ملفات خاصة

 
 
 

3 أسباب وراء اعتزال داود عبد السيد الناطق باسم الشباب

الرقابة الموجهة والهم التجاري الذي يسيطر على الإنتاج  وتراجع ذائقة الجمهور

هوفيك حبشيان

داود عبدالسيد

ألف مبروك

   
 
 
 
 
 
 

أحدث خبر اعتزال المخرج المصري داود عبد السيد جدلاً واسعاً في الوسطين السينمائيين، المصري والعربي. كثر أبدوا انزعاجهم من توقف مخرج "الكيت كات" البالغ من العمر 74 سنة عن العمل، بعد مسيرة مهنية قدم خلالها أعمالاً تُعتبر محطات مضيئة في السينما المصرية، وكان آخرها "قدرات غير عادية" في عام 2015. منذ ذلك التاريخ، يعيش عبد السيد في ما يشبه الاعتكاف، ولا يتوانى عن الإعلان بشكل واضح وصريح، عن عدم قدرته على مواصلة صناعة سينما، لعدم تمكنه من التكيف مع الظروف الجديدة المفروضة على السينمائي في مصر. 

لو تعلّق خبر الاعتزال بأي مبدع آخر، لما كان وقعه على هذا النحو. لكن عبد السيد عزيز غال على قلوب كثير من المشاهدين الذين لا يترددون عن نعته بـ"شاعر السينما المصرية". هؤلاء يحبونه سواء كشخص أو كسينمائي. لنأخد مثلاً السينمائي الشاب عبد الوهاب شوقي الذي عمل أخيراً مساعد مخرج ليسري نصرالله. يقول شوقي إن عبد السيد هو أكثر مخرج مصري ترك فيه أثراً، فنضج "فكرياً وروحياً في صحبة أفلامه الأصيلة التي تعبر عنه وعن مجتمعه تمام التعبير. في نظره أن إعلان عبد السيد اعتزاله السينما صفعة مؤلمة للوطن والناس، وهذا يعني أن جزءاً كبيراً من جمال الحياة وذكرياتها ستصيبه بالمرارة، "إذا استمر هذا الوضع على ما هو عليه"، على حد تعبيره.

السبعيني الشاب

كلام شوقي غيض من فيض. فالكلام العاطفي هو الذي ساد في التعليقات المرافقة لخبر اعتزال عبد السيد الذي استطاع مخاطبة أجيال عدة من المشاهدين. فهو ربما من القلائل الذي تجاوزوا السبعين، ومع ذلك في مقدوره أن يكون ناطقاً باسم الشباب اليوم. فنه لم يخبُ مع الأيام ولم يصبح سينمائياً عجوزاً بورجوازياً يعيش في برجه العاجي. علاقته بالجيل الجديد قوية. حتى في توقفه عن السينما وفي اختياره الصمت، فإنه يعبّر عن الجيل الجديد وهواجسه. موجة التعاطف والحب لـ"الأستاذ داود" قادرة  وحدها على إعادته عن قراراه. هذا إذا كان الاعتزال فعلاً قراراً حقيقياً لا "حكي" مواقع إلكترونية مستعجلة. طبعاً، هناك مَن شكك بخبر الاعتزال، فقال إنه مجرد عنوان صحافي لجذب الانتباه، وفيه كثير من المغالطة والتضليل. فكل ما قاله الرجل خلال مقابلة هو، إن الوضع الإنتاجي في مصر يعاني أزمة لا مثيل لها. أزمات متعددة تمنع مَن هو في مثل وضعه أن يقدم أفلاماً تنتمي إلى سينما المؤلف لا السينما التجارية السائدة. فهناك أولاً الأزمة مع الرقابة التي تمنع الحرية عن الفنان في ظل وضع يد الدولة على كل شيء يتعلق بالإنتاج السمعي البصري. وهناك ثانياً الصراع مع أصحاب المال الذين يمسكون زمام الإنتاج في مصر ولا يبدون أي اهتمام بدعم السينما الجادة.

وهناك ثالثاً وأخيراً تراجع ذوق الجمهور الذي اعتاد على السينما الترفيهية. إذاً الأزمة في نظره تتشكل من ثلاثة أطراف: الدولة، وأصحاب المال والجمهور. ولعبد السيد مشكلات ومعاناة مع الأطرف الثلاثة. من الطبيعي أن تنشأ خصومة أبدية أو ظرفية بين السلطات السياسية والإنتاجية من جهة، وعبد السيد من جهة أخرى. فهو القائل في النهاية إن مصر تعيش "في صحراء حيث لا ماء ولا مطر ولا زرع، وذلك لأسباب سياسية لا اقتصادية". إلا أن مأخذ كثيرين على عبد السيد، هو أنه يحمّل الجمهور جزءاً من مسؤولية انهيار الذوق العام، إذ يقول في إحدى المقابلات: "تستطيع معرفة هل يوجد لدى الشخص هم أم لا من اختياراته، فمن يذهب ليشاهد أفلاماً مسلية مثل أفلام الأكشن، أو عن عظمة الشرطة في القبض على تجار المخدرات هم أناس ليس لديهم أي هم. في الماضي، كان لدينا أفلام لها أبعاد أخرى غير التسلية، مثل "السقا مات" لصلاح أبو سيف و "حياة أو موت" لكمال الشيخ، ولكننا نصنع اليوم أفلاماً أميركية في نسخة مصرية فقط لا غير، وهي أفلام منزوعة الدسم والهم”.

فن الحرية

الحرية عند مخرج "الصعاليك" و"البحث عن سيد مرزوق" هي الأوكسيجين الذي يتنفسه. فهو لطالما تحدث عن الحرية في أفلامه من وجهة نظر الإنسان العادي المسحوق، واضعاً إياه في ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية تشكل نوعاً من أنواع التحدي للفرد. تصدى للاستبداد وناصر الفقراء وأنجز أفلاماً قليلة (عددها تسعة)، وكان يصنع فيلماً في كل مرة شعر فيها بالضرورة لقول شيء ما، ناقلاً صوت مَن لا صوت لهم إلى الشاشة، وطارحاً مواضيع غير مستهلكة لم يتم تناولها كثيراً في السينما المصرية. أحب السينما وعشقها مذ كان طالباً في المرحلة الثانوية واصطحبه ابن خالته إلى "استديو جلال" القريب من مسكنه في مصر الجديدة لمشاهدة تصوير أحد أفلام أحمد بدر. وتحول الفضول عشقاً، فالتحق بمعهد السينما ثم عمل مساعداً ليوسف شاهين في فيلم "الأرض" ثم مع كمال الشيخ في "الرجل الذي فقد ظله" ومع ممدوح شكري، ولكنه لم يستسغ إكمال المسيرة معه. 

لكن الفترة التي نشط فيها عبد السيد وقدم خلالها أعماله اللافتة، ولت إلى غير رجعة. الواقعية الاجتماعية الشديدة (أو السحرية) لم تعد مطلوبة في مصر اليوم، لأنها تظهر الأحوال على حقيقتها، فيما المطلوب هو تلميع صورة البلد والنظام الحاكم ونشر الإيجابيات، وهو الشيء الذي يتحدث عنه المخرج القدير تلميحاً فقط. فبات عبد السيد مثل عديد من السينمائيين العرب الذين نلتقيهم في المهرجانات. هم داخل السينما وخارجها في آن واحد. فعبد السيد الذي مجد الحرية في أفلامه محوط بمناخ غير مثالي للإبداع، وهو مناخ يقيد الفنان ويمنعه من العمل. هذا كله حض بعض السينمائيين ومنهم عبد السيد، على تبني نوع من خطاب “انهزامي” إذا صح التعبير، يستسلم بدلاً من التصدي. وهناك رأي قاس لأحدهم في هذا الشأن يقول: “سواء اعتزل أو لا، لا يمكن لهذا الموضوع أن يكون محل احتفاء أو حزن. فالرجل سبق أن قال كل ما يجب قوله في أفلامه السابقة وهذا يكفي. لا مكان لأمثاله في الظروف الراهنة. من أهم شروط أن تكون فناناً هو أن تجد موطئ قدم لك، سواء في المتن أو على الهامش أو حتى على هامش الهامش. المهم أن تعترف أن لك مكاناً خاصاً بك، وهذا ما ليس متوفراً لا عند عبد السيد ولا عند عديد من أبناء جيله الذين ينظرون إلى الحياة اليوم كما لو كانوا أشبه بآدم الذي طرد من الجنة”. 

أتذكر جيداً عندما حاورتُ عبد السيد في مطلع القرن الحالي، يوم أنجز "مواطن ومخبر وحرامي"، كيف لمستُ لديه خطاباً نقدياً لا يخلو من التشاؤم كان معششاً فيه منذ تلك الأيام. لكن كان خطاباً واقعياً لا يجمّل الأشياء، بل يضعها على الطاولة كما هي، وهذا أحد الأسباب التي تمنعه اليوم من ركوب الموجة. قال، "يأتي فيلمي كصرخة احتجاج. في مصر حصل انهيار للطبقة الوسطى المحافظة على الثقافة والفن والتقاليد والأخلاق. وضربها يعني ضرب الطبقات كافة. ما حصل في مصر هو أن الطبقة الوسطى قد فسدت وأصبحت غير قادرة مادياً بسبب الإعلام والتلفزيون. هناك انهيار ثقافي في مصر وأيضاً في المجتمع العربي. فيلمي يتكلم عن انحدار الثقافة! بعض أغاني الفيلم تدل على فلسفة رخيصة وهابطة وجاهلة. أنا لم أدخل هذه الأغنية في الفيلم لغرض تجاري، بل لأشير إلى عقلية معينة تدعي أن على الفن أن يكون أخلاقياً. ليس للفن علاقة بالأخلاق! والأخلاق أمر يخضع للتعديل باستمرار. عندما نضع الفن في قوالب كهذه فذلك يعني أننا نرغب في قتله.

الأمواج التي تتوقف على الصخرة، على مرور الأيام تقوم بنحتها. والإنسان كذلك، كلنا نخضع لضغوط المجتمع الاقتصادية والسياسية. أنا أعرف أساتذة من الجامعة العربية يؤمنون بالعفاريت، وهم من المفروض أن يؤمنوا بالعلم التجريبي. فما هذا التناقض الحاصل؟ إنها نتائج انهيار العلم والثقافة والقيم الإنسانية، لأن الثقافة جزء من قيمتنا الإنسانية. إني لستُ ضد أي ذوق ولكن ضد أن يكون هناك فقط ذوق واحد، وأن تختصر السينما في أفلام كوميدية هابطة، وأن تنحصر الأغاني بأغاني عمرو دياب. أما المسرح التجاري فأصبح للسياح العرب الذين يأتون لقضاء عطلة الصيف".  

 

####

 

داوود عبد السيد: تعاملت مع "العفاريت الزرق" في أعمالي

كشف عن أسباب اعتزاله ولماذا قرر ترك معشوقته الكاميرا بكامل إرادته ساخطاً

نجلاء أبو النجا صحافية

جاء خبر اعتزال المخرج المصري الكبير داوود عبد السيد كالصاعقة على كل من أحبوا السينما، وعرفوا قيمة صاحب "الكيت كات، وأرض الخوف، والصعاليك، ومواطن ومخبر وحرامي، ورسائل بحر" وغيرها من الأعمال السينمائية الخالدة، والتي تشكل أيقونات نادرة في تاريخ الفن العربي.

قرار عبد السيد بالاعتزال كان نتيجة الكثير من الإحباطات التي تمر بها السينما المصرية والعربية، وتعرض لها هو بشكل خاص، إذ لم تقف خلف كاميرات السينما منذ آخر أفلامه قدرات غير عادية عام 2014. ولأن البعد عن معشوقته أفقده الرغبة في الفن، قرر أن يغادره بإرادته معلناً سخطه على كل الخطايا التي تشهدها الحالة السينمائية ويمر بها الجمهور.

وفي حوار مع "اندبندنت عربية" تحدث داوود عبد السيد عن أسباب اعتزاله الفن وأوجه النقد التي يراها، كما فجر مفاجأة بأنه قد يعود في حالة معينة.

قرار غير مفاجئ

وقال عبد السيد في البداية، "قراري بالاعتزال ليس مفاجئاً، فأنا بالفعل بعيد عن الشاشات منذ سنوات ولا يوجد عمل قدمته منذ آخر أعمالي، لذلك كان قرار اعتزالي مجرد تحصيل حاصل لواقع أعيشه منذ 8 سنوات تقريباً، ولم يحاول أحد الحديث عن هذا الغياب، فما الغريب في فكرة الاعتزال؟ وتابع، "أنا لم أتعمد الإعلان عن الاعتزال بل جاء في سياق الحديث التلفزيوني، خصوصاً أنني لا أحب الظهور كثيراً ولا أحب الإدلاء بآراء تخص غيري، أحب فقط الحديث عن عملي".

غياب غير متعمد

وعن غيابه قال، "هو شيء غير متعمد مني بالتأكيد، فأنا عاشق للسينما لكني أيضاً مؤمن بفكرة تعاقب الأجيال وأن لكل وقت رجاله"، وهنا قاطعناه بالقول، "لكن قد يعتقد صناع السينما أنك متعال على العمل وترفض المشاركة في الحالة السينمائية متعمداً بأي دوافع، فكيف يعرفون أنك تريد العمل؟".

فأجاب، "ليس من المفروض أن أعلن أني أحب العمل، فهذا مفهوم، ويجب أن يعرف الجميع ذلك من دون أن أقوله، وسأتفق معك أن الناس قد تعتقد أني أبتعد بغرور لكن هذه ليست الحقيقة أبداً، ولكن يبدو أن الجمهور يريد نوعية أخرى من السينما وأنا لا أجيدها لذلك هناك حالة استبعاد لي".

رغبة الجمهور

وكان السؤال الذي فرض نفسه، لكن الجمهور دائماً يريد الفن الجيد وأنت قدمت أعمالاً ذات صبغة خاصة، مثل "أرض الخوف" و"الكيت كات" و"مواطن ومخبر وحرامي"، وأحبها الجمهور واستقبلها بكل نجاح، فكيف تتهم الجمهور بتغيير ذوقه؟ كما أنك قدمت هذه الأعمال وسط ذروة أفلام ترفيهية جماهيرية مثل "كابوريا" و"إستاكوزا" وغيرها، كما أن أفلامك وعلى الرغم من خصوصيتها مفهومة وليست مثل الأعمال التي يخرج منها الجمهور متجهماً لا يعرف كيف دارت أحداثها.

وهنا تراجع عبد السيد قائلاً، "بالفعل قد أكون مخطئاً أو متجنياً بعض الشيء في الحكم على الجمهور، فما تقولينه صحيح، إذ لم يخذلني الجمهور أبداً ونجت أعمالي من مذابح كثيرة بفضل الدعم الجماهيري، ولذلك قد أعود للعمل في حالة معينة وهي أن أجد ما يناسبني وأقدمه للجمهور ويقبل عليه بحب، فأنا لا أستطيع أن أقدم عملاً لا يراه الناس وتكون القاعات خاوية، ولذلك أؤكد أنه لو اختلفت الظروف قد يختلف قراري".

منصات إلكترونية

وسألناه عن وضع الإنتاج وهل يمانع في العمل لمنصة إلكترونية لمواكبة العصر وتوفير الدعم المادي؟ فأجاب، "طبعاً لا أمانع وأفهم جيداً أن العصر تغير، وهناك صيحة المنصات التي أنقذت السينما في فترة كورونا من الركود ودعمت الكثير من الإنتاجات المهمة المصرية والعالمية، ولذلك لا اعترض عليها فأنا عملت مع "العفاريت الزرق".

وأضاف عبد السيد، "لم أرغب في تكدير الجمهور بفكرة الاعتزال، لكن فعلاً سعدت جداً بالحب الذي رأيته وهذا منحني الكثير من الطاقة والسعادة، وأشكر الجميع على شعورهم تجاهي الذي يحملني مسؤولية كبيرة".

وتم تكريم داوود عبد السيد أكثر من مرة في مهرجانات مصرية مثل القاهرة والجونة، وعن فكرة التكريم قال، "أي شخص بحاجة للتقدير ولا أدعي قلة الاهتمام به، ولكن يسعدني أكثر أن أصادف شباباً وأناساً من طبقات مختلفة في الشارع يُبدون تقديرهم لفني وأفلامي، وهذا يسعدني بكل تأكيد لأنني أعلم أنني مخرج لديه نوع معين من الجمهور، وعندما أجدهم ما زالوا يتابعون أفرح لأقصى درجة لأنني أشعر بأنني أحظى بتقدير جمهوري دوماً".

روح الشغف

وأكمل عبد السيد، "أتعامل مع السينما بروح واحدة فقط، يطغى عليها ما يسمى بالشغف، فمنذ اللحظة الأولى التي عرفت فيها هذا العالم شعرت بأنها لحظة مبهرة لأن تفاصيلها كانت تحمل نوعاً من الاكتشاف الغامض، شيء أحبه ولا أعرف تفاصيله، وإذا كان اختفى الشغف من حياتي حينها يصعب علي الاستمرار".

وعن قوله المستمر عن نفسه، "أنا لست مخرجاً ولا كاتباً على الرغم من إخراجه 9 أفلام روائية طويلة، كتب معظمها بشكل كامل وقام بالسيناريو والحوار لعملين منها، وهما "الكيت كات" لإبراهيم أصلان و"سارق الفرح"، عن قصة لخيري شلبي، أضاف عبد السيد، "أقصد أنني لا أتعامل مع الفن باحتراف، بمعنى أنني لست مخرجاً أنتظر نوعاً من السيناريوهات لأقوم بإخراجه، أو يطلب مني منتج صياغة سيناريو بوليسي أو رومانسي، ولست كاتباً محترفاً أيضاً، فأنا عادة ما يحركني شغفي لإنجاز أي شيء بداخلي لأنقله للناس وأشاركه معهم. لذلك يختلف مفهوم الاحتراف بالنسبة لي عن الآخرين، ففي أعمالي السينمائية أكون ذاتي، والذاتية هنا معناها رؤيتي الخاصة للعالم".

سينما تجارية

هل داوود عبد السيد ضد السينما التجارية والترفيهية؟ سؤال أجاب عنه بالقول، "لست ضد السينما التجارية فهي موجودة والسينما تتحمل الاختلاف، ولكن يجب أن يحدث تطور ثقافي في المجتمع حتى يصبح هذا النوع التجاري غير مبتذل، والمهم أن يحقق النوع الثاني الذي يقدم سينما غير تجارية لكنها مهمة، نجاحات فنية وأحياناً دخلاً معقولاً عند عرضه، وأشك طبعاً أن يفرض النوع الثاني نفسه ويصبح هو السائد جماهيرياً".

مساعد مخرج

بدأ داوود عبد السيد المولود في 23 نوفمبر (تشرين الثاني) 1946 حياته العملية بالعمل كمساعد مخرج في بعض الأفلام، أهمها "الأرض" ليوسف شاهين، "الرجل الذي فقد ظله" لكمال الشيخ، "أوهام الحب" لممدوح شكري. ثم بعد ذلك توقف عن مزاولة هذا العمل، وقال، "لم أحب مهنة المساعد، كنت تعساً جداً و"زهقان أوي"... لم أحبها، إنها تتطلب تركيزاً أفتقده... أنا غير قادر على التركيز إلا في ما يهمني جداً... عدا ذلك، ليس لدي أي تركيز".

تغيير جذري

وتحدث عبد السيد عن بداية اهتمامه وعلاقته بالسينما، وقال، "لم يكن ضمن طموحي في الطفولة أن أصبح مخرجاً سينمائياً، ربما أردت أن أكون صحافياً، إلا أن ما غير حياتي هو ابن خالتي، وكان يعشق مشاهدة الرسوم المتحركة. وتطور معه الأمر لشراء كاميرا، وعمل بعض المحاولات في المنزل. وتدريجياً تعددت علاقاته بالعاملين في مجال السينما. كنا آنذاك في الـ 16، عندما أخذني لأستوديو جلال، وهو القريب من سكننا بمصر الجديدة، وكانوا يصورون فيلماً من إخراج أحمد ضياء الدين، الذي كنت أعرفه بحكم زمالتي لابنه في المدرسة. ما حدث يومها أنني انبهرت بالسينما بصورة مذهلة. وهذا الأمر أفشل تماماً في تفسيره حتى الآن، من المؤكد أنه ليس النجوم ولا الإخراج ولا التكنولوجيا، بل شيء آخر غامض حقاً... قررت بعدها دخول معهد السينما".

أعمال تسجيلية

وفي فترة السبعينيات، قرر عبد السيد أن يحمل الكاميرا وينطلق بها في شوارع القاهرة، وأن يصنع أفلاماً تسجيلية اجتماعية أهمها "وصية رجل حكيم في شؤون القرية والتعليم" (1976)، "العمل في الحقل" (1979)، "عن الناس والأنبياء والفنانين" (1980).

من أفلامه السينمائية "الصعاليك" (1985)، "البحث عن سيد مرزوق" (1991)، "الكيت كات" (1991)، "أرض الأحلام" (1993)، "أرض الخوف" (2000)، "مواطن ومخبر وحرامي" (2001)، "رسائل البحر" (2010)، و"قدرات غير عادية" (2014).

حصل عبد السيد عام 1985 على جائزة العمل الأول في مهرجان أسوان الأكاديمي عن فيلمه "الصعاليك". بينما حصل فيلمه "أرض الخوف" على جائزة الهرم الفضي من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وجائزة السيناريو من مهرجان البحرين الأول. وجائزة أحسن فيلم من مهرجان جمعية الفيلم، وجائزة أحسن إخراج من مهرجان جمعية الفيلم، عام 1999. وسميت أفلامه ("الكيت كات" 1991، "أرض الخوف" 1999، و "رسائل البحر" 2010)، ضمن قائمة أهم 100 فيلم عربي التي أصدرها مهرجان دبي السينمائي الدولي عام 2013. وتم تكريمه في 2018 في مهرجان الجونة السينمائي.

 

الـ The Independent  في

06.01.2022

 
 
 
 
 

صباح الفن

عفوًا فيلسوف السينما

إنتصار دردير

هل السينما المصرية لم تعد قادرة على صنع أفلام تشبه «الكيت كات، أرض الخوف، بداية ونهاية، الزوجة الثانية، الأرض، باب الحديد، غزل البنات، سواق الأتوبيس، المومياء»؟، ولماذا تخلينا بكامل إرادتنا عن قوتنا الناعمة التى اكتسحت العالم العربى فى الخمسينيات والستينيات، وكانت سببًا فى انتشار لهجتنا المصرية، وعكست ارتباط الجميع بكل ما هو مصرى من خلال سينمانا؟.

هل أصبحنا فى دائرة مغلقة، مع دعم شركات الإنتاج التى تفرض أموالها بشروط، والتوزيع الخارجى الذى يتحكم فينا، والاقتباس من أفلام لمجاراة السينما الأمريكية التى تسبقنا بسنوات، والسير على نهج تصنيفاتها لأن هناك من رفع شعار «الجمهور عاوز كده»، فانتهت مع جمهور الأفلام التجارية، قدرتنا على صناعة سينما حقيقية؟.

عفوًا أستاذ داود عبد السيد، نعتذر لك على ما وصلنا إليه، وأننا فى هذا الزمن أصبحنا لا نعتد بأى قيمه، لأننا مشغولون بأفلام منقوله، ونبحث فقط عن كل ما يشكل الـ«تريند» ويدر الملايين، وأصبحنا لا ننظر فى مرآة الحياة لأننا لم نعد نشبه أنفسنا كما كانت.

عفوًا أستاذ داوود عبد السيد، قاعات السينما لم تعد موجودة فى الأحياء، لأن سينما المولات لا تسمح بمنافس، لذلك جاءت فلوس التسلية وأصبحنا نسمع ونقرأ عن إيرادات بعض الأفلام التى تتخطى الـ20 مليونًا، فى الوقت الذى لا يجد فيه مخرج بحجمك وقيمتك القدرة على تقديم متعة فنية وفكرية، رغم كتابتك لعشرات السيناريوهات الجاهزة للتنفيذ.

عفوًا أستاذ داوود عبد السيد، أننا أجبرناك على الاعتزال، ومنعناك من العطاء، رغم أن الفنان فى دول أخرى يتخطى عمر الـ 90 ويحرصون على إبداعه مثل كلِينت إيستُوود، أو أنتونى هوبكنز الذى حصد أوسكار أفضل ممثل العام الماضى عن دوره فى فيلم «الأب».

عفوًا أستاذ داوود عبد السيد، لا نريد إخفاقات جديدة مثلما تخلينا سابقاً عن توفيق صالح الذى كان محاولة ريادية إنتهت بسبعة أفلام اختفت مع الواقع السائد، الذى نسى أو تناسى «المخدوعون، يوميات نائب فى الأرياف، درب المهابيل، والمتمردون».

عفوًا فيلسوف السينما، أتمنى من كل قلبى آلا يكون قرارك نهائيًا، رغم أنك أكدته، فمصر ليس لديها سوى داوود عبدالسيد واحد.

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

07.01.2022

 
 
 
 
 

اعتزال داود عبد السيد .. مرفوض

محمد كمال

عذراً.. لم نتمكن من تحميل المقال.. اضغط اللينك لقراءته من موقع الصحيفة

 

 

####

 

تعليق النقاد علي اعتزال المخرج داود عبد السيد

آية محمد عبد المقصود

عذراً.. لم نتمكن من تحميل المقال.. اضغط اللينك لقراءته من موقع الصحيفة

 

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

08.01.2022

 
 
 
 
 

قرار الاعتزال… السابقة الأولى في صحيفة المخرج داود عبد السيد

كمال القاضي

أن يُعلن مخرج كبير مثل داود عبد السيد اعتزاله السينما وهو لا يزال قادراً على العطاء مُتعللاً بأن الزمن لم يعد زمنه، فهذا هو الأمر المُحير والمؤلم في الوقت نفسه، فالرجل أفنى حياته في الإبداع السينمائي، واختار لنفسه الطريق الصعب، حيث لم يتبع الرجل هوى جمهور الترسو، ولم يُقايض على قناعاته وتاريخه الفائت بمزيد من الفرص والمكاسب المادية، ليظل موجوداً على الساحة الفنية، لكنه أعطى ظهره مُبكراً لزخرف الحياة السينمائية وبريقها الزائف، وعكف على تقديم ما يؤمن به كمبدع يشعر بالمسؤولية حيال موهبته وقضاياه التي تحملها منذ أن قدم أول أفلامه الروائية الطويلة «الصعاليك» مع الفنان نور الشريف، الذي منحه الثقة وشجعه على المُضي قُدماً في مسار الفيلم الروائي، وهو الضالع في إبداع السينما التسجيلية وأحد فرسانها المهمين.

لم يخلف المخرج الواعد ظن صديقه النجم الكبير، فقد نجح فيلم «الصعاليك» نجاحاً يؤكد الموهبة، ويُنبئ بقدوم طاقة سينمائية جديدة ومُتجددة، لديها القدرة على الإضافة والاختلاف، ورغم أن الرصيد الكمي لداود عبد السيد لا يُضاهي موهبته، إلا أن ما أنجزه فعلياً وخرج على الشاشة كان جديراً بأن يضعه في مصاف المخرجين الكبار، بل يُمكنه من أن يصبح في زمن قياسي رائداً في مجاله وصاحب مدرسة مغايره في لغة التعبير والتوظيف الدقيق لمفردات العمل السينمائي، وقدرات الممثل الخاصة في استخراج ما لديه، ليُصبح جزءا من الشخصية التي يجسدها فلا يُفارقها إلا حين ينتهي دوره ويتحرر من أغلالها فيعود ثانية إلى طبيعته يُمارس حياته بشكل اعتيادي.

هكذا تمكن داود عبد السيد من قيادة الممثل، فسخره لخدمة دورة وتطويع موهبته ليكون دخوله في «مود» الشخصية التي يؤديها، رهاناً محسوباً ومضموناً لتحقيق التميز وبلوغ أقصى درجات الإتقان والإجادة، ولهذا اعتبر داود مُخرجاً استثنائياً لا يلتفت بحال إلى السينما التجارية، وإنما ينزع بالفطرة إلى السهل الممتنع، أي أنه يجمع بين ما يُعجب الجمهور الناضج المهتم، وما يُحقق طموحه في صناعة سينما خارجة عن إطار الاستهلاك المحلي.

في فيلم «الكيت كات» المأخوذ عن رواية «مالك الحزين» للكاتب إبراهيم أصلان، كان التحدي واضحاً من اللحظة الأولى لدوران الكاميرا ووقوف بطل الفيلم «الشيخ حسني» محمود عبد العزيز ليؤدي دوره المُعجز وهو الكفيف الذي يرى بعين البصيرة، ما لم يره المُبصرون، فالشخصية مُركبة ولها مستويات عديدة في التلقي والتعامل والفهم والوعي والتنكيت والتبكيت، فلا مجال للتعامل مع «الشيخ حسني» بوصفه رجلا مكفوفا من ذوي الإعاقة، وإنما هو محض عبقري مشاغب له صولات وجولات وخبرات عديدة كمغامر وصاحب مزاج ومُدخن شره لا يهاب أي صنف من صنوف الكيف، فهو مُتمرس وضالع في السلطنة.

وشخصية بهذه الخصال، لا بد لها من محرك خبير كداود عبد السيد يوجهها ويستفيد من قدراتها، وقد حدث بالفعل، حيث تولى المخرج الواعي إدارة محمود عبد العزيز كممثل، فأهله أفضل تأهيل لتخرج منه السخرية تلقائية كأنها وليدة اللحظة، فيندمج اندماج العليم بكل التفاصيل المحيطة بشخصية المكفوف، فتأتي النتيجة على ما يرام، ووفق المكتوب في الرواية بالضبط.

ولا يتوقف إبداع المخرج المثقف عند شخصية الشيخ حسني فقط، لكنه يعطف على مدار آخر ليصادف شخصيات أخرى بالحيوية ذاتها في فيلم «سارق الفرح» فنطلع على ذلك العالم المجهول الكائن في جمهورية الفقراء ونرى صوراً لشخصيات مختلفة في الطباع والسلوك والأنماط، ما بين لصوص ونبلاء وأناس يعيشون على حد الكفاف، يفترشون الأرض ويتدثرون بالسماء، فيتأكد بيان الحقيقة التي أراد أن يُطلعنا عليها عبد السيد وهي أن الفقر له موطنه وضحاياه وثقافته ومناخه وبيئته، ومن يتكيفون معه قسراً!

وفي «رسائل البحر» يخرج داود عن طوره قليلاً فيقدم رؤية أكثر حداثة لمفهوم الاغتراب في العالم المادي، ويقدم من خلال شخصية الدكتور المثالي آسر ياسين أزمة المثقف، حين يُحاط بأسوار النفعية والوصولية والانتهازية، فلا يجد له مأوى غير الوحدة يحتمي فيها من همجية العالم الخارجي، الذي يأبى التوحد معه ومخالطة من فيه كي لا يخسر نفسه ويصير عضواً في منظومة التواطؤ والبيع والتفريط، غير أنه يجد ملاذه في علاقته بفتاة الليل، باعتبارها ضحية واقع فرض عليها أن تبيع نفسها لمن يدفع أكثر.

وبقدر من فلسفة التعامل مع الواقع بآلياته القاسية، يحاول المخرج الكبير تفسير المشكلة الإنسانية وفق ما يراه ويحسه، فالطبيب المُتعسر في النطق والمنفصل عن الواقع يقترب من الفتاة التي ساقها القدر في طريقة فيعرف معها طعم الحياة ومعنى الدفء، وهي الشخصية المُدانة أخلاقياً واجتماعياً، لكنها في ميزان الإنسانية ربما تكون أفضل من غيرها بكثير، حسب رؤيته الشخصية.

أما فيلم «أرض الأحلام» فهو ارتقاء المعنى الإنساني في توصيفاته كافة، إذ يحصر المخرج الأحداث كلها في ليلة واحدة فتأتي العلاقة بين يحيى الفخراني، ذلك البهلوان السكير والسيدة الأرستقراطية فاتن حمامه، غير مشروطة إلا ببعض المعطيات البسيطة المشتركة بين الطرفين، وهي العامل الإنساني الذي يُجبر امرأة تعتزم الهجرة إلى بلاد الخواجات، على البقاء في بلدها بعد أن لقنها البهلوان درساً خصوصياً في المعنى الأعمق للحياة، وهو أن البقاء في مجتمع آمن ينعم فيه الإنسان بالسكينة والطمأنينة وسط بني وطنه وذويه، أفضل من السفر والترحال والمغامرة، ذلك أن ما تعيش البطلة من أجله وتسعى لتحقيقه في غربة قاسية، يُمكن أن تُحققه وهي على أرضها بلا ضير أو خوف أو مكابدة.

بهذه البساطة يحل داود عبد السيد في فيلم «أرض الأحلام» مُعادلة الفراغ الداخلي الذي يدفع الإنسان للهروب، ويكون حُجة لمنفاه الاختياري أو الإجباري، ورغم كل ما أورده المخرج من دروس وعظات، إلا أنه لم ينج هو نفسه من الإحساس بالإحباط، فقرار اعتزاله السينما والإخراج ليس إلا نتيجة للاكتئاب الذي أصابه جراء اغترابه في واقع قاس لم يحترم ماضيه وتاريخه وإبداعه الفارق والمهم.

كاتب مصري

 

القدس العربي اللندنية في

12.01.2022

 
 
 
 
 

بعد اعتزال داوود وصرخة نصر الله l بكل الخجل..

المخرجون الكبار على المعاش

آخر ساعة/ عصام عطية

عذراً.. لم نتمكن من تحميل المقال.. اضغط اللينك لقراءته من موقع الصحيفة

 

 

بوابة أخبار اليوم المصرية في

15.01.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004