ملفات خاصة

 
 
 

الفيلم الفرنسى «فى مستشفى الأمراض العقلية» يحصد التصفيق!

طارق الشناوي

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

تخيل معى مشهدا لعدد من الفقراء يلتقون حول صناديق القمامة الضخمة ليبحثوا فيها عما يمكن أن يملأ بطونهم مما تركه الأغنياء، سواء من البيوت أو المطاعم وألقوه فى تلك الصناديق السوداء.

ستكتشف أن الفقراء لا يتصارعون فى الحصول على الطعام، يساعدون بعضهم البعض على الانتقاء، هذا المشهد تابعته فى الفيلم الفرنسى التسجيلى الذى يحمل عنوان (فى أدامانت) وهو مستشفى لعلاج الأمراض العقلية والنفسية، حيث تجرى وقائع هذا الشريط السينمائى المؤثر والعميق وأيضا المبهج.

الفيلم جاء عرضه فى ختام أيام المهرجان داخل المسابقة الرسمية التى تواجد فيها أيضا فيلما تحريك، بالإضافة إلى 16 فيلما روائيا، وكلها تخضع لنفس أسلوب التقييم من خلال لجنة التحكيم التى ترأسها النجمة الأمريكية كريستين ستيوارت.

طبعا أسلحة الإبداع تختلف بين التسجيلى والتحريك والروائى، إلا أن معيار الجمال الفنى واحد، ومثل هذه الأمور دقيقة جدا عندما تتعدد الأنماط الفنية داخل نفس المسابقة، إلا أنها قطعا ليست مستحيلة، أدوات المخرج التسجيلى غير الروائى غير التحريك، إلا أن (الترمومتر) الجازم والدقيق هو فى القدرة على تقديم الإبداع.

عودة على المشهد الذى تخلل فيلم (فى أدامانت) هل لو قدمت السينما العربية، خاصة المصرية، مثل هذه المشاهد ستتعامل معها الرقابة بنفس متسامحة أم ستنشط وكالعادة غدة (سمعة مصر).

كثيرا ما نردد هذا التعبير العاجز معتقدين أن الفنان الذى يقدم مشاهد سلبية هو من أعداء الوطن الذين يجب استئصالهم من الحياة وأنهم يبيعون انتماءهم من أجل الحصول على جائزة وكأن الوطنية حكر على من يقدمون أعمالا ترويجية.

تلك النظرة تخاصم المنطق لأن الدول الغنية مثل كوريا الجنوبية وأمريكا وفرنسا وألمانيا وغيرها لا تجد حرجا فى أن تقدم جراح المجتمع، وكثير من الأفلام التى حصدت الجوائز وحققت رواجا جماهيريا اقتربت من هؤلاء الفقراء تعايشت معهم مثل الفيلم الحائز على الدب الذهبى وأوسكار أفضل فيلم أجنبى (الطفيلى).

من كوريا الجنوبية، قبل نحو ثلاث سنوات وهى من أكثر دول العالم فى تحقيق أعلى دخل للمواطن، كانت أحداث الفيلم تتناول تفاوت الطبقات الذى أدى إلى جريمة قتل دموية بشعة فى النهاية، رغم أن الفيلم قدم فى قالب كوميدى.

أتمنى أن نفتح الأبواب وأن ننسى تماما عقدة فيلم (ريش) الذى دفع فى النهاية منتج الفيلم، محمد حفظى، بعد أن وجد نفسه تحت مرمى الضربات المتلاحقة أن يعلن ليريح ويستريح أنه لو عادت به الأيام لن ينتج أبدا فيلما على غرار (ريش)، رغم أنه حقق لنا أكبر جائزتين حققتهما السينما المصرية طوال تاريخها فى (كان).

عودة لفيلمنا الفرنسى الذى تجرى أحداثه داخل المستشفى مع مجموعة من المرضى نفسيا وعقليا، وكيف أن العلاج بالفن والموسيقى والرسم والغناء، والتطلع للعالم هو فقط المفتاح للشفاء.

هناك قطعا محاذير قانونية وأيضا فنية عند تقديم المرضى على الشاشة وهو يقضى بألا نرى المريض وهو يكشف معاناته وخضوعه للعلاج، فقط مسموح الاقتراب بدفء وحب، وهذا هو ما حققه المخرج الفرنسى نيكولاس فيليبرت، عندما أمسك بخيط رفيع فى المعالجة التوثيقية وهو كيف تقدم الحالة وتتعاطف معها أيضا تظل مدركا فى نفس الوقت أن هؤلاء أساسا مبدعون وليسوا مرضى.

ولا يوجد أى هامش من احتمال انتقال المشاعر إلى درجة الشفقة، حرص المخرج على التنوع فى التفاصيل الإبداعية، الموسيقى والغناء والرسم والنحت، وهى أشبه بدراسة ميدانية لذلك المستشفى الذى يطل على نهر السين، أخذ منه نقاءه وبراءته وتدفقه.

تاريخ وأسباب المرض ليست أبدا هى عمق القضية المحورية التى يتناولها الفيلم، لكن تلك الشخصيات التى نعايشها ولا أقول نتعايش معها هى القضية، ولهذا صفق الحاضرون بقوة للمخرج فى نهاية العرض، وهى طبقا لمتابعتى أكثر مرة قوبل فيلم بكل هذه الحفاوة فى هذه الدورة.

من الممكن أن يردد البعض المقولة الشهيرة بقدر ما هى سخيفة (الفنون جنون)، رغم أن الفن يكمن أساسا فى إمعان العقل وليس نسفه أو نفيه، إطلالة على الحياة من هذا المستشفى، المخرج تتقاطع شخصياته وتتابعهم، وهم يواجهون الحياة بقلوب دافئة.

ممارسة الفن إحدى وسائل العلاج فى المستشفى، أتذكر جيدا فى معهد السينما مطلع الثمانينيات كان الفنان وأستاذ مادة علم النفس د. حسين عبدالقادر، وهو مارس أيضا عمليا مهنة التمثيل، كان يصطحبنا مرة كل شهر لزيارة مستشفى العباسية، نلتقى بعدد ممن يمارسون الفن بمختلف أنماطه داخل المستشفى وكانت حصة عصية على النسيان، أظنها لم تعد الآن قائمة.

■ ■ ■

أمس الأول، وبعد عرض الفيلم الفرنسى التسجيلى (فى أدامانت) وعلى بعد 100 متر على أكثر تقدير من السجادة الحمراء، كان هناك عرض لايف آخر، مظاهرة يشارك فيها عدد من الإيرانيين يعلنون تضامنهم مع الشعب الإيرانى فى ثورته من أجل الحرية، فى بداية المهرجان شاهدت احتجاج سائقى التاكسى لإحساسهم أن شركة (أوبر) الداعمة للمهرجان تحصل على تميز يتيح لسائقيها الوقوف أمام دور العرض للاستحواذ على الزبائن.

بما يتنافى مع العدالة فى إتاحة الفرصة للجميع، كان المتظاهرون يؤكدون أنهم يعبرون عن مطالبهم ولن يسرقوا الكاميرا من المهرجان، وهو ما ردده أيضا المشاركون فى تلك التظاهرات هذه المرة.

إلا أنهم قدموا احتجاجهم عما يجرى فى إيران بأسلوب إبداعى، مثلا من تضع لاصقا على عينيها أو فنها ترمز لفقء العين أو إسكات الناس، ومن يسير بعكاز، ومن تقدم مشهدا تمسك فيه المقص وتضعه على شعرها ومن يقدم لك نعشا، كلها تنويعات على تيمة واحدة ما يجرى فى إيران من ظلم وقهر وفرض حجاب قهرا على النساء.

طقوس المهرجان تفرض حتى فى الاحتجاج تقديم رؤية إبداعية تتدثر أيضا بالفن، وغدا نكمل فى تحليل لنتائج المهرجان!!.

 

المصري اليوم في

26.02.2023

 
 
 
 
 

خاص "هي" رسالة مهرجان برلين-

فيلم "Afire".. هل هو فيلم عن الحب أم أشياء أخرى؟

برلين- أندرو محسن

ربما كان فيلم ”Afire“ (احتراق) أو "سماء حمراء" طبقًا للعنوان الأصلي، أحد أكثر الأفلام المنتظرة هذا العام في مسابقة مهرجان برلين 73، فالفيلم هو الأحدث في مسيرة المخرج شديد التميز، كرستيان بيتزولد، انطلقت الكثير من أفلامه من مهرجان العاصمة الألمانية، ولم تخرج دون جوائز، وانضمت إلى جوائزه بالأمس جائزة الدب الفضي (لجنة التحكيم الكبرى) عن هذا الفيلم.

في فيلمه السابق ”Undine“ (أوندينه) والذي حصد جائزة أفضل ممثلة (باولا بير) من المهرجان نفسه، قدم بيتزولد قصة شديدة الشاعرية، مستوحاة من عالم الأساطير دون أن تكون مجرد معالجة للأسطورة، بل هي إعادة تصور كاملة لإحدى شخصيات الأساطير. لم يخل الفيلم -كعادة أغلب أفلام بيتزولد- من قصة رومانسية، شكلت العماد الأساسي لذلك الفيلم آنذاك.

في ”احتراق“ لا تزال الرومانسية حاضرة من بيتزولد، لكنه يقترب من قصة معاصرة أكثر، ويختار شخصيات تشبهنا، وأزمات نشعر بها. لخلق الدراما، يقرر بيتزولد أن يقدم لنا بطلًا عاديًا جاديًا، لكن في عالم ليس عاديًا تمامًا.

بطل عادي

تتابع الأحداث ليون (توماس شوبرت) وصديقه فيليكس (لانجستون ييبيل) اللذان يذهبان إلى منزل للأسرة قريب من البحر. رغم أنها تبدو رحلة استجمام، فإن لكل من الصديقين غرض عملي أيضًا، إذ يعمل ليون على مخطوطة روايته، بينما يحاول الآخر أن إعداد الملف الفني الخاص به. هناك يجدان أنهما ليسا وحدهما في البيت، ونتيجة هذا الشخص الجديد تتطور الأحداث.

أكثر ما يميز شخصيات الفيلم، وتحديدًا فلان أنه يبدو شخصيًا تقليديًا تمامًا. بينما نتخيل أن يكون الروائي أو الكاتب شخصًا مميزًا ووسيمًا وعلى قدر من الذكاء، مثل الكاتب في فيلم ”Misery“ (بؤس) أو موهوبًا وشديد الحساسية مثل السيناريست في فيلم “Adaptation” (اقتباس)، لكن الروائي هنا شخص تقليدي تمامًا، واختيار شوبرت للشخصية يخدم هذه الفكرة بشكل أكبر، إذ منذ ظهوره الأول نشعر أنه شخص عادي غير ملفت بشكل خاص.

هذه ”العادية“ في حد ذاتها مخاطرة من المخرج، إذ من يحب أن يشاهد شخصية مثل هذه؟ لكننا نكتشف تدريجيًا أن الظروف المحيطة به ليست عادية تمامًا. يعاني من صعوبة في تعديل مخطوط روايته، و يمنعه هذا من التفاعل بشكل طبيعي مع كل ما ومن يحيط به، لا يجيد الاستمتاع بالبحر أو قضاء وقت مع صديقه، أو التعرف بشكل لائق على الفتاة التي تسكن البيت معهم، استكمال هذه الرواية أصبح هو حياته في حد ذاتها.

من الممتع تناول شخصية المبدع بهذه الصورة على الشاشة، خاصة في وقت أصبحت فيه كلمة ”الشغف“ (Passion) مستخدمة بشدة سواء في محلها أو في غيره، مع الدفع بفكرة أن الشغف يرتبط مباشرة بالإبداع، وأن متابعة الشغف أمر ضروري لتحقيق أحد الأهداف المهمة في الحياة. يكسر ”احتراق“ هذه الصورة الرومانسية عن الشغف، ويجعل الشغف، كتابة الروايات في حالتنا هذه، عملًا مؤلمًا لصاحبه وشديد الصعوبة، ولا يمكن تحقيق نتائج فيه بسهولة.

عالم غريب

منذ بداية الفيلم وهناك تأسيس لأجواء تشبه أفلام الرعب. سيارة تتعطل فجأة قبل مكان الوصول، بيت معزول في الغابة، اكتشاف وجود شخص في البيت فجأة، حرائق في الغابات، وأفكار تطارد صاحبها حرفيًا. من هذه الأجواء التي تثير التوتر مبكرًا يصنع بيتزولد الدراما، ليجمع الفيلم بين عدة أنواع فيلمية.

بجانب الأجواء المخيفة نسبيًا، لا يخلو الفيلم من حس كوميدي واضح وتلقائي بين الشخصيات المختلفة، وخاصة شخصية فيليكس الذي على النقيض من ليون، مقبل على الحياة، ولا يمانع في تأجيل عمله للاستمتاع بالمكان والتعرف على الناس وصناعة صداقات جديدة، والبحث عن الحب أيضًا.

من أفضل جوانب الفيلم هي كيفية وضع هذين الاثنين معًا دون أن نشعر لوهلة أنهما من عالمين مختلفين، بل هما فقط ينظران إلى العالم بمنظور مختلف. ثم يأتي الجانب الرومانسي، ويتسلل الإعجاب بين ليون ونادية (باولا بير). لكننا لسنا أمام فيلم تقليدي، إذ نتوقع منذ البداية أن يقع الاثنان في الحب، لكن السيناريو يطور الشخصيات والعلاقات بينها بشكل مختلف، حتى لا نكاد نمسك بشكل حقيقي بأبعاد العلاقة بين الاثنين، عكس ما حدث بين فيليكس وديفيد (إنو تريبس) اللذان تبدو علاقتهما أوضح.

في هذا الجانب الرومانسي يختلف "احتراق" عن "أوندينه" الذي تحركه بالأساس قصة الحب، بينما في هذا الفيلم يحتاج ليون إلى إعادة فهم نفسه وعالمه أولًا قبل الوقوع في قصة حب جديدة، وهكذا يجيد بيتزولد تقديم رؤية شديدة التشابك لفكرة تبدو شديدة البساطة.

 

مجلة هي السعودية في

26.02.2023

 
 
 
 
 

غولدا مائير وعمر الشريف وتداعيات مهرجان «برلين»

طارق الشناوي

قولاً واحداً الفيلم البريطاني الذي عرض في قسم «البانوراما» بمهرجان برلين في تلك الدورة التي أسدلت ستائرها قبل 36 ساعة، يزيف التاريخ، من حقنا أن نقول ذلك وأكثر عن فيلم «غولدا» للمخرج نيكولاس مارتن، وبطولة هيلين ميرين، الفنانة المبدعة الحائزة من قبل على أوسكار. السؤال هل بإعلان الرفض انتهى دورنا في مواجهة رسالة الفيلم التي صدّرها للعالم من خلال واحد من أعرق المهرجانات في الدنيا وأكثرها تأثيراً؟!

الفيلم لاقى رواجاً وأتيح له العرض مرات كثيرة، الشريط السينمائي يقلب الحقائق، معتبراً أن انتصارنا العرب في أكتوبر (تشرين الأول) 1973 تحقق فقط في الأيام الأولى للحرب، بعدها انقلبت الموازين، والجيش الإسرائيلي بعد اختراقه الثغرة صار منتصراً، وهو ترويج خاطئ لأكذوبة، صدّروها للعالم، يكررونها في أفلامهم، ولم تكن المرة الأولى، ولا أتصورها قطعاً الأخيرة.

إسرائيل أدركت جيداً قبل أكثر من 100 عام، أي قبل قيامها كدولة، خطورة هذا السلاح.

عرفت إسرائيل أهمية السينما واستخدمتها في التمهيد لاحتلال الأرض من قبل «وعد بلفور» 1917، أرثر بلفور وزير الخارجية البريطاني، لإقامة وطن لإسرائيل، فوراً نشطت العقلية الإسرائيلية، وقدّمت أفلاماً تسجيلية صامتة عن حق إسرائيل المزعوم في أرض فلسطين، مثل «قطيع ماعز في القدس»، وبعد دخول الصوت، وفي مطلع الثلاثينات قدّمت أيضاً أفلاماً مثل «صبار»، وتعددت الأفلام الإسرائيلية، خاصة بعد نكبة 48.

اكتفينا نحن بأغاني نرددها فيما بيننا مثل «أخي جاوز الظالمون المدى - فحق الجهاد وحق الفدا» لعلي محمود طه، تلحين وغناء عبد الوهاب، في عام 1960 واصل بن غوريون مؤسس الدولة العبرية استخدام هذا السلاح وساهم في إنجاز فيلم «إكسودس» بطولة بول نيومان، وحصد الأوسكار.

بين الحين والآخر، يقدمون أفلاماً تتحدث عن رغبتهم في السلام، مثل «زيارة الفرقة الموسيقية» 2007، الذي عرض في مهرجان «كان». حاولوا اختراق أكثر من مهرجان عربي لعرض الفيلم، وقدموا في المشهد الأخير عناقاً بين العلمين المصري والإسرائيلي وتداخلت موسيقى النشيدين الوطنيين، لا أنكر أنهم يعلنون دائماً عن رغبتهم في السلام، بينما الممارسات على الأرض تؤكد أنهم لا يجيدون سوى الاغتصاب، حتى في فيلم «غولدا» أسهبوا في تقديم مشاهد تسجيلية لمفاوضات السلام بين الرئيس الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيغن، وحضرت جانباً منها غولدا مائير، التي كانت قد غادرت موقعها، ولكن لثقلها التاريخي شاركت في الجلسات الختامية، وتضاحكت كثيراً مع السادات، أنهي الفيلم البريطاني مشاهده بـ«حمام سلام» مقتول على الأرض، وكأنهم يريدون السلام، بينما نحن الذين نسفك الدماء.

كان الرئيس أنور السادات مولعاً بالسينما حتى إنه في 23 يوليو (تموز) 1952 ليلة قيام الثورة ذهب لدار عرض قريبة من منزله، مع السيدة جيهان السادات، وذلك قبل ساعات قليلة من بداية تحرك الضباط الأحرار، ورغم ذلك فإنه بدافع حرصه على السرية المطلقة لم يسمح بتواجد كاميرات في بداية حرب العبور، وكل ما نشاهده في الأفلام لقطات أعيد تصويرها بعد ذلك.

قال لي النجم العالمي عمر الشريف، الذي ربطته صداقة مع السادات، إنه طلب منه إنتاج فيلم عن أكتوبر، ورصد له ميزانية مفتوحة، وافق عمر الشريف في البداية، إلا أنه بعد ذلك تراجع، وقال لي لن يحاسبوا أحد غيري على الإخفاق، وسوف أجد نفسي تحت مرمى نيران الغضب.

مع الأسف أفلامنا المصرية عن أكتوبر، ويبلغ عددها 6 أفلام، صورناها بعد الحرب مباشرة، توصيفها الصحيح أنها أفلام تجارية، علينا أن نسارع بالدخول إلى ميدان السينما العالمية، الرؤية المتداولة عن حرب 73 لصالح إسرائيل، لم نستطع حتى الآن مخاطبة العالم لتصحيح الصورة، من السهل أن نبدد طاقتنا في شجب فيلم مثل «غولدا»، ولكن ماذا بعد؟

في أكتوبر المقبل سنحتفل بمرور نصف قرن (اليوبيل الذهبي) على انتصارنا، وفي الوقت نفسه، إخفاقنا في تقديم فيلم يقول للعالم إننا حقاً انتصرنا!!

ناقد سينمائي مصري

 

الشرق الأوسط اليوم في

27.02.2023

 
 
 
 
 

اختتام مهرجان برلين 73 بمفاجآت أطلقتها لجنة ستيورات:

صعود ”الدبّ” في قارب فيليبير وفوز للسينما اللبنانية

هوفيك حبشيان

المفاجأة كانت كبيرة: فوز المخرج الفرنسي نيكولا فيليبير بجائزة "الدبّ الذهب" عن فيمله الأحدث، "على قارب الأدامان". حدث هذا مساء أول من أمس، في اليوم ما قبل الأخير من الدورة الثالثة والسبعين ل#مهرجان برلين ال#سينمائي (16 - 26 شباط) الذي وزّع كالعادة جوائزه - لمَن يستحق ولمن لا يستحق - قبل يوم من ختامه الرسمي، تاركاً اليوم الأخير للمشاهدين الذين كافأوا جهود القائمين على التظاهرة الألمانية بحضورهم الكثيف. وهكذا نال المخرج البالغ من العمر 72 عاماً، أرفع جائزة في برلين، من يد رئيسة لجنة التحكيم الممثّلة الأميركية كريستن ستيورات، ابنة الثانية والثلاثين، التي خالفت توقّعات كثيرة، رغم انه لم يكن هناك مرشّحون أقوياء لـ"الدبّ" حتى اللحظة الأخيرة.

الخيار مفاجئ بلا شك، لكنه في المكان الصحّ. فهذا أول عمل وثائقي ينال "الدبّ" منذ عام 2016، ويومها أُسندت إلى جيانفرنكو روزي، المخرج الإيطالي الذي كان جاء إلى برلين ومعه رائعته "نار في بحر" عن أزمة اللاجئين في جزيرة إيطالية. "على قارب الأدامان" هو أيضاً ثاني وثائقي على التوالي، ينال الجائزة الأرفع في مهرجان كبير، ذلك ان "كلّ هذا الجمال وسفك الدماء" للورا بواتراس، كان فاز بـ"الأسد الذهب" في البندقية في أيلول من العام الماضي. يجب القول ان مهرجاني برلين والبندقية أظهرا اهتماماً أكبر بالوثائقي في السنوات الأخيرة، وهناك في كلّ دورة من دوراتهما فيلم داخل المسابقة، خلافاً لمسابقة كانّ التي تخلو من الوثائقي، وآخر فيلم خطف "السعفة"، كان "فهرنهايت 9/11" لمايكل مور قبل نحو عقدين من الزمن، وهو أول وآخر وثائقي ينالها بعد "عالم الصمت" لجاك إيف كوستو ولوي مال في العام 1956. واذا سبق ان أفصحنا عن بعض الملاحظات حول فيلم بواتراس لكون الموضوع أكبر من الفيلم وأهم منه، فالعكس هو الصحيح في حال فيليبير الذي يخلق فيلماً من قليل. أهميته في نظرته إلى الأشياء، لا في الأشياء نفسها فحسب، وكان يمكن لمخرج ذي قدرات محدودة ان يصوّر الشخصيات عينها وعلى القارب عينه، من دون ان يخرج بعمل يعتمل فيه هذا الحسّ الإنساني الفريد الذي صنع جمال فيلم فيليبير.

في "على قارب الأدامان"، يوثّق فيليبير الحياة اليومية لحفنة من الأشخاص الذين قد يطلق عليهم الطب التقليدي "مرضى نفسيين"، لكنهم ببساطة قد يكونون أيضاً "مختلفين". نراهم يرتادون قارباً على نهر السين تحول منذ العام 2010 مركزاً لعلاج الأمراض النفسية. يبحث هؤلاء عن حضن أو مكان دافئ يؤويهم، خارج مؤسسات صحية قد يُفتح في شأنها نقاش آخر. نراهم يلتقي بعضهم بعضاً ويناقشون تفاصيل نشاطات ثقافية، وبين هذا وذاك يتحدّثون لكاميرا فيليبير، الحاضرة دائماً والممتنعة أبداً عن تحويلهم مواد أو ضحايا، بل يصون إنسانيتهم وضعفهم وجمالهم.

من خلال هذا الفيلم وما سبقه من أعمال له فازت بالاعجاب، يحاول فيليبير النظر في عمق الإنسان أو النظر اليه بعمق، بعد تجريده من كلّ الاعتبارات غير الإنسانية. فيليبير استاذ في هذا. على غرار فريدريك وايزمان، ينجز الأفلام بهدف اسكتشاف العالم، لا يذهب إلى موقع التصوير بأفكار نمطية ولا يقارب الشخصيات بمواقف جاهزة. لا يعرف فيليبير أكثر منّا عن شخصياته في اللحظة التي تدور فيها الكاميرا، شخصياته يكتشفها بلحظتها وبـ"أرضها"، لا يسابق ولا يراوغ. من أهم ما فيه انه يعلم انه لا يعلم، ومن هنا يتولّد عنده الفضول. كأن الاطلاع المسبق هو حاسة لديه، اذا حجبها ازدادت حساسية الحاسات الأخرى وأولاها النظر. مع الزمن، تغيّر الوثائقي كثيراً، وهو في الأساس فنّ يتيح لصاحبه ان يصوّر فقط ما لا يزال يجهله. فيليبير يعود بأفلامه إلى منبع الوثائقي.

في لائحة جوائز ردت الاعتبار إلى السينما الفرنسية، فاز فرنسي آخر هو فيليب غاريل بجائزة الإخراج ("دبّ فضّة") عن "لو غران شاريو". حكاية عائلة من محركي الدمى. الأب يدير مسرحاً متنقّلاً للدمى ورثه من أبيه، وهو يأمل ان يرث أولاده "بزنس" العائلة. ورغم ان الأولاد، وأكبرهم في الثلاثينات من عمره، لا يمانعون هذا العمل ويضحّون من أجل استمراريته، الا انه يصعب الاعتماد عليه للعيش، ذلك انه ما عاد يدر عليهم الأموال. والمسرح الذي كان يسلّي الآخرين في السابق، بات اليوم أشبه بمتحف، يتم الحفاظ عليه من باب صون الذاكرة والماضي. استعان غاريل بأولاده الثلاثة، لوي ولينا واستير، في فيلم بدا مشروعاً عائلياً، وكأن المخرج البالغ من العمر 74 عاماً يكتب به وصيته السينمائية، ذلك انه يناقش مسألة الارث الفنّي.

"الدبّ الفضّة" (جائزة لجنة التحكيم الكبرى) كانت من حصّة المخرج الألماني كريستيان بتزولد عن فيلمه "سماء حمراء". تتمحور الحكاية على نحو ستة أشخاص، إثنان منهم نراهما يتوجّهان مع بداية الفيلم إلى بيت ريفي. نفهم انهما يريدان قضاء الصيف في هذا المكان المعزول عن العالم لينعما ببعض السلام والهدوء يتيحان اتمام أعمالهما الابداعية. لكن ليون (توماس شوبرت) الكاتب الشاب الذي يحاول لملمة أفكاره لإنهاء كتابه الثاني قبل ان يحين موعد ارساله إلى الناشر، يدخل ويدخلنا معه في متاهات نفسية وعاطفية ووجودية، وهذا ما سيلقي على عاتق الفيلم الكثير من التوتر والصراعات المتداخلة، وصولاً إلى خاتمة غير متوقعة.

خمس نساء وعلاقتهن بأولادهن والصراعات التي تتولّد عندما يعود الماضي فجأةً ولا يكون للحاضر أي حلول، هن بطلات فيلم "سوء العيش" للمخرج البرتغالي جوأون كانيخو الذي نال جائزة لجنة التحكيم. أما صوفيا أوتيرو، ابنة الثمانية أعوام التي برزت في "20 ألف نوع نحل" للمخرجة الإسبانية استيباليز أوريسولا سولاغورين، فنالت جائزة التمثيل وبدت متأثرة خلال استلامها قبل ان تعلن أنها ستمتهن التمثيل لبقية حياتها. زميلتها، الممثّلة الألمانية المتحوّلة ثيا إير، التي تكبرها بـ15 عاماً، استحقّت بدورها جائزة أفضل دور مساعد عن "حتى آخر الليل" للمخرج الألماني #كريستوف هوشهاوزلر.

أنغيلا شالينيك نالت بفيلمها الغريب والبطيء (والممل في بعض الأحيان)، "موسيقى"، جائزة أفضل سيناريو. يتم العثور على رضيع في جبال اليونان، يُربى في عائلة ليست عائلته قبل ان يصبح شاباً ويقتل أحدهم فيدخل السجن ثم يتزوج السجّانة ويرزق بأولاد منها، وهكذا نتجوّل في حيوات كلّ هؤلاء الناس. تلف عليها شالينيك دورة حياة كاملة مخربطةً علاقتنا التقليدية بالزمن والسرد. اسلوبها السينمائي يقوم على الاختزال الزمني واللقطات الثابتة والمَشاهد ذات البُعد التشكيلي. أما أفضل مساهمة فنية ففازت بها المصورة هيلين لوفار عن شغلها الجمالي على "فتى الديسكو" للمخرج الإيطالي جياكومو ابروتسيزي، الذي يستحق الاشادة.

أخيراً، الشقيقتان اللبنانيتان ميشيل ونويل كسرواني فازتا بجائزة "الدبّ الذهب" (المخصصة للفيلم القصير) عن فيلمهما "يرقة" (29 دقيقة) وهو عن شابتين، أسماء وسارا، مهاجرتين تعملان في مقهى في مدينة ليون الفرنسية. فتاتان تحملان في داخلهما ثقل التاريخ والماضي، كلّ واحدة على طريقتها. الفيلم الذي يروي

 

النهار اللبنانية في

27.02.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004