"الأرجنتين 1985"..

محاكمة تاريخية ودرس في انتصار الحقيقة

علي المسعود

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 95)

   
 
 
 
 
 
 

فيلم عن الديمقراطية وعن كيفية بنائها بعد مأساة كبيرة.

الكثير من الأفلام عادت إلى قضايا سياسية واقعية، وأعادت تجسيد الماضي خاصة السياسي منه، لكن أغلبها ينحاز في النهاية إلى تصور ما، فيكون بمثابة انتقام أو مبالغة ما، وهذا ما تجنبه تماما الفيلم المتقن “الأرجنتين 1985” الذي يعود إلى أحلك الفترات التي عاشها البلد اللاتيني، ولا هم له سوى كشف الحقائق.

انقلاب عسكري أطاح برئيسة الأرجنتين إيزابيل بيرون في عام 1974 وتولى خورخي رافائيل فيديلا المعروف أيضا باسم “هتلر البامباس” السلطة واستمر الحكم الدكتاتوري حتى عام 1983، حينها تمكنت القوى المدنية في الأرجنتين من إسقاط النظام العسكري وتشكلت بعد الإطاحة به لجنة وطنية للتحقيق في قضية الأشخاص المغيبين والمختفين قسريا، والذين بلغ عددهم قرابة الثلاثين ألف شخص، إضافة إلى جرائم القتل خارج القانون والتعذيب.

أقيمت محاكم لمحاسبة رموز النظام العسكري المتهمين بارتكاب انتهاكات ضد الإنسانية. وفور تشكيل اللجنة وقبل بداية المحاكمات شهدت الأرجنتين موجة من التفجيرات الإرهابية، وهدد الضباط الذين يخضعون للمحاكمة وأعوانهم بأنهم سيدخلون الأرجنتين في حرب أهلية، كل هذه الأحداث أجبرت الرئيس الأرجنتيني المنتخب وقتها راؤول ألفونسين إلى إصدار قانون أطلق عليه اسم “النقطة النهائية” الذي حدد تاريخا نهائيا لقبول الدعاوى ضد رموز النظام العسكري.

وتم وضع تسعة من كبار القادة العسكريين في قفص الاتهام بسبب انتهاكات حقوق الإنسان، ويظهر هذا الفيلم “الأرجنتين 1985” رفضهم المتغطرس للاعتراف بسلطة محكمة مدنية، وكانت هذه أول محاكمة من نوعها منذ الحرب العالمية الثانية حين قدم أعضاء الحزب النازي للمحاكمة في نورمبرغ.

ملاحقة الحقيقة

الأرجنتين 1985” هو الفيلم الروائي الطويل الخامس للمخرج سانتياغو ميتري، وهو من بطولة ريكاردو دارين وبيتر لانزاني. يروي الفيلم حكاية المحاكمة التاريخية في الأرجنتين التي نال فيها رجال النظام الدكتاتوري عقوباتهم جراء أفعالهم الفظيعة، وهي إعادة مثيرة لما يسمى بـ”محاكمة المجلس العسكري”، التي اتهم بسببها تسعة جنود كانوا جزءا من المجالس العسكرية المختلفة التي حكمت البلاد بعد انقلاب عام 1976 في عام 1985 بعد مرسوم رئاسي من ألفونسين، بعد أن أدانتهم محكمة مدنية بانتهاك حقوق الإنسان.

الفيلم مستوحى من أحداث حقيقية ويبدأ قبل أيام قليلة من إصدار الرئيس ألفونسين مرسوما بمقاضاة أعضاء من الحكم العسكري المتهمين بالتعذيب والاغتصاب والتغييب أثناء فترة توليهم السلطة (1976 – 1983). ويتابع خلاله المدعي العام المسؤول عن العثور على أدلة الإدانة والاتهام خوليو سيزار ستراسيرا، بأداء الممثل ريكاردو دارين الذي يعطي صوتا لستراسيرا دون الوقوع في التقليد.

يتابع سيناريو المخرج ميتري وماريانو ليناس رحلة رئيس الادعاء خوليو سيزار ستراسيرا نحو تحقيق العدالة ويبدأ بالعناوين “منذ عام 1983 لم تحظ الأرجنتين بحكم ديمقراطي، أمر الرئيس الجديد ألفونسين بمحاكمة القادة العسكرين السابقين بتهمة ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية، بعد شعور القادة بالانتصار في حربهم ضد التخريب، ولم يقبلوا المثول أمام محكمة عسكرية”، بعد مضي 7 شهور على استلام الحكومة الجديدة مقاليد السلطة، لم تطرأ تغيرات على ملف المحاكمة، وأشيع أن المحاكمة لا يمكن عقدها من قبل محكمة مدنية، ولو حدث ذلك فستضطر المحكمة الاتحادية إلى إجراء المحاكمة. وستقع مسؤولية الملاحقة القانونية على عاتق المدعي العام ستراسيرا.

بداية الفيلم في عام 1984 وبعد أن أصبح ألفونسين رئيسا للبلاد. ويفتتح بمشهد لشوارع بوينس آيرس في يوم ماطر، المدعي العام يخترق تلك الشوارع بسيارته حتى يصل إلى بيته، وهناك نتعرف إلى أسرته المؤلفة من الزوجة سيلفيا (أليخاندرا فليشنر) والابن جوليو، والابنة المراهقة فيرونيكا (جينا ماسترونيكولا)، التي بدأت مؤخرا في مواعدة رجل لديه علاقات عسكرية مشبوهة محتملة، في حين أن الجاسوس الذي تم تجنيده لملاحقتها ليس سوى الابن جوليو خافيير (سانتياغو أرماس إستيفارينا).

هذا التطفل داخل الأسرة يكسب خوليو توبيخا من زوجته سيلفيا، وبينما يلعب المشهد ككوميديا خفيفة، فإنه يوفر أيضا نافذة على السخرية المظلمة التي ولدها النظام السابق. وكما اتضح فإن خوليو مخطئ في الشك في صديق ابنته الجديد، لكنه محق في أن يكون مصابا بجنون المبالغة بشأن سلامة عائلته، حيث يتعرضون لتهديدات متكررة بالقتل مع احتدام محاكمة جرائم الحرب. ومع ذلك، فإن عائلته لم تأخذ خطر تلك التهديدات والمكالمات الهاتفية على محمل من الجد.

بعد فشله في تجنيد أسماء كبيرة، يتلقى ستراسيرا المساعدة من مجموعة من المحامين الشباب لا يملكون أي خبرة وينضمون لأسباب مختلفة، لكنه يفاجأ بمساعده الشاب لويس مورينو أوكامبو (بيتر لانزاني). أوكامبو مختلف أيضا باستثناء وبصفته سليل عائلة عسكرية ميسورة الحال ولديه صلة مباشرة بمشاعر الطبقة الحاكمة، ووالدته (سوزانا بامبين)، على وجه الخصوص، بمثابة مقياس لهذا المزاج في ما يتعلق بالمحاكمة حين ترفض تطوع ابنها في فريق المدعي العام. ويحتاج المدعي العام إلى استشارة صديقه الكاتب المسرحي كارلوس سوميليانا (كلاوديو دا باسانو) الذي سبق وأن عمل في المحاكم ويصبح حليفه الأول.

يتلقى المدعي العام دعما من محام متقاعد يلعب دوره نورمان بريسكي. ثم يبدأ فريقه ومساعده الشاب الذي يختار مجموعة من الشباب الباحثين عن العمل في جمع الأدلة والوثائق والشهادات التي تدين الزمرة العسكرية. يبدأ المدعي العام بسماع شهادة الضحايا أو الأهل من المختطفين والمغيبين في سجون الدكتاتور.

ابنتي لاورا إستيلا كارلوتو اختطفت مع شريكها، كانت في الـ21 من عمرها وكانت حاملا في الأسبوع العاشر، وصلتنا رسالة من مجهول بعد أن اختطفت تنص على أنها ما زالت حاملا وتطلب مني ومن والدها، أن نكون في حالة تأهب عندما يحين موعد ولادة الطفل، في تلك الفترة ومثلما كانت أيّ أمّ ستفعل، بحثت عنها وجمعت المعلومات عنها وكنا نتأمل أن تظهر على عتبة الباب وقدمت عدة التماسات للإفراج عنها”. هذه إحدى الشهادات التي حصل عليها المدعي العام وفريقه.

مع حملات التهديد والتخويف والاتصالات الهاتفية وحتى إرسال رسالة تهديد بالقتل مرفقة بطلقة إلى بيت المدعي العام للحيلولة دون المضي في انعقاد المحكمة، لكن المدّعي وفريقه الشبابي لا يبديان أيّ اهتمام أو قلق بخصوص تلك التهديدات، يجمع الفريق أدلة عن 709 حالات في 17 أسبوعا فقط ونسمع فقط عددا قليلا من هذه القصص في الفيلم. مثل الشهادة المفجعة لامرأة، أدريانا كالفو دي لابوردي (لورا باريديس) التي أجبرت على الولادة وهي مقيدة اليدين ومعصوبة العينين في المقعد الخلفي لسيارة متحركة “في الرابع من فبراير من عام 1977، اختطفت من منزلي وضعوني في سيارة، غطوا رأسي وعيوني ورموني على أرضية السيارة، وداسوا عليّ، ثم بدأوا يهددونني بقتلي، عصبوا عيني بقوة ثم قيدوا يديّ خلف ظهري، كنت حاملا في الشهر السادس حينها قاموا بتعذيبي بالرغم من حملي، وسجنوني لأشهر وعذبوني بشكل مستمر وبكل الطرق، كانوا يثملون ويبدأون حفلة الشواء في تعذيب المساجين وليس من أجل الاعترافات، بل من أجل إذلال المعتقل أو تدمير السجناء نفسياً”.

وهناك ضحايا ما زالوا خائفين من الإدلاء بشهادتهم مثل الضحية زيلايا حين يخبر المدعي العام أن “أحد الجلادين يعمل الآن لدى المحافظ والطبيب الذي تفقد جروحي وأنا أتحمل المزيد من الصدمات الكهربائية أصبح الآن مديرا للمستشفى! علي أن أعيش بينهم، لا يمكنكم حماية أحد طالما كلاب المجلس العسكري أحرار وهذه هي الحقيقة المؤسفة”. هذه الشهادات وصمة عار تلاحق رجال النظام الدكتاتوري لارتكابهم الجرائم والممارسات اللاإنسانية بحق المدنيين.

إن ترسيخ الجانب الإنساني من التاريخ هو أحد إنجازات المخرج سانتياغو ميتري الرئيسية التي تسمح لنا بالدخول إلى الحقيقة نفسها، ملحمة المحاكمة، وفهم ما هو على المحك بالنسبة إلى أولئك الذين فضلوا في أصعب أوقات العملية العسكرية إخفاء رؤوسهم، أو غض الطرف أو الاحتماء. وقبل المحاكمة والمقاضاة، قام المدانون أيضا بتدمير الأدلة والسجلات الخاصة التي تثبت جرائمهم ضد الإنسانية.

هناك مشهد تسأل فيه أمّ، أثناء المحاكمة، عن مكان ابنتها، وجوابهم هو أنهم لا يعرفون. وهذا يثير التساؤل عمّا إذا كانت الأدلة التي تم تدميرها هي أيضا عن أشخاص محتجزين ضد إرادتهم. وكان القادة العسكريون الذين يحاكمون هم: أورلاندو رامون أغوستي، خورخي أنايا، باسيليو لامي دوزو، عمر غرافينيا، ليوبولدو غالتيري، أرماندو لامبروشيني، إميليو إدواردو ماسيرا، روبرتو إدواردو فيولا وخورخي رافائيل فيديلا بعد مرافعة ختامية مثيرة من قبل خوليو سيزار ستراسيرا الذي يطلب العدالة من خلال إدانة هؤلاء القادة العسكريين، لأن هذه قد تكون فرصتهم الأخيرة “لن يحدث ذلك مرة أخرى”.

السادية ليست أيديولوجيا سياسية أو إستراتيجية حرب، بل هي انحراف أخلاقي”، هذه كلمات المدعي العام التي جعلت الجموع تنفجر بالفرح والتصفيق والهتافات والعناق.

في هذه المرحلة يعرض المخرج لقطات أرشيفية فعلية للاحتفال وكيف تحول ستراسيرا إلى طل قومي في الصحافة. ومع ذلك، وبعد بضعة أيام صدر الحكم الذي لا يعكس آمال المدعي العام ستراسيرا، الأحكام الصادرة هي كما يلي (وفقا للفيلم): أورلاندو رامون أغوستي – 4 سنوات و6 أشهر، خورخي أنايا – تمت تبرئته (سعت إسبانيا لاحقا لتسليمه لارتكابه جرائم ضد الإنسانية، لكنه توفي تحت الإقامة الجبرية في عام 2008)، باسيليو لامي دوزو – تمت تبرئته (أدين لاحقا لدوره في حرب فوكلاند ولكن حصل على عفو رئاسي في عام 1990).

أما عمر غرافينيا فتمت تبرئته (أعيدت محاكمته في 2016 وحكم عليه بالسجن لمدة 25 عاما بتهمة اختطاف وتعذيب وقتل)، ليوبولدو غالتيري تمت تبرئته كذلك (أدين لاحقا بسوء التعامل مع حرب فوكلاند). وحكم على أرماندو لامبروشيني بثماني سنوات سجنا، إميليو إدواردو ماسر حكم بالسجن مدى الحياة. روبرتو إدواردو فيولا حوكم بـ17 عاما، وخورخي رافائيل فيديلا حكم بالسجن مدى الحياة. ولكي يحقق شعار “لن يحدث ذلك مرة أخرى” أدان ستراسيرا وفريقه من زملائه الشباب أكثر من 1000 شخص آخر بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، ووفقا للفيلم “ما زالوا يبحثون عن أشخاص ويحاكمونهم حتى اليوم”.

يحاكمونهم حتى اليوم

يعيدنا فيلم المخرج الأرجنتيني والمشارك في كتابة السيناريو سانتياغو ميتري المثير إلى الأيام المضطربة التي أعقبت إزاحة الدكتاتورية العسكرية الأخيرة في الأرجنتين مباشرة، عندما خيمت المخاوف من أعمال انتقامية عنيفة أو حتى انقلاب آخر على إدارة جديدة ونظام قضائي يفكر في ما إذا كان سيحاكم قادة المجلس العسكري الذين ترأسوا عمليات الاختطاف الجماعي والتعذيب والقتل والكثير من “الجرائم ضد الإنسانية” وبحجة “إنقاذ” بلد من النفوذ اليساري والاضطرابات.

أصاب اليأس الكثيرين في الأرجنتين من تحقق العدالة وكان المكسب الوحيد بالنسبة إليهم وقتها هو صدور تقرير اللجنة الخاص بالمختفين قسريا، والذي جاء بعنوان “حتى لا يتكرر هذا”، والذي أدرجت فيه أعداد الضحايا ومراكز الاعتقال التي تم فيها تعذيب المعتقلين وقتلهم بأمر من السلطات العسكرية، حيث تم توثيق كل حالة على حدة في ملف رقمي مستقل، ونشر التقرير كاملاً في الجريدة الرسمية على حلقات والذي أحدث صدمة لدى الشارع الأرجنتيني عند نشره.

الدروس المستفادة من تجربة الأرجنتين هي أن مسار العدالة قد يمر بمنعطفات صعودا وهبوطا، انتكاسا وتقدما، لكن تطوره إيجابا مرتبط بمدى استمرار واستقرار النظام الديمقراطي والحكم المدني، وبمدى شعبية الرئيس المنتخب، فضلا عن ارتباطه بالنجاحات التي يحققها ذلك الرئيس في الجوانب الاقتصادية والتنموية بالإضافة إلى الإصلاح والتحول التدريجي الذي يقوم به في الأجهزة العسكرية والأمنية والتي يجب أن تتم السيطرة عليها بواسطة القوى المدنية الحاكمة وتخضع لإرادة الشعب وممثليه.

إن منتج أفلام ذا مظهر خاص مثل ميتري هو الوحيد القادر على إنجاز فيلم يتجاوز التقليدية دون التخلي عن البنية الكلاسيكية للسينما القضائية، الذي يضيف إليه عناصر من السينما التاريخية. سينما الذاكرة القضائية والتاريخية هي التي تستنسخ شهادات مروعة تم جمعها مباشرة من الأرشيف، وهذه هي المرة الأولى التي يتم فيها ذلك، وربما هذا هو السبب في أن الفيلم يحتوي على شيء من التنفيس وسيصبح بالتأكيد عملا ذا إسقاط رائع.

عمل سينمائي يتجاوز التقليدية دون التخلي عن البنية الكلاسيكية للسينما القضائية التي يضيف إليها السينما التاريخية

يختار ميتري وليناس إظهار كيف تم تشكيل الفريق القانوني للمدعي العام ستراسيرا، الذي كان لويس مورينو أوكامبو البالغ من العمر في ذلك الوقت 32 عاما فقط، نائبا له. كان العرض العالمي الأول للفيلم في الثالث من سبتمبر 2022 في المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي الدولي في دورته الـ79، حيث فاز بجائزة النقاد الدولية لأفضل فيلم، وتم اختياره مسبقا كممثل للأرجنتين للتنافس في فئة أفضل فيلم دولي في الدورة الـ95 من جوائز الأوسكار.

في مقابلة مع “لوس أنجلس تايمز” أكد المخرج ميتري أن “فيلم ‘الأرجنتين 1985’ هو فيلم عن الديمقراطية وعن كيفية بنائها بعد مأساة كبيرة أو حلقة مؤلمة في بلد مثل الدكتاتورية، وقبل كل شيء، دكتاتورية دموية مثل الأرجنتين، إن تسليط الضوء على قصة حقيقية بطولية، معقولة وإنسانية ومتماسكة عن الديمقراطية هو أيضا إبراز لقيمة المؤسسات في اللحظات المتطرفة إلى حد ما عندما يتم التشكيك في بعض القضايا الأساسية. ولتذكير الأجيال الجديدة، وخاصة أولئك الذين يتظاهرون بتجاهل أهوال الدكتاتورية، بأن أيّ طريق آخر غير المسار الديمقراطي يؤدي إلى مصير أسوأ بكثير. لقد قيل آنذاك ويجدر تكراره الآن: لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدا”.

أحد الأسباب التي زادت من أهمية الفيلم أنه كشف الحقائق للأجيال القادمة، والأهم من ذلك كله هو إظهاره مدى هشاشة الديمقراطية، ولكن ستكون هناك دائما شكوك في أن العدالة يمكن أن تسود في الديمقراطية. الرسالة عالمية ويمكن تطبيقها على الوضع الحالي للعالم الذي نعيش فيه “لا أحد فوق القانون”.

وهو يركز على حدث استثنائي ولكنه واقعي يمكن للأرجنتينيين أن يشعروا بالفخر به. القصة الحقيقية لكيفية تجرؤ خوليو سيزار ستراسيرا مع المحامي الشاب لويس مورينا أوكامبو وفريقهما القانوني من عديمي الخبرة على مقاضاة جنرالات الدكتاتورية العسكرية الدموية في الأرجنتين في معركة ضد الصعاب وسباق مع الزمن، والتحدي بواسطة القنابل والتهديدات بالقتل. جوهر الفيلم هو المحاكمة نفسها، حيث يعرض ستراسيرا 709 من القضايا. بيانه الختامي الذي استمر ثماني دقائق هو العرض الذروة والأساسي دون صراخ أو تبختر في قاعة المحكمة، بل من مقعده، يفضح الموظف الحكومي العذاب الذي لحق بالآلاف من مواطنيه، ويذكرنا “الأرجنتين 1985” بأن الحقيقة غير المقيدة هي دواء قوي.

بعيدا عن الإثارة

حاول المخرج تجنب فكرة الانتقام السياسي التي ستحول الفيلم إلى كتيّب سياسي مؤدلج، بل أراد كشف الانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان. حتى اللحظات التي تأتي فيها المشاهد الدرامية المؤثرة، مثل مشهد شهادة المرأة الحامل المختطفة التي تلد في سيارة الدورية والمرافعة الختامية لستراسيرا تمكنت من الابتعاد عن التقليدية. من خلال العمل مع شريكه المنتظم في الكتابة ماريانو ليناس تعمق ميتري في البحث عن هذا الحدث، وأجرى مقابلات مع الشهود، والمشاركين في المحاكمة، وحفر في المحفوظات وزيارة بعض المواقع، وهي عملية استغرقت عامين.

ويتذكر قائلا “أردنا إعادة بناء دقيقة وصادقة للأحداث، ولحسن الحظ تمكنا من التصوير في قاعة المحكمة الفعلية التي ظلت سليمة، وشعرنا وكأننا رجعنا إلى الوراء في الوقت المناسب”.

من خلال عنوان الفيلم “الأرجنتين 1985”  تمكن الكاتب من سرد التعذيب الجماعي والاغتصاب والقتل و”الاختفاء” لأكثر من 30000 مدني أرجنتيني من قبل الدكتاتورية العسكرية خلال ما يسمى بالحرب القذرة، التي استمرت ما يقرب من عقد من الزمان من عام 1974 حتى عام 1983. والتقط شهادات الضحايا أثناء تقديمها في المحكمة خلال هذه المحاكمة التي استمرت شهورا بالإضافة إلى السعي الدؤوب لتحقيق العدالة من قبل فريق من المدعين العامين المتفانين بشجاعة.

يقاوم الفيلم تماما الإثارة، ويختار بدلا من ذلك إعادة بناء الأحداث التي بلغت ذروتها في الانتصار التاريخي للعدالة الاجتماعية في مرحلة ديمقراطية ناشئة وقلقة.

ترسيخ الجانب الإنساني من التاريخ هو أحد إنجازات المخرج الرئيسية التي تسمح لنا بالدخول إلى الحقيقة نفسها

من جانب آخر فيلم “الأرجنتين 1985” يكتسب جاذبيته من الشهادة المؤثرة لأولئك الذين نجوا من الاختطاف أو الذين شهدوه في بلد عاقبته الدكتاتورية العسكرية عقابا هائلا. وحتى يومنا هذا، لا يزال الآلاف من الأشخاص في عداد المفقودين. وكما أعلن المدعي العام ستراسيرا في مرافعته الختامية “أيها القضاة الأعزاء: لن يحدث ذلك مرة أخرى أبدا”.

إن للولايات المتحدة دورا واضحا وصريحا في الدعم المالي للنظام الدكتاتوري الذي جعل الحياة جحيما لغالبية الأرجنتينيين. كانت الشركات الأميركية مثل فورد موتور كومباني وسيتي بنك من الداعمين للمجلس العسكري، بالطبع، هذا ليس سوى مثال واحد على التدخل الشنيع من جانب الولايات المتحدة بمساعدة الدكتاتوريات الفاشية في أميركا اللاتينية.

الأرجنتين 1985” مشبع أيضا ببراعة بتفاصيل خاصة بالفترة في تصميم الأزياء والمجموعة، محاكيا ذلك بواسطة لقطات أرشيفية. وتم التقاط الجوانب البصرية ببراعة بواسطة عدسة المصور السينمائي خافيير جوليا، مما يجعل وقت التشغيل الذي يستغرق ساعتين وعشرين دقيقة يمر بسرعة دون ملل. وتلتقط المصورة السينمائية جوليا صخب بوينس آيرس، وهو الحجم المهيب للمباني الحكومية حيث يتكشف الكثير من الأحداث في المكاتب الضيقة. إن الاهتمام غير المبهرج بتفاصيل الفترة من قبل مصمم الإنتاج ميكايلا صايغ ومصممة الأزياء مونيكا توشي يخدم القصة بشكل جيد، ولا يصرف الانتباه أبدا عن ستراسيرا والعمل الذي بين يديه.

وروى أكثر من 800 شاهد قصصهم خلال المحاكمة التي استمرت خمسة أشهر. وصور ميتري مشاهده الطويلة والمقنعة التي تظهر هؤلاء الشهود للادعاء في قاعة المحكمة الفعلية التي جرت فيها المحاكمة، مما أعطى التصوير جوا مشحونا ملموسا على الشاشة، حيث العديد من الممثلين والطاقم يذرفون الدموع خلال هذه المشاهد. وكذلك العديد من الجمهور.

وفي الحياة الواقعية حين تم عرض المحاكمة على شاشة التلفزيون الأرجنتيني وليلة بعد ليلة بعد عرض هذه البرامج الإذاعية التي ساهمت في تغير العقول، حتى والدة مورينو أوكامبو ينظر إليها على أنها تغير موقفها. بعد كل شيء يتوج النضال في تلخيص ستراسيرا لمرافعته، وهو خطاب شجاع يعد علامة فارقة في الفيلم وفي التاريخ السياسي الأرجنتيني. إنه ليس مجرد نداء من أجل تحقيق العدالة لضحايا المجلس العسكري. “الأرجنتين 1985” هو واحد من تلك الأفلام التي يتألق فيها فريق العمل بأكمله.

ينشر بالاتفاق مع مجلة "الجديد" الثقافية اللندنية

كاتب عراقي

 

العرب اللندنية في

05.02.2023

 
 
 
 
 

«الأوسكار» أكثر بياضا هذا العام

أخبار النجوم - إنچى ماجد

مع استبعاد الأفلام التي تحمل توقيع صناع أفلام ونجوم من أصحاب البشرة السمراء مثل The Woman King و”Till” و”Nope” من ترشيحات جوائز الأوسكار لعام 2023، أعاد البعض إحياء هاشتاج “#OscarsSoWhite”.

كانت البداية مع الناقدة الموسيقية بريت جوليوس، التي كتبت عبر حسابها على “تويتر”: “تكرار الأمر مجددا شيئا في غاية الصعوبة، وها هي (الأوسكار) من جديد (شديدة البياض) مع دانييل وفيولا - في إشارة إلى دانييل ديدويلر بطلة فيلم (Till) والنجمة فيولا ديفيز بطلة فيلم (The Woman King)”، لتضيف جوليوس قائلة: “إنه لأمر مخزي”.

كما أطلق الكاتب جميل سميث من صحيفة “التايمز” مازحا على قائمة الترشيحات لقب “Oscars So White 2”، في إشارة إلى كونها الجزء الثاني من ذلك التوجه، على الرغم من أن الجزء الثاني الحقيقي كان في عام 2016، وهو العام الثاني على التوالي الذي ذهبت فيه جميع ترشيحات جوائز التمثيل إلى فنانين من أصحاب البشرة البيضاء.

كما تساءل آخرون من رواد مواقع التواصل الاجتماعي عن السر وراء استبعاد مخرجة The Woman King، جينا برينسبيثوود، وكذلك فيلم “Nope” الذي أشادت الصحافة الأمريكية والأوروبية بأداء بطلتيه دانييل كالويا وكيكي بالمر، وبالمخرج جوردان بيل الذي تولى تأليف قصة الفيلم وإخراجه.

وفي الوقت نفسه، أشار مجموعة أخرى من رواد مواقع التواصل الاجتماعى بإستهجان إلى ترشيح أندريا ريسبورو لجائزة أفضل ممثل رئيسية عن فيلمها “To Leslie”، وهو الأمر الذي كان مفاجأة غير متوقعة، حيث لم يكن اسمها ضمن الأسماء المرشحة بقوة لتلك الجائزة، لكن على ما يبدو أن مجموعة من مشاهير “هوليوود” ذوي البشرة البيضاء منحوها أصواتهم حتى تدخل ضمن الخمس مرشحات للجائزة.

لتأتي المنتجة والناشطة في قضايا حقوق التنوع براسانا رانجاناثان، لتشجب بقوة عدم وجود صانعات أفلام نساء ضمن الترشيحات، كما أدعى محرر مجلة “فيلادلفيا” إرنست أوينز أن الأكاديمية قررت الدفع باسم ريسبورو على حساب ممثلتين سوداوين أشاد بهما النقاد بشدة طوال هذا الموسم، ليطلق أوينز على الحملة اسما جديدا وهو “الامتياز الأبيض في أفضل حالاته”.

جدير بالذكر أنه منذ حفل توزيع جوائز “الأوسكار” الأول في عام 1929، كانت هذه هي المرة 83 التي لم يرشح فيها ناخبو أكاديمية السينما ممثلة سوداء لأداء رئيسي، وبالنسبة للممثلين السود فيأتي ذلك الاستبعاد رقم 74 بالنسبة لهم في فئة أفضل ممثل رئيسي.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

05.02.2023

 
 
 
 
 

«حوريات إنشيرين» الفائز الكبير بـ خمسة جوائز

«تار» لـ تود فيلدز أفضل فيلم في حفل «نقاد لندن»

لندن ـ «سينماتوغراف»

فاز فيلم تود فيلدز «تار» بالجائزة الأولى في حفل توزيع جوائز نقاد لندن السينمائي الثالث والأربعين ليلة أمس الأحد، حيث حصل على جائزة أفضل فيلم لهذا العام، وفي الوقت نفسه، فازت كيت بلانشيت بجائزة أفضل ممثلة للعام - وهي المرة الثالثة التي تفعل فيها ذلك - وحصل فيلد على جائزة أفضل مخرج لهذا العام.

وكان فيلم مارتن ماكدوناغ (حوريات إنشيرين ـThe Banshees of Inisherin) الفائز الكبير في لندن، حيث حصد خمسة جوائز، بما في ذلك جائزة أتنبورو للفيلم البريطاني / الأيرلندي لهذا العام، وكاتب السيناريو للعام، وممثل العام لـ كولين فاريل، وممثل مساعد وممثلة مساعدة. لباري كيوغان وكيري كوندون.

وفاز فيلم أيرلندي آخر (الفتاة الهادئة ـ The Quiet Girl)، بجائزة أفضل فيلم بلغة أجنبية لهذا العام في مباراة فاز بها جنبًا إلى جنب مع فيلم بارك تشان ووك (قرار المغادرة)، وحصل الفيلم الذي أخرجته لورا بويتراس (كل الجمال وإراقة الدماء) على جائزة الفيلم الوثائقي لهذا العام.

توج الحفل بتقديم جائزة ديليس باول للتميز في الفيلم إلى الأيقونة السينمائية ميشيل يوه، التي رافقها الممثل كي هوي تشيوان بكل فيلم (كل شيء في كل مكان دفعة واحده).

وذهبت جائزة الإنجاز الفني إلى فيلم (بينوكيو) للمخرج غيليرمو ديل تورو عن الرسوم المتحركة، وذهبت جائزة أفضل فيلم بريطاني / أيرلندي قصير لهذا العام إلى كيران أنور بليسي عن فيلم (ثعلب في الليل).

تم اختيار الجوائز من قبل قسم الأفلام الذي يضم 200 عضو في دائرة النقاد، وهي أقدم منظمة نقاد في المملكة المتحدة.

 

موقع "سينماتوغراف" في

05.02.2023

 
 
 
 
 

«آل فايبلمان» مرشّح لتسع جوائز أوسكار:

ستيفن سبيلبيرغ عثر على الحياة فـي السينما

شفيق طبارة

عندما تكون السينما، نهج حياة، الملجأ والكذب والحقيقة... عندما تكون حاجة، وأكثر من مجرد حلم لشخص ما وحقّقه... في هذه الفسحة بلا شك، نجد ستيفن سبيلبيرغ وفيلمه الأخير The Fabelmans. الرجل الذي قال إنه لم يصدق الحقيقة التي تقولها عيناه، ويصدق فقط ما تقوله له الأفلام. في جديده لا يُعيد مقولته فقط، بل يرينا إياها بأعيننا، ويوضح كيف أن الصورة والسينما هما الدين الوحيد الذي يؤمن به. السؤال هنا ليس «ما هي السينما؟» ولكن أين ولماذا يتقاطع الفن (السينما في هذه الحالة) مع الحياة؟ حياة تصبح فيها الكاميرا أداة لفهمها والتعامل معها، وسيلة للسؤال والمجازفة في الجواب. إن استحضار البدايات وتطور أحد أهم المخرجين في التاريخ، في فيلم صنعه بنفسه عن نفسه، هي تجربة تصيب قلب السينما مباشرة، كما هي الحال في المشهد الأخير من الفيلم، حيث يختتم سبيلبيرغ شريطه بمزحة بصرية تؤكد أنه فهم كل شيء عن السينما، ووصية قالها له العظيم جون فورد (ديفيد لينش)، حيث كل شيء في الصورة أو الواقع يتوقف على مكان الأفق.

«آل فايبلمان» (مرشّح لتسع جوائز أوسكار من بينما أفضل فيلم، وأفضل مخرج، وأفضل سيناريو...) ليس أقل من ذاكرة سبيلبيرغ الشخصية. للمرة الأولى يخصص أحد أهم المخرجين في تاريخ السينما، فيلماً لرواية طفولته وسنوات المراهقة. سيرة ذاتية عن حياته الخاصة لا تشبه الوصية كثيراً بقدر ما هي نوع من البوح يعود فيه إلى المكان الذي يشعر به بالحماية والأمان: العائلة والسينما. بحنين وحبّ، يعالج علاقته مع والدته ووالده (توفي كلاهما على التوالي عامَي 2017 و2020)، ووجهة نظره النقدية حول معنى أن يكبر معهما (وربما اليوم يفهمهما بشكل أكبر). فيلم عن معضلات العائلة وأفراحها ومصاعبها، عن اكتشاف المشكلات والصدمات النفسية والأسرار من خلال التصوير، وحلّها ومعالجتها بالسينما، عن علاقة الفنان بالعائلة (من أجمل مشاهد الفيلم الحديث بين سام والعم بوريس (جود هيرش، مرشح لأفضل ممثل مساعد)، وكيف يمكن للفن وخاصة لصانع الأفلام أن يفصل نفسه عن عائلته ويصبح مراقباً لها لمحاولة فهمها. الحب هو الموضوع الرئيسي، من الأسرة إلى الرومانسية والشغف بالسينما دائماً، حيث تتنافس أنواع الحب المختلفة وتغذي بعضها البعض.

من الواضح أن سبيلبيرغ نشأ محاطاً بالحب، حتى في اللحظات الصعبة، وأيضاً حب السينما هو قوة ساحقة أصبحت أكثر بكثير من مجرد هروب من الواقع. ميشيل ويليامز وبول دانو يؤدّيان والدَي سام في أداء ينحرف قليلاً عن الواقعية ليلائم الاحتياجات الخاصة لوجهة النظر التي يتم سرد القصة من خلالها. والده المهندس ووالدته الموسيقية التي تركت حلمها لتعتني بالأسرة، لا يتحدث أي منهما لغة الآخر العاطفية والعقلية، لكنهما يبذلان قصارى جهدهما في الترجمة حتى ينتهي هذا الجهد بتوسيع الصمت بينهما. ستيفن سبيلبيرغ في الفيلم، يدعى سام فايبلمان. في المشهد الأول، بالكاد يبلغ ثماني سنوات وهو على وشك دخول السينما للمرة الأولى. أول شيء يراه سام على الشاشة (مشهد تحطّم القطار في فيلم «أعظم عرض على وجه الأرض» (1952) لسيسيل ديميل) سيترك بصمة عليه مدى الحياة. نرى سام منبهراً بالسينما بشكل متزايد. يتعلم شيئاً فشيئاً التصوير والمونتاج، وقبل أي شيء يكتشف حقيقة غير متوقعة من خلالهما هو تمزق عائلته ووقوفه دائماً إلى جانب والدته المحببة وغير المستقرة. تبدأ حياة سام، ويرويها لنا الأسطورة نفسه. وعندما يصل أخيراً إلى لوس أنجليس، يشعر أكثر من أي وقت مضى بمصيره السينمائي.

هناك جانبان رئيسيان في القصة: عائلته والسينما. على الرغم من أنّ كليهما متشابك، إلا أن هناك لحظات ينفصلان فيها ويخبران الشيء نفسه. سيجد سام قريباً أن السينما قادرة ليس فقط على تحريك مشاعرنا، ولكن أيضاً على كشف الحقائق وإخفاء العيوب وتمجيد الأكاذيب وإظهار ليس فقط من نحن، ولكن أيضاً من يمكن أن نكون. يكتشف سام، مثل سبيلبيرغ، في وقت باكر جداً أن مفتاح السينما يكمن في المونتاج. ما يبقى في الفيلم وما يُقَصّ منه. يتشابك نضج سامي الفني بشكل لا ينفصم مع تطور التكنولوجيا، وأيضاً مع تاريخ عائلته. سبيلبيرغ بإحساس كبير يوضح أن الصبي أصبح أكثر وعياً بذاته الإبداعية في اللحظات الحاسمة، وهذه اللحظات لا تنفصل عن الطريقة التي يراقب بها عائلته وتفكّكها البطيء. إذا كان الطفل الصغير يريد فقط إعادة إنشاء ما رآه في السينما بمساعدة فيلم 8 مم، فإن هذا الإنشاء يمثل بالفعل توثيقاً وإعادة تجميع واقع عائلي ينهار إلى أجزاء. والشاب الذي هو الآن في المدرسة الثانوية، يستخدم بوعي فيلم 16 مم، يخلق واقعاً جديداً تماماً. بهذه الطريقة، فإن النبض المكرر يجعل التعامل مع المونتاج يبدو بسيطاً وطبيعياً ومرتبطاً ارتباطاً مباشراً بالأحاسيس، وطريقة تفسيرها وفي الوقت نفسه التعامل معها، أو إنشاء أحاسيس جديدة مغايرة عن الواقع كما فعل في فيلم رحلة المدرسة إلى الشاطئ الذي عرضه للتلاميذ. من الأفلام القصيرة التي صوّرها سام مع أخواته ثم أصدقائه فرفاقه في المدرسة، تظهر كيف أنه عرف من خلال الصورة فك شيفرة العواطف ومواجهة عالم الكبار والتصالح مع الطفل الذي كان في السابق، ومواجهة آلامه القديمة والجديدة وقلقه وأي صعوبة يواجهها في الحياة.

على الرغم من أن الفيلم شخصي للغاية، فإنه يظل بعيداً عن فخاخ الغطرسة والتمركز حول الذات

الفيلم هو بيان فخم حول التردد والتأني والتفكير الكبير في دور السينما، والتعامل معها وعلاقتها بالحياة. وعلى الرغم من أن الفيلم شخصي للغاية، فإنه يظل بعيداً عن فخاخ الغطرسة والتمركز حول الذات التي سقطت به أفلام مماثلة صدرت حديثاً. «آل فايبلمان» هو تحفة سبيلبيرغ الجديدة، مراجعة للذات مليئة بالتواضع. فيلم مختلف عن كل شيء صنعه المخرج. وعلى الرغم من أن بصمته الدقيقة للغته السينمائية واضحة ومدروسة دائماً، إلا أنّ «آل فايبلمان» يعطي شعوراً بأن المراهق والطفل داخل الرجل الذي يبلغ 76 عاماً هو من صنع الفيلم، فمن الممكن تماماً أن نشعر بشغف المخرج ينزف من كل صورة وكل إطار. يصنع ستيفن سبيلبيرغ الأفلام ويذهب إلى السينما لا للهروب من الحياة، لكن للعثور عليها، وفيلمه الجديد خير مثال على ذلك. لم يُظهر لنا نفسه على أنه العاشق للسينما الذي شاهد كل الأفلام، ولا يمكن أن يمضي يوم إلا ويشاهد فيلماً أو اثنين، بل أظهر لنا ما هو أعمق من مجرد حب، هو طريقة التفكير من خلال الصورة التي يحبّ أن يصنعها. ما قاله لنا سبيلبيرغ في الفيلم وطريقة تعامله الفكرية مع السينما التي ولدت من حب لا محدود لها، هو ليس هروباً من الحياة ولكن طريقة لممارسة عواطفنا والتعلم وإضفاء العمق إلى أيامنا. يوضح سبيلبيرغ كيف أن السينما أكثر من مجرد هواية أو حتى مهنة. إن صانع الأفلام يغير الحياة والمشاعر والمفاهيم والمسارات. يؤكد كيف أن بعض الحقائق لا يمكن أن تُرى أو يُنظر إليها إلا من خلال الضوء السينمائي. إحدى أهم اللقطات في الفيلم هي تلك التي تظهر سام الصغير وهو يعرض الصور على يده. صانع الأفلام المستقبلي، يحمل حرفياً عالماً بين يديه. سيرة سبيلبيرغ الذاتية عاطفية من دون أن تكون مبتذلة أو نوستالجيّة كما تحب هوليوود. قصة طفولته وشبابه رأيناها من خلال عيني سبيلبيرغ نفسه، أو في الواقع، ما سمح لنا برؤيته.

 

الأخبار اللبنانية في

06.02.2023

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004