"آل فيبلمان":

أقرب فيلم لسيرة سبيلبرغ بعد "إي. تي"

جيفري ماكناب 

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 95)

   
 
 
 
 
 
 

بعد أربعة عقود من صدوره، ما زال فيلم "إي.تي" يعد عملاً فنياً هو مرآة مرحلة تاريخية ولت ولكنه لا يزال راهناً. والعودة إليه وإلقاء نظرة فاحصة عليه اليوم يعتد بها قبيل صدور فيلمه المقبل، الذي يقال إنه سيرة ذاتية شأن الفيلم الشهير، لكن من دون كائنات فضائية

يتعرض صبي صغير لإساءات ناجمة عن معاداة السامية في مدرسته الجديدة، يرمي الأطفال عملات معدنية على الأرض عندما يمر أمامهم استهزاء بما يتناقل عن ولع اليهود بالمال، و يتركون قطع الخبز التقليدي، البايغل  bagels، في خرانته، يطلقون عليه صفة "الجشع" ويلكمونه في وجهه.

ومما يزيد من بؤس الولد طلاق والديه، وهو من أحلك الصدمات في طفولته، بعدما بدأت والدته علاقة مع أحد أصدقاء العائلة.

الصبي المقصود هو ستيفن سبيلبرغ. ولا شك في أن إحدى أكثر الطرق نجاعة لمحاربة المتنمرين هي أن يقوم الشخص المضطهد بصناعة فيلم ووضع الأشخاص الذين عذبوه في أدوار بارزة. كان سبيلبرغ مغرماً بالأفلام منذ أن تم اصطحابه لمشاهدة فيلم "أعظم استعرض على الأرض [في المعمورة]" The Greatest Show on Earth للمخرج سيسيل بي ديميل الصادر عام 1952 عندما كان في الخامسة من عمره فقط.

من المناسب تماماً أن يعاد إصدار فيلم "إي.تي: زائر من خارج الأرض"  ET: The Extra-Terrestrial الذي أنجزه سبيلبرغ عام 1982، بالتزامن مع اقتراب العرض العالمي الأول لأحدث أفلامه، "آل فيبلمان" The Fabelmans. الفيلم الجديد هو سيرة ذاتية صريحة، ويتناول طفولة المخرج في ولاية أريزونا، وتحديداً طلاق والديه. كان هذا أيضاً الموضوع غير المباشر لفيلمه السابق. الصبي إيليوت، بطل "إي.تي" الذي يصادق مخلوقاً من خارج كوكب الأرض لطيفاً وكبير العينين، يحاول أيضاً استيعاب الانفصال بين والديه، حيث اختفى والده في ظروف غامضة وذهب إلى المكسيك.

يتردد أن "آل فيبلمان" يتضمن نسخة درامية من اللقاء الحقيقي الذي جمع سبيلبرغ عندما كان مراهقاً مع المخرج جون فورد (الذي يلعب دوره ديفيد لينش مخرج مسلسل ’توين بيكس’ Twin Peaks). يمنح فورد الطفل بضع لحظات قبل أن يقول له "اخرج [تحرك] عليك اللعنة". ومع ذلك، فإن نصيحته القاسية حول كيفية إخراج الأفلام كافية لإقناع الصبي بأنه قد يكون لديه أيضاً مستقبل في صناعة السينما [الإخراج]. لا شك في أنه سيكون من المبالغة الإشارة إلى أن الكائن الفضائي في "إي.تي" هو رمز يعادل شخصية جون فورد في "آل فيبلمان". ومع ذلك، هناك نقاط تقاطع بين الفيلمين، إذ يبحث صبي تعيس في كليهما عن الرفقة والإجابات وشخصية أبوية [يحتذى عليها].

كان سبيلبرغ قريباً بشدة من بطل القصة ابن السنوات العشر في "إي.تي". يصف كاتب سيرته الذاتية جوزيف ماكبرايد الفيلم بأنه "سيرة ذاتية عاطفية مبطنة" لمخرجه. "أحد الأسباب التي دفعت ستيفن ليصبح صانع أفلام هي أن يحظى بقبول اجتماعي"، يقول ماكبرايد موضحاً أحد الدوافع التي جعلت الطالب المجتهد في المدرسة يقف وراء الكاميرا ويشرع في توزيع الأدوار على زملائه في الفصل.

في "إي.تي"، تعد صداقة إليوت مع الفضائي جواز سفره إلى الشعبية [في أوساط أقرانه]. عند وصول الفيلم إلى نهايته، كان شقيقه الأكبر (لعب دوره روبرت ماكنوتون) والمولعون بالرياضة في المدرسة الذين كانوا يتعاملون معه بلؤم في يوم من الأيام، حريصين جميعاً على مساعدة إليوت في تهريب المخلوق الفضائي من السلطات.

في الولايات المتحدة، أعادت شركتا "يونيفرسال بيكتشرز" و "آمبلين إنترتيمنت" إصدار فيلم سبيلبرغ الكلاسيكي على شاشات "آي ماكس" حصرياً في أغسطس (آب]. إنه قرار غريب بالنظر إلى أن هذا أحد أصغر أفلام سبيلبرغ وأكثرها حميمية، إنه "دراما نفسية ريفية" بحسب تعبيره. تخبرني دي والاس التي تلعب دور ماري والدة إليوت، "في الواقع كان من المفترض أن يكون ’إي.تي’ فيلم ستيفن الصغير وسط أفلامه الرائجة الكثيرة". بالنسبة إلى منتقدي "إي.تي" فإنه يتمتع بهيئة الأفلام التلفزيونية المبهرجة. إنه قصة خيال علمي تشتمل على مركبة فضائية وكائن فضائي، لكن معظم الأحداث تتكشف في أماكن مألوفة بالنسبة إلينا من خلال عدد لا يحصى من المسلسلات الكوميدية والمسلسلات التليفزيونية في فترة الثمانينيات. يجري جزء كبير من الأحداث داخل منزل عائلة إليوت، والدته (الممثلة والاس) منشغلة بصراعاتها المنزلية لدرجة أنها لا تلاحظ حتى وجود المخلوق الفضائي ذي القلب المتوهج والأصابع الطويلة جداً تحت سقف بيتها.

المؤثرات البصرية في العمل ليست سبباً في نجاحه أبداً. من المفترض أن تحاكي لقطات الأطفال الراكبين على الدراجات بينما تعرض صور للسماء خلفهم عملية الطيران. كما أن أحد أسباب الإضاءة الخافتة للفيلم هو أن المصور السينمائي ألين دافيو كان قلقاً بشأن اكتشاف الجمهور أن الكائن الفضائي الذي صممه معالج المؤثرات الخاصة كارلو رامبالدي، مصنوع في الواقع من المطاط والبلاستيك. (على كل حال، تتذكر والاس أن الممثلين تعاملوا مع إي.تي كما لو كان واحداً منهم. على وجه الخصوص، كان النجم الطفل، درو باريمور، الذي كان حينها في السادسة من عمره، يجري مناقشات جادة مع الفضائي بين المشاهد، متجاهلاً حقيقة أنه لم يكن "حقيقياً").

كما أن طاقم الممثلين ليس من الأسماء البارزة جداً، باريمور رائعة تماماً في دور أخت إليوت الصغرى ذات الغمازة المميزة على ذقنها، بينما يتمتع بيتر كويوت بجاذبية خاصة في دور العالم الذي كلفته الحكومة ملاحقة الفضائي، هذا ليس فيلماً بنجوم من الدرجة الأولى، من المعروف أن شركة "كولومبيا بيكتشرز" قد رفضت المشروع لأنه يفتقر إلى الجاذبية التجارية الواضحة كما بدا لها.

في وقت تقديم سبيلبرغ "إي.تي"، لم تكن سمعته قد تعافت تماماً من الفشل الملحوظ في فيلمه الكوميدي عن الحرب العالمية الثانية 1941 الذي أصدره عام 1979 وحقق في شباك التذاكر أداء أضعف بكثير من فيلمي "الفك المفترس" Jaws أو "لقاءات قريبة من النوع الثالث" Close Encounters of the Third Kind. الناقد البريطاني المؤثر روبن وود الذي اعتبر الفيلم على أنه أسطورة عتيقة ومتحيزة جنسياً من حقبة ريغان، قال ممتعضاً، "لا يمتلك ’إي.تي’ أي سبب يجعله يحظى باهتمام أكبر مما تحصل عليه أفلام (هوليوود) الصغيرة الأخرى التي لا تعد ولا تحصى". ومع ذلك، سرعان ما أصبح الفيلم ظاهرة ثقافية كاملة، لقد جذب الجماهير من جميع الأطياف. عندما عُرض للمرة الأولى في ختام مهرجان كان السينمائي في عام 1982، سمع أعضاء لجنة تحكيم المهرجان التي تضمنت المؤلف الواقعي الساحر غابرييل غارسيا ماركيز والمخرج الأميركي سيدني لوميت والممثلة جيرالدين شابلن، وهم يقولون "الحمد لله، فيلم رائع". لم يدخل العمل في المنافسة ولم يصوتوا عليه، لكن جمهور المهرجان رفيع المستوى استقبل "إي.تي" استقبالاً حماسياً، كما أن استجابة رواد السينما في كل مكان آخر كانت مماثلة.

قدمت عديد من النظريات حول النجاح الباهر لـ "إي.تي"، الذي لا يزال يحتل المرتبة الرابعة بين أكثر الأفلام شعبية على الإطلاق من حيث مبيعات تذاكر السينما. أشار بعضهم إلى مواضيعه الدينية ولاحظ آخرون تشابهه مع فيلم "ساحر أوز" The Wizard of Oz، فقد قارنوا الفضائي بشخصية دوروثي واعتبروا الأطفال مكافئين أصغر حجماً لشخصية الفزاعة والأسد الجبان معادلاً لرجل الصفيح الذي يساعد الوحوش الخشبية التعيسة على العودة إلى وطنها. كان سبيلبرغ أيضاً يحاول تصويب أخطاء "ديزني". في أوائل الثمانينيات، ضلت ديزني طريقها وكانت تروج لأفلام ذات رؤية منقحة ومثالية للحياة الأسرية في الخمسينيات، التي بدت وكأن الزمن قد عفا عليها في أميركا ما بعد ووترغيت وحرب فيتنام. في عام 1981، على سبيل المثال، وصلت حالات الطلاق في الولايات المتحدة إلى رقم غير مسبوق هو 1.21 مليون حالة.

يتذكر ماكبرايد أن زميله القديم آرت مورفي، ناقد كبير سابق في مجلة "فيرايتي" أخبره أن "سبب نجاح هذا الفيلم هو أن سبيلبرغ أدرك حقيقة الطلاق". توافق والاس (التي أصدرت أخيراً كتابها للمساعدة الذاتية بعنوان ’مولود: ولادة نفسك الجديدة’) على أن "إي.تي" تعامل بصراحة مع العدد الكبير من العائلات الأميركية بما في ذلك عائلتها التي كانت موجودة حينها. تقول، "لم تكن والدتي أماً عازبة، لكنها ربما كانت كذلك لأن والدي كان مدمناً الكحول بشدة ... من كل النواحي العملية، لقد تربيت على يد أم عازبة، كنت أعرف الطاقة التي تتمتع بها شخصية ماري في الفيلم جيداً، إنها الأم التي ستفعل أي شيء لرعاية أطفالها".

كان هذا أكثر فيلم يقارب حياة سبيلبرغ الشخصية حتى الآن مستوحى من مشاعره الخاصة بالوحدة والعجز بعد انفصال والديه، ولكنه كان يتمتع بجاذبية عالمية فورية، يمكن للأطفال أن يشعروا برابط مع العمل لأنه كان صريحاً بشأن صدمات الطفولة والعائلات المفككة. في هذه الأثناء، وجد آباؤهم انعكاساً لأنفسهم في شخصيات مثل الأم التي تعرضت للمضايقة التي جسدتها والاس.

جون سيلز، كاتب ومخرج أفلام مرشحة للأوسكار مثل "سمك العشق" Passion Fish (1992) و"نجمة وحيدة" Lone Star (1996)، كلف في الأصل من قبل منتجة سبيلبرغ، كيثلين كينيدي، للعمل على فيلم "سماء الليل" Night Skies، وهو حكاية عن فضائيين حاقدين يستهدفون عائلة ريفية. شعر سبيلبرغ أن هذا كان شديد العنف. يتذكر المخرج في فيلم وثائقي صادر عام 1996، "لقد كان الأمر مخالفاً لرؤيتي حقاً ... سرد قصة عنيفة ومخيفة عن كائنات فضائية تهاجم مزرعة". (في النهاية، أنتج سيلز فيلم "الأخ من كوكب آخر" The Brother from Another Planet عام 1984 ، الذي كان فيه الكائن الفضائي العالق على الأرض رجلاً أسود).

بدلاً من العمل على "سماء الليل"، قرر سبيلبرغ أثناء تصوير فيلم "سارقو التابوت الضائع" Raiders of the Lost Ark عام 1981 أنه يريد رواية قصة عن صبي وحيد وفضائي لطيف. كلف كاتبة السيناريو ميليسا ماتيسون التي كانت في فريق عمل "سارقو التابوت الضائع" مع شريكها آنذاك هاريسون فورد كتابة السيناريو. كانت هي الشخص الذي قرر منح "إي.تي" قدراته العلاجية السحرية.

بعد مرور أربعين عاماً ما زال الفيلم موضوعياً وتوثيقياً لمرحلة تاريخية في آن معاً كما كان دائماً. ذات مرة، وصف المخرج  "إي.تي" بأنه "قصة عن الأقليات ... تمثل كل أقلية في هذا البلد". في أميركا ما بعد ترمب، حيث يُعامل المهاجرون بمثل هذا العداء يكون للعمل صدى إضافي. في وصف شحيح، انتقد الناقد المخضرم روبن وود بشدة الفظاظة في صميم "إي.تي".

لقد كان سبيلبرغ حريصاً بشكل خاص على تصوير "’الآخر’ في شكل كائن صغير محبوب وغير ضار أبداً آت من خارج كوكب الأرض". عندما يتعلق الأمر بالتعامل مع العرق والاضطهاد، لم يتبع سبيلبرغ أسلوب مالكولم إكس الصارخ تماماً. ومع ذلك، فإن الفيلم يتعمق أكثر بكثير من أفلام العائلة الأخرى المعاصرة له.  يقول لي ماكبرايد، "هذا أحد الأشياء التي لا يدركها الناس في أعمال سبيلبرغ ... هناك سوداوية مختبئة تحت الأجزاء المبهجة. "إي.تي" فيلم ممتع وساحر وجذاب، لكنه يخفي كثيراً من الألم في ثناياه".

تلخص والاس الجاذبية الدائمة لـ "إي.تي" قائلة، "ربما شاهدت هذا الفيلم 150 مرة حتى الآن. أبكي في كل مرة وأضحك على نفسي لأنني أعرف بالضبط ما الذي سيحدث... لقد شاهدته مع أشخاص أصغر سناً، وهم يشعرون بوجود رابط معه تماماً مثلما فعل الأطفال عندما صدر ... إنه يصل إلى قلوبهم، وهم يفهمونه تماماً. هناك أطفال صغار يأتون إلي عندما أحضر في مناسبات خاصة (أطفال صغار في الثالثة والرابعة من العمر) فينظرون إلي ويوجهون أصابعهم نحوي ويقولون ’إي.تي، اتصل بالمنزل!’".

السؤال المطروح الآن هو ما إذا كان سبيلبرغ قادراً على إضفاء القدر نفسه من السحر في فيلم سيرته الذاتية الجديدة الأكثر وضوحاً ’آل فيبلمان’. لكن هذه المرة سيتعين عليه القيام بذلك من دون مساعدة أي مخلوقات محببة.

صدر فيلم ’إي.تي’ في المملكة المتحدة في 2 سبتمبر (أيلول)، أما العرض العالمي الأول لـ ’آل فيبلمان’ فسيكون في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي المنعقد في الفترة ما بين الثامن و الـ18 من سبتمبر.

*نشرت اندبندنت هذا المقال في 12 أغسطس 2022

© The Independent

 

الـ The Independent  في

04.09.2023

 
 
 
 
 

«إخواننا» يمثّل الجزائر في الأوسكار

نجوم/ الأخبار

أعلنت اللجنة الجزائرية لانتقاء الأفلام اختيار الفيلم الروائي الطويل «إخواننا» للمخرج رشيد بوشارب للمنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي ضمن الدورة الخامسة والتسعين من احتفال توزيع جوائز أكاديمية فنون وعلوم السينما الأميركية الذي سيُقام في 12 آذار (مارس) 2023 في لوس أنجليس.

الفيلم من بطولة سمير قاسمي ورضا كاتب ولينا خوذري، ويتناول قصة مقتل المهاجر الجزائري «مالك أوسكين» (22 عاماً) على يد عناصر من الشرطة الفرنسية خلال احتجاج طلابي على إصلاحات التعليم الجامعي في ليل الخامس من كانون الأوّل (ديسمبر) 1986.

وأصبح «مالك» رمزاً للكفاح ضد العنصرية وعنف الشرطة في فرنسا. إذ خرج مئات الآلاف من طلبة وصحافيين وغيرهم، إلى الشارع محتجّين في تظاهرة سلمية على جريمة الشرطة، في 36 مدينة فرنسية.

وقالت اللجنة في بيان إنّها اختارت «إخواننا» بعد مفاضلة بينه وبين أفلام «حورية» للمخرجة مونيا مدور و«حليم الرعد» للمخرج محمد بن عبد الله و«زفيرة... الملكة الأخيرة» لعديلة بن ديمراد وداميان أونوريه.

تشكلت اللجنة برئاسة المخرج محمد لخضر حمينة وعضوية المخرجة ياسمين الشويخ والممثل فوزي صايشي والممثل حسان كشاش ومهندس الصوت علي محفيش والملحن سليم دادة والناقد السينمائي سليم عقار.

 

الأخبار اللبنانية في

07.09.2022

 
 
 
 
 

الجزائر ترشح فيلم «إخواننا» لتمثيلها في جائزة «الأوسكار»

الجزائر ـ «سينماتوغراف»

اختارت الجزائر فيلم “إخواننا”، لتمثيلها في جائزة أوسكار أفضل فيلم دولي، ضمن جوائز أكاديمية فنون وعلوم السينما الأمريكية.

الفيلم اختارته اللجنة الجزائرية لانتقاء الأفلام، وهو للمخرج رشيد بوشارب، ومن بطولة سمير قاسمي ورضا كاتب ولينا خوذري.

ويتناول الفيلم قصة مقتل المهاجر الجزائري مالك أوسكين، على يد عناصر من الشرطة الفرنسية، خلال احتجاج طلابي على إصلاحات التعليم الجامعي عام 1986.

وقالت اللجنة، في بيان، إنها اختارت “إخواننا” بعد مفاضلة بينه وبين “حورية” للمخرجة مونيا مدور، و”حليم الرعد” للمخرج محمد بن عبدالله، و”زفيرة.. الملكة الأخيرة” إخراج عديلة بن ديمراد وداميان أونوريه.

تشكلت اللجنة برئاسة المخرج محمد لخضر حمينة، وعضوية المخرجة ياسمين الشويخ، والممثل فوزي صايشي، والممثل حسان كشاش، ومهندس الصوت علي محفيش، والملحن سليم دادة، والناقد السينمائي سليم عقار.

يقام حفل إعلان وتسليم جوائز الدورة الخامسة والتسعين للأوسكار في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة في مارس 2023.

 

موقع "سينماتوغراف" في

07.09.2022

 
 
 
 
 

توب غان مافريك: مزايا عديدة و لكن..

محمد كسبر

هناك ميم شهير تم تداوله من فترة على السوشيال ميديا بطريقة ساخرة واستخدم كدليل على أن توم كروز في الأصل فامبير (مصاص دماء)، والميم عبارة عن مقارنة بين صورة قديمة لتوم كروز بصحبة الممثل جوناثان ليبنيكي الذي شاركه بطولة فيلم جيري ماغواير   jerry maguire وهو طفل ثم صورة حديثة لنفس الممثل مع توم كروز بعد أن كبر وأصبح شابا والمفاجأة أن توم كروز يبدو في الصورة الحديثة أكثر شبابا وحيوية من الممثل الذي شاركه البطولة طفلا وناداه بأونكل توم في يوم من الأيام!

لكن يكفي بقليل من الفحص والمحص على جوجل إدراك زيف الصورة فالشخص الثاني الذي يقف بجانب توم كروز في الصورة الحديثة ويبدو أكبر سنا منه هو المخرج  كريستوفر ماك كويري الذي أخرج له المهمة المستحيلة سقوط mission impossible fallout! لكن أيضا زيف الصورة لا ينفي الفرضية المتمثلة في كون توم كروز فامبير متخفي يتحدى الزمن دائما بلياقته المبهرة وتغريده خارج المألوف والدليل قيامه بقيادة طائرة حقيقية في تصويره أحدث أفلامه توب غان مافريك.

لكن الفيلم لا يقتصر على مجرد طائرة حقيقية قام توم كروز بقيادتها أو لياقة بدنية مبهرة قام توم كروز باستعراضها على الشاشة لكن فكرة تحدي الزمن هنا تتجاوز توم كروز وتتغلغل لمضمون الفيلم ذاته الذي يمكن تلخيصه في صراع بين زمنين ” زمن مافريك القديم” بما يحمله من  احتفاء بالشجاعة الفردية  التي تصل لحد التهور احيانا وزمن حالي لا يولي اهتماما كبير للعنصر البشري ويفضل انهاء الصراع بضغطة زر وباستخدام طائرات دون طيار، لكن تشاء الظروف أن يتقابل الزمنين في مكان واحد من أجل إنجاز مهمة محددة.

وقبل الخوض في فيلم توب غان ومضمونه لابد أولا من الإجابة على السؤال الوجودي المطروح دائما على مائدة الحوار:

هل لابد من مشاهدة الجزء الأول للفيلم والذي طرح عام 1986 قبل مشاهدة الفيلم الحالي

الإجابة النموذجية والدبلوماسية والتي تمثل رأي الأغلبية هي:

نعم من الأفضل أن تفعل ذلك من أجل مزيد من المتعة لكن أن لم تفعل لا مشكلة ستستمتع أيضا ولكن بدرجة أقل

هذا المقال يطرح صوت مخالف وينفي إمكانية حدوث أي استمتاع بالفيلم دون مشاهدة الجزء الأول، فمشاهد الفلاش باك المطروحة في الجزء الثاني لن تغني بتاتا عن مشاهدة الجزء الأول لأنها مطروحة أساسا كنوع من تنشيط الذاكرة والنوستالجيا لمن شاهد الجزء الأول!

والمخالفة السابقة لا تهدف إلي الخلاف من أجل الاختلاف ولا ترغب في تسلق سلم الشهرة عملا بمبدأ “خالف تعرف” لكن توجد حجة منطقية نطرحها على مائدة الحوار مفادها أن أصحاب الاتجاه “الدبلوماسي” قرورا ما قروره بعد أن شاهدوا الجزء الأول، بل بعضهم شاهده أكثر من مرة، لكنهم مع ذلك، أعلنوا في النهاية هذا الرأي الدبلوماسي المزيف   الذي يحاكي زيف صورة توم كروز لإثبات كونه فامبير متنكر، والذي يرضي  أيضا جميع الأطراف ولا يوقف سوق الفيلم في الوقت ذاته !

أما كاتب المقال فلقد شاءت الظروف أن يشاهد الجزء الثاني أولا دون الاطلاع على الجزء الأول   فكانت النتيجة هي لعن الفيلم وصناعه من فرط الملل وضعف القصة ثم قرر بعدها تحدي الظروف وشاهد الجزء الأول وأعاد مشاهدة الجزء الثاني في نفس اليوم فاستمتع بالفيلم ووجد نفسه يثني تدريجيا على صناعه ويغير رأيه السلبي القديم!

فالمزايا والعيوب التي توجد في هذا الفيلم وتطرح في هذا المقال تنبع قيمتها من الجزأين معا وتتعامل معهم ككل لا ينفصل.                       

أول هذه المزايا هو المشاهد الافتتاحية في الجزء الثاني التي يمكن اعتبارها بمثابة إجابة عن السؤال أو الدهشة التي طرحت في نهاية الجزء الأول، فعندما أثبت مافريك شجاعة استثنائية وأنجز المهمة الموكولة إليه على خير وجه ، منحته القيادات  حينها حرية اختيار المكان الذي يود الخدمة فيه وإذا به يختار أن يعمل مدرسا في مدرسة “توب غان” التي تضم نخبة من أكفأ الطيارين الأمريكيين، وبمجرد أن يسمع رئيسه بقراره يعلق مندهشا “كان الله في عوننا!”

وهي بالطبع دهشة في محلها فمافريك شخصية شجاعة لحد التهور، تعتمد على حدسها ولا تفكر كثيرا في المخاطر المترتبة على قرارتها وتتمرد دائما على الأوامر، فأي نوع من المدرسين سيكون مافريك هل ستؤثر عليه الوظيفة الجديدة وتحد من جموحه السابق؟ أم سيتأقلم مع المؤسسة العسكرية وينخرط في انضباطها الصارم؟

جاءت الإجابة في بداية الجزء الثاني وباستخدام مشاهد موجزة أصابت الهدف تماما، فمافريك كما هو لم يتغير ولا يؤمن بالمستحيل ويتجلى ذلك في قيامه بالتحليق بالطائرة عاليا وتجاوزه للسرعة المطلوبة حتى يضمن استمرار التمويل الممنوح لبرنامج الطيارين.

وحتى قصة الحب بالجزء الثاني والتي يراها البعض فاترة ودخيلة على الفيلم، فأنها على العكس تماما، جاءت مناسبة لإبراز تمرد مافريك وعدم تغير شخصيته على مر السنين. فبيلي بنجامين والتي لعبت دورها جنيفر كونيلي ترغب في شد مافريك تجاه علاقة عاطفية مستقرة تتناسب مع عمره الجديد وهذا بالطبع يتناقض مع روح مافريك الشابة لذلك ساد  نوع من البرود العاطفي  في مشاهدهم المشتركة،  على عكس الجزء الأول حيث انخرط مافريك في علاقة عاطفية ساخنة مع تشارلي والتي لعبت دورها كيلي ماغيليز لكن سخونة العلاقة في الجزء الأول لها ما يبررها فهي تتوافق مع روح مافريك المتمردة لو وضعنا في الاعتبار وظيفة الحبيبة القديمة كمدرسة  مدنية لمافريك، وبالطبع علاقة سرية تجمع بين مدرسة وتلميذ تناسب طبيعة  مافريك الراغب دائما في تجاوز المألوف على عكس الحبيبة الجديدة التي تملك ابنة صغيرة وترغب في حياة تقليدية، ومافريك نقيض الحياة التقليدية وهذا يتجلى أيضا في عدم اهتمامه بالترقيات وثباته في وظيفة كابتن طائرة بعد كل هذا العمر!

لكن ثبات مافريك وولائه لقيم جيله يقابله الزمن الجديد الذي يحمل قيم مختلفة وتصورات جديدة، فالصوابية السياسية أطلت برأسها في الجزء الجديد، على استحياء نعم ولكن بشكل ملحوظ لو قارناها بالجزء الأول التي غابت فيها تماما أي نوع من الصوابية و”تبرطعت ” الخشونة الذكورية كما يحلو لها ودون أي قيود أخلاقية.

 ففي الجزء الجديد  تم إضافة عنصر نسائي  عسكري  لمدرسة توب غان ومع العنصر النسائي جاء مساعد  شاب خجول خافت الصوت، يرتدي نظارة نظر وهذا بالطبع يناقض الصورة التقليدية للعسكري الأمريكي من  كشخص مفتول العضلات، جهير الصوت وقوي البنية، وبالطبع هذه الإضافات البسيطة  تمثل تغير راديكالي لو قارناها  بفريق الجزء الأول، بما كان يحمله من صفات  تنمرية وقيم ذكورية تتجلى في الجمل الحوارية  ويكفي للتدليل عليها تعليق ايس مان  مثلا عندما أراد التقليل من كل من لم توجد صورته في لوحة شرف المدرسة ، حيث اخبر زملائه بوجود لوحة أخرى  بديلة ولكن في حمام السيدات، فانخرط الجميع في  وصلة ضحك على هذا الافية الذكوري الظريف!

والغريب عدم وجود صراع بسبب هذا التغير بل على العكس يختار مافريك الفتاة ومساعدها ضمن فريقه للمهمة ، وهذه نقطة سلبية في الفيلم بشكل عام، فلا يكاد يوجد في الفيلم أي عنصر محفز للصراع،  فالخصم مثلا هو خصم مبهم، فلا هو شخصية مركبة لا تنسى كشخصية الجوكر مثلا، ولا هو الطبيعة بقوتها التدميرية  الهائلة وبصراعها مع الانسان الراغب في السيطرة عليها  كما هو الحال في فيلم Don’t look up، بل الخصم هنا لا يتجاوز كونه مصنع لتخصيب اليورانيوم يهدد حلفاء أمريكا في المنطقة، والخصم في الدراما عامل أساسي لتحفيز الصراع  وغيابه يؤدي إلي تسلسل الملل إلي نفوس المشاهدين  شيئا فشيئا. بالطبع، كان الخصم في الجزء الأول غامض كالجزء الثاني فهو أيضا لا يتعدى كونه  حرب جوية مع خصم روسي مبهم، لكن اختلاف السياق الدولي لعب دور مؤثر في بروزة هذا الخصم دون حاجة إلي  الحديث عنه في الفيلم، فعام 1986 كانت الحرب الباردة مازالت موجودة  والاستقطاب الدولي مازال حاضرا على عكس عام 2022، أيضا كانت توجد نقاط صراع أخرى في الجزء الأول منها مثلا صراع البطل مافريك مع ايس مان  بما يحمله من مناوشات متبادلة أضافت كثير من الحيوية  إلي الأحداث، لكن في الجزء الثاني   مثلا لا نستطيع أن نتعامل مع العلاقة المتذبذبة، بين البطل وروستر والذي يلعب دوره مايلز تيلر، على أساس  أنها عنصر محفز للصراع، فالعلاقة الحميمية القديمة التي تجمع بين بطلنا ووالد روستر تجعلنا ندرك أن هذه المناوشات مجرد خلافات سطحية سرعان ما ستزول  وتعود المياة إلي مجاريها في نهاية المطاف وهذا الاحساس بالطبع يؤدي إلي زوال الترقب المطلوب  لاستمرار المشاهدة.

لكن هذه لا يعني غياب عنصر المتعة تماما أثناء المشاهدة فالدعاية السابقة على نزول الفيلم والمتعلقة بقيام صناع الفيلم بقيادة طائرات حقيقية  ساهمت في الاقبال عليه بشكل مكثف، بالإضافة طبعا إلي استغلال عنصر النوستالجيا القديمة بشكل احترافي  سواء على مستوى شريط الصورة وهذا يتجلى في  مشاهد عديدة نذكر منها  قيام البطل بقلب الطائرة  رأسا على عقب  وتعليقها هكذا في الهواء  أو  قيادة مافريك لدراجته  البخارية على الأرض والطائرة تحلق فوقه وكأنه في سباق معها أو المشهد الحيوي للعب الكرة  على الشاطئ إلخ  وهي كلها مشاهد أيقونية ارتبط المشاهد بها في الجزء الأول وتكررت في الجزء الثاني وعلى مستوى شريط الصوت ساهمت الموسيقى التصويرية  القديمة   في بث حالة من الحيوية والمرح على روح الفيلم ولا ننسى أيضا  غناء الابن روستر  لأغنية  GREAT of  BALLS FIRE وهي نفس الأغنية التي غناها ابيه غوس في الجزء الأول، بالإضافة طبعا للظهور الأسطوري  للشخصية القديمة أيس مان  كضيف شرف في مشهد واحد ويبدو في هذا  المشهد  مريض وغير قادر على الكلام  وهذا للأسف يتطابق مع الحالة المرضية للممثل فال كيلمر لذا مشهد موته في الفيلم  يثير الشجن من الناحيتين معا، فنحن نبكي موت الشخصية التي أحببناها في الجزء الأول ونشفق على المصير المرتقب لمؤدي هذه الشخصية التي أحببناها سواء في أدائه لهذه الشخصية أو شخصيات أخرى  كثيرة (يوجد استغلال لا أخلاقي هنا  لا يتسع المجال لذكره بالتفصيل).

لكن عوامل النجاح التي ذكرناها هي عوامل وقتية ولا تضمن استمرارية الفيلم في الذاكرة، فالبروباجندا التقنية المتعلقة بظروف التصوير، والنوستالجيا القديمة التي يكنها محبي الجزء الأول لهذا الفيلم، هذه كلها عوامل لا يمكن الاعتماد عليها لو أراد صناع الفيلم القيام بجزء ثالث مثلا.

فما يبقى في الذاكرة ويخلد في تاريخ السينما هو الشخصيات الفريدة لأبطال الفيلم والروابط المعقدة بين هذه الشخصيات، والشخصيات للأسف هنا جاءت مسطحة أو على أقل تقدير فاقدة للحيوية المميزة لها بسبب شبح الصوابية السياسية الجاثم على صدر الفيلم. وعموما من الجميل أن تكون شخص ايجابي تسير وفق أجندة أخلاقية في حياتك الفعلية لكن من الصعب أن تنشأ فيلم طريف ببطل يحمل هذه الصفات الحميدة! فالشخصية اللاأخلاقية تضيف حيوية للفيلم ومتعة للمشاهد أكثر بكثير مما تضيفه الشخصية المستقيمة وهذا هو درس الفن.

 فهل يستوعب صناع العمل هذا الدرس ويضعوه في اعتبارهم مستقبلا عند انتاج جزء جديد من نفس الفيلم أو من أي فيلم آخر ؟ أم ستصيبهم حالة من النشوة بسبب نجاح الفيلم بشكل يدفعهم لتكرار نفس التجربة بنفس الأخطاء؟

بالطبع لا نملك إجابة قاطعة على هذا السؤال، ونترك إجابته للزمن!

 

موقع "عين على السينما" في

07.09.2022

 
 
 
 
 

مجازفات توم كروز الجنونية..

يتحدى الخدع والجرافيك ويسير على خُطى شابلن وباستر كيتون!

إيهاب التركي

وقف "توم كروز" على طائرة ذات محرك واحد قديمة الطراز يُخاطب جمهوره قبل قيامه بإحدى مشاهد المجازفات الخطرة في فيلمه الأخير Top Gun: Maverick، وإنتشر مؤخراً فيديو المشهد الدعائي الذي لا يُصدق على اليوتيوب ومواقع التواصل الإجتماعي؛ وحصد كثير من التعليقات؛ فقد كانت وقفته على جسم الطائرة أثناء طيرانها على إرتفاع كبير شديدة الخطورة، والكاميرا تصوره من طائرة أخرى، وبعد إنتهاء كلماته قامت الطائرة بحركة بهلوانية مفاجئة وإنقلبت في الهواء، بينما ظل النجم الذي بلغ عمره 60 عاما في يوليو الماضي ثابتاً في مكانه، وبعيداً عن الدهشة والإنبهار يدفع المشهد الجنوني إلى التساؤل عن جدوى المخاطرة والمجازفة في زمن تفعل فيه خدع الكمبيوتر كل شىء.

مُنافسة مع خدع الكمبيوتر!

يتحدي "توم كروز" جميع من يقومون بالمشاهد الخطر في أفلام المغامرات والمُطاردات، بل يتحدى الجميع في زمن أفلام السوبر هيروز بواحدة من المُجازفات الخطرة التي يؤديها بنفسه؛ فهو لا يحتاج إلى خدع مُبهرة كتلك التي يصنعها الكمبيوتر من أجل النجوم الذين يجسدون الشخصيات الخارقة؛ يحتاج الممثلون الذين يجسدون أدوار سبايدر مان وسوبر مان وثور ومستر أمريكا ودكتور سترينج إلى شاشات خضراء من أجل مشاهد الأكشن الخطرة، لكن "توم كروز" يذهب مباشرة إلى مكان التصوير ليؤدي حركاته برشاقة يُحسد عليها.

قبل تنفيذ حركتة البهلوانية الأخيرة فوق الطائرة أشتهر "توم كروز" بعدد من المشاهد الخطرة التي نفذها بنفسه في سلسلة أفلام Mission: Impossible "مهمة مستحيلة"؛ منها تسلق برج خليفة، والتعلق بجانب طائرة أثناء قيامها بالإقلاع، والقفز بين سطحين من إرتفاع عالٍ، وهذا المشهد الأخير تسبب في دخوله المستشفى للعلاج من جروح أصابت قدميه، بالإضافة إلى أنه كاد يسقط بالفعل، لكنه أكمل المشهد حتى النهاية، ورغم وجود احتياطات للأمان مع كل مشهد يقوم بتنفيذه، لكن تظل الخطورة قائمة.

المدرسة القديمة والمجازفات الحديثة!

قبل إنتشار أفلام السوبر هيروز بهذا الإبهار التقني والفني كانت السينما تتعامل مع بطل الفيلم على أنه البطل الخارق الحقيقي، الذي يمكنه أن يفعل أى شىء بنفسه، أو يفعل أشياء مُبهرة تُكملها تقنيات الخدع البصرية والمجازفين، وفي بدايات السينما لم تكن تقنيات الخدع مُتقنة، ونتائجها على الشاشة لم تكن شديدة الإقناع، ومع ذلك كان الجمهور يستمتع بخدع بصرية تبدو اليوم مُصطنعة وشديدة السذاجة، وفي زمن السينما الصامتة ظهر فنانون لم يكتفوا بأدائهم الكوميدي الحركي العادي؛ بل قاموا بحركات شديدة الصعوبة والخطورة، ولا يُمكن أن يقوم بها اليوم أى ممثل عادي.

ينتمي "توم كروز" إلى المدرسة القديمة في الأداء الحركي الذي يسعى إلى استغلال الممثل لقدراته إلى أقصى حد للتعبير، وهى مدرسة كان ينتمي إليها نجوم بدايات السينما الصامتة، وقد قام كثير من هؤلاء النجوم بتنفيذ مشاهد صعبة ومُعقدة من أجل الإضحاك وإدهاش المشاهد؛ فواحد من أهم نجوم مرحلة السينما الصامتة وهو "باستر كيتون" نفذ العديد من مشاهد المجازفات الخطرة بنفسه، ومنها عبور شريط القطار بسيارة مسرعة على مسافة قريبة من قطار يتحرك بسرعة، وهناك مشهد له شبيه بمشاهد "توم كروز" مع الطائرة، وهو التعلق بسلم من الحبال بينما الطائرة تُحلق، ومشهد أخر لسقوط واجهة منزل ضخمة فوقه، واعتمد المشهد على حسابات دقيقة تضمن سقوط الكتلة الضخمة على الأرض ويمر جسم "كيتون" من فتحة النافذة، وهى مجازفة خطيرة لو لم تهبط الواجهة بالشكل المُحدد مُسبقاً، وأثناء تصويره فيلم Sherlock Jr. تسبب خرطوم ماء ضخم سقط عليه في كسر بإحدى فقرات رقبته عانى منه لاحقاً، وبلغت مجازفات "كيتون" حد أخاف شركة شركة مترو على حياته، واشترطت قبل تعاقدها معه على أن يستعين ببديل لمشاهد المُجازفات، وهو أمر رفضه بشدة.

المخاطرة من أجل الكوميديا!

المجازفات في عالم بعض نجوم السينما جزء من شخصيتهم؛ فجاكي شان ليس فقط ممثل استغل قدراته في تنفيذ حركات الفنون القتالية، ولكن استلهم أفكار افلامه من عالم أفلام "باستر كيتون" و"هارولد لويد" و"شارلي شابلن" وهؤلاء قاموا بتصميم مشاهد المجازفات التي تعتمد على الحركة البدنية من أجل الإضحاك والإبهار، وحتى نجوم الاستعراض أمثال "جين كيلي" و"فريد استير" و"دونالد أوكونر" قاموا بحركات استعراضية خطرة ولا تُصدق، ومثل هؤلاء النجوم كانوا يقومون بتصميم مشاهد الحركة بأنفسهم؛ فهم يعلمون حدود قدراتهم البدنية، ولديهم خيال يصور تفاصيل المشهد التي تلائم مسار الأحداث، وأصبحت هذه المشاهد أيقونات في تاريخ سينما الأكشن والكوميديا والاستعراض.

الفرق بين ما يقوم به "توم كروز" ومن سبقوه بأنفسهم وبين ما يصنعه الكمبيوتر هو نفسه الفرق بين قيام فنان برسم لوحة فنية بنفسه، وبين قيام تقنية الذكاء الصناعي برسم لوحة؛ في العمل البشري إبداع وأصالة لن تصل إليها كل تقنيات الكميوتر مهما بلغ إتقانها ودقتها. الكل يعلم أن أفلام الأكشن والحركة والمطاردات المعاصرة مصنوعة من برامج الخدع والمؤثرات الرقمية، وهى في النهاية محاكاة آمنة تشبه ما يوجد في الحياة، ولكنها ليست مثل مُجازفات الحياة نفسها.

المخاطرة من أجل الكوميديا!

 

مجلة هي السعودية في

08.09.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004