مسح:

المنصات الرقمية تتفوق على «التقليدية» و«الأوسكار» المحفز الأكبر

عصام زكريا

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

(أوسكار 95)

   
 
 
 
 
 
 

رصد مسح أجرته منصة روكو، التي تعد الأكبر في الولايات المتحدة، أنه وللمرة الأولى في التاريخ تجاوزت نسب المشاهدات على منصات البث الرقمي في الولايات المتحدة الأمريكية نسب المشاهدات عبر خدمات البث التقليدية، حيث وصلت نسبة المشاهدة عبر المنصات إلى 65% مقارنة بـ63% للوسائل الأخرى، وهو ما يحمل إشارة قوية جداً للمعلنين والمسوقين بأن الثقافة الشعبية تتجه الآن إلى المنصات الرقمية.

ومن المسلم به أن هناك ميلاً متزايداً إلى هجر وسائط المشاهدة التقليدية من قنوات تلفزيونية محلية وفضائيات وقنوات مدفوعة فضائية أو سلكية، في مقابل الاعتماد على منصات البث الرقمي المدفوعة والمجانية وغيرها من وسائل المشاهدة عبر الإنترنت.

لكن كانت هذه الحقائق تحتاج إلى أرقام، كما تحتاج إلى إحصاءات دقيقة تساعد العاملين في مجالات الترفيه على اتخاذ قرارات سديدة تحقق لهم الأرباح وتلبي احتياجات المشاهدين.

وأجرت Roku مسحا وبحثاً يعد الأول من نوعه حول ميول المشاهدين من خلال رصد عمليات البحث ومشاهدة المواد الترفيهية والعوامل التي تحث وتحفز المشاهدين على مشاهدة هذه الأعمال.

رغبات الجمهور

ورصدت منصة «روكو» محركات البحث على مدار شهور لتدرس رغبات الجمهور والعناصر التي تحدد هذه الرغبات، وقد أثبتت هذه الدراسة التأثير الكبير الذي تلعبه ترشيحات وجوائز الأوسكار أكثر من أي جوائز أو دعاية أو سمعة ما، في تشجيع المشاهدين على البحث ومشاهدة الأفلام المرشحة والفائزة.

ويتضمن الاستطلاع إحصاءً بالأنواع الفنية والممثلين وعناوين الأفلام الأكثر شعبية خلال الربع الأول من 2022. وقد صل عدد مرات استخدام محرك البحث على منصة «روكو» إلى 233.5 مليون، ونصف هذه المرات تقريبا أعقبها تشغيل للمواد التي تم البحث عنها.

وقد ارتفعت معدلات البحث عن الأفلام المرشحة للأوسكار بنسبة 212% عقب إعلان قائمة ترشيحات الأوسكار، وواصلت الارتفاع إلى الذروة عقب إعلان الجوائز. وعلى سبيل المثال ارتفعت مرات البحث عن فيلم «كودا» عقب حصوله على عدد كبير من الترشيحات بنسبة 127%، ثم ارتفعت بنسبة 19 ضعفاً عقب حصوله على جائزة أفضل فيلم.

صيف موسيقى السول

أما الفيلم الوثائقي «صيف موسيقى السول» فقد ارتفعت نسبة البحث عنه إلى 8 أضعاف عقب ترشحه، وارتفعت مرة أخرى بنسبة 234% عقب فوزه بالأوسكار.

وأكثر فيلم خدمه الترشح والفوز بالأوسكار هو «عيون تامي فاي» الذي ارتفع معدل البحث عنه 6 أضعاف عقب الترشيحات ثم ارتفعت بنسبة 149% عقب فوزه بأوسكار أفضل ممثلة.

يمكن ملاحظة هذا التأثير الساحق لجوائز الأوسكار في الأعوام الماضية من خلال نسب البحث ومشاهدات أفلام مثل «طفيلي» الكوري و«مصنع أمريكي» الوثائقي وغيرها، لكن هذا التأثير يتزايد أيضاً عاماً بعد آخر.

ولعل أكثر المستفيدين من ذلك هو الأفلام المستقلة التي تجد عادة صعوبات في التوزيع والعرض العام، ولكن حظها يصبح أفضل على المنصات خاصة عندما يفوز أحدها بالأوسكار أو بجائزة كبرى أخرى "وغالباً يكون ذلك بعد رفع الفيلم من دور العرض السينمائي، وبالتالي تمنحه الجائزة حياة جديدة لم يكن يحلم بها صنّاعه".

الدعاية الضخمة

بجانب الجوائز الكبرى وخاصة الأوسكار، هناك عوامل أخرى تؤثر على مشاهدات الأفلام والبحث عنها منها الدعاية الضخمة التي تحيط ببعض الأفلام والجدل المثار حولها على مواقع التواصل الاجتماعي، وكثير من هذه الطفرات يحدث للأفلام المستقلة الصغيرة التي لم يسمع عنها المشاهدون من قبل أكثر مما يحدث للأفلام التجارية المعروفة بالفعل.

كيف يمكن أن يستفيد المسؤولون عن المنصات من هذه المعلومات؟ من خلال سرعة رد الفعل وتوفير المواد الصحفية والمعلومات اللازمة عن الأفلام بمجرد أن يبدأ الاهتمام بها والبحث عنها.

منصة «روكو» تنشر أيضاً بياناً شهرياً بأكثر 10 أفلام بحث عنها المشاهدون، ما يثير مزيداً من الفضول والاهتمام بالبحث عنها ومشاهدتها من قبل آخرين.

استطلاع منصة روكو كشف أيضاً أن نجاح بعض الأفلام يؤدي إلى إثارة الاهتمام بأفلام أخرى قد تكون أجزاء سابقة للفيلم الناجح أو أفلام مشابهة له، فقد تبين أن نجاح فيلم «سبايدر مان لا سبيل إلى الوطن» أثار الاهتمام بالأجزاء السابقة، وهو ما يعني أن على المنصات أن تكون مستعدة بتوفير هذه الأعمال في الوقت المناسب.

وكشف الاستطلاع أيضاً أن هناك مواسم لبعض النوعيات، فالأعمال الدينية والعائلية تشهد إقبالاً كبيراً في موسم عيد الكريسماس.

 

الرؤية الإماراتية في

12.06.2022

 
 
 
 
 

بعد الإشادة الأولية بفيلم (إلفيس): حياة 8 فنانين فى الطريق إليك

كتب آلاء شوقى

لاقت أفلام السير الذاتية، التى عرضت خلال السنوات القليلة الماضية، رواجاً واسعاً، إذ وجد منتجو هوليوود من حياة الفنانين والنجوم الخاصة أو الخفية أرضًا خصبة تجذب أنظار معجبيهم، خاصة  أن عرض الماضى بتقنيات الحاضر، لتنقل المشاهد من زمن لآخر، دون الحاجة إلى (عالم الأبيض والأسود)، هو ما دفع صناع السينما لإلقاء الضوء بصورة أكبر على السير الذاتية للفنانين، حيث يتهافت عدد منهم لعرض مزيد من القصص خلال السنوات المقبلة، إما على شاشات العرض الكبيرة، أو المنصات.

لعل أحدث ما يمكن الإشارة إليه، هو افتتاح شاشات العرض الكبيرة فى «الولايات المتحدة» أمس الجمعة عروضها بفيلم أخذ المشاهدين فى رحلة من خمسينيات إلى سبعينيات القرن الماضى، ليذكر أجيالاً كاملة بفترة شبابهم، حيث عرضت فيلم (Elvis، أو إلفيس)، السيرة الذاتية لأول نجم (روك أند رول) «إلفيس بريسلى»، الذى غير العالم بموسيقاه.

فقد عرض الفيلم حياة وموسيقى نجم القرن العشرين، الذى يجسده الممثل «أوستن بتلر»، من منظور علاقة «إلفيس» المعقدة مع مديره الغامض الكولونيل «توم باركر»، الذى يلعب دوره النجم «توم هانكس»؛ ومن ثم تتعمق القصة فى الديناميكية المعقدة بين «بريسلى، وباركر» على مدى 20 عامًا، من صعود «بريسلى» للشهرة، إلى نجوميته غير المسبوقة.. وفى قلب تلك الرحلة، تكون «بريسيلا بريسلى»، التى تلعب دورها «أوليفيا ديجونج» ذات دور مهم، وتأثير قوى فى حياة مغنى الـ(روك أند رول).

اجتذبت السيرة الذاتية الجديدة لـ«بريسلى» إشادات إيجابية بشكل عام، وبدور بطل الفيلم بشكل خاص، إذ أعرب العديد من النقاد عن إعجابهم بتجسيد «بتلر» للمغنى.

على صعيد آخر، ينتظر المشاهدون سلسلة من أفلام السير الذاتية خلال الفترة المقبلة لعدد من الفنانين والنجوم،  ومن بين تلك الأفلام، فيلم (Blonde)، السيرة الذاتية لـ«مارلين مونرو»، وهو مقتبس عن رواية خيال تاريخية صدرت عام 2000 بنفس العنوان للكاتبة «جويس كارول أوتس». وكانت قصة الرواية تبدأ بمرحلة الطفولة لـ«مونرو» وهى مشتتة بين ملاجئ الأيتام، لتنتهى بشائعات اغتيالها، بعد علاقتها مع رئيس «الولايات المتحدة» سابقاً «جون كينيدى» أو أخيه «بوبى كينيدى».

أما الفيلم، فهو عبارة عن قصة خيالية عن حياة «مونرو»، والتى لعبت دورها الممثلة «آنا دى أرماس»، بما فى ذلك طفولتها، والارتقاء إلى مستوى الشهرة، والزيجات، والعلاقات المثيرة للجدل.. فبعد طفولة صادمة، أصبحت «نورما جين مورتنسن» ممثلة فى هوليوود فى الخمسينيات وأوائل الستينيات. ثم صارت مشهورة عالمياً، تحت الاسم المستعار «مارلين مونرو»، لكن ظهورها على الشاشة بجمالها الصارخ، الذى جعلها - حتى الآن- أيقونة الجمال وحلم حياة الرجال، يتناقض بشكل صارخ مع قضايا الحب، والاستغلال، وإساءة استخدام السلطة، وإدمان الأدوية، التى واجهتها فى حياتها الخاصة.

الفيلم من سيناريو وإخراج «أندرو دومينيك». ومن المقرر عرضه على «نتفليكس» فى 23 سبتمبر المقبل، لكنه صنف على أنه (NC-17) أو (غير مناسب للأطفال أقل من سن الـ17)، ليصبح أول فيلم يصنف هكذا على المنصة.

أما أحد أكثر الأفلام المنتظر عرضها فى 21 ديسمبر المقبل، فهو (I Wanna Dance with Somebody)، السيرة الذاتية لحياة المغنية والممثلة الأمريكية «ويتنى هيوستن». من إخراج «كاسى ليمونز»، وسيناريو «أنتونى مكارتن»، المرشح لجائزة الأوسكار، والذى كتب سيناريو فيلم (بوهيميان رابسودى)، الذى تناول حياة مغنى فرقة «كوين» الرئيسى «فريدى ميركورى».

فى الفيلم الجديد، تقوم الممثلة «نعومى آكى»، بتجسيد دور «هيوستن». وقد علقت فى وقت سابق على دورها، قائلة إن: «تلك المرأة ملهمة بالنسبة لى، وإلى العالم، والنساء السود، والنساء الأمريكيات من أصول أفريقية، لذلك سأبذل قصارى جهدى للتأكد من أننى أقوم بتجسيدها بالشكل الصحيح..أريد فقط أن أحكى قصتها».

يذكر أن اسم الفيلم مقتبس عن اسم أحد الأغنيات القوية والناجحة لـ«هيوستن»، والتى صدرت عام 1987. ويتوقع عدد من النقاد أن يتم ترشيح الفيلم لموسم الجوائز، خاصة أن عرض المشاكل الشخصية للمغنية، بما فى ذلك: زواجها المضطرب من زميلها المغنى «بوبى براون»، بالإضافة إلى معاناتها مع تعاطى المخدرات والكحول، الذى أدى إلى وفاتها المبكرة فى عام 2012 عن عمر يناهز 48 عاماً.

(She Said) هو فيلم آخر ينتظر العديد من المشاهدين، وخاصة النساء عرضه فى 18 نوفمبر المقبل، وهو سيرة ذاتية يتتبع تحقيقات فضيحة «هارفى واينستاين»، وصعود حركة (#MeToo).

تستند قصة الفيلم إلى كتاب صدر عام 2019 يحمل الاسم نفسه، من تأليف صحفيتى «نيويورك تايمز»، «جودى كانتور، وميجان توهى»، اللتين فضحتا تاريخ «واينستاين» فى الاعتداء وسوء السلوك الجنسى ضد النساء؛ واللتين ساعدتا –أيضاً- فى إطلاق حركة (#MeToo)، التى حطمت عقوداً من الصمت حول موضوع الاعتداء الجنسى فى هوليوود. وتلعب الممثلتان «كارى موليجان، وزوى كازان» دور الصحفيتين.

ورغم عدم تحديد تاريخ عرض فيلم (Weird: The Weird Al Jankovic Story)، فإنه من المقرر عرضه هذا العام، وهو فيلم كوميدى أمريكى عن السيرة الذاتية لأفضل فنان موسيقى ومغنٍ كوميدى يسخر من الأغانى الشعبية لفنانين آخرين، ويستخدم الموسيقى للسخرية من ثقافة البوب «ألفريدو ماثيو»، المشهور بـ«ال يانكوفيك».

الفيلم من بطولة نجم سلسلة أفلام (هارى بوتر) «دانيال ريدكليف»، الذى اعترف أن ارتداء (قميص هاواى) مسئولية كبيرة من الصعب الاستخفاف بها؛ قائلاً: «يشرفنى أن أشارك العالم –أخيراً- القصة الحقيقية بنسبة 100 ٪ عن حياة «ويرد إل» المعروفة».

وقد وصف الفيلم بأنه قصة حقيقية غير مروية لـ«يانكوفيك»، حيث يوثق صعوده إلى الشهرة من خلال نجاحات مبكرة، بالإضافة إلى علاقاته العاطفية مع المشاهير، وأسلوب حياته الفاسد. الفيلم من إخراج «إريك أبيل»، ومن سيناريو شارك فى كتابته «يانكوفيك» نفسه.

أما (Going Electric)، فهو فيلم سيرة ذاتية للفنان «بوب ديلان»، من بطولة «تيموثى شالاميت».. حيث يتبع الفيلم السنوات الأولى من مسيرة «ديلان» المهنية، عندما صعد للشهرة فى المشهد الموسيقى الشعبى، إذ كان شخصية مؤثرة فى الموسيقى والثقافة الشعبية الأمريكية لأكثر من خمسة عقود.  ورغم عدم وجود أخبار عن موعد إصدار الفيلم، فإن العديد يعتقد أنه مشروع مثير لمحبى «شالاميت»، و«ديلان» على حد سواء.

وبالنسبة لفيلم (Hurricanna) فهو يستند إلى حياة الممثلة والموديل «آنا نيكول سميث»، وتحديداً الأيام الأخيرة وهى تشرع فى رحلة مدتها 36 ساعة مع معالجها، مما أدى إلى وفاة العارضة. ورغم عدم معرفة الكثير عن المشروع، فإنه  قيد الإعداد، ويتم تقديمه للمنتجين فى سوق الأفلام الأوروبية. وهو من إخراج «فرانشيسكا جريجورينى»، وسيناريو «راشيل ومات سارنوف».

وعن فيلم (Faithfull) فهو سيرة ذاتية ستصور حياة مغنية الستينيات والسبعينيات الإنجليزية «ماريان فيثفول»، التى تجسدها الممثلة « لوسى بوينتون». وتتابع قصة الفيلم حياتها المهنية، وإدمانها، وعلاقتها مع الملحن وأحد مؤسسى فرقة الروك البريطانية (رولينج ستونز)، «ميك جاجر».

أما فيلم السيرة الذاتية للفنانة «مادونا»، فهو لا يزال بدون اسم، رغم أن ملكة (البوب) اختارت من تجسدها فى الفيلم، فى عملية اختيار وصفتها بـ(المرهقة)، إذ تم اختيار الممثلة «آنا جوليا جارنر»، بعد معسكر تدريب شمل عددًا من الممثلات الأخريات مثل: «فلورنس بوج، وأليكسا ديمى، وأوديسا يونج»، وغيرهن، تألف من جلسات رقص مدتها 11 ساعة، واختبارات غنائية مع «مادونا» نفسها، ومع ذلك لا يزال الجدول الزمنى للإنتاج والممثلين الأساسيين الآخرين غير معروفين، فيما ستقوم «مادونا» نفسها بإخراج الفيلم.

 

مجلة روز اليوسف في

26.01.2023

 
 
 
 
 

مراجعة لحياة إلفيس بريسلي في فيلم يمزج الماضي بالحاضر

نيويورك: أ. أو. سكوت

أول وأقوى ذكرياتي عن إلفيس بريسلي كانت موته. فقد كان يبلغ من العمر اثنين وأربعين عاماً فقط، لكنه بدا بالفعل في عام 1977 وكأنه ينتمي إلى عالم أقدم بكثير. مرت خمسة وأربعون عاماً على ذلك التاريخ، ولا تزال شهرته كما هي، ويوم وفاته لا يزال مرثاة لمحبيه، وضريحه في «غرايسلاند» مكاناً يفد إليه عشاقه.

يعمل فيلم «إلفيس» للمخرج باز لورمان على تبديد الكآبة الجنائزية؛ حيث يسعى لورمان، المعروف عنه عدم حنينه كثيراً للماضي، إلى إعادة إلفيس إلى الحياة بأن تخيل ما كان في عصره وما يعنيه في عصرنا الحالي.

تهز الموسيقى التصويرية وإيقاع موسيقى الهيب هوب ومشاهد وتراكيب الفيلم والرسالة الصوتية مزيج بريسلي من موسيقى «البلوز» و«غوسبل» و«البوب» و«الكانتري»، وتواصل الموسيقى التحول صوب موسيقانا الحاضرة.

على الرغم من ذلك، كفيلم، يبدو فيلم «إلفيس» وكأنه قد وقع في فخ من صنعه. فتقديمه لقصة أميركية تتناول في جوهرها العرق والجنس والدين والمال تأرجح بين التحريف وأساطير الزومبي، وهو ما جعل معها المشاهد يتساءل «هل هي قصة أسطورة البوب الفخمة أم ميلودراما مأساوية؟».

يبدو تصميم الإنتاج المتوهج لكاثرين مارتن وكارين ميرفي أشبه بالكرنفال وبالابتذال في آن واحد. فكل ذلك الساتان الناعم وحجر الراين، الذي شاهدناه في اللقطات السينمائية للمخرجة ماندي ووكر التي غلب عليها اللون الأحمر، قد تخطئه العين وتظنه مشهداً من فيلم لمصاصي الدماء.

تصوّر الحبكة المركزية إلفيس (أوستن باتلر) على أنه ضحية شخص شرير قوي ومراوغ ينزف الدماء. هذا هو الكولونيل توم باركر، الذي يوفر السرد الصوتي ويؤديه الممثل توم هانكس بلهجة غريبة. كان باركر مديراً لأعمال بريسلي في غالبية مسيرته المهنية، وصوره هانكس على أنه شخص يتكون من جانب صغير مرح، وجانب إبليس.

يقول الكولونيل توماس باركر، مدير أعمال إلفيس: «لم أقتل إلفيس»، على الرغم من أن الفيلم يشير إلى غير ذلك، مضيفاً: «لقد صنعت إلفيس». ففي ذهن الكولونيل، كان «رجل الاستعراض ورجل الثلج»، شريكين في عمل طويل مربح للغاية.

كانت آخر ميزة للمخرج لورمان هي التعديل المفعم بالحيوية لرواية «The Great Gatsby» (غاتسبي العظيم)، وكان الكولونيل في بعض النواحي هو شخصية غاتسبي، فهو من اخترع نفسه بنفسه، مبتدئاً على الساحة الأميركية: «كسيد نفسه غير المرتبط بمكان بعينه». إنه ليس «كولونيل» (يحب إلفيس أن يطلق عليه «أميرال») واسمه الحقيقي ليس توم باركر. وإذا أوليناه الكثير من الاهتمام، فقد يحتل كل مساحة الفيلم، وهو ما حدث تقريباً على أي حال.

كسيرة ذاتية، فيلم «إلفيس» لا يسلط ضوءاً ساطعاً على كل شيء. فما احتواه الفيلم لا يختلف كثيراً عن المتاح في «ويكيبيديا». إلفيس يبدو مهموماً بوفاة شقيقه التوأم، جيسي، وهو مكرس لأمه غلاديس (هيلين طومسون)، والعلاقة بوالده، فيرنون (ريتشارد روكسبيرغ)، كانت أكثر تعقيداً. ينشأ الصبي فقيراً في توبيلو، ميسيسيبي، وممفيس بولاية تينيسي، ويشق طريقه إلى استوديو تسجيلات «صن ريكوردز» في سن التاسعة عشرة، ليشعل وهجاً في العالم بما يقدمه. وهناك التحق بالجيش وتزوج بريسيلا (أوليفيا ديجونج) ودخل هوليوود وعادت عروضه للبث عام 1968، وكانت إقامته الطويلة في لاس فيغاس ثم الطلاق من بريسيلا والمشهد الحزين في سنواته الأخيرة.

يبدو باتلر على ما يرام في اللحظات القليلة من الدراما خارج الكواليس التي يسمح بها النص، ولكن غالبية الحركة العاطفية يجري إرسالها في صورة برقيات تلغراف بأسلوب لورمان المعتاد المؤكّد واللاهث. يبدو البطل متقمصاً لشخصية إلفيس بشكل واضح أمام الجمهور، فقد أتقن باتلر أداء الحركات الجسدية المشتعلة لإلفيس، فضلاً عن تعبيرات المرح والضعف التي دفعت الجماهير إلى الهوس به. لا يمكن تقليد الصوت، والفيلم لم يحاول في ذلك، بل عمل على مزج صوت إلفيس الحقيقي (ريميكس).

في أول عرض كبير له في قاعة رقص في «تيكساركانا» بولاية أركنساس، يخرج إلفيس مرتدياً بدلة وردية زاهية، بعد أن وضع مكياجاً كثيفاً للعيون، وبومبادور متلألئاً.

ليس هناك شك في أن إلفيس، شأن العديد من الجنوبيين البيض من فئته وجيله، أحب موسيقى البلوز والغوسبل (وأحب الريف والغرب أيضاً، وهو نوع يرفضه الفيلم في الغالب). كما أنه استفاد من أعمال الموسيقيين السود ومن الفصل العنصري الذي هيمن على تلك الصناعة. ولذلك فلم يتعامل مع جدلية الحب والسرقة الكامنة في قلب الموسيقى الشعبية الأميركية التي لا تأمل في سرد القصة كاملة.

من كان إلفيس؟ لا يقدم الفيلم الكثير من الإجابات للمشاهدين الأصغر سناً، الذين كانت تجربتهم المباشرة مع الملك إلفيس أرق من تجربتي الشخصية. قد يخرج المشاهدون من فيلم «إلفيس» بفكرة على الأقل عن السبب الذي يدعوهم للاهتمام به.

في النهاية، الفيلم ليس سيرة ذاتية أو فيلم رعب أو حكاية تحذيرية: إنه فيلم موسيقي، فيلم يعرض موسيقى رائعة. هل أعيد مزجها؟ نعم، الفيلم غني بالأصوات التي قد يجدها التقليديون شيئاً عفا عليه الزمن. لكن لم يكن هناك شيء تناول بريسلي بشكل نقي وصرف بقدر ما تناول صوته ليجعلنا نسمعه بكل عظمته وآلامه وجرأته، لنفهم كيف أحدث الزلزال.

- خدمة «نيويورك تايمز»

 

الشرق الأوسط في

26.06.2022

 
 
 
 
 

هل ينجح توم هانكس في الخروج عن أدواره المألوفة مع فيلم "إلفيس"؟

بدأ عرضه في دور السينما هذا الأسبوع والبطولة فيه لمدير أعمال شرير

جيفري ماكناب 

قد يندهش المشاهدون من الشخصية التي تستقبلهم في بداية فيلم "إلفيس" Elvis للمخرج باز لورمان - بدأ عرضه في دور السينما في المملكة المتحدة هذا الأسبوع. نحن نرى توم هانكس، بدور هذا الرجل الغريب، السمين، والشاحب الوجه، والمتقدم في السن الذي يدعي أنه لم يقتل إلفيس بريسلي.

النجم الحائز على جائزة الأوسكار، الذي لعب دور البريء إلى حد القداسة في فيلم "فورست غامب" Forrest Gump عام 1994 والمحامي البطل وضحية التحيز بسبب إصابته بمرض الإيدز الذي يقوم بمقاضاة المنظومة الحاكمة في فيلم "فيلادلفيا" Philadelphia (1993)، نراه هنا في صورة مختلفة تماماً. نحن معتادون على هانكس في أدوار الأبطال المؤثرين كما في شخصية الطيار المدني الذي يواجه كارثة بعد عملية هبوط اضطراري في فيلم "سولي" Sully للمخرج كلينت إيستوود (2016)، أو الرجل المحبوب بكل أشكاله، كشخصية الزوج المكلوم في الفيلم الرومانسي الكوميدي الناجح "أرق في سياتل" Sleepless in Seattle للمخرجة نورا إفرون (1993)، ما يجعلنا نذهل عندما لا نراه مثالاً للأخلاق على الشاشة.

في عام 1971، تم اختيار ريتشارد أتينبرة لأداء دور السفاح الإنجليزي المتسلسل، جون كريستي، في فيلم السيرة الذاتية المروع "10 ريلينغتون بليس" 10 Rillington Place للمخرج ريتشارد فلايشر. إن مشاهدة هانكس في دور الكولونيل توم باركر المهلهل والفاسد، الذي يوقع عقوداً غير نظامية نيابة عن إلفيس مع مالكي كازينوهات العصابات في فيغاس، تكاد تكون مفاجئة تماماً مثل رؤية أتينبرة في شخصية كريستي وهو يتعاطى المخدرات ويخنق الشابات.

السبب في هذا هو كون هانكس، مثل أتينبرة، محترماً ومحبوباً. حتى لو شوهد هانكس وهو يتلفظ بالشتائم في مكان عام - كما حدث الأسبوع الماضي عندما صادف أحد المعجبين المتحمسين زوجته أمام أحد المطاعم - فإن وسائل الإعلام تتفاعل مع الحدث بتردد.

لماذا إذن، سيكون لورمان شريراً لدرجة أن يطلب من هانكس لعب دور باركر، رجل الاستعراض والمحتال الذي كان يدير أعمال إلفيس؟

مسألة ما إذا كان الكولونيل كولونيلاً، فهذه نقطة خلافية. عندما يواجه إلفيس لأول مرة في الفيلم، كان مروجاً مشبوهاً للعروض ومديراً موسيقياً يتصيد الفرص المهمة. لاحظ أن الجميع يستمعون إلى أول أغنية منفردة لإلفيس "ذاتس ألرايت" Thats Alright، ويكتشف أن المغني أبيض البشرة. يدرك أن إلفيس قد يكون أهم مصدر ربح سيصادفه على الإطلاق.

على كل حال، يشير لورمان إلى أن هذا لن يكون أداء نموذجياً لـهانكس منذ البداية من خلال جعله يبدو متقدماً في السن وزائد الوزن. بدانة الكولونيل تجعله يبدو أكثر بشاعة من الناحية الأخلاقية.

في مقابلة ترويجية لافتتاح "إلفيس" أجراها هانكس مع صحيفة نيويورك تايمز أخيراً، قال النجم: "أنا لست مهتماً بالبغض، أنا مهتم بالتحفيز". من وجهة نظره، باركر شخص يثير السخرية وانتهازي. قراراته التجارية تجعل إلفيس ثرياً وتزيده ثراء لكنها تؤدي إلى تدمير المغني بلا رحمة. إنه يفسح المجال لإلفيس كي يصبح مدمناً على أدوية لا تعطى إلا بوصفة طبية ويجعله يستكشف كل فرصة تجارية حمقاء متاحة، سواء أكان ذلك بيع الألعاب التي تحمل علامة إلفيس أو الأدوات الكهربائية أو حتى بلوزات عيد الميلاد. لا يستطيع إلفيس القيام بجولة موسيقية خارج البلاد لأن باركر هولندي في الواقع ووجوده في الولايات المتحدة غير قانوني. إنه يخشى ألا يسمح له بالعودة إذا غادر البلاد.

إذا راجعتم تاريخ السينما، ستجدون الكثير من الحالات الأخرى التي اختار فيها المخرجون عمداً أكثر الممثلين قداسة لتصوير الشخصيات الأكثر شيطانية.

لماذا اختار المخرج الإيطالي لأفلام الويسترن سيرجيو ليونيه الممثل هنري فوندا، النجم الأميركي صاحب العينين الزرقاوين الذي يعتبر بطل الجميع، ليلعب دور القاتل الأشد سادية الذي يمكن تخيله في فيلم "حدث ذات مرة في الغرب" Once Upon a Time in The West عام 1968؟ ما الذي دفع بالمهرج المحبوب روبن ويليامز - نجم فيلمي "السيدة داوتفاير" Mrs Doubtfire و"جيمانجي" Jumanji - للعب دور فني التصوير المتعرق والشرير للغاية في فيلم الآثارة السوداوي "صورة ساعة واحدة" One Hour Photo للمخرج مارك رومانيك عام 2002؟

هناك توني كيرتس، النجم اللطيف من فيلم "البعض يحبها ساخنة" Some Like It Hot للمخرج بيلي وايلدر، الذي ظهر في دور القاتل الجماعي المختل ألبرت ديسالفو في فيلم "خناق بوسطن" The Boston Strangler للمخرج ريتشارد فليشر عام (1968)، والممثل البريطاني الموقر أليك غينيس الذي أعتقد أنه من الجيد لعب دور أدولف هتلر صاحب الشارب والتسريحة المميزين في فيلم "الأيام العشرة الأخيرة" The Last Ten Days (1973)، وأوكتافيا سبنسر الحائزة جائزة الأوسكار، البطلة المحبوبة والمرنة التي تواجه العنصرية والتمييز الجنسي بشكل يومي في فيلمي "المساعدة" The Help (2011) و"شخصيات مخفية" Hidden Figures (2016) التي تشرع في إرهاب المراهقين في فيلم الرعب "ما" Ma للمخرج تيت تايلر (2019).

تشترك كل هذه الأمثلة بقاسم واحد، وهو المجازفة في اختيار الممثلين. يمنح صانعو الأفلام الجماهير صدمة كبيرة من خلال التلاعب بتوقعاتهم. فجأة يظهر الممثلون الذين نعتقد أننا نعرفهم ويمكننا الوثوق بهم حقداً شديداً.

في العديد من أفلامه، كان ألفريد هيتشكوك يلمح إلى الغرائز الأساسية للشخصيات التي يؤديها رجال مشهورون مثل جيمس ستيوارت أو كاري غرانت. هل كانوا مختلسين أم قتلة أم ساديين جنسيين؟ استفز هيتشكوك المشاهدين بأسئلة كذه.

يصبح بعض الممثلين معادلاً للرموز الوطنية. بالنسبة لبعض المخرجين، فإن إغراء العبث بهذه الرموز لا يقاوم. كتب كريستوفر فرايلينغ في سيرته الذاتية عن ليونيه، أن المخرج الإيطالي أراد إثارة "صدمة الجماهير" من خلال التباين بين الشخصية التي لعبها فوندا في "ذات مرة في الغرب" و"وجه فوندا، وهو وجه كان يرمز لسنوات عديدة للعدالة والصلاح". كان الأمر كما لو أن ليونيه كان يحول أبراهام لنكولن إلى تشارلز مانسن.

في الوقت نفسه، من المرجح أن يكون للفيلم عمق عاطفي إضافي إذا تم تصوير الشرير بطريقة دقيقة ومعقدة. عندما تشاهدون فيلم "فتاة مفقودة" Gone Girl (2014)، لما كنتم تتوقعون أن يكشف عن أن شخصية آمي التي تؤديها روزاماند بايك، الزوجة القديسة الجميلة التي اختفت في يوم الذكرى السنوية الخامسة لزواجها، هي الشريرة الماكرة. المرة الوحيدة التي اقتربت فيها بايك من الشخصيات الشريرة سابقاً كانت في دور ميراندا فروست الغدارة في فيلم "مت في يوم آخر" Die Another Day (2002) من سلسلة أفلام جيمس بوند، لكن ذلك الدور كان مبالغاً فيه وقريباً من الفن الهابط، ولم يهيئ المشاهدين لمدى النفعية التي تتبعها في رسم مكائدها ضد زوجها سيئ الحظ الذي لعبه بن أفليك في "فتاة مفقودة".

وعندما كشف عن أن المحقق أنطوان فوكوا الذي ينير درب الضابط الأصغر إيثان هوك في فيلم "يوم التدريب" Training Day (2001)، الذي جسده دينزل واشنطن، كان متنمراً ومريضاً نفسياً قاتلاً. إنه أخطر بكثير من أي تجار مخدرات أو قتلة واضحين متمردين على القانون.

يصرخ المحقق في حشد تجمع حوله بالتزامن مع تضاؤل قوته: "كينغ كونغ لا يستطيع الصمود أمامي".

يعد واشنطن شخصاً بارزاً في السينما الأميركية، وقد تلقى عدة ترشيحات لجوائز الأوسكار وغولدن غلوب. لقد لعب شخصيات تاريخية مثل الناشط المناهض للفصل العنصري ستيف بيكو في فيلم "صرخة الحرية" Cry Freedom للمخرج أتينبرة (1988)، وزعيم الحقوق المدنية الراديكالي في "مالكوم إكس" Malcolm X للمخرج سبايك لي (1992). يحترم المعجبون تلك الأداءات ولكن ما زال من المرجح أن يكون حاضراً في ذكرياتهم بدور الشرطي الماكر ذي المزاج الحارق أكثر من جميع الأبطال الآخرين الذين جسدهم.

ينطبق الأمر نفسه على إل باتشينو. إنه أحد نجوم الأسلوب العظماء، لكن المشهد الذي يستمتع به معجبوه إلى أقصى حد من بين كل أعماله هو عندما تخترق شخصية رجل العصابات توني مونتانا المنافي للبطولة التقليدية وابلاً من الرصاص في نهاية فيلم "الوجه ذو الندبة" Scarface (1983). صحيح أنه كان جيداً - وشبه شرير - في سلسلة "العراب" The Godfather وفيلم "ظهيرة يوم قائظ" Dog Day After، لكن هذه الأداءات تبدو ضئيلة مقارنة بالأداء الناري في "الوجه ذو الندبة" عندما يندفع بمدفعه الرشاش قبل أن يثقب جسده بالرصاص.

من الواضح أن أدوار الأشرار جذابة. ويمكن أن تكون مربحة. تمتعت أنجلينا جولي بأكبر نجاح لها في شباك التذاكر عندما قدرت أدوار الشر ولعب شخصية الملكة الشريرة في فيلم "ماليفيسنت" Maleficent (2014). إنها طريقة للممثلين الذين يبدون دائماً بأدوار رتيبة لإظهار بعد جديد في قدراتهم - وغالباً ما يفوزون بالجوائز نتيجة لذلك، كما أنه أمر ممتع أيضاً. تبدو ميريل ستريب مستمتعة عندما تلعب دور رئيسة التحرير الشريرة صاحبة الطباع اللاذعة والحادة في فيلم "الشيطان يرتدي برادا" The Devil Wears Prada (2006) أكثر بكثير مما كانت عليه عندما كانت تبذل الكثير من أجل أداء دورها الفني على أمثل وجه، حيث لعبت كل تلك الشخصيات الصالحة وبلهجات مضحكة في بعض أدوارها السينمائية السابقة.

في حالات معينة، يمكن للنجوم الذين تطاردهم الفضائح إصلاح سُمعتهم من خلال لعب دور الأشرار. قد يكون من الصعب على الجماهير حالياً قبول ويل سميث كرجل قيادي تقليدي بعد اعتدائه على الممثل الكوميدي كريس روك في حفل توزيع جوائز الأوسكار هذا العام، ولكن هذه الحادثة قد تؤهله إلى لعب شخصيات أكثر تعقيداً وأقل وضوحاً.

قبل وقت طويل من تجسيده دور القاتل المتسلسل في "10 ريلينغتون بليس"، لعب أتينبرة الذي كان ما زال وجهاً جديداً دور البطولة كقائد عصابة السكاكين بينكي براون في المعالجة التي قدمها الأخوان بولتينغ عام 1984 لرواية "صخرة برايتن" Brighton Rock لغراهام غرين. في مرحلة متأخرة من حياته، كان أتينبرة لا يزال مأخوذاً بمراجعة نقدية نشرت في صحيفة ديلي إكسبرس وصفه فيها الناقد ليونارد موسلي بأنه "مراهق بغيض ولا يؤخذ على محمل الجد". وأشار إلى أن "النسخة التي يقدمها الفيلم من شخصية بينكي التي رسمها المؤلف غراهام غرين كانت أقرب ما يمكن للشخصية الحقيقية كما هو قرب شخصية الرسوم المتحركة دونالد داك من الممثلة غريتا غاربو".

في حالة فيلم "إلفيس" للمخرج لورمان، هناك مخزون كبير من حسن النية تجاه هانكس بحيث يمكنه تجسيد وغد مثل باركر من دون المساس بسُمعته. يمكن القول، إن مشكلة أدائه هي أنه ليس شريراً بما يكفي. عندما يرتدي قبعته وسترة السفاري الخاصة به، يمتلك سحراً شعبياً طريفاً. غالباً ما تنسج النكات حوله، وهو شخصية مثيرة للإزعاج أكثر من كونها شخصية شريرة. كان هانكس منفذاً للغوغاء في فيلم "الطريق إلى الهلاك" Road to Perdition للمخرج سام مينديز (2002)، وقد ابتعد قليلاً عن نمطه المعهود في أدوار أخرى، لكن هذا ليس كافياً. إذا كان يريد حقاً إثبات جدارته في أدوار الشرير على الشاشة، فمن المؤكد أنه يتعين عليه أن يعيش تجربة أتينبرة الكاملة ويلعب دور قاتل متسلسل.

يُعرض فيلم "إلفيس" في دور السينما حالياً.

© The Independent

 

الـ The Independent  في

27.06.2022

 
 
 
 
 

في الصالات

«ألفيس» غرقَ في البذاخة ونسيَ «ملك الروك»!

شفيق طبارة

بعد ساعتين ونصف الساعة من فيلم «ألفيس» (2022)، سؤال واحد يخطر في بالنا عند خروجنا من الصالة وهو «أين ألفيس بريسلي؟». يحتوي الشريط الذي يُقال إنه يحكي قصة وحياة «ملك الروك» على مشاهد لا تُحصى من الموسيقى والغناء والرقص والتعرّق، ولكننا لم نرَ ألفيس. تعامل المخرج باز لورمان («مولان روج»، «غاتسبي العظيم») مع الملك على أنه مجرد فكرة، مفهوم، استعارة. بدا كأن لورمان استخدم بريسلي (أوستن باتلر) كذريعة لعرض أسلوبه السينمائي المتكرّر وغير المتجدّد. صحيح أنّ أفلام المخرج الأسترالي السابقة كانت مليئة بالحيل البصرية، ولكن الشكل البصري ظلّ متواصلاً مع القصة ومكملاً لها يُعيد تشكيلها. ولكن في «ألفيس»، يشبه الفيلم مقالة ويكيبيديا، مزخرفة بزهور وموسيقى ورقص. فيلم لا يتقدم، بل يقفز من مكان إلى آخر من دون أي تغيير في السرعة. وفوق كل هذا، اختار المخرج نهجاً غير تقليدي في سرد قصة الأسطورة. فعلى الرغم من أن الفيلم يحمل اسم ألفيس، إلا أنّ البطل الحقيقي (الراوي) هو الكولونيل توم باركر (توم هانكس)، مدير أعمال ألفيس الذي تلاعب بألفيس وسيرته المهنية، وغرس فيه الخوف والشك، الرجل الذي أخذ ألفيس الصغير بيديه ولم يتركه حتى وفاته، وأدار حياته بطريقة قاسية ومنحرفة.

قبل عرض الفيلم، كان هناك شك في أن لورمان هو الشخص المناسب لنقل سيرة الملك على الشاشة الكبيرة، لأنه ليس المخرج التقليدي لهذا النوع من الأفلام، ولكن أسلوبه قد يكون له ميزة، فهو لديه الخيال والفيضان الحركي الذي لا ينضب، على الرغم من أن أفلامه ليست عظيمة. شكّنا كان في مكانه، أعطانا لورمان انفجاراً لا طائل له من البريق الشديد اللمعان، هو البريق نفسه الذي رشه على أفلامه السابقة. يغطي الفيلم ألفيس طوال حياته، ويركز على مرحلتين أساسيتين: بدايته عام 1955 حتى رحيله إلى الخدمة العسكرية في ألمانيا عام 1960، وعودته المجيدة عام 1968 بفضل العروض التلفزيونية، وما تلاها، وعروضه الكثيفة في لاس فيغاس.

أسلوب لورمان البراق، حوّل الفيلم إلى فيديو كليب طويل عن ألفيس، شريط خالٍ من الأفكار والأقوال. لا يقول لنا كيف أصبح ألفيس ملك الروك أند رول. بينما يؤكد الفيلم على تأثير ألفيس على الموسيقى والثقافة الشعبية الأميركية، لكنه لم يكلف نفسه عناء شرح ذلك. الفيلم متفجر بصرياً فقط، لكنه لا يمتلك الشجاعة للوصول إلى العمق، يُرينا ألفيس كمنتج تسويقي ويذكر القليل من عبقريته الموسيقية. يقدم الفيلم نسخة خفيفة ومفرطة في الخير لشخصية من الواضح أنّ لها عمقاً أكبر بكثير مما نعرفه أو نتخيله. لم نفهم تماماً العلاقة المرضية بين ألفيس ومدير أعماله ولا حتى شخصية الكولونيل. لا يوجد في الفيلم أي لحظة حميمية، كأننا أمام أسطورة روبوتية تُثير النساء فقط، لا أمام رجل من لحم ودم. الفيلم عبارة عن ريميكس لأغنيات ألفيس وعرض سمعي بصري عظيم بميزانية كريمة، ولكن بمجرد إطفاء أنوار صالة السينما، تنتهي الضوضاء والفوضى ونشعر بفراغ عميق وإحباط. من الصعب حتى الحكم على أداء أوستن باتلر بشخصية ألفيس، لأنّ معظم ما رأيناه خلال الفيلم هو خصره وحركة قدميه. حتى توم هانكس يظهر في أسوأ أعماله التمثيلية، ببطن وأنف وأداء مبالغ فيهما.

حوّل باز لورمان الفيلم إلى فيديو كليب طويل

فيلم «ألفيس» أجوف، لا يهتم بأصول الملك الموسيقية والثقافية، يمر على حياته وتأثره بالموسيقية الافرو أميركية والأحداث السياسية والاغتيالات التي حصلت خلال حياته مرور الكرام. حتى صداقته مع بي. بي. كينغ مر عليها الفيلم كأنّها شيء عادي. لم يكلف الفيلم نفسه عناء تضمين لحظة واحدة يظهر فيها الملك كأنه عظيم أم أنه خلق شيئاً جديداً، ولا كأنه أسطورة أحدثت ثورة في الثقافة الشعبية. بينما كان الفيلم يلمع من الخارج، كان ألفيس فارغاً من الداخل. ركز لورمان على إغراقنا ببذخه البصري، ولم يكن مهتماً بألفيس هذا إن كان يعرف عنه أي شيء. أفاد من الملك وفرّغه من كل شيء. «ألفيس» ليس فيلماً، إنّه قصة خرافية تستند إلى قصة حقيقية عن صبي فقير اشتهر في يوم من الأيام ثم أدمن العقاقير وزاد وزنه ومات.
* Elvis
في الصالات

 

الأخبار اللبنانية في

27.06.2022

 
 
 
 
 

فيلم «Elvis»: نظرة على حياة ملك الروك

رحمة الحداد

خذ على سبيل المثال، المجاز المادي للغاية الذي صاغه والت ويتمان عن الأسلوب بتشبيهه بالستار، لقد اختلط عليه الأسلوب مع الديكور (التزيين)، فهو يرى أن العمل الفني يمكن أن يزاح عنه الستار لكي يظهر جوهره ومحتواه، ما يرجحه هذا المجاز هو أن الأسلوب مسألة كثرة أو قلة (كمية)، سمك أو رقة (كثافة)، ذلك الافتراض مضلل مثل تصور أن الفنان يملك خيارًا حقيقيًا في امتلاك أسلوب أو لا، فالأسلوب ليس شيئًا كميًا، وبالطبع كل المجازات التي تصف الأسلوب تختزله في كون المحتوى أو الموضوع هو شيء داخلي بينما الأسلوب هو شيء خارجي.

في مقالها (عن الأسلوب – On style) ضمن مجموعتها الشهيرة ضد التأويل، ترفض سوزان سونتاج فصل الأسلوب Style عن المحتوى Content، ترى افتراض أن الأسلوب شيء تزييني أو خارجي هو محض وهم، وأن المحتوى مقترن بالأسلوب بشكل رئيسي بل أنه لا يوجد ما يسمى فنانًا دون أسلوب أو عمل فني دون أسلوب مهما ادعى أنه يصور الطبيعة كما هي، فاختيار تصوير الأشياء أو كتابتها بشكل طبيعي هو اختيار أسلوبي في حد ذاته، تجادل سونتاج أن الأسلوب هو ما يجعل العمل ما هو عليه وأنه ليس من الممكن إزاحة ستار الأسلوب فيظهر المحتوى في شكله النقي، لأن ذلك النقاء لا وجود له في الفن.

دائمًا ما يوصف المخرج الأسترالي باز لورمان أنه صاحب أسلوب مميز، أسلوب تكثيري Maximalist، واضح لا يمكن إخطاؤه، فهو يملك سمات أسلوبية متكررة تميز أفلامه والقصص التي يختار اقتباسها أو تبنيها، يملك حسًا موسيقيًا وحبًا ضخمًا للموسيقى وإيقاعها وكيف من الممكن أن تسير الصورة وفقها أو العكس، كما يملك حسًا بصريًا متميزًا، يفضل الزخرف البصري فيما يتعلق بالملابس والمكياج والمظاهر العامة للشخصيات الرئيسية والفرعية، تضيء أفلامه كلها بلافتات النيون المتوهجة مما يعطيها شعورًا بالحداثة المهيمنة وفي الوقت ذاته بتوقف الزمن، وتقع أحداثها في خضم احتفالات كبيرة باهرة، تطير كاميراه فوقها لتصوير تفاصيلها من أعلى نقطة ممكنة، لا تتوقف الموسيقى أبدًا ولا توجد شخصية ترتدي ملابس مملة.

يمكن التحقق من كل تلك السمات الأسلوبية في فيلم لورمان الأخير «إلفيس» الذي يحكي حياة المطرب الأمريكي الشهير إلفيس بريسلي، إلفيس فيلم ضخم، ذو روح موسيقية جامحة، وبصريات فوضوية غامرة تشبه روح كل من لورمان وإلفيس لكنه وبإرادته الكاملة يفصل محتواه عن أسلوبه لكي يكون أكثر جماهيرية وتقليدية، وبدلاً من تحقيق إمكانياته الكبيرة في أن يكون فيلمًا عظيمًا يصبح فيلمًا متوسطًا ذا إمكانيات عظيمة.

أسلوب الفيس وأسلوب الفيلم

في كل الحالات غالبًا ما يكون مظهرنا هو ما نحن عليه.

سوزان سونتاج

إذا اتبعنا نهج سونتاج في استحالة فصل الأسلوب عن المحتوى فإن إلفيس بريسلي نفسه هو خير دليل على ذلك، هل يمكن أن يظل إلفيس نفسه إذا نزعنا عنه ما يجعله هو، هل سيكون إلفيس نفسه بدون ملابس الماتادور الملونة والشعر الدهني والحركات الراقصة المحمومة؟ أو بدون دمجه الموسيقي بين إيقاعات البلوز الراقصة وموسيقى الريف الأمريكي؟ هل يمكن رفع الستار لإيضاح جوهره وتجاهل الأسلوب الذي يجعله إلفيس الأيقوني؟ على الأغلب لا، كيف يختار أن يبدو ويلفظ كلماته ويصيغ توزيعاته الموسيقية هو ما يجعل محتواه آسرًا، يتبع باز لورمان في فيلمه أسلوب إلفيس المحموم، يصبح مونتاج الفيلم المتوتر المتسارع موازيًا لحركة إلفيس الإيروتيكية التي لا تتوقف، مما يجعل أسلوب الفيلم متوحدًا مع موضوعه.

لكن في كثير من لحظات الفيلم الذي تمتد مدته لأكثر من ساعتين ونصف، يمكن الشعور بخيانة لورمان لأسلوبه الشخصي وأسلوب إلفيس، يستخدم لورمان أسلوبه وكأنه يضفيه إلى شيء ليس له، الفيلم ينتمي نوعيًا إلى السيرة الذاتية، يملك نبضات مكررة وكشوفًا حوارية رأيناها عشرات المرات، لكن ما يجعله فيلمًا لباز لورمان هو استخدامه لأسلوبيته المعتادة، دمج الموسيقى الحديثة والقديمة، المونتاج المتسارع الفوضوي الذي يشبه الموسيقى، وملء الشاشة بالأضواء ولافتات النيون واستخدام الخط والصور المتداخلة، لكن سرعان ما يتناسى الفيلم أن تلك هي شخصيته، ويصبح ببساطة أكثر تقليدية، يأخذ استراحة من أسلوبه المتكامل ليوصل معلومة أو نبضة شعورية ما، مثل لحظة سقوط شخص من نجوميته أو اتفاق مدير أعمال على نجمه الساذج، يتنازل الفيلم عما يجعله نفسه لصالح أن يدع مجالًا لما يجعل أفلام السير الذاتية ما هي عليه بشكل مقبول جماهيريًا.

يبني لورمان فيلمه من عدة فصول يصعب فصلها لكن يمكن تلخيصها في صعود إلفيس (أوستن باتلر) وسقوطه، وتعرضه بالطبع للخيانة من مدير أعماله الكولونيل باركر (توم هانكس)، يصور الجزء الأول طفولة ومراهقة إلفيس، ما تسبب في حبه للموسيقى، نموه في حي شعبي خاص بالأفارقة الأمريكيين، مما كون شخصيته الموسيقية والفنية، وكون الشخصية التي يظهر بها على المسرح، أي المظهر اللا جنسي الذي يدمج ما هو أنثوي مع ما هو ذكوري بسلاسة وجدت من قبله بالطبع في موسيقيين مثل ليتل ريتشارد الذي يمر عليه الفيلم سريعًا، يمر الفيلم سريعًا على كل شيء، وكأن كل معلومة هي محطة يجب التوقف عندها لحظة ثم التقدم وتناسيها تمامًا، يتحول بناء الفيلم الذي يبدو غير تقليدي إلى بناء تقليدي وربما أقرب للأفلام الوثائقية التجريبة من الأفلام الروائية.

تظهر تلك النزعة الوثائقية في الكشف الحواري المكثف وإبعاد شخصية إلفيس تمامًا عن المشاهد، يصبح عنصرًا جانبيًا في فيلم سمي باسمه، ما يتبقى منه بشكل أكبر هو موسيقاه وكيف يتلاعب بها لورمان وفريق الموسيقيين الخاص به، يعتبر ذلك هو الجانب الأكثر تجديدًا وتأثيرًا وقربًا من روح إلفيس في الفيلم، يتسم الفيلم بتصميم صوت غامر ومؤثر، يدمج بين موسيقى إلفيس وموسيقى حي هارلم القديمة مع توزيعات جديدة وموسيقى سمراء معاصرة، يفصل صوت إلفيس الأصلي ويضيف عليه توزيعات موسيقية أكثر طزاجة، لا تتوقف الموسيقى إلا نادرًا طيلة مدة الفيلم وهو ما يجعل عنصر الصوت أكثر إخلاصًا لإلفيس من الخيارات السردية التي اختارها لورمان لقص قصته.

من يروي القصة؟

تتكرر في عوالم باز لورمان لزمات سردية مثل اختيار راوٍ غير معتمد عليه (Unreliable Narrator)، لا يملك معرفة كلية بالبطل أو بالأحداث من حوله، لكنه يملك حبًا وشغفًا كبيرين لذلك البطل، يراه كإله أو صديق مقرب أو امرأة سحرية، وعادة ما تحيط البطل هالة أسطورية، يبدو بعيد المنال لكنه يعيش حياة باذخة، تراجيدية، وعلى الرغم من كل قوته المزعومة فإنه يملك قلب طفل نقي مهما بدا واثقًا وساحرًا.

تنطبق سمات البطل تلك على كثير من شخصيات باز لورمان منها الفتاة الجميلة المغوية ساتين (نيكول كيدمان) في الطاحونة الحمراء Moulin Rouge! والتي يحكي عنها الكاتب كسير القلب الواقع في حبها كريستيان (إيوان مكريجور)، وفي الشخصية الأدبية الشهيرة جاتسبي العظيم (ليوناردو ديكابريو) The Great Gatsby الذي نراه من عيني من يحكي عنه وهو صديقه نيك كاراوي (توبي مجواير)، في تلك الأمثلة امتلك البطل راويًا يراه أكثر الأشخاص جمالاً وبراءة، يهتم الراوي ببطله حتى وإن لم يعرفه جيدًا، يحرص على سلامته وربما يضحي بنفسه من أجله أو من أجلها، تنطبق صفات البطل التراجيدي جميل المظهر باذخ الحياة على آخر الشخصيات التي اختارها لورمان أي إلفيس النجم الموسيقي والسينمائي الأمريكي الشهير الذي يحظى بنهاية تراجيدية، لكن لم تنطبق السمات نفسها على الراوي الذي يصاحبه.

امتلك إلفيس الجمال والموهبة والسذاجة، لكن الراوي والسارد الذي اختاره له لورمان لم يمتلك سمات الرواة السابقين الذين كونوا أسلوبه الفريد، يروي الفيلم كله من وجهة نظر مدير أعمال إلفيس الكولونيل باركر الذي يؤدي دوره توم هانكس بمزيج من الشر واللؤم الطفولي، وهو رجل غامض مستغل، يستغل موهبة إلفيس وشهرته لتحقيق المكاسب المادية وكسره بالكامل، يرى الكولونيل إلفيس لما هو عليه، فتى ساحر وموهوب وبعيد المنال لكنه لا يملك له ولا لسذاجته نفس التعاطف الذي امتلكه نيك كاراوي لجاتسبي مثلاً، بل أكن له كل النوايا السيئة التي يمكن تصورها، لذلك أصبح الخيار الأسلوبي السردي الذي لم يكسره لورمان عائقًا ومقيدًا لصناعة فيلم مؤثر ومتوغل في حياة إلفيس الشخصية.

نرى إلفيس طوال مدة الفيلم من عيني الكولونيل، يتلاعب بنا ويلوي الحقائق، يمكن بشكل ما اعتبار ذلك أداة سردية تضعنا في محل المشاهد والمراقب وتجعل من إلفيس ذلك البطل الأسطوري الذي تلف حياته الغموض، لكن سرعان ما يتركنا الفيلم لحظات مع إلفيس من دون الكولونيل ويضعنا في حالة مواجهة مع شخصية لم نقترب منها طيلة فترة الفيلم، تصبح تلك اللحظات أشبه باجتماع ثلاثة أفراد معًا يغادر أحدهم فجأة، فيصبح الآخرون أي نحن وإلفيس كغرباء لا يملكون أدوات التواصل الملائمة، فتصبح اللحظات الحميمة صعبة التصديق لأنها غير متسقة مع سردية الفيلم الرئيسية التي تجعل إلفيس بعيدًا ولامعًا وتحرمنا من أي لحظات حميمة معه، فنحن لا نراه إلا في أبهى صوره، شعره الدهني مصفف كل خصلة في مكانها الصحيح، وملابسه الملونة في أفضل حالتها، ربما تجنب تلك الاختيارات التغريبية إمكانية استغلال إلفيس بشكل مبتز عاطفيًا أو الانغماس في مآسيه الشخصية، لكنها في الوقت ذاته تعمل على تشييء الشخصية وجعلها عنصرًا (Object) يمكن النظر إليه لكن يستحيل الاقتراب منه.

يؤدي أوستن باتلر دور إلفيس بريسلي بدقة نادرة، لا ينجرف في التقليد الذي يجعله كاريكاتيريًا لكنه في الوقت ذاته يتقن حركاته الدقيقة، صوته، لغة جسده، هشاشته وغضبه، لكن كلما اقترب باتلر من الكمال التمثيلي للشخصية يقاطعه المونتاج، لا يعطيه الفرصة للتنفس، فهو موجود لكي يرى من أعين الكولونيل الذي يمثل أعيننا، يصل باتلر لذروة الكمال التمثيلي للشخصية قرب النهاية بمساعدة فريق المكياج الذي يصعب حصر أسمائهم من كثرتهم، لكن ما يجعل الأداء مؤثرًا ليس تشابه إلفيس مع باتلر ولكن تشابه الشعور الذي يرسمه باتلر في عينيه مع ذلك الذي نراه في أعين إلفيس في نهاية حياته، لكن الفيلم لا يتمهل لإعطاء ذلك الأداء المميز فرصة في الظهور بل يسارع لعرض مشاهد أرشيفية لإلفيس ليثبت التشابه ويسهل المقارنة.

سياسيات العرق والموسيقى

يعتبر إلفيس بريسلي شخصية إشكالية مثل الكثير من مشاهير الموسيقى في الستينيات والسبعينيات، فقد كانت فترة من التحولات السياسية والاجتماعية الجذرية والمفاجئة، لكنها لم تخلُ من الامتيازات البيضاء والامتيازات الذكورية، امتلك نجوم الروك أعذارًا مجانية للتصرف كما يحلو لهم مع النساء والمراهقات من الجماهير، كما امتلك نجوم الروك البيض بشكل خاص نفوذًا يمكنهم من الاقتباس من أي ثقافة تحلو لهم، لكن ما جعل ذلك إشكاليًا في نهاية الخمسينيات مرورًا بالستينيات والسبعينيات في أمريكا هو الفصل العنصري الصارم ونبذ مطربي البلوز والسول والجاز وغيرها من الأنواع الموسيقية المنتمية للأفارقة الأمريكيين من الظهور والنجاح المادي، لكن نجوم الروك البيض ساهموا في اكتشافهم بشكل متأخر، بعدما تأثروا أو «استولوا» على موسيقاهم وجنوا من ورائها المال والشهرة.

كان إلفيس بريسلي أحد أنصار المجتمعات السوداء الأمريكية، لم يكن عنصريًا بالمعنى التقليدي، لكن لم يمنعه ذلك من استغلال موسيقى أقرانه ممن لا يملكون امتيازاته، لم يكن مكروهًا من قبل المجتمعات الفنية تحت الأرضية وقتها بل كان صديقًا وحليفًا، بل أن بعض أهم نجوم الموسيقى وقتها يدينون له بالفضل في نشر موسيقاهم، لكن بشكل موضوعي لم يستفيدوا هم شيئًا ولم يسلموا من مطاردات الشرطة، أو النبذ الشعبي العام.

لا يعلق الفيلم نقديًا على تأثر إلفيس بالموسيقى العرقية السمراء أو استغلال الفنانين الموهوبين في حيه لتسلق سلم النجومية، بل يجعل من تلك التأثيرات لقطات ملهمة ومؤثرة في مسيرة حياته ويعتمد على هوس البيض الأمريكيين بما هو غرائبي ومتوهج وإكزوتيكي (Exotic) طالما كان أبيض مثلهم، يصبح السواد (Blackness) كمفهوم هنا نقطة قفز لتمرد إلفيس فيصبح الغموض العرقي مساويًا للخروج عن القواعد، كلما اقترب إلفيس أكثر من ما هو أسود أصبح أكثر تحررًا، ربما ينتقد الفيلم ذلك في ردود الأفعال البيضاء حوله، لكنه ينأى بإلفيس نفسه عن النقد أو الموضوعية، فهو يراه من بعيد ويظهره لنا من مسافة ضخمة تمنعنا من رؤية ما بداخله أو ما يفكر فيه.

يظهر ذلك بشكل خاص في مونتاج يؤطر ذروة نجاح إلفيس، تنقسم الشاشة لثلاثة أقسام، أحدها يظهر أرثر كردرب (جاري كلارك) الكاتب والمغني الأصلي لأغنية It’s alright my mama، وبجانبها تسجيل لإلفيس يؤدي الأغنية كمراهق في الأستوديو ويصور القسم الثالث نضج إلفيس وتطويره للأغنية لتصبح واحدة من أشهر أغانيه، بتأطير مثل ذلك يتجاهل الفيلم القضايا العرقية والثقافية والتعقيدات التي يولدها ذلك التساوي حتى في أحجام الإطارات التي تظهر بها كل لقطة، فالفيلم يقدم نفسه باعتباره إعادة صياغة لقصة قديمة في صورة معاصرة لكنه لا يلتزم بذلك إلا عندما يكون ملائمًا له.

يعامل فيلم «إلفيس» بطله كأداة لصناعة عرض موسيقى بصري باهر مثل الذي قدمهم إلفيس على مدار عمره وينجح في ذلك، فهو تجربة سينمائية حافلة بكل ما هو فني ومثير وممتع، لكنه يضيع فرصة إعطاء ذلك النجم الأسطوري لمحة من الإنسانية أو القرب، يتركنا مع قيود النوع التي فرضت مؤخرًا على الأفلام التي تتناول حياة الموسيقيين، فلا يصبح فيلمًا أسلوبيًا متميزًا أو يرضى بكونه فيلمًا نوعيًا آخر مثل غيره.

 

موقع "إضاءات" في

28.06.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004