ملفات خاصة

 
 

رحيل علي عبد الخالق: أفلامٌ تعاين أحوالاً والسينما حاضرةٌ أحياناً

نديم جرجوره

عن رحيل المخرج

علي عبدالخالق

   
 
 
 
 
 
 

مُزعجٌ البحث عن السيرة المهنية، على الأقلّ، لراحلٍ عربيّ، له حضورٌ في المشهد العام. الجمعة، 2 سبتمبر/أيلول 2022، تُعلَن وفاة المخرج المصري علي عبد الخالق، والوفاة حاصلةٌ بعد أقلّ من 3 أشهرٍ بقليل على احتفاله بعيد ميلاده الـ78 (9 يونيو/حزيران 1944). الاستعانة بـ"ويكيبيديا" العربية، أو بموقع مصري، يُفترض به أنْ يكون متخصّصاً بالسينما، غير نافعةٍ دائماً، فالمعلومات قليلة وعادية، ويُخشى الركون إليها، في الأوقات كلّها، إذْ يغيب المؤكّد عنها، غالباً.

رحيل عبد الخالق، نتيجة إصابته بمرض سرطانيّ، يُثير سؤال المعلومات العربية المؤكَّدة، في شؤون عامّة، وعن شخصيات معروفة. هذا يعني أنّ الكتابة في رحيلٍ أو مناسبةٍ تحتاج إلى ذاكرةٍ فردية، أو إلى كُتبٍ، إنْ تكن هناك كتبٌ عربية مُفيدة، توثيقاً وسيرةً ومذكّرات. الذاكرة الفردية تُصاب بثقوبٍ أحياناً، وهذا طبيعي. لكنّ الذاكرة الفردية غير كافية، لوحدها، لكتابةٍ سليمة؛ والكتب المُفيدة نادرةٌ، والصادر منها عن دور نشر مختلفة، يصعب العثور عليه في مكتباتٍ عربية، فالتوزيع معطوبٌ.

تَذكّر أفلامٍ له، لحظة قراءة نبأ رحيله، يحتاج إلى وقتٍ، والبحث عنها، أو عن بعضها، في موقعٍ للقرصنة، أو "يوتيوب"، أو ما يُشبههما، شاقٌ، فالكتابة في مناسبة كهذه غير قادرة على الانتظار طويلاً، لأنّ المهنة متطلّبة، رغم أنّ العجلة غير مُحبَّبة. أفلامٌ لعلي عبد الخالق حاضرةٌ في ذاكرة فردية، وأخرى تبقى بعيدة عن التذكّر، وهذا يعني أنّ الكتابة تتناول الأفلام الأشهر له، لشدّة مثولها في وجدان وعقل وتفكير، ما يُلغي عن الكتابة تميّزاً مطلوباً يُحرّرها من تكرارٍ، يُقرّبها من كتابات أخرى.

أي أنّ أفلاماً لعبد الخالق تحضر في كتابات عدّة، تميل إلى رثاءٍ ووداعٍ: "أغنية على الممرّ" (1972)، و"العار" (1982)، و"الكيف" (1985)، و"إعدام ميت" (1985)، و"جري الوحوش" (1987)، و"بئر الخيانة" (1987)، و"درب الرهبة" (1990)، مثلاً، تُشكِّل نواة أساسية لكتاباتٍ، تهتمّ بالأشهَر والأكثر حضوراً في ذاكرة عامّة. هذا لن يُلغي أهمية الاشتغالات السينمائية لعلي عبد الخالق، في هذه الأفلام وفي غيرها، خاصة بالنسبة إلى اهتمامه بالصراع مع إسرائيل، المتمثّل في أكثر من فيلمٍ، والمُعالَج بأكثر من طريقة. فـ"أغنية على الممرّ" عائدٌ إلى حرب الأيام الستة، أي نكسة 67، بحثاً في نفوسٍ وانفعالاتٍ لأناسٍ يدافعٍون عن أرضٍ وبلدٍ، ويعيشون ذكريات وخيباتٍ وآلام وتمنّيات؛ بينما يُعاين "بئر الخيانة" مسألة التجسّس لـ"الموساد" الإسرائيلي، تماماً كـ"إعدام ميت"، مع اختلافٍ في التناول، الدرامي والسرديّ والاجتماعي والسياسي، للعلاقة المصرية بإسرائيل: في الأول، يُجنَّد مواطنٌ مصري، هارب إلى إيطاليا، في الاستخبارات الإسرائيلية؛ والثاني يروي حكاية القبض على عميل مصري، قبل انصراف النصّ إلى سرد حكاية التجسّس المصري، أو بالأحرى محاولة التجسّس على المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا.

غير أنّ علي عبد الخالق غير مرتبطٍ بهذا النوع السينمائي فقط. أحوال الاجتماع والعائلات المصرية، تعثر في بعض أفلامه على نماذج لها، يُمكن اعتبارها مرايا، تكشف شيئاً من واقعٍ وحالاتٍ وعلاقات، وتسبر أغوار نفسٍ فردية، باشتغالها على الواقع والحالات والعلاقات. "الكيف" مثلاً يبدأ نصّه السينمائي من داخل عائلةٍ، يُفترض بها أنْ تعكس صورة ما عن طبقةٍ وسطى، كاشفاً تناقضاً يحصل بين شقيقين، كما يحصل في عائلاتٍ وبيئات مختلفة. "الامبراطورة" (1999)، مثلاً، يُكمِل نصّاً يجمع بين العائلة والمخدّرات، كـ"الكيف"، فالخادمة، التي يخدعها ابن مخدومتها، تُقرّر ثأراً من حالتها، فتنتفض على الفقر عبر تجارة المخدّرات، بينما يُصبح ابن المخدومة ضابطَ شرطةٍ، معنيّاً بمكافحة المخدّرات.

وإذْ يعكس عبد الخالق أحوالاً كهذه في بعض أفلامه (المجتمع، البيئات الفقيرة والصغيرة، العائلة، العلاقات الأسرية، المخدّرات، إلخ.)، فهذا غير معنيّ البتّة بتحليل سوسيولوجي ـ نفسي عبر الصورة السينمائية ـ مع أهمية سماتٍ كهذه، تحضر في سياقات درامية وجمالية وسردية ـ بقدر انبثاقها الأساسيّ من احتكاكٍ له ببيئته ومجتمعه وناسه، مستعيناً بحساسيةٍ وتفكيرٍ وتأمّل، ومرتكزاً على أهمية تبسيط المفردات السينمائية في مقاربة المسائل.

تحليلٌ كهذا يحضرُ في مسام النصّ السينمائي وفضاءاته الفنية والحكائية والحياتية، من دون إسرافٍ في تسليط التحليل على البنية الدرامية والقصصية والإنسانية للنصّ الفيلمي، وهذا الإسراف غير مرغوبٌ فيه أصلاً. تحليلٌ كهذا يُمكن مراقبته في أفلام إسرائيل، حرباً ضدها أو عمالة لاستخباراتها ومواجهةً لها، إذْ يُمرِّر علي عبد الخالق ملاحظات، اجتماعية ونفسية وفكرية، بمواربةٍ وخفرٍ، غالباً.

في "الكيف"، تنفصل مسارات شقيقين إلى حدّ التناقض، بين علمٍ وحياة يُراد لها أنْ تكون متواضعة وهادئة، رغم مصائب وانهيارات حولها، وعيشٍ في عالمٍ سُفليّ، مليء بالمخدّرات والتفاصيل المنبثقة منها. "جري الوحوش" يتناول العائلة أيضاً، مختاراً مأزقاً مختلفاً عن ذاك الذي تعانيه عائلة "الكيف". فالعقم عطبٌ بيولوجي، والعلم قادرٌ على مواجهته بهدف إيجاد حلّ له. الاجتماع، بثقافته وأخلاقه وتديّنه، يُعاند في قبول العلم، والعلم يُصرّ على اختبار ابتكاراته، فهذه الأخيرة مصنوعة للناس.

تحليلٌ كهذا غير كافٍ. في بعض أفلام علي عبد الخالق ما يُثير متعة مُشاهدة، تُضاف إلى معاينةٍ متواضعة لبلدٍ وأناس. عيشُه اختبارات وتحوّلات (لن تكون إيجابية كلّها) في مسار بلده ومجتمعه وحياة ناسه، تمرينٌ على معاينةٍ وتفكيكٍ، لعلّهما يحتاجان إلى أكثر من المصنوع في سينماه. اختبارات وتحوّلات يشهدها منذ شبابه، بدءاً من العدوان الثلاثي على مصر (1956)، والمسار المرتبك وغير السوي في تاريخها الحديث، مع الانقلابات المختلفة والمتناقضة في السياسة والاقتصاد والحياة اليومية.

 

العربي الجديد اللندنية في

05.09.2022

 
 
 
 
 

وداعا على عبدالخالق أهم من وثق بطولات الجيش المصرى

ورحل صاحب «الكِيف» السينمائى

حالة من الحزن الشديد عاشها الوسط الفنى بأكلمه وذلك بعد رحيل المخرج العبقرى على عبدالخالق بعد صراع مع مرض السرطان، ولأن الجميع يعرف قيمة المخرج الراحل وموهبته المميزة التى ظهرت فى كافة أعماله الفنية التى ترك من خلالها بصمة كبيرة فى السينما المصرية حرص عدد كبير من نجوم الفن حتى ولو لم يجمعهم به أى لقاء من قبل على نعيه وتوجيه واجب العزاء لأسرته الفنية الكبيرة.   

أهم أعماله..   

أغنية على الممر

قدّم على عبد الخالق أول أفلامه الروائية الطويلة عام 1972 بعنوان “أغنية على الممر” عن مسرحية بنفس الاسم للأديب على سالم، وحقق الفيلم نجاحا هائلا، وحصل على الجائزة الثانية من مهرجان “كارلو فيفارى”، وجائزة من مهرجان “طشقند” السينمائى.

العار

عام 1982، قدّم مع المؤلف محمود أبو زيد فيلم “العار”، بطولة النجوم: نور الشريف، حسين فهمي، محمود عبدالعزيز، نورا، أمينة رزق، وإلهام شاهين وغيرهم، وحصل عنه على جائزة الإخراج فى مهرجان مانيلا السينمائى الدولى، كما حصل الفيلم على ثلاث جوائز فى مهرجان جمعية الفيلم السنوى وهى جائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل إخراج وجائزة أفضل سيناريو، ويحتل الفيلم المركز رقم 56 فى قائمة أفضل 100 فيلم فى ذاكرة السينما المصرية.

إعدام ميت

عام 1985، قدّم من ﺗﺄﻟﻴﻒ إبراهيم مسعود فيلم “إعدام ميت”، من بطولة النجوم: فريد شوقى، محمود عبدالعزيز، بوسى، يحيى الفخرانى، ليلى علوى، وإبراهيم الشامى وغيرهم.

الكيف

عام 1985، مع محمود أبو زيد قدّم أيضا فيلم “الكيف” للنجوم: محمود عبدالعزيز، نورا، يحيى الفخرانى، جميل راتب، محيى الدين عبدالمحسن، وفؤاد خليل وغيرهم.

شادر السمك

عام 1986، قدّم من ﺗﺄﻟﻴﻒ نبيل نصار وعبدالجواد يوسف فيلم “شادر السمك”، بطولة النجوم: نبيلة عبيد، أحمد زكى، محمد رضا، خلود، على الشريف، وصبرى عبدالمنعم وغيرهم. والفيلم إعادة لفيلم “الفتوة” الذى قام ببطولته فريد شوقى وتحية كاريوكا وأخرجه صلاح أبو سيف، مع تغيير نشاط ومكان أحداث الفيلم.

جرى الوحوش

فى عام 1987، قدّم من ﺗﺄﻟﻴﻒ محمود أبو زيد، رائعة “جرى الوحوش” للنجوم: نور الشريف، محمود عبدالعزيز، حسين فهمي، نورا، حسين الشربينى، وهدى رمزى وغيرهم.

البيضة والحجر

فى عام 1990، قدّم من ﺗﺄﻟﻴﻒ رفيقه محمود أبو زيد فيلم “البيضة والحجر”، مع النجوم: أحمد زكى، معالى زايد، ممدوح وافى، أحمد غانم، محمود السباع، ونجوى فؤاد وغيرهم.

كلمات النجوم

نشرت نبيلة عبيد، صورة للمخرج الراحل وعلقت عليها وقالت “وداعًا المخرج السينمائى الكبير على عبدالخالق كان صديقا غاليا وزميلا عزيزا، التقينا فى خمسة أعمال سينمائية كبيرة من أهم أفلام السينما المصرية، هى: الوحل وشادر السمك ودرب الرهبة والحناكيش وعتبة الستات”.

وأضافت “كما التقينا من خلال شاشة التليفزيون فى مسلسل البوابة الثانية، وبالإضافة إلى هذا كله كانت تجمعنا صداقة متينة وأخوة غالية، رحم الله على عبدالخالق الإنسان بأخلاقه الطيبة، والفنان بأعماله الفنية المهمة وألهم أهله وأصدقاءه الصبر والسلوان”. 

وقالت الفنانة نجلا بدر”وداعًا يا حبيب قلب الفن والضحكة.. سلام.. البقاء لله ربنا يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته ويلهمكم الصبر والسلوان”.

وكتبت الفنانة روجينا “إنا لله وإنا إليه راجعون المخرج الكبير المبدع على عبدالخالق فى ذمة الله مدرسة كبيرة فى الإخراج.. أستاذى اللى اتعلمت منه كتير على المستوى الفنى، اللهم ارحمه واغفر له وأسكنه فسيح جناتك.. أسالكم الدعاء بالرحمة والمغفرة”.

 وشاركت الفنانة حنان مطاوع جمهورها، صورة للمخرج على عبدالخالق وعلقت عليها قائلة “وداعا الأستاذ والمخرج على عبدالخالق صاحب التاريخ الحافل من الأعمال السينمائية والتليفزيونية.. ربنا يرحمك برحمته الواسعة ويغفر لك ويسكنك فسيح جناته نسألكم الدعاء”.

وقال الفنان محمد ثروت، فى منشور له “يمضى الزمن، وبين لحظة وأخرى، نودع عزيزًا أو حبيبًا.. فقدنا اليوم المخرج الكبير على عبدالخالق، واحدًا من أمهر وأعظم صناع السينما المصرية، واحداً ممن أمتعوا الجماهير بأفلام لا تنسى.. اللهم اغفر له وارحمه ووسع مدخله وأسكنه فسيح جناتك.. وداعًا مخرجنا الكبير”.

أيامه الأخيرة 

عانى المخرج على عبد الخالق فى أيامه الأخيرة وهو يصارع منذ شهر يوليو الماضى مرض السرطان، وقد تحدث المخرج الكبير قبل وفاته عن تطورات حالته الصحية خلال  أحد البرامج التليفزيونية  قائلا “بدأت فى وحدة المركز الطبى العالمى جلسات إشعاع تستمر خمسة أيام، بمعدل جلسة كل يوم، وفى انتظار نتيجة تحاليل لعينة أخذت منى لتحديد نوع السرطان، والأدوية المناسبة”. وأضاف عبد الخالق: “من المنتظر أن تظهر نتيجة التحاليل خلال أيام، وهى تحاليل كثيرة تكلفتها 30 ألف جنيه قابلة للزيادة”.

وكان على عبد الخالق قد  اكتشف إصابته بمرض السرطان منذ فترة عندما شعر بألم فى الذراع الأيسر وتوجه بعدها إلى دكتور العظام، وقام بعمل أشعة للاطمئنان على ذراعه، وبعدها أصيب بكورونا واستمر لفترة فى العلاج منها، وبعد أن تعافى قام  بإعادة  الفحوصات التى طلبها الدكتور هذه المرة وكانت مختلفة، حيث تضمنت  عمل أشعة رنين، ولكنها لم تظهر شىء، فطلب منه عمل مسحة ذرية، فعلم حينها أنه  مصاب بمرض السرطان ثم تدهورت حالته.

وفى منتصف يوليو الماضى، أعلن الناقد السينمائى الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية السينمائى الدولى، تعرض المخرج على عبدالخالق لأزمة صحية شديدة، وكتب تدوينة عبر صفحته بموقع التواصل الاجتماعى “فيس بوك”،: “المخرج الكبير الذى أمتعنا بأفلامه الوطنية والاجتماعية الرائعة، يمر بأزمة صحية اجعلوا له نصيبا من دعائكم، شفاه الله وعافاه”.

وأضاف قائلا: “على عبد الخالق، مخرج الأفلام الوطنية، منها أغنية على الممر، إعدام ميت، بئر الخيانة، يوم الكرامة» يستحق العلاج على نفقة الدولة”. من ناحيته قال المخرج الراحل على عبد الخالق أن حالته الصحية متدهورة، حيث اكتشف إصابته بسرطان فى الكتف واليد اليسرى، ليبدأ رحلة علاج بجلسات إشعاع، مؤكدًا أنه يحتاج لحقنة ثمنها 100 ألف جنيه فى الشهر لكن علاج هذا المرض مكلف جدًا بالنسبة له.

وعقب ذلك تواصل المتحدث الرسمى لوزارة الصحة بالمخرج الراحل على عبدالخالق، لتتحمل الوزارة تكاليف المرحلة الأولى لعلاجه، ثم أكد على عبد الخالق أنه يعالج على نفقة الدولة بتوجيهات من الرئيس عبدالفتاح السيسى. وبدأ يتلقى العلاج داخل مستشفى المعادى العسكرى حتى هزمه المرض ولفظ أنفاسه الأخيرة ليرحل عن عمر ناهز ٧٨ عاما

 

روز اليوسف اليومية في

05.09.2022

 
 
 
 
 

علي عبد الخالق: مخرج الإجابات الواضحة

عصام زكريا

كان السؤال الأول الذي تردد بعد رحيل المخرج علي عبد الخالق (9 يونيو 1944- 2 سبتمبر 2022)، إن كان نال ما يستحقه من تقدير وتقييم، مقارنة بغيره من المخرجين الذين اهتمت المهرجانات والنقاد بأعمالهم.

جاءت الإجابة قاطعة، ظُلم علي عبد الخالق ولم ينل ما يستحق. واتهم البعض النقاد بالانحياز أو سوء التقدير، وراح غيرهم ينال من أسماء مخرجين آخرين حظوا بالتقدير النقدي وجوائز المهرجانات الدولية والمحلية، وكأنّ الفن مباراة كرة قدم تنتهي بالفوز أو الهزيمة يديرها حكام مطعون في ذمتهم.

هذا النوع من الرثاء العاطفي قد ينصف الراحلين إلى حد ما، على نحو  مؤقت، لكنه لا يحل أو يربط، ويؤدي أحيانًا إلى ظلم وانحياز من نوع آخر، والأكثر أنه لا يساعد على فهم قيمة هؤلاء الراحلين، أو طبيعة المجال السينمائي وتعقيداته.

من معطف الهزيمة

علي عبد الخالق مخرج كبير ومتميز بالتأكيد، غير أن سمة "الإجابات الواضحة" طغت على كثير من أعماله، وواجبنا أن نحلل ونقيم أفلامه لنضعها في مكانها الصحيح على رفوف تاريخ الفن السينمائي.

خرج علي من معطف هزيمة 1967، ضمن جيل من المحبطين الغاضبين كان لهم أن يغيروا شكل السينما المصرية. أسفرت الموجة الأولى منهم عن تأسيس أول وآخر "جماعة سينمائية سياسية" في مصر، وهي جماعة السينما الجديدة التي ضمت رأفت الميهي، وفؤاد التهامي، وممدوح شكري، ومحمد راضي، وأحمد متولي، وسامي السلاموني، وغالب شعث، وغيرهم. وتأسست 1968 وكان أول نتائجها فيلم أغنية على الممر (1972)، أول أفلام عبد الخالق الروائية.

قبل ذلك بخمس سنوات تخرج عبد الخالق ضمن أول دفعة لمعهد السينما 1966، ثمّ عيّن في هيئة الثقافة الجماهيرية، الوليدة حديثًا آنذاك، فبدأ حياته المهنية كمُنشط ثقافي يصطحب الأفلام لعرضها في القرى والنجوع لشعب كانت أحلامه وطموحاته تناطح السحاب، قبل أن يستيقظ فجأة على نكسة الهزيمة المروعة.

مثل كثيرين من السينمائيين الشباب رفض عبد الخالق الهزيمة وأصر على المقاومة. بعد الهزيمة بأسابيع كان في السويس مع مدير التصوير رجائي عتيق ليصنع أول أفلامه التسجيلية السويس مدينتي. وفي 1969 صنع فيلمه الثاني رشيد عن مدينة أخرى اشتهرت بالبسالة والمقاومة.

من المدهش والعجيب أن شباب ذلك الجيل عشقوا قائدهم المهزوم حدّ العبادة، وتجسد ذلك في فيلم عبد الخالق الوثائقي الثالث أنشودة الوداع (1970)، عن رحيل عبد الناصر، الذي حقق نجاحًا كبيرًا في المهرجانات المحلية والدولية وفاز بالجائزة الثانية من مهرجان لايبزج في ألمانيا، أكبر مهرجان للسينما التسجيلية في العالم.

أكبر من النجاح

كان أغنية على الممر، كما أسلفنا أول ثمار الجماعة الجديدة، عمل يعبر ليس فقط عن عبد الخالق لكن عن زملائه أيضًا، كما ظهر في أعمالهم اللاحقة مثل أبناء الصمت لمحمد راضي والظلال على الجانب الآخر وزائر الفجر لممدوح شكري وغيرها.

حقق أغنية على الممر شيئًا أكبر من النجاح الجماهيري، وهو التأثير. كان الجمهور يخرج من الفيلم باكيًا يغني "وتعيشي يا ضحكة مصر"، حتى أن الجيش الذي سبق وأجرّ معداته لصناع الفيلم، أعاد قيمة الإيجار بقرار من وزير الدفاع آنذاك، وتم حجز بعض الحفلات في دار العرض ليحضرها الجنود والضباط، قبل أن تتحول زيارات هؤلاء الجنود في الثمانينيات من السينما إلى ملاعب كرة القدم لتشجيع الفرق المصرية.

ويروي مدير التصوير سعيد شيمي في كتابه حكايات مصور سينما، أنه أثناء تصوير فيلم عبد الخالق في سوريا أوقفهم الجيش وحقق معهم، لكن عندما علم الضابط السوري بأن عبد الخالق مخرج أغنية على الممر تغيرت المعاملة تمامًا، ورحبّ بهم وسهّل عملهم.

حيرة الانتصار

بعد الانتصار وجد ذلك الجيل نفسه حائرًا، ربما أكثر من حيرته عقب الهزيمة. بداية من النصف الثاني للسبعينيات حتى بداية الثمانينيات أخرج عبد الخالق أفلامًا عاطفية ميلودرامية راجت وقتها، وهي أفلام متوسطة القيمة والنجاح. لكن مع التحول الذي شهدته السينما المصرية باتجاه الواقعية ومناقشة القضايا الاجتماعية، صنع فيلم العار (1982) الذي كتب له أن يكون واحدًا من أنجح الأفلام تجاريًا ونقديًا، وبداية مرحلة ثالثة من مسيرته الفنية، شهدت أفضل وأنجح أعماله.

توفر لـ العار كاتب سيناريو موهوب هو محمود أبو زيد، زميل دفعة عبد الخالق في معهد السينما، الذي يتميز ببراعة الحوار، وتوليف قصص شبيهة بالحكايات الشعبية ذات المغزى الأخلاقي والتعليمي.

توفر للفيلم أيضًا فريق من الممثلين النجوم الذين يلتقون لأول مرة معًا: نور الشريف، ومحمود عبد العزيز، وحسين فهمي. واستطاع عبد الخالق مع  شيمي أن يصيغا لغة بصرية "شعبية" تتناسب مع طبيعة الموضوع والدراما، فكل شيء مشدد وتحته خط، ويصل الصراع إلى أقصى حدوده الممكنة، الموت والجنون.

بعد النجاح الكبير الذي حققه العار عاد الثنائي عبد الخالق وأبو زيد للعمل معًا في ثلاثة أفلام هي الكيف، وجري الوحوش، والبيضة والحجر، وحققت النجاح بدرجات متفاوتة، لم يصل أحدها إلى ما حققه العار من اتفاق جماهيري ونقدي، لكنها على نحو عام تعد، مع أغنية على الممر والعار، أفضل أعماله.

صدى الأغنية الخافت

بالتزامن مع هذه الأعمال واصل عبد الخالق صنع أفلام متواضعة ومتوسطة، وسلك خطًا آخر حاول أن يكون امتدادًا لأغنيته الوطنية الأولى، كأفلام المخابرات والحرب، إعدام ميت، بئر الخيانة، الكافير ويوم الكرامة، بالتزامن مع أفلام ونوعيات أخرى، منها فيلم "زاعق" عن الجماعات الإرهابية بعنوان الناجون من النار، وأعمال تجارية من بطولة نادية الجندي ونبيلة عبيد وسمية الخشاب وهاني رمزي.

في هذه المسيرة التي تضم نحو أربعين فيلمًا يصعب أن تجد قوامًا موحدًا أو أسلوبًا أو رؤية اجتماعية وفلسفية تجمعها، لكنها خليط غير متجانس من أنواع ووجهات نظر ومستويات فنية متراوحة.

وعامة كان عبد الخالق في أفضل حالاته كمخرج عندما يحمل الفيلم "إجابة": ضرورة المقاومة، التمسك بالأخلاق، التخلي عن الجشع، عدم الاعتماد على العلم على حساب الدين..إلخ. وفي معظم الأحوال كانت هذه "الإجابات" ذات طبيعة محافظة، كما يظهر في جري الوحوش مثلًا الذي يتخذ من العلم موقفًا "شعبويًا" معاديًا.

الذين يكثرون الحديث عن المهرجانات والجوائز الدولية "الظالمة" لا ينتبهون عادة لأهمية الأسلوب الخاص للمخرج واللغة الشاعرية للفيلم، لأنّ المسألة ليست حرفية وتقنية فحسب. كما أنهم لا ينتبهون عادة إلى أن النقاد ولجان تحكيم المهرجانات والجمهور صاحب الذائقة المدربة والمصقولة، إنّما يميلون إلى الأعمال التي تطرح أسئلة أكثر من الأعمال التي تطرح إجابات جاهزة، وإلى الأعمال التي تناقش "البديهيات" أكثر من الأعمال التي تؤمن بحقائق مطلقة.

ينتمي عبد الخالق إلى أصحاب الإجابات الواضحة والقناعات الجاهزة، وأنجح أفلامه هي التي تتوجه إلى الجمهور بإجابات لا لبس فكري ولا التباس فني فيها، وتلتقي فيها قناعاته وأسلوبه بموضوع مناسب. لكن هذا لم يحدث كثيرًا، فبعض أعماله أيضًا لا يحمل إجابات ولا أسئلة، وهي مجرد "تعليب" لمنتجات السوق السينمائي والتليفزيوني التجارية، وبعضها تكرار فاتر لإجابات سبق قولها في قصص وسيناريوهات أفضل.

في النهاية يبقى من عبد الخالق أعماله الممتلئة بالدراما والعواطف الساخنة والشخصيات الممتلئة بالطاقة والممثلين الممتلئين بالحيوية، والتمثيل الذي يميل إلى الأداء مرتفع الصوت والإيماءات، والحوار المشبع بالحكمة و الإيفيهات.

هذه الأعمال التي تبرز قدرته على صياغة واستخدام لغة سينمائية "مصرية" تناسب الذوق الشعبي، تعتمد على "بروزة" الصراع الدرامي داخل كادرات محكمة التكوين، من زوايا تميل إلى الانحراف أفقيًا أو رأسيًا، وأفضلها ما يلتقي فيها ذلك الأسلوب مع موضوع وسيناريو مناسب، يميل إلى الحماسة والنزعة الإرشادية أو التربوية.. تلك الأعمال التي لبت حاجة المشاهدين إلى إجابات وطنية أو اجتماعية واضحة في أوقات الشدة والأزمة.

 

موقع "المنصة" في

06.09.2022

 
 
 
 
 

وزيرة الثقافة وأحمد بدير وميرفت أمين ومادلين طبر..

أبرز الحضور في عزاء على عبدالخالق

كتب: أنس علام

أقيم أمس الاثنين، عزاء المخرج على عبدالخالق، الذي رحل عن عالمنا الجمعة الماضي عن عمر ناهز الـ 78 عامًا، بعد صراع طويل مع مرض السرطان، حيث أقيم العزاء بمسجد الحامدية الشاذلية بالمهندسين .

وشهد العزاء حضور فنى كبير وكانت في المقدمة الدكتورة نيفين الكيلانى، الفنان أحمد بدير، الفنانة ميرفت أمين، الفنان أحمد شاكر، الفنان كريم أبوزيد، الفنان تامر عبدالمنعم، نقيب المهن التمثيلية الفنان أشرف زكى، الفنانة سيمون، الفنانة مادلين طبر، أمير أباظة .

التحق المخرج على عبدالخالق بالمعهد العالي للسينما قسم إخراج، وعقب تخرجه في المعهد عام 1966 عمل مساعدا لفترة ثم اتجه إلى إخراج الأفلام التسجيلية، ومن أشهر هذه الأفلام فيلمه التسجيلي «أنشودة الوداع» الذي حصل على العديد من الجوائز الدولية من مهرجانات الأفلام التسجيلية والقصيرة ومنها الجائزة الثانية من مهرجان «ليبزج» السينمائي بألمانيا، كما حصل فيلمه «السويس مدينتي» على الجائزة الأولى من مهرجان وزارة الثقافة الأول للأفلام التسجيلية عام 1970.

وقدم عبدالخالق أول أفلامه الروائية الطويلة عام 1972 بعنوان «أغنية على الممر» عن مسرحية بنفس الاسم للأديب (على سالم)، وحقق الفيلم نجاحا فنيا هائلا، وحصل على الجائزة الثانية من مهرجان (كارلو فيفاري)، وجائزة من مهرجان (طشقند) السينمائي.

وشكل خلال فترة الثمانينات ثنائيا مع المؤلف (محمود أبوزيد) في عدة أفلام سينمائية ناجحة مثل: (العار) 1982، (الكيف) 1985، (جري الوحوش) 1987، (البيضة والحجر) 1990، وحققت جميعها نجاحا كبيرا وضعت اسمه بين عمالقة الإخراج في مصر.

واتجه على عبدالخالق مع بداية الألفينات للدراما التليفزيونية، حيث قدم عدة مسلسلات منها: «نجمة الجماهير» 2003، «البوابة الثانية» 2009.

 

####

 

«السويس مدينتي» :

المخرج على عبدالخالق صانع الأفلام المهمة التي لن تنسى

كتب: ريهام جودة

نعى صالون ومهرجان سواسية السينمائي ومسابقة أفلام إسماعيل ياسين بالسويس بخالص العزاء للشعب المصري ولكل رموز وأبطال وفناني القوة الناعمة فقد المخرج المصري الكبير على عبدالخالق، صاحب الفيلم التسجيلي «السويس مدينتي» والذي حصل على الجائزة الأولى في مهرجان وزارة الثقافة الاول للافلام التسجيلية عام 1970 عن جدارة وإحساسه المرهف والوطني بالسويس مدينة وشعب باعتبارها صاحبة التاريخ الوطني العريق، حيث قدم المخرج الرائع على عبدالخالق الفيلم بعد 4 سنوات فقط من تخرجه عام 1966.

وقال الدكتور عبدالحميد كمال رئيس مهرجان سواسية السينمائي وصالون سواسية الثقافي بالسويس: لا ينسى شعب السويس فيلمه المميز «اغنية على الممر» الذي عبر فيه عن روعة واحساس الجنود المصريين ومواقفهم أثناء حرب 1967، حيث الهزيمة المرة الذي احسها شعب السويس الذي كان يستقبل الجنود العائدين المصابين من المعركة، فهذا الفيلم الذي يعتبر بصمة سينمائية وطنية الذي عبر فيه كوكبة من الممثلين المصريين والذي غنى فيه الفنان أحمد مرعي تلك الأغنية المؤثرة من كلمات عبدالرحمن الأبنودي وألحان حسن نشأت والتى تقول: أبكى.. أنزف.. أموت وتعيشي يا ضحكة مصر وتعيش يا نيل يا طيب وتعيش يا نسيم العصر وتعيش ياقمر المغرب وتعيش ياشجر التوت أبكى.. أنزف.. أموت وتعيشي يا ضحكة مصر.

وتابع «كمال» أن الشعب المصري لن ينسي الأفلام الهامة التي قدمها المخرج المبدع على عبدالخالق منها «العار – الكيف – جرى الوحوش- البيضة والحجر- السادة المرتشون- شادر السمك – الوحل – الحناكيش- درب الرهبة- عتبة الستات».

بالإضافة إلى أعماله الهامة «يوم الكرامة- بئر الخيانة- إعدام ميت» وافلام «الكافير- الناجون من النار- أربعة في مهمة رسمية – الأبالسة- الحب وحده لا يكفي» وغيرها من الاعمال الفارقة والهامة في تاريخ الفن المصري وتمثل قوة ناعمة حقيقية.

واختتم كمال: أن عبدالخالق سيظل صاحب بصمة ورؤية فنية مختلفة وتبقي تحية له من السويس للمخرج الكبير الراحل على عبدالخالق على تاريخه الوطني الكبير.

يذكر أن عزاء الراحل المخرج الكبير على عبدالخالق أقيم أمس بمسجد الحامدية الشاذلية بحضور عدد كبير من نجوم الفن منهم ميرفت أمين وأحمد بدير ومادلين طبر.

 

المصري اليوم في

06.09.2022

 
 
 
 
 

خيرية البشلاوي:

المخرج علي عبدالخالق فهم سيكولوجية الناس وأفلامه تمسهم

محمد عصام

قالت الناقدة الكبيرة خيرية البشلاوي، أحد أبرز النقاد الفنيين، إن المخرج الكبير الراحل علي عبدالخالق ترك أثرا كبيرا عبر ما قدمه من فن وقيم ورقي للمجتمع المصري والعربي، كما وتميزت أعماله بفهم عميق لسيكولوجية الشعب المصري وثقافته الشعبية، "كان فاهم أزاي يأثر". 

وأضافت "البشلاوي"، خلال استضافتها ببرنامج "في المساء مع قصواء"، وتقدمه الإعلامية قصواء الخلالي، والمذاع على فضائية CBC، أن الأعمال التي قدمها المخرج الكبير بالتعاون مع المؤلف محمود أبوزيد أكسبته القوة فيما يقدمه من أعمال، "فيه دويتو بينهم، وبيقدر يعزف على أشياء مهمة توصل للبسطاء".

واستطردت: "قدر يكون نافذ وملهم ومؤثر لمن حوله، وقدم ترفيه مركب فيه التسلية والضحك والنظرة العميقة والرسالة والقيم المراد نقاشها، وكان الله يرحمه أحد المخرجين المؤثرين، وقدر يستخدم وسيط الفيلم على مستوى واسع، وعرف يأثر على المتلقي شعبيا".

وأوضحت أن المخرج علي عبد الخالق الكبير نجح في تخليد عددا كبيرا من أفلامه كـ "البيضة والحجر، العار، الكيف، جري الوحوش"، وأن مثل تلك الأفلام تحدثت عن واقع حقيقي يعيشه الشعب المصري، ما جعل من تلك الأفلام خالدة في أذهان الشباب الحالي، كما كانت وقت عرضها على شاشات السينما.

وتابعت: "أفلام علي عبدالخالق كانت جماهيرية جدا ومتقنه وجذابة ومرحة، وفيها الدروس بدون ما يكون فيها وعظ من خلال شخصيات حية وديناميكية، وفيها حوار يشد، وجرس ينبه عن ما يدور ويهتم به الشعب".

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

06.09.2022

 
 
 
 
 

صور وظلال علي عبد الخالق في سينما تشدو بالأغاني الحزينة

كمال القاضي

لم يأخذ علي عبد الخالق المُخرج والمُبدع حظه من الشهرة والبروز كمخرجين كُثر أقل منه موهبة، ربما لأنه اتبع طريقاً مُختلفاً وانتهج نهجاً لامس القضايا الاجتماعية والسياسة، وابتعد عن الإطار التجاري بمسافة واسعة فظل محصوراً في الحيز الجاد لسينما لعبت دوراً معارضاً إلى حد كبير في فترتي الثمانينيات والتسعينيات، ومثلت مواجهة قوية ضد الفساد الاجتماعي، حيث كشفت أفلام عبد الخالق، «العار» و»الكيف» و»جري الوحوش» و»مدافن للإيجار» و»بئر الخيانة» و»أربعة في مهمة رسمية» و»الحب وحده لا يكفي» جانباً مهماً من سوءات المجتمع المصري على اختلاف التباينات والأشكال المُتضمنة في الأفكار والصور التعبيرية المُشيرة للأزمات الكبرى.

ورغم الحس النقدي الواضح في معظم الأفلام التي قدمها المخرج الراحل في سياق من التنبيه والتوعية، والتأثر بالمرجعية الثقافية اليسارية في عنفوان شبابه، إلا أنه لم يغفل الجانب الوطني ولم يُعف نفسه من الدخول في أغوار القضايا الشائكة ذات الطبيعة الخاصة، ولم يخش الاشتباك مع السُلطة في أول تجربة روائية طويلة له، فيلم «أغنية على الممر» المأخوذ عن مسرحية للكاتب علي سالم، حيث أجرى ما يشبه عملية التفتيش السينمائي عن أسباب نكسة يونيو/حزيران 67 بطريقة شاعرية حزينة اختلط فيها البُعد الوطني بالهم السياسي، على خلفية المأساة العسكرية التي راح ضحيتها خيرة الضُباط والجنود في مواجهة غير مُتكافئة مع العدو.

وفي هذا الفيلم لم يقف علي عبد الخالق عند حدود الهزيمة كنوع من الإدانة رغم منطقية ذلك، لكنه آثر أن يفصل مفهوم الهزيمة والانكسار عن معنى البسالة والبطولة الفردية التي تُمثل في حد ذاتها انتصاراً أقوى للجندية المصرية بكل المقاييس العسكرية والبطولية، فكل المجموعة القتالية التي كانت مُحاصرة لم تتخل قيد أنمله عن مواقعها، وظلت تُقاتل بشجاعة حتى الاستشهاد، وهنا برز المعنى الوطني المُستهدف من الفيلم.
ولأن القتال والذود عن الوطن والأرض عقيدة راسخة لدى المخرج الراحل الكبير علي عبد الخالق، فقد كرر التجربة بشكل عكسي في آخر أفلامه الحربية «يوم الكرامة» للكاتب جمال الدين حسين، فالاشتباك هذه المرة جاء داخل الممر الملاحي لقناة السويس بين قوات البحرية المصرية والقوات الإسرائيلية خلال معارك الاستنزاف، التي سجلت فيها القوات المُسلحة المصرية أجمل صور الانتصار فثأرت لنفسها وشهدائها، وهذا ما عمد مخرج الفيلم إلى توثيقه سينمائياً لتبقى المعركة شاهد إثبات على الملحمة البحرية التاريخية المدروسة.

ومن علامات التميز الأولى عند المخرج الراحل، التي أنبأت بموهبته الإخراجية في وقت مُبكر عقب تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1966 فيلم «أنشودة الوداع» الذي حصل عنه على عدة جوائز دولية كانت كفيلة بلفت النظر لميلاد مُخرج مهم.

وفي تجربة تسجيلية أخرى فارقة في المستوى والمضمون، جاء الفيلم التسجيلي «السويس مدينتي» عنواناً دالاً بقوة على ارتباط صاحب السيرة والمسيرة بالقضايا الوطنية، فالسويس كانت واحدة من مدن المواجهة طوال فترات الحروب المُتتالية على مصر في 56 و67 و 73، لذا رأى عبد الخالق أنها جديرة بأن تكون عنواناً لفيلم تسجيلي يتضمن بعض ملامحها وملاحمها فاعتنى برصد واقعها التاريخي والاجتماعي من زوايا مُختلفة ومتنوعة، حسب سياق الأحداث التي جرت على أرضها والوقائع البطولية التي شهدتها فجعلت لها خصوصية إبداعية وفنية وثقافية في مجالات عديدة، لاسيما الأغنية على وجه التحديد، فالسمسمية على سبيل المثال هي أحد ألوان الغناء الفلكلوري الذي ارتبط بالمقاومة الشعبية، وصار من السمات الأساسية للمدينة وبقية مدن القناة على الشريط الساحلي.

وعلى مستوى الإبداع السينمائي وبقية الأفلام الطويلة ذات الطابع الاجتماعي، ناقش المخرج الراحل جُلّ القضايا الإنسانية بحيثيات درامية بالغة الأهمية والحساسية، ففي فيلم «العار» وهو الأشهر بين أعماله طرح فكرة الصراع العائلي بين أفراد الأسرة بعد وفاة الأب الوقور المُهاب المُخادع الذي عاش طوال حياته بوجهين، وجه الرجل التقي الورع صاحب محل العطارة، ووجه تاجر المُخدرات الضالع في ترويج السموم والمُتعامل مع أرباب السجون وأصحاب السوابق، الأمر الذي وضع الأسرة كلها في مأزق اجتماعي شديد الحرج والخطورة، الأم والأبناء، وهو الدرس القاسي المُستفاد الذي استخلصه الكاتب محمود أبو زيد من التجربة الإبداعية الفنية الفريدة، وطرحه بمستويات إنسانية ونفسية مُتباينة ومُختلفة، وعمل المخرج على تعميق تأثيرها الدرامي بأدواته الفنية ونجح في ذلك إلى حد كبير.

واستمر التعاون بين علي عبد الخالق وأبو زيد في فيلم «الكيف» على الوتيرة نفسها مع الأبطال يحيى الفخراني ومحمود عبد العزيز وجميل راتب، فالموضوع اتصل اتصالاً مُباشراً بعالم المُخدرات ومخاطره وصراعاته القاتلة، وأوجه التورط في الجريمة، مع التعريج النسبي على قضية فساد الذوق العام وانتشار الأغاني الهابطة كأنها الخطر المُعادل لخطر المُخدرات. وكذلك جاء التناول أيضاً في فيلم «جري الوحوش» مُرتبطاً بصراع المال والبنون وعجز الإنسان عن كبح شهواته ورغباته وعدم رضاه بما قسم الله له من نعم وعطايا، وقد تمت المُعالجة على خلفية دينية وأسلوب إيماني موضح للفكرة بالأدلة العقلية والإثباتات الدينية المُستندة إلى حُجج قوية، وهي طريقة اتبعها الكاتب محمود أبو زيد ليقدم من خلالها الحلول، بما لا يدع مجالاً للشك في القرائن والبراهين المُبينة لعدل الله وحكمته.

ومن علامات التميز الأولى عند المخرج الراحل، التي أنبأت بموهبته الإخراجية في وقت مُبكر عقب تخرجه في المعهد العالي للسينما عام 1966 فيلم «أنشودة الوداع» الذي حصل عنه على عدة جوائز دولية كانت كفيلة بلفت النظر لميلاد مُخرج مهم.

‏كاتب مصري

 

القدس العربي اللندنية في

08.09.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004