ملفات خاصة

 
 
 

إعلان داود عبد السيد لاعتزاله يصدم السينمائيين المصريين

مخرج «الكيت كات» قال إنّه لن يتعامل مع التفضيلات الحالية للجمهور

القاهرة: انتصار دردير

داود عبدالسيد

ألف مبروك

   
 
 
 
 
 
 

صدم إعلان المخرج السينمائي المصري داود عبد السيد، اعتزال الإخراج، السينمائيين المصريين، وطالبه عدد كبير منهم بالتراجع عن قراره، فيما رأى آخرون أن عبد السيد اتخذ القرار الصحيح، في ظل المتغيرات الجديدة التي تشهدها صناعة السينما في مصر، وأن قراره جاء احتجاجاً على الأوضاع التي يرفضها.

وكتبت المخرجة هالة خليل على صفحتها بموقع «فيسبوك»: «الأستاذ يقرر الاعتزال لأنه غير راضٍ عن الأحوال، أنقذوا السينما الجميلة»، فيما كتب المنتج د. محمد العدل: «رغم حزني الشديد على قرارك، لكن لك كل الحق، قرار سليم يتفق والمعطيات الموجودة»، في الوقت الذي اعتبر سينمائيون شباب أن «اعتزال الأستاذ خسارة كبيرة لفن السينما».

وكان داود عبد السيد قد أعلن اعتزال الإخراج نهائياً، مرجعاً قراره إلى تغير ذائقة الجمهور، مؤكداً أنه لا يستطيع التعامل مع الجمهور الموجود حالياً الذي يبحث عن التسلية فقط، ولا يهتم بمناقشة قضايا قائلاً: «أفلام التسلية ممولة بشكل كبير وإنني أفضل أن يكون تمويل الفيلم من خلال تذكرة السينما، وانتقد المخرج الكبير عبر برنامج «المساء مع قصواء» عبر فضائية «سي بي سي» الإنتاجات السينمائية المصرية حالياً، مشيراً إلى أنها «صارت منقولة عن السينما الأميركية التي تقدم فناً تجارياً ولكن بشكل احترافي وحبكة أقوى مما تقدمها الأفلام المصرية»، على حد تعبيره.

ونفى عبد السيد المولود في عام 1946، تعاليه على الجمهور قائلاً: «كيف أتعالى على الجمهور الذي أستهدفه، بل أنا أحسب حسابه، وأستهدف الجمهور العام، لكن الفئات الأكثر ثقافة وتعلماً في سن الشباب هم الأكثر تجاوباً مع أفلامي، ولا أعمل حساب النقاد لأن وظيفتهم تحليل الأفلام».

وأبدى الدكتور وليد سيف، أستاذ النقد في أكاديمية الفنون، دهشته من قرار المخرج الكبير قائلاً لـ«الشرق الأوسط» إن «قرار اعتزال عبد السيد مرتبط بظروف إنتاجية بالدرجة الأولى لأن فترة ابتعاده عن السينما طالت أكثر مما ينبغي، والأمر لا يتعلق بالجمهور لأن مسألة تدهور ذوقه مطروحة في كل العصور، وحتى الأفلام التجارية موجودة طوال عمرها، لكن النسبة زادت في السنوات الأخيرة وأدت لانحسار الأفلام الفنية».

موضحاً أن دور «المبدع مقاومة هذه التغيرات، والعمل على استمالة جمهوره»، لافتاً إلى أن «داود عبد السيد، مخرج كبير، وصاحب بصمة لا تتكرر في السينما المصرية، واعتزاله خسارة لذا نتمنى أن يواصل مسيرته، لكن الأمر يتوقف على مدى رغبته في التراجع عن هذا القرار».

ويعد داود عبد السيد واحداً من مفكري السينما الكبار، إذ كتب أغلب أفلامه بنفسه متبنياً مفهوم سينما المؤلف، ما يجعله أكثر سيطرة على رؤيته الفنية، وتناول القضايا التي يتحمس لها، كما أنه لا يخضع لقواعد وشروط السوق، وقد استغرق تنفيذ فيلمه «رسائل البحر» عشر سنوات حتى ظهر للنور، وقدم داود 9 أفلام روائية طويلة فقط، عبر مسيرة بدأت في ثمانينات القرن الماضي، وهي أفلام: «الصعاليك» عام 1985، و«البحث عن سيد مرزوق» 1991، و«الكيت كات» 1991، و«أرض الأحلام» 1993، و«أرض الخوف» 2000، و«مواطن ومخبر وحرامي» 2001، و«رسائل البحر» 2010، و«قدرات غير عادية» 2014، وتعاون عبر هذه الأفلام مع ممثلين كبار من بينهم فاتن حمامة، وأحمد زكي، ومحمود عبد العزيز، وهند صبري، وصلاح عبد الله.

ومنذ فيلمه الأخير لم يخض داود أي تجارب سينمائية جديدة، فقد ظل مخلصاً للسينما ولم يقدم أعمالاً درامية للتلفزيون، فيما أخرج في بداية مسيرته الفنية ثلاثة أفلام وثائقية مهمة.

وكشف الناقد محمود عبد الشكور، مؤلف كتاب «داود عبد السيد... سيرة سينمائية» أن «عبد السيد لديه سيناريوهات جاهزة كان يستعد لها، وأن هناك فيلماً كان قد بدأ في إجراء معاينات لأماكن تصويره اسمه (رسايل حب)، الذي كتبه بنفسه، وحصل على دعم وزارة الثقافة عام 2012 واختار لبطولته منة شلبي، لكن المشروع تعثر».

وأضاف عبد الشكور في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن «عبد السيد يتمتع بقدرات غير عادية كمبدع، ويجب أن نستفيد بقدراته هو وغيره من كبار الفنانين لأن الإبداع ليس له عمر محدد، ولا بد أن تيسر له السبل لتقديم أعماله لأنها إضافة مهمة للسينما المصرية، قبل أن تكون إضافة لمخرجها، منوهاً إلى أن كل فيلم يخرجه يمثل مشقة كبيرة، ولا بد أن نلح على عودته لأن لديه فعلاً ما يقوله، وهناك كثيرون ينتظرون أعماله التي تمثل حدثاً ثقافياً»، مؤكداً أن «السينما سوف تخسر كثيراً باعتزاله».

 

الشرق الأوسط في

03.01.2022

 
 
 
 
 

من داخل العزل.. عبير صبري ترفض اعتزال داوود عبد السيد

كتبت- بهيرة فودة:

أعربت الفنانة عبير صبري عن حزنها الشديد لاعتزال المخرج داوود عبد السيد التمثيل.

ونشرت عبير صبري صورة لها من العزل الصحي بعد إصابتها بفيروس كورونا، عبر حسابها الرسمي بموقع "إنستجرام".

وعلقت عبير على الصورة: "أنا بقالي 10 أيام كورونا ولسه فاضل أعراض زي الكحة وضربات القلب والنهجان، بس حبيت أخرج من عزلتي عشان أسجل حزني ورفضي لاعتزال استاذ داوود عبد السيد المخرج والمفكر اللي كان واحد من أكبر أحلامي إني أشتغل معاه، واللي اعتزاله يدل على أننا مش عارفين قيمة الأجود فنيا وإنسانيا".

وأضافت: "حزينة كمان على البنت الصغيرة اللي انتحرت بعد تلفيق صور ليها.. أنا حقيقي زعلانة.. ربنا يصلح أحوالنا ويشفيني ويشفي كل مريض".

و أعلنت الفنانة عبير صبري، عبر حسابها الرسمي بموقع إنستجرام، إصابتها وزوجها المحامي أيمن البياع بفيروس كورونا، في أواخر ديسمبر الماضي، وكتبت: "كورونا إيجابي أنا وزوجي، الحمد لله، ربنا يشفينا ويعافينا ويشفي كل مريض، ادعولنا ربنا يشفينا".

 

موقع "مصراوي" في

05.01.2022

 
 
 
 
 

داود عبد السيد: الجمهور بات مختلفاً ولا تراجع عن قرار الاعتزال

قال لـ إنه قدّم ما أراد ولم يتوقف احتجاجاً

القاهرة: انتصار دردير

أكد المخرج السينمائي المصري داود عبد السيد، أنّ قرار اعتزاله الإخراج والعمل في مجال صناعة الأفلام ليس وليد اللحظة، بل اتخذه منذ فترة إلى أن استقر عليه بشكل نهائي، وليست لديه نية للتراجع عنه بأي حال من الأحوال، وأنه لو كان يعلم أنّ تصريحه باعتزال الفن سيثير كل هذه الضجة لما صرح به، واعتبر الأمر تحصيلاً حاصلاً، لأنّه لا يهوى الوجود الإعلامي المكثف الذي فوجئ به، نافياً أن يكون قراره احتجاجياً كما زعم البعض.

وقال داود في حواره مع «الشرق الأوسط»، إنّه لم يقصد أمراً شخصياً يخصه بهذا القرار، بل أراد التساؤل حول مصير الأجيال الجديدة من السينمائيين، وكيف ستعمل في ظروف غير مواتية، منوهاً إلى عدم وجود مشروع سينمائي في مصر.

وأشار إلى أنّه أدى رسالته عبر الأفلام التي قدمها، وأنّ الأسباب التي دفعته لإعلان اعتزاله طبيعية، ومن بينها تقدمه في العمر، وأنّه لم يعد كالسابق. فضلاً عن تغيّر الجمهور الذي بات مختلفاً، ولا يستطيع أن يقدم له العمل الذي ينال إعجابه بالشكل السينمائي الموجود حالياً.

ووصف عبد السيد ردود الفعل الكثيرة التي أحدثها خبر اعتزاله، ومطالبة السينمائيين والنقاد والجمهور له بالتراجع عن قراره بـ«المدهشة» قائلاً: «فوجئت بها وفخور بذلك للغاية، لا سيما أنّ الأمر لا يمسني بشكل شخصي، لأنّني في النهاية تقدمت في العمر، وقدمت ما أردت من أفلام، ومن الطبيعي، حين يصل الإنسان إلى عمر معين، يتأثر إيقاعه في العمل، فإذا كان ينفذ خمسة أفلام في السنة، سيكتفي بتصوير فيلم واحد فقط. وبالنسبة لي لم أكن أعمل خمسة أفلام في العام، بل كنت أبحث لمدة 10 سنوات عن التمويل».

وتساءل: «هل هناك أنجح من فيلم (الكيت كات) لأنتظر من أجله خمس سنوات كاملة، طرقت خلالها أبواب جميع المنتجين؟ وهل فيلم (رسائل البحر) كان يستحق الانتظار 10 سنوات؟ لا يعني ذلك أنّني قد ضقت الانتظار؛ في الحقيقة لا فرق لدي، فماذا لو صورت فيلماً الآن هل سيغير واقع أننا نعيش في أجواء سيئة للغاية. القضية ليست مرتبطة بي، بل بالأجيال المقبلة والمواهب الموجودة في السينما المصرية، لذلك قراري رسالة للأجيال الشابة».

كان داود قد استفاد من دعم وزارة الثقافة في مصر لبعض أفلامه ومنها «رسائل البحر»، وهذا الدعم توقف قبل سنوات، وهو ما يعتبره «مؤثراً بالفعل على السينما رغم أنّه يظل تمويلاً محدوداً ومشروطاً، إذ كان يتم توجيه 50 مليون جنيه لتسهم في تمويل عشرة أفلام، لكنها تجمدت، فهل هناك إرادة حقيقية لدى الدولة للقيام بأمر مختلفٍ، ولا تتوقف عند الدعم الذي حُجب، بل يجب أن يمتد الحراك إلى الرقابة والحريات، وصالات العرض، وأن تُشجع على إنشاء سينمات الأحياء، ومن ثمّ يجب أن يكون هناك رؤية وأجندة ثقافية وفنية تعيد للسينما المصرية بريقها، لتشكل رقماً مهماً في الدخل القومي، كما كانت في الماضي.

ورغم ظهور صناديق تمويل في بعض المهرجانات السينمائية تقدم دعماً مالياً للأفلام، فإن المخرج الكبير يتحفظ على ذلك، ويقول موضحاً: هذه الصناديق تختار أفلاماً حسب ذائقة من يقرر توجيه الدعم والمنح، فإذا كان يحب أفلام الأكشن فسيوجه الدعم لهذه النوعية، وقد يختار أفلاماً جيدة لكنها لا تحقق إيرادات، أنا مع تمويل الأفلام من تذكرة السينما، بإعادة إحياء الأفلام الاجتماعية، لاستعادة جمهور السينما الذي كانت تمثله طبقة الأسرة بشرائحها المختلفة، مع وضع سعر مناسب لتذكرة قاعة العرض لإتاحة الفرصة للجميع لمشاهدة الأفلام».

ويرى عبد السيد أنّ «الجمهور الحالي يتمتع بثراء مادي وليس لديه هموم تجعله يخشي ألا يكفيه مرتبه، لذا فهو يرغب في مشاهدة أفلامٍ مسلية لا تحتوي على متعة فنية ولا ترهق ذهنه بالتفكير».

وعبّر المخرج الكبير عن رفضه تقديم أفلام لا يُقبل عليها الجمهور، وهو ما وصفه بتقديم الأفلام إلى «المقاعد الخاوية». وعن مدى صعوبة تنفيذ أفلام تجمع بين المتعة والقيمة الفنية، يتوقف المخرج الكبير قائلاً: «بالطبع هناك صعوبة، لكنها الصعوبة الواجبة على أي فنان، أن يقدم فيلماً يمتع الجمهور، دون أن يكون سطحياً، ومن لا يستطيع فعل ذلك لا يصح أن يعمل في مجال السينما، رافضاً أن يرضخ المبدع لما يريده الجمهور، فهو لا يضع مواصفات لما يشاهده». ويؤكد: «لا أؤمن بمقولة (الجمهور عاوز كده) لأنّنا نحن من نقدم له الأفلام، فإذا قدمنا عملاً يحترم عقله وإنسانيته وعواطفه فسيقبل عليه، إنّها مسؤولية المبدع بالدرجة الأولى».

ويتمسك عبد السيد، بكتابة سيناريوهات أفلامه، لكنّه ينفي أن يكون ذلك سبباً في قلة أعماله التي بلغت تسعة أفلام طويلة وثلاثة أفلام وثائقية قدمها في بداياته، مؤكداً أنّ «الكتابة لا تؤخرني بل الإنتاج، بالإضافة إلى رحلة البحث التي أقطعها عن التمويل مع كل فيلم أتحمس له، من ثمّ يأخذ الأمر سنوات كي يجد طريقاً للتنفيذ، ولم يغريني في أي وقت الكم على حساب الكيف، وسعيد بما أنجزته».

منذ فيلمه الأول «الصعاليك» وحتى فيلمه الأخير «قدرات غير عادية»، قدم داود أفلاماً تحمل فكراً خاصاً، وتدعو المتلقي للتفكير والتأمل بعيداً عن صيغة المباشرة، لكنه لا يرى السينما من هذه الزاوية فقط، ولا يرفض التصنيفات الأخرى، قائلاً: «لست ضد شيء، لكن المهم أن يقدم الفيلم بشكل جيد، أنا كمشاهد لو رأيت فيلماً رومانسياً أو أكشن أو كوميدياً جيداً يكون أمراً ممتعاً».

وأقام مهرجان القاهرة السينمائي احتفالاً خلال دورته الماضية، بمناسبة مرور ثلاثين عاماً على إنتاج فيلم «الكيت كات»، شهد جمهوراً كبيراً من الشباب الذين ولدوا بعد سنوات من ظهوره، ما يؤكد مكانة أفلام عبد السيد لدى الأجيال الجديدة، وعلى ذلك يعلق: «هذا الجمهور الكبير كان يجب أن ينعكس لدى المنتجين، وهو لم يشاهد الفيلم في السينما. وهو العمل الوحيد الذي يعرضه لي التلفزيون المصري، وقُدّم مشوهاً بعد حذف مشاهد منه، بينما لم يشاهد هذا الجمهور أفلامي الأخرى، لأنّ التلفزيون لا يعرضها، فيما تهتم بعرضها قنوات عربية، وبالتأكيد هناك أفلام لمخرجين آخرين تعرضوا لذلك، ولا أعرف صراحة معايير العرض لديهم، نحن نعيش في كارثة». على حد تعبيره.

وعما ينوي فعله بعد قرار اعتزاله، قال المخرج الكبير: «الحياة مليئة بالمسرات، وأفكر في السفر إلى الخارج، وقد أبقى هنا بعدما أنهيت مهمتي الأساسية، لكنني مهموم ومهتم بالأجيال القادمة».

وأبدى عبد السيد انزعاجه من فكرة كتابة سيناريوهات لمخرجين آخرين، قائلاً بنبرة حادة: «لست كاتباً ولا مخرجاً بل صانع أفلام، ولدي رؤيتي الخاصة، ولا أقدم سوى ما أؤمن به وأتحمس له، ولا أعمل سوى ما أحبه».

 

الشرق الأوسط في

04.01.2022

 
 
 
 
 

أسرار من لقاء «داوود عبدالسيد».. وحقيقة التوقيت الذى انشغلوا به!!

قصواء الخلالي

المبدع العظيم الذي اختار أن يتحدث معى وفى برنامجى، بعد أن آثر التزام الصمت لسنوات طوال رافضًا الظهور في أضخم البرامج التلفزيونية تكلفةً وإنفاقًا، رافضًا أن يتلقى أكبر المبالغ المالية مقابل ظهوره الإعلامى، رافضًا حتى المداخلات الهاتفية أو الحوارات الصحفية المكبرة، رغم تلقيه عروضًا بمبالغ ضخمة على مدار السنوات الماضية، والجميع يعلم هذا تمامًا.. لكن؛ لم يكترث هذا الفنان العظيم للمغريات، ولم يتبع شهوة المال أو الاستعراض الصاخب أو الضجيج الأجوف؛ كعادته إبداعًا وسلوكًا، وحين تواصلنا معه منذ سنوات دون سابق معرفة شخصية وطلبت ظهوره أكثر من مرة كان يقول:

- إنه لن يظهر إلا في برنامج يحمل فكرًا ورؤيةً.. وبعد فترة أكد لنا أن اختياره في هذا سيكون برنامجى، معللًا هذا بأنه سيكون إيمانًا منه بأهمية المعول الثقافى والفكرى الذي أتشبث به منذ سنوات، وتقديرًا منه لما أبذله من مجهود في البحث والانتقاء والتدقيق بصفتى رئيسة تحرير البرنامج ومذيعته، وأننى أتحدث من خلاصة أفكارى وقراءاتى دون إملاء، وكان الأستاذ يتابع الحلقات جيدًا، ويُعلِق لنا عليها أحيانًا، وحين نُذَكّره برغبتنا في استضافته، كان يقول:

- صدقونى سأظهر، وأعدكم بذلك، ولكن حين يكون لدى ما أرغب في أن أقوله، فحالتى الصحية ليست جيدة، ثم يشرح لنا متاعبه بكل صراحة وبساطة ومودة، ليؤكد في الأخير أن ظهوره لن يكون في غير برنامج «قصواء»، كما يصفه، واستمر الحال لفترات طويلة، ولم نقابله وجهًا لوجه أبدًا، لكننا بقينا نحدثه تليفونيًا كفريق إعداد أنا وزملائى المجتهدين، في قضايا أو فلسفة فنية أو ندعوه للظهور فيجدد اعتذاره، ثم كان أن قام بمداخلة هاتفية معى على الهواء في نفس البرنامج، ناعيًا رحيل المبدع الكبير «وحيد حامد»- رحمه الله- بحزن كبير، وكان لم يتحدث قبلها بسنوات للإعلام المصرى، وتوقف بعدها ثانية.

وبعد انتظار طويل، وبنهاية نوفمبر المنصرم، وافق المخرج القدير «داوود عبدالسيد» على الظهور في برنامجى #فى_المساء_مع_قصواء، طالبًا منا ترتيب إطلالته بتسجيل الحلقات وليس الظهور المباشر على الهواء، واختار يوم وساعة التسجيل، وأبلغنا رغبته «إعلان اعتزاله» لأول مرة، بعد تفكيره لسنوات، ونسق معنا الأمر لأسابيع، حتى جاء زاهيًا متأنقًا كالقمر الأثير.

- الملاحظة المهمة والتى يجب تقديرها أيضًا، أن المخرج القدير «داوود عبدالسيد» اختار الظهور معى وهو يعلم تمامًا أن هذا البرنامج بحكم طبيعته الإنتاجية والفكرية لا يندرج تحت بند البرامج الترفيهية والخفيفة الجاذبة للإعلانات التجارية، فهو برنامج «توثيقى تثقيفى تنموى» لا يتبع سياسات إعلانية، وإنما يدخل ضمن بوتقةٍ مدعومةٍ كبيرةٍ متنوعة، حفاظًا على الأمن القومى الثقافى والفكرى، وبالتالى لا يقدم مقابلًا ماليًا، مثل فئات برامجية أخرى يدركها العاملون في حقل الإعلام، وكان هذا قناعتى الراسخة أيضًا ضمانًا لجودة المنتج.

وحين حدثنا الأستاذ في هذا؛ لم يكترث، معلقًا أن تاريخه ليس للبيع، وأنه يوافق على الظهور وإعلان اعتزاله في برنامجى، لأنه تابع ودرس الأمر جيدًا ويرى أن هذا هو المنبر الإعلامى والفكرى الذي يناسبه لإعلان ختامه لمسيرته الفنية العظيمة، ويتسق مع تنوع وجدية اهتماماته الإنسانية والفكرية والثقافية، وبالتالى سيكون المنبر المناسب لإعلان اعتزاله رسميًا دون أي اعتبارات أخرى، ورغم أن هذا الخبر يُقدّر بملايين الجنيهات إعلاميًا وتسويقيًا وهو أستاذ الأساتذة، ويعلم هذا الأمر جيدًا، وكان من الممكن أن يبيع خبر اعتزاله لمن يدفع سعرًا أعلى من البرامج الإعلانية أو غيرها من الممولين خارج مصر وداخلها، وهذا أمر منتشر مؤخرًا، ثم يحضر بعدها لبرنامجى ضيفًا كريمًا بعد ذلك ليجرى الحوار الفكرى الذي يلائمه بعد أن يكون قد حصل على مقابل مجزٍ.. إلا أن «داوود عبدالسيد» كما كان مبدعًا زاهدًا مترفعًا في فنه؛ ينتظر لسنوات حتى يقدم ما يؤمن به فقط، فقد آثر أن يختتم مسيرته الفنية بإعلانه اعتزاله نهائيًا وهو على حاله الدائم من الترفع وتقدير القيمة، مُؤْثِرًا أن يخرج بحديثه وأفكاره وإعلانه بعد صمت طويل في «توك شو ثقافى» متحدثًا فيه عما يشاء، ساردًا ما يريد، معلنًا اعتزاله ببساطة بعد سؤالى في الختام، وحوار فكرى فنى فلسفى مطول على مدار حلقتين اقتربت مدة إذاعة الحلقة الواحدة من ساعتين من الحديث والمادة الموثِقة لفلسفته ورؤيته، ظل فيهما متحملًا طول الحديث وتنوع الموضوعات والإرهاق، وحتى حين سألته عن أمور يحب تسليط الضوء عليها عدا الاعتزال، قال:

أنا أتابعك جيدًا مع ضيوفك من مفكرين ومثقفين، وأثق في إدارتك للحوار، بل أصر هذا العظيم على أن يعلن في ختام الحلقة عن تقديره لمجهودى، وأنه قد تشرّف بالحضور إلى برنامجى والحوار معى، في شهادة لى من صانع فنى قدير ليس له مثيل في السينما المصرية والعربية، وجب لى أن أفخر بها وأسعد بتأطيرها بعد أن أوفى بعهده للإنسانية كلها، وليس لى فقط، وكان رمزًا عظيمًا لسينما المؤلف وإبداعها المتماسك.

- لقد انتصر «داوود عبدالسيد» للقيمة، وانتصر للفكر وانتصر للثقافة بإنسانية لا تقارن، وانتصر لمجهودات إعلامية شابة تقاتل لسنوات في سوق كبيرة محلية وعربية، محملةً بمحتوى تلفزيونى من أصعب ما يمكن أن يُقدّم وأن يُتَلّقى، وسط جمهور كثيرًا ما يتعرض لمفسدات الذائقة والذوق، ولكنّ نسبةً كبيرةً من هذا الجمهور يُصرّون على أن يشاهدوا برامج ووسائط تقدم وعيًا، وأن يتابعوا برنامجًا ثقافيًا، فلسفيًا، وفكريًا، ولقد انتصر «داوود عبدالسيد» حتى لهذا الجمهور، كما انتصر له في إبداعه لعقود، وانتصر للإنسانية التي نعمل تحت مظلتها في «مشروع بناء الإنسان»، وفوق هذا وذاك، كان حضور هذا المبدع الفارق «داوود عبدالسيد» أثناء تصوير البرنامج رقيقًا مهذبًا لطيفًا مع كل من قابله، كبيرًا أو صغيرًا، يبتسم لنا وقد التقطنا معه صورًا تحمل فرحة الأطفال، وغالبتنا دموع «نوستالجيا» الحنين إلى أعماله وزمن فنى طيب ذكى ورائحته الدافئة وإبداعه الواقعى الحالم؛ الذي يُغزَلُ ببراعة عجيبة وامتزاج أحادى فريد، وكأنه يُقَدِّر عميقًا كل ما نحمل في قلوبنا وتلمع به أعيننا من محبةٍ وتقديرٍ وامتنان لما منحنا خلال مسيرته، ولحضوره الكريم.. بل سمح لنا للمرة الأولى في تاريخه بأن نرسل الكاميرا تتطفل على استحياء إلى منزله، وأن نلتقط صورًا من أدراجه ونفحص قراءاته، ونتحدث عنه مع زوجته الذكية المهذبة الواعية الأستاذة «كريمة كمال»، والتى ظهرت وكأنها حبيبة وبهجة وصديقة «داوود عبدالسيد»، متحدثةً عنه بفخر وتقديرٍ وحُبٍ ينبع من وعى وثقة.. بل حين سألناه عن مواد مصورة خاصة لإضافتها إلى توثيق مسيرته في الحلقتين، ساعدنا متواضعًا مهذبًا بكل مودة، وحتى وقت الإذاعة التلفزيونية تواصل معنا؛ ممتنًا ومحبًا ومعلنًا ارتياحًا وسعادة لتقديم أعماله وآرائه معنا كما يحب أن تظهر.

- لقد حضر «داوود» إلى مدينة الإنتاج الإعلامى للتصوير في استوديو البرنامج، رغم حالته الصحية غير المريحة، التي تحدث عنها في تصريحات بعد ذلك، وحضر رغم سنوات عمره التي تجاوزت خمسة وسبعين، وتحمّل الجلوس على مقعد طوال ساعات التصوير، وبرودة استوديو البرنامج دون أي امتعاض، بل بأحاديث وضحكات وابتسامات ودودة في الفواصل والاستراحات، ولم يطلب أي شىء، عدا كوب من مشروب ساخن يتجاوز به هذا الطقس المزعج؛ كنا نحن من أصر على تقديمه بعد أن رفض كل شىء آخر.

وفى الختام، وبعد إصرار شديد منى، وافق في خجل عظيم على أن نقوم جميعًا بإيصاله إلى باب القناة، وودعنا مبتسمًا، مبتسمًا.. ومنتصرًا، منتصرًا لنا ومنتصرًا بنا.

وهو يعلم أن سر حواره ورسائله هو صدقه وبساطته وإنسانيته، وأن سرّ حوارى الذي ذاكرت وقرأت له طويلًا هو محبته والاعتزاز بقيمته، وأننا حرصنا جميعًا مؤسسةً وبرنامجًا وأفرادًا على التحضير المناسب لاستقباله وظهوره، لتقديمه وتقديم أعماله قدر استطاعتنا بشكل لائق بتاريخه وقيمته، وفى أحاديثه التي جاءت كرد فعل للقائه في البرنامج وإعلانه اعتزاله، تحدث موضحًا أمينًا عظيمًا، كعادة الكبار، يتحدثون فقط بما يناسبهم، وليس بما يُدفعون له.

- لقد جمعنى برنامجى على مدار السنوات الماضية، بأعظم القامات العلمية والفكرية والفلسفية والفنية، وكنت كثيرًا ما أكتب عنهم اعتزازًا وتقديرًا وفخرًا، ولكن هذا الحوار وبعد تصدره وسائل الإعلام الإقليمية وتناقله في العالمية أيضًا، وتتويجه لترشيحات الأفضل إعلاميًا لعام ٢٠٢١، كل هذه الأيام يستحق منى أن أفتخر، وأن أقول لداوود عبدالسيد؛ الذي كان للفن عِمادًا، والذى لم يُبدع مِثلَه في البلاد:

- شكرًا.

شكرًا، لأنك منحتنا وعلمتنا وأمتعتنا صغارًا، وأضفت لنا من مقامك الرفيع وقدرك العظيم كبارًا، بل سمحت لى استثنائيا أن أكون في صميم حضرتك جهارًا،

لقد أخبرتك أننى سأكتب عن «ما وراء اللقاء» بعد أن ينتهى الضجيج حول ظهورك، والملاحقات الاستقصائية الاستكمالية لحوارك، ولكن صدى فلسفتك وأفكارك وإبداعك لن يصمت أبدًا، لأنه كان «أعمق من الصمت، وأذكى من الإفصاح»، لذا وجب الآن بعض من البوح المكتوب بصدق مشاعرى، وتقدير قلمى، وخالص محبتى، والذى تستحقه مكانتك بأعمال مثلت نمطًا عبقريًا من الفواصل الإبداعية الارتقائية في السينما المصرية، في أوقات متنوعة الدقة والحدة.

- لقد كان رهانك الدائم على القيمة.. ولقد ربحت رهانك في كل خطوة وزمان، ووجب الشكر لكيانك، مهما جَدّ أو كان.

- شكرًا «داوود عبدالسيد» بعيدًا عن كل تنظير أو امتطاء للحدث، أو اصطياد في رواسبه، أو عدم وعى حقيقى بأهميتك أو أهميته، أو إجحاف بحقك، أو تسطيح لعمق وأبعاد رؤيتك.. فهذا كله لا ولم يمثل قطرة في محيط، ويكفى أنك حين قررت أن تتحدث بعد سنوات من الصمت، كان ظهورك الصادق مؤثرًا على كل ذى وعى.

- شكرًا لأنك كنت معنا هناك في ذاكرتنا، وكنت معنا هنا في واقعنا، وستبقى رسائلك من قوة صدقها وبساطتها عميقةً على من لا يدرك، غامضةً على من لا يعى «أن الإنسانية هي الأبقى، وهى الأشرف».

«الأستاذ» ودرة العنقود العظيم «داوود عبدالسيد».. لأنكَ كنت ولاتزال معنا، فنحن كذلك سنبقى معك.. وأينما ترسو سفينتك، سنكون مرساك ووتدك.

ولقد غلبنى قلمى إسهابًا ومحبةً وفخرًا بلقاء مختلف مع مبدع فريد، ولكن مهما كتبنا فلن نمنحه نزرًا مما تستحق قيمته، وأتمنى أن أكون قد قدمت بين سطورى ما يتبينه الفطن..

وعلى المتضرر اللجوء للاجتهاد، وللإنسانية، وقبلهما.. اللجوء للتاريخ.

#فى_المساء_مع_قصواء

 

المصري اليوم في

06.01.2022

 
 
 
 
 

داوود عبد السيد يكشف كواليس قرار اعتزاله.. وشروطه للعودة

هبة جلال - القاهرة - سكاي نيوز عربية

أثار اعتزال المخرج المصري المعروف، داوود عبد السيد، صاحب واحد من أفضل 100 فيلم في السينما المصرية "الكيت كات"، موجة من الحزن على وسائل التواصل الاجتماعي بمصر.

وأعلن "عبد السيد" خلال تصريحات تلفزيونية له، اعتزاله، لأنّه "لا يستطيع التعامل مع نوعية الأفلام التي يفضلها الجمهور حاليًّا، والتي يبحث عنها من أجل التسلية وليس لمناقشة القضايا التي اعتاد أن يطرحها في أعماله"، على حد تعبيره.

شخصيّة وفنيّة

موقع "سكاي نيوز عربية" تواصل مع المخرج المصري الذي كشف عن سبب القرار وكواليسه، وشروط عودته مرّة أخرى.

وقال داوود عبد السيد إنه "لم يجلس للتفكير في قرار الاعتزال أو عدم الاعتزال"، واصفًا قرار اعتزاله بأنّه "أبسط من ذلك بكثير".

وأوضح أنَّ القرار اتُخّذ داخل مداخلة تلفزيونية له، قائلًا: "لكنه ليس قرار بالمعنى المتعارف عليه بالجلوس واستغراق وقت طويل في التفكير، خاصّةً وأنّه لا يعمل منذ فترة طويلة".

ووصف اعتزال الإخراج بأنّه "ليس كلمة دقيقة"، معبَّرًا عن رأيه قائلًا: "المناخ العام لا يسمح له بالعمل هو وغيره وتقديم أعمال جديدة فأسباب قراره شخصية وفنية".

وشدد على أنّه لم يقل "إنّه لا يستطيع التعامل مع الجمهور الحالي"، كاشفًا أنّه صرّح بـ"الجمهور في الوقت الحالي له خصائص معينة، وأنا لا أهتم بعمل أفلام تجارية فأهتم كثيرًا عمل أفلام فنية".

شروط العودة

وتابع: "الأفلام التجارية للتسلية فقط والأفلام الفنية بها متعة فنية وهذا ليس معناه أنني ألغي التسلية من أعمالي، فالتسلية شيء مهم".

وشدد على أنّ اعتزاله الإخراج "لن يؤثر على ظهوره بالمهرجانات الفنيّة، وأنّه يظهر طالما استدعت الحاجة لذلك"، إلا أنّه عاد وأكّد على أنّه "لا يحب الحفلات والظهور لمجرد الظهور".

وبحسب داوود عبد السيّد فإنّه تفاجئ من رفض الوسط الفنّي لقرار اعتزاله، معربًا عن سعادته بأنَّ "الوسط الفنّي لم يمت وما زال مهتمًا بقضاياه".

واشترط لعدوله عن قراره حدوث إصلاحات بالمناخ العام، وعلى سبيل المثال الرقابة الموجودة حاليًّا لا تهتم بالطبقة البسيطة خاصّة فيما يتم عرضه، واصفًا سعر تذكرة السينما بـ"الباهظة" التي لا يستطيع معها المواطن البسيط أن يشاهد أفلامًا ليست تجارية.

وأردف: "الرقابة على المجال الإبداعي حاليًّا تخنق المجال، ولا تهتم بالطبقة المتوسطة"، مقترحًا أن يتم عمل صالات عرض في الأحياء وأن تكون بأسعار مناسبة للطبقة المتوسطة.

تذكرة السينما

واستطرد قائلًا: "شرائح الطبقة المتوسطة لا تستطيع تحمُّل تذكرة السينما الحالية بأسعارها العالية وتكلفتها الباهظة"، موضّحًا أنّه "يتحدث كمواطن وليس كشخص يعمل بالمجال السينمائي"، على حد تعبيره.

ولفت إلى ضرورة "وجود رقابة مختلفة وتكون على الفئات العمرية وليس رقابة تمنع السيناريو وعدم فرض مبالغ على التصوير في الشوارع".

وشدد على أنَّ "الرقابة التي تراقب السيناريو تؤثر على العملية الإبداعية، لأنَّ الرقابة دورها مقتصر على التصنيف العمري فقط، وقراءتها للسيناريو رقابة على الأفكار".

وأعلن أنّه ضد فكرة احتكار الإنتاج، نظرًا لأنّ الأفلام السينمائية يجب أن تكون "متصلة بالجمهور"، وفقًا لتعبيره.

وختم حواره لموقع "سكاي نيوز عربية" بـ"أنَّ ميزانية الفيلم السينمائي المصري تأتي من تذاكر الجمهور؛ لذلك يجب الوضع في الاعتبار مخاطبة هذا الجمهور وليس شيئًا آخر".

 

سكاي نيوز عربية في

06.01.2022

 
 
 
 
 

داود عبد السيد... جراح الفيلم الأخير لم تلتئم بعد

القاهرة/ محمد كريم

لم يلتق المخرج المصري داود عبد السيد بالجمهور الذي انتقد ذائقته ولا بالمنتجين الذين أهملوه منذ أواخر 2015، حين قدم من تأليفه وإخراجه فيلمه "قدرات غير عادية". طُرح الفيلم في دور العرض في 9 ديسمبر/كانون الأول عام 2015، واستمر عرضه لنحو شهر، إذ لم يحقق أكثر من 400 ألف جنيه، فاضطُرت الصالات لسحبه وإفساح المكان لفيلم آخر يجذب الجمهور.

ويبدو أنّ تأثير تلك الخسارة كان قوياً على تصريحات عبد السيد الأخيرة، فهو لم يقدم عملاً آخر بعد "قدرات غير عادية" يختبر عبره ذائقة المشاهدين. ويبدو أنّ هجومه على جمهور السينما ليس سوى رد متأخر عن المرارة التي تجرعها المخرج المشهور، بعدما ذكرت الصحف أن بعضاً ممن قصدوا مشاهدة الفيلم تركوا صالة العرض قبل انتهائه.

تدور أحداث الفيلم الذي قام ببطولته خالد أبو النجا ونجلاء بدر حول الباحث "يحيى" الذي يفشل بحثه العلمي عن القدرات غير العادية في البشر، ويُجبَر على أخذ إجازة من عمله، فينطلق بلا هدف إلى أن يستقر في فندق مطل على البحر في الإسكندرية، حيث يسكن مع مجموعة من الشخصيات، وهناك تنشأ علاقة بينه وبين صاحبة الفندق، ويتقرب من ابنتها الصغيرة ذات الشخصية القوية، ويعتقد أنّه عثر على السحر الذي لطالما بحث عنه.

لا يزال الأرشيف الصحافي يحتفظ بآراء بعض الجماهير عن هذا الفيلم، فمثلاً يقول أحدهم: "فيلم مناظر حلو... وبس" بينما يقول آخر إنّ الفيلم "عانى فقراً شديداً في السيناريو والحبكة". وبعد سحب الفيلم سريعاً من دور العرض، قال حينها مدير عام غرفة صناعة السينما سيد فتحي إنّ "الأمر خاضع لسياسة العرض والطلب، ومدى إقبال الجمهور على مشاهدة الفيلم، في الوقت الذي يسعى فيه أصحاب دور العرض لتحقيق أرباح مادية، من خلال فيلم يلقى إقبالاً جماهيرياً، ليستطيعوا من خلاله تحمل التكاليف المالية الملقاة على عاتقهم، وفي النهاية السينما صناعة تتعامل بعناصر تجارية".

هكذا أسقط الجمهور المخرج الكبير الذي احتفى به من قبل في بعض أعماله السابقة، فكان رد عبد السيد هو قوله: "لا أستطيع التعامل مع الجمهور الموجود حالياً ونوعية الأفلام التي يفضلها بغرض التسلية". أما عن نجاح أفلامه السابقة جماهيرياً، فبرره بأنّ "الجمهور كانت فيه طبقة وسطى بشرائح مختلفة، وكانت لدى الجمهور هموم واهتمامات، فكانت السينما تخاطب هذه الفئة". وعلى الرغم من أنّه كان يستهدف الجمهور بالكامل في أعماله، لكنّ التجاوب كان يأتي من الفئة الأكثر ثقافة وتعلماً ومن الشباب.

برر عبد السيد سحب "قدرات غير عادية" من دور العرض بالدعاية الضعيفة آنذاك، لكنّ الوقت كان كافياً له طوال ست سنوات ليراجع أقوال النقاد الذين أشادوا بالفيلم من الناحية الفنية ثم اقترحوا مجموعة أخرى من أسباب فشله تجارياً، ومنهم ماجدة خير الله التي قالت إن "أذواق الجمهور اختلفت في الفترة الأخيرة، رغم أن الفيلم جيد الصنع سواء في الإخراج أو الإنتاج أو التمثيل"، وطارق الشناوي الذي رأى أنّ "الجمهور تعوّد دائماً على أن يذهب لنجوم شباك بأعينهم" وأنّ نجلاء بدر "ليست نجمة شباك".

إيمان عبد السيد بالفيلم كان مدعوماً بإشادة كبيرة من النقاد ومجموعة من الجوائز، لذلك صدم هو والنقاد من سقوطه جماهيرياً؛ فمن هو المخطئ إذاً، المخرج والنقاد أم الجمهور؟ وما الذي تغير في ذائقة الجمهور خلال خمس سنوات سابقة حين تصدَّر فيلمه "رسائل البحر" (2010) سباق الإيرادات الأعلى خلال الأسابيع الأولى من طرحه؟ وهل كان آسر ياسين وبسمة ــ بطلا الفيلم ــ نجوم شباك آنذاك؟

من الواضح أنّ وقوف النقاد في مواجهة الجماهير ووضعهم في دائرة الاتهام بأنّهم لا يمتلكون الذائقة المناسبة جاء اضطرارياً لأنّهم أشادوا بالفيلم وبمخرجه قبل طرحه في دور العرض، وهو ما ساعده في الحصول على بعض الجوائز المحلية، مثل جوائز مهرجان المركز الكاثوليكي.

المفارقة أنّه أمام هجومه الواضح على الجمهور، كان عبد السيد مهذباً جداً في نقده للمنتجين الذين هم أصحاب المسؤولية الأولى والمباشرة في عدم إخراجه لأفلام جديدة، فقد ذكر أنّه يمتلك العديد من السيناريوهات الهادفة، لكنّه "ومع كلّ أسف لا يجد جهة إنتاجية متحمسة لتقديم تلك السيناريوهات في أعمال سينمائية، بعكس الماضي، والتحمس الشديد لدى المنتجين الكبار لتقديم أعمال ترتقي بذوق المشاهد".

من الطبيعي إذاً أن نفهم من هذه العبارة أنّ قرار اعتزال المخرج الكبير لم يكن قراره هو، بل قرار المنتجين الذين توافقوا على ألّا يتصل به أحدٌ منهم، فأجبره ذلك على التوقف عن العمل. ولهذا نعود إلى السؤال هل السبب في تصريحه هو المشاهد الذي لا يقدر قيمة أعماله لانخفاض مستواه الثقافي أم في غياب الإنتاج؟ وهل هو قرار بالاعتزال وهو في مقدوره ألّا يعتزل؟ وهل إذا اتصل به أحد المنتجين المتحمسين لسيناريوهاته الهادفة سيرفض العرض لأنّ هذا الجمهور لا يستحق العمل من أجله؟

من المعروف أنّه لا يوجد شخص بعينه يمكن أن يتحدث باسم الجمهور، فيتخذ موقفاً واضحاً من المخرج المثقف فيقوم بالرد عليه ومواجهته، لذلك فإنّ نقد الجمهور الذين هم مجرد أشباح هلامية في ذهن المخرج أكثر أماناً من نقده للمنتجين أو لأحدهم، فأيّ نقد للمنتج يعني إعلان الحرب على من له تأثير مباشر على صناعة فيلمه المقبل الذي يتشوق له بكل تأكيد، وقد رأينا المخرج المثقف يشيد أخيراً بالسبكي، بل ينتقد من يهاجمه، إذ قال إنّ "السبكي منتج شاطر، وأشطر منتج في هذه الفترة، وأفلام السبكي تتماشى مع الجمهور ويقبل عليها... وبرافو عليه، وأنا أحترمه جداً" رغم أنّ السبكي هو المسؤول الأول، في نظر كثيرين، عن نوعية الأفلام التجارية التي شكّلت ذائقة المشاهد التي لا تعجب عبد السيد.

 

العربي الجديد اللندنية في

06.01.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004