ملفات خاصة

 
 
 

(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا ـ 2)

الدورة الجديدة لمهرجان فينيسيا من زاوية مخرجيها تعرض أساليب فنية مختلفة ورؤى ذاتية متعددة

مهرجان فينيسيا (إيطاليا): محمد رُضا

فينيسيا السينمائي الدولي التاسع والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

(«الشرق الأوسط» في مهرجان فينيسيا ـ 2)

الدورة الجديدة لمهرجان فينيسيا من زاوية مخرجيها تعرض أساليب فنية مختلفة ورؤى ذاتية متعددة

مهرجان فينيسيا (إيطاليا): محمد رُضا

من الصعب أن يجد أي مهرجان سينمائي مثل هذه المجموعة الكبيرة من المخرجين التي تتألف منها هذا العام الدورة الجديد (التاسعة والسبعين) التي بدأت رسمياً في الحادي والثلاثين من أغسطس (آب) الماضي وتنتهي في أعقاب ليلة العاشر من شهر سبتمبر (أيلول) الحالي.

أسباب الصعوبة متعددة. لديك أولاً احتمال أن يكون المخرج ما زال قيد العمل ولم يستطع إنجاز فيلمه في الوقت المحدد. أو أن يرتبط المخرج بمهرجان آخر طلب الفيلم لعرضه كعرض عالمي أول ورأى المنتجون بأنه من الأفضل تخصيص المهرجان الآخر به. وربما، فضل البعض التوجه إلى أي من المهرجانين المنافسين (برلين وكان) عوض فينيسيا، متلمّسين أجواء تجارية أفضل كونهما يحتويان على سوق دولية لها مريدوها وزبائنها.

لكن ما يبدو ماثلاً بالنسبة لمهرجان فينيسيا هذا العام، وفي الأعوام السابقة عموماً، قدرته على استحواذ العدد الكبير من المخرجين الآتين من شتّى أنحاء العالم المنتج بغزارة. قارن بينه وبين مهرجان «كان» الذي استعرضناه هنا في مايو (أيار) الماضي، وتجد أن دورة هذا العام من المهرجان الإيطالي لديها عدد أكبر بكثير من دورة مهرجان «كان» الأخيرة.

للتحديد، لدى الدورة الجديدة من مهرجان فينيسيا الحالية، من بين المخرجين الكبار والمشهورين أسماء لا جدال في أهميّتها. على سبيل المثال أليهاندرو غونزاليز إيناريتو، ودارن أرونوفسكي، وفردريك وايزمان، وأندرو دومينيك، وولتر هِل، وكيم كي - دوك، وبول شرادر، وسيرغي لوزنتزا، وأوليفر ستون، ولارس فون تراير، وجياني أميليو، وتود فيلد، ولوكا غوادانينو، وجعفر باناهي، وأوليفيا وايلد، وجاينكارلو روزي.

بمثل هذا العدد الوفير من صانعي الأفلام ذوي البصمات، لا يمكن إلا والتمتع ببانوراما واسعة من فنون التعبير والأساليب الفنية والاهتمامات الإنسانية والفكرية. بعض هؤلاء في قمّة عطائه اليوم وفي صدارة الاهتمام العالمي، وبعضهم يقف في صف ثان قريب ساعياً لتجاوز المسافة الباقية بعد رحلة سنوات من المحاولات والمساعي الخالصة للوصول إلى المكانة التي يحتلها اليوم.

النظر إلى هذه الدورة من زاوية المخرجين أنفسهم يكشف عن السبب الذي من أجله امتهن المخرجون مهنتهم هذه. هناك الرغبة في التعبير تواكبها الرغبة في وضع المعبّر عنه في إطار فني يحمل بصمته الخاصة. في أقل الاحتمالات هو سعي لتصدير الفكر والفن مجبولين معاً في لُحمة واحدة.

كما تختلف النتائج كلما خاض أحد هؤلاء في غمار فيلم جديد، تختلف المنطلقات والدوافع التي حدت بكل منهم للعمل في السينما. التجارب السابقة تشحذ همم معظمهم للمزيد. لذلك الحالي الجديد ينتمي، كبصمة الإصبع، للأعمال السابقة. تصوّر، مثلاً، أن يكون لديك بول شرادر مخرجاً كوميدياً وهو الذي لم يكترث إلا لتسجيل حالات أفراد أميركيين في مواجهة ظروف قاسية. أو أن تجد فردريك وايزمان قد تجاهل أسلوبه التسجيلي وهو يقدم على فيلم روائي لا يحمل تأثره (أو مدرسته؟) في ذلك النوع من السينما.

- أزمات ومصاعب

يقدّم المخرج المكسيكي أليهاندرو غونزاليز إيناريتو في المسابقة فيلمه الجديد «باردو» حول صحافي يعود إلى موطنه في المكسيك ليباشر إحدى أصعب المهمات: مراجعة ذاتية لنفسه وللعالم من حوله باحثاً عن هويّته الشخصية.

هذا هو الفيلم الطويل الثامن للمخرج إيناريتو وآخرها كان قبل سبع سنوات عندما حقق فيلمه «المنبعث» حول بطله الذي يتركه شريكه للموت في البرية القاسية لكنه يواجه الأزمات البدنية والمخاطر الطبيعية لكي يستعيد قوته ويلتقي بمن أساء إليه من جديد.

في عالم إيناريتو هناك مواضيع مختلفة بلا رابط قصصي واحد. لقد عمد إلى تقديم حكايات مختلفة بشخصيات لا ترابط وثيق بين مراجعها الإنسانية أو الاجتماعية أو الثقافية حتى - أحياناً - عندما كان يسرد عدّة شخصيات في فيلم واحد (كمال الحال في «21 غراماً» و«جميل». لكن خارج النص والحكاية فإن الرابط موجود في كنه الرغبة في استخدام كل عناصر الصورة لتلعب دورها الأساسي. أفلامه تتميز بإدارة واثقة للكاميرا وما تتألف منه. ما علينا إلا أن نتذكر في ذلك «جميل» (2010) و«بيردمان أو الفضيلة غير المتوقعة للجهل» (2014) و«المنبعث» (2015).

في منحى مختلف يجمع المخرج الأميركي دارن أرونوفسكي بين الاهتمام بأزمات أبطاله وتوفير الإطار التعبيري لها من دون كثير شغل على ما يجعل اللقطة قابلة للتحليل والدراسة لذاتها. لا يعتمد كثيراً على اختلاف ذلك الإطار أو تميّزه عن سواه، لكنه ينجز دوماً ما هو مثير على صعيد تأليف الحبكة كما كان حاله في أفلامه من «قدّاس لحلم» (2000) إلى فيلمه الأخير «أم» (مع جنيفر لورنس وخافييه باردم سنة 2017.

فيلمه الجديد «الحوت» (The Whale) مثل «أم» ينظر إلى فحوى العلاقات بين شخصياته وكيف يحكم بعضها على نفسه بالمأساة... بطله (براندون فريزر بعد غياب) رجل بدين جدّاً وحالته وحدها مدعاة لحياة مأسوية تزداد حدّة عندما يحاول التواصل مجدداً مع ابنته الشابّة. لا بد من القول هنا إنه ليس كل أفلام أرونوفكسكي جيدة. «نوح» (2014) التاريخي ليس بقوّة وتميّز «بجعة سوداء» (2010) الدرامي و«النافورة» (The Fountain) سنة 2006 أقل قيمة من «المصارع» (The Wrestler) سنة 2008. لكن اهتماماته فنية وتجيز له البقاء بين أولئك الذين يُنتظر منهم دوماً عملاً أفضل من سابقه.

الفيلم الجديد لبول شرادر «ماستر غاردنر» سينضم، غالباً، لأعماله المهمّة والجيدة التي حققها حتى الآن. هو مخرج يتحرّى عن القيمة الأخلاقية بين شخصياته وهذا التحرّي ازداد حضوراً في أفلامه منذ «محنة» (Affliction) قبل 27 سنة. خلال السنوات القليلة الماضية بعث برسالته الباحثة عما يقع في عالم ممزّق بين الأخلاقيات والمبادئ وبين الماديات اللاغية لها كما الحال في «إصلاح أول» (2017) وفيلمه الأخير «عدّاد ورق اللعب» (The Card Counter) قبل عامين. في هذا الفيلم دفع باتجاه أن أحداً عليه أن يدفع ثمناً لما نعانيه من مشاكل ذاتية، تماماً كما كان حال السيناريو الذي كتبه لمارتن سكورسيزي سنة 1975 تحت عنوان «تاكسي درايفر». هنا يقدم حكاية من ذات الفصيل بطلها عالم نباتات (جووَل إدغرتون يتقرّب من أرملة (سيغورني ويفر) لأسباب ومنافع.

- من خارج السرب

بالنسبة لجعفر باناهي فإن مصدر الاهتمام به متعدد. عملياً، لا يلتقي هذا المخرج الإيراني في أسلوب سرده وأسلوب تنفيذه لما يعرضه سواء أكان دراما أو تسجيلياً، مع أي مدرسة غربية. الأقرب لمنهجه هذا هو بعض أعمال الراحل عبّاس كيارستمي والمعتزل محسن مخملباف، لكن حتى في ذلك هو مختلف من حيث مزجه بين الموضوع الدال على حقائق اجتماعية وبساطة تكوين رؤيته لها. سواء أكان التصوير داخل سيّارة (كما «تكسي طهران» (2015) أو في منزل («ستائر مغلقة» (2013 - وهو أحد أفضل أفلامه) أو في مكان كبير ومزدحم كما الحال في «أوفسايد» (2006) فإن هذا البحث عن حقائق الوضع الاجتماعي يزعج الحكومة الإيرانية التي، شأنها في ذلك شأن النظم الشبيهة، تواجه ذلك بقرارات المنع والسجن.

والسجن الذي يتعرّض له باناهي هو سبب آخر لتحلّق المهرجانات الكبرى حول أفلامه. هو نموذج الزمن الحالي بين الذين تعرّضوا للمعاملة ذاتها (مثل سيرغي بارادجانوف أيام الاتحاد السوفياتي) في السابق.

إلى حد بعيد، لا بد من اعتبار باناهي سينمائياً من خارج السرب المعتاد. وهذا هو الحال مع المخرج الأميركي وولتر هِل إنما لأسباب مختلفة.

ليس هناك من جدال فعلي حول التزامات وولتر هِل بالتوليفية الهوليوودية التي يؤمها بكامل مواصفاتها كلما وقف وراء الكاميرا. وهي المواصفات التي قلّما اكترثت لها المهرجانات الدولية كونها تعكس الرغبة في الترفيه، مهما كان تنفيذها جيداً، وبصرف النظر عما تطرحه.

هِل، الذي يقدم خارج المسابقة في الدورة الحالية لمهرجان فينيسيا فيلمه الجديد «ميت لدولار»، لن يخون تاريخه القائم على حكايات تتنوع بين التشويقي والوسترن. فيلمه الجديد عذراً لتحقيق فيلم وسترن جديد وهو النوع الذي يعشقه والنوع الذي أقدم عليه أكثر من مرّة. حتى أفلامه المنتمية إلى البوليسي والتشويقي يعالجها كما لو كانت أفلام وسترن تصلح لأن تعود بنفسها إلى القرن التاسع عشر ومشاغله.

أمّ هِل الإخراج سنة 1975 بعد أن عمل مساعداً ثانياً في بضعة أفلام من بينها «قضية توماس كراون» لنورمان جوويسُن و«بوليت» لبيتر ياتس (كلاهما سنة 1968).

تمتع فيلمه الأول «هارد تايمز» بوجود ممثلين من عصر كان لا يزال يحتفظ بذكرى لأولئك الذين انطلقوا في التمثيل وأدوار البطولة في الستينات. هو من بطولة جيمس كوبرن وتشارلز برونسون. الأول يدير الثاني في مصارعات غير قانونية مكانها الشوارع وبلا حلبات وكل شيء مسموح فيها.

فيلمه اللاحق لا يزال أحد أفضل. إنه «السائق» (1973) مع رايان أونيل في دور سائق سيارة تستخدمها عصابات سرقة المصارف للهرب بها. كل ما يطلب منه هو أن يجلس وينتظر ثم ينطلق حال فرار أفراد العصابة من البنك الذي سرقوه، ثم مهارته في تجنب مطاردة سيارات البوليس. لكن اللفتة الجيدة (أو واحدة منها على الأقل) هي أن رجل البوليس الصارم (بروس ديرن) يلاحقه شخصياً لأنه يعلم حقيقة عمله ولو أنه لا يملك دليلاً ضده.

فيلم هِل الوسترن الأول هو The Long Riders عن حياة الجريمة لعصابة يونغر وجيمس في الربع الأخير من القرن التاسع عشر. الحكاية حقيقية بشخصياتها وبعض أحداثها، وجمعت ثلاثة أشقاء من آل كاردين هم روبرت وكيث وديفيد وشقيقان من آل كيتش هما ستايسي وجيمس. الفيلم جوهرة بين أترابه في تلك الفترة وفي كل الأحوال أفضل من أي فيلم آخر عن هذه العصابة على كثرة الأفلام التي تعرضت لها.

بعد ذلك تعددت علامات النبوغ غير المقدّر من أهل النقد غير الغربي ومن بينها Southern Comfort وStreets of Fire وJohnny Handsome و24Hrs و- على الأخص - Gernonimo: And American Legend.

 

####

 

المشهد

بساطة لا تُحتمل

> مع كل دورة من مهرجان ما، لا بد للمرء أن يتذكر المرّة التي شهدت حضوره لأول مرّة. ما الذي أوعز بها؟ كيف بدأت؟ ما أضافته من جديد؟ وبماذا خرج من أفلام وانطباعات؟

> مثلاً المرّة الأولى التي حضرت فيها مهرجان برلين كانت في سنة 1977 وكانت آخر سنة يُقام فيها المهرجان الألماني في شهر يونيو (حزيران) قبل أن ينتقل إلى الموعد الحالي في فبراير (شباط) من كل سنة.

> عدا الأفلام والصالات (معظمها قفل أبوابه في السنوات العشرين الأخيرة) بدا وسط المدينة حافلاً بالحياة. رواد المهرجان كانوا يتوزّعون في الصالات المتقاربة. المحال تفتح لما بعد منتصف الليل وفرق جاز موسيقية في الشوارع المكتظة.

> في «كان» قبل ذلك بعام واحد وجدت نفسي بلا فندق لأني لم أكن أدرك معنى الحجز المسبق ولم أتوقع ألا أجد مكاناً أنام فيه لأكثر من ليلة واحدة. في أحد الفنادق استيقظت على بق أحمر غطّى جسدي. هلعت وأخذت حماماً ساخناً ثم بقيت مستيقظاً من الساعة الثانية بعد منتصف الليل إلى حين خرجت من الفندق صباح اليوم التالي بلا أسف.

> في فينيسيا سنة 1981 وقعت في حب جزيرة ليدو التي يُقام المهرجان فيها. هادئة. سيارات قليلة. طعام لذيذ. صداقات. وعيد سينمائي أكثر براءة وتواضعاً من سواه.

> مع الزمن، يشعر المرء أن هناك حالة انتقام غير مبررة حتى وإن لم تكن مقصودة، منذ أن طغت الحداثة العلمية على كل مرافق الحياة. ما كان بسيطاً ووديعاً ومتواضعاً أصبح معقداً ومفتعلاً.

> وهذا ليس وضع المهرجانات فقط، بل كذلك وضع كل شيء. باسم التحديث يمحون الأصالة وجماليات الأمس. الحياة، من البيت إلى المهرجان مروراً بالمطارات وسواها، باتت مليئة بالشروط والقواعد والتقييد. والخوف أنها ستأتي على ما بقي من حسنات الأمس.

 

####

 

لماذا حضرت هيلاري كلينتون مهرجان البندقية السينمائي؟

واشنطن: «الشرق الأوسط»

ربما كانت هيلاري كلينتون مرشحة رئاسية لعام 2016، السيدة الأولى السابقة ووزيرة الخارجية الأميركية السابقة أيضاً، لكنها الآن تقوم بجولات في صناعة السينما.

ظهرت السيدة البالغة من العمر 74 عاماً بشكل نادر في مهرجان البندقية السينمائي يوم الأربعاء، وأذهل حضورها البعض الذين تساءلوا عن سبب وجودها هناك، وفقاً لصحيفة «نيويورك بوست».

ظهرت كلينتون على السجادة الحمراء في العرض الأول لفيلم «نتفليكس» القادم «White Noise» للمخرج نوح بومباخ. تخلت عن مظهرها المعتاد وبدلاً من ذلك ارتدت قفطاناً أزرق وحذاء مسطحاً لامعاً.

كان الكثيرون في حيرة من أمرهم بشأن سبب وجودها هناك، ولكن انتشرت الشائعات حول أن حضورها يرتبط بعلاقتها بمنصة «نتفليكس». يعتبر عملاق البث هو أيضاً على رأس الفيلم الوثائقي لكلينتون وابنتها تشيلسي، بعنوان in her hands - «بين يديها». سيكون المشروع الأول من شركة «هيدين لايت» للإنتاج الجديدة التابعة لشركة كلينتون.

على وسائل التواصل الاجتماعي، بدا المستخدمون مندهشين بشكل كبير من ظهور كلينتون. قال أحدهم: «غير ضروري تماماً في عصر التشرد الجماعي والموت».

وأضاف آخر: «لدي شعور بأن هيلاري كلينتون ستنسحب من العرض في مهرجان البندقية السينمائي وتومئ برأسها وتقول إن الفيلم تم تصويره بشكل جيد حقاً».

وقال مستخدم ثالث: «هيلاري كلينتون تظهر في مهرجان البندقية السينمائي من دون سبب».

من المقرر أن يبدأ عرض فيلم «In Her Hands» في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي (TIFF) في 9 سبتمبر (أيلول) وسيُعرض على «نتفليكس» وفي دور عرض مختارة يوم 16 نوفمبر (تشرين الثاني).

مع ذلك، كشف أحد ممثلي «نتفليكس» أن ظهور كلينتون لا علاقة له بالفيلم الوثائقي.

وقال: «هيلاري كانت ضيفة في المهرجان بليلة الافتتاح. الأمر ليس بسببنا، ولكن بالطبع، نحن نعمل معها على فيلم (بين يديها)».

من المقرر أن تحضر تشيلسي (42 عاماً) ووالدتها أيضاً وتتحدث في مهرجان تورونتو السينمائي الدولي في وقت لاحق من هذا الشهر عن سلسلة «هيدين لايت» الأخرى - «غاتسي».

 

الشرق الأوسط في

02.09.2022

 
 
 
 
 

خاص "هي"-

مهرجان فينيسيا 2022: فيلم "Alone".. مراهق متمرد يمنع أختيه من الزواج

أندرو محسن - مهرجان فينيسيا

ضمن مسابقة أيام المؤلف أو ما يعرف بأيام فينيسيا "Giornate deglu Autori" التي تجري فعالياتها بالتزامن مع مهرجان فينيسيا السينمائي، عرض الفيلم الإيراني "وحيد" (Alone) للمخرج جعفر نجفي. في الوقت الذي تتصاعد فيه على مواقع التواصل الاجتماعي المناقشات عن حقوق وواجبات المرأة المتزوجة، يقدم لنا هذا الوثائقي مراهق في الرابعة عشر، يقف ضد رغبة شقيقتيه التوأم في الزواج.

المراهق الحكيم

يتابع المخرج أمير الذي يعيش مع أسرته الصغيرة في إحدى القرى الإيرانية. بعد وفاة الأب يصبح أمير هو المسؤول عن الأسرة، وصاحب القرار النهائي في مصائر والدته وأختيه التوأم. في البداية سنشعر أننا أمام الشكل التقليدي لسيطرة الرجل الشرقي على مصير أسرته، خاصة النساء منها، حتى وإن كان هو الأصغر في السن، لكننا تدريجيًا نكتشف أن هذا المراهق لديه عقل يتجاوز سنه، وبصيرة تتحدى مجتمعه، مما يجعلنا نعيد تقييم الموقف بأكمله.

يتوقف الفيلم في البداية عند هذه العلاقة بين أمير وأختيه مرزية ورزية، اللتان تصغرانه بعامين فقط، لكننا نشاهد أنه يملك اليد العليا، فيستطيع أن يضربهما أو يرفع صوته عليهما إن أراد. لكننا في الوقت نفسه نشاهد جانبًا آخر منه إذ هو يعود ليعتذر عن هذه التصرفات، بل ويطلب أحيانًا من أختيه رد الإهانة التي ألحقها بهما. هذه التفاصيل التي نشاهدها بالتدريج من خلال تفاعل الأخوة معًا، تجعلنا ندرك أننا أمام طفل/مراهق مختلف، لا يسيء استغلال السلطات الممنوحة له من الأسرة ومن المجتمع. سيدفعنا هذا للتساؤل عن المؤثرات التي تجعل أمير مختلفًا بهذه الصورة، وهو ما يجيب عنه الفيلم خلال أحداثه.

سريعًا سنعرف أن ما يميزه ليس فقط المعاملة المختلفة التي يعاملها لأختيه، بل موقفه المتفرد ضد رغبة أختيه في الزواج وهما بهذه السن.

مراهق ضد قرية

مبكرًا سنعرف أن أمير كانت له أخت كبرى، لكنها ماتت تاركة خلفها طفلًا ذو 3 سنوات، فيسعى أرملها، الذي يتجاوز الأربعين، للزواج من إحدى الفتاتين مرزية أو رزية، نظريًا لترعى الطفل، لكن لا يخفى علينا أنه يرغب في الزواج لتصبح هذه الزوجة الجديدة بمثابة خادمة له.

المفارقة تظهر في أن الأختين ترغب كلتاهما في الزواج من هذا الرجل الذي يكبرهما بحوالي 30 سنة، بل وتتشاجران حول من الأحق بالزواج منه، بينما يرى أمير أنه ذلك الرجل كان سببًا في وفاة أخته الكبرى، وبالتالي لا يرغب في تكرار السيناريو نفسه مع إحدى شقيقتيه الأخريين.

يستخدم المخرج جعفر نجفي أساليب مختلفة لنقترب أكثر من الشخصيات، فتارة نستمع إلى ردودهم على الأسئلة التي يوجهها المخرج في حوار بالشكل التقليدي، وتارة أخرى نشاهدهم يتفاعلون مع بعضهم مما يبين لنا جوانب أخرى لا تظهر في الحوارات المباشرة. ومن خلال هذه الأساليب المختلفة، نكتشف أن أمير لا يعارض فقط رغبة أختيه في الزواج، بل يعارض القرية بأكملها.

في مشاهد متعاقبة نشاهد الضغط المتواصل على هذا المراهق من خلال أقاربه وسكان القرية ليوافق على إتمام الزواج. رغم الشعور بتكرار هذه المشاهد، الضغط والرفض، فإننا المخرج يقدم لنا في كل مرة شكلًا مختلفًا لهذا الضغط، فتارة نشاهد الابتزاز العاطفي من خلال الحديث عن الطفل الصغير ابن أخته، وتارة من خلال الترغيب المادي وتصوير هذا العريس الجديد القديم بأنه غني، وحتى الدين، نشاهد أحد الأشخاص يستخدمه لإقناع أمير بالعدول عن رأيه، وفي كل مرة كان جوابه الرفض.

البساطة بادية في موضوع هذا الفيلم، والتي تظهر بداية من عنوانه، فالوحيد هنا هو أمير أمام قريته بأكملها، لكننا في حقيقة الأمر سنجد أن الفيلم في مدته القصيرة (61 دقيقة) يتركنا مع الكثير جدًا من المشاعر المتضاربة. على الأرجح لن نملك ألا أن نعجب بهذا المراهق المتمرد الذي يتحدى الجميع، ليس من أجل مكسب شخصي، بل لأجل مكسب لأختيه، لينعما بحياة أفضل، لكننا في الوقت نفسه سنجد أن هذه القدرة على قول "لا" الممنوحة لأمير، إنما منحت له لكونه ذكر فقط، وربما لو كانت الصورة معكوسة، أمير هو الراغب في تزويج أختيه والأختان ترفضان الزواج، لكنا شاهدنا حفل الزفاف!

على الجانب الآخر، قد يندهش المشاهد من رغبة كلتا الأختين في الزواج وهما في هذه السن الصغيرة، لكننا مع مرور الأحداث ومشاهدة العادات داخلة القرية سنجد أن المصير الأبرز للفتيات هناك هو الزواج في سن مبكرة، بل أننا نستمع إلى إحداهن تُجمل صورة الزواج المبكر وتقول إن من مزاياه أنها ستكبر مع أطفالها. لهذا، عندما تتحدث مرزية ورزية عن أحلامهما لبيت الزوجية، فسنجد أنهما يحلمان بأن يكون لهما سرير خاص وخزانة للملابس، هذا هو تصورهما عن عش الزوجية.

بقدر ما يمنحنا "الوحيد" نظرة عميقة على حالة توجد في الكثير من المجتمعات الشرقية، بقدر ما يترك مع نهايته شعورًا حزينًا، وتساؤلًا: ماذا لو رضخ أمير لأهل القرية في النهاية ووافق على تزويج أختيه؟

الصور من موقع مهرجان فينيسيا

كاتب وناقد سينمائي

 

مجلة هي السعودية في

02.09.2022

 
 
 
 
 

آنا دي أرماس غاضبة من تصنيف فيلم «Blonde» للكبار: لا أفهم السبب

كتب: نورهان نصرالله

أبدت الممثلة آنا دي أرماس استياءها من تصنيف فيلمها المنتظر «Blonde» للمخرج أندرو دومينيك، الذي تجسد خلاله حياة أيقونة هوليوود الراحلة مارين مونرو، لـ «NC-17» أي غير مناسب للمشاهدين أقل من 17 عاما، على منصة «نتفليكس» المقرر طرحها خلالها في 28 سبتمبر الجاري، بعد مشاركة الفيلم في المسابقة الرسمية بالدورة الحالية من مهرجان فينيسيا السينمائي، والذي تستمر فعالياته حتى 10 سبتمبر

وعلقت آنا دي أمارس على تصنيف الفيلم، «لا أفهم سبب حدوث ذلك»، متابعة: «يمكنني أن أخبرك بعدد من العروض أو الأفلام الأكثر صراحة مع محتوى جنسي أكثر بكثير من الفيلم، ولكن لسرد هذه القصة من المهم إظهار كل هذه اللحظات في حياة مارلين التي جعلتها ينتهي بها الأمر كما حدث، كان ذلك بحاجة إلى شرح»، وفقا لما نشره موقع «ET» الفني.

بطلة فيلم «Blonde»: لم أقلد مارلين مونرو في الفيلم

وتعترف الممثلة البالغة من العمر 34 عامًا، بأن الفيلم كان يجب أن يغطي جميع الجوانب المريحة وغير المريحة في حياة نجم مارلين مونرو، وبالنسبة لـ«دي أرماس» كان الأمر أكثر من مجرد تقليد مونرو، قائلة: «لم تكن وظيفتي تقليدها، لقد كنت مهتمة بمشاعرها ورحلتها وانعدام الأمن لديها حتى صوتها».

وعن توقعات الناس عن الفيلم، أوضحت: «لا أعرف ما الذي يتوقعه الناس، لكن هذا بالتأكيد سيكون شيئًا مفاجئًا للغاية وسيصبح أكثر حميمية في حياة ورحلة نورما جين التي أصبحت نجمة السينما مارلين مونرو».

تفاصيل فيلم «Blonde»

فيلم «Blonde» مأخوذ عن رواية جويس كارول أوتس الأكثر مبيعا، من المقرر أن يعرض في مهرجان فينيسيا السينمائي، يوم 8 سبتمبر الجاري، ويشارك في بطولة الفيلم مجموعة من نجوم هوليوود من بينهم أدريان برودي، كزافييه صموئيل، جوليان نيكولسون، وليلي فيشر، وإيفان ويليامز، وتوبي هاس ، وديفيد وارسوفسكي، وكاسبار فيليبسون، ودان بتلر، وسارا باكستون، وريبيكا ويسوك، من إخراج أندرو دومينيك.

 

الوطن المصرية في

02.09.2022

 
 
 
 
 

المكسيكي إينياريتو يفجر الواقعية السحرية في البندقية

فيلم أشبه بمرآة سينمائية باهرة لأحوال وناس وأماكن ولحظات

هوفيك حبشيان

"باردو، توثيق مزيف لحفنة حقائق" هو سابع أفلام المخرج المكسيكي الكبير أليخاندرو غونزاليث إينياريتو وكان منتظراً لدى الذين أحبوا هذا السينمائي الخاص جداً، منذ بداياته مع "أموريس بيروس"، في مطلع الألفية الجديدة. بعد المشاهدة، يمكن الجزم بلا تردد أن الانتظار كان في محله. فصاحب "24 غراماً" الذي كان غائباً عن الإخراج منذ ست سنوات، انبعث من جديد في مسابقة مهرجان البندقية، مع فيلم يمكن أن يقع في خانة الواقعية السحرية، وهو مشروع طموح اشتغل عليه سنوات طويلة. والنتيجة مبهرة على أكثر من مستوى، على المستوى الإخراجي أولاً وأخيراً، ثم على مستوى المضمون الذي يفتح باب النقاش حول التاريخ المكسيكي. يقفز المخرج بين العام والخاص متجولاً بين المراحل والأمكنة المختلفة، ليروي تاريخ بلاده، حاضراً وماضياً، وعلى نحو لم يروه مخرج مكسيكي من قبل.

طوال نحو ثلاث ساعات، وهي مدة عرض الفيلم الذي شاهدناه في البندقية صباح اليوم، لم يفارقني فيلليني! ليس لأنه نسخ عنه شيئاً أو استلهم من رؤيته، بل لأن الكبار يذكروننا أحياناً بكبار آخرين. طيف فيلليني على ذراع إينياريتو كان حاضراً منذ مشهد الافتتاحية الذي يذكر كثيراً بـ"ثمانية ونصف" (1963). الفيلم يتظلل بسينما "الماغو" (اللقب الذي كان يُعطى لفيلليني ويعني ساحر باللغة الإيطالية) والموتيفات التي صنعها وصنعته، وهذا يصعب شرحه لمَن لم يشاهد الفيلم. من حركات كاميرا معقدة إلى ديكورات تحمل فلسفة في ذاتها، فزوايا تصوير عجيبة وشخصيات ثانوية تتسم بالغرابة، وصولاً إلى تكوينات بصرية صارخة بالألوان والمشاعر... هذا فيلم مليء بالسوريالية لا يبخل علينا بالإمكانات التي تخاطب الحواس، بل هو احتفاء بهذا الفن، وبقدرته على قول ما لا يُقال إلا عبره.

لا رواية ولا قصيدة ولا لوحة يمكنها نقل بعض الأحاسيس التي تداهمنا ونحن نشاهد الفيلم. إينياريتو الذي عُرف بأفلامه الطويلة، يبلغ هنا الساعات الثلاث، من دون أن يجعلنا نشعر بلحظة فراغ، بل يضعنا أمام ملحمة كل لحظة فيها تأتي بقطعة الحجرة التي تشيد الكاتدرائية. كل كادر عند إينياريتو، الذي يقدم هنا بلا أدنى شك أكثر فيلم شخصي له، يتنفس شعراً. 

فانتازيا فيللينية

كان "ثمانية ونصف" لفيلليني عن سينمائي (ماستروياني) يهرب إلى عالم الفانتازيا والأحلام والذكريات. في "باردو"، البطل هو صحافي وصانع أفلام وثائقية (دانيال خيمينيز كاشو) على شفير الهاوية. يختلف عن شخصية فيلليني، لكن الهروب واحد إلى أماكن مشابهة، تلك الأماكن التي يختلط فيها الحقيقي بالمزيف، الواقعي بالخيال، الخاص بالعام. هو أيضاً يعبر أزمة وجودية صعبة، لكن لا يبدو أنها تجعله يعيد النظر في خياراته الماضية، بل يريد فقط التأكد من أنه قام بالصواب. يود السماع من الآخرين ما يحلو له، ما يرضيه ويسعده، ولكن خلافاً لتوقعاته ورغباته، كل شيء من حوله يشاكسه ويخالفه. سندخل معه عالماً فيه كل شيء، الشرير والخير، الجميل والقبيح، العميق والسطحي. نتسلل إلى عقله الباطني، نقيم في ذكرياته، نتسكع في اللحظات التي يخرج فيها الفيلم من سياقه.

هذا كله ضمن صيغة حكائية يكاد إينياريتو لا يضيع خلالها طرف الخيط من شدة امتلاكه الأدوات. لا يعامل الفيلم بطله بحنو واكتراث، يتركه يحترق على نار خفيفة، ليرويه بقطرات مياه بين حين وآخر. كل شيء يتفجر في داخله، يتفكك ويتفتت، ليترك، الانفجار والتفتيت هذان، آثاراً جانبية. يبحث رجلنا الذي يتجول داخل سيرته وسيرة بلاده عن أجوبة لأسئلة وهواجس لم يحلها، وهي ظلت مؤجلة من جيل إلى جيل، من لحظة تاريخية إلى أخرى، لتتفاعل عبر الأمكنة، بين بلد الأصل والوطن المشتهى. مهما روينا وشرحنا وقلنا ما قل ودل على مضمون الفيلم، سنبقى مقصرين تجاه هذا العمل الثري الذي يعيد تشكيل روابط كثيرة، كما أنه يحاول وضع النقاط على الحروف على المستوى السياسي، في إطار العلاقة بين أميركا والمكسيك.

ست سنوات غياب كانت فترة كافية لننسى أن إينياريتو واحد من أكثر السينمائيين موهبةً في جيله. وها أن عودته عبر بوابة فينيسيا تذكرنا بما كنا نعرفه، وهذه أيضاً مناسبة للتأكيد أن الجماليات الدعائية التي اتُهم فيها في بداياته، باتت اليوم تعتبر سينما خالصة، وهو في هذا المجال كان رائداً. عقدان من الزمن، استطاع خلالهما التخلص من بعض الشوائب، ليبقي على الجوهر، وهو جوهر تلتقطه العين قبل الروح.

العودة إلى المكسيك

بهذا الفيلم يعود إينياريتو إلى بلاده الأم المكسيك، بعد 22 سنة على ابتعاده عنها، عندما بات ينجز أفلاماً خارجها. لكن من الواضح أنه ترك فيها الكثير مما يستحق العودة من أجله، على غرار مواطنه ألفونسو كوارون الذي سلك درب الماضي مع "روما". وهذه عودة طبيعية عند فنان اجتاز أكثر من منتصف حياته المهنية ومسيرته الفنية، بحيث الذي تبقى أقل مما مضى. انها لحظة مراجعة للذات والآخرين، لحظة تصفية حسابات مع العالم وإعادة ترتيب لمكان الفنان فيه. هذا كله يقوله إينياريتو في فيلمه، مباشرةً أو إيحاءً. وإذا كان فيلليني اختبأ خلف شخصياته ليروي ذاته ومخاوفه وأزماته الوجودية، فإينياريتو يحول الصحافي هنا إلى أناه الأخرى ليفكر ماذا يعني النجاح، وهل من إمكان للتخلص من الشعور بالذنب الذي يتأكله؟ لكنه لا يكتفي بذلك ففط، فالصحافي هنا انعكاس للكثير من الأمور، إنه في النهاية مرآة لأحوال وناس وأماكن ولحظات. ختاماً، نعم الفيلم لا تنقصه العيوب، لكنه صادق وحقيقي، هناك لحظات قد تتكرر بأشكال مختلفة، وهناك إطالة، وهناك تباه في صناعة شيء جميل، وهناك جوانب قد لا تعجب البعض أو لا يرى فيها ما يرضي ذائقته السينمائية... إلا أن ما هو جميل في السينما هو أنها كانت وستزال دائماً مكاناً للإختلاف. 

 

الشرق السعودية في

02.09.2022

 
 
 
 
 

المكسيكي إينياريتو يفجر الواقعية السحرية في البندقية

فيلم أشبه بمرآة سينمائية باهرة لأحوال وناس وأماكن ولحظات

هوفيك حبشيان

"باردو، توثيق مزيف لحفنة حقائق" هو سابع أفلام المخرج المكسيكي الكبير أليخاندرو غونزاليث إينياريتو وكان منتظراً لدى الذين أحبوا هذا السينمائي الخاص جداً، منذ بداياته مع "أموريس بيروس"، في مطلع الألفية الجديدة. بعد المشاهدة، يمكن الجزم بلا تردد أن الانتظار كان في محله. فصاحب "24 غراماً" الذي كان غائباً عن الإخراج منذ ست سنوات، انبعث من جديد في مسابقة مهرجان البندقية، مع فيلم يمكن أن يقع في خانة الواقعية السحرية، وهو مشروع طموح اشتغل عليه سنوات طويلة. والنتيجة مبهرة على أكثر من مستوى، على المستوى الإخراجي أولاً وأخيراً، ثم على مستوى المضمون الذي يفتح باب النقاش حول التاريخ المكسيكي. يقفز المخرج بين العام والخاص متجولاً بين المراحل والأمكنة المختلفة، ليروي تاريخ بلاده، حاضراً وماضياً، وعلى نحو لم يروه مخرج مكسيكي من قبل.

طوال نحو ثلاث ساعات، وهي مدة عرض الفيلم الذي شاهدناه في البندقية صباح اليوم، لم يفارقني فيلليني! ليس لأنه نسخ عنه شيئاً أو استلهم من رؤيته، بل لأن الكبار يذكروننا أحياناً بكبار آخرين. طيف فيلليني على ذراع إينياريتو كان حاضراً منذ مشهد الافتتاحية الذي يذكر كثيراً بـ"ثمانية ونصف" (1963). الفيلم يتظلل بسينما "الماغو" (اللقب الذي كان يُعطى لفيلليني ويعني ساحر باللغة الإيطالية) والموتيفات التي صنعها وصنعته، وهذا يصعب شرحه لمَن لم يشاهد الفيلم. من حركات كاميرا معقدة إلى ديكورات تحمل فلسفة في ذاتها، فزوايا تصوير عجيبة وشخصيات ثانوية تتسم بالغرابة، وصولاً إلى تكوينات بصرية صارخة بالألوان والمشاعر... هذا فيلم مليء بالسوريالية لا يبخل علينا بالإمكانات التي تخاطب الحواس، بل هو احتفاء بهذا الفن، وبقدرته على قول ما لا يُقال إلا عبره.

لا رواية ولا قصيدة ولا لوحة يمكنها نقل بعض الأحاسيس التي تداهمنا ونحن نشاهد الفيلم. إينياريتو الذي عُرف بأفلامه الطويلة، يبلغ هنا الساعات الثلاث، من دون أن يجعلنا نشعر بلحظة فراغ، بل يضعنا أمام ملحمة كل لحظة فيها تأتي بقطعة الحجرة التي تشيد الكاتدرائية. كل كادر عند إينياريتو، الذي يقدم هنا بلا أدنى شك أكثر فيلم شخصي له، يتنفس شعراً. 

فانتازيا فيللينية

كان "ثمانية ونصف" لفيلليني عن سينمائي (ماستروياني) يهرب إلى عالم الفانتازيا والأحلام والذكريات. في "باردو"، البطل هو صحافي وصانع أفلام وثائقية (دانيال خيمينيز كاشو) على شفير الهاوية. يختلف عن شخصية فيلليني، لكن الهروب واحد إلى أماكن مشابهة، تلك الأماكن التي يختلط فيها الحقيقي بالمزيف، الواقعي بالخيال، الخاص بالعام. هو أيضاً يعبر أزمة وجودية صعبة، لكن لا يبدو أنها تجعله يعيد النظر في خياراته الماضية، بل يريد فقط التأكد من أنه قام بالصواب. يود السماع من الآخرين ما يحلو له، ما يرضيه ويسعده، ولكن خلافاً لتوقعاته ورغباته، كل شيء من حوله يشاكسه ويخالفه. سندخل معه عالماً فيه كل شيء، الشرير والخير، الجميل والقبيح، العميق والسطحي. نتسلل إلى عقله الباطني، نقيم في ذكرياته، نتسكع في اللحظات التي يخرج فيها الفيلم من سياقه.

هذا كله ضمن صيغة حكائية يكاد إينياريتو لا يضيع خلالها طرف الخيط من شدة امتلاكه الأدوات. لا يعامل الفيلم بطله بحنو واكتراث، يتركه يحترق على نار خفيفة، ليرويه بقطرات مياه بين حين وآخر. كل شيء يتفجر في داخله، يتفكك ويتفتت، ليترك، الانفجار والتفتيت هذان، آثاراً جانبية. يبحث رجلنا الذي يتجول داخل سيرته وسيرة بلاده عن أجوبة لأسئلة وهواجس لم يحلها، وهي ظلت مؤجلة من جيل إلى جيل، من لحظة تاريخية إلى أخرى، لتتفاعل عبر الأمكنة، بين بلد الأصل والوطن المشتهى. مهما روينا وشرحنا وقلنا ما قل ودل على مضمون الفيلم، سنبقى مقصرين تجاه هذا العمل الثري الذي يعيد تشكيل روابط كثيرة، كما أنه يحاول وضع النقاط على الحروف على المستوى السياسي، في إطار العلاقة بين أميركا والمكسيك.

ست سنوات غياب كانت فترة كافية لننسى أن إينياريتو واحد من أكثر السينمائيين موهبةً في جيله. وها أن عودته عبر بوابة فينيسيا تذكرنا بما كنا نعرفه، وهذه أيضاً مناسبة للتأكيد أن الجماليات الدعائية التي اتُهم فيها في بداياته، باتت اليوم تعتبر سينما خالصة، وهو في هذا المجال كان رائداً. عقدان من الزمن، استطاع خلالهما التخلص من بعض الشوائب، ليبقي على الجوهر، وهو جوهر تلتقطه العين قبل الروح.

العودة إلى المكسيك

بهذا الفيلم يعود إينياريتو إلى بلاده الأم المكسيك، بعد 22 سنة على ابتعاده عنها، عندما بات ينجز أفلاماً خارجها. لكن من الواضح أنه ترك فيها الكثير مما يستحق العودة من أجله، على غرار مواطنه ألفونسو كوارون الذي سلك درب الماضي مع "روما". وهذه عودة طبيعية عند فنان اجتاز أكثر من منتصف حياته المهنية ومسيرته الفنية، بحيث الذي تبقى أقل مما مضى. انها لحظة مراجعة للذات والآخرين، لحظة تصفية حسابات مع العالم وإعادة ترتيب لمكان الفنان فيه. هذا كله يقوله إينياريتو في فيلمه، مباشرةً أو إيحاءً. وإذا كان فيلليني اختبأ خلف شخصياته ليروي ذاته ومخاوفه وأزماته الوجودية، فإينياريتو يحول الصحافي هنا إلى أناه الأخرى ليفكر ماذا يعني النجاح، وهل من إمكان للتخلص من الشعور بالذنب الذي يتأكله؟ لكنه لا يكتفي بذلك ففط، فالصحافي هنا انعكاس للكثير من الأمور، إنه في النهاية مرآة لأحوال وناس وأماكن ولحظات. ختاماً، نعم الفيلم لا تنقصه العيوب، لكنه صادق وحقيقي، هناك لحظات قد تتكرر بأشكال مختلفة، وهناك إطالة، وهناك تباه في صناعة شيء جميل، وهناك جوانب قد لا تعجب البعض أو لا يرى فيها ما يرضي ذائقته السينمائية... إلا أن ما هو جميل في السينما هو أنها كانت وستزال دائماً مكاناً للإختلاف. 

 

الـ The Independent  في

02.09.2022

 
 
 
 
 

مهرجان البندقية السينمائي ينطلق بدعم أوكرانيا ضد الغزو الروسي

فيلم "بلوند" هو الأبرز وكاترين دونوف مكرمة بجائزة أسد ذهبي شرفية.

بعد عامين من القيود التي فرضت بسبب جائحة كورونا انعقد مهرجان البندقية السينمائي خاليا من الكمامات هذا العام، لكنه خطا على نهج مهرجان كان السينمائي ليولي اهتماما كبيرا بالحرب الروسية على أوكرانيا، و”يتجند” لإيصال صوت الأوكرانيين إلى كل العالم وخاصة جمهور فن السينما.

البندقيةانطلق مهرجان البندقية السينمائي، أعرق المهرجانات السينمائية العالمية، بدورته التاسعة والسبعين باحتفالية كبيرة، مع إطلالة مفاجئة للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينكسي عبر الشاشة، وبحضور النجمة الفرنسية كاترين دونوف كضيفة شرف.

وجاءت مداخلة زيلينسكي بعد أيام من إعلان المهرجان تقديم كل الدعم للدولة الأوروبية ضد الغزو الروسي.

ووجه كلمة إلى كل الشخصيات الثقافية والمخرجين والمنتجين والممثلين وغيرهم من مختلف دول العالم أن رأيهم في ما يحدث مهم، وكلمتهم التضامنية مع شعبه قوية خاصة عبر السينما.

وليست هذه الإطلالة المفاجئة الأولى للرئيس الأكراني، بل سبق أن فاجأ جمهور مهرجان كان السينمائي في دورته الخامسة والسبعين، حين ظهر في مكالمة فيديو مباشرة من كييف، بينما تواصل فيه روسيا حربها على أوكرانيا، وصرح خلالها للجمهور من الحاضرين “سننتصر في هذه الحرب”.

ثلاثة وعشرون فيلما تتنافس هذه السنة على نيل جائزة الأسد الذهبي لمهرجان البندقية بينها ثمانية من إخراج نساء

وقال زيلينسكي لصناع الأفلام والصحافة القائمين على المهرجان، بالإضافة إلى كثير من النجوم “من الضروري للسينما ألا تكون صامتة”.

وفي قاعة قصر السينما عند جزيرة ليدو قبالة البحر، حصلت الممثلة الفرنسية الشهيرة كاترين دونوف البالغة 78 عاما على جائزة أسد ذهبي شرفية عن مجمل مسيرتها.

بفستانها الأحمر الطويل، بدا التأثر على دونوف التي فازت سنة 1998 في المكان نفسه بجائزة أفضل ممثلة. وتوجهت إلى الجمهور بكلمة “شكراً” بالإيطالية، بعد تلاوة كلمة تكريمية لها بلسان السينمائي الفرنسي أرنو ديبلوشان.

والأربعاء قالت الممثلة الشقراء التي تواصل مسيرتها السينمائية بزخم، “لا ننظر إلى الوراء. هذا ليس رفضا، بل يعني ذلك أنّ الوقت لا يزال أمامنا”.

وبعد هذه الوقفة التكريمية، طغت الحرب في أوكرانيا على أجواء حفل الافتتاح، مع بث الرسالة المصورة للرئيس زيلينسكي الذي دعا عالم السينما إلى “عدم نسيان” الحرب التي “لا تقتصر مدتها على 120 دقيقة، بل هي مستمرة منذ 189 يوما”.

وفي ختام مداخلته، عُرضت على الشاشة على خلفية سوداء، قائمة بأسماء ضحايا الحرب الدائرة في أوكرانيا من الأطفال دون سن الثامنة عشرة، وبجانبها تاريخ ميلاد كل منهم ومكانه.

وبعد الكلمات واللفتات التكريمية، عادت الأجواء السينمائية من خلال العرض الرسمي لفيلم الافتتاح “وايت نويز” للمخرج الأميركي نوا بومباك، المقتبس من رواية للكاتب دون دي ليلو.

ويؤدي دورَي البطولة في الفيلم آدم درايفر وغريتا غيرويغ، وهي شريكة حياة بومباك (52 عاماً) الذي سبق أن تولى إخراج أفلام عدة أبرزها “فرانسِس ها” و”ذي مييرويتز ستوريز” و”ماريج ستوري”.

ويشكل اختيار هذا الفيلم في الافتتاح علامة تقدير جديدة لمجموعة نتفليكس العملاقة في مجال البث التدفقي، الجهة المنتجة لهذا العمل والتي تشارك هذا العام في المهرجان بما لا يقل عن أربعة أفلام ومسلسل.

ومهرجان البندقية السينمائي هو أول مهرجان كبير يدرج فيلما تم بثه على نتفليكس في المنافسة الرسمية وهو فيلم “بيتس أوف نو نايشن” (وحوش بلا وطن) لكاري جوجي فوكوناغا في عام 2015، وفي المتوسط ​، يتم انتقاء ما لا يقل عن اثنين أو ثلاثة أفلام من شبكة الأفلام لعرضها سنويا منذ ذلك الحين.

ويتنافس هذه السنة على نيل جائزة الأسد الذهبي في العاشر من سبتمبر 23 فيلما مدرجا في مسابقة المهرجان، بينها ثمانية من إخراج نساء.

وتترأس الممثلة الأميركية جوليان مور لجنة التحكيم بعد عشرين عاما على نيلها جائزة التمثيل في المهرجان عن دورها في “فار فروم هيفن”.

ومن أبرز أعضاء اللجنة الذين كانوا موجودين الأربعاء مع مور المخرجة الفرنسية من أصل لبناني أودري ديوان التي فازت بالأسد الذهبي العام الماضي والإيرانية ليلى حاتمي التي مثلت في فيلم “انفصال نادر وسيمين” (بالإنجليزية “ذي سيبيريشن”) لأصغر فرهادي، والمخرج الإسباني رودريغو سوروغوين.

الحرب في أوكرانيا طغت على أجواء حفل افتتاح مهرجان البندقية، مع بث رسالة مصورة للرئيس فولوديمير زيلينسكي

ويتوقع أن تحضر المهرجان كوكبة من نجوم هوليوود الذين غالبا ما يستسيغون التمتع بأجواء البندقية.

وتحضر الأسترالية كايت بلانشيت الخميس خلال عرض فيلم “تار” لتود فيلد الذي تؤدي فيه دور قائدة فرقة موسيقية بارعة. أما الجمعة فستتركز الأضواء على وجود الممثل الفرنسي – الأميركي تيموتيه شالاميه.

ويعود شالاميه من خلال فيلم “بونز أند أول” للمخرج لوكا غوادانيينو إلى المهرجان، بعدما ألهب حضوره سجادته الحمراء العام الماضي مع فيلم “دون”.

ومن أبرز المشاركين أيضا الممثلة الإسبانية بينيلوبي كروث التي تؤدي دور البطولة في فيلمين ضمن المهرجان بعد عام من فوزها بجائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم “مادريس باراليلاس” لبيدرو ألمودوفار. وستكون الممثلة الفرنسية إيزابيل أوبير هي الأخرى موجودة في البندقية، ويأمل المشاركون في أن يحضر نجم البوب البريطاني هاري ستايلز الذي شارك في فيلم “دونت ووري دارلينغ” من إخراج شريكة حياته أوليفيا وايلد.
وتتجه الأنظار إلى الممثلة الكوبية آنّا دي أرماس التي برزت العام الماضي في شخصية “فتاة جيمس بوند”، وتؤدي في فيلم “بلوند” المشارك في المهرجان دور مارلين مونرو بعد ستين عاما على رحيلها
.

ومن المتوقع أن يثير هذا الفيلم المستوحى من رواية لجويس كارول أوتس تحمل العنوان نفسه والذي أخرجه أندرو دومينيك ضجة كبيرة، إذ يعيد قراءة سيرة الأيقونة السينمائية من زاوية نسوية.

ويرجع جزء من شهرة هذا المهرجان إلى الجانب التاريخي، إذ يعد أقدم مهرجان سينمائي في المنطقة، حيث أقيم أول احتفال على الإطلاق بالفن السابع في عام 1932. كما ساهم موقع المهرجان في شهرته الواسعة، فمدينة البندقية (فينيسيا) لها طابع مميز من كافة النواحي، فهي مدينة قديمة البناء لكن لديها إيقاع المدينة الحديثة. ويستغل النقاد وعشاق الأفلام فترة المهرجان لزيارة المدينة ومشاهدة العروض السينمائية ويتنقلون بين أماكن العرض عبر “فابوريتوس” أو الأوتوبيس النهري الشهير، ويشاهدون فيما هم في الطريق الأفق الأكثر روعة في سماء أوروبا.

 

العرب اللندنية في

02.09.2022

 
 
 
 
 

وسام شرف يفتتح «أيام» البندقية

نجوم/ الأخبار

افتتح الفيلم الروائي «حديد نحاس بطاريات» للمخرج اللبناني ــ الفرنسي وسام شرف، فعاليات النسخة الـ 19 من تظاهرة «أيام المؤلّفين» (برئاسة المخرجة والسيناريت الفرنسية سيلين سياما) التي تقام بالتوازي مع الدورة الـ 79 من «مهرجان البندقية السينمائي الدولي» المستمر لغاية العاشر من أيلول (سبتمبر) الحالي.

على مدى 83 دقيقة، تدور أحداث الفيلم في بيروت ويحكي قصة شخصين، لاجئ سوري يُدعى «أحمد» (زياد جلّاد) والعاملة المنزلية الإثيوبية «مهدية» التي تعمل لدى زوجين مسنين (كلارا كوتوريت)، يواجهان العديد من العقبات المالية والصحية.

ذات يوم، ينتهز كلّ من «أحمد» و«مهدية» الفرصة للفرار من بيروت والبدء من جديد في مكان آخر، في وقت بدأت صحة البطل تزداد سوءاً.

قائمة الممثلين المشاركية في الشريط تضم أيضاً: رفعت طربيه (شخصية إبراهيم) ودارينا الجندي (شخصية ليلى). وتشارك شرف كتابة العمل مع هلا دبجي وماريات ديزير.

فيلم وسام شرف هو أحد خمسة أعمال سينمائية مموّلة من «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي» (RSIFF) الذي سبق أن أعلن عن تعاون مع ورشة عمل Final Cut ضمن «مهرجان البندقية» لدعم الأفلام قيد التطوير من المنطقة.

 

الأخبار اللبنانية في

02.09.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004