطلاق الزمنية قبل شهرين من الحرب الأوكرانية يحمل الآنية وذكاء المقاربة، الأسرة العربية التي يبدأ بها الفيلم فصله الأول ليست هاربة من الحرب الأهلية السورية فقط، ولكن من داعش أيضاً -رب الأسرة يحمل علامات الجلد على ظهره لأنه ضُبط يشرب السجائر- والزمن في الفيلم يسير بشكل خطي إلى الأمام، ككتلة واحدة ثقيلة الوطأة، يتقافز السرد مكانياً بين أكثر من نقطة حدودية، مثل منزل الجندي حارس الحدود وأماكن تجمع النشطاء، والمستشفى التي يتم إيداع لاجئة أفغانية فيها ثم طردها من قبل البوليس ليتم ترحيلها إلى بيلاروسيا مرة أخرى، لكنه لا يشغل المتفرج بمعالجة صعبة للزمن، يكفيه اللهاث خلف الحركة العبثية لمطاردة اللاجئين بين بولندا وبيلاروسيا.

في مشهد رهيب يتم إلقاء امرأة من ذوي الأصول الإفريقية حامل من فوق السلك الشائك بين حدود البلدين لمجرد أنها تشبثت بالشاحنة التي سأمت من ركوبها ذهاباً وإياباً، وكل دولة ترميهم خارج حدودها كالنفايات خلف حدود الدولة الأخرى.

رحل دون أن يتألم

"إن كل لاجئ هو عبارة عن رصاصة محتملة في صدرك"

هكذا يلقن رئيس دورية الحرس جنوده قبل الانطلاق في تمشيط المناطق الحدودية، ومن هذا المنطلق يجد جندي حرس الحدود نفسه مطمئناً لفكرة إلقاء اللاجئين من فوق الأسلاك إلى الجهة الأخرى، سواء كانوا بشراً كالمرأة التي أشرنا إليها أو جثثاً لم تنجح أرواحها في البقاء حية بعد الزحف واجتياز الحد الشائك.

ولكن حين تراه زوجته الحامل في الفيديو الذي تم تصويره له وهو يقوم بهذا الفعل المشين إنسانياً، تشعر أن طفلهما القادم لن يكون أمناً في عالم يلقي فيه أباه امرأة حامل من فوق الأسلاك كأنها كيس من النفايات، بل إن التناص هنا بين كون كلا المرأتين يحملان أطفالاً في أرحامهن هو تناص مقصود تمام بغرض لطم الشخصية والمتلقي على حد سواء وبينما تفقد المرأة جنينها نتيجة إلقائها كشوال غير أدمي، تفقد الأسرة السورية بكريها نور، الفتى الرقيق الذي لم يشأ أن يترك المرأة الأفغانية التي صاحبتهم طوال الرحلة بمفردها، فما كان منه إلا أن لحق بها وانتهى أمره غرقاً في واحدة من مستنقعات الغابات الحدودية، التي لم تعد خضراء.

هكذا سوف تبقى أخت نور المشاكسة بلا أخ أكبر يؤنبها، أو يحمل أخاه الرضيع حتى تتمكن أمه من تغيير ملابس اخته المبتلة.

"لقد رحل نور دون أن يتألم" بهذه الكلمات ترثي المرأة الأفغانية الجسد الصغير الذي امتلات رئته الغضة بالطين، بينما كان يحلم بهواء أكثر نقاءً من ذلك الذي تلوثه داعش بكرابيجها، أو تخنقه الحرب الأهلية بسواد البراميل المشتعلة، هذا عالم تنحبس فيه رئة الطفل الصغير ما بين دخان الوطن وطين المنفى.

تحولات

يدين الفيلم الأطراف السياسية الرسمية سواء حكومة بيلاروسيا الذي يقال صراحة على لسان أحد الشخصيات أن رئيسها يستدعى اللاجئين إلى بلده، بوعد أن يجعلهم يبلغون أوربا عن طريق بولندا، لمجرد أن يضغط على حكومات الدول المجاورة ويؤرق نوم ساستها، أو الشرطة وحرس الحدود البولندي الذي يبدو أن المخرجة أجرت بحثاً ميدانياً واسعاً، وأتت بقصص حقيقية عن واقع اللاجئين وما يحدث لهم على الحدود الملوثة بالأغراض السياسية القبيحة.

إلا أن السيناريو ينجح في إتمام عدد من التحولات التي تجعل الحلول بين يدي المواطنين سواء كانوا مدينيين أو عسكريين، فجوليا الطبيبة النفسية التي تعيش مع كلابها الشقية تنجح في تهريب عدد من الفتيان، بالتعاون مع واحد من مرضاها المصاب بهستيريا اجتماعية، نتيجة تردي الوضع السياسي في البلد، والذي يجد في استضافة مجموعة الشباب الأفريقي اللاجئ مساهمة منه في قضايا بلده، ودوراً حقيقيا كمواطن غير راض عما يحدث في أورقة الساسة وأصحاب القرار.

أما جندي حرس الحدود فإن إنسانيته المدجنة أسفل زيه العسكري لا تلبث أن تفور في مشهد بليغ، حين ينتابه حالة صراخ مستمر وموجه بينما يستعيد ما فعله مع المرأة السمراء، وكأن تلك الذكرى الشائكة لن تغادر دمه أبداً مهما فعل، وهو ما سوف يدفعه إلى أن يتغاضى عن وجود الأسرة السورية في مؤخرة شاحنة التهريب حين تتوقف عند الكمين الذي يشرف عليه.

هذه التحولات الدرامية التي تبدو متفرقة وصغيرة، هي ما تشكل في النهاية مجاز الحدود الخضراء الحقيقي، فالحدود من صنع البشر وهم من يمكنهم أن يجعلوها خضراء أمام من يحتاجون المساعدة، أو يغلقوا أمامهم باب الرحمة، تاركين المشهد في لجة رمادية قاتمة.

صحيح أن الفيلم لا يستعد الألوان في النهاية لأن الأزمة لم تنتهي، لكننا نرى كيف يتعامل البولنديون مع اللاجئين الأوكران عقب بداية الحرب، وكيف تتناص تداعيات القهر والفرار أمام الآلة العسكرية ما بين القادمين من الشرق والفارين من الغرب.

 

الشرق نيوز السعودية في

08.09.2023

 
 
 
 
 

مخرج إيطالي في مهرجان فينيسيا: "المهاجرون ليسوا مجرد أرقام"

(رويترز)

في ظل عودة وتيرة وفود المهاجرين على إيطاليا للارتفاع، شارك المخرج ماتيو غاروني في مهرجان فينيسيا السينمائي بفيلم يروي فيه تفاصيل رحلة محفوفة بالمخاطر من أفريقيا إلى أوروبا، من خلال أعين شابين ساذجين من السنغال لكنهما يتحليان بالشجاعة.

وبعد العرض الأول لفيلم "ماي كابتن"، قال غاروني لـ"رويترز": "اعتدنا في هذه الأعوام على فكرة أنهم مجرد أرقام ونسينا أن وراء هذه الأرقام أناسا، وهؤلاء هم عائلات، لهم أحلام وأرواح".

وأضاف غاروني، الذي تشمل أفلامه السابقة فيلمي الجريمة "غومورا" و"دوغمان"، أنّ فكرة الفيلم "وليدة الرغبة في تغيير وجهة النظر".

يتتبع "ماي كابتن" رحلة الشابين السنغاليين وهما يغادران منزلين فقيرين لكن يملؤهما الحب، ويتوجهان في رحلة بالصحراء الكبرى قبل أن يصلا أخيراً إلى ليبيا، وهي نقطة الانطلاق للعديد من عمليات العبور إلى أوروبا، حيث يأملان في العثور على الثروة والشهرة.

فهي رحلة محفوفة بالمخاطر إذ اعترض طريقهما قطاع طرق في ليبيا انتزعوا منهما ثمناً باهظاً قبل أن يتمكنا من الوصول إلى الساحل. غير أن الرحلة الطويلة تُظهر جسارتهما وإصرارهما على التغلب على أي صدمات والمضي قدما.

وقال غاروني: "إنها بالفعل رحلة ملحمية، قصة رحلة بلوغ سن الرشد، تبدأ بحال وتنتهي بحال آخر... صبي يصير رجلاً".

بعد رحلة من بحث غاروني على نجمي الفيلم في إيطاليا وفرنسا، وجد ضالته في النهاية بالسنغال، حيث اختار ممثلين اثنين غير محترفين هما سايدو سار ومصطفى فال ليلعبا دور البطولة.

صُور الفيلم بالترتيب في السنغال والمغرب ولم يكن الممثلان يطلعان على السيناريو إلا عند بدء التصوير في كل يوم. وقال غاروني إن الغرض من ذلك أن "يعيش البطلان الرحلة بشكل فعلي، دون معرفة ما سيحدث في اليوم التالي. وأعتقد أن ذلك ساعدهما أيضاً".

وصل ما يقرب من 115300 مهاجر بالقوارب منذ بداية العام الحالي إلى إيطاليا مقارنة مع 61870 في الوقت ذاته من 2022. وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 2066 شخصاً ماتوا في البحر أثناء العبور، فيما لقي عدد غير معروف حتفهم في الصحراء أو على أيدي جماعات مسلحة ليبية حتى قبل وصولهم إلى القوارب.

وقال أحد الممثلين الشابين إنه بالرغم من مخاطر الرحلة الواضحة، فإنها قد تكون لا مفر منها.

وقال فال لـ"رويترز": "عبور البحر ليس الخيار الأفضل في الواقع، لكنك قد تضطر إلى هذه المخاطرة من أجل تحقيق أحلامك والهناء بحياة أفضل إذا رأيت إنه لا توجد فرصة للسفر بشكل قانوني".

"ماي كابتن" هو ثاني فيلم يتناول موضوع الهجرة ضمن أفلام مهرجان فينيسيا السينمائي هذا العام بعد فيلم "غرين بوردر"، الذي يصور المآسي التي تنتظر المهاجرين عند العبور بين بولندا وروسيا البيضاء.

ويتنافس الفيلمان مع 21 فيلماً آخر على جائزة الأسد الذهبي التي ستقدم للفيلم الفائز في نهاية المهرجان يوم السبت المقبل.

 

العربي الجديد اللندنية في

08.09.2023

 
 
 
 
 

قراءة في أفلام مسابقة آفاق بمهرجان فينسيا السينمائي في دورته الـ80

فينيسيا -رامي عبد الرازق*

في نهاية الفيلم الإيطالي الرائع An Endless Sunday (يوم أحد أبدي) للمخرج الشاب آلان باروني، الحائز على جائزة "الفيبريسي" من النقاد الدوليين، بمسابقة آفاق في الدورة 80 لمهرجان فينيسيا، يقف واحد من المراهقين الثلاثة أبطال العمل في وسط شوارع روما المختنقة بزحام جحيمي، ويصرخ طالباً أن يمد أحدهم إليه يده، لكي يعاون صديقته الصغيرة التي تعاني في السيارة من آلام الوضع المبكر (أرجوكم.. عمري 16 عاماً فقط وأحتاج إلى المساعدة).

يبدو هذا النداء اليائس المفعم بالشجن النوعي والخاص بالمرحلة العمرية التي يعيشها الفتى، يبدو أقرب لعباءة مجاز واسعة يمكن أن تضم معظم الأفلام المشاركة في مسابقة آفاق خلال هذه الدورة، ثمة أكثر من 20 فيلماً ضمن المسابقة يمكن أن نستمع فيها لهذه الكلمات، سواء عبر اللغة المنطوقة أو النظرات المعذبة أو الصمت المشتعل بالكبت والغضب الساطع.

أبناء المدينة 

في تجارب مثل الإيطالي An Endless Sunday، والسويدي Paradise in Fire (الجنة تحترق)، والمنغولي City of wind (مدينة الرياح)، ثمة عنصر شبه أساسي مشترك بين مراهقو هذه التجارب، أن خلفياتهم الأسرية مبهمة وغير واضحة أو مرتبة بصورة دقيقة، فنحن لا نعلم مثلا أين ذويهم أو أسرهم، أو من أين أتوا، أو لماذا تبدو الصلة منقطعة مع أبويهم؟.

في An Endless Sunday يبدأ الفيلم بالاحتفال بعيد ميلاد واحد من الشلة المكونة من مراهقين وفتاة، كأنها لحظة ميلادهم جميعاً، يتجولون في سيارة أحدهم بسرعة خارقة كأنهم يريدون أن يسبقوا الزمن الساكن الذي يعيشونه، ويضرموا الاضطراب في المدينة التي تلفظهم بينما تستقبل آلاف السواح/ الغرباء كل يوم.

وباستثناء جدة الفتاة (رمز ما تبقى من الأهل أو المدينة أو المجتمع) التي ترعى حملها من صديقها، أو من كلا الصديقين حيث يتفرق دم الطفل بينهم، فلا أثر لأي من ذوي المراهقين الأخرين، بل أن ثلاثتهم يقيمون في منزل الجدة الذي يقع خارج حدود مدينة روما، كأنه هامش بعيد يؤكد اغترابهم المكتمل.

وفي السويدي Paradise is burning يبدأ الفيلم باختفاء الأم الشابة ومحاولات الفتيات الثلاث أن يتعايشوا مع كونها لم تعد موجودة، فيرسمون الخطط للحصول على الطعام خلسة من السوبر ماركت، ويتركون أنفسهم للمرح واللعب احتفاءً بكونهم أحرار من أي سيطرة، لكن المجتمع الذي لا يمكن أن يترك طفلة ومراهقتين دون عائل أو مربي يسعى لأن يستعيدهم ضمن سياقاته المضبطة، ومن هنا تبدأ رحلة بحث أكبرهم، عن بديلة تمثل دور الأم أثناء زيارة الشئون الاجتماعية للمدينة، دون أن تدري البدائل أكثر قسوة من الأصل، وأقل صلابة من أن تحتمل علاقة طبيعية كعلاقة الابنة بأمها.

أما في المنغولي City of wind فثمة وجود مادي محسوس للأهل، حيث يراعون المراهق الذي من المفترض أن روحاً مقدسة تلبسه، بجانب كونه طالب متفوق فإن عمله الأساسي هو استدعاء الروح عبر طقس تراثي يرتدي فيه من الملابس الغريبة، ويضرب على طبلة من جلد الحيوانات، لكي يشير على زبائنه بما يحتاجونه من تطمينات غيبية أو استشارات روحانية.

ورغم ذلك ثمة شعور يتأصل عند الفتي وينتقل إلينا، بأنه وحيد تماماً في مواجهة الحب ورغبات الجسد وأصوات الغواية، حتى أن المدينة نفسها تتلاشى من حوله، كأنها صارت مدينة من رياح شفافة عابرة، كما يبدو من عنوان الفيلم، وهو ما يجعله فريسة سهلة لقصة رومانتيكية تبدأ بخشونة وتمر بنعومة الفخ، خاصة فيما يخص العلاقة الجسدية التي تفسد عليه روحانيته، ثم تنتهي بأن يدرك أن فهم العالم يحتاج إلى ما هو أكثر من تجلي أي روح مقدسة في جسده، بل أن هذا الجسد عليه أن يتدرب على خوض الحروب المادية والأثيرية المختلفة كي يفك شفرة الحياة، صحيح أن الروحانية مطلوبة لكن الجسد هو أساس الحركة في الوجود من حولنا.

حوض السباحة 

من أكثر التفصيلات التي تتكرر في العديد من أفلام مسابقة آفاق، هو مشهد تسلل أو اقتحام المراهقين إلى البيوت الكبيرة، الزخمة بالتفاصيل المادية الثمينة، والنزول إلى حوض السباحة في احتفاء طبيعي بالأجساد والمرح والشباب القادم إلى الحياة.

مشهد التسلل والسباحة وشرب الخمور والتحرر من أي عقد اجتماعي، هو مجاز لثورية الجيل الجديد ورغبته في التحلل من أي قيود، خاصة في مرحلة التكوين، قبل أن ينجح المجتمع في صياغتهم كأرقام وألقاب وقوالب.

في الفيلم المجري Explanation for every thing (تفسير كل شيء)، وفي السويدي Paradise is burning، يتكرر مشهد التسلل إلى حمام السباحة والتجول داخل البيوت التي يكاد يوقن المراهقون أبطال الأفلام أنهم لن يمتلكوا مثلها ذات يوم، ليس فقط لأن ذويهم منقطعي الصلة مع هذا القدر من الغنى الفاحش أو البراق، ولكن لأن واقعهم لا يحمل أي مؤشرات من ناحية التعليم، أو العمل أو الثقافة أو الفرص، والتي يمكن أن تحقق حلمهم بمثل هذا المنزل ذات يوم.

نحن إذن أمام أكثر من مجاز تدعمه المشاهد المتكررة في أفلام المسابقة هذا العام، أولها أن المنازل الفخمة التي يقتحمونها هي رمز الحلم المستحيل سواء مادياً أو معنوياً، ثانياً أن حوض السباحة الذي تتكرر مشاهد المرح والغوص والطفو فيه هو مجاز أخر لفكرة التحرر والطيران، فالطفو فوق الماء هو أقرب لوضع الطيران مع اختلاف الوسيط البيئي وتماثل الأداء الجسدي، وما بين الاستحالة والتحرر أو اليأس والتوق للخروج والانفلات يتحرك أبطالنا الصغار، دون أن يكون ثمة جواب على السؤال الوجودي الذي لم يختاروا أن يُلقى عليهم (هل نحن مرحب بنا في هذا العالم؟).

 واقع مهتز

في تجارب تتحدث عن المراهقين وتندرج تحت نوعية البلوغ أو أفلام النضج واكتشاف الحياة، من الصعب ان نتصور أن تظل الكاميرا ثابتة أو مفعمة بالسكون الدافع للتأمل والتفصيل، ولهذا يبدو من البديهي أو المنطقي أن تصاحب الكاميرا حركة المراهقين وهم يتقافزون هنا وهناك، بين أماكن ترفضهم ومواقع يحتلونها بصخبهم وكهوف نفسية معتمة يتخبطون في ظلمتها وظلالها المراوغة.

العديد من أفلام مسابقة آفاق تعتمد هذا العام على الكاميرا المحمولة المرتجلة، التي تبدو عشوائية الحركة بحكم عشوائية العنصر البشري الذي تتابعه، كاميرا مُنهكة تلاحق في تعب أجساد مفعمة بالطاقة التي تبحث عن مكان لها تحت شمس الواقع أو المدينة أو الحياة.

هكذا لا يبدو مستغرباً في الفيلم الإيطاليAn Endless Sunday أن تصبح الكاميرا أقرب لمراهق رابع يتجول بنفس عبثية وشقاوة المراهقون الثلاث، مراهق صامت بعينين تحاولان رصد ما يفعله أصدقائه لكي يحكي لنا عن أثارهم التي يحاولون أن يتركوها فوق جسد الواقع.

ويمكن أن ندرك هذا لو ركزنا على مجموعة مشاهد المراهق الذي سبق وأن اشرنا له في بداية حديثنا، والذي وقف ليصرخ طالبا المساعدة، هذا الفتى تحديداً هو أكثر الثلاثة فوضوية وعبثاً وتدميراً، لا يترك شيئا قائماً إلا اتلفه، ولا نظيفاً إلا افسده، يحمل مطواة لا عمل لها سوى خدش جلد المكان الذي يتواجد فيه، في محاولة لترك الأثر كما سبق وأشرنا، بل إن تمرده يصل إلى حد أن يشكك صديقه في أن حبيبته ربما تحمل في طفل ليس من نطفته، وهو شك في محله لو أننا اعتبرنا كلا الفتيان وجهان لعملة واحدة، وبالتالي يمكن تقبل أن صديقتهم تحمل في رحمها الجديد ابنهما.

لكنه وقت المواجهة الحقيقة، يجد نفسه يرتد إلى عمره الحقيقي أو ربما إلى الطفل الذي لا يغادره بعد، والذي يحتاج مثل كل طفل إلى المساعدة لكي تطول يده كف العالم، من أجل أن يتشبث به في رحلته، تزلزله معطيات الواقع المهتز الذي لا يمنح الكاميرا فرصة للثبات أو التقاط الأنفاس.

إن مجموعة الأفلام التي عرضتها مسابقة آفاق بمهرجان فينيسيا الـ80 هذا العام لهي أقرب لدراسة حالة معمقة وشيقة ومهمة لأحوال الأجيال الجديدة، والتي تبدو في هذه اللحظة التاريخية بكل سياقها المضطربة، أجيالاً غير مرحب بها، وكأن الحياة توشك أن تنتهي، وكأن الأجيال الحالية سوف تستمر في صياغة العالم على شاكلتها الذهنية والسياسية والإنسانية إلى الأبد.

* ناقد فني

 

الشرق نيوز السعودية في

09.09.2023

 
 
 
 
 

مهرجان البندقية يوزع جوائزه بعد دورة بلا نجوم

(فرانس برس)

تُوزَّع مساء السبت جوائز الدورة الثمانين لمهرجان البندقية السينمائي التي طبعها الإضراب المستمر في هوليوود، وتتجه الأنظار إلى فيلمين يُعتبران الأوفر حظاً للفوز، أحدهما "فرانكنشتاين" بنسخة نسائية من بطولة إيما ستون، والثاني ينتقد وضع المهاجرين في أوروبا.

ويتنافس 23 فيلماً على جائزة الأسد الذهبي، التي نالها العام الفائت فيلم عن أزمة المواد الأفيونية في الولايات المتحدة من إخراج لورا بويتراس.

ومن أبرز الأعمال الطامحة إلى لقب "موسترا" فيلم "بور ثينغز" الذي تؤدي فيه إيما ستون دور مخلوق يتحول مسخاً على طريقة شخصية فرانكنشتاين الشهيرة. وتولى إخراج "بور ثينغز" اليوناني يورغوس لانثيموس الذي تُدرج أفلامه باستمرار في المهرجانات، وأنتجته إيما ستون التي تربطها صداقة وثيقة برئيس لجنة التحكيم في هذه الدورة داميان شازيل.

وقد تُفضِّل لجنة التحكيم إرسال إشارة سياسية قوية إلى إيطاليا، التي تتولى السلطة فيها حكومة يمينية متطرفة، من خلال منحها الجائزة لعمل من توقيع مخرجة أوروبية كبيرة أخرى هي البولندية أنييشكا هولاند. ولقيَ فيلمها "غرين بوردر" المصوَّر بالأبيض والأسود، ومدته ساعتان ونصف ساعة، استحساناً واسعاً لإظهاره الوضع المأساوي للمهاجرين الآتين من سورية وأفغانستان وأفريقيا الذين تعرّضوا للتقاذف بين بولندا وبيلاروسيا عام 2021، وتحوّلوا أسرى لعبة دبلوماسية تتجاوزهم.

ومن الأفلام التي حازت أيضاً الإعجاب في البندقية، "إيفل داز نات إكزيست" للياباني ريوسوكي هاماغوتشي، الذي سبق أن حصل على أوسكار أفضل فيلم أجنبي عن "درايف ماي كار". كذلك برز فيلم "لا بيت" (La Bete) للفرنسي برتران بونيلو من بطولة لِيا سيدو، إحدى النجمات الفرنسيات النادرات اللواتي حظين بشهرة دولية. وهذا الفيلم بمثابة رحلة على طريقة المخرج والممثل الأميركي ديفيد لينش.

ولكن إذا حصلت سيدو على جائزة أفضل ممثلة، فهل ستحضر لتسلّم جائزتها؟ هذا السؤال مطروح نظراً إلى أنها كمعظم النجوم العالميين، لم تمشِ على السجادة الحمراء بسبب إضراب هوليوود، حيث يخوض كتّاب السيناريو والممثلون مواجهة تاريخية مع الاستوديوهات.

وأدى هذا الحراك الاجتماعي الهادف إلى تحسين الأجور وتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي إلى شلّ قطاع السينما والمسلسلات، ومنع النجوم من الترويج للأفلام، باستثناء الإنتاجات المستقلة. وكان الموسترا أول مهرجان سينمائي عالمي يدفع ضريبة إضراب هوليوود.

فقد غابت إيما ستون عن "موسترا"، وكذلك فعل برادلي كوبر الذي أدّى دور الملحّن وقائد الأوركسترا الراحل ليونارد بيرنستاين في فيلمه "مايسترو"، الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي ويستكشف فيه حياة الموسيقيّ الشهير الخاصة.

ولم تأت إيما ستون ولا برادلي كوبر، مؤلف ومؤدي فيلم السيرة الذاتية عن ليونارد بيرنستاين لحساب "نتفليكس".

إلا أن نجوماً آخرين حضروا، كآدم درايفر الذي يؤدي دور إنزو فيراري في فيلم عن سيرته من إخراج مايكل مان، والدنماركي مادس ميكلسن بطل "ذي بروميسد لاند"، وجيسيكا تشاستين بطلة فيلم "ميموري" للمكسيكي ميشال فرانكو. وحرص هؤلاء على أن يعربوا عن دعمهم للمضربين.

ولاحظت تشاستين، الجمعة، أن البعض كان في كثير من الأحيان يُفهِم الممثلين "أنّ عليهم التزام الصمت لحماية حياتهم المهنية".

ولم تقتصر محاولات الإفادة من مهرجان البندقية لرفع الصوت على المطالب النقابية.

فالحركات النسوية سعت أيضاً إلى التعبير عن مواقفها من خلال تحركات في المدينة، نددت فيها بالمكانة التي خصصها أقدم مهرجان في العالم لسينمائيين تستهدفهم حركة "مي تو" التي تندد بالعنف الجنسي أو التحيّز جنسياً ضد النساء.

وفي مقدّم هؤلاء مخرج فيلم "دوغمان" المشارك في المسابقة الفرنسي لوك بيسون (64 عاماً)، الذي اتهمته الممثلة ساند فان روي عام 2018 بأنه اغتصبها، قبل أن يُغلق ملفه القانوني في نهاية يونيو/حزيران، بعدما أسقطت محكمة التمييز بشكل نهائي هذه التهم.

أما وودي آلن (87 عاماً) الذي تعرّض للنبذ من قطاع السينما برمّته في الولايات المتحدة لكنه ليس مطلوباً للقضاء، فشارك من خارج المسابقة بفيلمه Coup de Chance، وهو الخمسون في مسيرته.

وفي المقابل، لم يحضر إلى البندقية المخرج رومان بولانسكي المقيم في أوروبا بمأمن من القضاء الأميركي، الذي يلاحقه منذ أكثر من 40 عاماً بعدما أدانه بإقامة علاقات جنسية مع فتاة قاصرة، في حين أن فيلمه "ذي بالاس" الذي عُرض أيضاً من خارج المسابقة تلقى انتقادات لاذعة من النقاد.

وبرّر رئيس مهرجان البندقية ألبرتو باربيرا دعوة المخرجين الثلاثة إلى الموسترا بوجوب "التمييز بين الإنسان والفنان".

 

العربي الجديد اللندنية في

09.09.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004