ملفات خاصة

 
 
 

فيلم السعفة الذهبية:

"تشريح سقوط".. عن الذنب والأسئلة الشائكة وفن إفساد اللحظة

أحمد شوقي

كان السينمائي الدولي

السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

جاء إعلان حصول فيلم "تشريح سقوط Anatomy of a Fall" للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه على السعفة الذهبية لمهرجان كان السينمائي السادس والسبعين بمثابة مفاجئة لأغلب المتابعين، فالفيلم على جودته الملحوظة لم يكن بين العناوين المترددة بين توقعات الجائزة، ومالت التقديرات للاكتفاء بحصول بطلته ساندرا هولر على جائزة أحسن ممثلة، لكن لجنة تحكيم السويدي روبن أوستلوند كان لها رأي آخر.

لكن ترييه لم تمنح الصحفيين والنقاد فرصة كافية للنقاش حول أحقيتها بالجائزة، عندما ألقت كلمة حماسية سياسية تحولت خلال دقائق موضوع جدل ضخم، و"ترند" شغل الرأي العام الفرنسي. المخرجة أعلنت تضامنها مع المظاهرات التي خرجت ضد قانون تعديل سن التقاعد، وتوسعت في انتقاد السياسات النيو ليبرالية للحكومة منددة بالوضع الحالي لنظام تمويل الأفلام في بلدها والذي تراه "يحطم نموذج الاستثناء الثقافي الفرنسي".

"أهدي الجائزة للمخرجات والمخرجين الشباب غير القادرين على صنع أفلامهم. يجب أن نمنحهم فرصة ليجدوا المكان الذي وجدته عندما بدأت قبل 15 سنة، في عالم كان أقل عدائية، يُمكنك فيه أن تُخطئ ثم تبدأ من جديد".

كلمة ترييه دفعت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملاك للتعليق، مبدية دهشتها مما قالته المخرجة، ومؤكدة أن فيلم ترييه "لم يكن ليرى النور لولا نموذج تمويل الأفلام الفرنسي الفريد من نوعه في العالم. علينا ألا ننسى ذلك".

فاعلية برنامج التمويل أمر يخص الفرنسيين بالأساس، مثله مثل قانون التقاعد، لكن ما يمكننا قوله إن الخاسر الأكبر من مثل هذه الوقائع هو دائمًا الفيلم، فالكل ينشغل بالحديث عما دار وقيل، ليُنسى العمل الفني نفسه في خضم هذا الجدل. ولدينا في مصر حالة شهيرة للفنان فتحي عبد الوهاب الذي تحمس عندما فاز بجائزة أحسن ممثل في مهرجان القاهرة، ليُلقى تعليقًا كرويًا سياسيًا حوّل أهم لحظة انتصار في مسيرته إلى "ميم" يتداوله الناس دون أن يعرفوا سياقه.

محاكمة من نوع خاص

المثير أن "تشريح سقوط" ليس فيلمًا فنيًا منعزلًا عن الثقافة العامة المعاصرة، بل إنه على العكس ينخرط كليًا في عدد من الموضوعات القابلة للنقاش المجتمعي خارج حيز الشاشة ومحترفي السينما ونقادها، عبر دراما محاكمة courtroom drama غير معتادة، تتعامل فيها المخرجة مع النوع الشهير متعمدةً ألا تسقط في فخ صياغاته المحفوظة، ومحاولةً (مع شريكها في الكتابة والحياة المخرج أرتور هراري) توظيف المحاكمة في طرح طيف من الأفكار المربكة اجتماعيًا وأخلاقيًا.

يبدأ الفيلم بمحاولة لعمل مقابلة صحفية مع البطلة التي نعرف أنها كاتبة شهيرة، في منزل أنيق منعزل في جبال الألب. يستحيل استكمال المقابلة عندما يتعمد زوجها سماع موسيقى صاخبة بلا توقف مما يضطرها لتأجيل اللقاء بهدوء، قبل دقائق قليلة من العثور على جثة الزوج وقد سقط من شرفة المنزل مصابًا في رأسه إصابة قاتلة. هل سقط بالخطأ، أم انتحر، أم دفعه أحدهم؟ وهل تسبب اصطدامه خلال السقوط بإصابة الرأس أم أن القاتل هو من ضربه ثم دفعه من الشرفة؟

تبدو الأسئلة السابقة ملائمة تمامًا لفيلم تحقيق في جريمة على طريقة "من فعلها Whodunnit" الشهيرة، لكن جوستين ترييه لا تنجرف لهذا الإغراء، وبدلًا من اكتشاف الأدلة التي تحاول حل لغز الوفاة، يسير الفيلم في نهج آخر هو اكتشاف الحقائق حول البطلة وزوجها وتاريخ علاقتهما معًا، وبالطبع حول ابنهما الوحيد، الطفل المصاب بإعاقة بصرية والذي يعد الشاهد الوحيد على ما جرى.

الإعاقة سببها حادث وقع خلال رعاية الأب للابن، وهو ما خلق شرخًا بين الزوجين بسبب لومها له على ما جرى، يُضاف لشعوره بالغبن نتيجة نجاحها وتحققها الأدبي بينما يعجز هو عن إنهاء كتابه الأول، وتعقيدات إضافية تتعلق بحياتهما في قرية فرنسية بناء على طلبه (وهي ألمانية الجنسية)، واضطراره لتجهيز المنزل الجبلي كي يتم تأجير حجراته لنزلاء بغرض تدبير نفقات الأسرة، ناهيك عن علاقة جنسية ربطت الزوجة بامرأة أخرى كانت أحد الأسباب الرئيسية في زيادة قناعة الادعاء بكونها القاتلة.

المساحات الرمادية

توضح المعلومات السابقة زخم المادة الخام المُشكّلة لمحاكمة ساندرا، سواء كقضية تحمل الكثير من التفاصيل فتتيح مساحة مثالية للمرافعات والمواجهات، أو كموضوع يشغل الرأي العام ويتأثر به (يقول أحد المعلقين على القضية في ستوديو تلفزيوني: مهما كانت الحقيقة فإن قتل كاتبة لزوجها أمر مشوّق أكثر بكثير من انتحار رجل مُحبَط)، أو كمساحة درامية تتيح المكاشفة والاطلاع على مناطق حساسة من حياة البشر ونُظُمهم القيمية.

"تشريح سقوط" من هذه الزاوية عمل روائي بامتياز، يمتلك ما في الأدب الكلاسيكي من تعقيدات، فلا مجال إطلاقًا للأبيض والأسود، ولا للقطع ببراءة ساندرا أو إدانتها. جوستين ترييه تختار أن تجعل بطلتها بعيدة عن مُسببات التعاطف، امرأة جادة عقلانية لا يمنعها المأزق الضخم من أن تحاول تأمله من بعيد وإن انغمست في قلبه، وهو ما يجعلها هدفًا مثاليًا للهجوم والتشويه؛ ويضعنا كمشاهدين في مكان غير معتاد من دراما المحاكمات، تتناقص فيه قيمة الوصول للحقيقة وإقناع القضاة ببراءة البطلة، في مقابل التفكير في الأفكار المحيطة بحياتها وأسرتها.

ما مدى مسؤوليتنا عما تتعرض له حياتنا من تقلبات؟ كيف يمكن التعامل مع حادث يتسبب في خرق لا يُرتق؟ كيف يمكن أن يتحول الحب إلى غيرة مسممة إذا ما نجح أحد طرفي علاقة ولم يحقق الآخر النجاح نفسه؟ ما مدى أخلاقية استعانة الكاتب بحكايات من حوله في أدبه؟ هل ارتكاب خيانة يصم الشخص إلى الأبد؟ وغيرها من الأسئلة الشائكة التي تُناقش هنا بانفتاح، مستفيدة من طبيعة النوع الفيلمي الذي يسمح بطرح مثل هذه الأفكار فلا تبدو مقحمة أو خارج السياق.

الخاسر الأكبر

تقدم الممثلة الألمانية ساندرا هولر واحدًا من أفضل الأداءات التي شاهدناها خلال الأعوام الأخيرة، ولعل هولر هي الخاسرة الأكبر في مهرجان كان هذا العام، فبالرغم من تتويج الفيلمين اللذين لعبت بطولتهما بأكبر جائزتين في المهرجان، بحصول "منطقة اهتمام Zone of Interest" لجوناثان جليزر على الجائزة الكبرى بالإضافة لسعفة "تشريح سقوط" الذهبية، فإن هذا التتويج منعها طبقًا للائحة المهرجان من الحصول على جائزة أحسن ممثلة التي كانت تستحقها مرتين وليس مرة واحدة.

هولر تتنقل بين اللغات الفرنسية والإنجليزية وقليل من الألمانية، تُعبر باقتصادٍ ملفت عن تضارب المشاعر المسيطر على البطلة، وهي امرأة بالغة الذكاء تعلم أن كثيرًا مما يقال ليس في صالحها، تتحرك مشاعرها خاصةً فيما يتعلق بحضور ابنها في المحكمة وإدلاءه بشهادةٍ قد تكون سببًا في براءتها أو إدانتها، لكنها تفعل ذلك دون ذرة مبالغة أو شاعرية مفرطة، بفهمٍ مدهشٍ لتعقيد الشخصية يمكن اعتباره مع السيناريو العمادين اللذين قام عليهما تميز الفيلم الذي قاده للتتويج.

قد لا يكون "تشريح سقوط" الاختيار الأفضل للسعفة الذهبية في ظل حضور أفلام أكثر حداثة وسينمائية في المسابقة، لكنه بالتأكيد عمل فارق ومشبع دراميًا وفكريًا، حكاية متدفقة يصعب الفكاك من شباكها، تطرح في الأذهان قائمة من الأفكار والفرضيات الشائكة التي تبقى داخلك طويلًا بعد مشاهدة الفيلم. أفكار ربما كان من الأفضل أن تكتفي جوستين ترييه بها بدلًا من أن تشوشها بتصريحات وجهت انتباه المتابعين في الاتجاه الخطأ.

 

موقع "في الفن" في

30.05.2023

 
 
 
 
 

"تشريح سقوط" لتريَّية: جماليات سينمائية عدّة

كان (فرنسا) محمد هاشم عبد السلام

منحت لجنة تحكيم المسابقة الرئيسية، في الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ" السينمائي، برئاسة السويدي روبن أوستلوند، "السعفة الذهبية" لـ"تشريح سقوط"، للفرنسية جوستين تريَّيَة (1978)، المشاركة في المسابقة/المهرجان نفسه للمرة الثانية، بعد "سيبيل" في الدورة الـ72 (14 ـ 25 مايو/أيار 2019). بفوزها هذا، تكون تريَّية المخرجة الثالثة التي تحصل على "السعفة"، بعد النيوزيلندية جاين كامبيون عن "البيانو" (1993)، والفرنسية جوليا دكورنو عن "تيتان" (2021).

فوزٌ كهذا، المُعتَبر جريئاً من أوستلوند ولجنته، سيطرح السؤال المعتاد: أكان "تشريح سقوط" الأجدر والأحق بـ"السعفة"؟ طرح السؤال من جهة أولى، وتَنَاول الفيلم بمعزل عن الجوائز الأخرى من جهة ثانية، ربما يظلمانه كثيراً. فالمنح يأتي أساساً وفقاً لرؤية لجنة التحكيم، مع مراعاة توزيع الجوائز الأخرى، وتحقيق أكبر توازن ممكن. خاصة مع الأخذ بالاعتبار مشاركة مخرجات في ثلث أفلام المسابقة، وخروجهنّ بلا جوائز رئيسية. فهل راعت اللجنة هذا الأمر؟ سؤال لن تُعرف الإجابة عنه أبداً.

بعيداً عن تخمينات وتساؤلات، هل يستحق "تشريح سقوط"، سينمائياً وفنياً، الجائزة الأرفع في مهرجان "كانّ"؟ مقارنةً مع أفلام المسابقة، يسهل نقدياً الإجابة، حتى مقارنة مع الأفلام الأخرى للمخرجات المتنافسات في المسابقة. إذْ لم تبرز من بينهن أي مخرجة قدّمت جديداً أو لافتاً للانتباه، باستثناء الإيطالية أليتشي رورفتشر في أحدث أفلامها وأقواها، "الوهم"، إحدى المُشَارَكات المهمة جداً في المسابقة، إجمالاً، رغم أنّه ليس سهلاً التفاعل معه أو تلقّيه جماهيرياً، مُقارنة بـ"تشريح سقوط"، الذي سيعجب كافة الأعمار والأذواق والمستويات.

أما على مستوى أفلام المسابقة عامة، ومقارنة بغيره، جماليات فنية واشتغالات سينمائية وابتكارات وطروحات عميقة ومعالجات، فـ"الأيام الرائعة" للألماني فيم فيندرز، و"شجرة البلوط القديمة" للبريطاني كِن لوتش، و"أوراق الشجر المتساقطة" للفنلندي آكي كوريسماكي، و"منطقة الاهتمام" للبريطاني جوناثان غلايزر، و"عن الأعشاب الجافة" للتركي نوري بيلجي جيلان، أقوى وأكثر تألقاً وجدارة وأحقية بالجائزة. لكنّ فوز أحد هذه الأفلام كان سيذهب بالجوائز إلى مخرجين ذكور، باستثناء جائزة أفضل ممثلة، طبعاً.

هذا النقاش النقدي السريع لا يعني أنّ "تشريح سقوط" ليس في غير محله من الجائزة، أو أنّه سيئ سينمائياً، أو ليس فنياً. العكس تماماً. فالفيلم مصنوع بحِرَفية لافتة للانتباه، في مستوياته كلّها، لا سيما السيناريو (تريَّيَة وأرتور أراري) والتمثيل والإخراج. كما أنّه يتّسم بقدر كبير جداً من التشويق والإثارة والغموض، ومخاطبة الأذواق كلّها، ما يعني أنه سيحظى بإشادة وإقبال واسعين، عند عرضه الجماهيري. أيضاً، يصعب حصره في نوع أفلام الجريمة والتحري والتحقيقات، أو تشبيهه بالمسلسلات الرائجة والمشهورة في هذا النوع، المرتبط بالجرائم وتحليلها.

ساندرا فويتر (الألمانية ساندرا هولر) كاتبة ألمانية، تعيش مع زوجها الأديب صمويل ماليسكي (الفرنسي صمويل ثيس) وابنهما دانيل (ميلو ماتشادو غْرانر) ضعيف البصر (11 عاماً)، في شاليه جبلي في جبال "الألب" الفرنسية. ذات نهار، تحوم شكوك حولها، بعد "اتّهامها" بقتل زوجها، إثر سقوطه من النافذة العلوية للشاليه. هل قتلته ساندرا فعلاً؟ كيف؟ لماذا؟ الأسئلة مُحيّرة، تحاول الأحداث المُشوّقة الإجابة عنها، بين تحقيقات دقيقة وتفصيلية، وإعادة تمثيل الجريمة، ومحاكمات ساخنة مطوّلة، تنبش حياة ساندرا وماضيها وأسرارها، ومثليّتها الجنسية، وعلاقتها المُعقّدة والملتبسة بزوجها الراحل، ومعاناته الأخيرة بسبب صعوبات الكتابة، وغيرته الشديدة منها ومن نجاحها الأدبي، وبسبب سؤال عن المسؤول عن الحادث الذي تعرّض له ابنهما، وأفقده نصف بصره.

يُكشف عن طبيعة هذه التعقيدات المتشابكة، تدريجياً، في محاكمة طويلة، تُحسم بشهادة الابن، بعد اكتشاف تسجيل صوتي لجدال محتدم يُسبِّب شجاراً بين ساندرا وزوجها، قبل أيام على وفاته، سجّله الراحل من دون علمها. رغم هذا، هناك صعوبة في حسم الموضوع، بسبب حقائق متعدّدة الطبقات، ودقيقة جداً، لا تساعد على اكتشاف لغز السقوط، أو أنّ هناك جريمة أم لا. هذا كلّه من دون الانزلاق إلى نوع الأفلام البوليسية أو الجريمة أو التحري، بكل ما تحمله من خفة وتكرار وتشابه في الوقائع والملابسات والأحداث.

حتى انتهاء المحاكمة، تجد ساندرا صعوبة بالغة في الحفاظ على حياتها وفنها وحبها لابنها، بعيداً عما جرى، رغم شخصيتها الجريئة وصلابتها وتوازنها النفسي، ورغم كونها عقلانية إلى أقصى درجة. تركيبة نسائية صعبة جداً، أدّتها ساندرا هولر بإقناعٍ وصدق وتمكّن، تستحق بفضلها جائزة أفضل ممثلة، أو عن دورها، الرائع أيضاً، في "منطقة الاهتمام" لغلايزر. لكنّ قواعد منح "السعفة الذهبية" حالت دون منحها الجائزة، التي نالتها التركية مارفي ديزداش عن دور نوراي، في رائعة جيلان، "عن الأعشاب الجافة".

لا يتوقف "تشريح سقوط" عند تناوله، اجتماعياً ونفسياً وإنسانياً مُكثّفاً وقوياً وصادقاً، ديناميكيات الأزواج والحياة الزوجية وتعقيداتها العميقة المربكة؛ إذْ يغوص أكثر في حياة الزوجين، طارحاً أسئلة عدّة عن علاقة الرجل بالمرأة، وما يعنيه مفهوم الأسرة.

إذا كانت فكرته الأصلية وعنوانه محاولة للتوصّل إلى كيفية السقوط، وتشريح ما إذا كان السقوط جريمة أم لا، يناقش فيلم تريَّية، بعمق أقوى وفي مستويات عدّة، السقوط العاطفي والجسدي والنفسي بين الزوجين، أساساً. أحد أهم الأمور وأدقّها، فنياً أيضاً، وما يتصل بعلاقة الزوجين، حقيقة أنهما لا يتحدّثان اللغة نفسها، فهما يتواصلان بلغة ثالثة، الإنكليزية، في محاولة لخلق أرضية يلتقيان عليها. هذا يُفسر أسباب عدم تحدّث ساندرا اللغة الفرنسية طوال الوقت. كما يطرح ما يعنيه أنْ تكون أجنبياً قيد المحاكمة في فرنسا، أي في بلد ليس بلدك، وبلغة غير لغتك الأم. حقيقة أنّ ساندرا ألمانية تتحدّث الإنكليزية، وتحاول التحدّث بفرنسية لا تجيدها، تخلق تضارباً وغموضاً مرتبطين بطريقة تعبيرها عن نفسها ومشاعرها، ما يؤدّي إلى مزيد من الارتباك والحيرة بخصوص شخصيتها وهويتها، وصدقها أساساً.

 

####

 

وثائقيّ يُكرّم مايكل دوغلاس: ماذا يعني أنْ تكون ابن نجمٍ سينمائي؟

نديم جرجوره

"مايكل دوغلاس: الابن الضال" (2023، 52 دقيقة)، لأمين ميسْتاري، وثائقيٌ منبثقٌ من سؤال/معضلة: ماذا يعني أنْ يكون المرء ابن/ابنة "نجم" سينمائي.

العنوان دالٌّ وواضح. إنتاج الوثائقي الجديد هذا ("آرتي فرنسا" و"فولامور للإنتاج") متزامن وتكريم دوغلاس (25 سبتمبر/أيلول 1944)، ابن كيرك دوغلاس (1916 ـ 2020)، في افتتاح الدورة الـ76 (16 ـ 27 مايو/أيار 2023) لمهرجان "كانّ" السينمائي. اختيار السؤال/المعضلة نواة درامية للوثائقي غير مانعٍ بحثاً، وإنْ يكن مُختزلاً، في سيرة حياتية ومهنية لـ"الابن الضال". رغم هذا، يتداخل الجانبان في سرد الحكاية، فالقصة نقول إنّ الابن غير قادر على التحرّر من "سطوة" الأب، رغم أنّ بعض كلام الابن إيجابيّ في وصف ارتباطه به، و"انتقاد" ذاك الارتباط/السطوة مبطّن وموارب، أحياناً.

هذا يستند إلى أرشيفٍ، وفي الأرشيف لقاءات مع الأب والابن غير جامعةٍ بينهما، ولقاء مباشر مع المُكرَّم (في الفيلم والمهرجان، فالفيلم، بحدّ ذاته، تكريمٌ بصري للمُحتفى به، لا انتقادياً وسجالياً): مقتطفات من أفلامٍ لهما؛ استعادة حضور مايكل صغيراً في بلاتوهات تصوير أفلام والده؛ تحليل الابن لعلاقته بالأب؛ كلامٌ عن بعض أبرز أفلام الابن ومدى تأثيرها في مساره المهنيّ، كما في المعنى الخفيّ في اشتغالاته، المتمثّل برغبة دفينةٍ (تظهر بشكلٍ موارب) في "خلاصٍ" ما من سطوة "نجومية" الأب، منها (أبرز الأفلام) "علاقات خطرة" لأدريان لين و"وول ستريت" لأوليفر ستون، المنجزان عام 1987.

أحدهم يقول له، ذات وقتٍ بعيد، إنّ "الكاميرا كاشفٌ حقيقيّ للأكاذيب". عند ذكره هذا، يُعلّق: "إذاً، سأعتبر أنّ الكاميرا تُشبه آلة "الأشعة أكس"، الموجودة عند أطباء الأسنان". يُضيف، بعد كلامٍ عن دوره في "علاقات خطرة"، أنّه سيُدرك أنّ تأدية دور (يعني أنّ الدور) "ينتمي إلى سجل الكذب. هذا كذب". قوله هذا منسحبٌ، بشكلٍ ما، على حياته وعلاقاته وعائلته. كأنّه به يُبرّر أو يُفسّر، وهذا التباسٌ يُتقن التعبير عنه من دون مباشرة وفذلكةٍ كلامية وتنظير. كأنّه به يريد اغتسالاً، فصراحته منفلشةٌ على اعترافٍ بتعاطيه المخدرات، وعلاقاته النسائية خارج زواجه، وارتباك غير مقصود في علاقته بأولاده، متذكّراً علاقة كيرك به وبعائلته، وبمدى الاهتمام، وعدم الاهتمام، أو قلّته.

هذا التداخل بين العناوين الفرعية لـ"الابن الضال" منسوجٌ بتوليفٍ (صوفي كْرُزو) يوازن بين الشخصي/الذاتي والعام، لمنح الشخصية المُكرَّمة وسيرتها حيّزاً لكشفٍ يروي، بسلاسة توثيقية، تفاصيل وعوالم وأنماط عيش وآليات قول واشتغال. لحظات حميمية تحضر، خاصة مع والده الذي يسأله، في عمر متقدّم (الأب)، إنْ يكن معه أباً جيداً. البوح هنا ملتبسٌ، فرَدّ مايكل غير صداميّ نهائياً، بل عاطفي وانفعالي وإيجابي، ربما لأنّ العمر يفرض أحياناً حالة كهذه، أو ربما لأنّ هناك صدقاً ما في نظرة مايكل إلى أبيه المُسنّ. في لحظة أخرى، يظهر مايكل عند تسلّمه "أوسكار" أفضل ممثل عن دوره في "وول ستريت"، قائلاً في حفلة استلام التمثال (11 إبريل/نيسان 1988) إنّ "منحي هذه الجائزة يعني خروجي من ظلّ أبي، وهذا مهمّ لي. بصدق، مهمّ جداً لي". يُضيف أنّه، بفضل الجائزة، حاصلٌ على اعترافٍ به من "أكاديمية فنون الصورة المتحركة وعلومها" (مانحة الجوائز) ومن أقرانه: "بالنسبة إليّ، هذا يعني... صعبٌ تفسير هذا". بعد ارتباكٍ قليل، يقول: "المهنة تُقرّر أنّي مستحقٌّ تنصيباً". يعترف أنّ الجائزة عظيمة بالنسبة إليه، فهو يراها مساعداً له على الاستقرار في هويته الخاصة به: "(بفضلها) أصبحت أنا، أخيراً، وليس فقط ابن كيرك".

مقتطفات الأفلام موزّعة على تلك التي يُمثّل فيها كيرك، والتي يُمثّل فيها هو. لكنّ "وول ستريت" يحتلّ مكانةً أبرز، إذْ يُقتَطَف منه مشهد يخطب فيه غوردن غِكو (مايكل دوغلاس) أمام جمهور، يُعتبر تشريحاً لأميركا، عبر مفردة "الجشع": شجع الحياة والمال والحب والمعرفة. يقول إنّ هذا الجشع نفسه لن يكتفي بإنقاذ "تٍلْدار بابر" (خطة عدائية لغِكو للاستيلاء على شركات وكسب أموال طائلة)، "لكنْ أيضاً هذه الشركة المريضة التي نسمّيها الولايات المتحدّة". كأنّ "هدف" أمين ميسْتاري، أو ربما الجهات الإنتاجية (أنطوان دو غُدُمار، مسؤول التحرير)، كامنٌ في إعلانٍ موقفٍ انتقاديّ لـ"أميركا".

إصابته بسرطان الحنجرة، يعترف به (علناً حين اكتشافه عام 2010، وفي "الابن الضال" أيضاً)، مُشيراً إلى أنّ سببه منبثق من "ممارسة الجنس الفموي". بوحٌ يعكس شفافية ومصداقية، ويسبق إدخال لقطةٍ من مؤتمر صحافي لفريق "خلف الأضواء" (2013) لستيفن سودربيرغ (إنتاج تلفزيوني لـHBO)، المختار في المسابقة الرسمية للدورة الـ66 (15 ـ 26 مايو/أيار 2013) لمهرجان "كانّ"، يتأثّر فيه مايكل، فالفيلم يمثّل "عودته" إلى السينما بعد الإصابة السرطانية.

"الابن الضال" وثائقي تلفزيوني مصنوع بحِرفية مهنية، من دون خروجٍ من التقنيات المعتمدة في هذا المجال، مع التزامٍ بصري واضح، يُراد له تكريم شخصية سينمائية تعاني سطوة أبٍ "نجم"، وترغب في تثبيت مكانة لها، وهذا حاصلٌ إلى حدّ بعيد.

 

العربي الجديد اللندنية في

31.05.2023

 
 
 
 
 

بعد فوزها في مهرجان كان الاخير..المخرجة السويسرية كارمن جاكير: أكتب ما يمدني بالحب والغضب

ترجمة: عدوية الهلالي

في مهرجان كان السينمائي ال76 الذي اقيم في فرنسا في الحادي والعشرين من شهر ايار لهذا العام، فازت المخرجة كارمن جاكير بجائزة المواهب الناشئة عن فيلمها (حركة النساء) الذي انتج ضمن برنامج أطلقته شركة Kering، ويدعم عمل المرأة في السينما.

ولدت كاتبة السيناريو والمخرجة السويسرية كارمن جاكير عام 1985، ودرست السينما وكتابة السيناريو في مدرسة الفنون في لوزان وفي جامعة الفنون والتصميم في جنيف. فاز فيلم تخرجها (قبر الفتيات) عام 2012، بجائزة (الفهد الفضي) في مهرجان لوكارنو السينمائي. وبعد أفلام وثائقية مختلفة، كان فيلم الرعد أول فيلم روائي طويل لها.

عندما كانت في سن المراهقة، كتبت كارمن جاكير صفحات كاملة من الشعر، وتخيلت "روايتها الأولى" وكتبت سيناريوهات تعيد فيها صياغة الأفلام التي شاهدتها مع والديها. كما كان للسينما مكانها ضمن اهتماماتها، وبعد ان جربت عدة مواهب، وجدت ضالتها في النهاية في الإخراج.

اهتمت بقضايا المرأة وبالأغلال التي تقيد النساء في فيلمها القصير الأول،، الذي صنعته مع ثلاثة أصدقاء في نهاية دراساتها لتصميم الجرافيك في عام 2004. تقول عن فيلمها: "لقد نشأت ضمن تعليم قائم على النوع الاجتماعي، وواجهت العنف والظلم منذ طفولتي.أنا أكتب ما يمدني بالحب والغضب.وأسعى إلى فهم الطريقة التي يتم بها تكوين الهويات الذكورية والأنثوية في مجتمع قائم على الأوامر. وتتمحور قصة هذا الفيلم حول علاقة الفتيات الصغيرات بأجسادهن في مرحلة البلوغ، وقد كان الحجر الأول لعمل متماسك بالفعل،وكنت قد تأثرت بالمخرجين بييرباولو باسوليني، وأندريا أرنولد، وأجنيس فاردا، وجريج أراكي، أو هارموني كورين.

وفي عام 2011، صورفيلم (قبر الفتيات)، وهو فيلم تخرجها القصير في جامعة لوزان السينمائية، الذي فاز بجائزة الفهد الفضي في مهرجان لوكارنو، قصة بناء الأنثى من خلال عيون الرجال. وهي "قاعدة" تعتمد عليها في أفلامها القصيرة الأخرى، وأول فيلم طويل لها وهو فيلم (الرعد)الذي ترسم فيه صورة لامرأة شابة تستعد لدخول الرهبنة، في بداية القرن العشرين، ويصدمها الموت الغامض لأختها فتعود إلى مزرعة العائلة. تقول كارمن: "لا يتعلق الأمر بقصص جدتي، على الرغم من أن دفاترها كانت مصدر إلهام لي. لقد سردت بكلمات بسيطة ولكنها مكثفة، يوميات الأسرة، والمدرسة، والعمل في الحقول، والموت، وارتباطها الوثيق بالله.".. أما آخر افلامها الذي تخرجه بالاشتراك مع رفيقها جان جاسمان، فيدور حول ام تغادر جناح الولادة طوعا وتتخلى عن طفلها، وهو الآن في مرحلة ما بعد الإنتاج.

ولد فيلمها (الرعد) من رغبتها في الحديث عن الشباب،وقد أضفى لمسة نسوية على المسابقة الرسمية للمهرجان الدولي للسينما في مراكش وهو أول فيلم روائي للمخرجة السويسرية بعد الأفلام القصيرة التي فازت بجوائز في العديد من الأحداث المرموقة، ويتناول فيلم (الرعد) قصة الشابة إليزابيث التي تكون على وشك أن تقطع عهودها بعد خمس سنوات قضتها في الدير، لكنها تضطر الى العودة إلى أهلها بسبب الوفاة المفاجئة لشقيقتها الكبرى.وتجد إليزابيث نفسها في مواجهة الألغاز التي تحيط بوفاة أختها ولكن أيضًا تواجه واقعًا قاسيًا حيث يُحكم على المرأة بشكل سلبي.

وتبدأ إليزابيث في التفكير في مصيرها والمطالبة بحقها في الحياة. وقد نشأت فكرة الفيلم في ذهن كارمن جاكير قبل عشر سنوات من عرضه ليطرح معضلات مرتبطة بالحالة الأنثوية، ومفهوم الرغبة، والمراهقة، والظلم والجنس.

وفي هذا الفيلم، تناقش كارمن جاكير انتقال الفتيات الصغيرات إلى مرحلة البلوغ وظهور الرغبات. تقول: " كانت رغبتي الخاصة هي التحدث عن الأطفال الذين اضطروا ان يكونوا بالغين في وقت مبكرلوقوعهم تحت سلطة الكبار.أولئك الذين لديهم مشاعر، ورغبة في التعبير ولكنهم منعوا منهاوواجهوا مجتمعا أصما لايستمع اليهم ولايفهم عواطفهم".وتضيف:"ولد الفيلم، دون أن أدرك ذلك، من غضب لا واعٍ تجاه واقع قاسٍ ولكن أيضًا من حب عميق تجاه المرأة، وكل الذين لم يتوقفوا عن النضال من أجل حقوقهم، ".

وتقول عن مشاركتها في مهرجان كان الاخير: "هذا المهرجان مهم جدًا بالنسبة لنا كممثلين.إنه أمر مهم في التجربة التي مررت بها، فالمهرجانات هي دائمًا تقدير لعملنا ".

 

####

 

اعلان جوائز مهرجان كان الـ 76..

وثلاثة أفلام عربية تفوز في مسابق نظرة ما

متابعة المدى

أعلنت مساء السبت النتائج النهائية لجوائز مهرجان كان السينمائي في دورته الـ 76، وأعلن قبل يوم من الإعلان، جوائز مسابقة "نظرة ما"، التي أقيمت ضمن الدورة، والتي حصلت ثلاثة أفلام عربية على جوائز هذه المسابقة.

ومن بين 20 فيلمًا عرضت في هذا الاختيار وسيتنافس 8 أفلام أولى منها أيضًا على الكاميرا الذهبية.، تم منح 6 أفلام من قبل هيئة التحكيم برئاسة الممثل الأمريكي جون سي. رايلي، بعضها حصل صناعها للمرة الأولى على جائزة. وفيما يلي نتائج الفائزين في جائزة نظرة ما:

فيلم (كيف تمارس الجنس) من إخراج مولي مانينغ ووكر، و جائزة لجنة التحكيم نلها الفيلم المغربي (كلاب الصيد) أخراج كمال لزرق، وجائزة الحرية نالها الفيلم السوداني (وداعاً جوليا)، إخراج محمد كردفاني، وجائزة الإخراج الفيلم المغربي أيضا (كذب أبيض) إخراج أسماء المدير، جائزة الصوت الجديد فيلم (النذير) من إخراج بالوغي، وجائزة إنسيبل فيلم كروري (زهرة بوريتي) من إخراج جواو سالافيزا ورينيه نادر مسورة.

وكانت السعفة الذهبية من نصيب فيلم "تشريح سقوط" (Anatomie d’une chute) للمخرجة الفرنسية جوستين ترييه (Justine Triet)، ولم يتفاجأ أحد بفوز هذا الفيلم لأنّه أحدث إجماعًا حول حبكته وكتابته وإخراجه وحتّى أداء ممثّلته الألمانية ساندرا أولير (Sandra Hüller) التي كانت مرشّحة للفوز بجائزة أفضل ممثّلة.

الفيلم يبدأ بمشهد السقوط الذي يؤدي إلى موت صامويل بطريقة غامضة. ومن هذا السقوط، يبدأ التشريح لمعرفة ما إذا كان صامويل فد قُتل أو انتحر بينما تشير أصابع الاتهام إلى زوجته، المتّهمة الطبيعية لأنّها كانت الوحيدة في المنزل أثناء السقوط.

الفيلم يشّرح فعلاً كل تفاصيل السيناريو بذكاء سردي مشوّق يجذب المشاهد من البداية إلى النهاية بالرغم من طول الفيلم.

وجوستين ترييه هي ثالث امرأة تفوز بالسعفة الذهبية في تاريخ مهرجان كان السينمائي بعد المخرجة الفرنسية جوليا دوكورنو (Julia Ducourneau) عن فيلمها "تيتان" في عام 2021 والمخرجة النيوزيلاندية جين كامبيون (Jane Campion) عن فيلمها "درس البيانو" في عام 1993.

أما الجائزة الكبرى فكانت من نصيب فيلم "منطقة الاهتمام" (The zome of interest) للمخرج البريطاني جوناثان غلايزر (Jonathan Glazer)، حيث تعالت آهات الخيبة في الصالة بعد الإعلان عن فوز فيلم "منطقة الاهتمام" بالجائزة الكبرى لأنّه كان يستحقّ، وبكلّ بساطة، أن يفوز بالسعفة الذهبية. قد يخال للبعض أنّه فيلم آخر من جملة الأفلام التي تناولت موضوع المحرقة اليهودية. لكن عندما نتمعّن في أحداثه ندرك أنّها المرّة الأولى التي تعالج السينما هذا الموضوع من وجهة نظر الظالم وليس المظلوم.

المخرج جوناثان غلايزر قام باقتباس حرّ لكتاب الأديب البريطاني مارتن أميس (Martin Amis) الذي يحمل الإسم نفسه. عاش مع الفكرة لسنوات عدّة ولم يكن يعرف كيف يسردها. قام ببحوث وقرأ مجموعة من الكتب التي تتناول الإبادة الجماعية لليهود. طريقة المعالجة توضّحت عندما زار معتقل أوشفيتز في بولندا وبخاصّة عندما رأى المنزل والحديقة الملاصقيْن لجدار المعتقل والتي تجري فيهما أحداث الفيلم. انطلاقًا من هذه النقطة، تبلورت القصة التي أرادها المخرج أن تكون من وجهة نظر عائلة الضابط النازي رودولف هوس (Rudolph Höss)رئيس معتقل أوشفيتز أثناء الحرب العالمية الثانية. نَعِمَ هذا الضابط مع زوجته وأطفاله بحياة صفاء وبحبوحة بالقرب من المعتقل الذي شهد إبادة مئات الآلاف من اليهود.

الفيلم يولّد عند المشاهد شعورًا بالقلق الممزوج بهول اللامبالاة التي كانت تعيشها هذه العائلة متغاضية عن أصوات الرصاص وآهات الألم وروائح الموت التي كانت تسمعها وتشمّها من المعتقل.

الفيلم حاز أيضًا على جائزة فيبريسكي (Fipresci) التي يمنحها الاتحاد الدولي للصحافة السينمائية على هامش مهرجان كان السينمائي.

فيما نال جائزة لجنة التحكيم فيلم "الأوراق الميتة" (Kuolleet lehdet) للمخرج الفنلندي أكي كوريزماكي (Aki Kaurismäki)

الحب هو العنوان العريض في هذا الفيلم لمحاربة الملل وعبثية الحياة التي يعرف المخرج الفنلندي كيف يصوّرها أحيانًا بمواقف أكثر سوريالية من الحياة نفسها. أين هو الحدّ الفاصل بين الواقع والخيال في هذا الفيلم؟ وكأنّ أكي كوريزماكي أراد أن يتواجه مع طبيعة بلده التي تفرض إيقاعًا بطيئًا ومعتمًا يسرّع من عملية السقوط في فخ القنوط واليأس والرتابة. لا يبقى سوى الحبّ الذي يُولد في صالة سينما، يلتقي فيها البطلان، ليعيد شيئًا من الإنسانية إلى هذا العالم المشغول بعنف الحروب، وقساوة النبذ وعدم اليقين.

وجائزة أفضل سيناريو ذهبت الى يوجي ساكاموتو (Yuji Sakamoto) يوقّع سيناريو في غاية الشاعرية في فيلم "الوحش" للمخرج الياباني كوري إيدا هيروكازو (Kore-Eda Hirokazu)

فيلم "الوحش" هو ربما من أكثر أفلام المسابقة خفّة ممزوجة بحزن بوهيمي. وهو ربما من أكثر الأفلام رغبة في التخلّص من هذا الوحش المجازي الذي يحطّم الأحلام ويدوس على الطموحات ويبدّد الأمنيات بسبب الخوف الباطني الذي يجرّد الإنسان من أدنى أفكاره الخلاّقة.

الفيلم يروي قصّة واحدة من عدّة وجهات نظر وكلّ واحدة منها تعطي دلائل لفهم وجهات النظر الأخرى. يكتشف المشاهد، في نهاية المطاف، كم أنّ المظاهر تغشّ وكم أنّ الإنسان بطبيعته يميل إلى الشّك وإصدار الأحكام المسبقة. فيلم "الوحش" يسرد قصّة صداقة بين طفلين في بداية مراهقتهما ويكتشفان معًا علاقة تتأرجح بين البراءة وبين اختلاجات القلب العاطفية الأولى. فيلم جريء في تعاطيه مع موضوع المثلية التي تتجلّى في عمر مبكر إضافة إلى تصويره الدقيق لتابوهات المجتمع الياباني الرازح تحت ثقل عاداته وتقاليده.

أما جائزة أفضل ممثّلة فذهبت الى الممثلة التركية ميرفي ديزدار (Merve Dizdar) عن دورها في فيلم "الأعشاب الجافة" (Kuru otlar üstüne) للمخرج نوري بلجي جيلان(Nuri Belge Ceylan)

"الأعشاب الجافة" فيلم على شاكلة مخرجه الذي يعطي الحياة لشخصيات من مخزونه الوجداني. يملك نوري بلجي جيلان حذاقة فكرية دقيقة لا تترك المشاهد لامباليًا بل تحشره في تمرين ذهني لا يمكن أن يخرج منه إلاّ بتساؤلات عن الوقت الذي يمرّ والوحدة والرتابة. تساؤلات يطرحها المخرج في فيلمه من خلال قصة حبّ تنشأ بين مدرّسين وناشطة سياسية فقدت رجلها بعد انفجار في مظاهرة احتجاجية على خلفية اتهام مبهم بتحرشّ جنسي في المدرسة التي يدّرس فيها الرجلين. كل مقادير السيناريو تجري في منطقة نائية وباردة ومعزولة من تركيا. ميرفي ديزدار تؤدّي دور الناشطة الحقوقية في الفيلم.

وجائزة أفضل ممثل نالها الممثل الياباني (كوجي ياكوشو) Koji Yakusho عن دوره في فيلم "الأيام المثالية" (Perfect Days) للمخرج الألماني فيم فاندرز (Wim Wenders)

كوجي ياكوشو يؤدّي دور هيراياما منظّف مراحيض عامّة في طوكيو. حياته سلسلة من التصرّفات الرتيبة التي تعوّد عليها ويقوم بها من دون تذّمر كلّ يوم بنفس الطريقة وبنفس الوقت. يملك حسًّا جماليًا عاليًا وهو متذّوق رفيع للموسيقى والفنون. حياته تنقلب رأسا على عقب عندما تطلب منه إحدى قريباته أن تنام في منزله لبعض الوقت.

فيم فاندرز حاز على عدّة جوائز في مهرجان كان ومنها السعفة الذهبية لفيلمه "باريس-تكساس" في عام 1984. هو شغوف باليابان ويصوّر فيه كلّما سنحت له الفرصة بذلك.

وحاز على جائزة العين الذهبية بالتساوي فيلم "بنات ألفة" للمخرجة التونسية كوثر بن هنية وفيلم "كذب أبيض" للمخرجة المغربية أسماء المدير. وجائزة العين الذهبية تُمنح للأفلام الوثائقية على هامش مهرجان كان السينمائي.

 

المدى العراقية في

31.05.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004