ملفات خاصة

 
 
 

جاءت إلي”

فيلم الافتتاح في مهرجان برلين السينمائي

أمير العمري- برلين

مهرجان برلين السينمائي الدولي

الدورة الثالثة والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

يمكن جدا أن يفتتح أي مهرجان بفيلم كوميدي خفيف. لا بأس. فلا يجب أن تكون كل الأفلام من نوعية واحدة، أو ذات طبيعة واحدة، جادة. لكن يجب أن يتمتع أي فيلم، افتتاح أو غيره- بالمصداقية والبراعة في عرض موضوعه وشخصياته بحيث يمكن أن يدفع من يشاهده إلى بعض التفكير، وتأمل الرؤية، مهما كانت بسيطة وعفوية.

أما فيلم افتتاح الدورة الـ73 من مهرجان برلين السينمائي، وهو الفيلم الأمريكي من الإنتاج المستقل “جاءت إلي” She Came to Me للمخرجة ربيكا ميللر، فلا يتمتع في الحقيقة، لا بالمصداقية ولا بالقدرة على توليد الضحك وتقديم عرض ناجح للتسلية.

جزء من مشكلة النقد الصحفي في الغرب أنه يبحث دائما بأي طريقة، عن الجوانب الإيجابية التي تخدم الصناعة في أي عمل مهما كان متهافتا، وهو اتجاه لم يكن موجودا قبل 20 عاما، عندما كان هناك نقاد من الوزن الثقيل يكتبون لتلك الصحف. ولكن اليوم، أصبحت السطحية ميزة، وثقل الظل، براعة، والافتعال الممجوج، مبررا. وكل هذا ممكن طالما أنه يتسق مع ما يسمى “الصوابية السياسية” political correctness.

وفيلم “جاءت إلي” أو “هي التي جاءت إلي”- إن أحببت، فيلم من هذا النوع “المديوكر” أو ما هو أدنى من المديوكر (أي الذي لا طعم له ولا لون) لكنه سيجد كالعادة بعض التقدير والبحث عن أي ميزة من جانب نقاد الصحافة الغربية الشائعة ومن يقلدونهم، صحافة الصناعة إن جاز التعبير، أي المجلات التي تخدم صناعة السينما وتروج لها، وتتجنب النقد الجمالي الذي لا يقيم أي اعتبار للصوابية السياسية أو غيرها من الحسابات التي تقع خارج جماليات السينما.

هذا أولا فيلم من إخراج امرأة (وهذه الحقيقة أصبحت الآن ميزة في حد ذاتها بعد انتشار وباء الـ 50-50، أي تخصيص نسبة 50 في المائة من أفلام أي مهرجان للمخرجات، وثانيا: في الفيلم علاقات مستحيلة ولكن يجب أن نتقبلها ونقنع بها وإلا كنا من المتعصبين المعادين للجندرية وغير ذلك من الهراءات. العلاقة الأولى بين قزم يدعى “ستيفن” (يقوم بدوره الممثل القزم بالفعل- بيتر دينكلاج” ولا عيب في استخدام الوصف الوحيد الحقيقي للقزم في اللغة العربية لكنك لو فعلت ذلك في اللغات الأوروبية لربما وجدت نفسه متهما بالتحقير والاهانة!!).. المهم أن هذا الممثل يقوم بدور موسيقار مرموق يؤلف الأوبرات (في أمريكا التي لا تعرف أصلا فن الاوبرا لكن لا بأس!). وهو يقيم في نيويورك مع زوجته. ومن هي؟ إنها بالطبع ليست أقل من الممثلة الفاتنة آن هاثاواي التي يبلغ طولها ضعف طوله، كما أنها تبدو أقرب إلى عارضة أزياء، تتفاخر بقوامها الممشوق، ولكنها تقوم هنا بدور “باتريشيا” الطبية النفسانية التي تستقبل المرضى في منزلها، ولكنها تعاني هي نفسها من أزمة نفسية أو هاجس يسيطر عليها من طفولتها، فقد كانت ومازالت، تريد أن تصبح راهبة. والفكرة تسيطر عليها وقد تفعلها بالفعل قرب النهاية.. وربما لذلك نحن لا نشاهد أي مشهد عاطفي بين هذه الفاتنة المثيرة، والأخ الموسيقار القزم ذي السحنة الكئيبة المخيفة واللحية الكثة الشيطانية.

لكن دعك من كل هذا. الاثنان يتبنيان منذ مدة طويلة، ولدا يدعى “جوليان” (أسمر البشرة، يبدو من أصل موريتاني وإن كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة ب اللهجة الأمريكية). لكن هذا الشاب (21 عاما) أقام علاقة عاطفية (وجنسية) مع فتاة في السابعة عشرة هي “تيريزا” (هارلو جين)، وهي من النوع الذي يعرف بالشقراء البلوتنيك.. بيضاء بلون الثلج، فلابد أن تكون نقيضه تماما له، وتيريزا هذه ابنة امرأة من أصل روسي تدعى “ماجدالينا” (تقوم بدورها النمطي بكل أسف الممثلة البولندية جوانا كولنج التي بهرنا أداؤها في الفيلم البولندي “الحرب الباردة” قبل سنوات).

السلسلة لم تنتهي بعد، فماجدالينا عاملة نظافة تعمل في منزل “باتريشيا”، ولكن جوليان ابن باتريشيا وزوجها بالتبني، لا يعرف هذه الحقيقة، ولا تعرفها باتريشيا وزوجها. وماجدالينا متزوجة من رجل يدعى “تري”، يعمل صحفي متخصص في شؤون القضاء، وهو رجل متزمت جدا وعنصري، يرفض أن تكون ابنة زوجته وابنته بالتبني أي تيريزا، على علاقة بشاب من عرق آخر، لكن الفرصة تلوح له عندما يعرف أنها تنام معه وهي تحت السن القانوني، فيسعى للإبلاغ عنه بتهمة الاعتداء الجنسي على قاصر. لكن زوجته ترفض ذلك، وتتفق مع باتريشيا وزوجها على حيلة تكفل لها الخلاص من هذه الورطة بتزويج جوليان وتيريزا (حسن الإمام كان سيشهق استغرابا من الفكرة).. لكن المشكلة الأكبر التي تستغرق الوقت الأطول من الفيلم هي أن القزم العبقري، الموسيقار ستيفن، مصاب للمرة الثانية بالعجز الإبداعي (البلوك) لذا فهو عاجز عن استكمال الأوبرا التي شرع في كتابتها ولم يكملها، وعندما يذهب الى البار لاحتساء الويسكي، يقابل هناك امرأة غريبة الأطوار تدعى “كاترينا” يعرف منها أنها قبطانة، تقود زورقا بخاريا، تستدرجه لكي يتفرج على زورقها، ثم تغويه بممارسة الجنس معها، ومن تلك اللحظة تقع في هواه وتطارده طلبا للمزيد من الجنس فهي مصابة بإدمان جنسي (يسمونه إدمانا عاطفيا تهذبا!!) والواضح أنه كان جبارا في مضاجعتها أيضا (يضع سره في أضعف خلقه!!)، لكن ستيفن يرفض مجاراتها، فهو يشعر بالذنب لخيانته زوجته الجميلة، التي ستذهب اليها كاترينا تطلب العلاج النفسي وتعترف لها بما وقع، فيصبح زواجها من ستيفن عرض للانهيار..

هذه العلاقة الجنسية السريعة ستجعل عقدة ستيفن تنفك، ومن ثم يعود الى ابداعه ويؤلف أوبرا تروي قصة كاترينا الشبقة جنسيا بعد أن يجعلها لا تكتفي بالجنس بل تقتل الرجال الذين تضاجعهم ثم تأكل جثثهم أيضا (ويا لها من فكرة طريفة للإبداع الأوبروي الأمريكي!!).

جميع شخصيات الفيلم كما نرى، مريضة على نحو أو آخر، تبحث عن التوازن الذي لا يتحقق سوى بالجنس أو بالهرب من الجنس. وطبعا لا فائدة من استكمال حكاية الفيلم وكيف ستنتهي هذه الميلودراما السخيفة التي يفترض أنها ستجعلنا نضحك ونتسلى بالمآزق التي يقع فيها مختلف الشخصيات. لكن المشكلة الأكبر في هذا السيناريو الهزيل، أن لا شيء يمكنه أن يقنعك على أي مستوى من الجدية، بأن ما تشاهده، قابل للحدوث، فالسيناريو يقوم على فكرة “التركيبة” التي تربط بين شخصيات متباينة ومختلفة، سطحية الى حد مزعج، في سياق يمتليء بالمصادفات والأقدار والعقد النفسية وكأن المجتمع الأمريكي بأسره، قد أصبح مجتمعا من المرضى والمتخلفين عقليا.

 

موقع "عين على السينما" في

17.01.2023

 
 
 
 
 

"جاءت إليّ" يفتتح مهرجان برلين السينمائي: فيلمٌ عادي في بداية دورة عادية

برلين/ محمد هاشم عبد السلام

افتتحت، مساء أمس الخميس، الدورة الـ73 لمهرجان برلين السينمائي الدولي، والتي تستمر حتّى 26 فبراير/ شباط الحالي.

وبعد حفل الافتتاح، الذي أقيم في "قصر المهرجان" في ساحة مارلين ديتريش، في قلب العاصمة الألمانية، عُرض الفيلم الأميركي "جاءت إليّ" (She Came to Me)، للممثلة وكاتبة السيناريو والمخرجة الأميركية ريبيكا ميلر (1962). 

وفي سابقة جديدة، عرض الفيلم الافتتاحي "جاءت إليّ"، يوم الأربعاء الماضي في 15 فبراير، أيّ قبل يومٍ واحدٍ من موعده، في 8 عروض صحافية دفعة واحدة، بخلاف عروض صحافية أخرى، صباح يوم الافتتاح، قبل ساعات من العرض الرسمي في المساء. في الماضي، كان العرض الصحافي لفيلم الافتتاح يسبق العرض الرسمي بساعات قليلة فقط، يوم الافتتاح. أمر خالفه المهرجان هذا العام، ويُمكن تفسيره بأنّ الإدارة مضطرّة إلى ذلك، لأنّها لم تجد بديلاً له.

عادة، يُقام عرض الافتتاح، والعروض الصحافية الأخرى، في قاعات مُجمَّع "سينيماكس"، التي تقلّصت طاقتها الاستيعابية إلى النصف، بعد عمليات ترميم واسعة للمُجمَّع السينمائي، حصلت أخيراً، ترتّب عليها استبدال المقاعد العادية بأخرى ضخمة، ممتدة، بطابع السرير، ما استلزم هدر مساحات لا يُستهان بها منها. وهذا أدّى إلى تراجع عدد المُشاهدين في القاعات الـ14 إلى النصف، تقريباً، أو أقلّ من النصف بقليل.

فيلم افتتاح الـ"برليناله الـ73" لم يأتِ بجديد، في المستويات كلّها، إذْ ليست المرة الأولى التي يُفتَتح فيها المهرجان، أقلّه في الأعوام الـ10 الأخيرة، بفيلم أميركي، أو لمخرجة. كما أنّها ليست المرة الأولى أيضاً التي يكون فيها فيلم الافتتاح دون المستوى، أو عادياً، أو يُنسى، حبكةً وإخراجاً وفكراً وكوميديا، ما يؤهّله، وبقوة، لصفة "فيلم افتتاح"، على غرار المهرجانات الكبرى المماثلة، خاصة في الأعوام الأخيرة. باستثناء أنّ "جاءت إليّ" ليس من إنتاج أكبر استوديوهات هوليوود، أو شركات ضخمة مشهورة، أو منصات بثّ، أو يحتشد بنجوم ونجمات صفٍّ أول، تجذب إطلالاتهم الحضور الجماهيري، والتغطية الإعلامية المُكثّفة. هذا يفتقر إليه المهرجان، بشدّة، بعد سنتين عجفاوان، بسبب كورونا وتداعياتها.

تيمة الفنان الموهوب، الذي يعاني ضغوطاً فنية ونفسية وعاطفية وحياتية، وأزمة حاكمة في الخلق، والإبداع والإلهام، مطروحة كثيراً. عولجت سينمائياً بمستويات مختلفة، حتى باتت مُستهلَكة. في جديدها، حاولت ريبيكا ميلر، قدر استطاعتها، تقديم هذه التيمة بطريقة مُبتكرة بعض الشيء، عبر خليطٍ، قوامه الأساسي الرومانسي، ويجمع النفسي والكوميدي والاجتماعي والأوبرالي. ستيفن (بيتر دينكلَدج) مؤلّف أوبرالي موهوب. يُعاني صعوبة في الكتابة والإبداع، ويفتقر إلى الإلهام والثقة. كما يعاني مشاكل واضطرابات نفسية. تحاول زوجته، باتريسيا (آن هاثاواي)، طبيبته النفسية السابقة، مُعالجة هذا كلّه بصبرٍ وإخلاص وتقدير له ولموهبته.

إلّا أنّ باتريسيا نفسها تُعاني، بدورها، مشاكل نفسية وحياتية، ليست أقلّ من تلك التي يُعانيها ستيفن. أبسطها يتعلّق بهوس الترتيب والنظافة والتطهير. تركيبتها تدفعها، تدريجياً، إلى الجنوح نحو التديّن، ثمّ اللجوء إلى الرهبنة، في النهاية، وربما اعتزال الحياة إلى الأبد، كاختيار ذاتي مريح، يحلّ المشاكل المُتراكمة، خاصةً بعد اكتشافها مغامرة جنسية غرامية لستيفن، ذات يومٍ، مع كاترينا (ماريسا تومَي)، المرأة المفعمة بالجنون والحيوية والرغبة وحبّ الحياة والبحر، وقيادة قاطرتها البحرية العتيقة. مُغامَرة ألهمت ستيفن عمله الأوبرالي الجديد الناجح، رغم شعوره بالندم والألم. وأيضاً، رغبته في الهروب، ونسيان ما حدث، وهذا ينجح فيه لبعض الوقت، قبل انقلاب الأمور، وسيرها عكس إرادته.

يلجأ ستيفن، ذات يومٍ، إلى كاترينا، لتهريب ابنه جوليان (أفَن أليسون) خارج نيويورك، حيث تدور الأحداث، كي لا يُسجن، وفقاً للقانون، لمُمارسته الجنس مع حبيبته تيريزا (هارلو جين)، ابنة الـ16 عاماً، بعد اكتشاف والدها المُتعصّب، تراي (براين دارسي جيمس) العلاقة بينهما، التي ليست علاقة حبّ عابر بين مراهقين، إذْ تطوّرت إلى أمور أخرى، كشفتها له زوجته ماغدالينا (جوانا كيوليغ)، التي تصادف عملها كعاملة منزل لدى عائلة ستيفن. يكون الحلّ تهريب الحبيبين، على متن القاطرة البحرية لكاترينا، وعقد زواجهما في ولاية أخرى، تسمح بالزواج في هذه السنّ، ويرافقهما ستيفن وكلبه الحبيب وكاترينا. هذا يُلهمه قصة جديدة، ينسج منها أوبرا أخرى ناجحة.

المُراهقون الصغار ربّما يكونون فعلاً الأكثر دراية بالحبّ، والأصدق والأوضح، والأكثر وعياً وتحقيقاً للتوازن النفسي والحياتي، مُقارنةً بالبالغين حولهم، المتخبّطين في عوالمهم المليئة بالمعاصي، والهواجس والاضطرابات النفسية والحياتية، والمحكومين بإداناتهم المُسبقة للآخرين.

في هذا الإطار البسيط، وعبر قصص حبّ متعدّدة الأجيال، ذات نهايات سعيدة تُرضي جميع الأطراف، وشخصيات قليلة غير مُركّبة، جاءت محاولة ريبيكا ميلر في إطار عادي، ومقبول إلى حدّ كبير، نظراً إلى سهولة ما أنجزته، وبساطته وصدقه، وقبل كلّ شيء، اختيارها فريق تمثيل جيّداً، أفراده منسجمون مع بعضهم البعض.

 

####

 

"يرقة" الشقيقتين كسرواني: حريرٌ وهجرة وهواجس

نديم جرجوره

استناداً إلى بحثين اثنين، "حبُّ الحرير" لفواز طرابلسي (باللغة الفرنسية، "بيروت إكسبرس"، 1996)، و"منزل" إلى "آلهة منزل واحد: جندر، طبقة وحرير في القرن الـ19 في جبل لبنان" لأكرم فؤاد خاطر (باللغة الإنكليزية، جامعة كمبريدج، 1996)، تكتب ميشيل كسرواني نصّ فيلمها القصير "يرقة" (2022، 29 دقيقة)، المُشارك في مسابقة الفيلم القصير، في الدورة الـ73 (16 ـ 26 فبراير/ شباط 2023) لـ"مهرجان برلين السينمائي (البرليناله)".

بحثان يُشكّلان نواة درامية لنصٍّ، يمتدّ على مئات السنين، وينفلش على عوالم وبيئات ووقائع عيش، ليروي حكاية شابتين تهاجران إلى ليون الفرنسية، وتعملان في مقهى، وتواجهان ثقل تاريخ وذاكرة، وراهناً وأوضاعاً.

أسمى (مسا زاهر) وسارة (نويل كسرواني، المُشاركة في الإخراج أيضاً) شابتان مهاجرتان منذ وقتٍ. تعملان في مقهى. تحملان ثقلاً، فردياً وجماعياً. تحاولان الاستمرار في عيشِ حياة غير مُريحة. تتساءلان عن لحظة وماضٍ وعلاقاتٍ ورغبات ومستقبل. تبحثان في أحوالٍ، شخصية/ ذاتية وعامة. إنّهما شابتان قلقتان. للتاريخ ضغطه، وإنْ من دون وضوح مباشر لضغطه، فالنصّ السينمائي يروي فصولاً من المعاناة التاريخية للمرأة، في مصانع الحرير، مستعيداً (النصّ) متغيّرات، في البيئة والاجتماع والعلاقات، في لبنان القرن الـ19، والتفكير الغربي (الفرنسي تحديداً) في نهبه موارد البلد، بتشغيل النساء في ما يُشبه السُّخرة.

المقارنة بين ذاك الماضي وراهن الهجرة متلائمٌ مع سياقٍ درامي، يكشف أوجاع شابتين، سورية (أسمى) ولبنانية (سارة)، في مواجهتهما اليومية أنماطاً شتّى من القهر والتعب والارتباك. معلومات تاريخية مروية بسلاسة، والصُّور تدعم المرويّ ببساطة غير خافيةٍ عمقَ الجرح النسائي، وقوة المرأة في ابتكار أدوات عيش وصمود.

"يرقة" غير نسوي، رغم أنّه يرتكز على نساءٍ، ويروي حكايات نساء، ويُصوّر شابتين في عيشهما. الأهمّ من تصنيفات كهذه كامنٌ، أساساً، في البناء السينمائي لنصٍّ، يجمع التاريخ بالحاضر، ويطرح أسئلة الهوية والانتماء والهجرة والحياة والجسد والمشاعر والعلاقات، بعيون الشابّتين، وأحاسيسهما وتأمّلاتهما.

مقارنة أخرى تمتلك جماليتها، السينمائية والحياتية والاجتماعية: دود القز (صُنع الحرير) والعنكبوت، الذي يصنع خيوطاً ليحمي نفسه، بينما دود القزّ يصنع خيوطاً يستفيد منها تجّار الحرير. سلاسة المقارنة بين ماضٍ وراهن تنسحب على سلاسةٍ، بصرية وفنية وسردية، بين نوعين/ عالمين من الحيوانات. هذا دافعٌ إلى تفكيرٍ، لاحقٍ على المشاهدة. السلاسة في ضخّ المعلومات، وتعرية الشابّتين وأسئلتهما وعيشهما وانفعالاتهما، تُتيح للصُّور (تصوير كريم غريّب) قولاً صامتاً، سيكون امتداداً لبوحٍ، داخلي أحياناً، تقوله أسمى وسارة لنفسيهما أولاً. التوليف (كونستانتان بوك) يُكمِل سرد الحكايات وتصوير المشاعر والحالات، متّخذاً من التقطيع السريع، أحياناً، فعلاً بصرياً لرفع نسبة التوتر والقلق، ويختار لحظاتٍ أهدأ في مقاربة ما يمتلكه من مواد بصرية ودرامية وسردية، للإمعان أكثر في تفكيكِ فردٍ وبيئة وذاكرة وحالة.

في الملف الصحافي، يقول التعريف بنصّ "يرقة" - المعروض أولاً في الدورة الـ16 (14 سبتمبر/ أيلول ـ 31 ديسمبر/ كانون الأول 2022) لـ"بينالي ليون" ـ إنّ الشابّتين قادمتان من "بلاد الشام". هذا يُشير إلى الفحوى الدرامية، التي تجمع الحاصل في أزمنةٍ قديمة براهنٍ، يكون المشترك بينه وبين الماضي قهراً وتسلّطاً وقسوة، تعانيها المرأة. لكنّ الجمع بين زمنين غير مباشر في قول، يتوضّح تدريجياً في توطّد العلاقة بين أسمى وسارة، في ليلةٍ تمضيانها معاً بالتجوّل في شوارع المدينة، والجلوس أمام بحيرة كبيرة، وكلامٍ يُصاغ في قلبٍ وروحٍ ورغبات.

البداية تختزل ذاك المضمون، بإشارتها إلى مغزى النصّ وسرديته، تماماً كإشارة العنوان الفرنسي للفيلم: "إنّه في دفء (ما بين) الثديين، تفقّس اليرقات". كأنّ الإشارتين منطلقٌ لتقصّي وقائع وسرديات، بلغة الصورة. معطيات التاريخ مروية أصلاً بنبرة تبدو عفوية وسهلة النطق، ومتحرّرة من كلّ خطابية وتلقين. للنطق نفسه نبرة القلق والغضب والألم، لكنْ من دون إسرافٍ وتصنّع ومباشَرة. اللاحق على البداية يرسم معالم النصّ: شابّتان تعملان في مقهى، يتّضح - كلّ لحظةٍ ـ أنْ لا ترابط بينهما ولا علاقة خارج "المهنة". هذا غير دائمٍ، فمسائل تحصل، دافعةً الشابّتين إلى تواصلٍ أعمق وأجمل.

كأفلامٍ كثيرة أخرى، يُمكن تحليل "يرقة" من ناحية السياسة/ الهجرة/ الاجتماع، وذاك الماضي النسائي الأليم، وثقل "الاحتلال" الفرنسي لبلاد الشام، ونهب "خيراتها". لكنْ، هناك ما يحثّ على مقاربة سينمائية بحتة، لما في الفيلم من تفاصيل تمتّع عيناً، بسردها حكاية ذاك الماضي وامتداداته المختلفة. صُور فوتوغرافية، واشتغالات تقنية/ فنية، وتماثيل/ متاحف: فنون عدّة لها حيّز يُكمِل شيئاً من المرويّ بصرياً وتوثيقياً.

 

العربي الجديد اللندنية في

17.01.2023

 
 
 
 
 

مشاعر «فلوديمير زيلينسكى» الصادقة..

ودموع «آن هاثواى» الأكثر صدقًا

طارق الشناوي

لا تزال السياسة هي المسيطرة على فعاليات برلين (73).

في تلك الدورة التي شهدت عودة الحياة لأواصل المهرجان بعد عامين من الترقب، أقيمت فيها الفعاليات افتراضيًا في واحدة، بينما في الثانية- العام الماضى- تمت أحداثه واقعيًا بنسبة تتجاوز 70 في المائة تحت أعلى درجات الاحتراز.

حتى إننا كنا نُجرى اختبارًا كل 24 ساعة، ولا يُسمح بالتواجد في السينما أو حتى في كافيتريا إلا بعد الحصول على البراءة (سلبية العينة)، وكانت كل قواعد التباعد الاجتماعى مطبقة في دور العرض، والإقبال الإعلامى انخفض للنصف، خاصة بين العرب، حيث فضّل أغلب الزملاء الاعتذار خوفا من ضراوة قواعد الاحتراز، ناهيك عن احتمال العدوى.

هذه الدورة تم التخفيف تمامًا من الإجراءات المتعلقة بالفحص، والتى كانت تتم مجانًا لكل المواطنين في الشارع، وليس فقط ضيوف المهرجان، وأصبح ارتداء الكمامة اختياريًّا، ورغم ذلك فهى متواجدة في المهرجان، إلا أنها لا تسيطر على المشهد العام.

قى بداية الحرب بين روسيا وأوكرانيا، لم تكن ألمانيا بعيدة عن مرمى النيران الروسية، فلقد أعلن الرئيس الأوكرانى زيلينسكى أن الروس كتبوا على صواريخهم إلى برلين كبداية لغزو أوروبا، ولتعيد للأذهان ويلات الحرب العالمية الثانية التي تغيرت فيها الكفة تماما بعد هزيمة ألمانيا في زمن هتلر، ثم تقسيمها إلى شرقية تَوجُّهها وولاؤها شيوعى، والثانية غربية رأسمالية.

وإقامة سور يفصل بينهما، وسقط الجدار الفاصل مع تفكك الاتحاد السوفيتى.. اعتبر زيلينسكى أن المعركة الآن في إقامة سور بين أوكرانيا وعمقها واختيارها واستراتيجيتها أوروبا، وهو ما يراه حقًا مكتسبًا لها بأن تعود إلى منبعها الأوروبى.. بينما بوتين يرى في ذلك تهديدًا له كدولة لها سيادة. ورغم تأكيد أكثر من دولة أوروبية أنها فقط تزود أوكرانيا بأسلحة دفاعية ولا يمكن أن تسمح بأكثر من ذلك.

إلا أن ردود فعل روسيا الغاضبة تعتبرها أشبه بإعلان حرب أوروبية أمريكية ضد روسيا.. وهو ما دفع ألمانيا مؤخرًا إلى تزويد أوكرانيا بدبابات، لأول مرة تدخل ألمانيا بالعديد من الأسلحة كما أنها لأول مرة تتخلى عن حذرها من التورط في معارك عسكرية.

بل ضاعفت ميزانية القوات المسلحة تحسبًا لأى معادلات جديدة في المعركة التي لا يستبعد أن يمتد لهيبها إلى ما كنا نطلق عليه في الماضى (أوروبا الغربية).

المواجهة الثقيلة بالأسلحة لا تعنى أن نردد مع عبدالحليم حافظ: (سِكت الكلام والبندقية اتكلمت).. القوى الناعمة حتى في عز طلقات الرصاص لا تسكت أبدًا، بل تزيد من سرعة وقوة طلقاتها. فلوديمير زيلينسكى، الفنان الكوميدى الذي يجيد بحكم خبرته توجيه المشاعر، يعلم جيدًا سحر القوة الناعمة وقدرتها على النفاذ إلى قلوب الجماهير العريضة.. وهكذا انتقل بكلمته في افتتاحات المهرجانات الثلاثة الكبرى (كان) و(فينسيا) وأخيرا (برلين).

الكلمة تلعب دورًا إيجابيًّا في معركته مع روسيا، وتوجه ضرباتها في العمق مع طلقات المدافع لاستعادة الأراضى التي اغتصبتها روسيا بحجج غير قانونية وأجرت انتخابات وهمية تحت سطوة الاحتلال، لتؤكد أن ولاء أغلب المواطنين مع روسيا.. الكل انفعل أثناء كلمة زيلينسكى، بينما انفطرت الدموع الصادقة من عيون النجمة آن هاثواى.

زيلينسكى قطعًا لم يبادر بطلب إلقاء كلمة تبث من خلال المهرجانات على العالم أجمع، ولكنه يجيد اقتناص الفرص المتاحة أمامه لتأكيد موقفه.. والملاحظ أن إدارة المهرجانات الكبرى اتخذت قرارات مماثلة في علاقتها بالسينما الروسية، رحبت بالأفلام الروسية غير المدعومة من الدولة.

كما أن صُنّاعها غير موالين سياسيًّا لبوتين، وذلك حتى لا يصبح معاديًا للإنسان الروسى، فهو كمهرجان حدد موقفه ضد سياسة بوتين التي وضعت العالم كله في المواجهة وتحمل خسائر وأزمات متلاحقة بسبب استمرار الحرب عامًا وبضعة أيام.

لم تكن روسيا فقط هي كل العنوان في المواجهة، ولكنها قطعًا (المانشيت) الأبرز.. جدد مهرجان برلين موقفه المؤيد لمظاهرات الحرية في إيران، ووقف ضد تعسف الدولة الموجه بضراوة إلى عدد من مشاهير المخرجين.

محددة إقامتهم ومنعهم من السفر خارج الحدود وتهديدهم بالسجن، وعلى رأسهم جعفر بناهى ومحمد رسولوف، رغم أن أفلامهما تسافر بطريقة ما لتلك المهرجانات، وتحصد أيضا الجوائز الكبرى، وخاصة في «برلين» الذي منح «بناهى» ثم «رسولوف» تباعا (الدب الذهبى).

وتيرة الاحتجاجات في إيران تتصاعد للمطالبة بالديمقراطية، وحرية ارتداء أو عدم ارتداء الحجاب، وإسقاط الأحكام القانونية التي تدين مَن لا ترتدى الحجاب، وأيضا تحدد مواصفات الحجاب الشرعى.. ومن تُخالِف، تُقدَّم للمحاكمة، والمهرجان أعلن تأييده للشارع الإيرانى.

عُرض، مساء أمس، الفيلم الذي يترقبه الجميع (القوة العظمى) لشون بن، الذي يعتبر فاكهة المهرجان. أشاد به زيلينسكى في كلمته، وهو من أكثر الأفلام التي أتيح لها العرض أكثر من مرة لاستيعاب الجمهور، متجاوزة فيلم الافتتاح (جاءت لى) الذي عرض قبل الافتتاح الرسمى للصحفيين بأربع وعشرين ساعة.. لم أشاهد فيلم شون بن (القوة العظمى) حتى كتابة هذه السطور.

توقع المبرمجون قطعًا هذا الإقبال على فيلم شون بن المعروف بمواقفه المؤيدة دائما للحريات في كل القضايا التي يعيشها العالم.

رأيت مساء أمس الأول في الافتتاح مظاهرتين: واحدة على السجادة الحمراء من منظمة عنوانها (آخر جيل) مدافعة عن البيئة، والحقيقة أن برلين من أكثر المهرجانات تشجيعًا للحفاظ على البيئة.. وكانت هناك مظاهرات أخرى فئوية هذه المرة.

حرص المتظاهرون في حوار أحدهم معى على تأكيد أنهم لن يقفوا ضد المهرجان ولا يريدوا سرقة الكاميرا من فعالياته، ولكنهم فقط يريدون تحقيق مطالبهم وهم أصحاب (التاكسيات) الذين يشعرون بالتضرر من (أوبر) ويريدون السماح لهم بالتوقف أمام دار العرض التي تقدم أفلام المهرجان، كما أن العاملين في أحد المجمعات السينمائية يريدون عقودًا مستدامة.

المظاهرة على بُعد أمتار قليلة من قصر الافتتاح، إلا أنهم كانوا حريصين على توصيل رسالة للعالم من خلال الكاميرات التي غطت تلك المظاهرات بأنهم داعمون لمهرجان بلدهم.

.. ونتابع غدًا فعاليات المهرجان، الذي يمكن وصفه بأنه (كثيرٌ من السياسة.. قليلٌ من السينما)!.

 

المصري اليوم في

17.01.2023

 
 
 
 
 

مهرجان برلين انطلق أمس في ظلّ التضخّم وحرب أوكرانيا:

مسابقة غامضة وتكريم سبيلبرغ وغولدا مائير تعود سينمائياً

برلين - هوفيك حبشيان

بعد ثلاث سنوات من تفشّي الوباء، يعود مهرجان برلين ال#سينمائي (16 - 26 شباط) إلى دورة طبيعية. لا كمّامات ولا مسح يومي ولا أي شيء يشير إلى ان جائحة مرت من هنا في شباط 2020، وكنّا يومذاك، خلال تنقّلنا من صالة إلى أخرى، نسمع عنها للمرة الأولى، دون ان نعلم ما الذي تعنيه. الآن، كلّ شيء عاد إلى سابق عهده، لكن الأسعار هبّت هبّة غير مسبوقة، بعد التضخّم الذي تعاني منه أوروبا، وبات هناك شيء اسمه "حرب #أوكرانيا"، حاضر بقوة في الشارع وعلى الشاشة. بعض التغييرات أيضاً تشمل المهرجان، قد تكون طفيفة لا تهم القارئ في شيء، لكنها تعيق العمل الصحافي أو تصعّبه في بعض الأحيان، وهي في أي حال تثير تململ أهل المهنة، دون أي قدرة على تغييرها أو الاستغناء عنها، وتطال بشكل خاص الجيل الذي نشأ ما بين الورق والكومبيوتر. بعد الاستغناء شبه الكامل عن الورق والآلية القديمة لحضور الأفلام، باتت الهواتف المحمولة أداة العمل الوحيدة، وأصبحت أشبه بمكاتب متنقّلة. وبقدر ما هي عنصر مساعد، هي مضيعة للوقت في بعض الأحيان، خصوصاً عندما يتعلّق الموضوع بالحجز الإلكتروني الذي باتت تفرضه المهرجانات بعد الكورونا، ولم تنفع كلّ الشكاوى والدعوات للعودة إلى الصيغة السابقة (الدخول إلى الصالة بمجرد اظهار البادج). صحيح ان الإنسان كائن يرفض في البداية أي تغيير لتقاليد اعتاد عليها منذ سنوات، ولا شك ان العالم في تغير دائم حيث ان كلّ مسؤول جديد يحاول فرض اسلوبه ورؤيته، لكن هل نتطوّر إلى الأفضل ام اننا نطبّق مبدأ "التغيير من أجل التغيير"؟

تقدّم الدورة الثالثة والسبعون مسابقة غامضة فيها العديد من الأفلام التي لا نعرف عنها شيئاً. تنطوي هذه المسابقة على 19 فيلماً أقل من ثلثها لسينمائيين مشهورين نعرف فيلموغرافيتهم جيداً، أما البقية فهي رهن للاكتشاف في هذه الطبعة التي قد تخيب وقد تصيب فيها خيارات المدير الفنّي كارلو شاتريان. هناك ثلاثة أسماء كبيرة على الأقل تعرض جديدها في المسابقة: المخرج الفرنسي الكبير فيليب غاريل (77 عاماً) سيكشف عن "العربة الكبيرة". الفيلم عن عائلة من محرّكي الدمى: الأشقاء لوي ومارتا ولينا ووالدهم الذي يدير الفرقة والجدّة التي تصنع العرائس، هم الشخصيات الرئيسية. لكن، ذات يوم، يموت الأب بعد تعرضه لسكتة دماغية، تاركاً الأولاد في حيرة من أمرهم. يقول غاريل انه رغب في ان ينجز فيلماً مع أولاده الثلاثة الذين أدارهم مخرجون آخرون في السنوات الأخيرة، مع العلم ان لوي مثّل في إدارته وهو اليوم سينمائيٌّ بارز. وتابع غاريل في كلامه المنشور داخل الملف الصحافي: "أيقنتُ فجأة ان تصوير العائلة هو عادة مخصصة للفنّانين التشكيليين. وبما ان أولادي أعمارهم 22 و32 و38، كان ينبغي لي ان أجد سبباً كي ألم شملهم وهم في مثل هذه الأعمار. عندما ولدتُ، وقبل ان يصبح ممثّلاً، كان والدي محرك دمى في فرقة غاستون باتي”.
الألمانية مارغريت فون تروتّا من الأسماء المكرسة التي تتنافس على "الدب الذهبي" مع فيلمها "إنغبورغ باخمان - رحلة إلى الصحراء"ّ. المخرجة البالغة من العمر 80 عاماً لديها سجلٌّ سينمائي طويل خلفها، وهي تعود إلى المهرجان الأهم في بلادها لتعرض جديدها فيه. هكذا لُخِّص الفيلم في الملف الصحافي المخصص له: غزت إنغبورغ باخمان بشعرها معقل الأدب الألماني الذي يهيمن عليه الذكور. رغم صغر سنّها، كانت في ذروة حياتها المهنية عندما التقت الكاتب المسرحي الشهير ماكس فريش. كان حبّاً شغوفاً في البداية، لكن الاحتكاك المهني والشخصي راح يخرّب الانسجام بينهما. في كفاحها، ساعدها أصدقاؤها، ومعاً قاموا برحلة إلى الصحراء، وفي هذه الرحلة وجدت إنغبورغ سبيلاً للعودة إلى ذاتها، وقبل كلّ شيء، إلى كتاباتها.

أما السينمائي الثالث، البالغ الأهمية، الذي يشارك في المسابقة، فهو الفرنسي نيكولا فيليبير الذي يعرض جديده، "على آدامان"، في المسابقة. الفيلم عن مركز علاج يأخذ من سفينة عائمة على السين مقراً له، وهو يستقبل الكبار في السن الذين يعانون من مشاكل نفسية. الفيلم، بحسب الملف الصحافي، يستقبل المُشاهد على متن السفينة ليشاهد المرضى والمعالجين الذين يخلقون الحياة اليومية لهذا المكان. "لقد كنتُ دائماً منتبهاً جداً للطبّ النفسي وملمّاً به"، يقول فيليبير البالغ من العمر 72 عاماً. "انه عالمٌ محفّز بقدر ما هو مقلق. يجبرنا باستمرار على التفكير في أنفسنا وحدودنا وعيوبنا والنحو الذي يعمل به العالم".

بعد هذه الأسماء الكبيرة، نجد في المسابقة سينمائيين من الصف الثاني، اذا صح التعبير، وهم: المخرجة الألمانية الفرنسية (من أصل إيراني) إميلي آتف التي تشارك بـ"يوماً ما سنكشف كلّ شيء بعضنا لبعض"، الذي تجري أحداثه في الصيف من العام 1990، بعد فترة قصيرة من سقوط جدار برلين، وهو مقتبس من رواية لدانيالا كرين. ينضم اليها ألماني آخر هو كريستيان بتزولد الذي قدّم هنا في برلين قبل ثلاثة أعوام "أوندين"، ويأتينا الآن بـ"سماء حمراء". الملخّص: تجري الأحداث في منزل يقع على بحر البلطيق. الأيام حارة ولم تمطر منذ أسابيع. يجتمع أربعة شبّان، بينهم أصدقاء قدامى وجدد، وتبدأ الغابات الجافة من حولهم في الاشتعال ومعها مشاعرهم. تسود أحاسيس السعادة والشهوة والحبّ، ولكن أيضاً الغيرة والاستياء والتوتر… بتزولد لن يكون الوحيد من "مدرسة برلين" الذي يأتي إلى المسابقة، إذ تنافسه زميلته ومواطنته أنغيلا شلنك بـ"موسيقى". القصّة عن يون الذي تم التخلي عنه عند الولادة. يون لا يعرف والديه، وعندما يكبر يتعرف الى إيرو، وهي مأمورة السجن الذي كان محتجزاً فيه بعد حادثة مأسوية. ويبدو عليها انها تستسيغ حضوره وتهتم به وتسجّل له الموسيقى. لكن يون يصاب بمرض ويبدأ بفقدان نظره تدريجاً، الا انه مقابل كلّ خسارة سيربح شيئاً. أخيراً، ودائماً ضمن السينمائيين الذين لهم باع معين في السينما المعاصرة، هناك الأوسترالي (من أصل هولندي) رولف دو هر الذي كان قدّم أعمالاً بارزة منذ ثمانينات القرن الماضي وكان معتكفاً على ما يبدو منذ "حرب تشارلي" (2013). أما باقي الأفلام المعروضة داخل المسابقة الرسمية، فسنأتي بأخبارها تباعاً، في تقارير يومية، خلال الأيام العشرة المقبلة.

للمهرجان أقسام موازية أيضاً ولا تقتصر على المسابقة. فهناك ما يُعرف بـ"البرليناله الخاصة"، ستعرض أعمالاً تأتي من خلفيات مختلفة: هنا فيلم عن مئة عام من التحريك ("ديزني") أو عن لاعب التنس الألماني بوريس بيكر، وهناك وثائقي عن حصار ساراييفو أو بورتريه عن الممثّل الراحل ماسّيمو ترويتسي، وبينها أفلام ينبغي الاطلاع عليها، كـ"قوّة عظمى" إخراج شون بن وأيرون كوفمان (عن حرب روسيا على أوكرانيا) و"غولدا" للمخرج الإسرائيلي غاي ناتيف الذي يروي غولدا مائير (هيلين ميرن) والأيام العشرة التي عاشتها خلال حرب تشرين الأول 1973، أو ما يُعرف بحرب أكتوبر. وضمن قسم "لقاء" الذي تأسس أخيراً، نجد أحدث

 

النهار اللبنانية في

17.01.2023

 
 
 
 
 

برلين السينمائي ينعقد حضوريا معززا اهتمامه بالقضايا الإنسانية

المخرج ستيفن سبيلبرغ يحصل على جائزة الدب الذهبي الفخرية، خلال المهرجان الذي سيعرض فيلمه الأخير "ذا فيبلمانز".

برلينيعود مهرجان برلين السينمائي الدولي “برليناله” في دورته الثالثة والسبعين بشكله المعتاد بعد عامين من القيود المرتبطة بجائحة كورونا.

ويعرض المهرجان في العاصمة الألمانية ما يقرب من 400 فيلم في الفترة من السادس إلى السادس والعشرين من فبراير الجاري، مع مستوى عال من التعبير عن الدعم المتوقع لشعبي أوكرانيا وإيران وسط استمرار الحرب والاضطرابات هناك. من أهم الأفلام التي ستعرض فيلم “القوة الخارقة” عن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي للمخرج العالمي شون بين، وذلك تزامنا مع مرور عام على الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير من العام الماضي، بالإضافة إلى فيلم “الجبهة الشرقية” وآخر عن أحداث حرب أكتوبر 1973.

وترأس الممثلة الأميركية كريستين ستيوارت، التي اشتهرت بفيلمي “سبنسر” و”توايلايت”، لجنة التحكيم الدولية لهذا العام.

5 أفلام عربية تشارك في الدورة الثالثة والسبعين من المهرجان موزعة على قسمي عروض المنتدى الموسع والبانورما

وإلى جانب مهرجاني كان وفينيسيا، يعد مهرجان برلين أحد المهرجانات السينمائية الكبرى في العالم. ويتنافس ما مجموعه 19 فيلما على جوائز الدب الذهبي والفضي المرموقة، بما في ذلك ستة أفلام من إخراج نساء.

وكان المهرجان أعلن منذ نوفمبر الماضي أنه سيمنح جائزة إنجازات العمر للمخرج الأميركي ستيفن سبيلبرغ، الذي وصف القائمون على المهرجان أفلامه ومسلسلاته التي يتخطى عددها المئة بـ”الفريدة من نوعها في تاريخ السينما العالمية، خلال السنوات الستين الماضية”.

وسيحصل المخرج الأميركي على جائزة الدب الذهبي الفخرية، خلال احتفال يقام ضمن فعاليات المهرجان الذي سيعرض أيضا فيلمه الأخير “ذا فيبلمانز”. ويشار إلى أن ستة أفلام تولت إخراجها نساء تتنافس للفوز بجائزة الدب الذهبي التي نالها العام الفائت فيلم “ألكاراس” للمخرجة الإسبانية كارلا سيمون.

وتشهد الدورة الثالثة والسبعين من المهرجان مشاركة خمسة أفلام عربية موزعة على قسمي عروض المنتدى الموسع والبانورما. ويضم المنتدى الموسع أفلام “على هذا الشاطئ” من مصر للمخرجة ياسمينة متولي و”وادي الخرسانة” من سوريا للمخرج أنطوان بورجيه وفيلم “الرفيق القائد، كم هو جميل أن أراك” من لبنان للمخرج وليد رعد.

ويشارك اليمن في قسم البانوراما بفيلم “المرهقون” للمخرج عمرو جمال، إضافة إلى مشاركة سوريا بفيلم “تحت سماء دمشق” للمخرجين هبة خالد وطلال دركي وعلي وجيه.

 

العرب اللندنية في

17.02.2023

 
 
 
 
 

افتتاح مهرجان برلين بـ”جاءت إليّ”: لننشر الإيجابيات!

برلين - هوفيك حبشيان

فيلم متوسط الجودة، "جاءت إليّ"، افتتح #مهرجان برلين ال#سينمائي (16 - 26 شباط) الثالث والسبعين مساء الأول من أمس في العاصمة الألمانية. هذا العمل الروائي الطويل هو السادس لمخرجته ريبيكّا ميلر (60 عاماً)، ابنة المسرحي الكبير آرثر ميلر وزوجة الممثّل الاسطورة دانيال داي لويس. هذه ليست مشاركتها الأولى بل الرابعة في البرليناله الذي يعرض هذا العام 19 فيلماً في المسابقة الرسمية، مع لجنة تحكيم تترأسها الممثّلة الأميركية الشابة كريستن ستيورات. فيلم ميلر لا يشارك في المسابقة، لحسن الحظّ، فهو يُعرض في قسم "خاص برليناله" الذي يضم أعمالاً على الأرجح لا يجد الذين يختارونها مكاناً لها سوى في قسم كهذا لا ينطوي على معيار واضح.

الأفلام التي يختارها مهرجان برلين على سبيل الافتتاح لطالما كانت ضعيفة، وهذه الآفة هي آفة مهرجانات أخرى أيضاً. فخيار فيلم الافتتاح أمر معقّد لأنه يخضع لاعتبارات كثيرة، تسويقية وفنية وجغرافية وسياسية، أضيفت اليها في السنوات الأخيرة اعتبارات جندرية وعرقية. فكيف يمكن ان يختار المهرجان فيلماً يلبّي كلّ هذه التطلعات أو الجزء الأكبر منها؟ الأفلام التي تقع في هذا التصنيف غالباً ما تحاول ارضاء أجندات سياسية لا فنية.

لا أقول ان "جاءت إليّ" هو من هذا النوع بالضرورة، أو ان ميلر باعت نفسها للشيطان. لكن، في المقابل، من الواضح ان الفيلم يأتي بحفنة من الإيجابيات التي اختصرتها ميلر في المؤتمر الصحافي الذي عُقد أمس في برلين بعد عرض الفيلم، بالقول: "الحبّ والكراهية هما أهم محفزين للإنسان. لكن الحبّ هو أكثر إيجابيةً من الكراهية".
وكما ترى الحبّ، رأت ميلر أحداث فيلمها والقضايا التي تطرقت اليها بسطحية وسذاجة. مع ذلك، قدّمت عملاً ترفيهياً، لا يضر أحداً ولا يفيده أيضاً، بل يتركنا مع احساس بأن ما رأيناه هو عمل غير مكتمل، إنما مسوّدة فيلم لا يبلغ هدفه، رغم طوله الذي يقترب من الدقائق المئة. هناك شعور عارم بالاجتزاء والنقصان، وكأن المخرجة تتردد في الذهاب حتى نهاية الطريق، رغم ان الطريق سالكة أمامها، وهي طريق يحتاج سلوكها إلى جرأة لا إلى مخيلة أو رؤيا، وهذا ما يغيب في فيلم ميلر الذي تقدّم منتجاً معلّباً، مع بعض القفزات إلى خارج الصندوق، الا ان هناك بعد كلّ مغامرة عودة إلى المنزل والنوم في الحضن الدافئ. ميلر تعطي الانطباع بأنها تستسلم في منتصف الطريق وتعود أدراجها أمام صعوبة مواصلة المشروع وبلوغه بر الأمان. هذا مع العلم انه يوجد في الفيلم من المادة الدسمة ما كان يرشّحه لبلوغ مستوى أرفع.

الفيلم بشخصيات عدة. يدور عليها جميعها دورة كاملة، وذلك في نيويورك حيث تجري الأحداث. الكاراكتيرات التي أرادت ميلر تصويرها كلّها تتميز بشيء ما، أو تصبو إلى شيء ما، أو يفصلها عن باقي الناس شيء ما، رغم ان كلّا في ذاته يختلف أيضاً عن الآخر. هناك حواجز وعوائق كثيرة تمنع التواصل في مدينة واسعة يعيش فيها ملايين، ولكن على ما يبدو ان أهم شيء على الاطلاق هو ان يلتقوا. واللقاء لن يحصل في طبيعة الحال اذا كان الباحث عنه منطوياً على نفسه لا يخرج للتواصل مع الآخرين. العينات التي سنكتشفها تباعاً لا امتدادات اجتماعية لها في بيئتها. بعض هؤلاء لفظه العالم بسبب اختلافه، وبعضهم الآخر استطاع بسبب موهبته ان يجد مكاناً له تحت الشمس، كما هي الحال مع مؤلف الموسيقى القزم ستيفن (#بيتر دينكلدج)، بطل الفيلم وشخصيته الرئيسية الذي سنتعرف عليه في واحد من أصعب ظروفه المهنية، أي أثناء معاناته فقدان الوحي. نراه يجوب أرجاء منزله بحثاً عن الإلهام الذي سيتيح له الاستمرار في العمل. زوجته الرقيقة (آن هاتاواي)، وهي أيضاً معالجة نفسية تستقبل مرضاها في البيت، تقف في صفّه وترعى شؤونه. كلّ شيء يبدو طبيعياً إلى حدّ كبير، الا ان سبحة المشاكل ستكر بعد دخول الفيلم في لحظتين حاسمتين: لقاء ستيفن بسيدة غريبة الأطوار (ماريزا توماي) ونشوء علاقة عابرة بينهما ستتطور إلى شيء آخر مع الوقت. هذه السيدة صاحبة سفينة، وهي تدّعي بأنها مصابة بمرض ادمان الرومنطيقية. مع هذا اللقاء، سيستعيد ستيفن الوحي الذي كان ينتظره، وسيتمكن من تأليف موسيقى مسرحية أوبرالية كانت تعصى عليه حتى الآن. على هامش هذه القصّة، ثمة قصّة أخرى، وهي اللحظة الثانية التي سيدخل فيها الفيلم: انها العلاقة التي تربط ابن ستيفن بابنة السيدة التي تعمل كمدبّرة منزل في بيته. هذه العلاقة سيكتشفها أهل كلّ من الشاب والفتاة، وستخلق مهاترات ستصل إلى حد إقدام والد الفتاة على رفع قضية على الشاب لأنه عاشر ابنته جنسياً وهي لا تزال قاصرة.

دعونا لا نقع في المظاهر الخادعة. فالفيلم لن يبلغ تلك الحدية التي تجعله يرفع سقف اللؤم. مَن يقف خلف الكاميرا ليس سام مندس أو بول توماس أندرسون. لا شيء سيبلغ مقداراً من الخطورة ونحن أمام نصّ يركّز على الإيجابيات في المقام الأول ويحرص على حماية الشخصيات (حتى من أنفسهم) وإيصالهم إلى بر الأمان. أما الشرور والمشاكل والأزمات فهي مجرد زينة كي نعي أهمية الخير. كلّ الأزمات المعروضة بوضوح أو تلك التي تظهر قليلاً ثم تختفي، يحدث لها ذلك لأن هناك سيناريستاً قرر ان هذا أفضل حلّ لها. لا توجد مبررات في الفيلم بل قرارات تجد حلاً سريعاً لكلّ شيء بضربة قلم. تدخلنا كاميرا ميلر من باب لتخرجنا من النافذة، كمَن يأخذنا إلى البحر ويعيدنا عطشى. عطشنا لمعرفة المزيد لا يرتوي أبداً في ظلّ سينما تحسب حساب كلّ خطوة ويخاف الخطأ، ثم تنتهي في سلّة الكوميديا الرومنطيقية التي تقتصر على بعض المواقف الطريفة والخطاب الذي يدعو إلى البحث عن الإيجابيات في الحياة، مع نهاية سعيدة متوقّعة وتفخيمية.

هذا كله لن يمنعنا من ان نعطي ما لريبيكّا لريبيكّا. فالفيلم، عدا كونه ليس غليظاً (وهذا ليس بالشيء القليل في هذه الأيام)، يحمل بعض الميزات، اذ ان ميلر توفر حضوراً لكاراكتيرات لا نراها كثيراً على الشاشة. من القزم الموهوب الذي تهمّشه الأفلام الخفيفة إلى المرأة التي تحبّ الرجال وصولاً إلى الزوجة التي تملك كلّ شيء لكن تحلم بحياة الرهبنة، هذا فيلم لا يخفي الحبّ للبشر ويعرضه تحت كلّ مظاهره، ليقول لنا في النهاية ان الانخراط في العالم والتماهي معه والانفتاح عليه شرط من شروط صناعة الفنّ. هنا الوحي لا في أماكن أخرى.

 

النهار اللبنانية في

18.01.2023

 
 
 
 
 

مخرجة إيرانية تقدم الحرب الإيرانية - العراقية في فيلم معارض لرواية النظام

بدأت عام 1980 واستمرت ثماني سنوات وأودت بحياة نحو مليوني شخص

 رويترز 

يستهدف فيلم #الرسوم_المتحركة الأول للمخرجة الإيرانية سيبيده فارسي، معارضة ما تسميه الرواية التقليدية لـ#الحرب_الإيرانية_العراقية، وتقول إنه يمثل مساهمتها في دعم الاحتجاجات في بلادها.

ويدور فيلم "ذا سيرين" (الصفارة) الذي عرض لأول مرة في قسم بانوراما في مهرجان برلين السينمائي الدولي، في أجواء الحرب التي بدأت عام 1980 واستمرت ثماني سنوات، وأودت بحياة نحو مليوني شخص.

وتعيش فارسي في باريس، ومنعت من دخول بلادها منذ عام 2009 بعد تحديها القيود الحكومية لتصوير الحياة في البلاد في أفلام وثائقية وروائية.

ويحكي هذا الفيلم قصة أوميد (14 سنة) الذي يلعب كرة القدم ويشاهد مصارعة الديكة قبل أن تدمر القوات العراقية مسقط رأسه في عبدان.

وعكفت فارسي على تقديم قصة مختلفة عما فعلته الحكومات في إيران بتمجيدها الحرب بأفلام تكرم القتلى، بحسب قولها.

وقالت فارسي لـ"رويترز"، "روايات النظام عن هذه الحرب خاصة للغاية". أضافت أن النظام "يصادر على نحو ما هذه الحرب والثورة".

إعادة البناء بالرسوم المتحركة

وتصور فارسي الموت والحزن بتكثيف تعبيري تنفجر فيه الصواريخ على الطرق وتتناثر الجثث في ساحات القتال وتنفجر مصفاة نفط وتشب فيها النيران.

وقالت إن إظهار مثل هذه الحقائق عن الحرب يشكل مقاومتها الشخصية. وأضافت، "هذا سبب ارتباطه بما يحدث في إيران الآن، لأن لدينا الآن ثورة مستقلة تقودها النساء".

وأظهرت مقاطع على الإنترنت الجمعة احتجاجات هزت إيران مرة أخرى ليل الخميس بعد أن بدا أنها تتراجع في الأسابيع القليلة الماضية. ودعا المشاركون فيها إلى إطاحة النظام الإيراني.

وعصفت الاحتجاجات بإيران بعد وفاة شابة كردية في مقر لشرطة الأخلاق في سبتمبر (أيلول) الماضي. وشارك إيرانيون من جميع المشارب في الاحتجاجات التي مثلت أحد أجرأ التحديات التي تواجه النظام منذ ثورة 1979. واتهمت السلطات أعداء إيران الأجانب بإذكاء الاحتجاجات.

وسمح صنع الفيلم في صور رسوم متحركة لفارسي باستعادة بناء مدينة عبدان التي دكتها الحرب.

وقالت فارسي "الرسوم المتحركة بدت كما لو أنها الوسيط المناسب حقاً لرواية هذه القصة منذ البداية، لأنها تمنح المرء حرية كبيرة في إعادة بناء أشياء غير موجودة".

 

الـ The Independent  في

18.02.2023

 
 
 
 
 

رسائل البرلينالي: «يوماً ما سنخبر بعضنا بكل شيء»

سليم البيك

ميزة أخرى للفيلم الذي جاور بين حب ماريا للقراءة، وبين رومانسيتها، وبين البناء الأقرب للأدبي في حكاية الفيلم، كانت، الميزة، في السينماتوغرافيا، في التصوير الريفي، والألوان المصفرّة، للحقول والبيوت، في داخلها وخارجها.

في ألمانيا العام ١٩٩٠، مع أخبار عن توحّد البلد وعاصمتها المقسمة إلى شرقية وغربية، في ما يبدو فيلماً حول أفراد عاشوا لحظة تاريخية لبلدهم، كأنّ الشخصيات خلفية للحظة تلك، يتقدم الفيلم بإيحاءات إلى تناقضات شقَّي ألمانيا، في الشرقية كانت الجدة تخفق الكريمة وتصنعها، بعد توحد البلاد صارت تشتريها مصنّعة، تعلّق ماريا، الحفيدة، لجدتها بأن كريمتها أطيب. إيحاءات كهذه تكثر في لحظة التقاء أحد الأبناء بعائلته، وقد هرب صغيراً إلى ألمانيا الغربية للدراسة والعمل. يبدأ الفيلم كأنّه يصوّر هذه الشخصيات، في ريفٍ ألماني شرقيٍّ قريب من لايبزيغ وفرانكفورت. عائلة من ثلاثة أجيالا تعيش تحوّلاً يتخطى البيت والمزرعة إلى كامل البلاد. يبدأ الفيلم بذلك ويتمد إلى أن تقتحم قصّةُ حبّ غير متوقَّعة، لمن في الشاشة ومن أمامها، بين ماريا وجار يعيش وحيداً وقريباً، وصديق للعائلة.

تبدأ العلاقة بما لا يشير إلى أن الفيلم، الذي بدأ بسياق تاريخي وقصة عائلية، حكاية حب أقرب لتلك التي في رواية وأفلام «عشيق الليدي شاترلي». هنا، تعيش ماريا التي تترك المدرسة، في بيت أهل صديقها/حبيبها، في العلية كاثنين مراهقين. مع الأيام تشعر بغربة عن هذا الحبيب المنبهر بالشقّ الغربي والذي يسعى خلف حلمه في الالتحاق بكلية الفنون هناك ليدرس التصوير. هو ذاته يقدم لها في عيد ميلادها إطاراً وفيه صورة لفتاة تشبهها، ظنّتها للوهلة الأولى أنها هي. وهو ذاته الذي صوّر النافذة من خارج بيت عشيقها، وبانت ماريا خلف الستائر، أظهر لها الصورة معلّقاً أن امرأة كانت عند جارهم. لم يرها، لا في الصور ولا خارجها.

التفت لها جارهم، عبّر عن رغبته بها، وبدأت علاقة جنس تام بينهما، في تصوير إيروتيكي طال في مرّات وبالغ في ممارسته، ما بان عنفاً، في مرات أخرى. هذه الممارسات، والتصوير الإيروتيكي لها، حمل الفيلم إلى العلاقة الممنوعة في مجتمع ريفي وفي بلد تعيش فوضى الالتقاء، كأنّ هذا الالتقاء وتلك الفوضى كانتا الأساس الذي بنيت عليه العلاقة الجنسية هذه، وقد تكرّرت زيارات ماريا لعشيقها وتكررت دعواته لها. لينقلب ذلك كله إلى رومانس تام، إلى عاطفة وشغف ورغبة في البقاء معاً، كأن الحسّي تحوّل، بدرجة الشغف ذاتها، إلى المشاعري. هذه النقلة الدرامية كانت ميزة الفيلم، في خلق علاقة حب شغوفة متحدّية المحيط، بعد علاقة جنس بدت خالية تماماً من المشاعر ومتخفّية عن المحيط.

ميزة أخرى للفيلم الذي جاور بين حب ماريا للقراءة، وبين رومانسيتها، وبين البناء الأقرب للأدبي في حكاية الفيلم، كانت، الميزة، في السينماتوغرافيا، في التصوير الريفي، والألوان المصفرّة، للحقول والبيوت، في داخلها وخارجها. في فيلمها المشارك في المسابقة الرسمية لمهرجان برلين السينمائي، «يوماً ما سنخبر بعضنا بكل شيء» (Someday We'll Tell Each Other Everything) تكون مخرجته إميلي عاطف (الفرنسية الألمانية الإيرانية) قد واصلت سرد قصص حب مستحيلة، أو بدت مستحيلة إنّما، ربما، ليس لشخصياتها، وهو ما كان في فيلمها «أكثر من أي وقت مضى» (Plus que jamais) الذي شارك العام الماضي في مهرجان كان السينمائي بتظاهرة "نظرة ما".

 

####

 

رسائل البرلينالي: «أورلاندو: سيرتي السياسية»

سليم البيك

تخطى الفيلم بشكله ثنائية الفيلم الروائي الوثائقي، في فيلم (أسمّيه، تجاوزاً، وثائقياً) يحوي عناصر من هذا وأخرى من ذاك. الفيلم وثائقي لكنه مؤدّى، أي أن الشخصيات فيه تمثّل نصاً مكتوباً. وهو يحوي شخصية روائية هي أورلاندو إنّما من دون حكاية لها، بل بنقل الشخصية إلى واقعية راهنة في تصوير أقرب للوثائقي.

للروائية الإنكليزية فيرجينا وولف، راوية تتحول شخصيتها الرئيسية جنسياً، في رحلة تاريخية تلتقي فيها برموز من تاريخ الأدب الإنكليزي. فيلمنا هنا، اتّخذ من كتاب وولف، Orlando: A Biography، منطلقاً إنما بشكله المعاصر، ليضيف إلى العنوان مفردة "سياسية"، فيكون عنوانه Orlando ma biographie politique، حاملاً التحول الجنسي من صفته موضوعاً أدبياً لسرد حكاية تتخطى الأزمنة، إلى واقع سياسي بقدر ما هو اجتماعي وحقوقي.

الفيلم، في شكله، كما في موضوعه، متخطٍّ للأنواع، أو للتقسيمات الجندرية الثنائية بين رجل وامرأة، مقدماً شخصيات كويرية، غير ثنائية الجندر والجنس، تقدّم هي نفسها بصفتها أورلاندو الزمن الراهن، وهي شخصيات اختارت العبور، دون تصنيفات ضرورية لهويتها الجنسية، بين ذكر وأنثى. فيبدأ الفيلم بتناول هذه الشخصيات في حالاتها الفردية، لتتراكم الحالات وتنقلنا إلى حالة اجتماعية، لندخل أخيراً في المسألة السياسية التي يعيشها هؤلاء، بصفتهم مواطنين لا وثائق ثبوتية لديهم يقبلها المجتمع ومؤسساته، أو هي وثائق لا تعبّر عنهم كما أرادوا، بكلمة "ذكر" أو "أنثى" في صفحة يمكن ببساطة أن تكون خطأً بالاسم أو تاريخ الميلاد، فتبطل الوثيقة.

الفيلم ليس لمخرج سينمائي، إنما لكاتب وقيّم معارض وناشط إسباني، بول بريسيادو، تتناول كتبه الموضوع ذاته أو مواضيع قريبة، وهو بنفسه متحول جنسياً، وقد خرج بهذا الفيلم بعد فكرة فيلم سيريّ عن حياته بصفته تلك.

تخطى الفيلم بشكله ثنائية الفيلم الروائي الوثائقي، في فيلم (أسمّيه، تجاوزاً، وثائقياً) يحوي عناصر من هذا وأخرى من ذاك. الفيلم وثائقي لكنه مؤدّى، أي أن الشخصيات فيه تمثّل نصاً مكتوباً. وهو يحوي شخصية روائية هي أورلاندو إنّما من دون حكاية لها، بل بنقل الشخصية إلى واقعية راهنة في تصوير أقرب للوثائقي. الفيلم مبني على رواية لكنه اتخذ شكلاً مزدوجاً ما بين الرسالة المروية إلى مؤلفة الرواية، والشهادات أمام الكاميرا لشخصيات تمثّل إنما تمثّل ذاتها، هي في واقعها متحولة جنسياً وتحكي ما تعيشه بتأديته أمام الكاميرا. فتمّحي الحدود ما بين الروائي والوثائقي.

عادة ما تحوّل السينما شخصياتٍ واقعية إلى خيالية. هنا، تحولت شخصية أورلاندو الروائية، إلى شخصيات عدة، لا واحدة، واقعية، تواجه أنظمة البيروقراطية والطب والسياسة.

عُرض الفيلم ضمن تظاهرة "لقاءات" (Encounters) المعنية بالتجديد في الشكل والمضمون السينمائيين، وهي تظاهرة جديدة، في ثالث دورة لها هذا العام من مهرجان برلين السينمائي.

 

مجلة رمان الفلسطينية في

18.01.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004