·
المخرجة ساهرا مانى صورت فيلمها بكاميرات سرية وطلبت من
النساء تصوير أنفسهن فى مخابئ مع أصدقائهن وعائلاتهن
·
جينيفر لورانس: من المهم أن نمنح الفرصة لنساء أفغانستان
لتوثيق قصتهن بطريقتهن الخاصة
·
تييرى فريمو: الفيلم شاهد معاصر على أفغانستان والتاريخ
تبقى السينما دائما شاهد إثبات حى وصورة واقعية وجريئة
كاشفة لما تعبث به بعض الأنظمة السياسية والدينية غير السوية فى حق
مجتمعاتها.
من هنا يجيئ الفيلم الوثائقى «الخبز والورود» والذى عُرض فى
مهرجان كان السينمائى للمخرجة الأفغانية ساهرا مانى، وإنتاج الممثلة جينيفر
لورانس، ليُظهر واقعًا كئيبًا للنساء الأفغانيات فى ظل حكم طالبان لكابول،
وهو نافذة قوية لمدى التأثير المزلزل لحقوق المرأة وسبل عيشها بعد سقوط
كابول فى أيدى طالبان فى عام 2021.
يتتبع
الفيلم ثلاث نساء تقاتلن لاستعادة استقلاليتهن، لتجسد المخرجة روح ومرونة
النساء الأفغانيات من خلال تصويرها الواقعى والحميم لمحنتهن المروعة.
فى أحد مشاهد الفيلم مجسدا للفكرة وفق تحليل بى بى سى:
تقول الشابة لمقاتل طالبان: «أنت فقط تضطهد النساء».
قال: «قلت لك لا تتكلمى، سأقتلك هنا!».
«حسنًا،
اقتلنى!» ترد وترفع صوتها ليناسب صوته. «لقد أغلقت المدارس والجامعات! من
الأفضل قتلى!».
المشهد صوره سرا وبصعوبة هاتف مزود بكاميرا سلطت على هذه
المواجهة المباشرة داخل سيارة بين المرأة والمقاتل.. تلك المرأة كانت قد
قُبض عليها للتو بعد احتجاج وكانت على وشك نقلها إلى زنزانة احتجاز فى
كابول.
موقع «ديد لاين» عاد بالحدث إلى واقعيته تاريخيا بأنه فى
أواخر الشهر الماضى، صوت مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بالإجماع على
إدانة حركة طالبان لحرمان النساء الأفغانيات بشكل منهجى من حقوقهن، مطالبًا
الحكام الإسلاميين الأصوليين فى البلاد بتوفير «مشاركة كاملة ومتساوية
وهادفة وآمنة للنساء والفتيات فى المجتمع الأفغانى».
فى عام 2018، وثقت المخرجة ساهرا مانى مشاهد ألف فتاة فى
فيلمها السابق «ألف فتاة مثلى» بسعيها لتحقيق العدالة، وتسلط الضوء على كيف
ترى نساء كابول تجريدهن من حقوقهن وهو ما يقودنا إلى أعماق هاوية الحياة
تحت حكم طالبان بعد رحيل القوات العسكرية الأمريكية، حيث يتضح بشكل مفجع
الواقع المؤلم للسكان.
فى
«الخبز والورد» ناشدت الدكتورة زهرة محمدى الجمهور فى صالة عرض
Salle Agnès Varda
بمهرجان كان «لا تنسوا المرأة الأفغانية!».. حيث قدمت الفيلم هى ومانى
ولورانس.
قبل
استيلاء طالبان على السلطة، كانت الدكتورة محمدى تدير عيادة أسنان مزدهرة
فى كابول، ولكن بعد فترة وجيزة من عودة طالبان إلى السلطة، أُمرت بحذف
اسمها من عيادتها الخاصة. قيل للنساء فى جميع أنحاء البلاد إنهن لم يعد
بإمكانهن الخروج فى الأماكن العامة دون مرافقة رجل؛ تم إغلاق مدارس الفتيات
والنساء.
يتضمن الفيلم الوثائقى مقطع فيديو على هاتف محمول لنساء
شجاعات تحدّين أمر البقاء فى المنزل واحتججن فى الشوارع، ودعوا السلطات إلى
إعادة فتح المدارس. بعض المتظاهرين يصرخون «يسقط الإرهابيون!»، مما يعنى
بوضوح طالبان. فيديوهات مزعجة تظهر رد الفعل الوحشى من قبل قوات الأمن التى
تهاجم المتظاهرين عبر صحفيين غربيين يحاولون تغطية المظاهرات.
فى مقطع فيديو آخر بهاتف محمول، سُمع رجل خارج الكاميرا
يهدد بإعدام المتظاهرات بإجراءات موجزة. قالت له إحدى النساء بشكل قاطع،
«أنت يائس من أجل السيطرة علينا». هذا يلخص الوضع الكئيب فى أفغانستان، حيث
تسترشد حركة طالبان بتفسير متطرف للدين، وهى مهووسة بإخضاع أكثر من نصف
شعبها.
فيما يمكن اعتباره بصيص أمل ــ ربما يكون خافتًا للغاية ــ
يُظهر الفيلم منازل آمنة حيث يتم توفير مأوى لبعض النساء، على الأقل
مؤقتًا، أثناء محاولتهن الوصول إلى باكستان للهروب من اختناق حرياتهن.
ويظهر بعض الرجال ذوى الطبيعة الأكثر استنارة فى مظاهر ضالة، بما فى ذلك
زوج زهرة المخلص، أوميد، وزوج امرأة رئيسية أخرى فى الفيلم والتى تشير
بإيجاز فى مرحلة ما، «فى أفغانستان، النساء عبيد».
يتكشف الفيلم فى قصة ممزقة، حيث يقفز بين عدة نساء مختلفات
يواجهن احتمال الاضطرار إلى الفرار من وطنهن. زهرة امرأة جذابة نشأت فى
أسرة محافظة (فى وقت ما سمع والدها يخبرها أنه لا يوافق بشدة على نشاطها
المتزايد، ونتيجة لشهرتها العالية لم يعد بإمكانه الخروج علنًا بنفسه. يبدو
أنه تجسيد لامتياز الذكور والشفقة على الذات. على الرغم من رفض عائلتها
والمخاطر الكبيرة التى ينطوى عليها الأمر، تعقد زهرة اجتماعات فى مكتب طب
الأسنان حيث تناقش النساء محنتهن ويكتبن شعارات احتجاجية لعرضها خلال
المظاهرات العامة. فى أحد المشاهد، تخبر زهرة بنات أختها الصغيرات أنه إذا
تم استجوابهن عنها فعليهن إنكار معرفتهن بخالتهن.
يرتفع الفيلم إلى مستوى أكبر من التوتر عندما يتم اعتقال
زهرة من قبل السلطات، تاركًا العائلة والأصدقاء يتساءلون عما إذا كانوا
سيرونها على قيد الحياة. تم إطلاق سراحها لاحقًا (الفيلم لا يشرح فى ظل أى
ظروف)، لكنها تروى التعذيب الذى تعرضت له هى ومعتقلا أخريات أثناء
الاحتجاز. تقول إن امرأة كانت محتجزة معها تعرضت للضرب المبرح لدرجة أن
زهرة لم تتعرف عليها، لكنها أدركت لاحقًا أنهما تعرفا على بعضهما البعض من
قبل.
خلال
تقديمه للممثلين، أشار المندوب العام للمهرجان تييرى فريمو إلى أن مانى
تعيش فى المنفى فى إيران وقدم لها التحية على فيلم شاهد معاصر لأفغانستان
وشاهد على التاريخ.
الفيلم مؤهل للحصول على جائزة
L’Oeil d’or
(العين الذهبية)، والتى تذهب إلى الفيلم الوثائقى الأفضل فى مهرجان كان
السينمائى.
منتجة الفيلم الممثلة الحائزة على جائزة الأوسكار، جينيفر
لورانس، كشفت لـ«بى. بى. سى» عن سبب أهمية هذه اللحظة فى الفيلم بالنسبة
لها: «كان قلبى ينبض بسرعة وأنا أشاهد هؤلاء النساء يتحدين طالبان.. أنت لا
ترى هذا الجانب من القصة، النساء يردن القتال، وهو جزء مهم من فيلمنا،
النساء الأفغانيات لا يتمتعن حاليًا بأى حكم ذاتى داخل بلدهن، من المهم
جدًا أن تُمنح الفرصة لهن لتوثيق قصتهن بطريقتهن الخاصة».
وتقول لورانس، التى تصف شعورها بالعجز والإحباط بشأن ما
كانت تراه فى الأخبار: «ولد هذا الفيلم الوثائقى من العاطفة والضرورة..
علينا أن نمنح شخصًا ما منصة لسرد هذه القصة بطريقة ذات مغزى».
المخرجة ساهرا مانى صورت فيلمها باستخدام كاميرات سرية،
وطلبت من النساء تصوير أنفسهن فى مخابئ مع أصدقائهن وعائلاتهن، حيث يوجد
مشهد آخر يصور لقاء سريا فى قبو بلا نوافذ قبالة شارع جانبى فى كابول. تجلس
أكثر من اثنتى عشرة امرأة فى صفوف من المكاتب والكراسى مرتبة مثل فصل دراسى
مؤقت. يتصاعد البخار من المشروبات فى أكوابها البلاستيكية.
إنهن لا يعرفن بعضهن البعض، لكنهن جميعًا ينتمين إلى
مجموعات مختلفة احتجت بعد أن استعادت طالبان أفغانستان.
كانت مانى تدرك جيدًا تحديات التصوير فى مثل هذه المواقف
الخاصة والخطيرة.
وقالت «أفهم كيفية التعامل مع الصعوبات لأننى واحدة منهن..
إنهن لسن ضحايا، إنهن أبطال».
لكن تحقيق التوازن الصحيح بين الحفاظ على سلامة النساء
ورواية قصتهن لم يكن سهلا. وكشفت لـ «بى. بى. سى» أنه كانت هناك عدة
محادثات فى وقت متأخر من الليل بينها وبين لورانس أثناء عملية الإنتاج.
وتقول مانى: «عندما تتحد النساء، كل شىء ممكن».
وتتفق مع لورانس أن التحدى التالى الذى يواجههما هو عرض
الفيلم على جمهور كبير ــ ليس بالأمر السهل دائمًا عندما تكون القصة لقطة
لصراع مستمر ومدمّر.
وتشير لورانس: «ليست هناك نهاية لهذه القصة، وتشعر بالعجز
إلى حد كبير عندما تفكر فى كيفية القيام بأى شىء حيال ذلك. إنه أمر يصعب
تسويقه».
أعتقد أن هناك طريقًا طويلًا لنقطعه، لكنى أشعر بالإلهام
والإيجابية من المنتج النهائى عندما يكون لديك المزيد من التنوع فى صناعة
الأفلام». «هذا ما يريده الناس. الجماهير تريده».
وفى حوارها الخاص لموقع مهرجان كان أجابت ساهرة مانى عن كيف
تمكنت من تصوير هذا الفيلم الوثائقى فى وقت كانت فيه كابول فى أيدى طالبان؟
قائلة:
لم يكن هذا فيلمًا سهلا، الآن بما أن النساء لم يعد
بإمكانهن مغادرة المنزل بدون الحجاب، اعتقدت أنه يجب علينا أن نروى قصصهن،
قصص نساء غير عاديات يعشن تحت حكم طالبان الثيوقراطى. كانت سلامة طاقم
الفيلم والأشخاص الذين صورناهم من أولوياتنا، كان الخطر فى كل مكان، وللأسف
كان هناك بعض الاعتقالات.
الفيلم مثل فيلمى السابق «ألف فتاة مثلى» واقع المرأة فى
بلدى، كل النساء فى حياتى مصدر إلهام. تم تزويج معظم زملائى فى الفصل عندما
كنَّ قاصرات. شاهدتهن يتجهن فى شهر العسل كما لو كن مستلقيات فى توابيت،
وأحلامهن مقطوعة.. لم يكن لدى خيار سوى صنع هذه الأفلام.
فى الفيلم الجديد هؤلاء ثلاث نساء معاصرات يعشن فى مجتمع
حيث لا يُسمح لهن بالعودة إلى العمل أو الدراسة. إذا أردنا بناء مستقبل فى
أفغانستان، فسنحتاج إلى نساء متعلمات قادرات على تسخير مواهبهن من أجل
مجتمع أفضل. الطريقة التى تغيرت بها حياتهن فى ظل حكم طالبان هى حقيقة
يومية بالنسبة لنا، إنها حياة فى ظل ديكتاتورية، حقيقة قاسية لا يمكننا
تجاهلها.
وقالت إن عنوان الفيلم «الخبز والورد» هو إشارة إلى الشعار
السياسى الأمريكى الشهير وقصيدة جيمس أوبنهايم. فى فيلمى، تشاهد النساء
الأفغانيات يهتفن «خبز، عمل، تعليم وحرية!». هذا ما يريدوه، إنهن يطالبن
بحقوقهن الأساسية، يمكن اعتبار الوردة رمزا للحرية والكرامة.
ولكن كيف نجد الأمل فى أكثر المواقف يأسًا؟ تجيب مانى:
أفكر دائمًا فى أفضل طريقة يمكننا كبشر أن نتعايش بها مع
آلامنا. الفكاهة طريقة جيدة للتغلب على كل هذا البؤس، لكنها لا تكفى دائمًا.
فى الوقت الحاضر، فإن الوضع المأساوى فى أفغانستان هو عمل
الرجال الذين يقودوننا، وليس الله. نحن نعلم ذلك. نحن بحاجة إلى وضع حد
لذلك. |