كشف الناقد السينمائي الأمير أباظة، رئيس مهرجان الإسكندرية
السينمائي لدول البحر المتوسط ورئيس الجمعية المصرية لكتاب ونقاد السينما،
عن قائمة أفضل 100 فيلم كوميدي في تاريخ السينما المصرية التي شارك فيها
عدد كبير من النقاد، والذي أجراه مهرجان الإسكندرية السينمائي بالتعاون مع
اتحاد النقاد المصريين.
ويولي مهرجان الاسكندرية هذا العام اهتماما خاصا
بالكوميديا، ويتضح ذلك من البوستر الفني المعبر عن الدورة، والذي يضم عددا
كبيرا من وجوه الكوميديا في مصر، مثل سمير غانم واسماعيل يس وفؤاد المهندس
ونجيب الريحاني وعبدالفتاح القصري وماري منيب وفطين عبدالوهاب، بالإضافة
لذلك تضم إصدارات المهرجان ومؤلفاته كتاب خاص عن الراحل فطين عبد الوهاب،
أحد أشهر مخرجي السينما المصرية والذي صنع عدد ضخم من الأفلام الكوميدية
المحفورة في أذهان المشاهدين.
وفي هذا السياق نستعرض أهم ما جاء في كتاب "فطين عبدالوهاب
ساحر الكوميديا" للأستاذ الدكتور وليد سيف، الناقد السينمائي ورئيس قسم
النقد السينمائي في معهد النقد الفني بأكاديمية الفنون، وقد شمل تحليل دقيق
لمجموعة من أفلام فطين الشهيرة وتقسيم لمراحل عمله وتطوره في السينما
المصرية.
يُعرف الكاتب في البداية الجمهور بأصل ومفهوم الكوميديا،
ويشير في هذا الإطار إلى أنه نوع من أنواع الأفلام التي تعرض الحياة
وأزماتها بأسلوب ضاحك محبب لترفه عن المشاهدين والشخصيات هي الأساس في بناء
الموقف الدرامي وإنتاج شكل من المغالطات المدروسة المعدة للمفارقة الدرامية.
ذكر الكاتب أن فطين بدأ عمله في السينما مثل جميع الفنانين
في هذه الفترة من خلال التعلم وتلقي الخبرة من العمل المباشر كمساعد مخرج
ثاني حيث لم يكن أنشأ بعد معهد الفنون المسرحية، وامتدت المرحلة الأولى من
أفلامه (1949 لـ 1954) وأخرج خلالها 8 أفلام معظمها من النوع الكوميدي،
منهم إسماعيل يس في بيت الأشباح، وقد طرح فطين في هذا الفيلم لأول مرة
الفكرة التي شغلته وعبر عنها كثيرا في أفلامه وهي ضرورة تكاتف الأسرة في
مواجهة الغرباء والأشرار، وهي فكرة ستظل الأكثر نجاحاً وامتلاكاً للقدرة
على التعبير سواء امتد معنى هذه الأسرة إلى الوطن المصري أو العربي بكل
دلالاتها.
يقول سيف: "ووظف فطين في هذا الفيلم تحديدا لأول مرة أسلوب
الخدع السينمائية بإجادة مناسبة على الرغم من أن الخدع كانت سر الأسرار
التي يعرفها إلا مخرجين قلائل على رأسهم نيازي مصطفى".
توقف سيف أيضا عند فيلم الأستاذة فاطمة، ووصفها أنها تجربة
فطية المبكرة المهمة، كعمل تبلور فيه أسلوبه عبر عن تمكنه من مختلف عناصر
الفيلم، وهو من أفلام كوميديا الموقف الخالصة المبكرة، وكان أول أدوار فاتن
الكوميدية، وأكد سيف على ذكاء فطين في اختيار الشخصيات، حيث وظف الفنان ذو
الملامح الجادة والطابع التراجيدي في أعماله، عبدالوارث عسر، في شخصية
مواجهة لشخصية عبدالفتاح القصري الهزلية، وهذا التناقض في الشكل والمضمون
فرض حالة كوميدية نابعة من التناقض عبر الثنائيات.
وفي نفس المرحلة أخرج فطين فيلم الآنسة حنفي، وهو فيلم
مختلف ذو فكر متقدم على الزمن الذي عرض فيه، يقول سيف أن هذا الفيلم سبق
بكثير موجة الأفلام التي دعت لحرية المرأة ومناصرة قضاياها عبر تناول جاد
ومأساوي غالبا ومنها أريد حلا ولا عزاء للسيدات وعفوا أيها القانون، وغيرها
من الأفلام أما الآنسة حنفي فتناول الموضوع بأسلوب شديد السخرية والتهكم
وفي حبكة محكمة تعتمد على المفارقة والمواقف الكوميدية التي تنجم عن تبادل
المواقع.
"التناقض
بين الشخصية في مراحلها المختلفة يصنع إحساسا كوميديا عاليا والكوميديا في
الآنسة حنفي لا تنبع فقط من النص الدرامي المحكم ولا من الأداء المتقن
للممثل وكافة الممثلين لكنها تنبع أيضاً من البناء البصري للمشهد وتوظيفه
بدقة وإجادة لخدمة المعنى".
في فصل مستقل تحت عنوان الانفتاح والتنوع، قال سيف، أنها
مرحلة الغزارة بالنسبة لفطين، وهي مرحلة انفتاح كبير على مختلف أنواع
الأفلام إلى جانب الكوميديا طبعا، وهي تمتد من 1955 حتى 1961، أنجز خلالها
22 فيلما وشهدت خلالها أغزر سنوات ظهوره أفلامه وهو عام 1960 الذي عرض له
خلالها 7 أفلام دفعة واحدة تأكيداً على نجاحه وطاقته الفنية الكبيرة، وقدم
خلالها مجموعة "إسماعيل في..." وصل عددها 15 فيلما وضمت أعمال ميلودرامية،
ولكن أبرزها كان أفلام كوميدية شهيرة جداً، مثل ابن حميدو و العتبة الخضرا
و إشاعة حب.
خصص سيف جزء مهم لتحليل فيلم إشاعة حب، "بعد تجربته
المبكرة في فيلم الأستاذة فاطمة يعود فطين بعد سنوات مرة أخرى إلى تقديم
الكوميديا بدون بطل كوميدي في إشاعة حب، وهو بداية مرحلة تخليه عن النجم
الكبير إسماعيل يس، كبطل لغالبية أفلامه ليصبح فطين هو المسؤول الأوحد عن
صنع الكوميديا وصاحب الفضل الأول في نجاحها وهو التوجه الذي سيختاره بعد
ذلك في غالبية أفلامه.
في المرحلة التالية، أخرج فطين عددا من الأفلام التي اعتمدت
على نجوم ونجمات خارج إطار الكوميديا، وانتج فيها 11 فيلماً منها آه من
حواء، الزوجة 13، وعائلة زيزي، واعترافات زوج، ووصفها سيف أنها مجموعة من
روائع الكوميديا المصرية ولم يفشل فطين من خلالها في تحقيق نجاحات متتالية.
آخر المراحل في حياة فطين عبدالوهاب، ومنها مراتي مدير عام
وكرامة زوجتي وعفريت مراتي، وأرض النفاق، ونص ساعة جواز، خطيب ماما، 7 أيام
في الجنة، وأضواء المدينة، يذكر أن في هذه المرحلة كانت شادية نجمتها
الأساسية.
نذكر في هذا السياق، ما أشار إليه سيف عن فيلم أرض النفاق،
لأنه من الأفلام التي حظت بإشادة واسعة، "حظى الفيلم باهتمام نقدي توازى مع
عرضه، وقال عنه الناقد نادر عدلي أن فطين يحقق في الفيلم أمرين مهمين
أولهما أن طبيعة القصة أتاحت له إمكانية بناء المواقف الكوميدية التي تؤدي
إلى مواقف أخر والتي يصبح كل موقف فيها يمثل حالة كوميدية في حد ذاته
والأمر الثاني هو وجود قضية اجتماعية تتمثل في الانتقادات التي توجه لبعض
السلوكيات السياسية والاجتماعية وما تسببه من تخلف".
ويقول سيف: "أما عن فيلم مراتي مدير عام فقد حقق فطين م
خلاله انتصارا للمرأة بعد رائعتيه الآنسة حنفي والزوجة 13، ويعتمد هنا على
سيناريو يمارس أيضاً وضع الشخصيات في تجربة والتجربة هنا تنبع من تساؤل
درامي أساسي ماذا يحدث لو أصبح أحدهم مرءوساً لزوجته في العمل؟ ويتناول
الفيلم القضية بمعالجة كوميدية ويحمل روح الفكاهة بداية من البوستر ومنذ
البداية وقبل نزول العناوين حيث تعبر عن عبقرية الاختزال عند فطين والقدرة
على التمهيد للأحداث بذكاء في مشهدين قصيرين... كما أن التحول للشخصيات في
الفيلم يقع تدريجيا عبر الأحداث والمواقف وبقدر ما تصيبك النهاية بالدهشة
والمفاجأة بقدر ما تتأكد من مراجعتك لأحداث الفيلم وبنائه أنها النهاية
الطبيعية التي لا تعبر عن رؤية صناع الفيلم فقط ولكن تتسق مع المقدمات
والتطورات التي وقعت خلال الأحداث والتي عبرت عنها اللغة السينمائية بأبسط
وأفضل أسلوب".
كان المخرج فطين عبدالوهاب أحد المخرجين المصريين البارعين
في خلق الكوميديا من بين براثن الفنانين المشهورين بأعمالهم الميلودرامية
والتراجيدية، وحققت كثير من أفلامه نجاح كبير سواء على المستوى الجماهيري
أو التقدير النقدي الذي ربما تأخر أحياناً ولكن اكتشفت الأجيال فيما بعد
أهميته الفنية وتأثيره في السينما المصرية. |