فيلم "توب غان: مافريك" الأخير يرتقي بأفلام الطيران الهوليودية

واقع الأمر أنه يعتمد على إرث يمتد قرابة قرن من صنف الأفلام هذا

جيفري ماكناب 

   
 
 
 
 
 
 

عندما حضر توم كروز إلى مهرجان كان السينمائي هذا الأسبوع ليشارك في العرض الأول لفيلمه الجديد "توب غان: مافيريك" Top Gun: Maverick، كان رد فعل المعجبين كما لو أن العمل فيلم رائد أو أن كروز هو أول نجم سينمائي يدخل قمرة قيادة طائرة.

في الواقع، إنه يعتمد على إرث يمتد قرابة قرن من الزمان من أفلام الطيران. في عام 1939، اختير فيلم المخرج هاورد هوكس "الملائكة فقط لديها أجنحة" Only Angels Have Wings الدرامي المثير الذي يدور حول الطيران للمشاركة في النسخة الأولى على الإطلاق من مهرجان كان، لكن هتلر تدخل وألغي المهرجان مع بدء الحرب. في قفزة سريعة بالزمن إلى الأمام، نجد أن مهرجان كان يثير ضجة كبيرة حول توم كروز وفيلمه الجديد "مافيريك" بدلاً من ذلك، كما لو أنه يحاول التكفير عن ذنبه في عدم قدرته على عرض فيلم هوكس طيلة كل السنوات الماضية.

في فيلم "توب غان: مافيريك" من إخراج جوزيف كوزينسكي، يعود النجم المتألق دائماً إلى شخصيته التي لعبها في فيلم "توب غان" الصادر عام 1986 وهي الطيار المتهور "مافيريك" ميتشل. لقي العمل مراجعات نقدية حماسية في الصحف قبل عرضه في مهرجان كان لأول مرة. من بعض التعليقات: "رحلة مثيرة" و"أفضل فيلم لكروز"، و"أكثر الأفلام إمتاعاً في دور السينما هذا العام".

هناك نموذج دعائي عملاق لفيلم "توب غان" موضوع في المنتصف على طول ممشى كروازيت، الطريق الرئيس المواجه للبحر في مدينة كان، حيث يوجد مجسم ضخم للخوذة التي يرتديها كروز وشاشة تعرض لقطات تتكرر من دون توقف من المعارك التي تدور في الفيلم.

ليس هناك ما هو غير عادي في الحضور القوي الكاسح للأسماء السينمائية الكبيرة على السجادة الحمراء في مهرجان كان. كانت المرة الأخيرة التي حضر فيها كروز هذا الحدث السينمائي قبل ثلاثة عقود، عندما عرض فيلمه "بعيد وقصي" Far and Away في الليلة الختامية لدورة عام 1992.

الأمر المختلف في حالة "توب غان: مافيريك" هو أنه منح مكاناً بين الاختيارات الرسمية للمهرجان إلى جانب كل تلك الأسماء الموقرة من الفنانين الذين يحب المهرجان الاحتفاء بهم. قال مدير المهرجان تييري فريمو إن "هذا هو الأمر الذي نود الاعتراف به أيضاً: أن [كروز] ليس نجماً فقط، ولكنه نجم يصنع سينما جيدة"، في توضيحه لماذا يحتفي المهرجان بنجم أفلام رائجة مخضرم مثل كروز بهذه الطريقة المبالغ بها.

يبذل خبراء الدعاية في باراماونت قصارى جهدهم لإقناع الجماهير بأن هذا العمل ليس مجرد فيلم صيفي رائج آخر تغلب عليه الصور المنشأة بواسطة الحاسوب ومليء بالمؤثرات الخاصة، لكن أبطاله يؤدون كل تلك المغامرات الجوية المثيرة الجنونية بشكل حقيقي.

سأل المخرج كوزينسكي أعضاء فريق التمثيل عندما كانوا يقومون بتجارب الأداء لأدوارهم كطيارين شباب "أصغوا إليَّ، هذا ليس دوراً تمثيلياً عادياً. ستكونون في طائرات سوبر هورنتس وتطيرون بسرعة 600 ميل في الساعة، وتقاومون قوة جاذبية عالية. هل لديكم مشكلة مع الطيران؟".

قام كل من كروز والمنتج جيري بروكهيمر بإقناع نائب الأدميرال دي وولف إتش ميلر الثالث، قائد أسطول المحيط الهادي الأميركي في القوات الجوية البحرية آنذاك، -المعروف أيضاً بلقب "رئيس الأجواء"- بدعم الفيلم، لذلك سمح لصانعي الأفلام باستخدام طائرات مقاتلة حقيقية أسرع من الصوت من طراز F/A-18.

تجاوزت ميزانية الفيلم 150 مليون دولار. شاهده على شاشات IMAX العملاقة ذات المؤثرات الخاصة وستعيش تجربة نابضة بالحيوية. لا تكاد القصة تبدأ عندما نرى كروز يأخذ طائرة نفاثة في رحلة تدريب مارقة ليثبت للسلطات البحرية أن الإنسان لا يزال قادراً على التفوق على الطائرات من دون طيار. يدفع بالطائرة إلى أقصى إمكاناتها بينما يقود نفسه إلى أقصى درجات التحمل التي يمتلكها الإنسان.

لكن العنصر الذي يفتقده فيلم "توب غان" الجديد، هو الأصلية. أحد الأسباب التي جعلت الفيلم يذكرنا بشدة بأعمال أخرى هو أنه يشق الخط نفسه بالضبط الذي سلكته جميع أفلام هوليوود الأخرى التي ظهرت قبله وتدور أحداثها في الجو. من الفيلم الملحمي الصامت "أجنحة" Wings الذي أخرجه ويليام ويلمان عام 1927 وهو أحد الأفلام الأولى التي تناولت موضوع القتال الجوي، إلى فيلم "ملائكة الجحيم" Hell"s Angels لهوارد هيوز (1930)، و"دورية الفجر" The Dawn Patrol لهاورد هوكس (1930)، وصولاً إلى "ذا بلو ماكس" The Blue Max لجون غيليرمن (1966)، كان هناك عديد من الأمثلة الأخرى للأفلام الهوليوودية عن الطيران.

تحمل هذه الأفلام بعداً شاعرياً لا تجده في أفلام الحرب التقليدية. فأبطالها شبان شجعان، يؤدون رقصاتهم الأثيرية الشبيهة برقصة الموت الأخيرة. إنهم يقاومون العوامل المحيطة بنفس قدر قتالهم أعداءهم. وما بين المهام، يقضون أوقاتهم بين الشراب والحب. لا يأتون أبداً على ذكر المخاطر التي يواجهونها أو الرعب الوجودي الذي يشعرون به عندما يقلعون بطائراتهم. هناك صداقة حميمية ومنافسة شديدة بينهم.

يميل المخرجون الذين يصنعون أفلام الطيران إلى أن يكونوا متهورين مثل الطيارين الذين يروون قصصهم. يذهبون إلى أبعد الحدود لتصوير معارك جوية أكثر واقعية وحركات طيران صارخة.

من الممتع مشاهدة فيلم "أجنحة" للمخرج ويلمان، الذي مر على إنتاجه مئة عام تقريباً الآن. وهو يحتوي على عديد من عناصر الحبكة وأنماط الشخصيات الموجودة في أفلام "توب غان". بدلاً من شخصيتي مافيريك التي يلعبها كروز وآيسمان التي يؤديها فان كيلمر، هناك في فيلم "أجنحة" الصديقان المتنافسان اللذان يتحولان إلى طيارين بارعين تشارلز "بادي" روجرز وريتشارد أرلين. كان الممثلان طيارين خبيرين. كما تلعب كلارا باو، التي يطلق عليها لقب "إت غيرل"، دور المرأة التي ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالرجلين. تبدو الطائرات قديمة مقارنة بالطائرات النفاثة الأنيقة التي يجلس كروز في قمرتها. على الرغم من ذلك، يقدم "أجنحة" المزيج نفسه تماماً من الرجولية، والمغامرات الرجالية ذات حس الإثارة العالي، والتعاطف الموجودين في فيلمي كروز.

في بداية الفيلم، نرى مشهداً محيراً للغاية، حيث يلتقي البطلان الشابان بزميل تزيد خبرته عليهما قليلاً هو كاديت وايت (الممثل غاري كوبر)، الذي يستهزئ بفكرة حمل تمائم الحظ أثناء الوجود في قمرة القيادة. يقول لهما وهو يغادر الخيمة "سواء كنت تمتلك الحظ أو لا تمتلكه، عندما يحين موعد موتك فلا مفر منه". وبعد لحظات، يموت في حادثة ويتم جمع ممتلكاته، ولا أحد يذكره بعدها.

يقول داتشي (الممثل سيغ رومان) متأسفاً في مشهد مبكر من فيلم "الملائكة فقط تمتلك أجنحة" بعد مقتل طيار شاب آخر "لا يمكنني ببساطة الاستمرار في قتل الشباب اللطفاء على هذا النحو". الجانب الغريب في الفيلم هو أنه ليس فيلماً حربياً. تدور أحداثه في مدينة بارانكا الساحلية المتخيلة في أميركا الجنوبية. يعمل داتشي الذي يملك شركة بارانكا للطيران على توظيف طيارين شباب لينقلوا كل شيء من البريد إلى الأدوية. إنهم يستخدمون طائرات قديمة متهالكة ويتعين عليهم التعامل مع العواصف الاستوائية والتضاريس الجبلية الخطيرة.

القواسم المشتركة بين الفيلم و"توب غان" أكثر مما تتخيلون. بدلاً من شخصية مافريك التي يلعبها كروز، فإن البطل الرئيس هو جيف (الممثل كاري غرانت) الذي يتمتع بالقدر نفسه من الشجاعة ويبدو ساخراً للغاية، المسؤول عن أعمال الخطوط الجوية كما أنه أفضل طيار فيها أيضاً. يبدأ الفيلم بافتتاحية غريبة للغاية تشهد محاولة جو (الممثل نوا بيري جونيور) الدردشة مع بوني لي (الممثلة جين آرثر)، وهي فنانة تعمل في ملهى ليلي كانت مارة في المدينة. في إحدى اللحظات نراهما يتحدثان عن تناول شرائح اللحم على العشاء معاً، وفي اللحظة الأخرى نرى جثة جو وهي تسحب من حطام طائرته بعد وقوع حادثة. ومهما كان حجم الحزن أو الندم الذي يشعر به الطيارون الآخرون فإنهم يخفونه. بعد عشرين دقيقة من وفاته، يبدو أن جو قد محيي من ذكرياتهم. نراهم يشربون ويغانون في الحانة، ويتصرفون كما لو لم أنه لم يوجد على الإطلاق. إنهم يعرفون أنهم إذا استسلموا لمشاعرهم الحقيقية، فلن يتمكنوا من العمل ببساطة.

هناك ديناميكية مماثلة في فيلم "توب غان" الجديد. لا يزال مافريك مسكوناً بوفاة طياره القديم نيك برادشو الملقب بـ"الوزة" (الممثل أنتوني إدواردز) الذي ظهر في الفيلم الأول، لكنه، مثل جيف الذي يجسده غرانت، يبقي مشاعره مكبوتة. أدى هذا إلى توترات كبيرة بينه وبين أحد الطيارين الشباب الذين يدربهم، الملازم برادلي برادشو الملقب بـ"الديك" (الممثل مايلز تيلر)، وهو نجل نيك.

هناك جو مسرحي مبالغ فيه وحتى كوميدي في "الملائكة فقط تمتلك أجنحة". يصل التبجح المبالغ فيه درجة يصعب معها أخذ العمل على محمل الجد. ترتدي الشخصية التي يؤديها غرانت زي رعاة البقر مع قبعة عريضة الحواف تجعله يبدو مثل الممثل رودولف فالنتينو أكثر من كونه بطل أفلام أكشن حقيقياً.

على كل حال، مثله مثل جميع أفلام الطيران التي أخرجها هوكس، لا بد أن تكون القصة مؤلمة جداً حتى يرويها المخرج. كان شقيقه الأصغر كينيث يخدم في القوات الجوية الأميركية خلال الحرب العالمية الأولى قبل مجيئه إلى هوليوود لمتابعة مسيرته في السينما. في أوائل عام 1930، قتل هوكس إلى جانب عديد من أفراد الطاقم الآخرين بعد اصطدام في الجو أثناء تصوير حركات جوية مثيرة لفيلمه الجديد "هؤلاء الرجال خطيرون" Such Men Are Dangerous (1930).

بدأ هوكس التصوير السينمائي الرئيس في فيلم الطيران الأول الخاص به حول الحرب العالمية الثانية "دورية الفجر" قبل مرور شهر بالكاد على وفاة شقيقه.

كتب المؤلف تود مكارثي في ​​سيرته الذاتية عن هوكس "كان هوارد دائماً أقرب إلى كينيث من أي شخص آخر، فقد تأثر بلا شك بوفاة أخيه كما تأثر بأي حدث آخر في حياته... لقد بدأ يشيب بالفعل في سن الثالثة والثلاثين، وتحول شعره إلى اللون الرمادي بالكامل بعد ذلك. على كل حال، كان أمام الناس يحتفظ بحزنه لنفسه، ولم يتحدث أبداً عن كينيث لزوجاته وأطفاله".

إذاً، كان المخرج مثل شخصيتي جيف ومافيريك، ودفن مشاعره.

هناك كثير من المشاعر المكبوتة في "توب غان: مافيريك". تصرفات كروز الغريبة الجريئة هي نوع ما من طريقته في إلهاء نفسه عن الحزن والأسف اللذين يقضان داخله.

قد تكون الطائرات أسرع في فيلم "توب غان" الجديد، لكن كل خدعة ومناورة، سواء في السماء أو في رواية القصص، قد قدمت من قبل. لولا فضل هوكس وهيوز وكل المخرجين الآخرين الذين وصلوا إلى السماء قبل كروز، لما كان قادراً على الإقلاع بأفلام "توب غان" من الأرض أبداً.

يبدأ العرض الجماهيري لفيلم "توب غان: مافيريك" في 27 مايو (أيار). بإمكانكم مشاهدة فيلمي "أجنحة" و"الملائكة فقط تمتلك أجنحة" عبر منصة البث الرقمي أمازون برايم.

نُشر في اندبندنت بتاريخ 20 مايو 2022

© The Independent

 

الـ The Independent  في

29.06.2022

 
 
 
 
 

"إلفيس" باز لورمان.. الفنان سلعة رائجة

محمد صبحي

دعونا نكون واضحين. إذا سمعت أن باز لورمان سيُخرج فيلماً بيوغرافياً عن حياة إلفيس بريسلي (1935-1977)، فستتخيّل على الفور شيئاً مشابهاً تماماً للمنتج النهائي. قد يعتقد المرء أنه ليس المخرج الأكثر ملاءمة أو توقّعاً لهذا النوع من الأفلام. لكن هذا، بدلاً من كونه مشكلة، يمكن أن يصبح ميزة، على ضوء معرفة المُشاهد بما يمتلكه المخرج الأسترالي من خيال متفرّد وفيّاض يمكنه أخذ مشروع من هذا النوع إلى أي مكان حرفياً. يحدث هذا في فيلمه الجديد "إلفيس"(*)، إنما من دون تطريز النتائج بالتوفيق الدائم.

حين ظهرت موسيقى الروك أند رول في الولايات المتحدة، أواخر الأربعينيات أوائل الخمسينيات، لم تكن مجرد شكل موسيقي جديد، وإنما عملية إعادة تعريف أنماط الحياة، وتحوُّل العلاقات بين الجنسين والعلاقات العرقية. وهذا بالطبع لا يعني أن التناقضات الثقافية والاجتماعية لأميركا في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي قد حُلّت مرة واحدة وإلى الأبد، ولكن منذ بداية تلك الثورة لم يعد هناك شيء كما كان قبلها، وظهر المجتمع الأميركي كله مختلفاً وعميقاً. بمرور الوقت، أصبح إلفيس بريسلي اسماً متعدّد المعاني ومفتاحاً لفهم هذه العملية المركّبة: لم يعد النشاط الجنسي مرتبطاً بالتكاثر الأسري فحسب وإنما بالتمتّع أيضاً (خاصة الأنثى)، وموسيقى السود وجدت طريقها لأسماع الأغلبية البيضاء، وبدأ بزوغ نجوم ثقافة البوب المؤثرين. إلفيس إذاً رمز ثقافة البوب والاستهلاك، في نسختها الأميركية.

يغطّي الفيلم حياة "ملك الروك أند رول"، مُركّزاً على مرحلتين أساسيتين: بداية حياته المهنية عام 1955 حتى مغادرته للخدمة العسكرية في ألمانيا عام 1960، وعودته المظفّرة في العام 1968، وذلك بفضل عرض تلفزيوني - صار كلاسيكياً الآن - وما تلاه من بقائه - لفترة أطول من المخطط - في القيام بعرضه الحي في لاس فيغاس. لكن الأمر الرئيسي الذي يجب رؤيته هنا لا يمرّ عبر رحلة السيرة الذاتية المعروفة للفنان، وإنما يتعلّق بفكّ شفرات ومغالق أفكار لورمان بشأن بطل فيلمه. والحقيقة أنه في ما وراء المقاطع/ الكليبات المكلفة والنابضة بالحياة المتناثرة بطول الفيلم، واللائقة بصانع أفلام يعتقد أن رواية قصة مدتها 160 دقيقة ليس إلا "تريلر" طويل لنفسه دون سواها؛ ليس هناك الكثير من الأفكار.

بدايات الحياة المهنية تُروى ببراعة من خلال استخدام موارد وأساليب الرواية المصورة، التي أُعجب بها بريسلي في مراهقته. وبوابلٍ من صورٍ سريعة ومؤثرة وشبابية في نبرتها، يروي لورمان قصة اكتشاف بريسلي ونجاحه الاستهلالي، ذلك الحماس والتوهج المعتاد من المخرج في بداية أفلامه، حيث يفيض كل شيء بالطاقة. هنا، مع ذلك، يحضر "الجانب المظلم للقوة" منذ البداية. الأمر يتعلّق بمن يسمّى "العقيد باركر" (توم هانكس تحت كيلوغرامات من المكياج)، الرجل الذي اكتشف ورعى إلفيس في شبابه ولم يتركه حتى وفاته، وفي الأثناء أدار حياته المهنية بطريقة قاسية ومنحرفة تماماً.

يُقدّم "إلفيس" باعتباره قصة التلاعب بشاب بريء من قِبل مستغل وحشي، ولأسباب مختلفة تتغير على مرّ السنين، لم يتمكّن الأول أبداً من كسر الفخّ الذي وضعه باركر فيه. للأمر بُعد تعاقدي والتزامي، ولكنه سيكولوجي في الأساس، لأنه في كل مرة يحاول بريسلي فتح طريقه الخاص، يغيّر مدير أعماله مصيره وفقاً لمصالحه. في خمسينيات القرن الماضي، مرّت الأمور بسلام ووفت بمراد الإثنين، لكن منذ العام 1960 فصاعداً لم يعودا كذلك. في الواقع، تظهر هنا عودة إلفيس في أواخر الستينيات على أنها تمّت ضد رغبات مديره.

يلتقط الممثل أوستن بتلر حيوية وكهربة بريسلي بطريقة تثير الإعجاب، لا سيما في مرحلته من عام 1968 فصاعداُ، محاكياً إلى حدّ الكمال تقريباً نسخة بريسلي كما يمكن رؤيتها في العرض التلفزيوني الشهير  لصالح شبكة "إن بي سي" أو في الفيلم الوثائقي الممتاز "إلفيس: هكذا"، المأخوذ منه بعض اللقطات هنا فضلاً عن اقتباس لورمان أسلوب مونتاج فيلمه منه. يركّز لورمان على الأداء المسرحي لبطله ويهتم بإظهاره من الخصر إلى الأسفل أكثر من أي شيء آخر. وهو أمر منطقي – إذ كانت حركاته الحوضية ثورية وشائنة في منتصف الخمسينيات - لكن من الصعب الحكم على أداء ساقي الممثل الشاب.

يخفّض لورمان هيجان عروضه الصوتية عندما يبدأ الفيلم بمرحلته الثانية، مع عودة البطل إلى المسرح واستعادة "جوهره" في العام 1968. من اللافت التذكير بأنه كان يبلغ من العمر 33 عاماً فقط في ذلك الوقت، عندما اعتبره كثيرون منتهياً، حيث قضى معظم هذا العقد في إنتاج أفلام سيئة وإصدار ألبومات أضعف، وفقاً لنصائح باركر، الذي فقد بوصلة فنانه التجارية عندما بدأ عقد البيتلز ورولينغ ستونز ولم يستردها أبداً.

عودته إلى الشاشة في البرنامج التلفزيوني ثم افتتاح فندق "انترناشونال" في لاس فيغاس حيث سيؤدي أغنياته لسنوات وسنوات، يولّدان أفضل لحظات الفيلم، بجمعها بين مرحلة موسيقية رائعة مع لحظة استعاد فيها إلفيس ثقته، وتعرّفه على المزيد من الأشخاص يشابهونه في التفكير، ومن ثمّ القتال بمواجهة باركر. لكن السيئ في الأمر، أن المدير الوحشي سيفوز في تلك المعركة النفسية والتجارية، ويحوّله تقريباً إلى عبدٍ منذور لحفلات الكازينوهات حتى وفاته عملياً. تراجُع بريسلي وتدهور مسيرته يعطيان وزناً دراماتيكياً للقصة، لم يكن موجوداً من قبل، يوظّفه لورمان بذكاء بحكم خبرته في التعامل مع تلك الصيغ والبنى في أفلامه الموسيقية، والمتأتية بدورها من حبّه للأوبرا والتراجيديات المسرحية.

تبقى المشكلة الرئيسة في "إلفيس" هي وجهة النظر المروي منها الحكاية وخواء الكثير من تطوراتها، إلى أن تجد عصبها الدرامي في النصف الثاني من الفيلم (أي بعد ساعة ونصف تقريباً). اختيار باركر، وهو شخصية مثيرة للاشمئزاز، راوياً وبطلاً للقصة تقريباً؛ قد يكون خياراً مفهوماً ولكنه معقّد بشكل كبير ويقلّل من قيمة الفيلم، بما إنه لا مكان تقريباً لإيلاء بعض التقدير للشخصية الرهيبة التي يجسّدها هانكس كما لو كان شريراً خارجاً من روايات "دي سي كوميكس". الأمر يشبه رواية سيرة بريتني سبيرز من منظور والدها.

الوضع أكثر إيجابية في الجانب الموسيقي، إذ تضفي الموسيقى على الفيلم موضوعية وإثارة مفقودين على المستوى الدرامي. يقوم لورمان بعملٍ مشابه لأفلامه الأخرى، إذ يجمع نسخاً من أغنيات إلفيس، ويمزج العديد منها معاً (وهو ما كان يفعله كثيراً) مضيفاً إليها إيقاعات حديثة ومعاصرة (مثل Doja Cat وJack White وJazmine Sullivan وDenzel Curry وEminem)، مثلما فعل في فيلمه الأشهر "مولان روج" (2001). في الواقع، حقق إلفيس نفسه أحد أكبر نجاحاته في العام 2002 مع ريمكس لأغنية "A Little Less Conversation"، وأحياناً، ما يحاول المخرج القيام به هنا هو السير في مسار مشابه لما نجح هناك.

أما محاولة الفيلم إعادة تقديم بريسلي كفنّان "تقدمي"، يقلق ويهتم بشأن الواقع الاجتماعي لبلده في ستينياتها المعقدة والملتهبة، فهذا مسعى لا ينجح كثيراً طالما ظلّت صورته كنصير للحقوق المدنية محصورة في أذهان المعدودين، فيما تلتصق به بشكل أوثق ذكرى تعاونه مع الرئيس سيئ السمعة ريتشارد نيكسون. وباستثناء بعض الأغاني التي تتحدث عن "التسامح" مثل "إذا كان بإمكاني أن أحلم"، التي قدّمها في العرض التلفزيوني إياه، على غير رغبة باركر (الذي لم يرغب في رؤيته "متورطاً في السياسة" وكان مهووساً بألا يترك موكّله البلد، لأسباب سيكشفها الفيلم شيئاً فشيئاً)؛ يقدّم الفيلم نسخة خفيفة ومهذّبة جداً لشخصية معروفة بوجود جوانب أغمق وأظلم من تلك المعروضة هنا.

والحال أن الفيلم، بالرغم من كونه فارغاً بعض الشيء في ما وراء بهرجته وبذخه البصريين، فضلاً عن بدايته المملة والمضجرة قليلاً؛ ينتهي به الأمر بتقديم مادة غنية بما يكفي لمُشاهد غير منغمس في سيرة وشخصية "العازف المنفرد الأكثر مبيعاً في التاريخ"، ليكون مهتماً بالاستماع إلى/ ومعرفة المزيد عن عمله. وهنا من الضروري العودة إلى البداية، حجر الزاوية لكل ما كانه بريسلي لاحقاً، وخاصة تسجيلاته لصالح شركة "صَن ريكوردز"، والتي قُصّت وأعيد دمجها هنا. في السنوات الأخيرة، مع ظهور إصدارات جديدة لأغنياته ركزّت على تسجيلاته لعام 1969، نعثر على إلفيس آخر يستحق إعادة النظر والتأمل. فنانٌ ناضج، أراد أن يحظى بمرحلة ثانية مجيدة في حياته المهنية المعقدة لكنه لم يطوّرها أبداً - أو على الأقل هذه هي أطروحة الكثيرين التي يدعمها لورمان هنا - بسبب مدير أعمال لم يتوقف أبداً عن اعتباره سلعة.

(*) يُعرض حالياً في الصالات.

 

المدن الإلكترونية في

10.07.2022

 
 
 
 
 

فيلم Elvis.. «نغنى» حينما تكون الأمور أخطر من أن تقال!

كتب محمد شميس

دائما ما يقال عن الفن أنه مرآة للشعوب، وقطعا هذه المقولة صحيحة بلا شك، ولكن للأسف فى مجتمعنا العربى، عندما نقدم أعمالًا تتناول السير الذاتية للفنانين، لا نجد أى انعكاس للواقع الاجتماعى والسياسى الذى تسبب فى تفاعل الجمهور مع أعمال الفنان صاحب العمل.

تقريبا كل الأعمال التى تناولت السير الذاتية للفنانين دائما ما تبرزهم وكأنهم ملائكة بأجنحة، لا يخطئون، لا يقومون بالمؤامرات، ليس لديهم نقاط ضعف، وكأنهم «أبطال خارقين».

وعندما شاهدت فيلم (إلفيس) فى دور العرض السينمائى، حزنت كثيرًا على ما أهدرناه من قصص حقيقية كان لا بد أن نعبر عنها فى أفلامنا ومسلسلاتنا التى تناولت السير الذاتية للفنانين بشكل أكثر عمقًا!

أجمل ما فى فيلم (إلفيس) بالنسبة لى، كواحد محب وعاشق لـ«إلفيس بريسلى»، لدرجة جعلتنى أعلق صورته فى برواز أمام مكتبى، كى ألتقى به يوميًا قبل كتابة أى مقال، هو ليس الاستعراض الفنى لمسيرته الأسطورية كواحد من أهم صناع موسيقى الـ«روك أند رول»، ولا كونه النجم صاحب المبيعات الأضخم فى التاريخ، ولم يتفوق عليه سوى «مايكل جاكسون»، الذى ظهر اسمه على استحياء فى مشهد وحيد بالفيلم!

ولكن أجمل ما فى الفيلم، هو أنه قدم لى المجتمع الأمريكى وما كان يعانيه من أزمات عديدة، فى الفترة التى تزامنت مع سطوع نجم «إلفيس» ومنها على سبيل المثال، العنصرية والتفرقة بين البيض والسود، والمعاناة الشديدة التى كان يعانى منها الأمريكيون أصحاب البشرة السمراء، وكيف استطاع «إلفيس» أن يعبر بموسيقاه وبفنه عن هذه المحنة من خلال دمج موسيقى الـ«كانترى» الخاصة بالبيض، مع موسيقى «البلوز» الخاصة بالسود، هذا الدمج الذى استاء منه بعض السياسيين والمسئولين العنصريين الذين اتخذوا من حركاته ورقصاته على المسرح «حجة» لتهديده بالسجن! ولكنه فى النهاية استطاع أن يكسر التمييز العنصرى بموسيقاه .

هذا الفيلم أيضا يبين لنا أن المجتمع الأمريكى فى وقتها كان لديه شرائح كبيرة وواسعة ربما تكون هى غالبية الشعب، نستطيع أن نصفها بـ«المحافظة»، فكان كبار السن والمسئولون والمتدينون يرفضون طريقة التعبير الجسدى لـ«إلفيس» باعتباره يعتمد على الإيحاءات الجنسية فى أغانيه، وكان المجتمع يرفض كسر القواعد الأخلاقية والتمرد وهو ما كلف «إلفيس» الكثير لدرجة جعلته يتخلى عن أسلوبه ويغنى بطريقة شبة ساكنة على المسرح جعلت المراهقين ينصرفون عن أغانيه.

هذا الفيلم أيضا جاء مغايرًا لكل توقعات محبى «إلفيس» لأنه اعتمد على أسلوب السرد من خلال الكولونيل «توم باركر» مدير أعماله الشرير والذى أدى دوره بامتياز الممثل الكبير «توم هانكس»، وكأنه يدافع عن نفسه وعن استغلاله لموهبة الشاب الذى وثق به، بل إنه كاد أن يقضى على شعبيته فى فترة من فترات حياته لولا الحس الفنى الفطرى المسيطر على ملك موسيقى «الروك أند رول».

أيضا من النقاط المهمة فى هذا الفيلم، أنه ربما يكون سببًا فى رجوع الفضل لأصحابه، وأنا أعنى بهذه الإشارة، صناع أشهر الأغانى الناجحة لـ«إلفيس» والذى قام هو بإعادة تقديمها بطريقته، والتى أكسبتها شهرة واسعة، وربما ظن الكثيرون أنها أغانٍ أصلية له، ولكن هذا مخالف للحقيقة.

ولكن يبقى أهم ما فى هذا الفيلم، وخاصة فى النصف الأول منه، هو  إظهار كل دوافع «إلفيس» التى جعلت منه نجما استثنائيا، والإجابة على كل الأسئلة التى ربما قد تطرأ فى أذهان محبيه مثل: كيف نشأ؟ ما هى مرجعيته الثقافية؟ كيف ساهمت الأغانى الكنسية فى تشكيل وجدانه الموسيقى»؟ لماذا كان مرتبطًا بالمغنين السود؟ كيف أثرت مجلات الكوميكس على طفولته ومن ثم على حياته بشكل عام؟ ما سر ارتباطه الشديد بوالدته؟ وكيف أثرت الظروف الاجتماعية والمادية والسياسية فى تكوينه لدرجة جعلته لا يرى تقريبًا سوى المال؟!

كل هذه الأسئلة تمت الإجابة عليها ببراعة متقنة داخل الفيلم الذى أتصور أنه سيكون له نصيب كبير من حصد بعض جوائز الأوسكار لأنه فعلا يستحق.

 

مجلة روز اليوسف في

17.07.2022

 
 
 
 
 

انتخاب جانيت يانغ رئيسة جديدة لأكاديمية جوائز أوسكار

(فرانس برس)

انتُخِبت المنتجة الأميركية جانيت يانغ رئيسة جديدة لأكاديمية فنون السينما وعلومها التي تمنح كل سنة جوائز أوسكار، بحسب ما أعلنته المنظمة الثلاثاء.

وبذلك، باتت يانغ التي يشكل فيلما "جوي لاك كلوب" (1993) و"ذا بيبل فيرسز لاري فلينت" (1996) أبرز الأعمال التي أنتجتها رابع امرأة تُنتخَب لهذا المنصب، والأولى من أصول آسيوية تشغله.

وأشاد المدير العام للأكاديمية، بيل كريمر، بعمل يانغ في ما يخص "ضم الأعضاء والحوكمة والمساواة والتنوع" الذي تعرضت جوائز أوسكار في السنوات الأخيرة لانتقادات في شأن غيابه.

تتألف الأكاديمية التي تتخذ من لوس أنجليس مقراً من أعضاء يعملون في 17 من المهن السينمائية، بينها التمثيل والإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو وتصفيف الشعر والتوليف والأزياء وسواها.

ويتولى أعضاؤها كل سنة التصويت لاختيار الفائزين بجوائز أوسكار، وهي الأبرز بين مكافآت الفن السابع.

وقابلت الأكاديمية الانتقادات التي تعرضت لها بإعلانها عام 2016 عزمها على مضاعفة عدد أعضائها من النساء والمنتمين إلى أقليات إثنية قبل سنة 2020، وتؤكد في الوقت الراهن أنها نفذت هذا التعهد.

 

العربي الجديد اللندنية في

03.08.2022

 
 
 
 
 

الحمار شاهداً سينمائياً على قسوة الإنسان في فيلم راديكالي ليرجي سكوليموفسكي

هوفيك حبشيان

خطاب يرجي #سكوليموفسكي وهو يتسلّم جائزته في #كانّ (أيار الماضي) سيبقى محفوراً في سجلات أغرب الكلمات التي أُلقيت من على منبر. يومذاك، اعتلى المخرج الثمانيني الكبير خشبة المسرح، وراح يشكر الحمير الذين شاركوا في فيلمه. لم يكن الأمر نكتة أو استفزازاً لأحد، فـ"إيو"، عمله الجديد الذي فاز عنه بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان المذكور، يتولى بطولته حمار! نعم، حمار من لحم ودم، كالذي نضرب فيه المثل عندما نريد ان نحتقر شخصاً أو ان ننسب إليه صفة الغباء. لذلك، كان من البديهي ان يشكر هذا البولندي مختلف الحمير الذين استعان بهم لاتمام عمل يتعذّر تصنيفه، وكان يستحق في رأيي "السعفة الذهب". خلال المشاركة في مهرجان كارلوفي فاري الأخير (الدورة الـ56)، عدتُ إلى الفيلم في مشاهدة جديدة، بعيداً من صخب التظاهرة الفرنسية وزحمة جدول العروض، فاخترتُ الحصّة الصباحية التي جرت في احدى صالات المدينة التشيكية الواقعة في مبنى تراثي أنيق، ثم غرقتُ في الكرسي تاركاً لسكوليموفسكي مهمة إدهاشي، مهمة نجحت مئة في المئة، على الرغم من المشاهدة الثانية.

نعم، مخرج "#النهاية العميقة" يتعقّب حماراً، جاعلاً منه مادة الفيلم وشغله الشاغل، وذلك منذ مغادرته سيركاً في بولندا إلى حيث ستأخده الأحداث المترابطة. سنتابع مسيرته في فيلم طريق ينقلنا من مكان إلى آخر ومن جو إلى ثانٍ، ليقول العالم الحالي من وجهة نظر حيوان، وهو عالم أكثر توحشّاً ممّا نعتقده، وفي هذه الفكرة مبادرة إنسانية رائعة. يرينا سكوليموفسكي الإنسان من خلال الحيوان، ومن خلال تجربة احتكاكه بالبشر، حيث الأدوار موزّعة بين مَن سيعامله برأفة ومَن سينقضّ عليه عنفاً وبطشاً.

يتضح منذ البداية اننا لسنا أمام فيلم تقليدي باهت. طبيعته مختلفه، وكذلك قوامه ومنبعه، أما أفكاره فهي من خارج صندوق السينما المعاصرة. يُقال ان الفيلم اعادة قراءة حديثة لـ"أو أزار بالتازار" (1966) لمعلّم السينما الفرنسية روبير بروسون (المخرج الذي يكن له اعجاباً كبيراً)، الا ان ربط الفيلم بفيلم آخر يوقعه في التصنيف، وهذا ما لا يمكن قبوله في الحديث عن "إيو". في النهاية، يمكن اعتباره تحية بقدر ما هو اعادة قراءة. تحية مليئة بالمشاعر والعنفوان. فالنص حر، يحلّق بجناجيه في فضاء السينما، بكاميرا وعقل وشغف أحد أكبر الخلاقين في السينما الأوروبية، الذي رغم تجاوزه الثمانين لا يزال شاباً يافعاً مؤثراً، هو الذي كان رمزاً للتجديد في بلاده بولندا خلال الستينات. هنا ثمة راديكالية في الطرح والمعالجة والتنفيذ، تغيب عن الكثير من الأفلام المشغولة بلا أي فكر، وهي راديكالية تغيب حتى عن الكثير من أفلام الشباب الذين يصنعون أفلام عجزة وهم في مقتبل تجربتهم. سكوليموفسكي بعقوده التسعة التي يجرّها خلفه، استطاع توظيف السينما بالكامل خدمةً لرؤيته ولنظرته إلى الإنسان والطبيعة والخلق، وليقول أشياء غاية في الأهمية عن تجربة الإنسان وتطوره، وهذا كله في فيلم مكثّف لا يتجاوز الـ86 دقيقة.

"إيو" فيلم عن الحيوان لكنه أيضاً عن الطبيعة، اذ انه يذكّرنا في بعض فصوله بترنس ماليك، وخصوصاً عندما يصوّر الثروة التي نعيش فيها من دون ان ندرك. المشهد الجوي الذي يعبر السهول والوديان احتفاء بصري رهيب بهذه الطبيعة. لكن، حتى في هذا، يخيب الفيلم أمل مَن كان يتوقّع منه ملفاً بيداغوجياً. فهناك دائماً حكاية داخل حكاية، وهذا ما نلحظه عندما ينزلق الفيلم إلى دراما عابرة بطلتها إيزابيل أوبير. حمارنا شاهد بقدر ما هو فاعل ومفعول به. شاهد على قسوة البشر وعلى مجانية أفعالهم، وعظمة الفيلم انه يعبر من حالة خاصة إلى عامة، ومن تفصيل إلى رؤية كاملة لأمراض وتشنّجات آخر مئة عام على الأقل، ليواصل الفكرة حيث كان بدأ فيه بروسون.

الرحلة التي سيقوم بها حمارنا الميلانكولي الجميل تغدو مناسبة لنكتشف عالمنا الحالي. وهي مناسبة للحمار أيضاً ليكتشف هذا العالم ويعيش لحظات ذلك الاكتشاف بحواسه. اعطاء الحمار هذه الفرصة لا يكفي فهو كان يحتاج لمخرج من طينة سكوليموفسكي ليصبح مشبّعاً بالأبعاد الدرامية والدلالات السياسية، ولا يقف عند حدود الظرافة. العالم مكان غامض ومستفز وأحياناً مثير للشفقة، لكن لم ينجح الشر الذي فيه وحوله، في سحب البساط من تحت أقدام أصحاب الضمائر الحية، وهذا ما سيتبدى جلياً من خلال مغامرات الحمار الذي سيكون نصيبه من الخير والشر، والفرح والحزن، والرفض والقبول، متساوياً، داخل عالم يسعى إلى تغييرنا لننسجم مع متطلباته. لكن حمارنا عنيد، وسيظل كما هو حتى اللحظة الأخيرة. واذا كان ثمة درس، فهذا هو الدرس الذي يمدنا به الفيلم، من دون أي ميل إلى الوعظ أو الإدانة السهلة، موفّراً طاقة من المتعة المتواصلة عبر التجوّل في تناقضات النفس البشرية.

الروحانية لها حضور في "إيو" ولا ينجز سكوليموفسكي أي شيء من دونها. فهي أساس فيلمه هذا الذي يسعى ان يكون تجريبياً وجريئاً وسوداوياً في الحين نفسه، الشيء الذي ينجح فيه بسهولة. الفيلم يزخر بالأفكار السينمائية اللمّاحة. لم أرَ مؤخراً هذا القدر من الانسجام بين المضمون والشكل. دعونا لا ننسى ان سكوليموفسكي هو أيضاً فنّان تشكيلي ويملك حسّاً تأطيرياً رفيعاً.

سكوليموفسكي: ان أخلق من جديد أو أموت ضجراً…

انه المخرج يرجي سكوليموفسكي، 84 عاماً، الثائر الذي رفض التلون بمنطق السوق والانصهار في السيستام، محاولاً النهوض دائماً حتى من أكثر تجاربه فشلاً، مستخدماً الفنّ التشكيلي خشبة خلاص، في زمن لم يعد يجد نفسه فيه. الفائز بجوائز كبيرة في كلّ من كانّ وبرلين والبندقية لا يحب الشرح. ينبذ فائض الكلام والتنظير، يقارب السينما كقصيدة لا ينفع فيها التفسير، الا ان بعضاً من المسكوت عنه في كلامه قد يلتقطه المحاور في حيرة عينيه أو في حركة يده. يعترف انه مل قليلاً السرد الكلاسيكي الخطيّ. لم تعد تستهويه المعالجة التقليدية للشخصيات، اظهار مدى تطورها على مدار الزمن، الخ. "اشتغلتُ هكذا مرات عدة. الآن، أنا أحاول الاتيان بشيء مختلف"، قال في حديث لي معه في البندقية قبل بضع سنوات. بعد أكثر من 50 عاماً أمضاها في أحضان السينما، لا يزال هاجسه ايجاد أساليب وأنماط جديدة للتعبير. يؤكد وهو يضحك: "لا خيار لي الا أن أخلق من جديد. أو أموت ضجراً. العالم ذاهب الى الجنون. عليك أن تقبل هذا الواقع. نحن كلّ يوم نواجه قرارات سياسية تُفرض علينا من كلّ حدب وصوب، وفي رأيي اننا ماضون إلى كارثة عاجلاً أم آجلاً (…). أخشى مصيبة كونية لاطاحتنا جميعاً. لا أعلم كيف سيحصل ذلك، ولكن أجدني جد متشائم في هذا الصدد (…). أعتقد اننا في طريقنا للتحول الى وحوش! الإنسان صار ذئباً لأخيه الإنسان. لا أملك الكلمات المناسبة لشرح ما يجول في بالي".

 

النهار اللبنانية في

03.08.2022

 
 
 
 
 

جانيت يانغ رئيسة لأكاديمية الأوسكار

نجوم/ الأخبار

انتُخِبت المنتجة الأميركية جانيت يانغ رئيسة جديدة لأكاديمية فنون السينما وعلومها التي تمنح كل سنة جوائز الأوسكار، على ما أعلنت المنظمة أخيراً.

وبذلك، باتت يانغ التي يشكل فيلما «جوي لاك كلوب» (1993) و«ذا بيبول فيرسز لاري فلينت» (1996) أبرز الأعمال التي أنتجتها، رابع امرأة تُنتخَب لهذا المنصب والأولى من أصول آسيوية تشغله.

وأشاد المدير العام للأكاديمية، بيل كرايمر، بعمل يانغ في ما يخص «ضم الأعضاء والحوكمة والمساواة والتنوع» الذي تعرضت جوائز الأوسكار في السنوات الأخيرة لانتقادات في شأن غيابه.

تتألف الأكاديمية التي تتخذ من لوس أنجليس مقراً من أعضاء يعملون في 17 من المهن السينمائية، من بينها التمثيل والإخراج والإنتاج وكتابة السيناريو وتصفيف الشعر والتوليف والأزياء وسواها.

ويتولى أعضاؤها كل سنة التصويت لاختيار الفائزين بجوائز الأوسكار وهي الأبرز بين مكافآت الفن السابع.
وقابلت الأكاديمية الانتقادات التي تعرضت لها بإعلانها عام 2016 عزمها على مضاعفة عدد أعضائها من النساء والمنتمين إلى أقليات إثنية قبل عام 2020، وتؤكد في الوقت الراهن أنها نفذت هذا التعهد، الأمر الذي يعتبر مراقبون أنّه ليس كافياً
.

 

الأخبار اللبنانية في

05.08.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004