ملفات خاصة

 
 
 

حضور سعودي استثنائي

أفلام فازت وأخرى تمنّت الفوز في "كان السينمائي"

محمد رُضا

كان السينمائي الدولي

السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

كان/ فرنساسؤالان تقليديان يسبقان أي مهرجان سينمائي كبير. أولهما من سيفوز بالجائزة الأولى، وثانيهما هل سيكون للسينما العربية حصّة ما من تلك الجوائز؟

بعد انتهاء المهرجان بإعلان الفائزين ينتقل السؤال الأول ليصبح ما إذا كان الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى استحق هذا الفوز أم لا. أما بالنسبة إلى الفيلم العربي (إذا ما دخل أصلا المسابقة الرسمية) فيتحوّل السؤال إلى: لماذا لم يفز؟ ما الذي منعه؟ ألم يكن بالجودة الكافية أم أن اعتبارات سياسية أودت إلى التغييب؟

في هذا النطاق لا يختلف مهرجان "كان" عن سواه.

للتسجيل في النشرة البريدية الاسبوعية

احصل على أفضل ما تقدمه "المجلة" مباشرة الى بريدك.

تخضع اشتراكات الرسائل الإخبارية الخاصة بك لقواعد الخصوصية والشروط الخاصة بـ “المجلة".

هو الحدث السينمائي الأكبر، حجما وأهمية، بين مهرجانات العالم والأكثر بهرجة واستقطابا للاهتمام الإعلامي والفني. فيه كل شيء من الفن إلى التجارة ومن الأفلام المتنافسة إلى المشاريع التي تبحث عن تمويل. من منصات هيئات رسمية ومؤسسات حكومية إلى مكاتب توزيع تشتغل من داخل الفنادق أو في السوق التجارية في قصر المهرجان.

هذه الدورة حوت كل ذلك كالمعتاد، لكنها كانت أكثر تميّزا من دورات السنوات الثلاث الماضية بزخم أفلامها وعموم مستوياتها الفنية.

هاجمت "ترييه" الحكومة الفرنسية لما اعتبرته تهديدا للمناخ الثقافي الذي اشتهرت به فرنسا لقرون، معتبرة أن تغليب التجارة على الثقافة من قِبل حكومة ليبرالية جديدة يمثل تهديدا مباشرا للثقافة

في القمة

الفيلم الخارج من المسابقة الرسمية (وهي الأولى، بين أقسام المهرجان التي يتحلّق حولها الاهتمام الأكبر)  ينهي سباقا ليجد نفسه متأهلا لسباق آخر بفضل قيمة السعفة الذهبية التي غالبا ما تتيح  للفائز بها طريقا ناجحا صوب التوزيع والإقبال الجماهيري والفيلم المقبل... ثم- فوق ذلك كله- حظّا أفضل في الأوسكار الأميركي.

فيلم جوستين ترييه "تشريح سقوط" (Anatomy of a Fall) لن يكون استثناء عن هذا التقليد. دراما منقسمة إلى ثلاثة فصول غير مرقّمة، الأول هو تقديم تلك الأسرة التي تتألف من روائية (ساندرا هولر) وزوجها الذي يعمل محاضرا جامعيا (سامويل تييس) وابنهما الصغير شبه الأعمى (ميدو ماكادو غرانر). الثاني سبر غور حياة غير مريحة لكل هذه الشخصيات. الزوج يمنّي النفس بالتحوّل لمهنة زوجته وهو محبط بسبب إخفاقه حتى الآن. يتهم زوجته بالشروع بالخيانة مع فتاة تصغرها سنّا. الابن يفضل الخروج مع كلبه إلى الشوارع المحيطة هربا من الشجار. فجأة يسقط الزوج من نافذة الطابق الثالث. هل دفعته زوجته أم أن السقوط كان عارضا أو انتحارا. الفصل الثالث من الفيلم هو التشريح الذي في العنوان وتقع أحداثه في المحكمة حيث تقف الزوجة متهمة بجريمة قتل.

بكلمات قليلة، "تشريح سقوط" ليس أفضل فيلم عرضته مسابقة مهرجان "كان" في دورتها السادسة والسبعين المنتهية قبل أيام قليلة (27 مايو/ أيار). يحتوي على النيّة الجادة وسوء التنفيذ في جوانب دون أخرى

إلى ذلك، يفقد الفيلم وجهة نظر في القضية. الغالب هو أن المخرجة وشريكها في كتابة السيناريو هدفا إلى تعزيز الغموض داخل المحكمة ولو على حساب دعم بطلة الفيلم في موقفها ليتسنى للمشاهد تأييدها على الأقل.

بعد إعلان فوز ترييه ألقت المخرجة كلمة احتوت على الشكر ثم الهجوم على الحكومة الفرنسية لما اعتبرته تهديدا للمناخ الثقافي الذي اشتهرت به فرنسا لقرون، ذاكرة أن تغليب التجارة على الثقافة من قِبل حكومة ليبرالية جديدة يمثل تهديدا مباشرا للثقافة، وهاجمت الرئيس ماكرون منتقدة موقفه من رفع سن التقاعد.

وزيرة الثقافة، ريما عبدالملك، انبرت بالرد عليها قائلة إنه في مقابل إعجابها بالفيلم وتهنئة المخرجة على فوزها إلا أن هذا الفيلم لم يكن "سيرى النور لولا نظام التمويل المعمول به في فرنسا والمنفرد حول العالم"، كما كتبت على تويتر.

اختلافات جوهرية

الجائزة الثانية في الأهمية هي "الجائزة الكبرى" وهذه نالها فيلم "منطقة الاهتمام" (Zone of Interest) الذي يدور في رحى الهولوكوست من منظور عائلة ألمانية تعيش فوق فسحة جميلة من الأرض في منزل ليس بعيدا عن معتقل نازي لليهود. أصوات طلقات الرصاص أو صراخ الضحايا لا تترك تأثيرا على تلك العائلة. المخرج جوناثان غلايزر استوحى من رواية للكاتب البريطاني مارتن أميس (الذي فارقنا قبل أيام) الفكرة وبنى عليها أحداثه المنتقاة والمنفّذة بأسلوب جيد يليق بالجائزة رغم أنه ليس بالضرورة الأفضل بين أساليب فنية استخدمها مخرجون آخرون مثل الفنلندي آكي كاروسماكي في "أوراق ساقطة" (Fallen Leaves) أو الألماني ڤيم ڤندرز في "أيام مثالية" (Perfect Days). في الفيلمين قوّة رائعة في بساطة التأليف والعرض والبعد عن التكلّف. يتعرّض "أوراق ساقطة" لوضع اجتماعي- اقتصادي داكن يستطيع سلب الحب من القلوب. أما "أيام مُثالية" فهو عن رجل راض بحياته اليومية كمنظّف حمامات عامّة وسيبقى كذلك مهما قست ظروفه الخاصة عليه.

فاز "أوراق ساقطة" بجائزة "لجنة التحكيم" التي لا ترتفع لمستوى الجائزة الكبرى (الثانية في الأهمية وهي ما فاز بها فيلم "منطقة الاهتمام") في حين خرج الياباني كوجي ياكوشوا بجائزة أفضل ممثل عن فيلم "ڤندرز".

ما يفوت العديد من المعلّقين على النتائج عادة هو أن الجالسين على مقاعد لجان التحكيم قد يختلفون عن الرأي السائد لدى النقاد أو لدى الجمهور العريض. هم في الأساس مجموعة من الآراء والتجارب والخبرات ويمضون ساعات في النقاش قبل التوصل إلى اختيار الجوائز

قاد لجنة التحكيم المخرج السويدي روبين أوستلند الذي كان نال سعفتين ذهبيّتين من هذا المهرجان الأولى سنة 2017 عن "الميدان" (The Square) والثانية في دورة العام الماضي عن "مثلث الحزن" (Triangle of Sadness). ووجه أوستلند، خلال المؤتمر الصحافي بعد إعلان الجوائز، بأسئلة متوقعة حول النتائج من بينها عما إذا كان فوز المخرجة جوستين ترييه له علاقة بالموجة الحالية التي تؤازر المخرجات في المهرجانات والمحافل المختلفة. نفى ذلك قائلا إن جنس المخرج لا علاقة له بالجائزة.

رغم ذلك، لا يسع المرء في مثل هذه الظروف المليئة بحركات التصحيح، نسائية أو سواها، إلا أن يضع في عين الاعتبار أن ستة أفلام من بين الأفلام المتسابقة في هذا القسم الرئيسي هي من إخراج نساء، وخمسة أفلام في مسابقة "نظرة ما" هي كذلك من إخراج نساء.

لا مانع هنا سوى أن المزيد من المهرجانات تشعر بالتقاعس والخوف من "الميديا" إذا وجدت نفسها خالية من نسبة كبيرة من أفلام النساء ما يؤثر على صيت المهرجان ويحرمه من ردّ مقنع. هذا يأتي على حساب النوعية تماما كما الحال عندما يستقبل فيلم متوسط القيمة من مخرج كبير لمجرد أنه اسم لامع ينتمي إلى الصف الأول.

 ما يفوت العديد من المعلّقين على النتائج عادة هو أن الجالسين على مقاعد لجان التحكيم قد يختلفون عن الرأي السائد لدى النقاد أو لدى الجمهور العريض. هم في الأساس مجموعة من الآراء والتجارب والخبرات ويمضون ساعات في النقاش قبل التوصل إلى اختيار الجوائز

المشاركة العربية: تألق سعودي

إحدى مخرجات المسابقة الرئيسية كانت التونسية كوثر بن هنية التي سبق أن حظى فيلمها السابق "الرجل الذي باع ظهره" بنجاح نقدي وتجاري كبير. فيلمها الجديد "بنات ألفة" (أو "أربع بنات" بالإنكليزية) هو محاولة جديرة بالتقدير من المخرجة لسرد حكاية مستخدمة شخصيات حقيقية بجانب ممثلات محترفات. إلى ذلك، جمعت بين الروائي والتسجيلي في سياق الفيلم الجديد وانتظرت هدية المهرجان كسواها. لكن الجائزة لم تأت واللجنة غير موكلة بذكر الأسباب.

في الواقع ليس أن الفيلم من الإجادة بحيث يمكن القول إنه تعرض للإضهاد، لكن الآمال حوله كانت عالية لدى السينمائيين التونسيين على نحو مفهوم في حين انقسم النقاد العرب والأجانب حياله على نحو متساو

هذا ما يقودنا إلى المشاركة العربية في هذا المهرجان التي كانت بدأت باكرا في خمسينات القرن الماضي بأفلام لجورج نصر وكمال الشيخ وصلاح أبو سيف ثم توّجت في منتصف السبعينات بفوز الجزائري محمد لخضر حامينا بالسعفة الذهبية عن فيلمه "مفكرة سنوات الجمر" وهي السعفة الوحيدة التي نالها فيلم عربي في تاريخ المهرجان

بعد ذلك الفوز تراجع المد لفترة طويلة إلى أن عاد في السنوات الخمس الأخيرة فنالت اللبنانية نادين لبكي "جائزة التحكيم" (تلك التي ذهبت إلى فيلم "أوراق ساقطة" للفنلندي آكي كاروسماكي هذا العام) وذلك عن فيلمها "كفرناحوم" (2018).

كل من "كفرناحوم" و"الرجل الذي باع ظهره" توجها من "كان" إلى الأوسكار ودخلا الترشيحات الرسمية في سباق أفضل فيلم دولي (أجنبي سابقا). وكلاهما لم يحظ بها.

هذا أحد الأمنيات التي تتراءى لعين مخرجين ومخرجات عرب حين تقبل أفلامهم في "كان" على أساس استخدام المهرجان منصّة لدخول سباق الأوسكار. في العام 2019 عندما وصل فيلم كوثر بن هنية إلى أطراف الأوسكار بذل المنتجون التونسيون كل جهودهم لترويج الفيلم الذي لم ينل الأصوات الكافية لنجاحه. لا ريب أن المخرجة وفريقها سوف يسعون إلى غزو جديد عبر هذا الفيلم الذي يعكس أجزاء من حياة أم تسعى لاسترداد ابنتيها اللتين أجبرتا على الانضمام إلى تنظيم داعش.

على ذلك، لم تخل النتائج من فوز عربي وإن من خارج المسابقة الأولى. ففي تظاهرة "نظرة ما" عرضت أربعة أفلام عربية فاز منها ثلاثة.

الأفلام  هي "وداعا جوليا" لمحمد كردفاني (السودان) و"كذب أبيض" لأسماء المدير (المغرب) و"كلاب" لكمال الأزرق (المغرب) و"طبيعة الحب" لمنيا شكري. هذا الأخير انتاج كندي/ فرنسي ومن الممكن إغفاله حين الحديث عن السينما العربية كأعمال وإنتاجات. الثلاثة السابقة كلها نالت جوائز. فجائزة أفضل مخرج ذهبت إلى أسماء المدير عن فيلمها التسجيلي "كذب أبيَض" (تسويقيا اختير له The Mother of All Lies). وجائزة لجنة التحكيم ذهبت إلى فيلم كمال الأزرق "كلاب". جائزة باسم "جائزة الحرية" نالها المخرج محمد كردفاني عن فيلمه "وداعا جوليا" وهو أول مشاركة سودانية رسمية في تاريخ المهرجان الفرنسي، وهذه جميعها، بالإضافة إلى فيلم "التعويذة" الكونغولي البلجيكي والذي حصل على جائزة "الصوت الجديد"، من الأفلام التي حصلت على دعم "مؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي"، ليكون ذلك أكبر حضور سعودي حتى الآن في تاريخ مهرجان "كان" السينمائي.

يمنح كل ذلك آمالا كبيرة للسينما العربية من دون أن يغيب عن البال أن اختيار فيلم "جان دو باري" لافتتاح هذه الدورة كان في صميمه تحية للسعودية التي ساهمت في تمويل هذا الفيلم التاريخي المثير الذي عُرض خارج المسابقة.

الآمال العربية المناطة في دورات "كان" القريبة الماضية وتلك المستقبلية كبيرة، لكن الوقت حان لمعرفة ما إذا كان الفوز سيعني شيئا قيّما لغير صانعيه. تحديدا، كيف يمكن أن تستفيد صناعة السينما العربية من تراكم الإشتراكات في المهرجانات الرئيسية على نطاق أوسع بحيث يؤدي ذلك إلى نتائج تجارية تخوّل الجميع صنع المزيد من الأفلام لا لمحاولات التسويق خارجا فقط، بل للتسويق الناجح في أكثر من دولة عربية أيضا.

 

مجلة المجلة السعودية في

30.05.2023

 
 
 
 
 

«أيام مثالية» للألماني فيم فيندرز: فن الاحتفاء بالأشياء البسيطة

نسرين سيد أحمد

كان – «القدس العربي»: في أحد الأيام يجلس هيراياما، الشخصية الرئيسية في فيلم «أيام مثالية» للمخرج الألماني فيم فيندرز، الذي شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان في دورته السادسة والسبعين، على مقعده الأثير في متنزه في طوكيو، يتأمل شجرته المفضلة، التي ربما التقط لها بآلة تصويره الصغيرة مئات ومئات الصور في مختلف الأيام والفصول. إذ فجأة تلتمع عيناه، حين يرى نبتة صغيرة قد نبتت إلى جوار جذور الشجرة، يهرع مبتسما، مخرجا من جيبه كيسا ليستخرج هذه النبتة بعناية دون الإضرار بجذورها، ليزرعها مع نباتته الأخرى في منزله الصغير في ضواحي طوكيو.

لم يكن ليلحظ هذه النبتة بهذه الغبطة الكبيرة، إلا شخص اعتاد على تكرار الأمر لأعوام كثيرة، فقد حفظت عيناه تلك الشجرة الضخمة، التي أطال تأملها، فانتبه برضا إلى هذه النبتة الصغيرة التي تحتاج رعايته. الغبطة والرضا والسعادة بالأشياء البسيطة تلك وفن الحصول على سعادات متكررة صغيرة من روتين يومي هو الفن الذي يتقنه هيراياما، الذي يؤدي دوره برصانة وهدوء وإتقان كبير كوجي ياكوشو، الذي استحق عن دوره جائزة أفضل ممثل في مهرجان كان.

يعمل هيراياما منظفا للمراحيض العامة في متنزهات طوكيو.. هي مهنة بسيطة يؤديها بإتقان بل وبسعادة أيضا، يصحو من نومه صباحا ليروي نبتاته الصغيرة في بيته الهادئ قبل أن يرتدي ثيابه، ويخرج ليرى نور النهار بابتسامة راضية، ويستقل سيارته التي يستمع فيها إلى شرائط بأغانيه الكلاسيكية المفضلة بامتنان بالغ، منطلقا إلى عمله. بنى هيراياما حياته الراضية حول اهتماماته اليومية الصغيرة المتكررة التي يجد فيها الكثير من السعادة. المبهجات الصغيرة هي ما يبقيه حيا راضيا، فهو لا يبحث عن الملذات الكبرى، ويرضى كل الرضا بأنشطته البسيطة التي تملأ قلبه رضا.

يمكننا القول إن هيراياما هو امتداد لشخصية ترافيس هيندرسون في فيلم «باريس، تكساس» (1984) الذي أخرجه أيضا فيم فيندرز. نعلم من لقطات بسيطة، من بينها زيارة غير متوقعة لابنة أخته وشقيقته، أن لهيراياما ماضيا لا نعلمه، ماضيا يختلف عن حياته الراضية البسيطة الهادئة التي يحياها حاليا. وبينما كان ترافيس في «باريس، تكساس» يعيش وسط أحزانه وهمومه وألمه لفقد من أحبهم، فقد تجاوز هيراياما ما يثقل قلبه ليعيش حياته البسيطة منفردا بذاته قانعا بحياته البسيطة. بعد سلسلة من الأفلام الوثائقية مثل «بينا» عن الراقصة ومصممة الرقصات بينا باوخ و»أنسليم» الذي عرض أيضا في مهرجان كان لهذا العام، يقدم فيندرز في «أيام مثالية» فيلما قد يكون أفضل أفلامه الروائية منذ سنوات. يمكننا القول إن هيراياما أتقن فن العيش في هدوء، بعيدا عن الجلبة والصخب، يقبل على يومه بعين توثق الأشياء في اهتمام هادئ. لا يعنيه أنه رأي تلك الشجرة ربما مئات المرات، فهو كل يوم يلتقط لها صورا جديدة ويرى فيها جديدا. حتى في مبهجاته غير اليومية، يختار هيراياما ما يألفه، فهو يذهب إلى الحمام ذاته كل بضعة أيام ليستحم ويسترخي في ماء الجاكوزي، ويذهب إلى الحانة ذاتها ليحتسي القليل من الشراب ويستمع إلى غناء صاحبة الحانة.

يجعلنا «أيام مثالية» نمعن النظر في حياة من يدون لنا غير مرئيين، أو من لا نعيرهم اهتماما في حياتنا. فنحن قد نهرع في حياتنا، وقد نستخدم في يومنا تلك المراحيض العامة، دون أن نلحظ على الإطلاق من ينظف هذه المراحيض، وإن لاحظناه قد يكون ذلك بتأفف قد لا يبدو على ملامحنا لكننا قد نشعر به. نحن مثل شقيقة هيراياما التي خرجت من سيارتها الأنيقة لتقول له في استعلاء وفي ازدراء لمهمته إنها سمعت أنه ينظف دورات المياه، لكن في هذا الفيلم لمنظف المراحيض هذا حياة عامرة، مليئة بالقراءة، والموسيقى، والزراعة، والتصوير والتأمل الراضي. ولا يبدو لنا قط أن هيراياما يأنف عمله أو يتأفف منه. يبدو وجهه هادئا مبتسما وهو يقوم بمهامه، ويبدو مستمتعا وهو ينظف المرحاض بكفاءة ويستخدم المطهرات والمعطرات ويجلو الأسطح فيجعلها براقة. يبتسم في أدب وهدوء لرواد دورة المياه، ويقدم العون حين يستطيع، لطفل ضل طريقه لأمه، أو لشخص في حاجة ماسة لاستخدام المرحاض. وبعد الانتهاء من عمله يحفل يوم هيراياما بالكثير من الأعمال الصغيرة التي تبهجه، فهو يقرأ أعمالا أدبية لم يقرأها من قبل لكتاب مثل وليم فوكنر وباتريشيا هايسميث أو يعاود الاستماع إلى الأغاني التي يحبها مثل أغاني نينا سيمون وأوتيس ريدينغ.
ذات يوم تسأل ابنة شقيقة هيراياما اللطيفة، التي جاءت لزيارة خالها أو فرارا من بيت أمها، خالها وهي معه في سيارته التي يذهب بها إلى العمل ما إذا كان ذلك النهر الذي يمران قربه يصب في المحيط، فيجيب بأجل. وحين تسأله عما إذا كان يريد أن يرى المحيط، فيجيبها في وقت لاحق. هكذا هي حياة هيراياما فهو يقنع بالأشياء الصغيرة التي تجلب البهجة لحياته، أما الأشياء الكبيرة مثل المحيط، فهي لوقت آخر، أو ربما لا يريدها أبدا.

 

القدس العربي اللندنية في

30.05.2023

 
 
 
 
 

مخرجون شباب يضيئون وجه السينما المغربية في «كان السينمائي»

الرباط ـ «سينماتوغراف» : هاجر زهير

تلألأت أسماء مغربية في سماء مهرجان “كان” السينمائي، الذي أسدل الستار عن فعاليات دورته الـ76، يوم السبت الماضي، حيث صنعت الحدث ومنحت للفن السابع المغربي ثلاث جوائز ثمينة، وسط إشادة واسعة من النقاد بهذا الإنجاز، الذين يرون أن السينما المغربية لم تكتف بالمشاركة، أو الحضور ضمن لجنة تحكيم الفيلم الطويل، فقط، بل اعتلت منصة التتويج أيضاً.

** أسماء المدير.. جائزة الإخراج

تمكنت المخرجة المغربية الشابة أسماء المدير من الفوز بجائزة الإخراج عن فيلمها “كذب أبيض”، الذي يروي قصتها، إذ تذهب إلى منزل والديها في الدار البيضاء لمساعدتهما على الانتقال إلى منزل آخر، وهناك سترى صورة أطفال يبتسمون في ساحة روضة الأطفال.

وعلى حافة الإطار، ثمة فتاة صغيرة تجلس على مقعد وتنظر إلى الكاميرا بخجل، فهي الصورة الوحيدة لطفولتها، والذكرى الوحيدة التي يمكن أن تعطيها والدتها لها، لكن أسماء مقتنعة بأنها ليست الطفلة الموجودة في هذه الصورة.

وعلى أمل أن تجعل والديها يتحدثان، تستخدم أسماء كاميرتها وتتلاعب بهذه الحادثة الحميمية للحديث عن ذكريات أخرى تشك فيها أيضا، لتصبح هذه الصورة نقطة الانطلاق في تحقيق تسأل خلاله المخرجة عن كل الأكاذيب الصغيرة التي ترويها عائلتها. شيئا فشيئا، تستكشف أسماء ذكريات حيها وبلدها.

وأسماء المدير مخرجة صاعدة حاصلة على درجة الماجستير في السينما الوثائقية من جامعة عبد المالك السعدي في تطوان، ودرجة الماجستير في الإنتاج من المعهد العالي للإعلام والاتصال بالرباط، ثم درست في المدرسة الوطنية لمهن الصورة والصوت في باريس، وتخرّجت في عام 2010 من الأكاديمية المغربية للسينما في الإخراج والخيال.

وأشرفت أسماء المدير على إخراج فيلم “كذب أبيض” الروائي الطويل الأول في مشوارها، إلى جانب مجموعة من الأفلام القصيرة، وكذا الأفلام الوثائقية، من خلال الاشتغال مع قنوات وطنية ودولية.

وحازت المدير جوائز وطنية ودولية مهمة وعُرضت أفلامها في مهرجانات في جميع أنحاء العالم وفي أسواق الإنتاج المشترك، من بينها الجائزة الكبرى في مهرجان أفلام المرأة الدولي في تورنتو (2021)، والجائزة الكبرى في مهرجان ازريل IsReal السينمائي في نوورو (2021)، والجائزة الكبرى لمهرجان العيون للفيلم الوثائقي (2019)، ناهيك عن مشاركتها ف صندوق الأسهم Equity Fund من إنتاج نتفليكس مع أربع مخرجات عربيات.

** كمال لزرق.. جائزة لجنة التحكيم

وعلى نفس المنوال، اقتنص المخرج المغربي كمال لزرق جائزة لجنة التحكيم عن فيلمه “كلاب الصيد” في مسابقة “نظرة ما”، الذي تم تتويجه في إطار جائزة الإبداع لمؤسسة (غان) لعام 2021.

ويحكي الفيلم قصة حسن وعصام، الأب والابن، اللذان يحاولان كسب قوتهما اليومي في إحدى الضواحي الشعبية للدار البيضاء، فيقومان بأعمال إجرامية صغيرة لصالح أحد رؤساء العصابات المحلية.

وفي إحدى الليالي، يموت في سيارتهما عن طريق الخطأ رجل كانا يقصدان خطفه، فيجد حسن وعصام نفسيهما أمام جثة يجب التخلص منها، ومن هنا تبدأ مغامرتهما الليلية الطويلة في أسوأ أحياء المدينة.

** زينب واكريم.. جائزة “سينفيل

أما المخرجة الأمازيغية المغربية الصاعدة، زينب واكريم، فقد فازت بالجائزة الثالثة في مسابقة مدارس السينما “سينفيل” بمهرجان كان، عن فيلمها الأمازيغي “أيور” أي القمر، والتي تنظم على هامش المسابقة الرسمية للمهرجان، الذي يناقش مرض أطفال القمر الذي يصيب الجلد وقد يهدد في بعض الحالات الأعصاب، خاصة لدى الصغار.

ويعد هذا الفيلم أول عمل للمخرجة زينب واكريم، وعمرها لا يتجاوز 22 سنة، حيث إنها تخرجت حديثا من المدرسة العليا للفنون البصرية بمراكش، وتم اختيار عملها ” ayur ” أو “القمر” من بين 2000 فيلم للمشاركة في الدورة ال76 لمهرجان كان، وبلغ منصة التتويج.

ونوّه النقاد بالمخرجة مريم واكريم، ووصفوها بالوجه الجديد والمضيء للسينما المغربية، إلى جانب الأسماء الأخرى.

وهذا العام أيضاً، اختار منظمو هذه التظاهرة الفنية الدولية المخرجة المغربية مريم التوزاني، للانضمام إلى لجنة تحكيم المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي إلى جانب أكبر أسماء السينما العالمية، ما يعد سابقة بالنسبة للمغرب.

 

موقع "سينماتوغراف" في

30.05.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004