ملفات خاصة

 
 
 

جوائز "عربية" ترضية لليتامى...

بمناسبة مهرجان القاهرة السينمائي

سعد القرش

القاهرة السينمائي الدولي

الدورة الرابعة والأربعون

   
 
 
 
 
 
 

لو أتيحت لي مشاهدة أي فيلم أسترالي، في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الرابع والأربعين (13ـ 22 تشرين الثاني/نوفمبر 2022)، لادّعيت الإحاطة بمختارات من أفضل الإنتاج السينمائي العالمي في القارات الست. بحذف يومي الافتتاح والختام، أُحصي 29 فيلماً طويلاً شاهدتها في ثمانية أيام. وجبة دسمة ومتنوعة، بدأتها بمشاهدة نسخة مرممة من فيلم "اللاهث"، باكورة أعمال جان لوك غودار عام 1960. وقبل فيلم الختام، شاهدت فيلم "الاختيار" ليوسف شاهين. نسخة مرممة تعيد الفيلم إلى نقاء نسخة عرضه الأول عام 1971. لم أنتبه إلى أن القاعة كاملة العدد إلا بعد مشهد النهاية، لانجذابي إلى الفيلم الذي أعرفه. شعور جديد أنساني عدد مرات مشاهدته.

أستبعد "اللاهث" و"الاختيار" من المنافسة. وأُبقي على ستة أفلام عربية شاهدتُها. نسبة تقلّ قليلاً عن ربع المشاهَـدات، والحصيلة الإجمالية للأفلام الستة مجتمعة تقل عن مستوى فيلم أجنبي كبير. هناك قضايا محلية جداً تلهم أثرياء الخيال الطليق بأعمال إنسانية: "آل فابلمان" لسبيلبرغ، ومن اليابان "الخطة 75" للمخرجة تشي هاياكاوا، و"شاطئ بعيد" للمخرج ماساكي كودو، ومن بلجيكا "الحب بحسب دالفا" للمخرجة إيمانويل نيكو، و"Close مُقرّب" للمخرج لوكا دون، ومن فرنسا "الابن" للمخرج زيلر، و"سانت أومير" للمخرجة أليس ديوب، ومن سلوفاكيا "ضحية" للمخرج ميشال بلانكو، ومن بولندا "EO إيو" للمخرج جيرزي سكوليموفسكي، ومن أيرلندا "The Banshees of Inisherin جنيات إنيشيرين" للمخرج مارتن ماكدوناه.

مقارنة ظالمة

مهرجاناتنا ذات الصفة الدولية كاشفة، تضع السينما العربية في مقارنة ظالمة. لا تصمد أفلامنا للتنافس. قبل سنوات جادلت مسؤولاً في مهرجان أبو ظبي السينمائي في جدوى تخصيص مسابقة للأفلام العربية. التخصيص حارة جانبية، هامش ضيق أسفل متن الكبار، ساحة أصغر من معايير الفيفا للملاعب، لكنها تلائم فاقدي اللياقة، محدودي الهمة والكفاءة، المتباهين بجوائز "عربية" نافسهم عليها زملاء دوري الدرجة الثانية. أحياناً يتنافس في "دوري المظاليم" ثلاثة أفلام أو أربعة، يخرج كل منها بجائزة. أما "دوري الأبطال" فمستوى آخر. وقد انتقلت عدوى التخصيص إلى مهرجانيْ القاهرة والجونة. مهرجاناتنا تثبت أننا خارج المنافسة، خارج التاريخ، خارج السينما، خارج العقلانية والحريات الشخصية والعامة.

المهرجانات السينمائية العربية تثبت أننا كدول عربية خارج المنافسة، خارج التاريخ، خارج السينما، خارج العقلانية والحريات الشخصية والعامة

صناعة الأفلام يلزمها، بالترتيب كما أتصور، الخيال والحرية والتمويل. يمكن تدبير التمويل من صناديق الدعم، ومن مؤسسات هنا وهناك، ومن تنازُل فريق العمل عن جانب من الأجور بإغراء الإسهام في أعمال نوعية. ويمكن تضليل الرقيب، والتحايل على غبائه بوسائل لا يبلغها وعيه المحدود، كما يفعل مخرجون إيرانيون يفضّلون الإتقان على البكاء، ويتعالون على إكراهات السلطة السياسية الدينية، وينافسون دولياً. لكن الخيال لا يأتي مصادفة أو احتيالاً. الروايات والأفلام، والإبداع الإنساني عموماً، أكبر وأبقى من أن يكون رسالة يغني عنها مقال أو بيان احتجاجي. من يتلقّـون الإبداع لا تشغلهم معاناة عالمنا العربي الموبوء بالاستبداد السياسي والديني والاجتماعي. يريدون فناً مرهوناً بجمالياته.

لا يمنع الأفلام، والإبداع الأدبي أيضاً، حمْل رسالة. لا عمل مجانياً على الإطلاق. الوسيلة أكثر أهمية من الرسالة، كيف يتم تناول الرسالة بعمق، من دون صراخ أو ثرثرة؟ ما أكثر التسطيح والصراخ والثرثرة في أفلام عربية ينتهي مفعولها، ثم يضنّ عليها المشاهدون بالحنين. ينطلق أحياناً صوت واعٍ وقوي، ويجد رواجاً فيبتذله آخرون، يلهثون بأصداء وراء الصوت.

عام 1975 أخرج علي بدرخان فيلم "الكرنك" عن رواية نجيب محفوظ. فيلم صادم، آنذاك، وصادق. أغضب الناصريين، وبصدقه يتحدى الزمن. وبعده توالت أفلام "الكرنكة"، إرضاءً لسلطة أنور السادات الراغب في الانتقام من كلّ ما يمثله جمال عبد الناصر. فهل اعتبر السينمائيون العرب بدرس "الكرنكة"؟

لا يتسع صدر قاعة مصرية لعرض فيلم "ريش"، وربما لم يحصل على تصريح بالعرض، على الرغم من جوائزه عام 2021 في مهرجانيْ كان والجونة

في المشهد العربي أستطيع إحصاء نسخ من "الكرنكة"؛ سلاسل من أفلام تنطلق من انتقاد آمن لشخصيات متوفاة، وأنظمة بائدة، وممارسات عنيفة تكاد تختفي: أفلام عراقية عن استبداد حزب البعث ودكتاتورية صدام حسين، أفلام جزائرية عن العشرية السوداء وضحايا الإرهاب باسم الدين، أفلام مغربية عن سنوات الرصاص وضحايا حكم الحسن الثاني، أفلام سورية محلية عن ضحايا التنظيمات الإرهابية، وأخرى يصنعها سوريون في المنافي عن الثورة المغدورة، أفلام مصرية عن ثورة 25 يناير 2011 لم يمهلها الوقت، إذ فاجأتها قوى مضادة للثورة بحفرة وانسدادات وتعميم الاكتئاب، ولا تسمح القبضة الحاكمة إلا بتمرير أعمال خالية الدسم، وأخرى توجيهية عنوانها مسلسل "الاختيار" العابر للمواسم.

السينما ليست مجرد حكايات

في بداية عملي الصحافي، عقب التخرج، دفعني الفضول إلى مقابلة اثنين من النجوم؛ الأول من أعمدة الدراما التلفزيونية. والثاني مسرحي شهير، يمثل ويخرج ثم أصابته حرفة التأليف. فاجأتني معرفتهما المحدودة بالسينما، أذكر فيلماً أو مخرجاً فيصمتان. كنا في عصر الفيديو، والجديد من الأفلام يتاح في مهرجان القاهرة السينمائي. قررت الاستغناء عن هذه المقابلات، لكي تظل الصورة الذهنية بلا خدوش. وفي عروض أفلام المهرجان لا ألمح معظم السينمائيين من كتاب السيناريو والمخرجين والممثلين. كان نور الشريف ومحمد خان الأكثر حرصاً. ذلك العزوف فسّر لي حالة التكرار والنمطية وضيق الآفاق والخيال الفقير. لو تمتعوا بحد أدنى من القلق لشاهدوا الأفلام، وأصابتهم الغيرة.

لا نعرف طائراً لا يطير. إرادة الطيران تُنبت الأجنحة. لا نجد شاعراً لا يقرأ الشعر، ولا روائياً زاهداً عن قراءة الروايات، وكذلك المسرحي. الدأب على متابعة ثمار المبدعين، في المجال نفسه على الأقل، أول دلائل التجويد، فضلاً عن تغذية المدارك بالثقافة العامة. هذا درس يعيه معظم السينمائيين الشبان، خصوصاً المخرجين والمؤلفين. جاءوا من دروب تعليمية مختلفة، ولديهم معرفة بتاريخ النوع، ووعي بأن السينما ليست مجرد حكايات، وثقة بالقدرة على صناعة أفلام تنافس في مهرجانات دولية. هم الصواب في التوقيت الخاطئ. يعملون في ظرف تتخلى فيه الدولة عن مسؤولياتها، في السينما وغيرها. ولمؤسسات التمويل الأجنبية شروط معلنة أو خفية. التحدي كبير.

أفلام الطموحين الشبان تجد طريقها إلى مهرجانات دولية تخلو من أقسام إقليمية لإرضاء مشاركين من دوري الدرجة الثانية. مجيدون لا يعوزهم الخيال، ويصطدمون بعقبات ما بعد الإنتاج. التحايل على غياب الحرية حتى إنجاز الفيلم لا يجدي مع محاولات عرضه. الحرمان يبلغ عقاب صناع الفيلم على حفاوة المهرجانات الدولية، ولا يطمحون إلى أكثر من العرض في مصر. لا يتسع صدر قاعة مصرية لعرض فيلم "ريش"، وربما لم يحصل على تصريح بالعرض، على الرغم من جوائزه عام 2021 في مهرجانيْ كان والجونة، وربما بسبب ذلك. وفي عام 2016 استبعد فيلم "آخر أيام المدينة" من مسابقة مهرجان القاهرة، وإلى الآن لا يسمحون بعرضه.

إعلان الحرب على الخيال يُبقي على أعمال يحلم أصحابها بإحدى جوائز يتامى قسم محلي، أو إقليمي. محاصصة لا تعترف بها سباقات المسافات الطويلة، تلك المسماة المسابقات الدولية.

 

موقع "رصيف 22" في

24.11.2022

 
 
 
 
 

مستقلة ومختلفة.. ثلاثة أفلام مصرية من "القاهرة السينمائي"

عصام زكريا

لم تزل السينما المستقلة في مصر تثبت أنها تغرد خارج سياق التيار التجاري السائد، وأنها صاحبة الوجه المشرف في المهرجانات الدولية، وقبل ذلك وبعده مفرخة السينمائيين الشباب جيلًا بعد جيل.

في الدورة المنقضية من مهرجان القاهرة السينمائي شاركت ثلاثة أفلام مصرية تنتمي لثلاثة أجيال مختلفة من صناع السينما المستقلة، وهي "19 ب" (الفائز بجائزة أفضل فيلم عربي، وأفضل تصوير) لأحمد عبد الله، و"ماما" لناجي إسماعيل، و"صاحبتي" لكوثر يونس (الفائز بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة الأفلام القصيرة)، أعمال لم تتباين فقط في نوعها؛ فالأول درامي والأخيران قصيران، بل في مستوى الجودة الفنية وإحكام كل مخرج لأدواته.

صراع عبثي

19 ب، فيلم أحمد السيد عبد الله الخامس كمخرج، بعد هليوبوليس (2010)، وميكروفون (2011)، وفرش وغطا (2013)، وديكور (2014)، وليل خارجي (2018)، إلى جانب مشاركته بنص قصير بعنوان شباك ضمن فيلم 18 يوم (2011) مع مخرجين آخرين.

عبد الله واحد من رواد ما يعرف بـ"السينما المستقلة في مصر" التي انطلقت مع نهاية القرن الماضي، بدأ كمونتير مع الرجل الأبيض المتوسط، إخراج شريف مندور وبطولة أحمد آدم في 2001، وفي عدد من أفلام التيار السائد وأخرى مستقلة، منها فيلم عين شمس، إخراج إبراهيم البطوط (2009).

كان ليل خارجي خطوة مختلفة في مسيرة عبد الله، فالسيناريو "المغاير" الذي تميزت به أعماله السابقة، بدا تقليديًا ومألوفًا فيه، كذلك لم يتبلور الخط الدرامي داخل الفيلم (الوثائقي في الروائي، من حيث حكايته التي تدور عن مخرج يصنع فيلمًا داخل الفيلم الأصلي)، أو ربما لم تكتمل لأسباب رقابية. مع ذلك حقق نجاحات كبيرة في المهرجانات العربية، بجانب جائزة لشريف الدسوقي كأفضل ممثل في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

19 ب، تجربة مختلفة بالمرة عن أعمال أحمد عبد الله السابقة، فالشارع الذي كان محورًا لكل أفلامه (باستثناء "ديكور" الذي يشكل فيه ديكور موقع التصوير حائطًا سحريًا تتحرك خلاله البطلة عبر حيوات مختلفة)، يكاد يقتصر هنا على أن يكون خلفية مسرح مرسومة، حيث تدور كل الأحداث داخل فيلا مهدمة ومهجورة في حي أرستقراطي، يرفض حارسها أن يغادرها، ويقاوم محاولات سايس وسجين سابق لاقتحام خلوته الغريبة.

العالم في 19 ب ضيق، مغلق، ومختنق، والشخصيات محدودة للغاية؛ الحارس، ويؤديه سيد رجب، السايس، ويؤديه أحمد خالد صالح، وبعض الشخصيات الثانوية التي تشاهد أو تحاول المشاركة، لكنها لا تلعب دورًا في الصراع الدائر بين الحارس وغريمه.

والدراما في الفيلم فقيرة، شحيحة، تكاد تنحصر في حدث واحد هو إصرار السايس على دخول الفيلا واستخدامها كمخزن لبضاعته المشبوهة، والنهاية التي يؤدي إليها الصراع فقيرة بالرغم من دمويتها، فرغم كونها متوقعة ومنطقية، لكنها،عندما تحدث أخيرًا، لا تثير حس المأساة الذي يفترض أن تثيره، إذ تعود الحياة ببساطة مخلة إلى ما كانت عليه قبل بدءه.

هناك ما يوحي أننا أمام بعض الرموز، لكنها رموز غامضة ومشوشة، إذ يتصارع الاثنان على مكان لا يملكه أي منهما، وحتى الأسرة المالكة للعقار الذي يفترض أن الحارس يكرس حياته لخدمتهم، يتبين أن كبيرهم مات، والصغار رحلوا عن البلاد، والعقار أصبح من دون صاحب تقريبًا، وهو ما يشكك المرء في سبب تمسك الحارس بالبقاء في الفيلا بتلك الاستماتة التي تكاد تودي بحياته، وتخربها معنويًا بالفعل.

هل الفيلا رمز لمصر؟ لكنها "خرابة" أكثر منها عقارًا صالحًا للسكنى، وهدمها أمر قادم لا محالة، وكل من الحارس والسايس لا يملكان منها شيئًا، ومن ثم فالصراع يبدو عبثيًا على شيء غير موجود.

الرمز هنا، إذا كان هناك رمز، باهت وغير متسق، والأحداث محدودة وذات بعد واحد، وكما علق البعض، ربما تكون مناسبة فقط لفيلم قصير. قد يكون التعبير عن الاحساس بالحصار والعبث هو ما يشغل بال أحمد عبد الله، ولكن غلبة الطابع الحواري واستخدام الأغاني التي يبثها الراديو على نحو مفرط، والشخصيات الثانوية مثل الابنة والجارة محبة الحيوانات الأليفة ومحامي ملاك العقار، تؤدي إلى ترهل الإيقاع، وتشوش على الجو العام بالترقب والخوف، الذي يبثه التصوير وأداء أحمد خالد صالح (وهما أفضل عناصر الفيلم).

واقع لا يصدق

ناجي إسماعيل مخرج ومؤلف فيلم ماما، ينتمي إلى جيل أصغر قليلًا، فقد تخرج في معهد السينما قبل ثورة يناير وبدأ صنع الأفلام بعدها، وعادة ما تميل أعماله إلى الجانب الواقعي، تجمع بين الوثائقي والروائي كما في فيلميه "أم أميرة" و"البنانوة"، الأول وثائقي يحمل بعض المعالم الروائية حول بائعة جوالة بوسط البلد، والثاني روائي يحمل بعض المعالم الوثائقية حول عمال البناء.

يؤكد ناجي إسماعيل في بداية ونهاية فيلمه أنه مستقى من أحداث حقيقية، بل يذكر في ختامه مصير الشخصيات الواقعية. ولعل ذلك التأكيد يراد به نفي تشابه الفكرة مع قصة بعنوان "الوصية" للأديب شريف عبد المجيد من مجموعته "صولو الخليفة"، التي حولّها لاحقًا إلى مسرحية من فصل واحد.

وبغض النظر عن التشابه، يطرح "ماما"، الذي شارك في مسابقة الفيلم القصير بالمهرجان، مسألة قوانين الميراث، خاصة ما يخص المرأة، من وجهة نظر مختلفة، إذ يروي كل من الفيلم والقصة المشار إليها والواقعة الحقيقية أن فتاة قاصر أخفت موت أمها عن العالم، بما في ذلك شقيقها الأصغر الذي ترعاه وتربيه، لمدة ثلاث سنوات إلى أن تصل إلى سنّ الحادي والعشرين، وذلك حتى ترث الشقة وتمنع عمها الطامع من الوصاية عليها والتحكم في حياتها، والمدهش أنها عاشت مع أخيها في الشقة بصحبة جثة أمهما طوال تلك المدة، وهي واقعة لا يكاد يصدقها عقل، رغم أنها حدثت في مصر، ومنذ ما يقرب من مئة عام.

الفيلم مصاغ فنيًا بشكل جيد، اختار صانعه الأبيض والأسود، وأكد نوع الحياة التي اختارتها الفتاة، أو اضطرت إلى اختيارها، عن طريق التباين الشديد بين اللقطات الضيقة داخل الشقة، واللقطات الواسعة لبحر وشاطئ وشوارع الأسكندرية، وإن كان يعيب الفيلم مباشرة الحوار وسطحيته، خاصة ما ينطق على لسان الصبي الذي لعب دور الأخ الأصغر، إضافة إلى عدم توجيهه بشكل كاف من قبل المخرج ومساعديه.

موهبة من نوع خاص

الفيلم المصري الثاني في مسابقة الفيلم القصير هو صاحبتي، الذي حاز لجنة التحكيم، للمخرجة الشابة كوثر يونس، التي بدأت مسيرتها الفنية بفيلم وثائقي ذاتي بعنوان "هدية من السماء" ترصد فيه قصة حب والدها (الدكتور مختار يونس، الأستاذ بأكاديمية الفنون) لفتاة إيطالية عندما كان شابًا، وعودتهما بعد أربعة قرون إلى إيطاليا للبحث عنها، ورغم بساطة الفيلم والأسلوب "المنزلي" الذي صنع به، فإنه لمس المشاهدين، وحقق نجاحًا جماهيريًا ملحوظًا بالنسبة لفيلم وثائقي عندما عرض في سينما زاوية.

في العام الماضي صنعت كوثر فيلمًا روائيًا قصيرًا بعنوان "يوكو وياسمينا" كمشروع تخرجها في معهد السينما، أبرز ما فيه أسلوب السرد والتمثيل الطبيعي، وإزاحة الثقل الدرامي والمشاعر من واجهة المشهد إلى الخلفية تاركًا للمشاهد استقراء ما يدور.

"صاحبتي" خطوة أكثر نضجًا على هذا الطريق، من خلال قصة سبق أن تناولتها السينما وصفحات الحوادث مرات عدّة، ولها سوابق في التراث العربي والعالمي، لشاب يتنكر في هيئة فتاة حتى يستطيع أن يزور حبيبته في بيت أسرتها ليقضي الليل معها، وما يبدو للوهلة الأولى أنه عمل كوميدي، يناقش هموم الشباب المحاصرين بتقاليد وتقييد المجتمع والعائلة، يتحول ببطء، وهدوء، وسلاسة مرعبة إلى عمل يتساءل بجرأة عن ماهية الجندر، والفروق بين النوعين الجنسيين، وهشاشة الحدود القائمة بينهما، كما لو أن تجاوز الشاب حدود البيت، نقله إلى عالم تتلاشى فيه الحدود بين الجنسين

في الوقت الذي تبدو فيه الفتاة قوية، مطمئنة، ومرحة، إذ تستضيف حبيبها داخل غرفة نومها على بعد خطوات من أمها وأبيها، وتبدأ في اللهو بالفتى المتنكر في هيئة فتاة، بينما الشاب الذي جاء غازيًا، واعدًا نفسه بلية انتصار مظفرة، يسجلها في لوحة انتصاراته الذكورية، يبدأ في التوتر من مداعبات الفتاة، ويضيق ذرعًا بهيئة المرأة التي أصبح عليها، بل الأسوأ، بالنسبة له، أن سلوك حبيبته، ثم والد حبيبته (الذي يبدأ في مغازلته والتحرش به باعتباره فتاة)، يبدو وكأنهما يثيران داخله منطقة غائمة، مكبوتة ومنكرة، منطقة ينهار فيها بنيان الرجولة الذي تصنعه العضلات والشارب والأعضاء الجنسية، فبمجرد أن يتغير مظهر تلك المعالم، تبدأ مشاعر الشاب في الاختلاف.

يبدأ الفيلم بالشاب في المصعد قبل أن يغادره ليتجه إلى شقة الفتاة، وينتهي به في المصعد هابطًا، محاصرًا، إذا يعلق فجأة بين "الأدوار" غير قادر على الخروج.

هذا فيلم ذكي، لكن الأهم أنه يعبر عن مضمونه بلغة سينمائية خالصة، ويؤكد موهبة صاحبته الخاصة جدًا. واقعية الحدث الدرامي والسلوك والحوار يعادلها حركة ولغة الكاميرا وتعبيرات الممثلين غير المنطوق بها، إذ يترك لعين المشاهد أن تقرأ ما يدور خلف الصورة وما بين السطور.

 

موقع "المنصة" في

24.11.2022

 
 
 
 
 

أوراق القاهرة السينمائي- (3)

ما الذي حدث لمرزاق علواش؟

أمير العمري– القاهرة

فيلم جديد من المخرج الجزائري الكبير مرزاق علواش، الذي كان فيلمه “عمر قتلاتو” (1976) تدشينا لتيار السينما الجزائرية الجديدة. ولكن علواش يبتعد هنا عن موضوعه للذي ظل يدور حوله بتنويعات مختلفة خلال العشرين عاما الأخيرة، موضوع التطرف الديني والإرهاب في ضوء ما شهدته الجزائر من أعمال عنف على يد التيار الإسلامي فيما عرف باسم “العشرية السوداء”.

أصابني فيلمه الجديد “العائلة” (يسميه هو على شريط الفيلم نفسه العايلة) الذي عرض ضمن مسابقة آفاق السينما العربية بمهرجان القاهرة السينمائي الـ44، بنوع من الإحباط، فلم أكن أتوقع أن يكون على كل هذا النحو من السذاجة والتبسيط كما لو كان مجرد تمثيلية تليفزيونية ذات سالة أخلاقية مباشرة (الجريمة لا تفيد، ولك يوم ياظالم!!)، فهو يناقش موضوعا يتعلق بالعائلة، ولا انفصال هنا بين موضوع الفيلم واسمه، بل هو يصور ما يحدث لعائلة محددة، عائلة وزير فاسد في الحكومة الجزائرية يقرر الفرار خارج البلاد بعد أن أجبر الحراك الوطني في الشارع الجزائري الذي انفجر عام 2019، النظام على اعتقال بعض رموز الفساد وتقديمهم للمحاكة، وبالتالي أصبح الوزير الذي نحن بصدده هنا، عرضة للاعتقال والمحاكمة.

إلى جانب الوزير الذي يبدو من أول لقطة في الفيلم كأرنب مذعور، هناك زوجته المزعجة المنفرة التي لا تكف لحظة واحدة عن الحديث كلما ظهرت في الفيلم، وتسيطر حالة الهستيريا الكلامية على الرجل والمرأة، فها يتراشقان بالكلمات، والفكرة هي أن ما جمعهما طوال تلك السنين كان فقط، الانتفاع والاستغلال المشترك والحصول على المزايا، لا العلاقة الزوجية.

الزوجة تهرع إلى بيع الممتلكات التي حصلت عليها الأسرة بالغش والرشوة الفساد، من قصور وفيلات وسيارات فارهة وتحف الفنية، لكنها لا تتمكن. ولديها في الفيلا التي تقيم فيها، حرس خاص من ثلاثة أشخاص يرأسه “خالد”. وهي تعامل أفراد الحراسة بتكبر وعنجهية واستعلاء شديد مبالغ فيه كما تتمسك بكلبها الذي تطلق عليه برنس، تمسكا مرضيا، فهي تحبه أكثر من ابنتها الشابة التي تبدو لنا منغمسة في الحراك الشعبي الذي يقوده الطلاب، ومن الواضح أنها لم تحسم تماما ميولها الجنسية، فهي تميل الى خالد الذي ربما كان يحبها أو يريد أن ينالها (لا نعرف!)، لكنها ترتبط أيضا بعلاقة حب مثلية مع فتاة زميلة لها في الجامعة، ومرزاق علواش يشير إلى تلك العلاقة من خلال تلامس الأقدام من تحت المائدة، ثم بعد ذلك عندما يصور انهيار الابنة بعد ان وصلها خبر موت صديقتها -ربما اصابتها رصاصة – لا يكشف الفيلم السبب،. والحقيقة أن العلاقة لا مبرر لها داخل سياق الفيلم بل تبدو منفصلة تماما عن الفيلم وربما أضيفت الى السيناريو لإرضاء الطرف الفرنسي في الانتاج!

ويكتفي مرزاق في فيلمه بلقطات عابرة من الأرشيف في بداية الفيلم لمظاهرات الشباب دون أن يعود إليها قط،، ولكن الابنة ستظل طويلا تفتح الطريق أمام خالد الى أن تغلقه تماما في نهاية الأمر بما نفهم نحن وفهم هو، أنها لا تجد نفسها مع الرجال.. أما الابن (الوحيد) للأسرة فنعرف أنه تم ارساله إلى لندن للدراسة، وأن والده قد دبر له الأمر بحيث يحصل على قسط من المال الذي تم تهريبه للخارج، إلى فرنسا بالطبع.

أما خالد فسوف يغير ولاءه من الاخلاص الشديد في خدمة الوزير وزوجته، إلى التآمر عليهما مع شاب كان الوزير قد تسبب في سجنه، يزوده بمسدس ويجعله يمثل دور السائق الذي سيقود السيارة عبر الحدود المغربية لتهريب الرجل وزوجته، وبالتالي يتيح للشاب الفرصة للانتقام بقتل الوزير، ولكنه سيفشل فشلا ذريعا وتكون النتيجة أن يُقتل هو برصاصة تنطلق في الاتجاه الخطأ!!

كل شيء في الفيلم مبالغ فيه: الشخصيات السطحية التي تتحرك على سطح الفيلم دون أن تعمق ودون حتى أن نفهم بالضبط طبيعة الفساد الذي تورط فيه هذا الرجل، والحبكة الهشة التي تقوم على افتراضات ساذجة تماما، مع غياب للدراما، وتصعيد الأحداث، فكل شيء يصبح متوقع الحدوث من الوهلة الأولى، كما يمتليء الفيلم بالحوارات العقيمة التي تنقل لنا الكثير من التفاصيل بطريقة مباشرة سخيفة، والكاريكاتورية الشديدة في رسم شخصية الوزير وزوجته وتكرار الفكرة باستمرار (مثل فكرة تمسك المرأة بكلبها وكيف أنها تظل تتخيل وجوده وعودته بعد أن يرسلوه بعيدا لكي تتاح لهما فرصة الهرب).. والهرب لا يتم عن طريق المطار بالرشوة كما يفعل معظم الفاسدين بل عن الطريق البري الوعر الى المغرب. لكن علواش يبدأ فيلمه ولا يعرف كيف ينهيه فهو ينتهي إلى لا شيء!

يغيب عن الفيلم رصد ملامح مجتمع الفساد ولو من بعيد، وتجاهل الصلة بين الأحداث السياسية وما يحدث للعائلة اكتفاء ببعض ما نسمعه عبر شريط الصوت، وتصوير أشياء مضحكة مثل كيف يغيظ الوزير زوجته فيخبرها بأنه ضاجع كل سكرتيرات الوزارة، وتكون النتيجة أن تصر هي وتظل تلح وتكرر على ضرورة أن يعطيها قائمة بأسمائهن (منتهى السذاجة والفراغ في تصوير الشخصية)!

وإذا كانت الشخصيات على هذا النحو من السطحية، فالأداء التمثيلي لكل من حميدة آيت بن حاج، وعبد الرحمن إيكاراواني، أداء كاريكاتوري مبالغ فيه بغرض الاضحاك لن لا أحد يضحك بل ينتظر المتفرج أن يعرف المزيج عن هؤلاء الأشخاص وعن المجتمع الذي يرغبون الآن في مغادرته، دون أن يتحقق أي إشباع من تلك الحبكة الضعيفة.

ويخرج المتفرج وهو يضرب كفا بكف، كيف لمخرج كبير راسخ مثل مرزاق علواش، أن ينتهي إلى فيلم ركيك، ضعيف، مشتت، مبالغ كثيرا حتى في طوله الزمني، فكل هذه القصة كان يمكن أن تروى في أقل من نصف ساعة، وربما كان الفيلم سيصبح أفصل وأكثر تأثيرا، لكن الفن اختيار بالطبع، وهذا هو ما اختاره مرزاق علواش!  

 

موقع "عين على السينما" في

24.11.2022

 
 
 
 
 

{القاهرة السينمائي»... خاسرون ورابحون وأسئلة

القاهرة: محمد رُضا

في كل مرة تُعلن فيها جوائز مهرجان ما، تخيّم التوقعات ممتزجة بالأماني والشعور بأن الإحساس السابق (والمُعلن أحياناً) بأن المخرج أو المنتج لا يهمّه كثيراً إذا ما فاز فيلمه أو لم يفز. بالتالي، إذا كانت مسابقة ما مؤلفة من 20 فيلماً مثلاً، فإن الاحتمال أن يكون كل أصحاب هذه الأفلام يأملون وينشدون الأمر نفسه صرحوا بذلك أو لم يصرحوا. تسعة عشر منهم سيشعرون بالخسارة على موجات تأثير مختلفة حين يأتي ذكر الفيلم الفائز.

لا يهم أين يقع هذا المهرجان وحجمه وأهميّته، الوضع ذاته في كل مكان. لجنة التحكيم وحدها التي تملك تفاصيل دخول سراديب الاختيارات وما تردد فيها من نقاشات. لكن ما يتلو من نقاشات بين الحضور بعد إعلان النتائج يطرح التساؤلات التي لا أجوبة محددة لها. هل كان يستحق فعلاً؟ ماذا عن الفيلم الآخر؟ ألم يكن أفضل من الفيلم الرابح؟ هل تم منح هذا الفيلم جائزة لأن رئيس لجنة التحكيم من البلد ذاته؟ أو هل نالت هذه المخرجة جائزتها لأن رئيس لجنة التحكيم امرأة؟

نفس جديد

نتائج الدورة الـ44 من مهرجان القاهرة السينمائي أعلنت فوز الفيلم الفلسطيني «عَلَم» بالجائزة الأولى بعدما استعرضت الأفلام الأربعة عشر المشتركة في المسابقة. الفيلم، لفراس خوري، له وعليه. يتصدّره طرح الموضوع الفلسطيني من زاوية جديدة: طلاّب وطالبات مدرسة ثانوية في القدس المحتلة والروح الشبابية التي يعكسها هذا الموضوع نسبة لمجموعة شخصياته. من خلال ذلك، البحث عن هوية ذلك الجيل الذي وُلد وعاش في القدس وعايش المتحدرات الصعبة للقضية وفشلها بسبب التشعّبات السياسية الداخلية التي ساعدت في إذكاء التفرقة وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه غالباً. لكن الفيلم - أي فيلم - ليس ما يقوله ويطرحه بل كيف يقول وكيف يطرح و«عَلَم» فيه ثغرات فنية بعضها غير متوفر في أفلام المسابقة الأخرى مثل «قصّة الحطّاب» الفنلندي أو «جزيرة الغفران» التونسي.

بالطبع هو نَفَس جديد مغاير وبالطبع هو مؤيد للقضية ضد عسكرية الاحتلال ومناهج التعليم التي تريد تكريس الوضع القائم. وأكثر من ذلك، يستحق الجائزة من زاوية مهمّة واحدة هي تحفيز المخرج على تحقيق فيلم آخر والمنتج على توزيع الفيلم في الأسواق الخارجية.

في كلمة المخرجة اليابانية ناووي كواسي التي ترأست لجنة التحكيم مواقف من تلك التي تعيد كرة المنطق إلى الوراء.

جنون

كانت انتهت وزيرة الثقافة د. نيفين الكيلاني من إلقاء كلمة الختام التي حيّت بها المهرجان ورئيسه حسين فهمي وبيّنت أهميّته الكبيرة التي أولتها الوزارة وباقي الوزارات له وشاركت رئيسه الرغبة في استمرار تقدّم المهرجان صوب آفاق أعلى.

لكن المخرجة اليابانية تلت الوزيرة في كلمة باليابانية (مع ترجمة للعربية) أثنت فيها على الأفلام المشاركة ثم دلفت إلى نقطتين تعكسان تياراً عدائياً كل في موضوعه.

النقطة الأولى عندما انتقدت أن مسابقة مهرجان القاهرة للأفلام الطويلة اقتصرت على ثلاثة أفلام من إخراج نساء فقط. بذلك تريد القول إن الواجب أن تتقاسم مسابقات الدورات المقبلة أعداداً متكافئة من الأفلام التي يخرجها رجال ونساء.

هذا جنون مطبق لا يمكن أن يعني إلا المزيد من الربط العشوائي بين الفن والمجتمع. لا علاقة هنا بحقوق المرأة (وهي تتمتع في مصر كما في العديد من الدول العربية الأخرى) بحقوق أساسية لا غبار عليها، ولا علاقة هنا بالحسابات النسبية فتلك لا تؤدي إلا إلى المزيد من هوان الاعتبارات التي تُبنى عليها قرارات المهرجانات.

فقط لنتصوّر أن مهرجاناً ما نجح في جمع 20 فيلماً جيداً من بينها أربعة أفلام من إخراج نساء، هل عليه استبعاد حفنة من الأفلام التي أخرجها رجال لكي يختلق التوازن المنشود؟ ماذا لو كانت تلك الأفلام المستبعدة جيدة؟ ماذا لو أن الأفلام التي تم استبدال تلك المُلغاة بها أقل مستوى؟ منذ متى كان على السينما أن تنتمي إلى معسكرات سياسية؟

النقطة الثانية أنها ختمت بالدعوة للجمع بين جائزتي التمثيل بجائزة واحدة. تقصد ما قام به مهرجان برلين عنوة عن المهرجانات الأخرى، بتقديم جائزة واحدة للتمثيل تلغي الفرق الجنسي، فلا يعد هناك جائزة أفضل ممثل وجائزة أفضل ممثلة بل جائزة «يونيسكس».

لا منطق هنا أيضاً، بل الدفع صوب المزيد من الدمج الذي تدفع باتجاهه بعض الدول ومنصّاتها المختلفة في سبيل تعزيز المثلية وتكوين جنس ثالث.

جائزتان ومشكلتان

كالحال في أكثر من مجال آخر، هذا تدخل في شؤون وتقاليد اجتماعية سليمة بهدف تغييرها واستدعاء عناصر تكوينية باسم الحريّة الجنسية. كلام كثير يمكن أن يُقال في هذا الطرح لكن المشكلة تبقى أن المُلغى في هذا الصدد هو القيم الاجتماعية السليمة وضعف الجبهة الداخلية للحياة الثقافية والاجتماعية في شتّى حقولها.

إذ ذهبت الجائزة الأولى لفيلم «عَلَم» توجهت الجائزة الثانية (تحت اسم الهرم الفضي، جائزة لجنة التحكيم الخاصة، للمخرجة إيمانويل نيكو عن فيلمها (ذي الموضوع الجيد والتنفيذ المعتدل الحسنات) «الحب تبعاً لدالفا» والجائزة البرونزية لأفضل عمل أول أو ثاني نالها داميان كوكور عن «خبز وملح». ونال فيلم «رجل» للياباني لكاي إيشيكاوا جائزة نجيب محفوظ كأفضل سيناريو.

جائزتا التمثيل كانتا غير ملائمتين. صحيح أن الممثلة الشابة زلدا سامسون في «الحب تبعاً لدالفا» كانت جيّدة لكن كذلك كارمن مادونيا في «أشياء قيلت في الليلة الماضية» للويس د. فيليبس وجوانا دي فيرونا عن «طنين الأذن».

بالنسبة للجائزة الرجالية في هذا المجال تم تقسيمها إلى جائزتين ومشكلتين. الأولى ذهبت إلى الشاب محمود بكري عن دوره في «عَلَم» ومشكلته أنه دور صغير وأن هناك من بين الممثلين في الأفلام الأخرى من جاوزه قدرة وموهبة (رغم أنه قام بالدور المحدود على نحو جيّد) والثانية إلى السوداني ماهر الخير عن فيلم «السد».

هنا المشكلة أكبر لأن ماهر (رغم تجسيده الحالة التي قام بتمثيلها) لكن الكاميرا في معظم الحالات أبقته بعيداً عنها أو صوّرت يداه وقدميه، وهناك لقطة واحدة (كلوز أب) لوجهه وعينه تدمع. إنها قدرة إخراجية وأسلوب عمل اختاره المخرج علي شرّي وليس مقدرة أداء درامية للممثل.

أفلام غائبة

المسابقة الثانية في الأهمية هي لقسم «آفاق السينما العربية»، وهذه قادها المخرج اللبناني ميشيل كمّون ومنحها للمخرج اللبناني كارلوس شاهين عن فيلمه «أرض الوهم» Mother Valley. الثانية الخاصة وُجهت للمخرج (اللبناني أيضاً) بسام بريش عن فيلمه «بركة العروس» (عنوانه التسويقي River Bed).

جائزة ثالثة للفيلم غير الروائي ذهبت للمخرج المصري شريف القطشة عن «بعيداً عن النيل» (واحد من فيلمين غير روائيين فقط في هذه المسابقة).

وذكر خاص للمخرجة مينا ميدور عن فيلمها (الفرنسي) «حورية).

أبرز الأفلام الغائبة عن الجوائز الرئيسية «جزيرة الغفران» للتونسي رضا الباهي (في المسابقة الدولية) و«رحلة يوسف» للسوري جود سعيد (في «آفاق السينما العربية»).

ونال الفيلم المصري «19 ب» لأحمد عبد الله جائزة «أفضل فيلم عربي»، وهي جائزة غريبة كون الفيلم كان من بين عروض المسابقة الرسمية، ولم يكن كذلك في قسم «آفاق السينما العربية»، مما يجعل فوزه في قسم آخر مُستحدث أمراً مثيراً للغرابة.

الفيلم ذاته، وعن صواب، نال جائزة «الفيدرالية الدولي لنقاد الفيلم» المعروفة باسم «فيبريسي».

 

####

 

مفاجآت في جوائز النسخة الـ44 من «القاهرة السينمائي»

مصر ولبنان وفلسطين تحصد النصيب الأكبر

القاهرة: انتصار دردير

أسدل مهرجان القاهرة السينمائي الستار على دورته الـ44 مساء الثلاثاء في حفل اقتصر على إعلان الجوائز بحضور وزيرة الثقافة المصرية وعدد كبير من الفنانين المصريين والعرب، من بينهم، يسرا، وليلى علوي، ومصطفى فهمي، وجمال سليمان، ونيكول سابا، وإلهام شاهين، والمخرج خالد يوسف، ونيرمين الفقي، وفيدرا، ويسرا اللوزي، وأحمد مجدي، وشهد المسرح الكبير بدار الأوبرا زحاماً لافتاً.

وأكد الفنان حسين فهمي خلال كلمته بحفل الافتتاح أن «المهرجان استطاع على مدار تسعة أيام أن يقدم عروضاً وأفلاماً مختلفة للجمهور، وشهد ارتفاعاً في نسب حضور عروضه»، مشيراً إلى أنه «تناقش مع د. نيفين الكيلاني وزيرة الثقافة حول كيفية جعل المهرجان من أكبر ثلاثة مهرجانات في العالم»، فيما وجهت الوزيرة بدورها الشكر لفهمي، مؤكدة أنه نموذج للفنان الوطني الواعي الذي أدار الدورة باحترافية.

وشهدت هذه الدورة تميز كثير من أفلامها وانضباط فعالياتها، وفقاً للناقد اللبناني إلياس خلاط مدير مهرجان أيام بيروت السينمائية، قائلاً لـ«الشرق الأوسط»: «هذه الدورة شهدت انتقال الإدارة بشكل ناعم وسلس لم نشعر به، وشهدت تميزاً من ناحية الفعاليات والتنظيم، وتحسناً بإشكاليات لوجيستية، وبالنسبة لبرمجة الأفلام جاءت ممتازة على المستوى الدولي حيث وجدت أفضل الأفلام، غير أنه من المؤسف أن الأفلام العربية لم تكن بالمستوى الجيد، وأعني بها الأفلام ذات الإنتاج العربي الخالص، وهذا ما توقعه البعض بتأثير ما بعد مرحلة (كوفيد - 19) التي تأثرنا كثيراً بها، بينما الأفلام ذات الإنتاجات العربية المشتركة مع أوروبا جاءت متميزة».

وحازت السينما العربية على عدة جوائز، إذ توجت السينما اللبنانية بثلاث جوائز مهمة، وحصل فيلم «أرض الوهم» للمخرج كارلوس شاهين على جائزة أفضل فيلم عربي بمسابقة آفاق السينما العربية، فيما حصل فيلم «بركة العروس» للمخرج باسم بريش على تنويه خاص من لجنة تحكيم مسابقة آفاق السينما العربية، كما فاز بجائزة لجنة التحكيم الخاصة، وحصلت بطلته كارول عبود على جائزة أفضل أداء تمثيلي.

وقال المخرج باسم بريش في تصريحات لـ«الشرق الأوسط» إن الفيلم استغرق تجهيزه سبع سنوات حتى يرى النور، وحين يفوز بهذه الجوائز فهذا يمثل دفعة كبيرة لي، وقدم باسم فيلماً تدور أحداثه في أجواء نفسية بين امرأتين، الأم والابنة فقط، ويخلو من الحوار في كثير من مشاهده.

وعبّر الناقد اللبناني إلياس خلاط عن سعادته بالجوائز التي حصل عليها الفيلمان اللبنانيان، مؤكداً أنه فوجئ بها، لافتاً إلى أن «فيلم (أرض الوهم) لكارلوس شاهين هو فيلم رائع، وقد تم عمله بحرفية كبيرة، وهو إنتاج مشترك مع فرنسا، كما أن فيلم (بركة العروس) هو أول أفلام باسم بريش الذي يقدم فيلماً غير تقليدي جذبني كثيراً، مثلما تستحق كارول عبود جائزة أحسن ممثلة عن الفيلم نفسه».

ويضيف خلاط: «أعجبني فيلم (علم) وهو أول فيلم للمخرج وإنتاج عربي فلسطيني مشترك، غير أن هناك أفلاماً أخرى كنت أتوقع لها فوزاً مثل الفيلم السوداني (السد)، والفيلم التونسي الوثائقي (نرجعلك) عن يهود تونس يستحق أكثر من التنويه، لكن النتيجة عامة مقبولة نسبة للموجود، ولا شك أن الاختيارات في المسابقة الدولية كانت أصعب لتميز أفلامها، وأعتقد أن لجنة التحكيم تناقشت كثيراً للوصول لهذه النتيجة».

فيما رأى الناقد العراقي مهدي عباس أن خروج الفيلم السوري «رحلة يوسف» بلا جوائز يعد أحد المفاجآت السلبية، رغم أنه حظي بإجماع كثير من النقاد وصناع الأفلام الذين توقعوا فوزه بالجوائز، مؤكداً أن الأمر يخص لجنة التحكيم وليس المهرجان، فهو فيلم إنساني بعيد عن السياسة». على حد تعبيره.

وتوج فيلم «علم» للمخرج الفلسطيني فراس خوري، - إنتاج مشترك بين فرنسا وتونس وفلسطين والسعودية وقطر - بثلاث جوائز بالمسابقة الدولية، وهي جائزة الجمهور «يوسف شريف رزق الله»، وجائزة أحسن ممثل التي تقاسمها بطل الفيلم محمود بكري مع الممثل السوداني ماهر الخير عن فيلم «السد»، كما توج «علم» بجائزة الهرم الذهبي لأفضل فيلم، وفي الوقت الذي لم يتمكن فيه مخرجه فراس خوري من حضور المهرجان فقد أرسل رسالة مسجلة خلال الحفل عبر فيها عن فرحته بهذه الجوائز، مؤكداً أن الفيلم «هدية للشباب الفلسطيني المحافظ على هويته».

وقالت المنتجة المصرية شاهيناز العقاد لـ«الشرق الأوسط» إنها انحازت للفيلم منذ قراءته بعدما مس قلبها، مؤكدة أنه فيلم ملهم وجريء وأن الجوائز بمثابة تتويج رائع له».

وحازت السينما المصرية على خمس جوائز، فقد حصل فيلم «19 ب» للمخرج أحمد عبد الله، على جائزة تحكيم النقاد «فيبرسي»، وجائزة أفضل إسهام فني لمدير التصوير مصطفى الكاشف، وتوج بجائزة أفضل فيلم عربي بالمهرجان، وفاز الفيلم الوثائقي المصري الأميركي «بعيداً عن النيل» للمخرج شريف القطشة بجائزة أحسن فيلم غير روائي، وحصل فيلم «صاحبتي» للمخرجة كوثر يونس على جائزة لجنة التحكيم الخاصة، بمسابقة الأفلام القصيرة، وكان الفيلم قد عرض لأول مرة في مهرجان فينيسيا.

ومنحت لجنة تحكيم المسابقة الدولية برئاسة المخرجة اليابانية ناعومي كاواسي جائزة أحسن ممثلة لزليدا سمسون بطلة فيلم «الحب بحسب دلفا»، وهو إنتاج مشترك بين بلجيكا وفرنسا، وذهبت جائزة نجيب محفوظ لأحسن سيناريو للفيلم الياباني «رجل ما» للمخرج كي إشكياو، فيما حصل الفيلم البولندي «خبز وملح» للمخرج داميان كوكر على جائزة الهرم البرونزي.

فيما منحت لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» برئاسة المخرج اللبناني ميشال كمون تنويها خاصاً بالممثلة لينا خودري عن الفيلم الجزائري «حورية»، وللفيلم التونسي «نرجعلك» للمخرج ياسين الرديسي.

وشارك في الدورة الـ44 من المهرجان 108 أفلام تمثل 52 دولة، وشهدت تكريم كلاً من المخرج المجري بيلا تار والفنانة المصرية لبلبة بحصولهما على جائزة الهرم الذهبي لإنجاز العمر، والمخرجة كاملة أبو ذكري بحصولها على جائزة فاتن حمامة للتميز، بينما خلت الدورة من حضور نجوم السينما العالمية، وكان قد تردد حضور النجم ريتشارد غير، لكنه اعتذر في اللحظات الأخيرة بحسب تأكيدات الفنان حسين فهمي.

 

الشرق الأوسط في

24.11.2022

 
 
 
 
 

تقييمي لمهرجان القاهرة الدورة ٤٤

د. أمل الجمل

هل غياب النجوم يُحدد نجاح أي مهرجان سينمائي من عدمه؟

بالطبع حضور النجوم والنجمات أمر مهم، لأنه يدعم المهرجان ويجذب الأنظار ويصنع هالة ضوئية وإعلامية براقة من حوله، مثلما يُؤكد على أمر آخر له علاقة بمسئولية الفنان تجاه المشاريع الثقافية والوطنية في بلاده، خصوصاً إذا كان وطنه يمر بظروف صعبة ويخوض مرحلة إعادة البناء كما يحدث في مصر الآن، إذ يُصبح الحضور في مثل هذه الأوقات واجب وطني حتمي. فهل كان النجوم على قدر هذه المسئولية مع مهرجان القاهرة السينمائى الرابع والأربعين؟ وهل مَن غابوا عن مهرجان وطنهم سنراهم على سجادة مهرجان البحر الأحمر؟ إذا حدث ذلك فإن هذا يفتح ملفاً آخر عن براجماتية الفنان النجم.

مع ذلك، ورغم كل ما سبق، فإن غياب النجوم أو حضورهم ليس الفيصل أبداً. لأن مقياس نجاح أي مهرجان سينمائي في العالم يكمن في ثلاثية: البرمجة، والتنظيم، والجمهور. والأضلاع الثلاثة السابقة كانت موجودة بنسب جيدة جداً بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في دورته الرابعة والأربعين رغم ظروف عديدة، بينها تبديل الرئيس والمدير الفني بوقت غير كافي، وضعف الدعم المالي واللوجستي.

إشكاليات البرمجة

سأبدأ من البرمجة المتنوعة في القضايا والأفكار، بمعالجات تجمع بين خيوطها الدرامية قدراً من المأساوية والسخرية الكاشفة، البهجة والحزن، ومنها إشكاليات معاصرة كالحروب خاصة أوكرانيا، قضايا الاستغلال البشري بنماذج متباينة، الهجرة، ارتباك الهوية، الاحتلال وآثاره النفسية، الحب وارتباكاته، العلاقات بين الوالدين والأبناء وإشكالياتها المؤرقة، الوحدة، الصداقة وإحباطاتها، العنف بأشكال متجذرة في سن المراهقة وحتى عند البالغين، وهناك الكثير من الأفلام المعروضة بهذه الدورة يمكن تدريسها للطلاب، وتستحق الكتابة عنها لشهور قادمة.

كذلك، كشفت البرمجة عن اهتمام بالعديد من قضايا النساء من زوايا مختلفة، حتى وإن كانت بعيون الرجال من المخرجين. شخصياً لست مؤيدة لفكرة أن يكون هناك إلزام تجاه المهرجان بأن يختار عدد محدداً ـ أو أن يُخصص كوتا للمخرجات النساء - وأختلف مع ما أشارت إليه المخرجة اليابانية ورئيس لجنة التحكيم الدولية في ختام المهرجان. شخصياً أُفضل أن يظل المعيار الفني السينمائي هو الأساس والركيزة الأولى في الاختيار، وأنحاز جدا لما فعله مهرجان فينيسيا السينمائي قبل أربع سنوات حين قال منظموه للنساء: «إما السباحة أو الغرق». شخصياً، أرى أن هذا هو ما يُطور المرأة المبدعة، هذا ما يجعلها تدخل في تحدي ومنافسة مع زميلها الرجل المبدع، لا يجب أبداً أن تكون «الجندرية» هي معيار الاختيار الفني، حتى وإن لم يشارك أي عمل من توقيع المرأة بالمهرجان.

نقاشات للمبدع والناقد

نُضيف أمر آخر شديدة الأهمية للبرمجة وهو الندوات، موائد النقاش، والماستر كلاس التي نظمها القائمون على هذه الدورة، ومقدار التفاعل بين أطرافها وبين الجمهور وأغلبهم من المهتمين وشباب السينمائيين، والعاشقين للفن السابع، ومنها ماستر كلاس المخرج المجري الكبير بيلا تار، واليابانية المتفردة ناعومي كاواسي رغم قلة الحضور نسبياً، والمخرج والممثل الفرنسي ماتيو كازافتيتش، وأهمية المحاضرات الثلاثة أنها أضاءت أشياء على تجاربهم ومشوارهم الشخصي، لكنها أيضا كانت تمنح المستمع قدراً من الثقة والأمل بأن يسير وراء أحلامه مهما كانت مغايرة للسوق وموارد الدعم المالي.

كان هناك حوارات مهمة مع المكرمين المصريين، وأخرى من حول مشوار وتراث الراحلين السينمائي كما حدث مع جان لوك جودار. كذلك من بين الندوات السينمائية المهمة والمتخصصة والمفيدة للمبدع - كما هي بنفس المقدار للناقد - دليل صانعي الأفلام للمؤثرات البصرية. وندوات أخرى كانت تبدو في ظاهرها ترويجية للسينما السعودية، لكن يمكن أن تكون في جوهرها - لمن أراد - دليلاً مهما لتطوير المواهب، وسبل الدعم والتحفيز في أي دولة عربية، فتناقل الخبرات ومحاكاتها أمر بالغ الأهمية.

بناء جسور مع المهرجانات العريقة

على صعيد آخر أتاح منظمو المهرجان الفرصة لطرح العديد من الإشكاليات التي تؤرق المبدع، مثلما تؤرق المخرج السينمائي الشاب، أو حتى الطلاب الذين لازالوا يحلمون بالغد، ومنها حلقة نقاشية عن دورة حياة الفيلم «ما بعد الإصدار السينمائى. مثلما أجابت الحلقة النقاشية حول مهنة مبرمج المهرجان السينمائي عن كثير من هواجس المبدعين الشباب، والحقيقة في تقديري أنها كانت من أفضل الحلقات النقاشية هذا العام، لعدة أسباب: أولاً قدرة مديرتها المخرجة ماجي مورجان على إدارة النقاش باقتدار، ولأنها كانت تعبر عن حال المخرجين وتلتقط أي فرصة بحثاً عن إجابة لأي هاجس يؤرقهم، والأمر الثاني وراء نجاح هذه الحلقة النقاشية هو صدق المبرمجين الأربعة في أحاديثهم، وتلقائيتهم، ونصائحهم المخلصة للشباب، والميزة الإضافية أن المهرجان عبر استضافته لهؤلاء المبرمجين فإنه يُقيم جسوراً للتواصل بين السينما المصرية وبين أربعة من أهم المبرمجين لأشهر المهرجانات الدولية تورنتو، كان، وبرلين وأوسلو، ولعل هذا يفتح مزيداً من الآفاق أمام السينما المصرية في تلك المهرجانات العريقة.

التنظيم وسرعة الاستجابة

لاشك أن التنظيم كان جيداً، وإن لم يخلو من بعض الهنات. الحقيقة أن الشباب على شباك حجز التذاكر «تذكرتي» كانوا متعاونين، ورغم أنهم يعملون وفق «سيستم» وميكنة، لكنهم في كثير من الحالات كانوا أكثر إنسانية وتحلوا بالمرونة لحل بعض المشكلات الخاصة بنفاد تذاكر النقاد والصحفيين، كذلك فريق العمل بالمركز الصحفي تميز بالاستجابة الفورية وحل المشكلات بسرعة فائقة وأخص بالذكر محمد فهمي، وناريمان مطاوع، كذلك مدير المكتب الفني - والمدير الفني السابق للمهرجان - الناقد السينمائي أندرو محسن، والذي أجرينا معه حواراً خاصاً حول ملابسات كثير من الأمور بتلك الدورة يُنشر لاحقاً.

أما يخص الجمهور، وإن كان لا يوجد أرقام محددة حول التذاكر المباعة، لكني سأحكي من خلال من مشاهداتي والعروض التي حضرتها. كان هناك حضوراً جيداً للجمهور في كثير من العروض، خاصة الأفلام التي نالت سمعة دولية ونالت الجوائز، كذلك الأفلام العربية رغم تفاوت مستواها، والأفلام القصيرة التي نفذت جميع تذاكرها في ظاهرة لافتة، إذ كنت أقف في «قائمة الانتظار» حتى أتمكن من مشاهدتها بعد نفاذ التذاكر، وحول كثير من تفاصيل هذا النجاح أجرينا حواراً مع مديرة هذا القسم ماجي مورجان ننشره تباعاً.

التناقض بين نفاذ التذاكر والكراسي الشاغرة

كذلك، شهدت كثير من الماستر كلاس حضوراً قوياً للجمهور خصوصا مع بيلا تار، وعدد آخر من الندوات لم أتمكن من العثور على تذكرة لحضورها. مع ذلك هناك بعض العروض الفيلمية خصوصاً من العروض العربية قِيل أن التذاكر نفذت - كما في «السباحتان» من إنتاج نتفلكيس وإخراج سالي الحسيني، وفيلم «١٩ب» للمصري أحمد عبدالله السيد - لكن أثناء العرض اكتشفت أن كراسي البلكون تقريباً كانت شبه خاوية، وهذا يطرح تساؤلاً حول الأسباب، ولماذا لم تُفعل خاصية «قائمة الانتظار» معهما؟ كما أنه يبدو لي أن إدارة المهرجان لم تقم بفعل جديد لجذب مزيد من الجمهور، لأن هذا الجمهور هو ذاته ما تم التفاعل بينه وبين دورات سابقة، أين باقي طلاب المعاهد السينمائية في مصر، فقد شهد الماستر كلاس للمخرجة اليابانية ورئيس لجنة التحكيم ناعومي كاواسي - حضوراً ضعيفاً. لماذا؟

بمناسبة الحديث عن فيلم أحمد عبدالله، قادني الحظ لأجلس في مكان مرتفع عن الصالة، فأُصبت بصدمة، لأني كنت أشاهد صور الفيلم منعكسة على خشبة المسرح اللامعة، كما أن الإطار العلوي كان يقطع رأس الأبطال والشخصيات.. وهذا خطأ فادح من مصمم الديكور، لأنه انشغل بالجانب الجمالي دون التفكير في ظروف العرض الجيدة للأفلام، وبالطبع المنظمون يتحملون المسئولية، لأنه يجب عليهم في النهاية أن يراجعوا على كل تفصيلة. هذه مسئوليتهم.

افتتاح وختام يجنح إلى المحلية

لاشك أن حفلات الافتتاح والختام في عدد من دورات المهرجان تحت رئاسة السيناريست والمنتج محمد حفظي كانت عالمية بكل المقاييس، لاشك أيضاً أن رئيس المهرجان الفنان حسين فهمي، والمدير الفني المخرج أمير رمسيس كانا يُقدران التجارب السابقة وخبرات الآخرين، واعترفا بأنهما يبنيان علي جهود السابقين، وهذا أمر محمود منهما، لكن المفاجأة أن حفلي الافتتاح والختام كانا يميلان أكثر إلي المحلية. مثلاً؛ حفل الافتتاح منحه الطابع الدولي فقط تكريم بيلا تار، وغرق باقي الوقت في المحلية الشديدة، في الاحتفاء بسمير صبري وكاملة ولبلبلة… حتى فقرة الراحلين خلت من أي شخصية عالمية رغم أن هناك العديد من أبرز مبدعي السينما في العالم رحلوا وبينهم جان لوك جودار، والمثير للدهشة أن المهرجان نظم محاضرة عن تراثه السينمائي، فكيف يحدث هذا في مهرجان سينمائي دولي كان طوال ثمانية أيام يعرض أفلاماً من مختلف أنحاء العالم، ويشارك في نقاشاته وندوات نجوم وصناع أفلام من شتى بقاع الأرض؟؟.

أيضاً كلمات الفنان حسين فهمي عن السينما المصرية كانت قوية، وصادقة، وحقيقية، مع ذلك جاءت الصور المختارة واللقطات الفيلمية ضعيفة جدا لا تعبر عن قوة كلمته ولا عن أهمية وتاريخ السينما المصرية، وتم توظيف مقاطع شاهدناها عشرات المرات على اليوتيوب. كيف يحدث هذا؟

على العكس مما سبق جاء اختيار لقطات جيدة من فيلمي «على الممر»، و«يوميات نائب في الأرياف» في حفل الختام، لكنه ظل محلياً جداً أيضاً، من هنا يجب إعادة النظر في ذلك، خصوصا أننا مهرجان دولي، به نسبة حضور من الصحفيين والنقاد وصناع الأفلام الأجانب الذين يجب أن نخاطبهم، بنفس القدر الذي نخاطب فيه المصريين والعرب.

الإصدارات والترجمة للآخر

والكلمة الأخيرة عن غياب الإصدارات السينمائية، والاكتفاء بكتاب هزيل - مع كل الاحترام للأوراق المشاركة به - لكنه في النهاية غير كافي ولا يليق أبداً بشخصية في قيمة وقدر بازوليني، ولا يصح أن يصدر عن مهرجان في قيمة وعراقة مهرجان القاهرة السينمائي الدولي أبداً. يجب أن تتم إعادة النظر في الإصدارات، ويجب أن يتم التفكير في ترجمة الإصدار حتى يستطيع الضيوف الأجانب التعرف على تاريخنا السينمائي. إذا لم نترجم لهم لن يسعوا ولن يبحثوا، وسوف يقوموا بالترويج لمعلومات خاطئة مثلما فعلوا عندما رحلت مفيدة تلاتلي قائلين بأنها «أول مخرجة عربية»؟ فأين إذن المخرجات المصريات اللائي حملن السينما المصرية على أكتافهن وغامرن بأموالهن في العشرينيات من القرن العشرين. إن لم نترجم فصولاً من تاريخنا السينمائي سنكون شركاء في إهالة التراب على تاريخنا، وطمس هويتنا السينمائية في الوقت الذي يحاول فيه آخرون شراء تاريخ لهم، أو صناعة تاريخ من الوهم، فلماذا نضيع جوهرة حقيقية نمتلكها ونتميز فيها على شعوب المنطقة؟؟

 

موقع "مصراوي" في

24.11.2022

 
 
 
 
 

السينما اللبنانية تتألّق في «القاهرة»

أحمد الخطيب

القاهرةبعد تسعة أيام من العروض، اختتم «مهرجان القاهرة السينمائي الدولي» دورته الـ 44، لتتصدّر الأفلام العربيّة والمصرية منصات الجوائز، مع مُفاجآت كُبرى حملت الكثير من البهجة، إذ حصل الفيلم المصري «19ب» للمُخرِج أحمد عبدالله السيد، على جائزة أفضل فيلم عربي من قِبل لجنة التحكيم المكوّنة من الممثل المصري أحمد مجدي، والمبرمجة البولندية دوروتا ليخ، والممثلة اللبنانية نور، كما حصل «بِركة العروس» (إخراج اللبناني باسم بريش)، على تنويه خاص من لجنة التحكيم. يدور «19ب» حول حارس عقار (سيد رجب) مهجور ومُتداع، يعيش حياة مستقرّة داخل العقار إلى أن يأتي ناصر (أحمد خالد صالح) ليعمل في الشارع المُقابل، وحينها تتجسد مخاوف العجوز، يتعاطى معها المُخرِج بأسلوب هادئ، في مساحة غير معهودة في السينما المصرية. يقتصر الفيلم على أماكن محدودة، ما جعله مُعقّداً على مستوى التصوير الاشتباك مع الممثلين والواقع، ما يُحيلنا إلى الجائزة الثانية (جائزة هنري بركات لأحسن إسهام فني في «19ب») التي مُنِحَت لمصطفى الكاشف، ابن المُخرِج المصري العظيم رضوان الكاشف.

وأعلنت لجنة تحكيم المسابقة الدولية، بقيادة المخرجة اليابانية ناعومي كاواسي عن منح الجائزة الكُبرى في المهرجان (الهرم الذهبي) للفيلم الفلسطيني «عَلَم» (إخراج فراس خوري)، وهي إحدى أكبر المُفاجآت، لأن الفيلم ــ رغم جودته ـــ لا يُقدم جديداً عن القضية، بل يتعاطى معها بشكل مُباشر وفجّ، ويقع في فخ الخطابة المُبالغة، يُذكرنا بما قبل الموجة الفلسطينية الجديدة، حيث الاشتباك مع ثيمات مُعينة كان السمة الأساسية في صُنع المُنتجات الإبداعية عن القضية. وحصل الممثل الرئيس في الفيلم محمود البكري على جائزة أفضل ممثل مُناصفة مع المُمثل السوداني المُذهل ماهر الخير عن فيلمه «السّد» (إخراج اللبناني علي شرّي)، بالإضافة إلى حصول فيلم «علم» على جائزة الجمهور (جائزة يوسف شريف رزق الله)، ما يجعله من أكثر الأفلام تميزاً في المهرجان على مستوى الجوائز.

ومنحت لجنة التحكيم، إيمانويل نيكو، مخرجة فيلم «الحب بحسب دالفا» جائزة «الهرم الفضي» (جائزة لجنة التحكيم الخاصة لأفضل مخرجة)، بالإضافة إلى حصول الممثلة الرئيسية المميزة زيلدا سمسون على جائزة أفضل ممثلة ضمن المسابقة الدولية. وحصل الكاتب الياباني كوسوكي موكاي على «جائزة نجيب محفوظ لأفضل سيناريو» عن فيلم «رجُل ما» (إخراج كي إيشيكاوا). ومنحت لجنة تحكيم مُسابقة «آفاق السينما العربية» جائزة «أفضل فيلم ــ جائزة سعد الدين وهبة لأفضل فيلم عربي» لفيلم «أرض الوهم» للمُخرِج اللبناني كارلوس شاهين. يدور الفيلم عام 1958 في إحدى قُرى لبنان، حيث ليلى غارقة في حياتها الروتينية كأمّ. وفي وقت اندلاع الحرب الأهليّة، تُقابل شاباً فرنسياً وتقع في الحُب. يتعاطى الفيلم مع الواقع من منظور الأم، ويحاول التصدي للتابوهات الاجتماعية فيما يرصُد واقع المرأة المقهورة، وتأثير المُجتمع عليها كامرأة تخضع دائماً للرقابة من كُل فئات المُجتمع وتضطر للخنوع. كما منحت اللجنة، فيلم «بركة العروس» للمُخرِج اللبناني باسم بريش، جائزة لجنة التحكيم الخاصة. يحاول الفيلم التغلغل داخل المُجتمع اللبناني بطريقة أكثر بساطة وأكثر رقة، في مواقف يبدو بعضها كاريكاتورياً، ويرصُد من خلال سلمى، امرأة في منتصف العُمر، ماهية التخلي عن بعض الأشياء من أجل مكاسب أخرى رُبما تبدو لحظيّة. كذلك حصلت الممثلة اللبنانية كارول عبود على جائزة أحسن أداء تمثيلي داخل مسابقة «آفاق السينما العربية»، بالإضافة إلى حصول الفيلم على تنويه خاص من لجنة تحكيم أفضل فيلم عربي.

 

الأخبار اللبنانية في

24.11.2022

 
 
 
 
 

المخرجة هناء العمير: المشهد الثقافي السعودي واعد جداً

قالت إن جمعية السينما في المملكة تثري ذائقة صُناع الأفلام والجمهور

القاهرة: إنتصار دردير

أكدت المخرجة السعودية، هناء العمير أن «المشهد السينمائي السعودي واعد جداً. ووجهت الشكر لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي لاحتضانه فعالية «صعود السينما السعودية»، مشيرة إلى أنها «تتوقع حدوث نهضة كبيرة في كافة مجالات الثقافة والفنون خلال خمس سنوات». وقالت العمير في حوار مع «الشرق الأوسط» إن «رئاستها لأول جمعية سينمائية بالمملكة لن تشغلها عن عملها ككاتبة ومخرجة، حيث تجهز لفيلمها الطويل الأول المأخوذ عن رواية سعودية تتناول فترة العشرينات من القرن الماضي».

العمير، هي إحدى مخرجات جيل الوسط في السينما السعودية، وقد بدأت كناقدة، ثم اتجهت لكتابة السيناريو والإخراج من خلال ثلاثة أفلام قصيرة، كما حققت نجاحاً بمسلسل «وساوس» الذي يعد أول عمل سعودي تبثه شبكة «نتفليكس»، وتترأس جمعية السينما السعودية التي «تهدف لدعم صناع الأفلام وإثراء ذائقة الجمهور».

حول جمعية السينما السعودية ودورها في المرحلة الحالية، أوضحت العمير أنها «خطوة مهمة سعينا لها من خلال 23 مؤسساً من صناع الأفلام كأول جمعية أهلية للسينما، وقد نلت ثقة زملائي لأكون رئيستها، وقامت الجمعية بتنظيم الدورة الماضية لمهرجان أفلام السعودية، ونستعد حالياً للدورة الجديدة التي نهتم خلالها بإصدار كتب مترجمة وأخرى مؤلفة خصيصاً للمهرجان عن الفن السينمائي، كما نعمل على استكمال المكتبة والمقر، ونستعد لإصدار مجلة (كراسات السينما) بهدف إثراء المحتوى المعرفي والثقافي لصناع الأفلام والجمهور على السواء، ونسعى لتحسين مهارات العاملين بالصناعة، والعمل على نشر الفيلم السعودي، وهناك أكثر من مشروع سنعلن عنه قريباً».

بدأت هناء العمير علاقتها بالسينما عام 2006 من خلال الكتابات النقدية، فكتبت في صحف عديدة من بينها «الوطن» و«الشرق الأوسط»، ثم اتجهت لكتابة السيناريو وبعدها للإخراج... «درست الترجمة في بريطانيا وكان لديَّ شغف كبير بالسينما ومشاهدات مكثفة زادت تعلقي بها، وكتبت أول سيناريو للفيلم القصير (هدف) الذي فاز بالدورة الأولى لمهرجان أفلام السعودية، ضمن فئة سيناريو لم ينفذ، واكتشفت أني لو لم أقم بخطوة الإخراج، فإن النصوص التي أكتبها لن ترى النور، فكتبت سيناريو الفيلم الوثائقي (بعيداً عن الكلام) عام 2009 وكان أول أفلامي كمخرجة، وتناول لقاء فرقتين شعبيتين إحداهما أرجنتينية، وفرقة سعودية تعزف اللون السامري، وأردت توثيق هذا اللقاء، وكيف يتفاهمان بالموسيقى. عرض الفيلم في مهرجان أفلام الخليج، كما شارك في المسابقة الرسمية لمهرجان مسقط. ثم جاء فيلمي الروائي القصير الأول (شكوى) وفاز بجائزة أفضل فيلم في مهرجان أفلام السعودية 2015، ثم فيلمي القصير (أغنية البجعة) المقتبس عن مسرحية لتشيكوف».

أخرجت العمير أول مسلسل سعودي عرض عبر منصة «نتفليكس» هو «وساوس» من بطولة عبد المحسن النمر، وإلهام علي، وشيماء الفاضل، ودارت أحداثه في إطار من التشويق من خلال أسرة ثرية يتوفى عائلها وتتصاعد الشكوك حول أفرادها. وتقول عن العمل: «إلى جانب الإخراج فقد شاركت في كتابته أيضاً، وقد بدأنا التصوير ولم نكن نعلم أنه سيعرض على (نتفليكس)، لكن كان هناك تخوف من صعوبة تنفيذ الفكرة، وخضنا التجربة التي كانت مغامرة إنتاجية، وأحببت فكرة العمل الذي يجعل المتفرج يشاهد القصة من زوايا عديدة، وفي كل مرة يكتشف شيئاً مختلفاً، كانت تجربة مفيدة جداً، لكن في النهاية (نتفليكس) أحبت المسلسل وأخذته كعرض أصلي لها، ما أشعرنا بأن تعبنا لم يذهب سدى».

العمير أكدت أن «الذي يحدث في المملكة الآن يفوق الحلم، والمشهد الثقافي السعودي واعد جداً، ورغم أننا ما زلنا في مرحلة تأسيس لأشياء كثيرة، فإن هناك إرادة من جانب المملكة ودعماً نحصل عليه، وهناك جهود كبيرة تصب في هذا الاتجاه. وخلال الخمس سنوات المقبلة سنكون مقبلين على نهضة غير مسبوقة في كل ما يتعلق بالفنون والثقافة وسيكون للسينما نصيب كبير منها».

تستعد هناء العمير لأول أفلامها الطويلة. وتقول: «أعمل منذ فترة على أول أفلامي الطويلة (الرقص على حافة السيل) المقتبس عن رواية (غواصو الأحقاف) للأديبة السعودية أمل الفاران، وهي رواية ساحرة تتعرض لأواخر العشرينات بالمملكة، وتتناول عالم القبيلة وشكل الحياة في ذلك الوقت، وقد وجدت فيها الشيء الذي أبحث عنه، وتم تطوير السيناريو داخل معمل البحر الأحمر، ويشارك ضمن مشروعات المهرجان، وسوف يدخل حيز التنفيذ في 2023 وسنقدمه كإنتاج مشترك مع مصر، من خلال سها سمير والمنتح حسام علوان، ولدي فيلم آخر أعمل عليه.

 

الشرق الأوسط في

25.11.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004