ملفات خاصة

 
 
 

سكورسيزي ينبش أسرار أميركا المنسية في مهرجان كان

روبرت دي نيرو ودي كابريو تحت عين "المعلم" في فيلم وسترن ملحمي

هوفيك حبشيان

كان السينمائي الدولي

السادس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

بعد ستة أيام من متابعة  أفلام المسابقة التي يتراوح مستواها بين الممتاز والجيد والمتوسط القيمة، أتاحت لنا الدورة الحالية من مهرجان "كان" السينمائي (16 -27 مايو/ أيار) اكتشاف أحدث أفلام مارتن سكورسيزي، المعروض خارج المسابقة، قبل أن يصبح متوافراً للجمهور بدءاً من أوكتوبر (تشرين الأول) القادم.

الفيلم المنتظر جداً، كأي جديد للمعلم الأميركي، يأتي في عنوان "قتلة زهرة القمر" واقتبسه المخرج وكاتب السيناريو إريك روث من كتاب بالعنوان نفسه للصحافي ديفيد غرين، وهو كتاب توثيقي وضعته مجلة "تايم" على لائحة كتبها غير الروائية المفضلة لعام 2017. الفيلم كان منتظراً لأسباب عدة: نظراً إلى أهمية الكتاب الذي يتناول فصلاً من تاريخ أميركا، من خلال أحداث حقيقية وقعت في النسيان، ثم لأنه يجمع روبرت دي نيرو وليوناردو دي كابريو لأول مرة معاً في إدارة سكورسيزي، وأخيراً لضخامة الإنتاج الذي وصل إلى 200 مليون دولار. يمكن الاضافة إلى هذا كله حقيقة أن سكورسيزي ينجز فيلماً ينتمي إلى نوع الوسترن للمرة الأولى في مسيرته، فهو الذي يعشق "جوني غيتار" لنيكولاس راي، لم يتطرق إلى الوسترن قبل الآن.

ولا يمكن فصل الإحتفاء الضخم الذي ناله في "كان" في نهاية الاسبوع الماضي، حين اصطفت الطوابير أمام الصالات وحصل تدافع بين المشاهدين، بسبب أنه لم يعرض في "كان" أي فيلم له منذ أكثر من 35 عاماً، رغم أنه تكرس في هذا المهرجان مع "سائق التاكسي" (1976) يوم نال "السعفة الذهبية" عنه.  

ملحمة قبيلة الأوساج

الفيلم الملحمي الذي تبلغ مدته ثلاث ساعات و26 دقيقة يحملنا إلى شمال شرق أوكلاهوما في عشرينيات القرن الماضي، معقل قبيلة الأوساج التي حكمت تاريخياً، الكثير من الولايات الأميركية مثل كنساس وميزوري وأركانساس. في أواخر القرن الثامن عشر، تم العثور على كميات من النفط والغاز في جب الأراضي التي يعيش عليها الأوساج، واستطاع قادة القبيلة أن يفاوضوا مع الحكومة الأميركية للحصول على حقوقهم من إيرادات الذهب الاسود. نتيجة ذلك، أصبحت أحوالهم المادية "فوق الريح"، فبنوا القصور ونعموا بالاستقرار، الشيء الذي أثار غيرة بعض البيض الذين حاولوا الإستفادة من ثرائهم بشتى الطرق، قتلاً واحتيالاً. 

هذه نبذة ضرورية عن السياق الاجتماعي والسياسي والتاريخي لفهم حكاية الفيلم، ولا يختلف عن السياق الكلاسيكي للكثير من الأفلام الأميركية التي تناولت الغرب الأميركي، حيث الصراع بين السكان الأصليين والرجل الأبيض المحتل. سكورسيزي، الثمانيني الذي أمضى حياته يصوّر العصابات والعنف في شوارع نيويورك، ينتقل هنا إلى مسرح أحداث آخر، ملتقطاً بصحوة ضمير غير مسبوقة، معاناة الأوساج. 

يبدأ الفيلم مع وصول الجندي الشاب إرنست بورخارت (دي كابريو) إلى البلدة التي يقيم فيها خاله وليم هايل (روبرت دنيرو) المزارع الثري المقرب من الأوساج ورجل الثقة عندهم، والذي يتظاهر بأنه يحترم ثقافتهم وقيمهم ويعرفهم "من الداخل". هذا اللقاء يفتح عيني إرنست على واقع جديد. فالخال المخضرم وصاحب الخبرة الطويلة، يقنعه بالارتباط بواحدة من بنات الأوساج الثريات، طمعاً بالمال. وهذا ما يفلعه إرنست آخذاً بنصيحته، فيتزوج من مولي (ليلي غلادستون)، المريضة بداء السكّري. اللحظة هذه تكون نقطة انطلاق لسلسلة من الجرائم التي تستهدف شقيقات مولي الثريات. لكن، هل يعلم إرنست أنه ضحية تلاعب خطط له خاله؟ 

الأرض التي يصوّرها سكورسيزي ساحة يسودها العنف وتغلب عليها العنصرية والتمييز. كلّ شيء مُباح في هذا الجو حيث لا قانون ولا محاسبة. بيد أن هذه الحقبة تشهد أيضاً تأسيس مكتب التحقيقات الفيدرالي بمبادرة من إدغار جي هوفر. الفيلم يشير إلى ولادة هذا المكتب الذي اضطلع بدور في اجراء تحقيقات في جرائم أوكلاهوما ومحاسبة المرتكبين. لكن سكورسيزي، أصر منذ البدء ألا ينجز فيلماً عن هذا المكتب، كي لا يقع في ما تريه قدمته عشرات الأفلام الأميركية، لأن نيته الأصلية كانت إنجاز فيلم عن الأسرة وعن تضارب المصالح، بين ما تبحث عنه العاطفة وما يفرضه الجشع. 

كل شيء في "قتلة زهرة القمر" دليل على عظمة سكورسيزي. فهو واحد من أسياد الإخراج السينمائي في النحو الذي يصنع به الإيقاع، ويشيع أجواء، ويفرض التوتر المتصاعد، ويقطع المشهد. هذا من دون الحديث عن السرد ذي النفس الملحمي الذي ينتظرنا في هذا الفيلم، وهو سرد تغيب فيه بدعه الإخراجية المعتادة. نراه أقرب من كلاسيكيات السينما الأميركية مع اإعادة إحياء بديعة للعشرينيات. ثمة من شبّه إيقاع الفيلم والتصوير بأفضل ما قدمه إيستوود، وهذا وصف دقيق للعمل. أياً يكن، فالنظرة التي يلقيها على الحقبة، فيها الكثير من النضارة، والأرجح أن سكورسيزي كان صوّر فيلماً مختلفاً لو صوّره قبل عشرين أو ثلاثين عاماً. أما الشخصيات، فهي ملتبسة ومتناقضة في آن واحد، شريرة ويمكن إيجاد أسباب تخفيفية لأفعالها، وقد عبّر كل من روبرت دنيرو وسكورسيزي في مؤتمر صحافي عُقد أمس، عن عدم فهمهما لتصرفات الخال وليم هايل، وعبرا عن عدم فهمها هذا بوضوح تام. ما الذي يجعله يتصرف على هذا النحو، هذا أحد اسرار الفيلم الذي لا يكشفه لأنه لا يعرفه. 

ينقص القليل للفيلم كي يصبح تحفة سينمائية. يصعب تحديد ما هو هذا القليل، والأرجح أن مشاهدة ثانية تفرض نفسها بعيداً من زحمة المهرجان و"ضرورة" الخروج برأي سريع عنه. وقد يكون التمويل الضخم الذي ناله الفيلم يشترط بعض المساومات التي منعت سكورسيزي أن يضرب ضربة أعلى، خصوصاً على مستوى الخطاب الذي يعطي الإحساس في بعض الأحيان، بأنه نتيجة مساومة. فبين دراما أسرية أو وسترن أو فيلم عصابات، يتأرجح قلب سكورسيزي، فيقرر تصوير هذا كله معاً دفعة واحدة. 

مع ذلك كله، يبقى سكورسيزي في هذا الفيلم إنسانوياً قبل أي شيء آخر. من خلال تصويره الأوساج وقيمهم وتقاليدهم، يعطيهم حق الحضور على الشاشة، كما فعل مع الآباء اليسوعيين عندما ذهبوا إلى اليابان، أو مع سائق تاكسي يجوب شوارع نيويورك ليلاً. ورغم زحمة الأنواع السينمائية في الفيلم، يتصدّر الوسترن المشهد العام، خدمةً لرؤية إلى التاريخ تنطوي على وعي مستحدث.

 عبر الغوص في تفاصيل المكان، ورغبةً في معاينة بيئة الأوساج، ينجز سكورسيزي فيلماً مشبعاً بأغانيهم وأناشيدهم، واضعاً إياهم في قلب الحكاية. سكورسيزي يطرح نفسه هنا معلّماً تنويرياً يحكي فصلاً من التاريخ لا من وجهة نظر المنتصر ولا من وجهة نظر الخاسر، بل من منظور فنّان يرفض ثقافة الموت والالغاء.   

 

الـ The Independent  في

22.05.2023

 
 
 
 
 

جوني ديب: الممثّل اسفنجة!

هوفيك حبشيان

"هذا النوع من الاقتراحات لا يحدث كلّ يوم"، يقول #جوني ديب رداً على سؤال حول تجسيده دور لويس الخامس عشر في "جانّ دو باري" لمايوان، فيلم افتتاح الدورة السادسة والسبعين لمهرجان #كانّ السينمائي (16 - 27 أيار). ويتابع في هذه المقابلة التي نُشِرت في الملف الصحافي للفيلم: "لكوني أميركياً، لم أكن لأتخيل حتى انه سيُعرض عليّ دور ملك فرنسا. لذلك، عندما أتلقّى عرضاً كهذا، أهتم به. تقصيتُ معلومات عن مايوان التي تخيلت هذا المشروع، وخطرت لها هذه الفكرة المجنونة في اسناد دور لويس الخامس عشر إليَّ. شاهدتُ أفلامها الأخرى. قرأتُ السيناريو الذي وجدته مكتوباً كتابة ممتازة، وموثّقا بكواليس قصر فرساي في تلك الحقبة، والصراعات على السلطة، ناسجاً روابط بين القرن الثامن عشر وزمننا الحالي، من دون السقوط في سهولة المفارقات التاريخية".

صحيح ان بطل "قراصنة الكاريبي" اقتنع بالدور منذ البدء، طمعاً بالتغيير في مرحلة حسّاسة من مسيرته، الا ان الأحاديث التي دارت بينه وبين مايوان هي التي عززت اقتناعه وحسمت قراره. يقول: "كان لديّ انطباع بأنني أقابل روحاً توأماً لي. شخص شغوف كرس نفسه كلياً لهذا المشروع الطموح منذ سنوات. في الحقيقة، لم أطرح عليها سوى سؤال واحد: "هل أنتِ متأكدة من أنك تريدينني لهذا الدور بدلاً من ممثّل فرنسي؟". أكّدت لي أنها تراني في هذا الدور منذ أشهر، متجاوزةً مسألة اللغة. عندما يكون شخص ما بهذا القدر من الدقّة والحماسة في طريقة شرحها لفيلمها، تتبدد شكوكك. لذلك، وافقتُ بحماسة. خصوصاً انه كان أمامي شخص مستعدة للذهاب إلى المعركة، وهي على يقين ماذا يعني تصوير فيلم بملابس تعود إلى حقبة قديمة، وفي مكان مثل فرساي مع مئات الكومبارسات. هذا كله جعل شكوكي تتبدد".

لكن، كيف خلق ديب شخصية الملك؟ وهل بدأ يقرأ سيراً عنه أم انه اكتفى بالاعتماد على السيناريو؟ يرد قائلاً: "عموماً، انطلق فقط من السيناريو. لكن، عند تجسيد شخصية تاريخية من بلد ليس بلدك وفي لغة ليست لغتك، ثمة مسؤولية إضافية تدفعك إلى معرفة أكبر كمّ من المعلومات عنه. لذلك، تغذيتُ من سيرتين كاملتين عن الملك، واستعنتُ بخبير مكلّف التدقيق في تفاصيل المشروع ويعرف التاريخ عن ظهر قلب. ما بحثتُ عنه ليس التاريخ بألف ولام، إنما القصص الصغيرة المتحلّقة حول الملك؛ طرافات الحياة اليومية، ما كان يحب ان يشرب ويأكل… تغذيتُ من هذا كله لبناء الشخصية الغنية بالهويات المختلفة. البروتوكول الملكي كان يفرض عليه ان يتوجّه كلّ يوم إلى جمهور مختلف بطرق مختلفة ودقيقة جداً. في النهاية، لا يعود الملك رجلاً الا أمام جانّ. من المثير ان نتخيل ماذا يدور في عقل شخص مجبر على ضرب طوق حول نفسه. شخص كلّ حكايته مكتوبة سلفاً، ما عدا عندما تظهر الغريبة التي هي جانّ دو باري وتأخذ حيزاً أكبر يوما بعد يوم".

رغم ان ديب يتحدّث بعض الفرنسية، كان عليه الاستعانة بكوتش، كي يقترب من فرنسية القرن الثامن عشر. وكان الكوتش، بحسب ديب، فعّالاً على مستوى الدقّة واللفظ. يقول: "كان هدفي ان أتنصّل قدر المستطاع من هذه المسألة، كي تخرج الكلمات من فمي بتلقائية تسمح لي بأن أركّز على الأداء وعلى شركائي في التمثيل. بعيداً من الكلمات، كان في ودّي ان أستكشف الشيء الذي كان من الممكن العثور عليه تحت الكلمات، وهذا ما أفعله عندما أمثّل بلغتي الأم. وكنت حريصاً، خصوصاً، على حرية الارتجال، وعلى اللعب بالكلمات، وعلى ممارسة الترفيه مع شركائي، وعلى عدم البقاء لصيقاً بالنصّ والمواقف، هوساً باللفظ الصحيح ونتيجة العجز على التفاعل مع ما يجري من حولي. هذا الاشتغال على اللغة الذي سبق التصوير مدّني بالرصيد المطلوب لتأدية مهمتي كممثّل".

أما عن استخدام الصمت والنظرات في أداء الدور، حيث ان لغة الجسد أشد بلاغةً من الكلمات المنطوقة، فيبدو الملك لويس الخامس عشر وارثاً للعديد من الشخصيات التي لعبها ديب منذ إدوارد في فيلم تيم برتون. يروي انه التقى في حياته أشخاصاً كانوا يجعلونه يفهم كلّ شيء بنظرة واحدة. "هؤلاء يفرضون سلطةً وخوفاً! ليسوا في حاجة إلى قول كلمة واحدة. لويس الخامس عشر من هؤلاء، نظراً لمكانته وشخصيته. وكي أتقمّصه، سرّني ان أحذو حذو هؤلاء الذين كانوا منذ الأزل أبطالي السينمائيين: نجوم السينما الصامتة، من لون تشيني وباستر كيتون وتشارلي شابلن. استلهمتُ أيضاً من مارلون براندو الذي كانت له لغة جسد فريدة في العالم. لا أكف عن الاشتغال على هذا النوع من التعبيرات لأذهب أبعد من الكلمات، وذلك من خلال معاينة كلّ هؤلاء الذين ذكرتهم وأيضاً من خلال قضاء الكثير من الوقت في المقاهي ومراقبة الناس في واقعهم اليومي. الممثّل اسفنجة!".

ترى ما الذي لفت ديب في النحو الذي أدارت فيه مايوان التصوير، خصوصاً انه يقول انه كان النجم المدلل؟ يعلّق: "سرّني مزيج القوة والشجاعة والشغف الذي استعانت به للامساك بالبلاتو. كان واضحاً انها تعلم يوماً بعد يوم إلى أين تتوجه، علماً ان تأدية الدور الرئيسي وتولّي الإخراج في وقت واحد إنجاز! خصوصاً ان على المخرج ان يعلم في كلّ لحظة ما الذي يحدث على البلاتو، في حين الأجدى بالممثّل ان ينسى كلّ شيء ليصنع الفراغ من حوله".

"كلّ شيء يحدث بين الممثّل والمخرج ينبع من ثقة"، يقول ديب، “ثقة متبادلة لبلوغ هدف واحد. في نظري، ان عملي يقوم على اقتراح أكبر عدد من الطرق على المخرج لبلوغ هذه النتيجة، لعله يصبح في تصرفه أكبر عدد من الخيارات خلال المونتاج. كوني أخرجتُ فيلماً بنفسي، أعرفُ جيداً حجم الكبت على طاولة المونتاج في حال حدوث العكس. طبعاً، هناك على البلاتو قيود مرتبطة بالتصوير بالشريط الخام. وقد يكون هناك، وهذا مفهوم جداً، بعض التحفّظات من جانب مايوان على بعض اقتراحاتي. لكن، في كلّ مرة كنتُ مصراً على ان نصوّر لقطة واحدة على طريقتي، حتى لو كانت سترميها لاحقاً. لا أقول ان كلّ إلهاماتي كانت صالحة. مايوان أخذت ببعضها ولم تأخذ ببعضها الآخر، ولكن على الأقل كان لديها الخيار!”.

أي صورة ستبقى ماثلة في وجدان ديب من هذه المغامرة؟ يختم قائلاً: "ستبقى في وجداني لحظة تسكّعي للمرة الأولى في معرض المرايا داخل قصر فرساي. فجأةً، كلّ شيء كنت حلمتُ به أبصر النور. الزي، الماكياج، الديكور… شعرتُ أني في جسد لويس الخامس عشر ومستعد لخوض هذه الرحلة المثيرة عبر الزمن التي تخيلتها مايوان. هذه الصورة ستبقى في ذاكرتي لفترة طويلة، وكأن شيئا ما زجّ بي في قلب القرن الثامن عشر، لكن مع رائحة أقل نتانةً من رائحة تلك الحقبة. هذا هو ترف قرننا الحادي والعشرين!".

 

النهار اللبنانية في

22.05.2023

 
 
 
 
 

مهرجان كان الـ76: حضور لافت للسينما العربية

كانّ ــ محمد هاشم عبد السلام

للأفلام العربية حضورها البارز في فعاليات الدورة الـ76 من "مهرجان كان السينمائي الدولي" (16 ـ 27 مايو/ أيار)، إذ تشارك السينما العربية بمجموعة أفلام طويلة وقصيرة، من خمسة بلدان عربية، في مختلف أقسام المهرجان، إضافة إلى مشاركة بعض الأسماء في لجان التحكيم، مثل المخرجة المغربية مريم توزاني، في عضوية لجنة تحكيم "المسابقة الرئيسية".

بعد مرور أسبوع، تقريبًا، على انطلاق فعاليات المهرجان، يمكن وصف الأفلام المعروضة بأنها على قدر كبير من الأهمية والجودة والجرأة، كونها اتسمت بفنيات تقنية وبصرية ملفتة فعلًا، خاصة أفلام السينما المغربية، التي تشهد تألقًا وحضورًا ملموسين خلال السنوات الأخيرة، في مختلف المهرجانات السينمائية.

ضمن "المسابقة الرئيسية"، عُرِضَ فيلم "بنات ألفة" للتونسية كوثر بن هنية. يتناول الفيلم الوثائقي الدرامي 10 سنوات من حياة ألفة المضطربة وغير المستقرة. ألفة الحمروني ربة منزل وأم تونسية أربعينية، من بيئة جد فقيرة. لكسب رزقها وإعالة بناتها تعمل خادمة، خاصة في ليبيا. تشهد ألفة انسياق ابنتيها المراهقتين، رحمة وغفران، نحو التطرف، ثم هروبهما إلى ليبيا للانضمام إلى تنظيم داعش، وصولًا إلى دخولهما السجن. يرصد الفيلم سنوات من الحياة الواقعية، من عام 2010 إلى 2020، حيث الذكريات المؤلمة، والشعور بالذنب والخوف، والمراهقة وطيش البنات، ثم الاتجاه إلى الدين، والغرق في التدين، ثم الانحراف صوب التطرف في كل شيء.

الفيلم، بخلاف كونه دراما وثائقية، من نوعية الأفلام التي يطلق عليها فيلم داخل فيلم. إذ يحضر صوت المخرجة دائمًا خلف الكاميرا. كما نرى مشاركة النجمة هند صبري في أثناء تعلمها من ألفة كيفية أداء دورها، وحفظ كلماتها وحواراتها. المُثير أن حضور ألفة الأصلية، كمساحة في الفيلم، أكثر من حضور هند صبري ذاتها. يتناوب في الفيلم السرد الروائي والتسجيلي، على خلفية تعليقات وتوجيهات المخرجة، حتى ننتهي إلى معرفة كيف عزمت رحمة وغفران على الانضمام إلى داعش عن إرادة وتصميم، وليس غصبًا، أو إكراهًا، أو اختطافًا. أيضًا، هنالك كثير من تفاصيل القضية الشهيرة التي تناولها الإعلام التونسي آنذاك عام 2016.

"فيلم "بنات ألفة"، بخلاف كونه دراما وثائقية، من نوعية الأفلام التي يطلق عليها فيلم داخل فيلم. إذ يحضر صوت المخرجة دائمًا خلف الكاميرا"

في رصيد كوثر، التي أُسنِدَت إليها رئاسة لجنة تحكيم تظاهرة "أسبوعا النقاد" العام الماضي، كثير من الأفلام الروائية القصيرة والطويلة، أبرزها "الرجل الذي باع ظهره"، الفائز بجوائز سينمائية عديدة، ووصل إلى التصفيات النهائية لجوائز "أوسكار" عام 2021. بهذا الفيلم، تعود تونس إلى المُشاركة في المسابقة الرئيسية للمهرجان، وذلك بعد مشاركة أخيرة عام 1970. وكانت لفيلم "قصة بسيطة كهذه"، للرائد عبد اللطيف بن عمار، الذي رحل في فبراير/ شباط الماضي.

في قسم "نظرة ما"، التالي في الأهمية بعد "المسابقة الرئيسية"، والذي يحتضن التجارب الأولى للمخرجين والمخرجات، شارك السوداني محمد كُردفاني بفيلمه الروائي الأول الطويل "وداعًا جوليا". الفيلم هو المشاركة الأولى في تاريخ السودان ضمن فعاليات مهرجان "كان". المشاركة لن نصفها بالقوية فحسب. نكاد نجزم أنها من أهم وأقوى وأنضج التجارب العربية المُشاركة في المهرجان، وغيره من المهرجانات الدولية، خلال السنوات القليلة الفائتة. ومُقارنة ببقية الأفلام المُشاهدة في قسم "نظرة ما"، حتى الآن، ربما يحالف الفيلم الحظ في الفوز بجائزة القسم الكبرى، أو جائزة السيناريو.

تدور أحداث الفيلم في الخرطوم، قبل انفصال الجنوب السوداني عن الشمال. تبدأ الأحداث في آب/ أغسطس عام 2005، في أثناء فترة القلاقل والاضطرابات والاشتباكات. وتتواصل الأحداث حتى كانون الأول/ ديسمبر من عام 2010، بعد مرحلة إجراء الاستفتاء. الخلفية التاريخية هذه جد ضرورية، لكونه فيلمًا سياسيًا في الأساس، قبل أن يكون دراما اجتماعية وإنسانية واقتصادية. حيث تتسبب منى، المرأة الشمالية الثرية، المغنية ذات الصوت العذب، والمعتزلة للغناء بأمر من زوجها، في مقتل رجل جنوبي، من دون قصد، على يد زوجها. وبدافع الإحساس العميق بالذنب، تستعين بأرملته كخادمة ومساعدة لها، وتتكفل برعاية ابنها. وذلك في محاولة للتطهر، وتعويض الأرملة المكلومة عن مصابها. الفيلم بطولة الممثلة المسرحية والمغنية إيمان يوسف، وعارضة الأزياء وملكة جمال السودان السابقة سيران رياك.

في القسم نفسه، أيضًا، عُرِضَ للمخرج والممثل المغربي كمال لزرق فيلم "عصابات". ورغم أن الفيلم هو الروائي الأول لمخرجه، إلا أنه يُبشر بمخرج يُنتظر منه كثير. يتسم الفيلم بقدر كبير من التشويق، واحترافية ملموسة في كتابة السيناريو، وبراعة ملحوظة من المخرج في إدارة الممثلين، الذين يؤدون أدوارهم بطبيعية وانسجام وصدق. كما يُحسب للمخرج قدرته على تكثيف الأحداث خلال نهار واحد، أغلبها خلال الليل، وتقديمه لرؤية بصرية قوية، على قدر من الفنية والتميز حقًا. وهو من الأفلام الجيدة جدًا، والمرشحة بقوة للمنافسة في قسم "نظرة ما".

تدور أحداث فيلم "عصابات" حول الأب حسن وابنه عصام، وتورطهما في عوالم الجريمة، والقتل، والتجارة غير المشروعة. تمتد الأحداث خلال ليلة طويلة، يبدو أن لا نهاية لها، في شوارع وأحياء وضواحي الدار البيضاء السفلية الشعبية، وفي الصحراء، ثم البحر. وذلك في محاولة بائسة ويائسة وفاشلة منهما للتخلص من جثة رجل قاما باختطافه لصالح زعيم إحدى العصابات، من أجل الحصول على النقود. وكان مفترضًا تسليمه حيًا، لكنه اختنق، وتوفي فجأة.

كذلك تحضر تونس في قسم "نظرة ما" بفيلم "بسيط مثل سيلفان"، للمخرجة والممثلة الكندية من أصل تونسي، مُنية شكري. في "بسيط مثل سيلفان"، وعنوانه في الإنكليزية "طبيعة الحب"، تناقش المخرجة، على صعيد شبه فلسفي، ومن خلال دراما رومانسية، موضوع الحب. وذلك عبر شخصية صوفي، الأربعينية التي تقوم بتدريس فلسفة الحب لكبار السن، بينما تعاني من أزمة منتصف العمر. وتشعر بفراغ أو جمود في علاقتها المستمرة منذ 10 سنوات، مع "زافيير".

تلتقي صوفي بـ"سيلفان"، العامل المهني الذي ينتمي للطبقة العاملة، التي لا تعرف القيود، أو غيرها. فورًا، تنعقد المقارنة بين الرجلين. ومن ثم، تُطرح تساؤلات عديدة حول فلسفة الحب، لكن من دون تعقيد. مثلًا: ما هو الحب؟ هل هو رغبتنا الجنسية؟ وهل الشهوة، أو الرغبة الجنسية، هي الحب؟ أم أن هنالك الحب العاطفي من جهة، والجنس من جهة ثانية؟

كثيرًا ما تستخدم منية شكري في أفلامها شخصيات ذات أصول عربية، أو تحمل أسماء عربية. وتلجأ أيضًا إلى توظيف الموسيقى العربية، كما في هذا الفيلم، حيث يتطرق الحديث بين الأصدقاء إلى فايزة أحمد، ونسمع أغنية لشادية، ثم نشاهد على جدار الغرفة أفيش فيلم "يحيا الحب"، من بطولة محمد عبد الوهاب، وليلى مراد، وإخراج محمد كريم، وهو أحد كلاسيكيات الأفلام الغنائية المصرية.

ضمن الدورة الـ62 لتظاهرة "أسبوع النقاد"، التي تترأسها المخرجة اللبنانية الفرنسية أودري ديوان، عَرَضَ المخرج الأردني أمجد الرشيد فيلمه الروائي الأول الطويل "إن شاء الله ولد". يتسم الفيلم بجرأة اقترابه وطرحه الصادق والصادم لبعض القضايا الإشكالية الخطيرة في عالمنا العربي. ومنها، تحديدًا، المتعلق بموضوع الإرث، وتوزيع التركات، وغيرها من مفردات التدين الزائف والنفاق، الغارقة فيه مجتمعاتنا العربية. يُعد الفيلم من الأفلام الجيدة، وإن كانت فيه بعض المشاهد السطحية، أو المُفتعلة، بعض الشيء. إضافة إلى أن هنالك بعض المُباشرة في الطرح وتقديم وجهات النظر والمعالجة.

"في فيلم "بسيط مثل سيلفان"، تناقش المخرجة الكندية ـ التونسية منية شكري، على صعيد شبه فلسفي، ومن خلال دراما رومانسية، موضوع الحب"

إجمالًا، يتناول الفيلم العيش في ظل قيود مجتمع ذكوري قمعي. والقهر الذي تتعرض له المرأة حينما تفقد زوجها، وتكون محط أطماع. والأطماع هنا ليست جسدية في الأساس، بل مادية متعلقة بالميراث والحقوق الشرعية. وذلك من خلال شخصية الأرملة نوال، التي تحاول أن تنقذ ابنتها ومنزلها من قوانين ومجتمع تنقلب فيه الموازين، لأن ابنتها أنثى، وليست ذكرًا، ما يتيح لعم الطفلة، ليس فقط رفع قضية حضانة، بل أيضًا طردهما من الشقة وبيعها. كما يتناول القوانين التي تضطهد المرأة في العالم العربي، وأيضًا المعتقدات المجتمعية والثقافية وحتى الدينية، التي تفرض سيطرتها على حياة المرأة في بلادنا، وكيف أنه من الضروري أن يبدأ التغيير من البشر، من المجتمع، قبل مؤسسات الدولة، أو القوانين الشرعية الجائرة.

أما تظاهرة "نصف شهر المخرجين"، أو "أسبوعا المخرجين"، ويجري تنظيمها منذ عام 1969، فقد عُرِضَ فيها الفيلم الروائي الطويل "صحاري"، أو "الربع الثالث"، وفقًا للعنوان العربي المكتوب في الفيلم، للممثل والمخرج المغربي فوزي بن سعيدي. الفيلم هو خامس أفلام مخرجه، بعد آخر أفلامه الروائية الطويلة "وليلي" (2017). وفيه، يظهر فوزي بن سعيدي في دور بسيط عابر، لكنْ له سياقه المُبرر، وغير المُقحم ضمن الأحداث.

تدور حبكة الفيلم على خلفية غاية في العبثية. وفي أجواء شبه كافكاوية، خاصة في النصف الأول القوي جدًا من الفيلم، والذي تتناول أحداثه رحلة صديقين (مهدي وحميد)، اللذين يسافران، بحكم عملهما في تحصيل الأقساط والديون، عبر مدن وقرى وجبال المغرب الصحراوية النائية. لكنهما يواجهان دائمًا مواقف مفاجئة في كل مرة يذهبان فيها للمطالبة بالأموال. يتعرضان للمطاردة، والضياع في الصحراء، قبل انقلاب الأحداث مرة ثانية.

يُذكر أنه سيُعرض خارج "المسابقة الرئيسية"، وضمن قسم عروض "منتصف الليل"، الفيلم الروائي الأول الطويل "عمر لافراز"، للجزائري الفرنسي إلياس بلقدار. وتدور أحداثه حول عوالم الجريمة السفلية والعصابات في الجزائر، مُمثلة في شخصية المحتال عمر، الخمسيني المنفي من فرنسا. كما سيُعرض في "المسابقة الرئيسية"، الفيلم الروائي الطويل "فايربيرد"، للجزائري البرازيلي كريم عينوز. ‏وتدور الأحداث في إطار تاريخي، داخل البلاط الملكي البريطاني، في القرن السادس عشر. وتتناول قصة مؤلمة ومثيرة حول الملكة كاثرين بار، الزوجة السادسة والأخيرة للملك هنري الثامن. يشترك في الفيلم، الذي يقوم ببطولته جود لو، وأليسيا فيكاندر، الممثل المصري عمرو واكد.

ولم يُعرض حتى الآن، في قسم "نظرة ما"، فيلم "كذب أبيض"، أو "أم الأكاذيب"، للمغربية أسماء المدير. وهو الفيلم الأول لمخرجته من نوعية الدراما التسجيلية، وتدور أحداثه حول الماضي القريب للمخرجة، وعلاقتها بأسرتها وطفولتها. كذلك، لم يُعرض للمغربية الفرنسية منى عشاش فيلم "فتاة صغيرة زرقاء"، في قسم "عروض خاصة". الفيلم دراما تسجيلية، تحكي قصة والدة المخرجة، بالاشتراك مع ممثلين يصورون شخصيات من الواقع.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

22.05.2023

 
 
 
 
 

الخبز والورد.. صرخة غضب أفغانية في مهرجان كان بدعم من جينفر لورانس

الشيماء أحمد فاروق

ظهرت الممثلة الأمريكية جينفر لورانس، على سجادة مهرجان كان السينمائي الدولي لأول مرة كمنتجة بصحبة شريكتها المنتجة جوستين سياروتشي والمخرجة الأفغانية ساهرا ماني، لحضور عرض فيلمهن الوثائقي "الخبز والورد".

أصبحت حياة النساء في أفغانستان محل حديث كثير من الأوساط الحقوقية في العالم بعد سيطرة حركة طالبان مرة أخرى على السلطة في أغسطس 2021 ومغادرة القوات الأمريكية للأراضي الأفغانية بشكل نهائي بعد وجودها لأكثر من 20 عاما، وأصبح وضع المرأة مشكلة حرجة بعد غلق المدارس وفرض كثير من القيود عليهن.

جينفر لورانس تتحدث عن قهر النساء

قالت جينفر لورنس، في تصريحات إعلامية لـ "Variety": "انهار كل شيء وبضعة أيام، كنت أشاهد ما يحدث من أمريكا، وكنت أتابع احتجاجات نسوية أخرى، شعرنا بالعجز والإحباط بسبب ما شهدناه، وفكرنا في كيفية إخراج هذه القصص من دورة الأخبار الروتينية إلى نفوس الناس، ونقلها إلى المشاهدين لدفعهم نحو التحفيز والاهتمام بمحنة هؤلاء النساء".

وأضافت لورانس: "مشاهدة الأطفال الذين تربيهم هؤلاء النساء يتعرضون للتعذيب في الشارع كان مدمرًا بالنسبة لي إذا وضعت نفسي مكان أمهاتهم، مما جعلني أشعر أنني فقط أريد أن أفعل أي شيء يمكنه تغيير هذا الواقع".

وترى لورانس أنه لا يوجد فرق كبير بين النساء في العالم، الجميع يتعرض لقهر بأنواع مختلفة، وقالت: "ليس هناك الكثير من الفصل بيننا وبين هذه البلدان الأخرى، الديمقراطية هي كل ما لدينا وهي تتراجع للخلف حاليا، لذلك علينا أن نراقب الوضع باهتمام، وهي الحريات الفردية".

كما تحدثت المنتجة جوستين سياروتشي عن اهتماهما بهذه القضية، قائلة: "نحن نعتبر أن التعليم هو مخرج لهؤلاء النساء، وموضوعنا الذي ننقاشه كيف تم تجريد هؤلاء النساء من كل ما كن يتمتعن به ولا حتى باستطاعتهن الخروج من المنزل من دون مرافق، ونؤكد أنه من حق الإنسان أن يكون لديه ما يفعله كل يوم وأن تكون المرأة منتجًا في المجتمع".

"الخبز والورد" وثائقي أحاطته الصعوبات

ساهرة ماني، هي صانعة أفلام حائزة على العديد من الجوائز، حصلت على درجة الماجستير في صناعة الأفلام الوثائقية من جامعة الفنون بلندن بامتياز عالٍ، وشهادة البكالوريوس في السينما، كان لأعمال ساهرة كمنتجة ومخرجة تأثير كبير على حقوق المرأة والمساواة والعدالة، وبصفتها محاضرة في جامعة كابول، نظمت العديد من الفاعليات السينمائية وقدمت التدريب والإرشاد في أفغانستان، وهدفها التأثير على زيادة الوعي وتعزيز العمل على القضايا والأسباب التي تتطلب تغييرات اجتماعية، بحسب المنصة الرسمية لكلية فيرمونت للفنون الجميلة.

تشارك ماني بأحدث أفلامها "الخبز والورد" في مهرجان كان بدورته 76 لعام 2023، وهو يروي بشكل توثيقي ما تعانيه النساء في أفغانستان بعد فقدانهن عملهن وحريتهن بشكل كامل، من خلال إجراء مقابلات مع عدد من الضحايا في الخفاء لتوثيق حياهن، وتم إنتاج الفيلم بواسطة شركة Excellent Cadaver، وهي شركة إنتاج تأسست عام 2018 بواسطة لورانس وصديقتها سياروتشي.

وقالت ماني في حوار لها للمنصة الرسمية لمهرجان كان: "تظهر أفلامي واقع المرأة في بلدي، كل النساء في حياتي يمكن أن يصبحن مصدرا للإلهام، تم تزويج معظم زميلاتي في الفصل عندما كانوا قاصرات، شاهدتهم يتجهون في شهر العسل كما لو كانوا مستلقين في توابيت وأحلامهم بُترت مبكرا، كان يمثل لي ذلك رعبا، لم يكن لدي خيار سوى صنع هذه الأفلام للحكي عن هذا".

وأضافت: "لم يكن الخبز والورد فيلمًا سهلا، تكمن صعوبته في الوصول للنساء لكي تستطيع كل منهن قص حكايتها، الآن بما أن النساء لم يعد بإمكانهن مغادرة المنزل بدون الحجاب اعتقدت أنه يجب علينا أن نروي قصص نساء غير عاديات يعشن تحت حكم طالبان الثيوقراطي، وكانت سلامة طاقم الفيلم والأشخاص الذين صورناهم من أولوياتنا، وكان الخطر يحيط بنا في كل مكان وللأسف كان هناك بعض الاعتقالات".

استكملت ماني حديثها عن تفاصيل الفيلم: "عمل يروي حكايات عن ثلاث نساء معاصرات يعشن في مجتمع حيث لا يُسمح لهن بالعودة إلى العمل أو الدراسة، إذا أردنا بناء مستقبل في أفغانستان، فسنحتاج إلى نساء متعلمات قادرات على تسخير مواهبهن من أجل مجتمع أفضل، الطريقة التي تغيرت بها حياتهن في ظل حكم طالبان هي حقيقة يومية بالنسبة لنا، إنها حياة في ظل ديكتاتورية، حقيقة قاسية لا يمكننا تجاهلها، وصنع السلام مع طالبان هو إدانة لنساء أفغانستان".

قالت الكاتبة كاثرين براي، في مراجعتها عن الفيلم بمجلة variety: "المثير في هذا الفيلم هو الوقت الذي يستغرقه لإظهار الطاقة والشجاعة والقوة المطلقة للنساء اللواتي يشكلن المقاومة في أفغانستان، وهو أمر ضروري في فيلم يُعرض بمهرجان كان، لولا تلك المشاعر لأصبح الفيلم قاتما بشكل مبالغ فيه، تخاطر هؤلاء النساء بحياتهن للاحتجاج على نظام لا يعتبرهن بشرًا بشكل كامل، الثنائية المجتمعية الصارمة التي تفرضها طالبان هنا واضحة للغاية في سياق الفيلم، من خلال إبراز ثنائية المعنى الذي تفرضه طالبان، والتي تصنف المرأة إلى نوعين فقط إما امرأة جيدة وهن العذارى حسنات التصرف والأمهات المطيعات، أو امرأة سيئة وهن من يرفضن تلك القيود، وإذا أصبحت النوع الثاني فأنتِ دون البشر وتفقدين كل حقوقك في عُرفهم".

ووصفت براي الفيلم بأنه صرخة غضب ضرورية، يجادل بشكل مقنع أن تجاهل ما يحدث في أفغانستان يعني الحكم على نصف سكان البلاد بالاضطهاد في ظل نظام ديكتاتوري على الصعيدين السياسي والشخصي.

 

الشروق المصرية في

22.05.2023

 
 
 
 
 

«بنات ألفة» لكوثر بن هنية… الطريق إلى «داعش»

نسرين سيد أحمد

كان ـ «القدس العربي»: في أحد مشاهد فيلم «بنات ألفة» للمخرجة التونسية كوثر بن هنية، المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان كان السينمائي في دورته السادسة والسبعين (16 إلى 26 مايو/أيار الجاري) تقول ألفة إن بناتها أكلهن الذئب، ولكننا في رحلتنا مع الفيلم ندرك أن الذئب لم يكن ذئبا واحدا، بل قطيعا من الذئاب، فقد تكالب المجتمع كله لنهش لحمهن وتحويلهن إلى لقمة سائغة للتطرف ولـ«داعش».

«بنات ألفة» فيلم وثائقي وروائي في آن، يجمع بين الوثائقية والروائية التي يستعيض بها أحيانا لعدم وجود الشخصيات المعنية. ألفة حمروني، التي نراها بشخصها، ونراها في صورتها الروائية (هند صبري) هي أم لأربع بنات هما رحمة وغفران، البنتان الكبيرتان اللتان انضمتا إلى «داعش» في مراهقتهما، وآية وتيسير، اللتان تحاولان العيش بصورة طبيعية، إذا تسنى لمن في ظروفهما ذلك.

نرى ألفة الحقيقية، تلتمع عيناها وتغرورقان بالدموع وهي تتحدث عن بناتها وعن حياتهن، نراها تضحك حين تتذكر بعض اللحظات القليلة من البهجة في حياتها. ولكننا نرى أيضا ألفة الأخرى (هند صبري) وذريعة وجودها في الفيلم، أنها تدرس شخصية ألفة لأنها ستؤدي دورها في فيلم تخرجه بن هنية. نرى في ذلك المزج بين ألفة وهند صبري تشتيتا في الانتباه، وانتقاصا من قدرة الفيلم على التأثير.

البنتان الكبريان غيبهما السجن لانضمامهما لتنظيم الدولة الإسلامية، ولذا قد نتفهم وجود ممثلتين للتعويض عن غيابهما، ولكننا نتساءل حقا ما الذي يدعو المخرجة لضم هند صبري، على جودة أدائها، إلى الفيلم، على الرغم من الحضور القوي الطاغي والجاذب للغاية لألفة. ربما قد يكون الأمر لضمان فرص أعلى للفيلم للتسويق، فوجود اسم نجمة كبيرة مثل هند صبري قد يضمن انتشارا وتسويقا للفيلم. نرى في حياة ألفة وبناتها كل صور القمع والتنكيل والقهر، التي تتعرض لها المرأة العربية والمسلمة في مجتمعنا الشرقي على يد المجتمع الذكوري والرجال. وما نلحظه في الفيلم هو أن أدوار الرجال جميعا، سواء كان زوجها ووالد البنات، أو الرجل الذي أحبته لاحقا أو رجل الشرطة، يؤديها ممثل واحد (مجد مستورة)، فالرجال في قمعهم وقهرهم للنساء واحد، وإن تعددت وجوههم. نرى في معظم الأحيان ثياب ذلك الرجل ملوثة بالدماء، دماء النساء اللاتي يقتلهن الرجال والمجتمع الذكوري جسدا وروحا.

نرى في الفيلم لعبة كانت تلعبها الأخوات الصغيرات، وهي لعبة الموت والمواراة في الثرى، حيث تسمع الفتيات أحاديث رجال الدين ووعيدهم وتهديدهم للنساء بعذاب القبر، إذا أعربن عن رغبتهن في عيش حياتهن كما يرغبن، أو إذا أبدين زينتهن أو لم يرتدين الحجاب والنقاب. ينفذ هذا التهديد والوعيد إلى عقول البنات الصغيرات، حتى أنهن يقررن تعذيب أنفسهن بأنفسهن جلدا وضربا، وحتى دفنا في الثرى للتكفير عن التفكير في الحرية، التي صورها لهم رجال الدين على أنها خطيئة كبرى وذنب لا يغتفر. تلتبس مشاعرنا إزاء ألفة ذاتها، فهي امرأة ذات تاريخ شخصي معذب، امرأة زُوِجت غصبا، وقبلها تعرضت للعنف والتعنيف بعد هجر أبيها لأمها، ولكنها الضحية التي تشربت قيم الذكورية، فأصبحت قامعة لبناتها، تخاف عليهن من تقوّل النساء، ومن إدانة الرجال لسلوكهن، فأصبحت قامعة لهن. في مشهد من مشاهد الفيلم نراها تحمل قطة حبلى، وتخاطب المخرجة. تقول إنها مثل هذه القطة، فالقطة حين تخشى على صغارها من الخطر تأكلها. وهكذا أصبحت ألفة، فقد أوسعت بناتها ضربا وتضييقا، حتى ضقن ذرعا وفررن إلى أحضان «داعش».

تصف آية وتيسير مدى قسوة أمهما عليهما، وكيف كانت توسعهما ضربا وتكيل لهما السباب حتى لا يتصرفن بطريقة مغايرة لتقاليد المجتمع. لا نعرف حين نسمع ما تعرضتا له من ضرب وأذى نفسي على يد أمهما كيف يسعنا أن نتعاطف مع مثل هذه الأم، ولكننا في الحين ذاته حين نستمع إلى ألفة لا يسعنا إلا أن نتعاطف معها ونتفهم مدى عطبها النفسي الناجم عن قسوة المجتمع عليها. ولكن الفيلم ليس مجرد بحث عن الأسباب التي قد تدفع فتاتين في الـ15 و16من العمر للانضمام للتطرف والانضمام لداعش، وللسفر للانضمام لمقاتليها. الفيلم أيضا عن الملاذ الذي تجده الأخوات في بعضهن بعضا من بطش العالم والرجال. تتعرض الصغيرات للاعتداء الجسدي والجنسي من رجال يعتقدن أنهم أهل للثقة، ولا يجدن إلا بعضهن بعضا لتضميد الجراح النفسية. في أحد مشاهد الفيلم تلتقي الاختان الصغيرتان، آية وتيسير، بالممثلتين اللتين ستقومان بدور شقيقتيهما المعتقلتين للانضمام لـ«داعش». نرى دموع الشقيقتين حين تريان الشبه بين أختيهما رحمة وغفران والممثلتين. تخبر الشقيقتان المخرجة أنهما تحاولان ألا تفكرا في شقيقتيهما، وفي ما حدث حتى لا تتحطم قلوبهن. وتقول أمهما الشيء ذاته. لألفة وآية وتيسير حضور طاغ على الشاشة، ولهن قدرة بالغة على الحصول على تعاطفنا. نود أحيانا لو كان بمقدورنا أن نمحي جزءا بسيطا مما تعرضن له من بطش وتنكيل وقهر.

 

القدس العربي اللندنية في

22.05.2023

 
 
 
 
 

فيلم "جان دو باري" يمثل عودة أكثر من رائعة لجوني ديب

الممثل يتحلى بالهدوء في أول بطولة له منذ طلاقه المرير من أمبر هيرد

جيفري مكناب 

كان الفيلم الافتتاحي في مهرجان "كان" لهذا العام منغمساً في الفضيحة إلى حد أن قلة من الحضور كان لديها أمل في أن يكون جيداً. بداية، أثارت كاتبة العمل ومخرجته النجمة مايوين حالاً من الاستياء الشديد والذعر إذ اختارت جوني ديب لأداء دور ملك فرنسا لويس الـ15، في ما سيشكل دوره التمثيلي الأول منذ طلاقه المرير والقاسي من أمبر هيرد، التي اتهمته بممارسة العنف الأسري ضدها وإساءة معاملتها. ثم، قبيل انطلاق المهرجان، اعترفت مايوين بأنها بصقت في وجه أحد الصحافيين. ومذاك، تقدم الأخير بشكوى ضدها يتهمها فيها بالاعتداء عليه. لذا، تساءل كثر: ما الذي يحدث في "كان" بحق السماء؟

خلافاً للتوقعات كافة، اتضح أن "جان دو باري" Jeanne du Barry دراما أزياء راقية ومتقنة التصميم لا تخلو من نكهة ساخرة طاغية. إنه أقرب إلى فيلم "باري ليندون"Barry Lyndon  لستانلي كوبريك [كتبه وأنتجه وأخرجه] أكثر منه إلى "قراصنة الكاريبي" Pirates of the Caribbean، إذ قدم ديب واحداً من بين أدواره الأكثر هدوءاً وكفاءة باعتباره الملك الذي يقع في حب فتاة مومس. لويس كتوم وحزين ولكنه شخصية قيادية ذات جانب مظلم.

جان دو باري (التي تؤدي دورها مايوين نفسها) امرأة شابة آتية من خلفية اجتماعية متواضعة جداً، والتي، من طريق المصادفة أولاً ومجهودها الخاص ثانياً، ينتهي بها المطاف في قصر فرساي. كثر من الرجال الذين تعاملت معهم تعاطوا معها بطريقة شائنة، بيد أنها مع ذلك تملك من الذكاء وحس الفكاهة ما يكفي كي تمضي قدماً. النص السينمائي، الذي شاركت في كتابته مايوين [تعاونت مع تيدي لوسي موديستي ونيكولاس لايڤيتشي]، يكشف عن سخافة وشوفينية حياة البلاط. بعد أن انجذب الملك لها، خضعت جان مكرهة لفحص طبي مذل لأعضائها التناسلية قبل أن يعلن طبيب أنها "جديرة بالسرير الملكي".

في مهمتها كمخرجة، تولي مايوين اهتماماً شاملاً لأزياء الممثلين وتصميم الإنتاج. لا يحوي الفيلم أياً من المفارقات التاريخية التي شابت فيلم "ماري أنطوانيت" Marie Antoinette من إخراج صوفيا كوبولا (2006)، الذي عرض أيضاً في مهرجان "كان"، ولكن يطغى فيه الاهتمام المفرط نفسه في طريقة ارتداء الشخصيات أزياءها، وعلى وجه الخصوص تصفيفات شعرها. كذلك يستفيد الفيلم من الاستخدام المبدع لمواقعه في قصر فرساي، من قاعة المرايا إلى كثير من غرف الاستقبال الفسيحة حيث يؤدي الأرستقراطيون بملابسهم المفرطة التأنق طقوسهم الغريبة. يظهر ديب بشخصية لويس الـ15 للمرة الأولى من مسافة بعيدة، ويسير وهو يرتدي معطفاً طويلاً أزرق اللون، تجاه جمع من كبار الشخصيات البارزة. إنه عالم شديد الهرمية، تحمل فيه كل نظرة وإيماءة وكلمة معنى خفياً. الكل يتآمر ضد الكل. ويعتبر إظهار أي شكل من المشاعر سلوكاً سيئاً.

في مراحلها الأخيرة، تتعثر حبكة الفيلم بعض الشيء. على رغم أن بضع سنوات فقط تفصلنا عن الثورة الفرنسية، وأن شخصيات كثيرة هنا متجهة إلى المقصلة، إلا أن حياة البلاط هادئة بشكل لافت. نشهد صراعاً مستمراً على السلطة والنفوذ، وهذا كل ما في الأمر. تتبدى لحظات التوتر الدرامي الحقيقية الوحيدة فيما تنتظر جان لترى ما إذا كانت ماري أنطوانيت الشابة والسخيفة ستتكرم وتتحدث إليها، من ثم تثبت أنها غير منبوذة.

جان الشخصية الوحيدة التي تستسلم لمشاعرها العفوية. كل شخصية أخرى في الفيلم ملزمة بالاتفاق أو المصلحة الذاتية الإفصاح عن مشاعرها الحقيقية. لما كان قصة حب، فإن الفيلم يبدو فاتر المشاعر. الملك والمومس يكنان مشاعر عميقة لبعضهما بعضاً ولكنهما لا يظهران كثيراً من الشغف. يكمن الثراء الأكبر هنا في الفكاهة اللاذعة للفيلم وشخصياته الشنيعة غالباً.

لم يتبد بعد التحول الذي سيصنعه "جان دو باري" في سمعة ديب المتعثرة، بيد أنه يقدم أداء قوياً بما فيه الكفاية. هذه المرة، أقله، كان المتشائمون في "كان" مخطئين.

إخراج: مايوين. بطولة: مايوين، جوني ديب، ميلفيل بوبو، بيير ريتشارد. 116 دقيقة

"جان دو باري" في انتظار إطلاقه في دور العرض في المملكة المتحدة

© The Independent

 

الـ The Independent  في

23.05.2023

 
 
 
 
 

المخرج السوداني محمد كردفاني من "كانّ":

بينما أمشي على السجادة الحمراء يفر الناس من الرصاص

(رويترز)

تمثل تجربة المشاركة في مهرجان كان السينمائي حدثاً رائعاً ومؤلماً في الوقت نفسه لمحمد كردفاني، فهو مخرج أول فيلم سوداني يشارك في المهرجان لكن المشاركة تأتي وسط صراع تشهده بلاده وتسبب في نزوح ما يقرب من 1.1 مليون شخص عن ديارهم.

وقال لـ"رويترز"، يوم الإثنين "إنه لشرف عظيم لي وأشعر بسعادة غامرة لأنّ الفيلم وصل إلى كانّ، فهذا يمثل مكافأة كبيرة لكل الطاقم والممثلين، وأنا واحد منهم". وتابع: "لكن في الوقت نفسه، أشعر بالحزن... فأنا أمشي على السجادة الحمراء بينما يفرّ الناس من الرصاص والقصف".

ويسلط فيلمه "وداعاً جوليا" الذي عرض لأول مرة يوم السبت الضوء على تأثير انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011 على حياة الأفراد من خلال التركيز على امرأتين هما منى وجوليا. وتلعب دوريهما الممثلة والمغنية المسرحية إيمان يوسف والعارضة سيران رياك.

وتحاول منى المغنية المعتزلة، وهي من السودان، التطهر من شعورها بالذنب بعد التستر على جريمة قتل من خلال اصطحاب جوليا أرملة الضحية، وهو من جنوب السودان، وابنها إلى منزلها. وفي ظل عجزها عن الاعتراف، قررت أن تترك الماضي وراءها.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، تسببت المواجهات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية في مقتل نحو 705 أشخاص وإصابة ما لا يقل عن 5287 شخصاً.

وعبّر كردفاني عن أمله في أن يجد السودان طريقه للسلام والمصالحة في المستقبل. وقال: "آمل أن نتمكّن من تشكيل هوية وطنية جديدة تفخر بالقيم التي تجمع الناس مثل الحرية، مثل العدالة، مثل التعايش".

 

العربي الجديد اللندنية في

23.05.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004