السينما مغرمة بتاريخ الملكية لكن ليس كما جرى
أظهرت أفلام "كان" أن الهوس بقصص الملوك غالباً ما تشوبه
روايات يمكن وصفها بـ"أنصاف الحقائق"
أ ف ب
أظهر مهرجان "كان" هذه السنة أن الفن السابع لا يزال يولي
أهمية كبيرة للقصص المتعلقة بالملكية، من بلاط قصر فرساي إلى
سلالة تيودور، خصوصاً في ما يخص وجوهها النسائية، ولكن غالباً على حساب الحقيقة التاريخية.
فالمهرجان افتتح في الـ16 من مايو (أيار) الجاري بفيلم "جان
دو باري" (Jeanne
du Barry)
للمخرجة الفرنسية مايوين ومن بطولة النجم الأميركي جوني ديب في دور الملك
لويس الـ15، فيما أقفل الأسبوع الأول من العروض على "فايربراند" (Firebrand)
من بطولة جود لو مجسداً شخصية المستبد هنري الثامن.
ولاحظت المؤرخة وكاتبة السيناريو البريطانية أليكس فون
تونزيلمان أن قصة هنري الثامن رويت مرات عدة وبطرق مختلفة، لكن الناس يبقون
فضوليين، لذا يواصل المخرجون إنجاز أفلام عن هذا الملك.
سلطة الروح الإنسانية
أما المخرج البرازيلي من أصل جزائري كريم عينوز الذي أقر
بأنه لم يكن يعرف شيئاً عن سلالة تيودور قبل الشروع في "فايربراند"، فجازف
بالانغماس في قصة الزوجة السادسة لهنري الثامن.
وقال عينوز إن "أسطورة العائلة المالكة الإنجليزية شائعة
جداً إلى درجة أن الجميع يعرفها".
ورأى المتخصص في شؤون الملكية ستيفان برن أن المخرجين
ينجذبون غالباً إلى ما توفره هذه القصص من عناصر روائية "عن نساء ورجال
عشقوا وتعذبوا وكانوا تجسيداً للإنسانية في السلطة".
لكن هذا الهوس بقصص الملوك والمحيطين بهم غالباً ما تشوبه
روايات ربما لا تتسم بالدقة التاريخية ويصح وصفها بأنصاف الحقائق.
ففي "جان دو باري" تتزوج محظية لويس الـ15 بالملك، بينما هي
تزوجت في الواقع شقيقه غيوم، وهو ما أوضحت المخرجة مايوين أنها فعلته "عن
قصد" توخياً لعدم إضافة شخصية جديدة.
وإذا كان أداء جود لو أحد أبرز عناصر تألق "فايربراند"، فإن
نهاية الفيلم التي تتناول ظروف وفاة هنري الثامن أحدثت صدمة لدى النقاد.
ولاحظت مجلة "فرايتي" أن "هذا المشهد خيال خالص وإعادة
كتابة لإرث كاثرين بار (أليسيا فيكاندر) لا يولي اعتباراً للوقائع".
أما صحيفة "ذا غارديان"، فرأت هي الأخرى أن الفيلم "يخترع
صداقة بين كاثرين والداعية البروتستانتية الهرطقية آن أسكو"، وعلقت بأنه
"تاريخ مزيف".
لكن أكثر ما هو مهين في نظر الصحيفة البريطانية هو التأكيد
في الفيلم على أن "لا الرجال ولا الحروب طبعت" عهد ابنة هنري الثامن
إليزابيث الأولى مع أنها واجهت الأسطول الإسباني الذي لا يقهر.
وتكثر في الأفلام التاريخية الأمثلة على الخروج عن الرواية
المعتمدة.
ففي فيلم "ماري أنطوانيت" الذي كتبته صوفيا كوبولا، "قيل إن
كونتيسة لا بروفانس على وشك أن تضع، علماً أن المسكينة كانت لتفرح كثيراً
بأن ترزق طفلاً لكنها لم تنجب قط، بل إن شقيقتها كونتيسة أرتوا هي التي
أنجبت"، بحسب ستيفان برن.
تاريخ أكثر حداثة
وروى مقدم برنامج "أسرار التاريخ (Les
Secrets d"Histoire)
"بالتلفزيون الفرنسي، "عندما طرحت السؤال على صوفيا كوبولا، أجابتني أن
منطقة لا بروفانس تحظى بإعجاب الأميركيين، في حين أن الأمر لا ينطبق على
منطقة أرتوا".
ومع أنه رأى أن هذه التشويهات تؤدي إلى "نوع من اللاصدقية"،
اعتبر أن أي فيلم عن الملكية "يمكن أن يولد اهتماماً بالتاريخ".
وأكدت المؤرخة وكاتبة السيناريو البريطانية أليكس فون
تونزيلمان أن "المؤرخين يبدون قلقاً بالغاً في شأن عدم الدقة، لكن عندما
بدأ عرض مسلسل ’تيودور‘ لمايكل هيرست، ارتفعت مبيعات الكتب عن هذه
السلالة".
وشددت على أن "عمل المخرج هو صنع أفضل فيلم ممكن، في حين أن
وظيفة المؤرخ هي البحث عن الحقيقة".
وما هو مؤكد هو أن هذه الأفلام التاريخية الطابع غالباً ما
تكون مشبعة بالحداثة.
وقالت أليكس فون تونزيلمان "كثيرة الأفلام الروائية
التاريخية التي برزت في الآونة الأخيرة تتمحور على نساء هن شخصياتها
الرئيسة"، من ماري أنطوانيت إلى كوبولا إلى جان دو باري، مروراً بفيلم
لمايوين "ذي داتشس" و"ذا فايفوريت" و"ماري ستيورات"، ملكة إسكتلندا.
وأضافت "نرى فيها كثيراً من الجوانب التي تتعلق بالنسوية أو
المثلية أو مناهضة العنصرية، وهو ما يعكس هوساً حالياً".
وقال ستيفان برن "لقد كتبت النساء التاريخ، ولكن نادراً ما
يحظين بالتقدير المناسب. إذا أعطيناهن مكانتهن من خلال السينما، فهذا ليس
سيئاً". |