ولد الفنان السينمائي انتشال التميمي في بغداد عام 1954،
وبدأ حياته في العمل في مجال التصميم، حيث عمل في واحدة من أهم الصحف
العراقية خلال فترة السبعينيات (طريق الشعب)، ليغادر بعدها الى بيروت،
هاربا من قمع النظام، شأنه شأن كل مثقفي اليسار العراقي،
وعمل هناك في صحافة المقاومة الفلسطينية، ثم أسس داراً للنشر في دمشق، قبل
أن يحصل على منحة دراسة الصحافة في موسكو، وكان في موسكو يتلقى محاضرات في
السينما الى جانب الصحافة .. وفي منتصف التسعينيات بدأ يعمل في ادارة
المهرجانات السينمائية، ليصبح من مؤسسي مهرجان روتردام للفيلم العربي عام
2001، وليعمل بعدها مبرمجا للأفلام العربية في مهرجان ابوظبي، ثم يلتحق
مديرا لمهرجان الجونة السينمائي منذ انطلاقته عام 2017. حاورته المدى
لتستطلع سيرته وتجربته في تنظيم المهرجانات السينمائية
.
·
التي أثبت فيها حضورا لافتًا..من الذي قاد خطاك لها؟
-
حصلت في نهاية السبعينيات على منحة دراسية في كلية الصحافة
td
موسكو(الاتحاد السوفيتي سابقًا)، وفي الأسبوع الأول وقبل أن أباشر الدوام
في الكلية، أهداني صديقي الرسام اللبناني البارز إيميل منعم كتاب عنوانه
(Life of Cinema)،
وحال انتهائي من قراءته تحولت خيارات وعرفت أن السينما هي ما أرنو إليه
فمنذ مراهقتي وأنا مهتم بالسينما مثل حال أبناء جيلي في تلك الفترة، حيث
كانت السينما وإرتياد صالات العرض ومشاهدة الأفلام على اختلاف أنواعها هي
هوايتنا المفضلة فقد تسنى لنا في تلك الفترة مشاهدة افلام مثل (ساكو
وفانزيتي)، و(زد)، و(الفراشة) و(تظاهرات الطلبة).. وغيرها من الأفلام التي
كانت صالات العرض السينمائي العراقية تحرص على عرضها مبكراً، كل ذلك في وسط
ثقافي غني ومنتج، حيث شهدت بداية السبعينيات حركة ثقافية كبيرة بسبب
إستقرار الأوضاع السياسية والاجتماعية،..العديد من الأماسي الثقافية
اليومية، وحركة مسرحية مزدهرة فيها تضم فرقة المسرح الفني الحديث، والفرقة
القومية، وفرقة المسرح الشعبي..ومعارض تشكيلية في قاعات مثل كولبنكيان،
والرواق، وجمعية التشكيليين.. وضمن هذه الحركة الثقافية الحقيقية، وعلى
الرغم من صغر سني التحقت للعمل في جريدة (طريق الشعب) وهي الجريدة التي
كانت تضم خيرة صحفيي العراق ومثقفيه، الذين أسهموا في تشكيل ذائقتي ووعي
الفني ، قبل أن يسوء الوضع السياسي بحملة شنها النظام على اليسار العراقي
وعلى الثقافة بشكل عام…
رغم أهمية كلية الصحافة والجامعة التي التحقت بها، إلا أنها
لم تكن لتُغذي اهتماماتي، وذلك لوجود العديد من المواد المتعلقة بتاريخ
الاتحاد السوفيتي، وتاريخ الحزب الشيوعي، وغيرها إلى جانب تقنيات الصحافة
وتأريخ الأدب الروسي والعالمي وغير ذلك من المواد الرائعة. إلا أنني قررت
الحضور في قسم النقد السينمائي لمدة يومين في الأسبوع، ومن هناك بدأت
.
·
كيف استطعت الموازنة بين دراسة الصحافة وشغفك الجديد
"السينما"؟
-
منذ أن كان سني تقريبًا 17 عامًا بدأت العمل في جريدة طريق الشعب مصمماً
ومونتيراً طباعياً، وعملت أيضًا كمصمم للكتب..انتقلت بعدها إلى بيروت وعملت
هناك في الصحافة الفلسطينية.. وبالتالي عند بدء دراستي الجامعية في سن 23
كنت قد تمرست بالعمل الصحفي، كما كنت منفتح بشكل واسع على حركة الأدب
العالمي مما أتاح لي تفوقاً سنح لي التغيب عن الكلية وحضور محاضرات النقد
السينمائي في معهد السينما..
وبالتوازي بدأت حضور معظم المهرجانات السينمائية، بداية من
مهرجان لايبزك السينمائي، الذي حضرت فيه لعشرين دورة متوالية ومهرجان دمشق
السينمائي لخمسة عشر دورة.
·
وماذا عن التصوير الفوتوغرافي الذي برعت فيه ؟
-
التخصص ومنح الوقت الكافي هما مفتاحا البراعة لأي عمل تقوم به،وأنا في
داخلي مصورناشر، إلا أن عملي في المهرجانات السينمائية يحول دون إمساكي
بحلمي والبراعة فيه، إلا أنه عندما ينتهي عملي في المهرجانات السينمائية
لأي سبب سأعود مؤكدًا للتصوير، وبالمناسبة قريبًا سأعود إلى أرشيفي
التصويري وأحوله من النيجاتيف إلى الديجيتال لأحافظ على هذا الجهد الذي
احببته، كما أني أنجزت العديد من المعارض الشخصية والمشتركة بأكثر من 500
بورتريه لشخصيات ثقافية عراقية وعربية.
·
بين التصميم الصحفي والتصوير الفوتوغرافي والنشروالبرمجة
السينمائية ومؤخرا مديرا لمهرجان سينمائي. أين يجد انتشال التميمي نفسه
بالضبط؟
-
قد تتفاجأ أن اقول لك أنني لا اجد نفسي إلا ناشراً، فرغم أني تنقلت ما بين
التصميم الصحفي، وهي (النعمة) التي حصلت عليها خلال عملي في (طريق الشعب)،
والتي منحت للكثير من الفنانين الشباب، فأبدعوا مثل الشهيد سامي العتابي،
وصفاء العتابي، وصائب العاني، ومنى سعيد، والشهيدة ثائرة فخري، ووئام صبري،
وعلي الجبوري، وخالد الصالحي، وليث الحمداني.. والكثير من الفنانين، الذين
لم يملكوا خبرات سابقة في هذا المجال.
وفي هذا المناخ وبسبب قربي من الفن كمتذوق، ورغبتي القوية
في التعلم، أصبح التصميم حرفة بالنسبة لي، بدأت بعدها في دمشق بتصميم أغلفة
الكتب، واستطيع الإدعاء بأن 85% من أغلفة الكتب التي صدرت في دمشق في
الثمانينات كانت من تصميمي. ومع ذلك لم يكن لدي إحساس أنني مصمم متميز، إلا
أنني وبكل تأكيد كنت مصمماً محترفاً.. بعدها عملت في مجال النشر وأيضاً كان
هذا بفضل المؤسسة التي أنشأها الأستاذ فخري كريم بداية التسعينيات، وأعني
بها (مؤسسة المدى) التي انتقلت بعد 2003 الى بغداد والتي أثرت بشكل واضح
وكبير في الحركة الثقافية العراقية.. هذه المؤسسة علمتني الكثير في تفاصيل
المهنة، وفي نفس الفترة هذه عملت في دار(الأهالي)، وكنت امتلك دار نشر خاصة
أسستها في هنغاريا مع حميد برتو (صحارى).. كما أسست دار (أقواس) في هولندا
..وعلى الرغم أني لم أعد أشتغل في النشر إلا أنه مجالي الحقيقي.
·
وكيف كان الطريق إلى السينما؟
-
الأمور في الحياة تذهب عادة بطريق مختلف، فأنا منذ منتصف التسعينيات كان
عندي اهتمام في مجال تنظيم المهرجانات السينمائية، وكانت البداية لي في
مهرجان ميونخ السينمائي، عندما كلفت بتنظيم برنامج "ثلاثون عامًا من
السينما الوثائقية العربية"، وكان هذا البرنامج من الضخامة لم يصل لها أي
برنامج سينمائي آخر لا قبل هذا التاريخ ولا بعده.. حيث عرض في هذا البرنامج
خمسون فيلماً وثائقياً من السينما العربية، لأسماء مهمة ومشهورة من
السينمائيين العرب، الذين أتيحت لهم الفرصة لعرض أفلامهم في المهرجان..
بهذا العمل شعرت أنه هو المكان الذي يجب أن أنتمي له، حيث يجب ألا تتوزع
اهتماماتي، فإذا كنت لا تمتلك اهتماماً محدداً وهدفأ واضحاً يكون من الصعب
عليك تحقيق نتيجة إيجابية.. لذلك بدأت بهذا المشروع وأتيحت لي فرصة العمل
في مهرجان ميونخ للسنوات اللاحقة.
وفي عام 2001 في روتردام في هولندا، في وقت كانت فيه
روتردام عاصمة الثقافة الأوروبية، أتيحت لي فرصة تأسيس مهرجان روتردام
العربي مع خالد شوكات ومحمد أبو الليل، وفي هذا الوقت كان هناك طيف واسع من
المهرجانات السينمائية المماثلة، وأعني بها المتخصصة بالسينما العربية، في
واشنطن، وسياتل، وسدني، وبرلين، وباريس.. وغيرها، ولكن هناك ثلاثة مهرجانات
فقط فعّالة عاملة منها مهرجان سان فرانسيسكو والذي ما زال يواصل فعالياته،
ومهرجان معهد العالم العربي الذي كان الأكبر بينها وكان يقام كل عامين..
وكذلك مهرجان روتردام للسينما العربية، فعلى مدى ثمانية سنوات عملت فيها.
كان نبراسًا سينمائيًا متوهجًا، وبالمناسبة فقد بدأ قبل مهرجان دبي
السينمائي بعامين، ووقتها حققنا نتائج مبهرة، فكان هناك على الأقل 20 فيلمأ
عرض عالمي أول من بين 32 فيلمأ جديداً من أصل 50، ويعتبر هذا نصر كبير
لمهرجان صغير لاتتعدى ميزانيته 140-200 الف دولار، وكانت الأفلام الفائزة
تحمل (لوغو) المهرجان، مثل فيلم (الساحر) لرضوان الكاشف و(أسرار البنات)
لمجدي أحمد علي وأفلام مهمة أخرى، من ضمنها فيلم (عمارة يعقوبيان) الذي
يفتخر المهرجان بأنه شهد عرضه العالمي الأول، وفيلم (الليل الطويل) لحاتم
علي.. هذا الأمر أسس لعلاقات واسعة أخرى، حيث تواصل مهرجان أوسيان سينيفان
للسينما الهندية والأسيوية لترشيح أفلام عربية انتهت في اعتمادي مبرمجاً
رئيسياً في المهرجان والذي أضيف البرنامج العربي كجزء أساسي فيه لاحقاً.
والتحقت بعدها في مهرجان أبوظبي كمبرمج للسينما الأسيوية وهذا كان مفارقة
كبيرة جداً حيث أتصل بي الصحفي الكبير (سمير فريد) وكلّفني أن أتولى ملف
السينما الآسيوية باعتباره كان مسؤولاً عن السينما العربية، والجميع كان
يعرف أني متخصص بالسينما العربية أكثر من أي شيء أخر باعتباري أمتلك خبرة
سابقة في هذا المجال، وطلبوا مني طلب محدد خمس عروض عالمية ودولية في
المجالات الثلاث: الروائية الطويلة، والوثائقية الطويلة والأفلام القصيرة.
كان تحد كبير لاكتشف فيما بعد أن الأفلام الوحيدة التي عرضت
لأول مرة كانت الأفلام الاسيوية التي كلفت بإحضارها إلى المهرجان، ذلك كان
بالنسبة لي كان تعزيز لوجودي في المهرجان الذي قرر أخيرا أن أكون المبرمج
العربي في المهرجان.
منحني مهرجان أبوظبي فرصة تحقيق كل ما أريده في هذا العمل..
وهذا المهرجان مع مهرجان دبي كانا أول مهرجانين حديثين في المنطقة العربية،
بمعنى، أنهما كانا مهرجانين بمقاييس عالمية تنظيميياً وفنياً خلافا لبعض
المهرجانات العربية الأخرى التي كانت تقليدية من جهة تمويلها الحكومي
واقتصارها على الأفلام العربية، وأيضاً الحذر من الاستعانة بالكادر الأجنبي
في تنظيمها.. فدبي مثلا كان 40% من كادره التنظيمي من تورنتو ومن استراليا
والامر نفسه عن ابوظبي، فهذه المهرجانات بدأت حداثة في تنظيم المهرجانات.
وكانت فرصة مهمة أن أعمل مع هذه الكوادر، كانت تجربة أبوظبي هي صقل حقيقي
ومكتمل لخبراتي، وصحيح أنه توقف في دورته الثامنة، لكنه كان صلبًا وقائمًا
واستطاع أن يخلق كيان جديد، كنت مسؤولا عنه اسمه (صندوق سند) الذي يهتم
بالإنتاج المشترك وخلق فرص ولادة أفلام جديدة، وهذه بطبيعة الحال تعتبر
قضية أساسية وحيوية ولابد منها، وهذا الصندوق استطاع خلال ستة أعوام أن
يساهم في إنتاج حوالي120 فيلمًا، أغنت هذه التجربة خبرتي في قضية الإنتاج
المشترك، وكيفية التعامل مع المشاريع، في مرحلة التطوير.
خلال هذ الفترة جاءتني دعوة من مهرجان الجونة السينمائي
الذي أصبح فرصتي الجديدة لأضع فيه جميع ما جنيته من خبرة في السنوات
العشرين الماضية
·
نجاحك في المجال السينمائي، أرى أنه كان مهرجان الجونة
السينمائي،.. حدثنا أولا عن السبب في نجاح المهرجان ، وثانيا وطريقك انت
للوصول الى هذا المهرجان؟
-
هناك أسباب متعددة لنجاح أي مشروع أهمها هي الحاجة لهذا المشروع، وهذا
باعتقادي السر الرئيسي وراء نجاح الجونة. ففي نفس العام، أعني العام الذي
انطلق فيه مهرجان الجونة توقف اثنين من أهم المهرجانات العربية وهما أبوظبي
ودبي، إضافة إلى حالة الإحباط العامة التي ظهرت بعد فشل الربيع العربي، خلق
حاجة ماسة للنجاح، فهناك عطش حقيقي للإنجاز، وأعتقد أنه من حسن حظ المهرجان
أنه جاء في هذا التوقيت، ليعطي أمل الاستمرار وحلم النجاح. هذا عامل، أما
العامل الثاني أن أي مهرجان سينمائي ليس لديه عذر في أن يقول انه لابأس
بوجود مشاكل في المحاولة الأولى أو الثانية.. المفروض، أن يبدأ المهرجان من
حيث انتهى أي مهرجان سينمائي كبير، ويجب ان نتعلم من خبرة 75 سنه لمهرجان
كان، وخبرة اكثر من سبعين عام من مهرجان لوكارنو.. لذلك يجب ان تكون
البداية بأخطاء قليلة. وعليه فإن مهرجان الجونة بدأ بداية قوية ..اولاً
توفرت له مدينة جميلة جدا، طبيعتها تشبه طبيعة أي مدينة يقام فيها مهرجان
ناجح، فغالبًا ما تكون في العواصم أو في مدن كبيرة، مثل برلين وتورنتو،
والقاهرة وغيرها، أو في مدن نائية، أما جبلية مثل ساندانس، أوبحيرة مثل
لوكارنو، أو ساحل مثل كان، سان سباستيان، أو غيرها... وعليه فإن الجونة
تمتلك تلك المواصفات، مدينة ساحرة وجميلة.. أتذكر جيدًا أنه في الشهر
السابع قبل انعقاد الدورة الاولى للمهرجان، طلب مني أحد الزملاء الإداريين
قائمة بأسماء الأفلام، يعني قبل انعقاد المهرجان بشهرين فقط، فأخبرته أن
هناك فيلمين فقط، فدب الرعب بين إدارة المهرجان، وأصبح هناك تصور أولي أن
المهرجان أخطأ في الاستعانة بي، ويجب أن يكون هناك شخص أجنبي أو ذو خبرة
عالمية للمهمة.. لكن بالنسبة لي كان عندي منهج معين، هو كيف نأتي على الاقل
ب 80% من أفلام عمرها شهرين، أوعلى الأقل 50% عمرها ثلاثة أسابيع.. هذا هو
الذي خلق قوة ضخمة في البرنامج، وهي أن كل شيء جديد عندك، لم يطلع عليه
ضيوف المهرجان من قبل .. وبالتالي بنينا على هذا النجاح نجاحات أخرى في
السنوات التي تلتها. الطريف أنه في نهاية الشهر السابع أصبح لدينا 22
فيلما. وهذا ما أعنيه وهو أن تبدأ بطموح عال، وأهداف كبيرة جدا. وعندما عرض
علي أفلام عربية من انتاج 2015 و 2016 وكنا نحن في عام 2017، اخبرتهم أننا
لا نستقبل أي فيلم عربي إلا كعرض أول، فأجابوني: "على أي قوة تستند وتجعلك
بهذه الثقة"، فكان ردي واضحاً في أنني مستند على طموحات، وهذه ما أصبح
نهجاً في الأعوام الخمسة اللاحقة.
الامر الآخر استفدنا من أخطاء جميع المهرجانات التي
سبقتنا.. فقمنا بتوفير صالات عرض جيدة ومستوفية لكل شروط العرض، ووجهنا
دعوات بدون محسوبية، ولجان تحكيم منتقاة، والمهرجان هو ليس عروض فقط بل
تفاعل، إضافة إلى أننا بدأنا بكادر سينمائي جيد منذ الانطلاقة الأولى.. كل
هذه الأمور مجتمعة، جعلت المهرجان منذ دورته الأولى الأكثر جذبًا في
المنطقة العربية للأفلام والموزعين.
ومن العوامل الرئيسية كان سعة صدر وأفق مالكي المهرجان من
عائلة ساويريس ودعمهم الغير محدود. فعقلية
المهندس
نجيب
سويرس،
الذي
يعرف
كيف
ومتي
يبدأ
حدثًا
عالميًا،
والمهندس
سميح
سويرس،
الذي
أسس
مدينة
مذهلة
من
الصفر،
والذي
خطط
لهذا
المهرجان
منذ
26
عامًا ،وقام يإنشاء
«مركز
الجونة
للمؤتمرات
والثقافة».
والذي إحتضن مهرجان الجونة في دورته الرابعة والخامسة وسيكون هو المركز
الرئيس للمهرجان في دوراته اللاحقة.
·
الدورة الأخيرة لمهرجان الجونة، اتسمت بالكثير من الأحداث
وأثارت جدلًا واسعا.. لماذا اتسمت هذه الدورة بكل ذلك؟
-
اعتبر الدورة الخامسة الأكثر اكتمالاً .. حتى تأثيرات وباء كورونا غدت أقل
وطأة، فكان هناك تطور كبير في المهرجان على أكثر من مستوى، فبرنامج
المهرجان ازدحم بأفلام مهمة ،انعكاسأ لامتلاء الموسم العالمي بالافلام
الجيدة، وكانت حصيلة إنتاج 2020 و2021 ، أما المستوى الآخر هو عدد الضيوف
ففي الوقت الذي كان من المفترض أن يكون عدد الضيوف هو من 600 الى 700 كان
هذا العام لدينا أكثر من 1200 ضيف.. المستوى الثالث هو الاهتمام العالمي
الكبير المتنامي بالمهرجان،وأخيرًا توسيع المسرح الرئيسي للمهرجان ليضم
أكثر من 1500 شخص ، وكان هذا عامل مهم للنجاح..
وبالتوازي مع هذه النجاحات صادفتنا مجموعة من المشاكل، وأول
مشكلة كانت الحريق الذي اندلع في مقر المهرجان في الليلة التي سبقت
الافتتاح، إلا أن هذا الحريق تحول إلى قصة نجاح مذهلة، عندما استطاع 1600
عامل خلال ليلة واحدة أن يعيدوا كل شيء إلى مكانه. وأثار فيلم (ريش) بعض
الحساسية حيث انسحب ثلاثة من الممثلين المصريين وصاحبه ضجة بالسوشيال ميديا
على مدى أسبوعين أو ثلاثة.. لكن هذا الفيلم قد فاز بجائزة أفضل فيلم عربي
بالمهرجان، وكان قد فاز في وقت سابق بجائزة أسبوع النقاد في كان، ومن حسن
الحظ أن مهرجان قرطاج في تونس منحه 4 جوائز من ضمنها الجائزة الكبرى..
فالنقاش الذي حصل عن الفيلم كان نقاشًا صحيًا، لكن عن وضع غير صحي في مصر
او في العالم العربي، لأنه هناك في تصوري رجعة كبيرة في تلقي العمل
السينمائي، وهذا ما شاهدناه مع امثلة عديدة منها الموقف من فيلم (اصحاب ولا
أعز)، أو برفض القبل في الافلام، والسينما النظيفة.. وغيرها من الأفكار
السوداوية. وصحيح أن اللغط عن الفيلم أثار بلبلة في مصر وفي العالم العربي،
لكنه عزز مكانة المهرجان الدورية، فتمسكنا بالفيلم وتمسكنا في قرار لجنة
التحكيم منحه الجائزة، كل ذلك جعل المهرجان في وضع دولي أفضل. لكن مع ذلك
خرجنا من الدورة بالحفاظ على الجانب اللوجستي، فالتغطية الصحفية كانت رائعة
وأكثر من أي سنة أخرى، لاينافسها اي مهرجان دولي في المنطقة العربية.
وقد أثيرت إشاعات عن كوني استقلت، أو تمت اقالتي من
المهرجان، وهذه الإشاعات تبنتها أكثر من صحيفة عربية، وكما تعرف ليس من
واجبنا، الرد على الإشاعات، لكننا وبدعم كبير من قبل المهندس نجيب سويريس
والمهندس سميح سويريس أصدرنا بيانًا ذكرنا فيه مواعيد الثلاث دورات
القادمة، وهذا لم يحصل في أي مهرجان سينمائي عربي آخر، والذي أسهم في إسكات
الأفواه التي كانت تلوك تلك الإشاعات، وتحولها إلى حملة دعم من النقاد
المصريين، والعرب لم اتفاجأ صراحة بها.
·
يفاجئنا المهرجان مع كل دورة بالجديد من الناحية اللوجستية
، أو من ناحية برنامجه .. ما الجديد في الدورة القادمة؟
-
نحن نبدأ منذ لحظة انتهاء المهرجان، تقييم الدورة السابقة أولًا. ونحن
مستعدون للدورة القادمة بشكل أصلب وأقوى.. وكما أسلفت أنني أعلنت في كلمتي
في ختام الدورة السابقة موعد الدورة القادمة، وهذا الشيء الأساس والمنطلق
لإجراءاتنا في هذه الدورة، في الأول من آذار سنفتح باب التقديم للأفلام،
ويوم الخامس عشر منه نفتح باب التقديم للمشاريع السينمائية، وحضر المبرمجون
مهرجانات سينمائية منها ساندانس وبرلين، وروتردام، ولكن هذه العام الموسم
كان مخيب للآمال بالنسبة للأفلام العالمية، فلم تكن هناك الكثير من الأفلام
الجيدة، لكن نتمنى ان يكون مهرجان كان المنطلق للأفلام المميزة وأيضًا
مهرجان فينسيا
.
ونتوقع أن تكون دورة هذا العام الاكثر اكتمالا من الدورة
السابقة لان دورة العام الماضي كانت فاصلة قي السيطرة على الكثير من
التفاصيل التي سنطبقها هذا العام، وبالتأكيد نعد جمهور المهرجان ببرنامج
قوي ومؤثر،
·
تجوالك في المهرجانات، وزياراتك الكثيرة لها، هل أضاف الى
ثقافتك السينمائية، وهل كان له تأثير على عملك؟
-
المهرجانات هي زاد ضخم جدا، وأنا شخصيا وعلى مدى ال 20 سنة الماضية، أزور
اكثر من 22 مهرجانا دوليا سنوياً، إلا أن هناك مهرجانات ملزمة يجب الذهاب
إليها سنويًا هي كان، وفينيسيا، وتورنتو، وكارلو فيفاري والباقي نتابعهم
باستمرار. كما أن المهرجانات هي صلة جيدة مع المخرجين والمنتجين والموزعين،
من مختلف العالم حيث يكون لديك اتصال مباشر معهم ويكاد يكون يوميا.. لتبادل
المعلومات عن مشاريعهم، أو رؤاهم المستقبلية، وفرصة للقاء جمهور واسع من
السينمائيين الذين تستقصي عبرهم أحدث أخبار المجال السينمائي.
·
سؤال لماذا الافلام العربية تنال مجاملة للمرور في
المهرجانات العربية، وكيف يتعامل مهرجان الجونة مع هذه الأفلام؟
سأتحدث فقط عن مهرجان الجونة السينمائي، فنحن لا نجامل في
الاختيار فيما يخص الافلام العربية أو الأجنبية على حد سواء، مثلًا هذا
العام اقتصرت المشاركة على خمسة أفلام روائية عربية، أولها شارك في
المسابقة الرسمية لمهرجان كان، الثاني فاز بجائزة أسبوع النقاد في كان
أيضا.. والثالث ذهب إلى فينيسا وفاز بجائزتين.. والرابع أيضا كان في
فينيسيا وفاز في جائزتين، والخامس شارك بنصف شهر المخرجين في كان. جميع
الأفلام الخمسة حظيت باهتمام وحضور كثيف وواسع، فواحدة من واجباتنا في
المهرجان هي حماية الفيلم العربي ودعمه وهذا واضح في سياق الجوائز التي
يمنحها المهرجان.. فأنت إذا ذهبت إلى مهرجان قرطاج ستجد أفلام أفريقية
أكثر، وإذا ذهبت إلى مهرجان سان سباستيان ستجد أفلام إسبانية ولاتينية
أكثر، وإذا ذهبت إلى مهرجان كان ستجد أفلام فرنسية أكثر، والى مهرجان
فينيسيا ستجد الافلام الايطالية أكثر. وكذا بالنسبة لمهرجان موسكو ومهرجان
كارلو فيفاري حيث كثافة أفلام أوروبا الشرقية. وهذا أمر طبيعي في جميع
المهرجانات. لكن المهرجان العربية تعرض ما هو متاح من الافلام العربية
لانها في الأصل قليلة. |