ملفات خاصة

 
 
 

مهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الـ 44..

أخطأت الإدارة ونجحت السينما

علا الشافعي

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

- الخلافات داخل الإدارة وتنازع السلطات ألقت بظلالها على الحالة العامة وأخذت كثيراً من بريقه

- حسين فهمي لم يستغل خبرته السابقة التي كان من المفترض أن تضاف للخبرات الشابة الموجودة

- الجانب المشرق تجسد في حضور جمهور من أجيال مختلفة وإقباله على مشاهدة العروض القادمة من بلدان مختلفة

- انضباط العروض وعدم تأخرها في مختلف قاعات العرض ووجود شخصية بحجم المخرج المجري "بيلا تار" أضاف للإيجابيات

سؤال يمر بخاطر كل من تابع الدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي التي اختتمت فعالياتها الثلاثاء الماضي: "ما هو الوصف الذي من الممكن أن نطلقه على هذه الدورة، خصوصاً، وأن البعض كان يملأه التفاؤل حول الدورة والطموح المرجو منها؟"، ولذلك هل نقول عنها دورة مخيبة للآمال أم أنها دورة خفوت روح المهرجان الأقدم والأعرق في البلدان العربية؟

في حقيقة الأمر الدورة الـ44 تستحق التوصيفين السابقين حيث إنها لم تأت على مستوى الطموح المأمول منها، ويبدو أن الخلافات داخل إدارة المهرجان وتنازع السلطات في أروقته ألقت بظلالها على الحالة العامة لمهرجان القاهرة السينمائي بل أخذت كثيراً من بريقه وروحه، وكأنه كتب على مهرجان القاهرة أن يعاني حسب تنوع الإدارة واختلاف مشكلاتها، وهو ما كنا نتوقع أن تراعيه الإدارة الحالية، خصوصاً وأن وجود النجم حسين فهمي الذي سبق ورأس المهرجان في فترة ماضية تجعله بالتأكيد يملك خبرة سابقة، كان من المفترض أن تضاف للخبرات الشابة الموجودة، ولكن يبدو أن هذا الأمر لم يحدث، وهو ما سبب ربكة كبيرة في بعض التفاصيل الخاصة بالمهرجان بدءاً من برمجة جدول العروض، أزمة "كارنيهات" الصحافة حيث يتم إيقاف الكارنيه الخاص بالصحفي الذي لم يحضر ثلاثة عروض قام بحجزها، وعليه أن يقوم بإعادة تفعيل الكارنية من جديد، وأزمة الفيلم المصري المتكررة كل عام، والإعلان عن تنظيم عرض خاص بملابس النجم القدير عمر الشريف، وهو الأمر الذي لم يحدث حتى نهاية المهرجان، وكذلك التصريح بقدوم النجم الأمريكي ريتشارد جير كضيف شرف للمهرجان، وهو أيضاً ما لم يتحقق على أرض الواقع.

تلك الأمور في ظني كانت تستوجب إصدار بيان صحفي من المهرجان بشأنها، -وليس بشأن أزمة مدير المركز الصحفي السابق محمد عبد الرحمن مع مدير المهرجان أمير رمسيس-، لأنه ببساطة لا يعيب المهرجان أنه لم يوفق في استضافة نجم أجنبي في ظل ميزانيته المحدودة التي نعلمها جميعاً، وأن هناك شروطاً تعجيزية ومبالغ مالية كبيرة يطلبها هؤلاء النجوم، ولا يقلل من حجم المهرجان أيضاً أن ورثة النجم عمر الشريف قد يكونوا بالغوا أيضا في طلباتهم، وهو ما أدى إلى إلغاء المعرض. كذلك التكريم أو الاحتفاء بالمخرج الفرنسي الراحل "جان لوك جودار" الذي يطلق عليه العديد من نقاد السينما في العالم أنه أحد "آلهة السينما" حيث تم عرض فيلم واحد له فقط، إضافة إلى معرض للمخرج الراحل العبقري الإيطالي "باولو بازوليني" الذي لم يحظ بالاهتمام والدعاية الكافية، وكان من الأجدر الاهتمام والعناية بهذه الأمور بدلاً من الحديث السخيف عن "غزوة السجادة الحمراء".

والمدهش أيضاً الدعوة التي وجهها النجم حسين فهمي لعدد من النقاد العرب من ضيوف المهرجان إضافة لبعض النقاد المصريين، وهو تقليد متبع في عدد من المهرجانات، وتوقع معظمهم أن رئيس المهرجان يرغب في الجلوس إليهم، ونقاشهم فيما شاهدوه من هنات وأخطاء، في محاولة لتصحيح الوضع، ولكن المفارقة أنه لم يأت أصلاً إلى اللقاء، وانصرف بعض الحضور كرد فعل على تغيبه عن اللقاء هو وكل مسؤولي المهرجان من الإدارة، ولم يتواجد سوى رئيس المركز الصحفي الزميل محمد فهمي الذي حاول أن يعتذر للجميع بشتى الطرق.

التفاصيل التي تسببت في الارتباك كثيرة في هذه الدورة، ولن نعددها جميعها، ولكن ذكرنا بعضاً منها في إطار الحرص على مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي من المفترض أن يخطو خطوات كبيرة إلى الأمام، وأن يتعلم القائمون عليه كيفية التعامل بروح الفريق لإنجاز المهرجان في أحسن صورة ممكنة ومشرفة، في ظل التحديات الضخمة التي يصادفها مهرجان القاهرة السينمائي في ظل وجود مهرجانات أخري في المنطقة ميزانياتها أضعاف أضعاف القاهرة، ولكن مهرجان القاهرة دون هذه المهرجانات يملك ما يميزه ليس الأقدمية فقط والصفة الدولية، ولكن روح الإصرار والمثابرة والرغبة في الاستمرارية ومقاومة الظروف مهما كانت، وهو الأمر الذى لم تدرك أهميته الإدارة الجديدة.

صور مشرقة رغم الارتباك

هل يعنى كل ما سبق أن الصورة قاتمة إلى هذه الدرجة؟.. الحقيقة لا، لأنه وكما نقول دائماً أن هناك أمل، وهو الأمر الذي ينعكس في مشاهد أخري منها وجود جمهور ينتمي لأجيال مختلفة إلى جانب نقاد وصناع السينما، وإقبالهم على مشاهدة العروض السينمائية التي تنتمي لإنتاجات من بلدان مختلفة، وهو ما يعكس رغبة حقيقية في المشاهدة والتأمل، وأن هناك جيل واع ومثقف سينمائيا وفنيا، وانضباط العروض وعدم تأخرها في مختلف قاعات العروض سواء المسرح الكبير أو الصغير أو النافورة أو سينما الهناجر، وجود شخصية بحجم المخرج المجري "بيلا تار" صاحب التجربة السينمائية شديدة الخصوصية التي نحمل كثير من الرؤي الفلسفية، وأيضا "ملتقى القاهرة السينمائي" الذي يقام ضمن فعاليات "أيام القاهرة لصناعة السينما" وهو التظاهرة التي تقام ضمن فعاليات القاهرة السينمائي، ويتم من خلالها دعم العديد من السيناريوهات والمشروعات تحت التنفيذ من دول عربية مختلفة في محاولة لدعم صناعة السينما المتعثرة عربياً التي تشهد تراجعاً على مستوى الكم والكيف، وأيضاً الجهد المبذول من جانب مبرمجي المهرجان في الحصول على عدد من الأفلام المهمة عرضت ضمن المسابقات المختلفة، كذلك وجود عدد من أسماء المخرجين العرب المخضرمين الذين يشاركون بأفلامهم سواء في المسابقة الدولية أو آفاق السينما العربية، ومنهم الجزائري مرزاق علواش صاحب فيلم "العايلة"، والتونسي رضا الباهي صاحب فيلم "جزيرة الغفران" والمغربي حسن بن جلون بفيلمه "جلال الدين".

أفلام لافتة

من الأفلام المهمة التي عرضت في الدورة الـ44 لمهرجان القاهرة السينمائي الفيلم البولندي الإيطالي "E O" للمخرج "سكوليموفسكى" ونتابع من خلال أحداثه الحمار "إيو "صاحب العينين الحزينتين الذي يقدم عروضاً مع واجدة من فرق السيرك، ونتيجة لضغط بعض الجماعات التي تطالب بعدم استغلال الحيوانات في تلك النوعية من العروض تقوم الفرقة بالتخلص من الحيوانات ونبدأ مع "إيو"، رحلة طويلة في عالم البشر غير الآمن على الإطلاق.

الفيلم ينتمي لأفلام الطريق ولكنها المرة الأولى التي نري فيها رحلة بعيون حمار طيب كان شديد التعلق بواحدة من مدربات السيرك، وخلال هذه الرحلة الفلسفية التأملية لأن ما فعله المخرج في هذه التجربة هو أمر يستحق التوقف عنده وتأمله عندما بني فرضيته الدرامية حول ماذا لو رأينا البشر من خلال عيون هذا الحيوان المستضعف ليس البشر فقط ولكن أيضا الحيوانات الأقوى والأكثر ضعفا.

الفيلم إيقاعه شديد التماسك مليء بالتحولات الدرامية والخطوط التي تتصاعد وتتداخل من خلال قصص مختلفة لبشر يراهم "أيوا" ولكنهم يظهرون كضيوف شرف ومن ذكاء المخرج استعانت بالنجمة الفرنسية "إيزابيل أوبير" التي شاهدنا قصتها بعيون "إيو" الذي واصل رحلته من دولة لأخري.. الفيلم بحق تجربة فريدة في السينما العالمية.

هناك أيضا فيلم "السباحتان" من إنتاج "نتفليكس" الذي تدور أحداثه حول قصة حقيقية لشقيقتين "سارة ويسرا مارديني" انطلقتا في رحلة هرب من بلدهما سوريا كان المفترض أن تسافرا عبر البر عن طريق تركيا، ولكن حظهما العثر جعلهما يلجأن لأحد من مهربي البشر عبر البحر وبما أنهما سباحتان في الأساس واحدة منهما شديدة التفوق وكان والدها يتولى تدريبها في سوريا وطالما لعبت باسم المنتخب السوري، وقبل أن يتعرض القارب المطاطي للغرق قررتا القفز في المياه وواصلتا الرحلة سباحة حتى وصلا لأحد الشواطئ الآمنة في جزيرة ليسبوس اليونانية ومنها واصلتا رحلة الهرب مع ابن عمهما حتى وصلتا إلى ألمانيا، وابتسم لهما الحظ عندما وجد مدربا ألمانيا قرر أن يتبنى تلك الموهبة. واحدة منهما أكملت الرحلة في السباحة وشاركت في أولمبياد ريو عام 2016 ضمن فري أطلق عليه فريق اللاجئين، والأخرى عملت في دعم اللاجئين على حدود الدول الأوربية التي تعاملهم بقسوة ورفض دخولهم لدرجة أنها صارت مهددة بالحبس.

الفيلم ملئ بالتفاصيل والكثير من المشاعر الإنسانية، ورغم بعض التطويل في إيقاع الفيلم إلا أن السيناريو المليء بالكثير من التفاصيل منها العلاقة المعقدة بين الشقيقتين، والصورة البصرية الثرية، وشريط الصوت المميز كل هذه العناصر منحت الفيلم حالة شعورية خاصة وقد لعبت الممثلتان اللبنانيتان، منال وناتالي عيسى، وهما شقيقتان في الواقع، دور الشقيقتين يسري وسارة مارديني في الفيلم الذي كتبته وأخرجته سالي الحسيني صاحبة فيلم "صديقي الشيطان "الذي سبق وعرض في مهرجان "صندانس" ، وشاركت بكتابة السيناريو فيه مع إينوا هولمز والكاتب جاك ثورن، وشارك في بطولة الفيلم أيضا كل من كندة علوش، وعلى سليمان وأحمد مالك.

ومن الأفلام شديدة التميز أيضا فيلم R M N”" المعروض في القسم الرسمي خارج المسابقة وهو فيلم المخرج الروماني "كريستيان مونجيو" المتميز صاحب الفلسفة الخاصة سواء في السرد البصري أو الدرامي وأيضا القدرة الهائلة في إدارة ممثليه، والإيقاع الذي ينبع دائما من دراما الفيلم وتركيبات الشخصيات وهو ما يضعنا دائما في حالة تأمل ويجعلنا نطرح الكثير من التساؤلات ويدور فيلمه حول البطل ماتياس الذي يترك عمله في ألمانيا قبل أيام قليلة من احتفالات الكريسماس، ويعود لفريته متعددة الأعراق في ترانسيلفانيا برومانيا ليهتم برعاية ابنه

الذي تركه مع والدته وكذلك والده العجوز. حياة ماتياس المليئة بالارتباك والتناقضات ومشاعره

تجاه الزوجة والحبيبة كل شيء يتغير عندما يأتي إلى البلدة عمال وافدون يعملون في المصنع الذي تعمل فيه حبيبته.. ينعتهم السكان بأبشع الصفات ويحاولون تهديدهم بشتى الطرق، وتشتعل الأوضاع في القرية الصغيرة لنشاهد العنصرية ليس فقط لهؤلاء الوافدين بل أيضا بين السكان بعضهم البعض.. الفيلم عن هذا العالم المرعب الذي صار أكثر تطرفاً وعنفاً وكرها.

وإضافة للأفلام السابقة هناك العديد من الأفلام التي عرضت في الدورة الـ44 تستحق التوقف عندها.. لأن حقيقية ما يبقي هو السينما ومتعة مشاهدة عوالم إنسانية مختلفة.

 

الأهرام اليومي في

25.11.2022

 
 
 
 
 

الخطة 75”.. التخلص من كبار السن بالموت الرحيم

محمد كمال

يظهر خلال متابعة الدراما اليابانية مدى احترامهم في المعاملات الإنسانية والإنحناء الدائم أمام المتحدث في حالات إلقاء التحية وأيضا الشكر ويظهر أيضا أنهم شعب مطيع بالفطرة بالتالي يبدو أن هذا الأمر انتقل إلى تعامل المواطنين العاديين مع الحكومة، ويبدو أيضا أن الحكومات اليابانية على مدار تعاقبها تدرك هذا جيدا وهو ما جعل المخرجة تشي هاياكاوا، تتحمس وتتولى كتابة السيناريو لقصة الكاتب جايسون جراي “Plan 75” أو “الخطة 75” لتقدم من خلالها أول تجربة لها في السينما الروائية الطويلة في فيلم يحمل نفس الاسم.

وحصل الفيلم على تنويه خاص من لجنة التحكيم خلال مهرجان كان، وهو التمثيل الرسمي لليابان خلال المنافسة على جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي، ويتواجد الفيلم ضمن قسم البانوراما الدولية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي ويعد ثاني أفضل الأفلام التي شهدتها الدورة 44 بعد البولندي “إيو”.

فكرة انصياع المواطنين اليابانيين للحكومات، كانت المحرك الأساسي للفيلم من خلال طرح خيالي درامي شديد الجمال لكن واقعيا شديد القسوة، وهو حث كل من تجاوز ال 75 من عمره بتوقيع اتفاق بينه وبين الحكومة للموت “القتل” الرحيم في مقابل الحصول على مبلغ يصل إلى 1000 دولار بالإضافة إلى تحمل الحكومة كل نفقات الجنازة سواء بالدفن أو الحرق، كل هذا من أجل المستقبل بسبب أن اليابان وفق الإحصائيات من أكثر دول العالم التي بها كبار السن لترشيد نفقات الدعم الحكومي لهم.

يبدأ الفيلم بصوت بيان من التليفزيون الياباني بأن الحكومة طرحت مشروع يسمى “الخطة 75” بأن من اجتاز عمر الـ 75 عليه أن يتقدم بطلب للحكومة لانهاء حياته عن طريق الموت “القتل” الرحيم والترويج للأمر بأنه من أجل مستقبل أفضل للدولة، ولأن الشعب الياباني يستمع لحكومته شهدت هذه الخطة إقبالا من كبار السن مع اختلاف الدوافع حيث أن هناك من نظر إلى مستقبل الأجيال القادمة، وهناك من اتجه ناحية الامتيازات المادية والدفن المجاني، وهناك من لديه أزمات إنسانية.

تبدأ المخرجة في التمهيد لهذه الخطة من خلال أمرين الأول الخاص بالطلبات التي تقدمت من قبل المسنين بالموافقة على الموت “القتل” الرحيم وإظهار نماذج عديدة مع اختلاف المبررات حول الإقدام على هذا الفعل، والأمر الثاني تقديم صورة كاملة لهذا المشروع التخيلي الذي ينفذ تحت إشراف الحكومة من خلال تشبيه بأنه شركة تشبه شركات القطاع الخاص الرأسمالية  لديها إدارة عليا وأخرى تنفيذية لكن الجزء الذي ركزت عليه المخرجة كان الخاص بخدمة العملاء التي تنقسم إلى جزئين الأول الخاص بمقابلة وإقناع العجائز على الموت “القتل” الرحيم وتقديم الإغراءات المادية لهم أما الجزء الثاني فهم الأشخاص الذين يأتي دورهم بعد الاتفاق وتوقيع العقود حيث يكون دورهم متباعة الحالات تليفونيا حتى يأتي موعدهم موتهم “قتلهم”.

وبعد التمهيد المميز الذي كان أشبه بـ”فرشة” ناجحة تلمم المخرجة الأوراق، وتبدأ بالتركيز على خمسة شخصيات مختلفين في المراحل العمرية والمستوى المعيشي لكن كلهم مرتبطين بشكل أساسي بالخطة 75، الأولى هي ميتشي 78 عام وهي إمرأة وحيدة تزوجت مرتين من قبل مستمرة في عملها كعاملة في أحد الفنادق بتفاني وإخلاص وحيوية لكن فجأة تقرر إدارة الفندق الإنصياع للحكومة وطرد كل من تجاوز ال 75، ولم يتوقف الأمر عند العمل فقط بل امتد إلى قرار آخر من صاحب المبنى السكني أيضا بإجبار كبار السن بترك الشقق الخاصة بهم لتأجيرها وأستبدالهم بأشخاص أصغر في المرحلة العمرية، وزاد الأمر سوء بعد أن فشلت ميتشي في إيجاد عمل آخر حتى جاء الموقف الحاسم حين توفيت صديقتها العجوز وهي تعيش بمفردها في منزلها ومن هنا جاء قرار ميتشي باللجوء إلى الخطة 75.

الشخصية الثانية المرتبطة بميتشي هي يوكو التي تبدأ مهمتها من خلال التواصل مع ميتشي تليفونيا بعد توقيع اتفاق الموت “القتل” الرحيم، ويوكو فتاة صغيرة في بداية العشرينيات في مقتبل حياتها العملية بوظيفة حكومية تبدو في الظاهر بسيطة لكن يوكو تكتشف أنها في بداية مشوارها العملي تصطدم بحالة إنسانية شديدة التعقيد ولهذا حدث التحول في شخصيتها ففي البداية علاقة العمل الرسمية كأي موظف خدمة عملاء يحفظ الكلمات ويرددها للعميل لكن بمرور الوقت يحدث التعاطف مع ميتشي وتبدأ يوكو في إعادة النظر حول هذا العمل وهذه الخطة.

ثم يأتي هيرومو أوكابي موظف خدمة العملاء الذي يقابل المسنين ويعرض عليهم مزايا الخطة يصطدم هو الآخر بأن عمه يكويو أحد الذين لديهم الرغبة في التقدم بتوقيع هذا الاتفاق رغم أن العلاقة بينهما منقطعة منذ 20 عاما لدرجة جعلت العم لا يحضر جنازة والد هيرومو، وتشهد هذه العلاقة أيضا جانب تصاعدي في التعاطف والجوانب الإنسانية رغم إبعاد هيرومو عن حالة عمه لأن الخطة تمنع التعامل بين الأقارب حتى الدرجة الثالثة.

والشخصية الخامسة كانت ماريا المرأة الفلبينية وهي عاملة مهاجرة لليابان تفشل في الحصول على تأمين علاجي لابنتها المريضة وتحاول الحصول على مساعدات من دور الخدمات الاجتماعية حتى تتمكن عن طريق سيدة مجتمع الالتحاق بوظيفة داخل الخطة 75، تبدأ مهمة ماريا بعد تنفيذ عملية الموت “القتل” الرحيم تقوم هي بتفريغ ملابس وحقائب المتوفيين مع زميلها العجوز الذي يعرض عليها في أحد المواقف الاحتفاظ بالأشياء التي تركها من توفوا داخل الخطة.

بعد العرض التمهيدي للخطة الحكومية وإفساح المجال أمام ظهور العديد من الشخصيات حول موقفهم من الخطة تقوم هاياكاوا بالتركيز خلال أحداث فيلمها على الشخصيات الخمس من خلال علاقتهم بأمرين الخطة وبأنفسهم حيث نجد أن كلا من يوكو وهيرومو هم المعادل العكسي لميتشي ويكويو من خلال أمرين أولا فارق المراحل العمرية حيث أن الثنائي الأول في مرحلة الشباب أما الثنائي الآخرين عجائز.

وثانيا الموقف من المشروع حيث نجد اختلاف هذا الموقف بالعكس أيضا في البداية الثنائي الشاب لديهم الحماس والرغبة في المشاركة لكن بمرور الوقت تبدأ التساؤلات في فرض نفسها عليهم بعد قيام هيرومو بإعادة حسابات علاقته بعمه، وتعاطف يوكو مع ميتشي من خلال مكالماتهما التليفونية لدرجة جعلت يوكو تقبل طلب ميتشي بمقابلتها شخصيا رغم أن قانون العمل داخل الخطة يمنع هذا.

أما الثنائي العجوز ميتشي ويكويو فأن موقفهما في البداية من الخطة لم يكن بقناعة كاملة، ميتشي فقدت وظيفتها وسكنها ولا تجد بدائل أما يكويو يشعر بالوحدة والاغتراب لأن لم يعد أحد يتواصل معه لكن بمرور الوقت يستسلم يكويو للخطة ولم يسير وراء مشاعره العائدة بعد أعوام تجاه ابن شقيقه عكس ميتشي التي كانت طوال الوقت مترددة متذبذبة في الأمر وظل هذا التردد حتى النهاية، أما الشخصية الخامسة ماريا فهي طوال الوقت تراقب في صمت كأنها تسأل نفسها ما الذي أقوم به؟ لكنها تظل صامتة لأنها بحاجة إلى العمل من أجل ابنتها المريضة.

رغم قسوة الخطة 75 لكنها ساهمت في وجود تواصل إنساني – يبدو أنه مفقود في اليابان – بين جيلين مختلفين سواء العم وابن شقيقه أو ميتشي ويوكو وأكدت المخرجة على تلك الفكرة في مشاهد النهاية عندما اجتمع الشخصيات الخمس في المكان المخصص للموت “القتل” الرحيم داخل مبنى الخطة 75 كأن الأجيال الجديدة تريد توصيل رسالة للحكومة صحيح أنكم أقدمتهم على هذه الخطة من أجل المستقبل لكن دائما هناك حلول أخرى غير إقناع البشر بإنهاء الحياة، لكن يبدو أن الآلة الرأسمالية في اليابان تسير بالإتجاه الحل الأسهل والتخلص من الذين لم يعد لديهم اقدرة العمل داخل دائرة الرأسمالية الاقتصادية دون النظر للمشاعر الإنسانية.

ارتكز الفيلم على مشروع خيالي لكنه يحمل فكرة شديدة العمق بها جوانب فلسفية سوداء بالفعل الإنسان لا يختار وقت قدومه للدنيا لكن من حقه تحديد نهايته لكن خارج إطار مشروع حكومي يحث ظاهريا ويجبر عمليا على ذلك لديا ميتشي اجتازت ال 75 لكن لديها قناعة بأنها قادرة على العمل ومواصلة الحياة لكنها لم تجد أبسط حقوقها متواجدة وفي نفس الوقت تجد أن الحكومة تطالبها بإنهاء حياتها من أجل المستقبل.

 

موقع "عين على السينما" في

25.11.2022

 
 
 
 
 

مهرجان القاهرة السينمائي.. اهتمام عربي كبير

تغطية المهرجان:  إنجي ماجد -  محمد كمال -  أمل صبحى -  أحمد إبراهيم

تحمل كل دورة من مهرجان القاهرة العديد من الإيجابيات والسلبيات، والأمر هنا لا يخص "القاهرة السينمائي" وحده، بل كل مهرجانات العالم تشهد نفس الأمر، فرغم وجود العديد من العروض الجيدة والفعاليات السينمائية والندوات والتكريمات، التي تعد عناصر قوة للمهرجان، لكنه أيضا شهد العديد من الأمور السلبية، منها بعض الارتباك في التحضير وسوء التنظيم.. إليكم رأي نقاد السينما في الدورة 44 من عمر المهرجان.

في البداية يقول الناقد طارق الشناوي إن المهرجان على الرغم أنه يشهد إيجابيات عديدة، إلا أنه تضمن أيضا بعض السلبيات، أبرزها حفل الافتتاح الذي تأثر كثيرا بغياب النجوم العالميين، وأيضا غياب الفقرات الإبداعية، حيث من المعروف أن حفلات الافتتاح تزداد ثقلا كلما تواجد بها كبار النجوم، ورغم أن رئيس المهرجان أكد وجود مفاجأة في الافتتاح، إلا أن هذا لم يحدث، وربما يرجع ذلك لضعف ميزانية المهرجان، والرغبة في تقليل المصروفات، مستكملا حديثه بالقول: "توقع البعض أن يتم دعوة النجم الأمريكي ريتشارد جير مثلما حدث من قبل، إلا أن هذا لم يحدث، لذلك غاب عن الحفل ثقل النجوم وأيضا الفقرات الفنية، لكنني أؤيد فكرة الغاء الفقرة الاستعراضية في حفل الافتتاح، والتي كانت من أساسيات دورات المهرجان تحت رئاسة محمد حفظي، لأنها كانت مكلفة ولم تقدم جديد للمهرجان، لكن توقعات استبدالها بفقرات أخرى، مثل تكريم النجوم الراحلين، وهذا ما يعتبر سلبية في حق المهرجان، حيث كرم 3 فقط من النجوم الراحلين مؤخرا، وهم سمير صبري ومها أبو عوف وهشام سليم، وهم من الأصدقاء المقربين لحسين فهمي، لذلك يعتبر الأمر أشبه بمجاملة، لذلك أتمنى في الدورات المقبلة عند تكرار هذه التكريمات أن يتم مراعاة كل الراحلين".  

ويضيف الشناوي: "رغم سلبيات المهرجان، إلا أن هذا لا يمنع الاشادة بالمجهود المبذول من حسين فهمي وفريق عمله، الذي قدم دورة مشرفة، ويكفي أنه حقق إيجابية الاستمرارية في جودة تنظيم المهرجان مستكملا ما قدمه المنتج والسيناريست محمد حفظي في الدورات الأربع السابقة".

أفضل الدورات 

بينما يقول الناقد رامي المتولي، إن "القاهرة السينمائي" في دورته الـ44 برئاسة حسين فهمي، من أفضل الدورات على الإطلاق، حيث غابت العيوب التي ظهرت في الدورات السابقة، وظهر مجهود التحضيرات التي عمل عليها فريق المهرجان لشهور، وأبرزها التنظيم الرائع، وتنوع الضيوف، والاختيارات الجيدة للأفلام.. وأشاد المتولي أيضا بفكرة "الدريس كود" التي أطلقها حسين فهمي، رغم الخلاف الذي دار حولها، مؤكدا أن كل المهرجانات العالمية لديها إلتزامات خاصة بملابس الحضور، مصرحا أن هدف حسين فهمي كان أن تتركز الأضواء على المهرجان وليس ملابس النجوم، خاصة بعد دورات سابقة كنا نشاهد فيها نجوم يحضرون بملابس رياضية في الافتتاح والختام. 

ويضيف المتولي، أنه رغم مميزات المهرجان العديدة، لكن يعيبه توقيت الندوات والتكريمات، والذي جاء في منتصف النهار، وفي أصعب الأوقات حرارة، وهو ما أثار استياء المكرمين والصحفيين على السواء، لكنه اختتم كلامه بالقول: "السلبيات مهما زادت لن تقلل من قيمة المهرجان، ولا من المجهود المبذول في التحضير له، رغم تصاعد أزمات قبل وأثناء الدورة، وهم إقالة رئيس المركز الإعلامي الناقد محمد عبد الرحمن قبل ساعات من انطلاق الدورة، والثانية أزمة رفض رئيس المهرجان التصوير مع الإعلامية بوسي شلبي، وظهور هند عاكف بفستان غريب على السجادة الحمراء". 

إهتمام عربي 

الناقدة ماجدة خير الله، ترى أن الدورة 44 حظيت باهتمام عربي بشكل يليق بعراقة اسم "القاهرة السينمائي"، مضيفة: "تشرفت في هذه الدورة أن أكون واحدة من أعضاء لجان المشاهدة، خاصة في دورة ضمت فريق عمل متميز برئاسة الفنان حسين فهمي، حيث كانوا أشبه بخلية نحل.. وبالنسبة للأفلام، فأنه تم اختيارها بعناية فائقة، هذا بجانب التنظيم الرائع للفعاليات، والحضور المميز من الجمهور، خاصة الشباب، ومن الصحفيين، لذلك خرجت الدورة في أبهى صورة، ولم تكن الأزمات والسلبيات التي حدثت مؤثرة على الإطلاق على الشكل العام، فهي تحدث حتى في كبرى المهرجانات العالمية”.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

25.11.2022

 
 
 
 
 

"19 ب" أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة بجرأته الشاملة

حارس العمارة المتهاوية يحار بين صورتين متناقضتين لبلاده

هوفيك حبشيان

حارس فيللا آيلة إلى السقوط في أي لحظة هو بطل "19 ب"، الفيلم الأحدث للمخرج المصري أحمد عبد الله السيد، الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير. الممثل سيد رجب يجسد هذا الحارس الذي تشهد حياته فوضى يمكن وصفها بالخلاقة، عندما يقتحم شابان ملاذه "الآمن" لتحويله مخرناً للمواد التي يتاجران بها. العجوز الهادئ كان اختار الإنسحاب من الحياة العامة وعدم الخروج من البيت المهجور الذي ما عاد أحد من مالكيه القدامى يسأل عنه. حياته باتت محصورة في أمور يومية بسيطة مثل إطعام الكلاب والقطط التي تحوم حوله، والاستماع إلى الموسيقى التي يتردد صداها في أرجاء المنزل المريب. وفي انتظار اللحظة التي ستغير كل شيء وتفجر القلوب المليانة، يتلقى صديقنا زيارات متفرقة من أناس يقطعون حبل أفكاره السارحة إلى بعيد: تأتي ابنته للإطمئنان إليه ويطل عليه صديقه حارس المبنى المجاور ومعه طعام للحيوانات. وهناك زيارات متكررة له من جهات رسمية تريد التأكد من أن الدعامتين اللتين تتكئ عليهما الفيللا المتداعية لا تشكّلان خطراً. 

هذه هي أجواء الفيلم الذي يصوّر خلال مشاهده الافتتاحية رتابة الحياة المتكررة داخل عمارة، تبدو لوهلة، كأنها تطوي زمناً أو تخفي سراً، لكن يكفي الخروج بضعة أمتار، كي نصبح في القاهرة تحت شمس زمننا الحالي، حيث حيّ مغبر غير جذاب، فنعي لمَ يمتنع الحارس عن الخروج من المكان الذي حبس فيه نفسه. فالتغيير الذي حدث من حوله، يرفضه بشكل قاطع. ذلك أنه يشعر بالغربة إزاءه ووسطه. وجوه جديدة حلت مكان الوجوه القديمة، وثمة واقع جديد لا يملك حياله أي سلطة. والفيلم يُظهر جيداً مسألة فقدان السيطرة هذا الذي كان هاجساً للعديد من الأفلام عبر التاريخ. الفقدان الذي إما يجعل الشخص في معظم الأحيان ينسحب إلى حيزه الضيق وإما ينكر وجود الجديد الذي يمحو القديم. الحارس يحمل كل هذه الأشياء في داخله من دون أن يتحول شخصية منفرة أو مسخاً. يجعلنا الفيلم نلمس إنسانيته التي يصعب لمسها من المشهد الأول.  

مساحة صغيرة

ضمن المساحات القليلة التي لا تتعدى الفيللا وباحتها الخارجية، تدور كل أحداث الفيلم الممتدة ساعة ونصف الساعة، ويعدّ هذا تحدياً لأي مخرج، لكن أحمد عبدالله السيد يعرف ماذا يريد، فيحول المكان إلى شيء أشبه بجزيرة، لكنها جزيرة تتفاعل مع محيطها. فثمة أخذ وردّ بين العالم الداخلي والعالم الخارجي، وكاميرا مدير التصوير مصطفى الكاشف (نال جائزة هنري بركات لأفضل مساهمة فنية) تأخذنا في أرجاء الفيللا، ولها دور كبير في إبراز جماليات المكان. ثم، هناك أيضاً هذا الإحساس المتواصل بأن الفيلم يتجاوز المكان، لا يخنقه بل يسمو به. للمكان كيانه الخاص و"قدسيته"، إنه شخصية في ذاتها، يساهم في بناء مصير الشخصيات، وهو صدى للحارس ولوجوده المتجمّد في الزمان والمكان.  

الفيللا التي توقف فيها الزمن، تفرض رمزية قوية، وهي في الحين نفسه استعارة، ويصعب عدم مقاربتها من هذه الزاوية: مصر القديمة الجميلة مقابل مصر الحالية المتهالكة. لكن المخرج يذهب إلى أبعد من هذا التبسيط لموضوع معقّد، ممّا يجعلنا نطمح إلى قراءة أعمق لفيلم أُنجز في زمن تعيش مصر أزمات تنعكس سلباً على الأصعدة كافة، وعلى السينما أيضاً. أي مصر ينبغي أن تصل إلى الجمهور، وأي مصر على السينمائيين توثيقها؟ هذا سؤال لا يمكن أن يغيب عن بال أي مخرج مصري، لديه ما يكفي من الحماسة لتصوير مثل هذا العمل الذي يروي الهامش المصري ويصل عبره إلى المتن. فالشعوب المهمة، في النهاية، هي تلك التي لا تخفي واقعها حتى عندما يتناقض ذلك مع المصلحة العامة، أو ما تعتبره الدولة مصلحة عامة.

وجه الممثل

وجه الممثل سيد رجب يقول الكثير، لا حاجة للكلمات عندما يتصدر الأسى الجبين. حتى صمته متحدث لبق. لِمَ فضّل البقاء في هذا المكان ليحصر نفسه داخل عالم لا يتطور بل يتصدع أكثر فأكثر يوماً بعد يوم؟ نسأل وما من جواب. لا يكفي أن نعلم أنّ زوجته رحلت. حتى معرفتنا بأنه يفتقر إلى سقف يؤويه في حال تركه الفيللا، لا تبرر مشاعر الامتلاك التي لديه. الشذرات التي تصلنا عن حياته ليست مسوغاً لأفعاله. لا بد أن هناك أسباباً، بعضها ظاهر وبعضها غامض. ومن هذا التداخل بينهما يتولد الفيلم وتتولد الشخصية ويتولد عندنا الكثير من الأسئلة التي تحض على التفكير.

أحمد عبد الله السيد يحوّل الشخصية الثانوية في الكثير من الأفلام، المصرية وغيرها، بطلاً لفيلمه، وهو ليس بالبطل المضاد، إذ أنه يعي في لحظة أنه لا يوجد في هذا المكان أحد يعتمد عليه سوى نفسه، وسيكون خيار الإعتماد على الذات (ومواجهة الشر بأيادٍ عارية)، بناءً على نصيحة جاره، صائباً. وهذا كله ينطوي في نهاية الجولة على رسالة سياسية مشفرة، مفادها أن بال المظلوم طويل، وطويل جداً، لكن لا بد أن يبلغ السيل الزبى في يوم من الأيام.

يأتي "19 ب" بفكرة معكوسة للصراع الطبقي. أكثر المشاهدين وعياً وإدراكاً، لا بد أن ينتبهوا إلى أننا أمام شخصية واحدة. نعم، كل الشخصيات في الفيلم واحدة. رغم أن الحكاية توحي بأننا أمام فيلم عن صراع بين قوي وضعيف أو بين مهيمِن ومهيمَن عليه، بين معتدٍ ومعتدى عليه، فسنكتشف تباعاً أن المعركة بين الضعفاء المنبوذين الذين لا حل لهم سوى الانتقام بعضهم من بعض. هذا الصراع العبثي، بين شخصيات ذات مصائر يتقاطع بعضها مع بعض، يستدرج الوحوش الخائفة والحائرة والقلقة التي تخرج من قمقمها. في واحد من أكثر المشاهد عنفاً، ينظر الحارس في عين الشاب بعدما طرحه أرضاً، وعندي اقتناع بأنه رأى فيه نفسه. يمكن العثور على ما يريد الفيلم قوله في تلك اللحظة: ما من حرب أشرس من الحرب التي بين الضعفاء المساكين الذين يتقاتلون على مرأى ومسمع من القوي الذي يشهد على الصراع وينأى بنفسه عنه. 

 

####

 

السباحة الأولمبية يسرى مارديني: كوكبنا يتسع للجميع

عام 2015، ساعدت السباحتان يسرى مارديني وشقيقتها في إنقاذ قارب لاجئين من الغرق كان متجهاً من سوريا إلى اليونان. تتحدث يسرى والمخرجة سالي الحسيني عن كيفية تحويل قصتهما إلى فيلم يعرض على "نتفليكس"، والعبر التي تأملان أن يستخلصها الناس

فارفاه شاه 

بلغت الاحتجاجات في سوريا ذروة العنف في 18 مارس (آذار) عام 2011، بعدما أطلقت قوات مسلحة النار على متظاهرين سلميين في مدينة درعا جنوب البلاد مودية بحياة ثلاثة أشخاص. أعلن هذا الشهر بداية حرب أهلية وحشية متعددة الأطراف أدت منذ ذلك الحين إلى تهجير أكثر من 13 مليون إنسان، كانت يسرى مارديني واحدة منهم.

عندما اندلعت الحرب في وطنها، كانت مارديني تبلغ من العمر 13 سنة وتقيم في العاصمة دمشق. قبل ذلك، كانت تعيش حياة طبيعية، تقضي وقتها مع عائلتها وتلهو مع أصدقائها على أسطح المنازل في المدينة. إلى جانب ذلك، كانت تتنافس في مسابقات السباحة. بعد أربع سنوات من اندلاع القتال، غادرت مارديني، ابنة 17 ربيعاً حينها، برفقة شقيقتها سارة إلى ألمانيا هرباً من العنف المستمر والعشوائي الذي عصف بوطنهما.

لما توقف محرك القارب المطاطي الذي كان يقلهما و16 لاجئاً آخر فجأة في عرض بحر إيجة، أدركت سارة أن القارب غير قادر على مواصلة الرحلة بسبب الحمولة الزائدة. غطست في المياه الباردة مع شقيقتها، وسبحتا بجانب القارب لمدة ثلاث ساعات ونصف إلى أن أوصلتاه إلى بر الأمان في جزيرة ليسبوس اليونانية.

لا يوثق فيلم "نتفليكس" المذهل ’السباحتان‘The Swimmers  - من تأليف جاك ثورن وإخراج سالي الحسيني - تلك الرحلة المشؤومة وحسب، بل الأحداث المذهلة التي تلتها أيضاً. فقد شاركت مارديني في التصفيات الأولمبية مرتين عامي 2016 و2020. وأصبحت أصغر سفيرة على الإطلاق لمفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة وهي في الـ19 من عمرها. يشكل الفيلم تصويراً معقداً وإنسانياً ومتزناً لرحلة الشقيقتين إلى بر الأمان، إضافة إلى الثورة السورية وواقع أزمة اللاجئين.

تحول القرار بمغادرة الوطن الوحيد الذي عرفته الفتاتان على الإطلاق إلى حقيقة بسيطة. تقول مارديني وهي تبلغ من العمر حالياً 24 سنة: "إما أن تخاطر بحياتك مرة لتعبر البحر، أو تبقى في سوريا وتخاطر بحياتك يومياً، لذا قررنا الرحيل... عشنا أربع أو خمس سنوات تحت وطأة الحرب، وكنا نحاول النجاة بأنفسنا فقط".

ومع ذلك، تدرك مارديني أن قصتها وكفاحها ليسا فريدين، وتقول: "كانت فعلاً رحلة صعبة وقد خاضها كثير من اللاجئين". اتخذ آلاف المسار ذاته من الساحل التركي إلى ليسبوس بحثاً عن الأمان. توفي الشهر الماضي 22 شخصاً، بينهم طفل يبلغ أربع سنوات، بعد غرق قاربهم في الرحلة نفسها. تضيف مارديني: "كنا محظوظين لأننا وصلنا على قيد الحياة".

كانت الواقعية عاملاً أساسياً في فيلم "السباحتان" الذي تلعب بطولته شقيقتان حقيقيتان هما الممثلتان الفرنسيتان اللبنانيتان نتالي ومنال عيسى في دوري يسرى وسارة. كذلك، شارك لاجئون حقيقيون في المشاهد التي تصور رحلة الشقيقتين من دمشق إلى ألمانيا. تقول المخرجة الحسيني: "الأصالة كانت مهمة حقاً بالنسبة إلي". حتى أصغر التفاصيل أخذت في الاعتبار، إذ استخدمت المخرجة قميصاً وربطة رأس مماثلين تماماً للذين ارتدتهما مارديني خلال الرحلة، كما أصرت أن تكون مشاهد الفيلم في سوريا باللغة العربية.

كان الهدف من تجسيد الشقيقتين عيسى شخصيتي الأختين مارديني هو جعل المشاهد يسترجع علاقات الأخوة الخاصة به، إذ تنقلان تعقيدات العلاقة الأخوية بشكل ممتاز. تقول الحسيني: "كانت تجربة عاطفية للغاية بالنسبة إليهما، لكن وجود علاقة إنسانية حقيقية تستقي منها قصتك كان حلماً بالنسبة إلي كمخرجة. شكلت المتطلبات الجسدية لدوريهما التحدي الأكبر لهما. جدير بالذكر أن الممثلتين لم تمارسا السباحة سابقاً، وقبل التصوير خضعتا لتدريب مكثف يتضمن السباحة يومياً لمدة شهرين".

تضيف المخرجة: "من البديهي أنهما لن تصلا إلى المعايير الأولمبية"، مبينة أنها استخدمت فريقاً من الممثلات البديلات لمشاهد السباحة الأولمبية، حتى أن مارديني نفسها كانت إحدى البديلات في الفيلم. وتتابع المخرجة: "أرادت مارديني تقديم مزيد لكن لم يكن ذلك بمقدورها لأنها كانت تتدرب تحضيراً لأولمبياد طوكيو".

شاركت الشقيقتان مارديني عن كثب في صناعة الفيلم من البداية حتى النهاية. بدأت عملية بناء النص مع قيام الشقيقتين برواية قصة حياتهما للحسيني وكاتب السيناريو جاك ثورن، ثم وثقتا بهما لنقلها بدقة وعناية. تقول مارديني: "عليك فقط الوثوق في الناس أحياناً، وهذا بالضبط ما فعلناه، لم نتدخل، ولم نقل لهما ’أوه، لا تكتبا القصة بتلك الطريقة، وعندما كنا نرى شيئاً لا يعجبنا، كنا نتحدث مع سالي فتوضح الأمر لنا‘".

تأمل مارديني والحسيني أن فيلم "السباحتان" لن ينشر الوعي بمحنة اللاجئين وحسب، بل سيضفي طابعاً إنسانياً على تجاربهم. تقول الحسيني: "من السهل أن تنخدع بالأرقام، إذ تسمع أرقاماً عن الناس واللاجئين طوال الوقت، ومن السهل أن تنسى أنهم بشر، وما تتقن السينما القيام به هو منح المشاهدين فرصة الإحساس بشعور شخص آخر، وبأن يخوضوا حرفياً الرحلة ذاتها".

اتخذ قرار إبداعي للغاية متعلق بعدسة الكاميرا المستخدمة في تصوير الفيلم، والسبب بحسب الحسيني هو "إخراج الفيلم قدر الإمكان من إطار الصور التي كنا نراها في الأخبار، فالهدف ليس التعاطف بل العاطفة، فقد اعتدنا أن نشعر بالتعاطف عندما نشاهد تلك الصور، لكن عندما تتعاطف مع شخص ما، فأنت مجرد مراقب تتابع شخصاً آخر، هناك مسافة بينكما، لكن مع العاطفة، التي آمل أن تصل من خلال الفيلم، فأنت تضع نفسك بالفعل مكان الشخص الآخر".

يمثل التفهم والثقافة جوهر فيلم ’السباحتان‘. توضح مارديني: "عندما يعاملك أحدهم بلطف من الممكن أن يتغير كل شيء... سأتذكر من عاملني بعطف لبقية حياتي. عموماً، نريد من الناس فعلاً أن يبدؤوا في مد يد العون للاجئين، وأن يدركوا أن هذا اللاجئ قد يكون أنت أو أنا أو أي شخص آخر. هكذا سنحدث فرقاً".

هذا التأثير مطلوب اليوم أكثر من أي وقت مضى، حيث تتصاعد المشاعر المعادية للاجئين والهجرة في بريطانيا عقب تقارير عن "معاملة لاإنسانية أو مهينة" في مركز مانستون للاجئين في منطقة كنت، وبعد تعليقات لوزيرة الداخلية سويلا بريفرمان تصف فيها اللاجئين الوافدين إلى المملكة المتحدة بأنهم "غزو"، الأمر الذي تجده الحسيني "مقززاً"، مضيفة: "نحتاج إلى نقاش معمق... من المخزي حقاً أن يصدر هذا الخطاب عن الحكومة. اللاجئون هم بشر مثلك ومثلي ببساطة... وأتساءل أين هي إنسانيتنا في هذا البلد".

تضيف مارديني أن "المملكة المتحدة شيدت على أكتاف اللاجئين ... هناك كثير من العائلات التي أتت إلى هنا وعملت ونجحت، وهذا وطنهم أيضاً. من المؤسف أن [بريفرمان] تتجاهل بشدة أن اللاجئين أناس عاديون. أنا لا أدعي أن كل اللاجئين جيدون ولكن هذا هو واقع الدنيا... هناك الجيدون وهناك السيئون، هناك من سينجحون وآخرون لا ينجحون، هذه هي الحياة... المملكة المتحدة بلد عظيم وبإمكانه استقبال كثير من اللاجئين ومساعدتهم في إعادة بناء حياتهم والاندماج، وأرى أن لديهم كثيراً ليقدموه إلى هذا المجتمع. أتمنى أن تلتقي سويلا بريفرمان مزيداً من اللاجئين لتتعرف عليهم، ولو قابلتها يوماً ما ربما سأغير وجهة نظرها".

يقدم فيلم "السباحتان" وجهات نظر مختلفة إزاء تصريحات بريفرمان. تقول الحسيني: "آمل أن تكون عقليات الناس أكثر انفتاحاً، وأن يدركوا عندما يسمعون خطاباً معيناً وجود جانب آخر للقصة، فالأمر ليس أسود وأبيض، هناك كثير من أطياف اللون الرمادي بينهما". وتلخص مارديني الموضوع بشكل جميل قائلة: "سيبكي المشاهدون كثيراً". ربما سيذكر الفيلم المشاهدين بأن أي شخص قد يصبح لاجئاً في أية لحظة. تتابع مارديني: "لم نختر أن نكون لاجئين، أصبحنا كذلك لأننا هربنا من الحرب والعنف، وحين غادرت، فكرت بعائلتي وأردتها أن تكون بأمان، وحينما سمحت لي أمي بالرحيل عبر البلدان والبحار، كانت تريد أن أكون أنا وأختي بخير وننشأ في بيئة سليمة".

عندما فرت مارديني من موطنها في دمشق فكرت في أولادها في المستقبل. تقول: "لا أريدهم أن يولدوا في بلد حيث لا أعلم إن كانوا سيعودون إلى المنزل أم لا، وأتمنى حقاً أن يفهم المشاهدون أن بإمكانهم تقديم العون فعلاً، وأن هذا الكوكب يتسع للجميع".

يعرض فيلم "السباحتان" على منصة "نتفليكس" حالياً.

© The Independent

 

الـ The Independent  في

26.11.2022

 
 
 
 
 

القاهرة السينمائى.. أفلام تنتصر للإنسانية.. وجوائز خارج التوقعات

بسنت حسن

الإنسانية كانت هي السمة الغالبة على إنتاجات العام من الأفلام السينمائية التي نجح المهرجان في الحصول عليها وبعضها قدم في المهرجان عرضه العالمي الأول أو العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
فعلى ما يبدو أن سنتي الوباء والأزمات الاقتصادية جعلتا السينما تحلق بألقها المعهود بعيدًا عن كل هذا التشظي.
فالإنسان أولًا والإنسانية هي بندول التوازن في هذا الكوكب.. وأسدل الستار مساء الثلاثاء الماضي على فعاليات الدورة الـ٤٤ لمهرجان القاهرة السينمائي وأعلنت جوائزه في حفل غير صاخب.. فختام المهرجانات هو دومًا المحصلة والحصاد لأيام وعروض المهرجان وفعالياته
.

والإعلان عن الجوائز هو الحدث الأهم الذي يعلو على أي شيء آخر.. أما الإبهار فقد امتد بالفعل على مدار ٩ أيام، الإبهار هو وظيفة السينما وعروضها أما حفل الختام فهو لإعلان الجوائز فقط.. ومنذ سنوات شهد المهرجان تطورًا وتحديدًا منذ دورة الراحل العظيم الناقد السينمائي الاستثنائي الكبير الأستاذ (سمير فريد) والذي دخل بالمهرجان لحقبة جديدة تواكب التطورات والمستجدات.. وبمرور الوقت شهدنا تيمات وتجارب سينمائية من بلدان حديثة العهد بالسينما مثل دول الخليج أو بلدان كانت إنتاجاتها ضئيلة مثل السودان ولبنان والتي كان لها نصيب الأسد من المشاركة في فعاليات الدورة الـ٤٤ بأربعة أفلام كانت هي التجربة الأولى والعمل الأول لأصحابها والعرض العالمي الأول لها في مهرجان القاهرة العريق.

وكان للبنان أيضًا حظر وفير من الجوائز.. فقد حصل العمل الأول للمخرج اللبناني (كارلوس شاهين) على الجائزة الأولى في مسابقة (آفاق السينما العربية) وهي جائزة مستحقة لمخرج خزنت ذاكرته الكثير من الصور والحكايات طوال سنوات عمره وصباه وغربته والشتات والحروب والتطاحن في بلده الجميل لبنان بين الفصائل المتناحرة وملوك الطوائف الذين قطعوا أوصال بلادهم لكنهم لم يستطيعوا إخماد بريقها ولا حب أهلها للحياة.
والسينما حياة كاملة متكاملة من خلالها نسجل حيواتنا وحيوات الأخرين ونجسد أحداثنا وأفراحهم وأتراحهم وتجاربنا.. وفي فيلم (أرض الوهم) يتعرض المخرج لإرهاصات الحرب الأهلية في بلاده التي بدأت منذ عام ١٩٥٨ وانقسام البلاد آنذاك بين تيارين أحدهما قومي عروبي بقيادة (وليد جمبلاط) والآخر ينظر للغرب ويرى فيه الحل وهو تيار (كميل شمعون) الذي طلب من الولايات المتحدة التدخل والدخول بقواتها إلى لبنان بسبب التوتر بين المسلمين والمسيحيين ونحمد الله أن التدخل الأمريكي لم يدم سوي ٣ أشهر فقط استقال بعدها الرئيس شمعون الذي عارضه آنذاك القوميون والاشتراكيون والشيوعيون
.

وكانت تلك الإرهاصات أيضًا تجسيدًا للحرب العربية الباردة وشهدت لبنان حربًا أهلية راح ضحيتها أكثر من ١٢٠ ألف لبناني ونزح من البلاد حوالي مليون مواطن! ووسط تلك الأجواء نسج (كارلوس شاهين) قصة حب لامرأة تنحدر من عائلة أرستقراطية استضافت فرنسيين لبلدتها فوقعت الفتاة في حب الفرنسي الذي سرعان ما ترك البلاد وهجر حبيبته عندما استشعر خطر الحرب القادمة في إشارة غير مباشرة لخذلان الغرب للبنان مهما ادعى عكس ذلك.. والحل ليس أيضًا في التوجه العروبي من وجهة نظري، بل في لم الشمل اللبناني بعيدًا عن الطائفية واتحاد الجميع من أجل مواجهة الظرف الاقتصادي العالمي الصعب الذي يعاني منه لبنان وكأنه استبدل الحرب الأهلية بالحروب المصرفية!

وفاز أيضًا العمل الأول للمخرج اللبناني (باسم بريش) وعنوانه (بركة العروس) بثلاث جوائز لم تكن متوقعة أو مستحقة من وجهة نظر البعض.

وحصل فيلم (السد) وهو فيلم سوداني أخرجه المخرج  اللبناني (علي شري) على جائزة أحسن ممثل ذهبت للممثل السوداني (ماهر الخير) وهو عمله الأول والجائزة جاءت مناصفة مع الممثل الفلسطيني (محمود بكري) عن الفيلم الفلسطيني الرائع (علم) وهو إنتاج فلسطين وتونس وفرنسا والسعودية وقطر، وحصد الفيلم جائزة الهرم الذهبي أي جائزة المهرجان الكبرى عن استحقاق وجدارة وكذلك جائزة الجمهور التي تحمل اسم (يوسف شريف رزق الله) وقدرها ١٥ ألف جنيه.

وحصل فيلم (بعيدًا عن النيل) للمصري شريف قشطة على جائزة أفضل فيلم غير روائي وهي جائزة مستحدثة في المهرجان منذ عامين، أما الفيلم المصري (١٩ ب) للمخرج المصري المتميز حاصد الجوائز دومًا (أحمد عبدالله السيد) فحصل على ٣ جوائز (جائزة أفضل فيلم عربي في المهرجان) وجائزة الفيبريسي وجائزة التصوير.

وخرج المخرج التونسي الكبير (رضا الباهي) العاشق لمصر والسينما المصرية وخصوصًا سينما الأبيض والأسود كما تحدث في الندوة التي أعقبت فيلمه البديع من ماراثون الجوائز وهو فيلم (جزيرة الغفران) الذي عرض في المسابقة الدولية للمهرجان ويرى كثيرون وأنا منهم أنه كان يستحق جائزة واحدة على الأقل.

فجائزة أفضل فيلم عربي كان يستحقها فيلم رضا الباهي أو إحدى جوائز مسابقة (آفاق السينما العربية) التي ذهب ٣ منها لفيلم (بركة العروس) ففيلم (جزيرة الغفران) فيلم ساحر وعذب حلق بنا بعيدًا عن التمييز والعنصرية وأعطى للوطن وحركة التحرر ضد الاستعمار قيمة تعلو فوق الصراعات الأخرى المجانية التي تريد جر البلاد للإرهاب والفتن الطائفية فالدين لله والوطن للجميع ولا إكراه في الدين، كما جاء على لسان أحد أبطال العمل الذي يعود بنا للوراء ولأزمنة غابرة عاشها وعايشها المخرج في صباه وصور فيلمه البديع في مدينة (جربة) الساحرة التي شهدت مدًا غربيًا وعاش على أرضها فرنسيون وطليان وظهرت فيها أديان متعددة فهي مدينة ساحلية كوزموبوليتانية منفتحة على الآخر وتقبل الآخر وترفض القولبة والتقزيم ففي التنوع ثراء وتعددية أما التوجه الأحادي وفكرة الدين الواحد فيها تقزيم للأوطان وهدم لمفهوم الوطن والمواطنة.

وبالطبع ذهب بعض جوائز المهرجان لأفلام أجنبية فحصل الفيلم البلجيكي الفرنسي (الحب بحسب دالفا) على جائزة الهرم الفضي وجائزة أحسن ممثلة والهرم البرونزي ذهب للفيلم البولندي (خبر وملح)، وحصلت المخرجة المصرية (كوثر يونس) على أفضل فيلم قصير عن فيلمها (صاحبتي) الذي عرض في فعاليات مهرجان فينسيا ٢٠٢٢، والفيلم الباكستاني (جويلاند) على جائزة في مسابقة أسبوع النقاد

وإلى جانب كل تلك الأعمال الفائزة والتي أغلبها كان يستحق الفوز عرضت الدورة الـ٤٤ من مهرجان القاهرة مجموعة أخرى متميزة من الأفلام سواء في قسم البانوراما الدولية أو القسم الرسمي خارج المسابقة وعلى رأسها فيلم (مقرب) والحاصل على السعفة الذهبية في مهرجان (كان) ٢٠٢٢ وهو فيلم فرنسي بلجيكي هولندي.

فالإنتاج المشترك سمة أصبحت غالبة على صناعة السينما منذ أعوام وتلك الظاهرة في تزايد مستمر ونلحظها عام بعد عام بسبب صناديق دعم الأفلام والمنح التي تقدم للأعمال من المهرجانات وغيرها.

فسوق الفيلم في العالم كله وسوق الفيلم العربي يشهد تطورًا سريعًا لاهثًا أتمنى أن يصب في النهاية لصالح السينما وقد أحبط جمهور المهرجان بسبب عرض الفيلم الفائز بالجائزة الكبرى لمهرجان كان لمرة واحدة فقط وفي ساعة مبكرة نسبيًا وكان العرض في قاعة المسرح الصغير وهي قاعة غير مؤهلة من وجهة نظري للعروض السينمائية، فالمسرح الصغير جعل خصيصًا لاستضافة حفلات موسيقى الحجرة في المقام الأول وحفلات موسيقية لعازفين وبعض الحفلات الغنائية، فقاعته الصغيرة لا تحتمل عددا كبيرا من المشاهدين بل لا تصلح للمشاهدة السينمائية على العكس من المسرح الكبير الذي يتسع لعدد كبير من المتابعين وصممت قاعاته وكراسيه المتدرجة بحيث يتمكن الجميع من رؤية شاشة العرض والترجمة لذلك حدث بعض الاحتكاكات والملاسنات بين الجمهور وأمن المسرح لعدم تمكن البعض من رؤية الفيلم على شاشة المسرح الصغير الذي أتمنى أن تقتصر في الأعوام المقبلة فعالياته على إقامة ندوات المهرجان فقط.

أما مسرح النافورة وهو المتنفس والرئة التي فتحت لدار الأوبرا ومن ثم مهرجان القاهرة في ظل جائحة كورونا، وهو مسرح كبير يتسع للآلاف ومجهز بشكل رائع ويصلح للمشاهدة السينمائية في الهواء الطلق الذي لم يؤثر نهائيًا على جودة الصوت وتقام فيه الندوات الكبرى أيضًا كندوة الراحل الكبير (وحيد حامد) وندوة المخرج البولندي العظيم (بيلا تار) فاكهة المهرجان وجائزته الحقيقية بخبرته الواسعة سينمائيًا وحياتيًا فقدم ماستر كلاس كان إضافة حقيقة لفعاليات المهرجان هذا العام واستحق وعن جدارة جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر وهو تكريم رفيع يمنحه المهرجان لمبدعيه الكبار من أصحاب الإنجاز والمشوار الطويل.

وسعدت بعودة المخرج الجزائري الكبير (مرزاق علواش) بفيلم اجتماعي خفيف الظل عنوانه (العايلة) فقد اشتقنا لإبداعات المخرج المخضرم صاحب الإنتاجات العديدة والأفلام الهامة منذ فيلمه الأول (عمر قتلته رجولته) وهو من انتاج السبعينيات مرورًا بأفلامه عن الإرهاب مثل فيلمه البديع (حومة باب الواد) وأخيرًا فيلمه الأخير.. فعودٌ أحمد لمخرج كبير من الجزائر له تاريخ سينمائي طويل، وكذلك الممثل والمخرج المغربي الفرنسي (رشدي زيم) الذي شارك بفيلم إنساني اجتماعي شديد العذوبة عنوانه (روابطنا) الذي كان يستحق حتمًا جائزة التمثيل وجائزة السيناريو إن تم عرضه ضمن أفلام المسابقة، لذلك ذهبت جائزة السيناريو للفيلم الياباني المشارك في المسابقة الدولية (رجل ما).

ومن الأفلام البديعة التي عرضت في القسم الرسمي خارج المسابقة  فيلم (حنين) من إنتاج إيطاليا وفرنسا والفيلم الروماني (RMN) للمخرج الاستثنائي (كريستيان مونجيو) والذي حصل على السعفة الذهبية في مهرجان كان عام ٢٠٠٧ عن فيلمه (٤ أشهر وثلاثة أسابيع ويومان) وحصل كذلك على جائزة أفضل مخرج  في مهرجان كان عام ٢٠١٦.

كذلك الفيلم الفرنسي ذو البعد الإنساني الملىء بالشجن (سانت أومير) والبلجيكي المفعم  بالمشاعر الإنسانية الإستثنائية (توري ولوكيتا) والذي جسد مأساة مهاجرة من إفريقيا لبلجيكا وقسوة الحياة والظروف عليها وارتباطها بطفل شديد الذكاء علمته الحياة الكثير وهو في سن صغيرة فقام بمهامٍ يعجز عنها الكبار وأقدم على مغامرات لانفاذ لوكيتا التي كانت تؤنس وحدته ويغنون سويًا.. فلوكيتا علمت (توري) الغناء وشكلا سويًا دويتو غنائي مرح ليربحوا منه بعض المال لتسديد ديونهم لسماسرة الهجرة غير الشرعية ولمساعدة أهاليهم في إفريقيا، وكان (توري) الصغير يرسم للوكيتا اللوحات لتبتهج وكانا يتعالجان بالفن والرفقة والاحتماء ببعضهما البعض بعد أن واجها معًا ذات الظروف المأساوية في بلادهم ثم هجرتهم غير الشرعية في قوارب الموت لأوروبا ودفعت (لوكيتا) حياتها ثمنًا لاستغلال الجميع لها جنسيًا وماديًا وإجبارها وتوري على بيع المخدرات ليبقى (توري) وحيدًا في نهاية المطاف في هذا العالم وهذا الوجود القاسي بعد قتل (لوكيتا) رفيقته الوحيدة في الحياة.

أما الفيلم الإنجليزي (الابن) فكان مفاجأة يستحق التوقف أمامها طويلًا لطرحه قضية وإشكالية اجتماعية تواجهها الكثير من الأسر الذي حدث فيها شرخ أثر سلبًا على نفسية أبنائها فليس الجميع على نفس الدرجة من الإحساس أو المقدرة على المواجهة والتحمل والثبات الانفعالي، فالابن في الفيلم ومن فرط حساسيته وألمه الداخلي الذي وجهه لنفسه حتى أقدم فعليًا على الانتحار.

تجربة تستحق حقاً التوقف عندها وسأخصص مقالات لاحقة لبعض تلك الأفلام الهامة وكل مهرجان وقاهرتنا قاهرة لعباد العتمة من الأصوليين.. محتضنةً لإبداعات المبدعين وأصحاب الألق.. ففي السينما حياة ومقاومة لكل الشرور والعنصرية والتمييز الذي يباعد ولا يقرب فتقربنا السينما بلغتها العالمية من بعضنا البعض لندرك أننا جميعًا أبناء الإنسانية بلا تفرقة أو تمييز أو تصنيف.

 

الدستور المصرية في

26.11.2022

 
 
 
 
 

«السباحتان» يسرى وسارة مارديني... قصة الأحلام العنيدة

فيلم يحاكي مآسي اللجوء وجمالية الإرادة

بيروت: فاطمة عبد الله

تبدأ الأحداث عام 2011 في إحدى ضواحي دمشق. نزل الناس إلى الشارع وعلت الهتافات. أرادوا أياماً بطعم الحرية. بينما الغليان يشتد، صوّب الأب طريق ابنتيه: «حددا الهدف وانطلقا. ارسما مساركما».

فيلم «السباحتان (The Swimmers)»، الذي عرض على «نتفليكس» وإنتاجها، ومن إخراج الويلزية من أصول مصرية سالي الحسيني يُخبر عن قصة الأحلام العنيدة، تلك التي لا تُقتل بطلقة ولا تختنق تحت الماء، ومعاناة لجوء السباحتين السوريتين يسرى وسارة مارديني في سردية ملهمة لا تعرف المستحيل.

ساعتان وربع الساعة من النجاة بالإنسان وطموحه وأهدافه الجميلة. ومن جمالية الإرادة وجدوى السعي. تأخذ الأختان اللبنانيتان نتالي (يسرى) ومنال (سارة) عيسى، الشخصيتين إلى ما يليق بحجم تضحية صاحبتَي السيرة في الواقع، ومن خلالهما تحاكيان عذابات اللاجئين جميعاً على الأرض. تقودان روح الفيلم إلى ما قبل الغرق بقليل، حيث الانتشال يمنح الفرص الثانية. اقتناصها جدير بمَن يكثف المحاولة.

لم يبقَ وطن بعد أربعة أعوام منذ التفجر في عام 2011، تحصد القذائف أرواحاً عزيزة وتفرق الشمل. الأسوأ هو العيش على وقع الضربة القاضية. تتبعثر الصداقات بمقتل أطرافها ويفرط العقد. يعاند الأب رغبة ابنتيه باللجوء إلى ألمانيا، وحين تسوء الأحوال ويصبح الموت على مسافة خطوة، يهز الرأس معلناً الموافقة.

ليس الأب لثلاث فتيات، منهن اثنتان سباحتان محترفتان، نموذجاً تقليدياً للأبوة (يؤدي الدور علي سليمان). أورثَ يسرى وسارة عشقه للسباحة وأراد لهما تحقيقَ فوزٍ حال دونه التحاقه بالخدمة العسكرية. تحوله إلى مدربهما، قدمه بصورة الأب المحرض على الحلم. ثلاثية الأب - الابنتين، يسيطر عليها نبل الروابط.

يسقي الأب ما غرسه في يسرى تحديداً، في حين تذهب سارة وراء شغف آخر. يسرى نسخته عن نفسه، ورغبته المُصادَرة بحصاد الميداليات. هي خفقانه في كل منافسة وشعوره تحت الماء. يحملها حلمه: الوصول إلى الأولمبياد، وطوال الفيلم تُعارِك، من أجله، الأمواج والتجاوزات والتعب.

مقتل صديقتهما يحملهما إلى حسم قرار الهجرة وتنفس الحياة خارج شروط الموت. الأوطان هي الجحيم حين تُجهز على سلام المرء وشعوره بالطمأنينة. وحين يغدو أبناؤها وحوشاً يفترسون النساء، ومزاجها أسود كمدينة بلا كهرباء. النجاة بأعجوبة، صدفة. والصدف ليست لطيفة طوال الوقت. تجهز يسرى وسارة الأمتعة وتغادران النار نحو «الجنة الأوروبية».

أجمل ما في الفيلم أنه ينبثق من الشقاء. تتعدل وِجهة الشابتين فتعبران من دون تخطيط مسارات أخرى للسفر. وهي الأقسى على الإطلاق: قوارب الموت! هنا الإنسان أمام ما لم يستعد له، لكنه يضطر لمواجهته. لا لأي سبب، إلا للبقاء على قيد الحياة. تكتشف سارة شغفها حين توضع في أزمة فتُجيد التصرف. يتعطل القارب وسط البحر، فتمزق استغاثة ركابه سكينة الفضاء. لأم وطفلتها، عائلة كاملة، شباب وشابات، يائسين وحالمين... في الخضم، بين غدرات الموج، في المصير المفتوح على الاحتمالات السيئة.

حجب التفاصيل حقُ متابع إن شاهد، لجرته المُشاهدة إلى صميمها. كل الدقائق ممتلئة بما لا يتيح الشرود ويُسرب الضجر. يقبض المهرب المبلغ ويُسلم «رؤوس» البشر للبحر. لا يأبه أن يعطف أو يقسو. يحشو جيبه ويدير ظهره. تتأتى الجمالية السينمائية في التقاط الحد الفاصل بين الحياة والموت. ورغم مرارتها، فإنها تتحلى بالروعة. تُكمل الشقيقتان بالسباحة الطريق إلى اليابسة. بعد لبنان وتركيا واليونان والحدود المجرية... تطل برلين من عمق المأساة.

يوم سارت الشقيقتان بجانب كلمات على الجدار تقول: «طائراتكم لا تستطيع أن تقتل أحلامنا»، كانت الحرب قد قتلت وشردت. لكن الحلم أزهر. ثمة ما يحبس الأنفاس ثم يُطلقها كما تُطلَق عصافير سجينة من أقفاصها. الوطن قد يكون ذريعة للاختناق، ومع ذلك لا يكف ناسه عن الالتصاق به وإغلاق القلوب عليه ليسكن عميقاً.

الفرصة الأولى التي أتيحت ليسرى مارديني في الأولمبياد، أرادتها سباحة من أجل سوريا. لم تُحملها فظاعة تلك الليلة حين هَم البحر على ابتلاع التائهين إلى الأماكن الآمنة. لم ترمِ عليها قسوة التعرض لمحاولة اغتصاب وثمن الخدوش النفسية. انتشلتها من العتب وأهدتها الإنجاز.

وهو تحقق عام 2016 في أولمبياد «ريو» بفوزها عن فئة اللاجئين أمام ملايين المشجعين. ترأف الأقدار بلقاء الأرواح الطيبة. على مسافة من مخيم اللجوء الألماني، تقدم يسرى نفسها لمدرب سباحة يمنحها الثقة. كأبيها، يقودها إلى ما لم يستطع تحقيقه. هو الآخر، يحملها أحلامه المُجهضة.

في أولمبياد البرازيل، تسبح أيضاً من أجله. ومن أجل العائدين إلى أوطانهم الكئيبة لأن الحياة ليست عادلة. حتى مراكب الموت لا تُتاح للجميع، ولا النجاة وقلْب الصفحة. أحياناً، لا يبقى سوى الخذلان.

لم تكن الأم كندة علوش كسائر الأمهات، تحلم بالفستان الأبيض لبناتها. والدة يسرى وسارة مارديني، أرادتهما سعيدتين في العلم والوظيفة. أنقذتهما مما هو عادي، لترفعهما، كما الأب، إلى حيث التصفيق الحار.

تعجز رصاصة عن خرق خيالات تطارد الحلم حتى البعيد. تصبح فوراً طلقة مرتدة. «على هذه الأرض ما يستحق الحياة»، يقول محمود درويش. إنها الأحلام.

 

الشرق الأوسط في

26.11.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004