ملفات خاصة

 
 
 

فعاليات "مهرجان فينيسيا" بدورته الـ80:

مستوى فني متقلّب

فينيسيا ــ محمد هاشم عبد السلام

مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي الثمانون

   
 
 
 
 
 
 

افتتح "مهرجان فينيسيا السينمائي" فعاليات دورته الـ80 مساء الأربعاء الماضي 30 أغسطس/ آب في قاعته التاريخية الكُبرى "صالة غراندي". الحفل المُكثف والمُختصر، كما جرت العادة، قدَّمَته المُمثلة الإيطالية كاترينا مورينو، وجرى خلاله منح المُخرجة الإيطالية المُخضرمة ليليانا كفاني (90 عامًا) جائزة "الأسد الذهبي" الفخرية تقديرًا لمسيرتها المهنية الحافلة، وقامت بتسليمها الجائزة الفخرية المُمثلة البريطانية الكبيرة شارلوت رامبلينج.

ليليانا كفاني ليست الوحيدة التي منحها المهرجان جائزة "الأسد الذهبي" الفخري هذا العام، إذ جرى منحها أيضًا للمُمثل الصيني المعروف توني ليونج (61 عامًا)، لتُضاف الجائزة الفخرية هذه إلى جوائز سابقة حصل عليها توني ليونج من مهرجان فينيسيا، إذ سبق أن فاز بجائزة "أحسن مُمثل" 3 مرات، وذلك عن بطولته للأفلام التالية: "مدينة الحُزن" (1989)، إخراج هو هسياو هسين، و"سايكلو" (1995) إخراج تران آنه هونج، و"شهرة واهتمام" (2007) إخراج آنج لي.

"كوماندانتي"

عقب انتهاء حفل الافتتاح، عُرض فيلم الافتتاح الإيطالي "كوماندانتي" (المُشارك في "المُسابقة الرسمية") للمخرج الإيطالي إدواردو دي أنجيليس. وبطولة بيير فرانشيسكو فافينو، وماسيمليانو روسي. فيلم "كوماندانتي" اختير قبل بدء المهرجان بأيام قليلة فحسب. وذلك بعدما أدت الإضرابات في هوليوود إلى سحب شركة الإنتاج والتوزيع الأميركية فيلم الافتتاح المُعلن عنه سابقًا، وكان بعنوان "المُتحدون"، للإيطالي لوكا جوادنانينو، وتأجيل عروضه إلى الصيف القادم، ما أجبر المهرجان على استبداله بفيلم "كوماندانتي". تبعات الإضراب لم تتوقف عند هذا الأمر فقط، إذ لم يتمكن الكثير من النجوم والنجمات والمُخرجين من القدوم إلى المهرجان لتقديم أفلامهم والترويج لها، وبالطبع السير فوق السجادة الحمراء في العروض الافتتاحية للأفلام، وكذلك حضور المؤتمرات الصحافية وجلسات التصوير، ما أضعف قليلًا من وهج وبريق المهرجان المُعتادين خلال السنوات الماضية.

أحداث "كوماندانتي"، الذي كتبه ساندرو فيرونيسي بالاشتراك مع إدواردو دي أنجيليس، تستند إلى واقعة حقيقية في تاريخ البحرية الإيطالية والعالمية، وقعت في بداية الحرب العالمية الثانية. وتتناول قصة إنقاذ القائد والبطل الإيطالي سلفاتوري تودارو (بيير فرانشيسكو فافينو) لحياة 26 شخصًا من البحارة البلجيك الأعداء الذين نجوا بعد غرق سفينتهم التجارية التي دمرها سلفاتوري، بعدما أطلقوا النار على غواصته كوماندانتي. هذا العمل النبيل عرَّض سلامة غواصته ورجالها لخطر مميت. لكن رؤية سلفاتوري أنه حتى في ظل مُحاربة العدو يجب ألا ننسى أبدًا أنهم بشر. يُمكن، بل يجب مُحاربتهم وهزيمتهم، لكن أيضًا إنقاذهم والحفاظ على حياتهم، ما دام هذا مُمكنًا.

بتدشين فيلم الافتتاح، انطلقت فعاليات الدورة الـ80 لمهرجان فينيسيا السينمائي بمستوى فني يغلب عليه التقلب الشديد، تمامًا مثل طقس فينيسيا، شديد التقلب بين البرودة والأمطار الغزيرة، والشمس الساطعة والحرارة الشديدة. إذ تراوحت الأفلام المعروضة حتى الآن، سواء داخل "المُسابقة الرئيسية" أو خارجها أو في غيرها من الأقسام، بالتفاوت الشديد في المُستوى الفني والجمالي. هناك المُمتاز، والجيد، والمُتوسط، وإن كانت الغلبة للجيد أو المُتوسط. حتى اللحظة، لم تبرز تُحفة فنية سينمائية بمعنى الكلمة، وذلك رغم عرض أفلام كثيرة كانت مُنتظرة لمُخرجين بارزين، ومُخضرمين، ومُكرسين.

الأفلام المعروضة

من الأفلام المُخيبة للآمال، المعروضة في النصف الأول من المهرجان، فيلم "الكونت" للمخرج التشيلي بابلو لارين. وفيه يتناول شخصية الدكتاتور الفاشي أوغوستو بينوشيه كمصاص دماء يطير ويحلق فوق سماء البلاد ليختار ضحاياه ممن سيقتلهم ويمتص دماءهم ويلتهم قلوبهم. ورغم الرؤية الجديدة، بعض الشيء، إلا أن الفيلم جاء دون المستوى تمامًا، حتى مُقارنة بأفلام المُخرج السابقة. كذلك، فيلم "القتلة" لديفيد فينشر، وهو فيلم جريمة وإثارة، عن سفّاح أو قاتل مُستأجر (مايكل فاسبندر) يفشل في تنفيذ عملية مُكلف بها، ما يُعَرِّض زوجته لانتقام رؤسائه، فيضطر للانتقام من جميع من ألحقوا بها الأذى. أيضًا فيلم "وحش" للفرنسي برتران بونيلو، ويُعتبر من أكثر الأفلام التي نالت استياء واستهجان النقاد والصحافيين حتى الآن، عن جدارة واستحقاق، مع الأسف. الفيلم بطولة ليا سيدو وتجمع قصته بين الفانتازيا والرومانسية والخيال العلمي. وتدور أحداثه في الماضي والحاضر والمُستقبل، عن دور الذكاء الاصطناعي في البشر، وتدخله في مشاعرهم ومصائرهم ومقاديرهم، وبحث البشر اليائس والصادق، معًا، عن التواصل والرفقة، والحب قبل كل شيء.

من بين الأفلام الجيدة، وإن كان ينقصها القليل لتصل إلى جودة مُمتازة، فيلم "فيراري" لمايكل مان. الفيلم بطولة المتألق فعلًا آدم درايفر في دور بطل سباقات السيارات ورجل الأعمال وأحد أساطير الصناعة الإيطالية، إينزو فيراري. يتناول الفيلم مرحلة صغيرة جدًا، لكنها فارقة، في حياة فيراري. حيث فقدانه لابنه الشرعي، والمُنافسة مع الشركات الإيطالية الأخرى، وإحلال وتجديد فريق سباقات السيارات الخاص به، وعلاقته السرية مع عشيقته وابنه السري منها، ولاحقًا، معرفة زوجته بالأمر. وأخيرًا، حالة الإفلاس الوشيكة التي كادت تعصف بالشركة.

"يُشارك المُمثل الفلسطيني صالح بكري في عضوية لجنة تحكيم المُسابقة الرئيسية، وتُشارك في عضوية لجنة تحكيم مُسابقة "آفاق" المُخرجة التونسية كوثر بن هنية. ويُشارك في لجنة تحكيم مُسابقة "أسد المُستقبل" (جائزة دينو دي لورانتيس لأفضل عمل أول) المُمثل والمُخرج المُغربي فوزي بن سعيدي"

من أهم أفلام المسابقة أيضًا "مايسترو" للمخرج والممثل برادلي كوبر، والذي تناول فيه شخصية وحياة أحد أكبر وأهم المُؤلفين المُوسيقيين المُعاصرين، وقائد الأوركسترا وعازف البيانو، ليونارد برنستاين، وكيفية صعود نجمه وبروز موهبته الفذة، من ناحية، ومن ناحية أخرى، تعرف ليونارد على حبيبته وزوجته المُمثلة المسرحية الموهوبة والشهيرة فيلتشيا (كاري موليجان)، وزواجهما الذي استمر لربع قرن، رغم الصعوبات والعقبات، وأيضًا الكوارث التي وقعت بينهما، وذلك حتى وفاة فيلتشيا. الفيلم مليء بالموسيقى، وأيضًا بعض الاستعراضات، والبهجة والرومانسية والنجاح والخلافات، وذلك في خليط حيوي مُدهش جدًا بفضل براعة أداء برادلي كوبر في دور ليونارد برنستاين.

أما أبرز الأفلام المعروضة حتى الآن، وتصل لدرجة الامتياز، "أشياء فقيرة" لليوناني يورجوس لانتيموس، و"رجل الكلاب" للفرنسي لوك بيسون. نُعاين في الفيلم الأول الدكتور باكستر (وليام ديفو) غريب الأطوار أو المكافئ لفرانكشتاين، وقيامه بإحياء امرأة شابة من الموت تُدعى بيلا (إيما ستون) وإعادة الحياة لها، وإن بشكل غير طبيعي، وذلك عبر زراعته لمخ جنينها في مخها. ومن ثم، نتابع مع بيلا رحلة نضوجها كامرأة طفلة، وذلك في جو من الغرابة والفانتازيا والكوميديا والسوداوية، ومزج بين اللونين الأبيض والأسود. أما الفرنسي لوك بيسون فتدور أحداث فيلمه المؤثر والإنساني للغاية "رجل الكلاب" في أميركا. حيث تُؤدي قسوة أب بابنه المُراهق دوجلاس، (كايلب لاندري جون، في أداء تمثيلي هائل)، إلى إحاطة نفسه طيلة حياته بالكلاب، الذين أصبحوا بالنسبة إليه كل شيء في الحياة. وبدورها، منحته الكلاب، بمُختلف أنواعها وأحجامها، حُبها غير المشروط، وطاعتها العمياء لأوامره، ودفاعها عنه حتى إخراجه من محبسه بعد إلقاء القبض عليه.

أما فيلم "القصر" جديد المخرج البولندي المعروف رومان بولانسكي، المعروض خارج المُسابقة، فيُؤكد على أن المخرج لا يزال لديه الجديد ليقوله ويُقدمه. تدور أحداث الفيلم كلها داخل فندق بالاس أو القصر، وهو عبارة عن قلعة استثنائية الجمال، صُممت في بداية القرن العشرين، وتقع مباشرة وسط الجبال المغطاه بالثلوج في سويسرا. يستضيف الفندق كل عام ضيوفًا أثرياء ومُدللين من جميع أنحاء العالم للاحتفال بليلة رأس السنة. الأمر مُختلف هذا العام، إنها ليلة رأس السنة لعام 1999، ليست مُجرد نهاية قرن، بل ختام لألفية كاملة، وحدث لن يتكرر كل عام. هناك مُجموعة من النوادل والحمَّالين والطُهاة ومُوظفي الاستقبال رهن إشارة النزلاء، بل ويستميتون لتلبية احتياجاتهم الغريبة جدًا والشاذة، وذلك تحت إشراف مُدير الفندق المُتفاني. تجتمع القصص المُختلفة لتُنتج كوميديا سوداء عبثية جدًا واستفزازية للغاية. من هنا، تبرز الفجوات والتفاوتات، ليست المادية أو الطبقية أو اللغوية أو العرقية أو اللونية فحسب، بل السياسية أيضًا، وفي المقام الأول. إجمالًا، الفيلم كوميديا صارخة، فظة وساخرة وجريئة إلى حد بعيد، تدين الجميع تقريبًا، رغم إعلاء الجوانب الإنسانية، وتقديم الشخصيات كبشر، بعض الشيء.

من أبرز الأفلام المُنتظر عرضها خلال الأيام القادمة وحتى ختام المهرجان في 9 سبتمبر/أيلول الحالي، "ضربة حظ" للمُخضرم وودي آلن، المعروض خارج "المُسابقة الرئيسية". أما في المُسابقة، فبانتظار عرض "بريسيلا" لصوفيا كوبولا عن حياة بريسيلا زوجة المُطرب إلفيس بريسلي، و"خارج المُوسم" للفرنسي استيفان بريزيه، و"أنا القبطان" للإيطالي ماتيو جاروني، و"الشر غير موجود" للياباني رويسوكي ياغوتشي، و"الحدود الخضراء" للبولندية المُعروفة أجنيشكا هولاند، وأخيرًا، "ذاكرة" للمكسيكي ميشال فرانكو.

المُشاركة العربية

عادة ما تكون المُشاركة العربية قوية في مهرجان فينيسيا، خاصة في السنوات الأخيرة. إذ وصلت في إحدى الدورات إلى تسعة أفلام، في أقسام مُختلفة، وإلى حصد جوائز غير مسبوقة. المُشاركة العربية هذا العام لا تكاد تُذكر فعلًا، حتى على مُستوى الأفلام القصيرة. في قسم "آفاق"، المُوازي لقسم "المُسابقة الرئيسية"، يُشارك التونسي محمد بن عطية بفيلمه الروائي الثاني "خلف الجبال"، ويدور حول شخص يخرج من السجن بعد 4 سنوات، ويُقرر اصطحاب ابنه خلف الجبال ليُريه اكتشافات مدهشة.

وفي تظاهرة "أيام المُؤلفين" في نسختها العشرين، والتي تُقيمها "جمعية المُؤلفين السينمائيين والمُنتجين المُستقلين"، يُعرض في "المُسابقة الرئيسية" فيلم "وراء الكواليس" للمُمثلة والمُخرجة التونسية عفاف بن محمود، والمُخرج المغربي خليل بن كيران، أول أفلامهما الروائية الطويلة. وفي نفس التظاهرة، يُعرض في قسم "أحداث خاصة" التسجيلي "باي باي طبريا" للمُخرجة الشابة لينا سوالم، وهو عن جانب من سيرة حياة والدتها المُمثلة الفلسطينية المعروفة هيام عباس.

من ناحية أخرى، ثمة مُشاركة عربية قوية في لجان تحكيم المُسابقات الرئيسية في المهرجان، إذ يُشارك المُمثل الفلسطيني صالح بكري في عضوية لجنة تحكيم المُسابقة الرئيسية، وتُشارك في عضوية لجنة تحكيم مُسابقة "آفاق" المُخرجة التونسية كوثر بن هنية. وأخيرًا، يُشارك في لجنة تحكيم مُسابقة "أسد المُستقبل" (جائزة دينو دي لورانتيس لأفضل عمل أول) المُمثل والمُخرج المُغربي فوزي بن سعيدي.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

05.09.2023

 
 
 
 
 

ريوسوكي هاماغوتشي ينافس في «فينيسيا السينمائي» بفيلم يغوص داخل ريف اليابان

فينيسيا ـ «سينماتوغراف»

بعد فوزه بجائزة في كان السينمائي وأوسكار أفضل فيلم أجنبي عن «درايف ماي كار»، انغمس المخرج ريوسوكي هاماغوتشي داخل الريف الياباني لفيلمه الجديد المشارك ضمن منافسات المسابقة الرئيسية لمهرجان فينيسيا الـ 80.

تدور أحداث فيلم «إيفل داز نات إكزيست» في الريف الياباني، ويستكشف العمل الصراعات بين سكان الريف والمناطق الحضرية، في قصة غامضة لا تُكشف جميع ألغازها حتى النهاية.

وأخرج هاماغوتشي الفيلم مباشرة بعد «درايف ماي كار» الحائز جائزة الأوسكار العام الماضي، عندما طُلب منه تصوير لقطات في الريف لحضور عرض موسيقي، وقال المخرج على هامش فينيسيا السينمائي «لم أرغب حقاً في القيام بأي شيء لفترة بعد حفلة توزيع جوائز الأوسكار، لكنني شعرت أنني أستطيع القيام بذلك».

وأضاف «لقد عشتُ فقط في المناطق الحضرية»، و«باعتباري أحد سكان المدينة، أستطيع أن أتفهم ما يعنيه دخول سكان المدينة إلى هذه البيئات الطبيعية».

والفيلم الذي تبلغ مدته ساعة و46 دقيقة هو واحد من 23 فيلماً مرشحاً لجائزة الأسد الذهبي التي ستمنحها السبت لجنة تحكيم برئاسة المخرج الفرنسي الأمريكي داميان شازيل.

 

موقع "سينماتوغراف" في

05.09.2023

 
 
 
 
 

مهرجان البندقية فتح أبوابه للمخرج المنبوذ: وودي آلن أميركيٌ في باريس

هوفيك حبشيان

عرض المخرج الأميركي #وودي آلن، 87 عاماً، جديده "ضربة حظ" (خارح المسابقة) في #مهرجان البندقية السينمائي (30 آب - 9 أيلول)، كاشفاً عن مفاجأة فنية سارّة أدخلت الغبطة في قلوب محبي هذا السينمائي النيويوركي الكبير، المنبوذ منذ فترة، لمتاعب أخلاقية تعرض لها في بلاده، بناءً على اتهامات لا أساس لها من الصحّة. هذا أول فيلم يصوّره صاحب "آني هول" في العاصمة الفرنسية، وهو فيلم صغير، منمنم، يحمل الرقم الـ50 المميز في سجله. يمكن القول ان امتحانه الفرنسي كان ناجحاً على الأصعدة كافة، مع التذكير بأن جماهيرية آلن في #فرنسا تتجاوز تلك التي يحظى بها في بلاده حيث صنع مجده بأفلام بارزة ارتبطت بأمكنة وناس.

"ضربة حظ" لم يولد الا نتيجة استبعاده من بلاده بعد قضية التحرش التي طالته وبرأته المحكمة منها، لكن اطفاء الحرائق أصعب من اشعالها. الشعور بكاميرا يقف خلفها آلن وهي تجوب شوارع باريس ومحيطها من مساحات خضراء وغابات، جعلني أفكّر لماذا لم تحدث هذه الهجرة من قبل. واذا كانت ثمة فائدة من الحرب التي تُخاض ضد وودي آلن، فهذا الفيلم من افرازاتها. في أي حال، ما تعرض له الرجل سمح له بأن يصبح أخيراً "سينمائياً أوروبياً"، محقّقاً أحد أحلام طفولته، كما قال في البندقية.

اذاً، حطّ آلن في شوارع باريس، بإنتاج فرنسي ومكان فرنسي وقصّة فرنسية وممثّلين فرنسيين. يبدأ الفيلم كما لو كنّا عند إريك رومير لينتهي مع رياح شابرولية (نسبةً إلى كلود شابرول) تهبّ عليه، وبين اللحظتين هناك آلن الذي نعرفه، الساخر واللعوب، أكثر السينمائيين الأميركيين روحاً أوروبية وثقافةً أوروبية وتأثّراً أوروبياً، مع الاشارة إلى ان هذا الفيلم قريب بعض الشيء من "ماتش بوينت"، لتأرجه بين الجدية والدعابة.

الحكاية، باختصار، تدور في وسط بورجوازي، بطلتها واحدة من تلك الروايات التي تدور على الحبّ والمصادفات، العزيزة على قلب رومير. أما البطلة الحقيقية من لحم ودم، فهي الثلاثينية فاني (لو دو لاج) التي تعمل في مجال المزاد العلني. هذه السيدة ستجد نفسها، رغماً عنها، في مغامرة عاطفية خارج الاطار الزوجي مع كاتب (نيلز شنايدر) كان رفيقها أيام الدراسة وتلتقي فيه ذات صباح مصادفة في الشارع. زوجها جان (ملفيل بوبو) رجل ثري جداً، غامض، تلاحقه منذ سنوات اتهامات بتصفية شريكه السابق طمعاً بالمال، لكنها ظلت بلا نتيجة. رجل يغار جداً، شكّاك في طبعه، لا يطيق حدوث أي شيء خارج مجال سيطرته، يتعامل مع زوجته كمادة للتباهي الاجتماعي. فاني، في المقابل، تحبّ زوجها، لكنها تشعر معه بالملل والروتين، تكره أصدقاءه والتجمّعات معهم في بيتهم الريفي، الخ. تحتاج إلى شيء مختلف في حياتها، من دون ان ترغب في خسارة رفاهيتها. هي نسخة عن المرأة التي تريد المال والاستقرار من جهة، والمغامرة والحبّ من جهة أخرى. في الطرف المقابل، يقف كاتبنا المثقّف الذي يعيش حياة بوهيمية، واختار ان يكون كذلك بعد زواج فاشل! ماذا سيحصل بعد تعرفنا إلى الشخصيات، ومن أي باب سيدخل هؤلاء الثلاثة وأي منفذ سيخرجون منه؟ ترى ما الحادثة التي ستدفع بالحبكة إلى الأمام؟ كلّ ما يسعني قوله، من دون ان أحرق الأحداث، ان غزالا سيُقتل وتحرياً خاصاً سيغدو أكثر ثراءً، أما الحماة (أمّ فاني- تلعب دورها ببراعة فاليري لومرسييه) فستبصح مكروهةً أكثر من أي وقت مضى.

هذا كله كليشيهات طبعاً، لا جديد خارقاً، لكن آلن يلعب بها بحنكته المعهودة، بقدرته على الامساك بخصيتي المُشاهد طوال ساعة ونصف الساعة، ليؤكد مرة جديدة انه سيد التكثيف السينمائي والاختزال بلا منازع. لكن، يجب الاعتراف بأن على المُشاهد ان يحب سينما وودي آلن كي يتفاعل مع هذا الفيلم، فهو لا يزال وفياً لعالمه، لصيقاً بأشيائه، ملتزماً حكايا ناس نلتقيهم في الشارع ولا نعرف أي حياة يعيشونها وأي سر يخفونه وأي مشاعر يكبتونها. البعض سيأخذ عليه التكرار، أنا شخصياً أشبّه فيلمه الرقم الخمسين هذا، بطبقة إضافية شُيِّدت في أعلى ناطحة سحاب، شبيهة بالطبقات التي تحتها، لكنها مختلفة بما تحتويه من وجوه وأصوات وقصص.

بعد بولانسكي، 90 عاماً، هذا فيلم آخر يسخر من البورجوازية. من هنا السؤال: هل يصبح البصق على هذه الطبقة أسهل عندما يصبح الفنّان على مشارف التسعين أو يتخطاها، بعد الشعور بأنه ما عاد لديه ما يخسره؟ صحيح ان الفيلمين متباعدان، لكنهما يلتقيان في بعض النقاط. في لحظة، وبسبب ان الأحداث تدور في فرنسا، اعتقدتُ ان الفيلم سيأخذ منعطفاً شابرولياً، اذ سيتكاتف البورجوازيون في ما بينهم، ضد الأضعف فيهم، لكن آلن يخالف توقّعاتنا، فيجد حلولاً أخرى لحكايته الفودفيلية هذه.

صحيح ان الأوراق الخريفية المتساقطة في شوارع باريس، على خلفية موسيقى هربي هانكوك الجازية، تجيز مقارنة جمالية مع "منتصف الليل في باريس"، لكن الفيلم، في الواقع، بعيد عنه كثيراً. فيتوريو ستورارو، سيد الضوء المعاصر، الذي يصغر آلن بأربع سنوات، صاغ أجواء تختلف بين مكان وآخر، بين حجرة الكاتب المتواضع وشقة الزوجين الفاخرة، محولاً المواقف العادية إلى شيء يستحق المشاهدة، ومسجلاً موقفاً من الطبقية.

لا نبي في بلاده

لم يكن آلن يوماً "نبياً" في بلاده، لكن، منذ الاتهامات، ما عاد ينجز الأفلام في أميركا، ولم يعد شخصاً مرغوباً فيه. مشاركته في البندقية أثلجت صدور كثيرين من رافضي هذه الماكارثية و"ثقافة الالغاء"، ولكن في المقابل، هناك مَن واصل حربه على الرجل بناءً على "حقائق" مغلوطة مصدرها وسائط التواصل الاجتماعي. والأغرب، ان من بين هؤلاء صحافيين محترمين!

وكم غمرتنا السعادة عندما اكتشفنا ان الفيلم يستحق ان يُختار في مهرجان كبير كالبندقية، ولم يكن اختياره مجرد محاولة من ألبرتو باربيرا وفريقه لرد الاعتبار إلى أحد معلّمي الفن السابع في العالم. في المؤتمر الحاشد جداً الذي عقده، والذي امتد الطابور إلى قاعة الصحافة، قال آلن انه شعر وهو ينجز "ضربة حظ" بأنه "مخرج أوروبي حقيقي، على غرار تروفو وغودار وفيلليني" الذين لطالما شكّلوا مصدر إلهام له ولأبناء جيله خلال فترة "هوليوود الجديدة".

ويبدو ان آلن، الذي لا يتقن الفرنسية، لم يجد أي صعوبة في تصوير فيلم بالفرنسية، اذ أوضح ان الممثّلين كان في امكانهم التحدّث معه باللغة الإنكليزية، أما بالنسبة إلى تفاصيل أخرى كإلقاء الحوارات، فقال انه "فقط من خلال لغة الجسد وانفعالاتهم، يمكنني معرفة ما إذا كانوا يحسنون تمثيل دورهم أم لا". أخيراً، عن إمكان عودته إلى تصوير الأفلام في مدينته نيويورك، ردّ آلن بسخرية: "إذا خرج أناس من الظلّ وقالوا "سنموّل لك فيلمك" (…)، إذا كان هناك مَن هو مجنون إلى هذا الحد، فعندها، نعم، سأنجز فيلماً في نيويورك!”.

 

النهار اللبنانية في

06.09.2023

 
 
 
 
 

وودي الن يجرب الخيانة "ضربة حظ" فرنسية في البندقية

المرأة الجميلة توقع "القاتل المأجور" في فخ الإغراء أمام كاميرا الأميركي لينكلايتر

هوفيك حبشيان

بعد اتهامات بالتحرش الجنسي جعلت منه شخصاً منبوذاً وفناناً غير مرغوب فيه في "هوليوود"، رغم تبرئة المحكمة له، شارك المخرج الممثل الأميركي وودي آلن، ابن السابعة والثمانين، في مهرجان البندقية السينمائي حتى التاسع من سبتمبر (أيلول، حين فرشت له السجادة الحمراء الإثنين الماضي. المناسبة عرض جديده، "ضربة حظ" (يحمل الرقم 50 في سجله الطويل) المدرج في قسم خارج المسابقة. هذا أول فيلم فرنسي ينجزه المعلم النيويوركي اليهودي، وصوره في فرنسا باللغة الفرنسية بتمويل فرنسي وبممثلين فرنسيين، محققاً حلماً من أحلام الطفولة وهو أن يكون مخرجاً أوروبياً، على غرار الأسماء التي عشقها، مثل فيلليني وتروفو وغودار وبرغمان وغيرهم. وكان آلن صور أفلاما عدة خارج أميركا، تحمل أسماء مدن أوروبية عريقة، من مثل "منتصف الليل في باريس" و"فيكي كريستينا برشلونة" و"إلى روما مع حبي"، ولكن لم ينجز يوماً فيلماً يغير لغته الأم، مع الإشارة إلى أن شعبيته في أوروبا تتخطى تلك التي نالها طوال أكثر من 60 عاماً من السينما في أميركا، وخصوصاً في فرنسا حيث حققت أعماله إيرادات عالية، أما النقاد الفرنسيون فصنعوا جزءاً كبيراً من تاريخه المجيد. 

يبتعد آلن عن شوارع مانهاتن، ليموضع كاميراه في باريس وجوارها، من أجل واحدة من تلك القصص التي تتمحور على الحب ومصادفاته العجيبة. قصة تنطلق ذات صباح في الشارع، عندما تلتقي فاني (لو دو لاج) رفيق دراستها آلان (نيلز شنايدر) بعد سنوات لم يلتقيا خلالها. هو كان مغرماً بها، ولكن بصمت، وها إنها الفرصة السانحة للتعبير عن مشاعره لها، بعدما أصبح كاتباً يعيش حياة بوهيمية متنقلاً من مكان إلى مكان. فاني جميلة، سحرها لا يقاوم، ولكن هناك تفصيلاً صغيراً له أهميته في الموضوع، إنها سيدة متزوجة، وزوجها جان (ملفيل بوبو) يغار جداً، لا بل يظل يلح عليها طوال اليوم بالأسئلة، لمعرفة أين كانت وماذا تفعل... صحيح أن فاني تحب زوجها إلى حد ما، لكن، على ما يبدو، ملت هذه الحياة البورجوازية وسط ناس وأصدقاء لا يثيرون فيها أي شعور، وهي كامرأة تحتاح إلى شيء آخر في حياتها، وهذه المغامرة العاطفية ستضمن لها هروباً من الواقع. إلى أي درجة، مستعدة أن تتخلى عن زوجها الذي يؤمن لها كل مستلزمات الاستقرار، لتلحق نزوتها، هذا ما لن نعرفه لأن الأحداث المتسارعة والمفارقات تجعل هذه الفرضية مستبعدة. يمكن القول، من دون كشف المزيد، إن آلان سيختفي فجأة من دون أن يترك أي أثر خلفه. 

“ضربة حظ” كوميديا لا تختلف كثيراً عن عديد من كوميديات آلن الاجتماعية الساخرة، ولا تخرج عن خطه الدرامي وعاداته التأليفية التي تعطي الانطباع الخاطئ بأن ثمة استسهالاً، وكأن بعض الأحداث لا يمكن أن تحصل بهذه العشوائية. وإذا سألنا ما الجديد في جديد آلن، فالجواب يكون على الشكل الآتي: الحكايات وتفاصيلها، الممثلون ووجوههم، الأماكن وعمقها الاجتماعي. هذا هو جديد فيلم آلن، الذي أنجز كعادته نصاً مكثفاً، لا يتجاوز التسعين دقيقة، يختزل بيئات وناساً وأفكاراً أكثر من الذين يتركون الكاميرا تدور وتسجل ساعات طويلة بلا أي فائدة جمالية. وقد يكون أحد أسمى أهداف هذا الفيلم هو السخرية من سحر البورجوازية (بالإذن من لويس بونويل) وهجاء هذه الطبقة الفرنسية الميسورة التي صنعت ثراءها بطرق مشبوهة، على غرار بولانسكي في جديده "القصر". ويبدو أن هذا النقد اللاذع عاد مجدداً إلى الواجهة، هذه المرة على يد سينمائيين في خريف أعمارهم، راقبوا طويلاً حولهم ليصلوا إلى مثل هذه الاستنتاجات.  

أفلام منتظرة

على خلاف أفلام كثيرة أرجعتنا إلى الماضي في دورة هذا العام من "الموسترا"، يضعنا "ضربة حظ" على تماس بالواقع من خلال شخصيات لا تملك مواهب وقدرات استثنائية، كل ما يحدث لها أن مصائرها تتقاطع في لحظة خاطئة، ومن هنا عنوان الفيلم الساخر. من خلال الانتقال المتواصل بين الجدية والدعابة، يذكرنا الفيلم بـ"ماتش بوينت"، أحد أفضل أعمال آلن في العقدين الأخيرين. هناك أيضاً نقاش عابر حول الحب والزواج والخيانة، يحضر سريعاً في الفيلم، وإن بطريقة غير عميقة، لأن آلن مشغول بطهو المفاجأة الأخيرة التي أغرقت الصالة في الضحك خلال عرض الفيلم في البندقية، وكانت ضربة معلم لا ضربة حظ! تبقى الإشارة إلى الصورة التي شكلها سيد الضوء فيتوريو ستورارو التي تجعلنا نرغب في التسكع في شوارع باريس الخريفية، من دون أن تصادفنا شخصيات الفيلم في طريقنا. 

ثمة أفلام نخطط لمشاهدتها وننتظرها على أحر من الجمر، حتى قبل بداية المهرجان، والبعض الآخر تحملنا المصادفة إلى مشاهدته. بسبب عرضه في توقيت مناسب، الساعة الثامنة مساءً، دخلت لمشاهدة "قاتل مأجور" للأميركي ريتشارد لينكلايتر، جالساً في الصفوف الأمامية القريبة من الشاشة، لشدة اكتظاظ الصالة بالمشاهدين من كافة الأعمار، ذلك أن لينكلايتر سينمائي معروف يعد أحد رموز السينما المستقلة في أميركا، وله قاعدة معجبين حول العالم. يمكن القول إن المفاجأة كانت من العيار الثقيل: "قاتل مأجور" من أظرف كوميديات هذا العام، مبتكر في أسلوبه، غني في مضمونه. لو قرر الأخوان كووين وكوانتن تارانتينو إنجاز فيلم مشترك، لأصبح شبيهاً بـ"قاتل مأجور". هذا لا يعني ان لينكلايتر قلد أحداً، بل على عكس ذلك، إذ إن كل شيء هنا أصيل وبعيد من التكلف والافتعال.  

بعد بداية ثرثارة إلى حد ما، يضع فيها أسس الفيلم، تحدث تقليعة ممتازة ويصبح من الصعب أن نشيح النظر عن الشاشة لساعة ونصف الساعة يحملنا لينكلايتر خلالها إلى نيو أورليانز، حيث نتعرف إلى رجل (غلين باول) يساعد الشرطة كعمل إضافي، وتقتصر مهمته هذه على أن يعرض خدماته كقاتل مأجور لمن يرغب، من أجل أن يستدرج الناس الذين يحاولون قتل أحدهم وجرهم إلى المحكمة. ولكن، ذات يوم، يقع تحت سحر امرأة لاتينية ساخنة (أدريا أرخونا) تريد أن تتخلص من زوجها العنيف. بدلاً من تسليمها للشرطة كالعادة، يطلق سراحها، وهذا ما يشرع الباب أمام مجموعة مفارقات وملابسات يصورها لينكلايتر بخفة وروح مرحة ودعابة فذة. الشرطي هو أيضاً محاضر في علم النفس، ومن الطريف متابعة الانصهار بين شغفه الأكاديمي ومهمته البوليسية.    

الممثل غلين باول الذي شارك أيضاً في كتابة السيناريو المقتبس من مقالة صحافية، شخصية ساحرة، تحمل في داخلها الطبقات الضرورية لبناء أي شخصية مثيرة كهذه. أما النص فذكي ولماح، لا يكتفي بالحكاية، بل يطرح في تفاصيلها ما هو أبعد منها. نال الفيلم تصفيقاً حاراً من جمهور البندقية، خصوصاً مع ظهور اسم المخرج في الجنريك، وهو على الأرجح سيكون حديث عشاق الشاشة عند عرضه جماهيرياً. 

 

الـ The Independent  في

06.09.2023

 
 
 
 
 

محظوظ مَن لا يلتقي بـ«قاتل» ديفيد فينشر

رسالة البندقية/ شفيق طبارة

البندقية | ماذا يفعل القاتل المحترف أو القاتل المأجور في حياته؟ كيف يمضي يومه؟ وكيف يعيش؟ في «القاتل» الذي عُرض ضمن المسابقة الرسمية لـ«مهرجان البندقية» بدورته الحالية (يُعرض قريباً على نتفليكس)، يرينا المخرج الأميركي ديفيد فينشر الحياة اليومية لقاتل مأجور ومحترف (مايكل فاسبندر) لا نعرف اسمه الحقيقي. نتعرف إليه من المشهد الأول يقول لنا في التعليق الصوتي الذي سيبقى طوال الفيلم: «اعتبر نفسك محظوظاً إذا لم تتقاطع طرقنا أبداً». إنه تهديد صريح وواضح. «قاتل» ديفيد فينشر يرتدي قمصان هاواي وقبعة صياد، يأكل في «ماكدونالد»، يمارس اليوغا ويسمع أغنيات فرقة «ذا سميثز» طوال الوقت. يبذل كل ما في وسعه ليبقى غير مرئي، ويستخدم جهاز مراقبة دقّات القلب على معصمه، ليتأكد بأنّ معدلات قلبه دون مستوى معين. إنه كائن زاهد، والتحدي الحقيقي لعمله ـــ كما يقول ـــ هو الملل، لأنه قد تمرّ أيام من دون أن يحدث شيء في انتظار قتل هدفه.

جديد فينشر فيلم إثارة وتشويق مستوحى من كوميكس للفرنسي أليكسي نولان المعروف بـ«ماتز». القاتل الصارم والمعصوم عن الخطأ، يرتكب خطأه الأول أمامنا. خطأ سيكلّفه الكثير، وسيصبح هو الملاحق! والآن، أصبحت شهوته للانتقام ممن أرادوا قتله واعتدوا على شريكته، بلا رادع، فما عليه إلا قتل كل من يقف في وجه انتقامه من مرؤوسيه.

يبدأ الفيلم مباشرة من تترات البداية، التي تذكّرنا بتلك الخاصة بالسينما الأميركية الكلاسيكية، أو حتى المسلسلات التلفزيونية. تتدفّق الصور والتلميحات لتحكي تقريباً القصة. ورغم أن عنوان الفيلم يوحي بأننا سنعود إلى أجواء «سبعة» (1995) أو «زودياك» (2007)، إلا أن جديد فينشر يقدّم منظوراً مختلفاً لشخصية القاتل. عمل ثابت وأنيق، يتبع نفس نمط بطله، ويتغيّر بدقة عندما يحدث ما لا مفر منه. «القاتل» فيلم غامض، ولعلّ ما لم يُقل يبقى إحدى أعظم نقاط قوته. إنه فيلم يشبه العملية الجراحية، لا مجال فيه للخطأ، يفتقر إلى ذروة حقيقية، لأن كل شيء فيه يسير كما هو مخطّط له، مع ذلك، يبقى مفاجئاً وغير متوقّع.

رحلة انتقامية، وهو شعور إنساني للغاية، لقاتلنا الذي يقول لنا طوال الفيلم بأنّه يملك خطّة، لكنها في الواقع غير موجودة. طوال الفيلم، نشاهد كذبة متواصلة، تبدأ في المقدّمة التي يسردها القاتل وتمتد على كلّ أفعاله، وهذا ما يجعل عمل فينشر مميّزاً، أي إنّ ما يقال لنا وما نراه مختلفان تماماً. أفلام فينشر تغرقنا في حالة من فرط الحساسية حيث يفسر دماغنا كل إيماءة أو صوت على أنه دليل، وهذا ما يريدنا أن نشعر به في هذا العمل. وإذا انتبهنا إلى كل ما يمر أمامنا، وكل نظرة وكلمة وحتى الكلمات المردّدة كثيراً في التعليق الصوتي للقاتل، سنرى أن «القاتل» ليس مجرد قصة مثيرة عن قاتل بارد الدم يسعى إلى الانتقام، بل صورة عن عالم في حالة تدهور وانحدار، ورحلة داخلية إلى عوالم إنسان اختلق كذبة ليعاش فيها حتى أصبح محترفاً!
فيلم فينشر مدروس بعناية، مكتوب بدقة ومُقدَّم بأفضل طريقة ممكنة، يسجّل أيضاً عودة رائعة للممثل مايكل فاسبندر، الذي ترك عالم التمثيل منذ فترة، ليكرس وقته لسباق السيارات. لكن فينشر كان يطمع به بشدة، ولَمَا أخرج الفيلم من دونه كما قال. حسناً فعل! لا يمكن لأحد أن يقدّم ما قدّمه فاسبندر في الفيلم
.

 

الأخبار اللبنانية في

06.09.2023

 
 
 
 
 

مهرجان البندقية (4):بولانسكي ينتحر...وودي آلن يعود ليودّع السينما

محمد صبحي

في الجزء الرابع من رسالة مهرجان البندقية السينمائي في نسخته الـ80، قراءة لفيلمين من بين الأكثر ترقّباً في اختيارات هذا العام، رغم عرضهما خارج المسابقة، وكلاهما لمخرجين أثارا الجدل وطاردتهما الفضائح في السنوات الأخيرة. "القصر" لرومان بولانسكي، الذي تدور أحداثه في فندقٍ سويسري فاخر عشية الاحتفال بدخول الألفية الجديدة؛ و"ضربة حظّ" لوودي آلن، وهو فيلمه الخمسين وربما الأخير. ورغم أنباء عن أن آلن (المُلاحق باتهامات بشأن اعتداءات جنسية على ابنته بالتبنّي) لن يأتي إلى ليدو البندقية لمرافقة العرض العالمي الأول لفيلمه الجديد "ضربة حظّ"، الذي أقيم الإثنين الماضي، إلا أن المخرج البالغ من العمر 87 عاماً وصل وحضر العرض مرتدياً زيه المعتاد، قبعة صغيرة ونظارات سميكة.

في العام 2019، انطبع مهرجان البندقية السينمائي بجدلٍ واضح ودالّ. حينها، اختار مدير المهرجان ألبرتو باربيرا، الفيلم الأخير لرومان بولانسكي "إنّي أتّهم" كجزء من المنافسة على جائزة الأسد الذهبي. وكانت رئيسة لجنة التحكيم في تلك الدورة هي الأرجنتينية لوكريثيا مارتل، التي قالت في المؤتمر الصحافي التقليدي في بداية المهرجان إنها لن تحيّي الرجل ولا فيلمه، بل إنها فكرت في الاستقالة من منصبها بسبب مشاركة بولانسكي، المذنب بارتكاب جريمة اغتصاب في العام 1977 ولم يقض بسببها سوى جزء صغير من عقوبته قبل فراره من الولايات المتحدة واستقراره في فرنسا التي اتخذها ملجأ ووطناً.

وما زاد الأمور تعقيداً أن بولانسكي ــ الذي لا يستطيع أن يطأ إيطاليا لأن لديها معاهدة لتسليم المجرمين الهاربين مع الولايات المتحدة ــ أرسل إلى المهرجان فيلماً أكثر من جيّد، رأى فيه البعض مرافعة فنّية للدفاع عن نفسه. وبالتالي، دارت المداولات داخل لجنة التحكيم حول قرارٍ صعب يتعلّق بمنح جائزة لشخص اغتصب قاصراً منذ عقود. الجدل الأبدي حول ضرورة الفصل بين الفنّان وعمله، والذي عارضته مارتل بشكل واضح، تجسّد في شكل أسد ذهبي محتمل. وفي النهاية، ذهب "الأسد الذهبي" إلى فيلم "جوكر"، الذي دخل التاريخ كأول فيلم بطل خارق يفوز بأعلى وسام في مهرجان سينمائي كبير. وهكذا، استقر الأمر بفيلم بولانسكي متوّجاً بالجائزة الكبرى (ثاني جوائز المهرجان) بالإضافة إلى جائزة النقاد الدوليين.

ورغم ذلك، يواصل مدير المهرجان ألبرتو باربيرا الوقوف إلى جانب بولانسكي كفنان. في الحقيقة، يحبّ باربيرا إثارة الجدل، وإذا كان هناك مَن اعتقد أنه بعد ذلك العام سيتوقف عن جلب أفلام بولانسكي إلى ساحل الليدو، فقد ثبت أنه مخطئ. عند الإعلان عن أفلام هذه الدورة الثمانين كان "القصر"، الفيلم الجديد للمخرج البولندي، حاضراً ضمن لوائح العناوين المرتقبة. وبطبيعة الحال، بُرمج خارج المسابقة الرسمية.

تباينت التكهنات حول القرار، بشأن ما إذا كان السبب يتعلّق بحماية لجنة التحكيم وإعفائها من القرار الصعب بشأن ما يجب فعله عند المداولة، أم لأن الفيلم لم يكن جيداً بما يكفي للمنافسة على جائزة الأسد الذهبي. الآن، بعد مشاهدة الفيلم، اتضح أنّ الاحتمال الأخير هو الأقرب إلى الحقيقة.

مع "القصر"، يعود بولانسكي إلى الكوميديا، التي قدّم فيها أعمالاً مبكرة مسلّية مثل "قتلة مصّاصي الدماء الشجعان" (1967). والفيلم، الذي شارك في كتابته مع صديقه جيرزي سكوليموفسكي وإيفا بياسكوفسكا، يأتي هجاءً حاداً ضد فئة الـ1% تقع أحداثه ليلة رأس السنة الجديدة لعام 2000، لكنه يأتي بطريقة مبسَّطة وسهلة وأحياناً قديمة وبالية. يبدأ الفيلم بشكل واعد، بلقطة متسلسلة لمدير الفندق وهو يوجّه موظفيه حول كيفية إرضاء الضيوف، وهو مشهد مشابه جداً للمشهد الذي شوهد قبل عامٍ في "مثلث حزن" للسويدي روبن أوستلوند، الفائز بسعفة "كانّ" الذهبية العام الماضي.

الحضور الوثيق للفيلم السويدي يلحق الضرر بعمل بولانسكي. ما كان في فيلم أوستلوند أنياباً ودماء فاسدة يستحيل هنا حيلاً ومزحات مؤذية ومنفرة. حتى في جماليات البراز والقيء (المألوفة في هجائيات الأثرياء)، لا بدّ للفنّان من ابتكار اقتراحات ترفد خطابه الساخر، وقد أثبت أوستلوند ذلك من خلال مشهد طويل للغاية (أحد أفضل مشاهد فيلمه في الحقيقة) حيث قام حرفياً بتحميم الاثرياء المجتمعين على اليخت بقيئهم. هناك قيء وبراز في فيلم بولانسكي أيضاً، لكنه ليس مضحكاً بالمرّة.

لكن هناك ضحكات في مواضع أخرى من "القصر"، لأن الفيلم، في حقيقة الأمر، يملك مادة خام هائلة لسبك هجائية عظيمة. هؤلاء النساء المريضات الباحثات عن جمال أبدي ويطاردن جرَّاحهن في الفندق الفاخر. المليونير العجوز مع زوجته الشابّة. بل إن هناك بعض الأفكار الجيّدة للغاية، مثل هؤلاء الأوليغارشيين الروس الذين شاهدوا على شاشة التلفزيون استقالة يلتسين واستيلاء بوتين على السلطة. هناك، يكتسب الفيلم مظهره الأكثر سياسية وذكاءً. منذ أكثر من 20 عاماً ونحن نضحك على الأثرياء الروس، والآن نأسف على العواقب. هناك عدد قليل من الممثلين في هذا الفيلم يعرفون كيف يضحكوننا على الأثرياء الهمجيين، مثل جون كليز، الذي يستطيع أن يثير الضحك بلفتة واحدة في أحد أكثر المشاهد المضحكة في الفيلم.

لكن، في الأخير، ما يتبقّى هو شعور بأن بولانسكي لم يدرك أن العالم تغيّر، وأن ما كان مضحكاً قبل 30 عاماً صار مجرد صدى فارغ. لم تعد مضحكة تلك النكتة حول خدمة جنسية فموية مقابل قلادة من الماس؛ لم يعد غائط الكلب كريه الرائحة يصيب هدفه المفترض؛ ولم يعد المزاح حول ممارسة العارضات الروسيات للجنس مع السادة الأثرياء الأكبر سناً أمراً له مغزاه الكبير. أو، على الأقل، لا تثمر مثل هذه المحاولات التهكمية عندما يذهب كل شيء آخر في الفيلم إلى لامكان. ربما لهذا السبب تدور أحداث الفيلم في نهاية العام 1999، وهو عالم وزمن ربما يكون فيه "القصر" أكثر تسلية.

قبل أيام، نشرت مجلة "هوليوود ريبورتر" المتخصصة مقالاً تساءلت فيه عن كيفية تعامل الصحافيين مع علاقة البندقية-بولانسكي. تجاهلها؟ إثارة الجدل؟ والحقيقة أن الجواب غير ضروري تقريباً مع "القصر"، لأن الفيلم يثبت أن هناك سبباً خفياً وراء دعوات باربيرا المتكررة لـ"صديقه الفنان". فالسؤال الحقيقي الواجب طرحه يجب أن يكون التالي: ما الذي تفعله مثل هذه الكوميديا التهريجية في مهرجانٍ جادٍ كهذا؟. هذا فيلم بمثابة انتحار سينمائي، يكتب خاتمة سيئة لفنّان كان كبيراً في ما مضى.

"ضربة حظّ".. عودة وداعية؟

استقبال مختلف واقتراح مغاير حضرا مع فيلم وودي آلن الجديد "ضربة حظّ". آخر أفلام آلن لم تكن في المستوى. "يوم ممطر في نيويورك" (2019)، مع تيموثي شالاميه وسيلينا غوميز، لم يكن سيئاً للغاية، لكن "مهرجان ريفكين" (2020)، الذي صوُّر في مهرجان سان سيباستيان السينمائي، كان كوميديا فاشلة وزلّة حقيقية من سينمائي قدّم سابقاً حفنة من الكلاسيكيات السينمائية المعتبرة.

هل يعدّ "ضربة حظّ" عودة إلى أفضل لحظاته كمخرج؟ في بعض الأحيان، نعم. إنه كوميديا غموض وتشويق تدين بالكثير لفيلمه Matchpoint (2005)، مع سكارليت جوهانسون وجوناثان ريس مايرز، حيث أن المواضيع هي نفسها: الحظّ والقدر والخطيئة والخيانة. في الفيلم الجديد، يقوم رجل بتتبع زوجته الجذّابة لاشتباهه في أن لها علاقة غرامية برجلٍ آخر. وإذا كان تقليد الذات هو الأسلوب، كما قال ألفريد هيتشكوك ذات يوم، فلا يمكن لأحد لوم آلن على معاودة خطواته السابقة.

ردود الأفعال والاستجابات بدأت في العرض الصحافي الأول للفيلم، حيث ضجّت القاعة بالتصفيق بمجرد ظهور اسم آلن على الشاشة في التترات الافتتاحية، وتعالت التصفيقات في الختام أيضاً.

فاني (لو دي لاج) هي بطلة هذا الفيلم الناطق بالفرنسية، والمصوَّر في العاصمة الفرنسية باريس وحولها (بسبب الادعاءات ضد المخرج، لم يستطع تمويل الفيلم أميركياً). في صباح أحد الأيام التقت بآلان (نيلز شنايدر)، وهو زميل سابق في المدرسة الثانوية. سرعان ما أخبرها آلان أنه أحبّها سراً في المدرسة. إنه في باريس لأنه يؤلّف كتاباً، ويرتّبان للقاء مرة أخرى.

فاني، التي تعمل في دار مزادات، متزوجة من جين (ميلفيل بوبو). من غير الواضح كيف أصبح مليونيراً، لكن فاني تعلم أن زوجها "يجعل الأغنياء أكثر ثراءً". هل سئمت فاني من زوجها؟ هل تريد حياة أخرى؟ لماذا توافق على الذهاب لتناول الغداء والحصول على وردة وممارسة الحب مع زميلها السابق في المدرسة؟ هل سئمت من غيرة جان، وترى فرصة جديدة مع آلان؟

"ضربة حظّ" ليس عملاً فنيًا ثوريًا، لكنه يشهد على قدرة آلن غير المنقوصة على سرد القصص اقتصادياً، ورسم أوساط وبيئات من مجرّد بضع لقطات وتوجيه ملائم لممثليه. إنه لغز كوميدي، وسيشمل جريمة قتل (لا يصحّ أن نكشف عن هوية المقتول)، ومن تلك اللحظة يبدأ الفيلم في التطوّر. يصبح أكثر ثراءً وعمقاً، ويثير دسائس ومؤامرات، ويضعنا إلى جانب إحدى الشخصيات المركزية في الفيلم. وفي النهاية، يحقق نوعاً من العدالة الشعرية، بفضل الصدفة التي يؤمن آلن بلعبها دوراً مهماً في حياتنا.

فيتوريو ستورارو، المصوّر السينمائي العظيم لفيلم "القيامة الآن" هو الاسم الوحيد - إلى جانب ليتي أرونسون، منتجة الفيلم والأخت الصغرى للمخرج - من بين متعاوني آلن المعتادين الذين يظهرون في الفيلم.

وكانت الاتهامات بالاعتداء الجنسي من قبل ابنته ديلان فارو (تمت تبرئته مرتين من الذنب) قد أبعدت أي منتج أميركي من تمويل مشاريع وودي آلن داخل أميركا. "ضربة حظّ" هو الفيلم الرقم 50 في مشواره الفني، ومن المحتمل أن يكون الأخير.

 

المدن الإلكترونية في

07.09.2023

 
 
 
 
 

مراجعة Origin | سرد مروع لمأساة تاريخية وشخصية

فينيسيا ـ خاص «سينماتوغراف»

بينما تودع الصحفية الأمريكية إيزابيل ويلكرسون فردًا آخر من أفراد العائلة، وتختتم سلسلة من الخسائر التي لا يمكن تصورها، تطلب من ابنة عمها ماريون أن تعتني بها، لأنها لن تكون مرئية بعد الآن، إلا أن وجودها سيظل محسوسًا لأن «هناك في الحياة وجوهاً تبقى أكثر مما يمكنك رؤيتها».

هذه الفكرة التي تمزق القلب هي بمثابة النواة العاطفية لـ« الأصل ـ Origin»، الذي عرض ضمن منافسات المسابقة الرسمية لمهرجان فينيسيا السينمائي الـ 80، وهو أول فيلم روائي طويل للكاتبة والمخرجة آفا دوفيرناي منذ خمس سنوات، بعد فيلمها «التجاعيد في الوقت المناسب ـ A Wrinkle in Time ».

تستكشف المخرجة التي تقف وراء مشاريع تاريخية بارزة مثل (سلما، وعندما يرونا، والثالث عشر)، تجارب الشتات الأمريكي الأفريقي بشغف، وفيلمها Origin الذي تم تصويره بشكل رائع، يبحث في هذا الموضوع بينما يتفرع أيضًا إلى تعقيدات أكثر اتساعًا ومجتمعات إضافية، مما ينقل الجمهور ذهابًا وإيابًا.

يستند أحدث أعمال آفا دوفيرناي إلى كتاب إيزابيل ويلكرسون الواقعي الضخم لعام 2020 «الطبقة: أصل سخطنا»، والذي تدور أحداثه وسط صيف حافل بالنشاط في مجال حقوق الإنسان ردًا على التمييز العنصري القاتل المستمر الذي يتصاعد في الماضي والحاضر داخل أمريكا.

وتعد الرواية بمثابة غوص عميق في الأنظمة الطبقية وتأثيراتها على المجتمعات الممتدة في ثلاث قارات مختلفة؛ الولايات المتحدة وألمانيا النازية والهند، ويمكن تعريف الطبقة بأنها مجتمعات وثقافات مقسمة إلى طبقات وراثية، حيث يرث الناس امتيازاتهم ومكانتهم.

وفي حين تختلف النتائج الناجمة عن العواقب الطبقية، فإن تقنيات التجريد من الإنسانية المصممة للسيطرة على العوامل القائمة على الدونية وإدامتها، مثل العرق والدين والطبقة الاجتماعية، متشابهة بشكل واضح.

يدمج فيلم الأصل تعليقًا إعلاميًا حول ركائز الأنظمة الطبقية، والتي حددتها المؤلفة لأول مرة، مع أمثلة محددة للأفراد المتأثرين في كل مجتمع من المجتمعات الثلاثة، ويتضمن ذلك وفاة المراهق الأمريكي ترايفون مارتن في عام 2012 بالإضافة إلى المآسي الشخصية التي واجهتها ويلكنسون أثناء عملية كتابة كتابها الثاني.

وسواء كان الفيلم يتعلق بكتابها أو بحياتها الشخصية، يحافظ على إيزابيل ويلكرسون باستمرار في طليعة السرد، وتقوم بهذا الدور أونجانوي إليس، التي حصلت على ترشيح لجائزة الأوسكار عن أدائها كوالدة سيرنا وفينوس ويليامز في فيلم «الملك ريتشارد».

في أحداث الفيلم، تقوم إيزابيل وزوجها بريت، الذي يلعب دوره جون بيرنثال، بنقل والدتها المتدهورة إلى دار للمسنين، وتضرب المأساة مرة أخرى عندما تحدث وفاة أخرى في العائلة فجأة بعد أشهر قليلة.

في البداية، أصيبت ويلكنسون بالشلل بسبب الحزن، لكنها وجدت في النهاية العزاء في العمل على كتابها التالي، الذي يأخذها في رحلة جسدية وعاطفية حيث تغامر بالخارج سعيًا لمعرفة المزيد عن الأنظمة الطبقية، وربما يكون أداء أونجانوي إليس في دور إيزابيل ويلكرسون أكثر هدوءًا مما كان يمكن أن يكون عليه في بعض الأحيان، لكنه يظل مؤثرًا على الرغم من ذلك.

يأخذ Origin وقته في تحليل كل مثال فردي للطبقة من أجل التعامل مع المشكلات المتعددة الطبقات بشكل واجب. وعلى الرغم من أن هذا قد يجعل الفيلم يبدو متضخمًا بعض الشيء، إلا أنه يضمن أن تكون القصة شاملة في جميع فصول الفيلم.

ومن ناحية أخرى، يوفر العمل الكثير من الوقت من خلال افتراض ذكاء جمهوره بدلاً من الشعور بالحاجة إلى المبالغة في شرح مفاهيم العنصرية التي يجب أن تكون واضحة تمامًا في هذا اليوم وهذا العصر.

تصوغ دوفيرناي ببراعة حوارًا مثيرًا للذكريات وسردًا صوتيًا فعالاً، والذي يأتي بينما تقرأ إيزابيل ويلكرسون كتابها الخاص. من المثير للدهشة أن السرد غير التقليدي للفيلم لقطعة السيرة الذاتية / التاريخية يعمل بشكل جيد وغني بالدلالة المجازية.

يصل الفيلم إلى ذروته العاطفية للغاية في آخر خمس عشرة دقيقة، مستذكرًا قصة من طفولة الفنان ألفريد إل برايت. بدعم من مقطوعة موسيقية حساسة وعاطفية من ملحن بريدجيرتون كريس باورز، نشهد يومًا احتفاليًا في البلياردو بعد بطولة دوري صغير، حيث أُجبر برايت، وهو في التاسعة من عمره فقط، على الجلوس على الجانب الآخر من سياج سلكي كما يصر رجال الإنقاذ. سيتعين عليهم تطهير حوض السباحة إذا لامس جلده الماء. مشهد هادئ يثبت أنه مؤلم للغاية، وهو مجرد أحدث شهادة على قدرات آفا دوفيرناي القوية في سرد القصص.

مما لا شك فيه أن فيلم "أصل" سوف يلهم بعض المشاهدين حول حقيقة العالم الذي نعيش فيه، حيث يأخذ الناس عِبراً من قصص الماضي، أو بعبارة أدق يقدم قصة تتحدى الزمن عن حقائق الحياة المؤسفة وطبيعتنا البشرية.

 

موقع "سينماتوغراف" في

07.09.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004