ملفات خاصة

 
 
 

المشاريع الفلسطينية في "كان السينمائي": تنوّع الموضوع الفلسطيني

المعتصم خلف

كان السينمائي الدولي

الخامس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

لذلك القبض على الجغرافيا في شكله السينمائي يؤكد على فكرة فلسطين الحلم، التي يمكن من خلالها العمل على جمع كل الخبرات والقصص والحكايات لتأكيد الرواية الفلسطينية، وحول الجهود التي قدمتها المؤسسة للمشاركين أكدت أنها تعمل على تحديد الطريق الذي يمكن من خلاله أن يطور المشارك مشروعه، من خلال تناقل الخبرات وتطوير الموهبة بشكل يسمح بالمشاركة في مهرجان كان. 

بقصص تعيد صياغة الواقع الفلسطيني، وتستعيد هامش الضوء في حكاية الوجود بكل أشكاله، تقدم مؤسسة الفيلم الفلسطيني للعام الخامس على التوالي الأفلام الفلسطينية المشاركة في برنامج Cannes Docs، ولقد ضمت المشاركة أربعة أفلام وثائقية تمتد على أسئلة جديدة لجيل جديد يحاول أن يضيء على مضمون سينمائي يمكن من خلاله الحديث عن تجارب وأسئلة تحدد هوية الشتات في العلاقة بين الداخل والخارج الفلسطيني، كونه شكل من أشكال الحياة التي فرضها الاحتلال، لذلك جاءت الأفلام جميعها من مواقع جغرافية مختلفة، لترى من الهامش صورة أكبر يمكن من خلالها تأمل سينما تجمع الوجود الفلسطينية في مضمون واحد، يعيد من خلال الصورة الحكايات المتناثرة من كل أنحاء العالم، إلى شاشة واحدة تمتد فيها الحياة الفلسطينية كونها حكاية يمكننا أن نرويها ونعيد صياغتها وتأملها من جديد. كما ترى مؤسسة الفيلم الفلسطيني أن الشتات المفتوح بكامل هشاشته على الوجود الفلسطيني يمكن التعبير عنه بصورة بعيدة عن الطريقة التقليدية، لأن هذا التنوع يمكنه أن يرسم فلسطين في إطار أكبر من الجغرافيا والسياسة، لذلك القبض على الجغرافيا في شكله السينمائي يؤكد على فكرة فلسطين الحلم، التي يمكن من خلالها العمل على جمع كل الخبرات والقصص والحكايات لتأكيد الرواية الفلسطينية، وحول الجهود التي قدمتها المؤسسة للمشاركين أكدت أنها تعمل على تحديد الطريق الذي يمكن من خلاله أن يطور المشارك مشروعه، من خلال تناقل الخبرات وتطوير الموهبة بشكل يسمح بالمشاركة في مهرجان كان. 

Out of place 

يحاول المخرج الفلسطيني محمد مجدلاوي في فيلمه out of place أن يعيد رواية الزمن، في علاقة متداخلة بين العيش في قطاع غزة والخروج منه، وثق المخرج محمد مجدلاوي حياة فرقة رقص شعبي في قطاع غزة منذ عام 2006 حتى اليوم، هذا التوثيق الذي يبحث في وجوه قطاع غزة المختلفة، لا يتوقف على لحظة واحدة بل يركز على لحظات يتقاطع فيها الشخصي مع العام، وتتحول المادة الأرشيفية الشخصية إلى ذاكرة جماعية، نرى فيها كيف يختفي مع الوقت أعضاء فرقة الرقص الشعبي واحداً واحداً، بسبب الحروب والهجرة، لنرى كيف يحول المخرج محمد ذاكرته الشخصية وعلاقاته المتداخلة في قطاع غزة إلى تاريخ جمعي يمكنه أن يعرض وجهاً جديداً من وجوه غزة، هذا الوجه يمتد على أسئلة المكان، ليس فقط في جدوى العيش فيه، بل حدود هذا العيش وما الذي يمكن أن تمثله محاولة القبض على الزمن ضمن صور تأرشف سيرة كاملة لشباب من القطاع، منهم من استمر في الرقص الشعبي وجزء منهم سافر إلى أوروبا مهاجراً من القطاع.

تتبلور فكرة الشتات في فيلم out of place في رحلة الفيلم الوثائقي، حيث انتقل المخرج محمد من التصوير داخل القطاع حتى أوروبا، ليتبع سيرة الزمن خارج المكان الذي هو القطاع، يتبع محمد مجدلاوي سيرة الزمن في التقاطعات التي يفرضها كل مكان وما الذي يتبقى منه، لنرصد الاختلافات التي تبدو كجوهر رئيسي في الفيلم، يستمر الفيلم في رصد الاحتمالات التي ترافق هوية الشتات، ليس الشتات في معناه القديم في عام 1948 بل الشتات التي يعيشه أهل القطاع الآن الذي فيه عنصر الداخل وعنصر الخارج الذي شكله شباب غزة بعد عام 2006 الذين خلقوا حالة شتات جديدة مختلفة. 

donkey boys

يعبر فيلم donkey boys للمخرج أحمد البظ في تفاصيل الحياة التي يعيشها أصدقاء تخرجوا من الجامعة وقرروا العمل في تشغيل الحمير للسياح الذين يذهبون إلى بلدة سبسطية شمال غرب نابلس، الكوميديا السوداء التي يحتويها الفيلم تعرض مضمون الحياة في الداخل الفلسطيني، التي لا تخلو من الجماليات، ولكنها تحوي الكثير من الكوميديا السوداء التي تعكس جوهر الحياة في نظرة جديدة، لنرى فيها الخيال وهو يتجاوز الواقع، بل وينقده ليعيد تصويره كونه حكاية لا يمكن تجاوزها عن المحاولات المستمرة في الحياة، وتقول مؤسسة الفيلم الفلسطيني "إن الفيلم نوعاً ما مصنوع بطريقة جديدة على السينما الفلسطينية وهي التي تقوم على voice over الشخصي التي ما بين الكوميدي والتراجيدي وهذا لا نراه كثيراً في الوثائقي، الفيلم كلاسيك بلاك كوميدي، أميركان كات". 

ما يميز الفيلم هو السردية القائمة على التفاصيل المستمدة من الواقع، فهو مبني على الاتصال الكامل مع مضمون الحياة في صورتها العادية، ويحاول أن يبحث عن طرق التحايل على الوجود المحدد الذي لا يمكن تجاوزه، وكل محاولات التجاوز هذه لا تخلو من كوميديا تنقد وتبني وهذه نظرة جديدة شكلتها الكوميديا السوداء في نقدها للواقع، التي تتحول في العمل إلى أداة للتعبير والتوثيق، وهنا تكمن النظرة الجديدة للمخرج أحمد البظ، في رؤية دقيقة وشاملة تتجاوز حدود الممكن في إطار محدد نرى فيه نقداً جوهرياً للواقع من خلال مشاهد تبدأ في المحاولة المستمرة للتحايل على الواقع. 

Bye Bye Tiberias

بهدوء تسرد المخرجة لينا سولم في فيلمها Bye Bye Tiberias سيرة عائلتها عبر أجيال تستعيد الحكايات اليومية من خلال قصص مدينة طبريا بشكل خاص، من هذه التفاصيل نرى في الفيلم رواية تاريخية تسردها نساء فلسطينيات بكل تلقائية لنعود من خلال الكلام إلى وجوه كثيرة تضيء عليها الحكايات لسيرة المدينة، كما تسرد خالات لينا سويلم ووالدتها الممثلة الفلسطينية والعالمية هيام عباس قوة الرواية في رؤية واقع المدينة، حيث تتحول الحكاية إلى صورة أكبر تعكس فلسطين في مضمون جديد في الأفلام الوثائقية، لذلك الفيلم فيه إضاءة على التاريخ الشفوي بالحديث عن البلد ومكانته وتأثير السياسة في طبريا على فلسطينيي الداخل الذين ما زالوا يتعرضون لطمس ممنهج للهوية، وكيف تتوارث هذه الرواية الشفهية عبر الأجيال من الجدة إلى الأم للبنت، ليكون الفيلم متعدد الأجيال، ويصور احتمالات وحياة كل جيل من خلال الحكاية، وما يميز الفيلم هو قدرته على تمكين هذه الرواية دون تكلف ما يجعله تلقائي وفي مضمونه مرآة كبيرة نرى فيه الرواية على تمكين الحاضر وتأمله واستعادة جذور الوجود في الداخل الفلسطيني، وسرد احتمالات الشتات في صورة الأم التي هاجرت إلى فرنسا قبل 30 عام. 

The jacket 

يحدد المخرج البلجيكي Mathijs Poppe معنى الشتات وصورته في مخيم شاتيلا، من خلال تطوير عمله مع فرقة مسرحية تعمل داخل المخيم إلى فيلم بعنوان The jacket يروي سيرة عرض مسرحي لم يكتمل بسبب سرقة سترة قديمة قادمة من عام 1948 ترمز إلى القضية الفلسطينية لتبدأ رحلة البحث عن السترة في الفيلم بصورة سياسية تعكس التغييرات التي طرأت على الواقع، من خلال شخصية "جمال هنداوي" الذي يعمل على تطوير مسرحه السياسي.

هذا الخروج في الفيلم من حدود المسرح إلى مساحة الفيلم الوثائقي نرى فيه مضمون الحياة في المخيم وما تمتلكه من معاني، ليتأمل الفيلم سيرة السترة في إطار ندرك فيه لماذا هذه السترة مهمة وما تعنيه سياسياً واجتماعياً، لذلك نرى في القصة رواية الشتات كذاكرة مستمرة تستمد شكلها من خلال الرموز التي ترسم مضمون الوجود من خلال هذه الاستعادة المستمرة لمعاني الأشياء، أن معنى السترة في مضمونه يعكس سياسياً رأي اللاجئ الفلسطيني المقيم في بيروت، والمتابعة المستمرة في الفيلم لحياة الممثلين خارج المسرح وتتبع حياتهم، يعكس حياة أكبر يبحث فيها اللاجئ عن جدوى الوجود في إطار ضيق يفرضه المخيم.

كاتب فلسطيني سوري

 

رمان الفلسطينية في

01.06.2022

 
 
 
 
 

في مهرجان كان السينمائي الأخير:

البحر الاحمر السينمائي يحتفي بالمرأة والجونة يشارك في سوق المهرجان

متابعة: المدى

في إطار الاحتفاء بدور المرأة في السينما، استضاف مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، حفلاً حصريًا يوم امس، وذلك ضمن فعاليات الدوره الخامسة والسبعين من مهرجان كان السينمائي الدولي، في فندق كاب إيدن روك المطلّ على شبه جزيرة كاب أنتيب الخلّابة.

يأتي هذا الحفل على ضوء الاعتراف بمكانة كلّ من صانعات الأفلام والممثلات، واحتفاءً بكلّ أعمالهن المذهلة، والتي يتم عرضها خلال المهرجان. وبينما يعزز هذا الحفل، من مسؤولية مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي، المتمثلة في تمكين النساء الموهوبات، أمام الكاميرا وخلفها، يتقدّم المهرجان بخطوات ثابتة و واثقة، في رحلة تشكيل مستقبل صناعة السينما، وإلهام الجيل القادم من المبدعات.

كان في ضيافة الحضور كلّ من: محمد التركي؛ الرئيس التنفيذي لمؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي، وشيفاني بانديا مالهوترا؛ المديرة التنفيذية، حيث استقبلا نخبة واسعة من المواهب السينمائية والتلفازية، ونجوم الموضة، بما في ذلك:

فاليريا غولينو؛ رئيسة لجنة تحكيم جائزة «نظرة خاصّة» التابعة لمهرجان كان السينمائي، و روسي دي بالما؛ رئيس لجنة تحكيم جائزة «الكاميرا الذهبية» التابعة لمهرجان كان السينمائي، ضمن دورته الحالية، ونعومي هاريس وليتيتيا كاستا وطاهر رحيم وكوثر بن هنية ونعومي كامبل وكميل رزات وساشا لوس وأنجا روبيك وليلي دونالدسون وسوكي ووترهاوس، بالإضافة إلى: فاطمة البنوي وعهد كامل وأليكس بيتيفر وتوني جارن وياسمين صبري وأليساندرا أمبروسيو وسارة سامبايو ونعمان أكار وتارا عماد وميلا الزهراني وكات جراهام وسلمى أبو ضيف.

يذكر ان الدورة الثانية من مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي ستقام في مدينة جدة من 1 إلى 10 ديسمبر 2022.

ومن جهة أخرى شارك مهرجان الجونة السينمائي سوق مهرجان كان ومنصة سيناندو والاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام في «ملتقى المهرجانات» للسنة الثانية على التوالي، عن طريق استضافة حفل ترحيب للمهرجانات وموزعي الأفلام، وهو حفل مخصص لجمع محترفي الصناعة السينمائية وبناء علاقات بينهم.

حضر الفعالية، والتي تقام في شاطئ النخيل بكان على هامش الدورة الـ75 لمهرجان كان السينمائي، عاملون رئيسيون في الصناعة وبينهم مدير مهرجان الجونة السينمائي انتشال التميمي ومبرمجي المهرجان، إضافة إلى ممثلي الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام بينوا جينيستي المدير العام وفلورونس جيرو مدير المهرجانات بالإضافة إلى ممثلي سوق مهرجان كان جيروم بايار المدير المشارك وممثل منصة سيناندو جيوم إيزميول.

صرح جيوم بايار المدير المشارك لسوق مهرجان كان: «بعد ثلاث سنوات من التوقف، وتخبط المهرجان بين الدورات الافتراضية والهجينة، تحظى الدورة الحالية بأهمية خاصة للمهرجان وللصناعة بشكل عام لتعويض الأعوام الثلاثة الماضية، والمضي قدمًا. لعب «ملتقى المهرجانات» دورًا مهمًا في تسهيل اللقاء للتأمل في مستقبل صناعة السينما، من خلال المؤتمرات الرسمية والتجمعات والحفلات غير الرسمية. تلعب اللقاءات غير الرسمية دورًا حيويًا في خلق علاقات دائمة بين أفراد الصناعة، ويسرنا تيسير هذه العلاقات بعودة التعاون مع مهرجان الجونة السينمائي و الاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام».

صرح انتشال التميمي، مدير مهرجان الجونة السينمائي: «يسرنا تجديد التعاون مع سوق مهرجان كان ومنصة سيناندو والاتحاد الدولي لجمعيات منتجي الأفلام للسنة الثانية على التوالي لدعم ملتقى المهرجانات والاحتفاء بمجتمعنا السينمائي متباين الأفكار والخلفيات. هذا الملتقى السنوي هو الفرصة المثالية لصانعي الأفلام والعاملين في المجال السينمائي للتواصل ومشاركة الخبرات».

 

المدى العراقية في

01.06.2022

 
 
 
 
 

الفيلم البلجيكى «قريب» يترك لك مساحة من الفراغ تملؤها أنت!

طارق الشناوي

كل منا عندما ينتهى المهرجان يفتش فى الذاكرة باحثًا عما تبقى بين نحو 50 فيلما شاهدها. من المؤكد يتبخر مع الزمن عدد لا بأس به منها.

دائمًا أقول إن أسوأ علاقة بالسينما هى تلك التى نعقدها فى المهرجاناتأنت لا تمنح أى فيلم مهما بلغ مستواه أى مساحة من أن تعايشه وتتأمله داخلك، عليك دائما أن تتعلم سرعة التخلص من الفيلم الذى انتهيت توًا منه حتى تستطيع ملاحقة الثانى، كلنا فى المهرجانات نلهث من فيلم إلى آخر، فلا وقت متسع أمامنا لتأمل شىء، إننا لا شعوريًا نسير على خطى (قاسم) الذى ذهب إلى مغارة (على بابا)، أراد أن يحصل على القسط الأكبر من الذهب والزمرد والياقوت ولم يستطع الخروج لأنه نسى كلمة السر (افتح يا سمسم).

لا يمكن تصور أن هناك إنسانًا تتحمل قدراته الاستيعابية أكثر من أربعة أفلام فى اليوم، وقد تزيد كحد أقصى إلى خمسة.. أكثر من ذلك من وجهة نظرى يحدث قدر لا ينكر من التشويش، مع اعترافى بحالات استثنائية لعدد محدود جدا من النقاد والسينمائيين الذين كثيرا ما التقيتهم فى المهرجانات وهم من يطلق عليهم (سينيفيل)، إنهم عشاق متيمون ومدمنون للسينما مثل: الأساتذة الراحلين المخرج محمد خان، والناقد والكاتب د. رفيق الصبان، والإعلامى الكبير يوسف شريف رزق الله. التقيتهم داخل وخارج مصر فى عشرات المهرجانات، وكثيرا ما كانوا يتجاوزون فى أرقام المشاهدة العدد الذى ينبغى أن يتوقفوا عنده.. ليس لديهم حد أقصى.

الحصيلة بالنسبة لى كما أسلفت لم تتجاوز الخمسين، تباين قطعا مستواها، لو طلب منى أن أكتفى بذكر واحد منها، أجد الفيلم البلجيكى (قريب) الحاصل على جائزة لجنة التحكيم الكبرى مناصفة- وهى تلى فى الأهمية السعفة- يستحق بسبب قدرته التعبيرية أن يحتل تلك المكانة الخاصة.

أقوى ما فى السيناريو الذى كتبه المخرج لوكاس دونت، الحاصل على (الكاميرا الذهبية) للعمل الأول قبل أربع سنوات عن فيلم (فتاة)، أنك ستكتشف أن المخرج فى فيلمه الجديد (قريب) لا يبتعد كثيرا عن هذا العالم فى تحليل الشخصية، ويترك مساحة ما للمتفرج، يضيفها هو هناك أكثر من مشهد غير مكتوب على الورق، بينما عين المتلقى هى التى ترسمه، مما يزيد الإحساس بالحميمية. الحالة الدرامية تقف على حافة (الميلودراما) ولكننا لا نصنف الفيلم باعتباره يقع فى هذا القالب، فقط على الحافة.

الفيلم يروى العلاقة بين صديقين فى مرحلة المراهقة، شاهدناهما فى بداية الفيلم يمرحان معا، يتشاركان حتى فى سرير النوم، علاقة تحدث كثيرا فى تلك المرحلة العمرية ولا تثير الشكوك أبدا، ولكن فى دائرة أخرى أوسع قليلا داخل المدرسة نلمح الشكوك بين الزملاء وبعض الهمسات، وهو ما يدفع أحدهما إلى أن يتوجه أكثر للألعاب الرياضية، ويتشاجران أكثر من مرة فى المدرسة، وفى مشهد لا نراه مباشرة ولكننا نتخيل حدوثه، يصل الصراع إلى أن يضرب الصديق صديقه بالعصا، كل هذا يجرى بلا أى شكوك جنائية، فلم تشعر أسرة الفتى بأن هناك جريمة ما، والجمهور لم ير شيئا.

من أعمق لمحات السيناريو تأتى أم أحد الطفلين لتخبر ابنها بأن صديقه تعرض لمشكلة صحية، يرد عليها: هل هو فى المستشفى؟ تأتى الإجابة رحل، أنت كمتلقٍ للفيلم لا تشك فى أن هناك شيئا ما غامضا فى الحكاية، الأمر بنسبة كبيرة يبدو طبيعيا وتلقائيا، والهدف أن يظل المتفرج فى حالة حياد، لا يستشعر أن هناك أبدا احتمال جريمة.

يحرص الابن على أن يأتى مجددًا لغرفة الصديق التى أبقت الأم على كل تفاصيلها كما هى، ويأتى لزيارتها، يتسرب إليها الشك، تسألههل حدث شىء بينكما؟ يجرى إلى الحديقة وتلهث خلفه، يُمسك بعصا ملقاة على الأرض ويبكى، نفهم منها ما الذى يقصده، تحتضنه الأم، تصل الرسالة بالتسامح، هل كان ينبغى أن تقدم الصبى للمحاكمة بتهمة القتل؟.. إنها أيقنت أن هذا لن يعيد إليها ابنها بل سيحرمها أيضا من صديقه.

العلاقة بينهما ملتبسة، قطعًا فى اللقطات لم يوحِ المخرج بأى علاقة مثلية، ولكن الزملاء فى المدرسة بكلمات تحمل نوعا من التعريض أوصلتهما إلى تلك المعانى التى تتجاوز الحقيقة التى شاهدناها على الشريط السينمائى. وتبقى قيمة التسامح هى الغالبة على الفيلم، ولا يمكن تصور أن أمًّا تمنح هذا الإحساس ببساطة، ولكن الدراما من خلال نظرات الأم ذهبت لما هو أبعد مما يحدث على أرض الواقع.

لماذا يبقى فى الذاكرة هذا الفيلم مستحقا أيضا الجائزة الكبرى؟ إنه التكثيف الذى وصل به المخرج فى اللقطة الأخيرة إلى الذروة، وأجاب عن سؤالين: كيف رحل الابن؟، والثانى ما موقف أم القتيل من القاتل؟.

المعنى الدرامى، بأقل عدد لقطات ومن خلال التكثيف، يصل بكل أبعاده للمتفرج.. هذا هو سحر السينما عندما تصل بالفيلم إلى قمة التماهى مع الناس، وهى أن تترك مساحة لكى تكمل أنت اللقطات العابرة. المتفرج السلبى الذى ينتظر كل شىء (على بلاطة) تجاوزته السينما.

انتهت رحلتنا مع مهرجان (كان) فى تلك الدورة التى أراها الأهم خلال السنوات الأخيرة، كما أنها شهدت لأول مرة مهرجانًا أعادنا لزمن ما قبل (كورونا)، عنوانه الزحام أمام دور العرض، وعلى بعد خطوات من السجادة الحمراء بلا أى بقايا من ملامح احترازية!!.

tarekelshinnawi@yahoo.com

 

المصري اليوم في

02.06.2022

 
 
 
 
 

سينما يوسف شاهين ومهرجان «كان»

منحه صداقته وفتح له أبوابه

كان: محمد رُضا

ما بين 1918 و1952 عرض مهرجان «كان» السينمائي تسعة أفلام للمخرج يوسف شاهين مما ساعد المخرج على الانتقال من رحى العروض المحلية ومهرجانات العالم العربي، إلى تلك العالمية. شيء كهذا لم يقع لمخرج عربي آخر من حيث الكم أو نوعية الاهتمام.

بقيت أوروبا، عنوة عن كل القارات الأخرى، الأكثر استقبالاً لجديد المخرج المصري المولود سنة 1926 والراحل سنة 2008. وفرنسا نالت المركز الأول في تبنّي المخرج المصري منذ أن كان شابّاً في مطلع الخمسينات حتى ما بعد عام وفاته. كانت قلب اهتمامه عاطفياً وإنتاجياً وثقافياً. هي التي عرضت أفلامه بلا تأخير، وهي التي فتحت صالاتها التجارية لمعظم أعماله إما كعروض منفردة أو كبانوراما احتفائية بأفلامه.

فوق كل ذلك، واكب مهرجان «كان» المخرج من تلك السنوات الأولى حتى سنة قبل وفاته، ثم استعادت فيلمين له كانا عرضا في ذلك المهرجان وقدّماه من جديد. الفيلمان هما «وداعاً بونابرت»، الذي استقبله المهرجان الفرنسي أول مرّة سنة 1985، داخل المسابقة، ثم قام بإعادة تقديمه سنة 2016. الفيلم الآخر «المصير»، الذي استقبله المهرجان خارج المسابقة سنة 1997 ثم قدّمه مرّة ثانية في دورة 2018.

لا بد من الإشارة إلى أنه من بين هذه الأفلام التسعة (اثنان منها تكررا) فيلمان شارك بهما مخرجان عالميان آخران بأعمال قصيرة من عنده، كما سيرد لاحقاً.

حضور وغياب

ليس أن شاهين كان المصري الوحيد الذي عرض له المهرجان أفلاماً، ولا كان أول مخرج مصري تُتاح له فرصة عرض أفلامه في «كان». وعلى صعيد عربي واسع، لم يكن المخرج العربي الوحيد، بالطبع، الذي سنحت له فرصة تقديم أفلامه على شاشة المهرجان الكبير.

في عام 1949 ظهرت السينما المصرية في فيلمين هما «البيت الكبير» لمحمد كامل مرسي، و«مغامرات عنتر وعبلة» لصلاح أبو سيف. تنافس الفيلمان مع أعمال لمخرجين مرموقين من تلك الفترة مثل كارول ريد («الرجل الثالث») وروبرت وايز («التأسيس»)، جاك بَكر («موعد مع جولييت») وديفيد لين («أصدقاء حميمين»).

بعد عامين تنافس فيلم أحمد بدرخان «ليلة غرام» مع فيلم يوسف شاهين «ابن النيل» وفي عام 1954 عرض صلاح أبو سيف رائعته المبكرة «الوحش» وعرض يوسف شاهين فيلمه «صراع في الوادي».

غاب يوسف شاهين واستمر حضور سواه من مخرجين مصريين أساساً (سنة 1955 عرض كمال الشيخ فيلمه الجيد «حياة وموت» في المسابقة الرسمية) وتوسّعت الدائرة قليلاً فضمّت فيلم المخرج اللبناني جورج نصر هما «إلى أين؟» سنة 1957 ولاحقاً أفلاماً من تونس والجزائر داخل أو خارج المسابقة الرسمية.

استمر غياب يوسف شاهين حتى عاد سنة 1970 بفيلمه الممتاز «الأرض» (أنجزه سنة 1969) الذي استقبل باهتمام كبير لكن الجائزة التي طمح إليها شاهين ذهبت حينها إلى فيلم روبرت التمن M.A.S.H الساخر. من بين أعضاء لجنة التحكيم الممثل الأميركي كيرك دوغلاس الذي لم يكن في وارد تشجيع فيلم مصري على الفوز بسبب سياسته المعادية.

«الأرض» هو ما لفت الأنظار الفرنسية والأوروبية أكثر من سواه، إلى ذلك الحين. الموضوع المترامي ما بين ثورة فلاح ووضع اجتماعي - سياسي وبين علاقة صبي يرنو لدخول تجربة غرامية مراهقة، ثم شخصيات الفيلم المتميّزة بالتصاقها بالواقع، منح «الأرض» كل هذا البعد المطلوب ليفتح باب صالات السينما الفرنسية أمامه. وشاهين، مدركاً الوضع، عرف كيف يوظّفه لحساب الأعمال المقبلة.

مرّت خمس سنوات أخرى قبل عودة شاهين إلى مسابقة مهرجان «كان» بفيلم «وداعاً بونابرت» (داخل المسابقة). كان خلال ذلك حقق «العصفور» (1972) ثم «الاختيار» (1974) الذي توجّه به شاهين لمهرجان فينيسيا. في عام 1978 حقق «عودة الابن الضال» الذي شهد توزيعاً خارجياً شمل فرنسا (مطلع سنة 1978) وتايوان والنرويج وأستراليا وروسيا.

شاهين في نيويورك

لم يلق «وداعاً بونابرت» أي تجاوب نقدي عربي واسع النطاق، لا في مصر ولا في خارجها. السبب الذي تكرر أكثر من سواه أن الفيلم يغازل فرنسا على حساب الموقف الوطني، أمر نفاه المخرج حينها لكن النظرة إلى فيلمه ذاك بقيت كما هي.

الفيلم الشاهيني الخامس الذي عرضه كان هو «المصير» (1993. خارج المسابقة) الذي أراده تعليقاً على بذور التعصب الديني الذي كانت دول عربية وإسلامية بدأت تشهده. دارت أحداث «المصير» في القرن الثاني عشر وفتح الفيلم صفحات العلاقة بين السُلطة وبين المثقفين وبينهما وبين المتطرفين الإسلاميين. المحاولة بحد ذاتها تستحق الإعجاب، لكن الفيلم غاص في مشاكل تعبير وتوليف جعلته أكثر استخداماً للحوار المباشر والمواقف الذاتية من توظيف صورة واقعية للفترة وللأحداث.

في فيلمه اللاحق «الآخر» (تظاهرة «نظرة ما»، 1999) نقل شاهين اهتمامه إلى مصر الراهنة الواقفة على مفترق طريق مع التحديث والعصرنة في مواجهة فتيل التطرّف من جهة والوضع الذي يمنح الأثرياء تلك اليد الطولى في تحقيق المكانة رغم وضع الغالبية السائد.

قبل هذا الفيلم، كان شاهين حقق «اليوم السادس» (1986) و«الإسكندرية كمان وكمان» (1989) ثم «المهاجر» (1994). هذا الأخير تم عرضه العالمي الأول في مهرجان لوكارنو في العام ذاته، بينما خص شاهين مهرجان القاهرة السينمائي بفيلمه السابق «الإسكندرية كمان وكمان» (بعد القاهرة انتقل الفيلم إلى مهرجان تورونتو).

في سنة 2004 قدّم شاهين سابع أفلامه في كان «وهو الإسكندرية... نيويورك». أحاطه الصحافيون والإعلاميون العرب بكثير من التبجيل لكن الفيلم لم يكن فعلياً بتلك الدرجة المرموقة التي يمكن لها أن تتجانس مع أعمال أخرى له. شاهين سرد هنا حكاية لا يمكن التثبت من كل وقائعها حول دراسته السينما في الولايات المتحدة (قام بدوره جيداً محمود حميدة) وكيف أصبح محط أنظار وإعجاب الأساتذة والطلاب على حد سواء.

عند هذا الحد، انتهت رحلة شاهين في «كان» والأبواب التي فتحها المهرجان له في فرنسا وباقي أوروبا. هناك ثلاثة أفلام من إخراج مجموعتين كبيرتين من السينمائيين أولهما «لوميير وشركاه» (1995) والثاني «لكل سينماه» (2007) قدّم فيهما المخرج المصري رؤيته لتاريخ السينما وموقعها بالنسبة إليه.

 

الشرق الأوسط في

03.06.2022

 
 
 
 
 

"ولدٌ من الجنّة": جائزة "كانّ 75" لسيناريو غير مُقنع

باريس/ ندى الأزهري

لعلّ ما اعتُبر جرأةً في السيناريو أهّله لنيل الجائزة. ربما هناك أسباب أخرى، منها جِدّة موضوعه، واقترابه من أماكن لم تنل اهتماماً مُركّزاً على النحو الذي بدت عليه. صحيحٌ أنّ "جامعة الأزهر"، كمكان وتجمّع لمُصلّين وطلّاب، ظهرت كثيراً في أفلامٍ عربية لكنّها لم تكن يوماً محطّ انشغال كاملٍ، أو هدف، تدور حوله صراعات سياسية ودينية، كما في "ولد من الجنّة" (2022)، للمصري السويدي طارق صالح (إخراجاً وكتابةً)، الفائز بجائزة السيناريو، في المسابقة الرسمية للدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/ أيار 2022) لمهرجان "كانّ" السينمائي الدولي.

قُدِّم الفيلم في عرض أوّل في صالة سينمائية باريسية، قبل إطلاقه تجارياً في الصالات الفرنسية، في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022. أثار موضوعه المُشوّق فضول جمهور باريسي، رغم الوقت المتأخّر لعرضه، الذي تابعه لساعتين (مدة الفيلم)، مع تنقّلٍ مُتعِب بين مَشاهد خارجية ـ مُصوّرة بكاميرا محمولة، للقاهرة، بصخبها وناسها، ولجامع الأزهر، بمآذنه الشهيرة ـ وأخرى داخلية، لجامع السلطان أحمد في إسطنبول.

استحالة التصوير في القاهرة فرضت على صالح اعتماد هذا الأسلوب، الذي له أثر سلبيّ فنياً. والمنع ربما يطاول العرض في مصر أيضاً، نظراً لما فيه من إيحاءات سياسية تنتقد العهد الحالي. الإيحاءات سياسية أكثر منها دينية، فـ"ولد من الجنّة" لا يتطرّق حقّاً إلى نقاشات دينية، يمكنها إثارة حساسيات ما. حلقات تدريس هنا، وأخرى هناك، يُعلن فيها أساتذة شيوخ ـ بشكل سطحي وسريع ومتوازن في منحه فُرص الكلام ـ نظرتهم، المتشدّدة أو المعتدلة، في الفقه والتفسير، وهذا لم يتجاوز الشرح إلى النقاش، فالتركيز أكثر على سلوك السلطة، وممثّلتها "مباحث أمن الدولة"، في التأثير على مجريات الأوضاع في هذا المكان الحسّاس.

توجّهٌ بدا في المقدمة، مع سطور عدّة، عن تأسيس الفاطميين للأزهر، ثمّ تحويله من مرجعية شيعية إلى سنّية في عصر لاحق، وعن كونه محور اهتمام كلّ سلطة سياسية جديدة، وخضوعه لمحاولات مستمرّة للتدخل في شؤونه وقراراته، نظراً إلى دوره ومرجعيّته في العالم السنّي.

من خلال مسيرة آدم (الفلسطيني توفيق برهوم)، الشخصية الرئيسية، تتبدّى صراعات السلطتين السياسية والدينية. ابن بسيط لصيّاد سمك، مُنجذبٌ إلى المعرفة والكتب، يُقبَل في "جامعة الأزهر" المرموقة في القاهرة. في يومه الأول، يُتوفّى فجأة الإمام الأكبر، فيجد آدم نفسه، عن غير قصد ومن دون أدنى رغبة، في قلب نزاعات على السلطة، لا هوادة فيها، بين نُخب دينية وسياسية في البلد. لآدم قلب أبيض، كما يُقال له. كان يعيش حياة بسيطة، موزّعة بين مسجد القرية والصيد مع والده. كان يُمكن لحياته أنْ تستمرّ هكذا، لولا المنحة الدراسية.

من مكان هادئ وشبه خال، يُثير سكينة وألفة في النفوس، إلى آخر يضجّ بحركة وأناس ومؤامرات، يدخله في وقتٍ غير مناسب. فراغ السلطة في الأزهر يُثير طمع المُعتدلين والإسلاميين والدولة، التي تريد فرض مُرشّحها، غير عابئة برفضٍ، مع استعدادٍ للتضحية بأيّ أحد يُعيق مساعيها. تختار "المباحث" الضعفاء وذوي الأوضاع الاجتماعية والمالية الهشّة، للتمكّن من السيطرة عليهم، ودفعهم إلى العمل لمصلحتها. آدم نموذج مثالي لهذا. يُجنّده مفتش المباحث (اللبناني فارس فارس) للتجسّس في "جامعة الأزهر"، سعياً إلى التدخّل وإيصال مُوالٍ للسلطة إلى رئاستها.

ينتمي "ولد من الجنّة" إلى النوع البوليسي والجاسوسية الخفيفة، بقصّته التشويقية، وإيقاعه السريع. إنّه ثالث فيلم لطارق صالح (مواليد السويد، 1972، لأمّ سويدية وأبّ مصري)، الذي يشترك مع فيلمه الثاني، "حادثة هيلتون النيل" (2017)، في أنّهما يتّخذان القاهرة موقعاً للأحداث، لكنْ من دون إمكانية التصوير فيها. حين عُرض فيلمه الثاني، نشرت صحفٌ أنّ فريق التصوير جهّز استديو في القاهرة، لكنّ الأمن المصري أغلقه قبل 3 أيام من بدء التصوير، ما أجبره على الانتقال إلى المغرب. هناك عناصر مشتركة أخرى بين الفيلمين من حيث المضمون: حصول جريمة قتل؛ وإظهار سيطرة مُطلقة للشرطة والأمن على المواطنين البؤساء، وعلى بعض رجال الدين؛ وشيء من وعظ ديني، مع انجذاب كبير للكاميرا (الخفيّة بسبب المنع) إلى شوارع القاهرة، وإبراز صُوَر ولافتات عريضة تُمجّد رئيس البلد.

لكنْ، إنْ كان "حادثة هيلتون النيل" بارعاً في كتابته وحبكته، فإنّ "ولد من الجنّة"، رغم أهميّته، أقلّ إقناعاً وقوة، في السيناريو، وفي تلاعبه بالأمكنة، وفي تعمّقه في شخصياته الأخرى غير الرئيسية. أحداثٌ عدّة غير مُقنعة، كطريقة تنفيذ جريمة قتل أحد المتعاملين مع الأمن في باحة المسجد، ولقاء المفتّش مع آدم في المكان نفسه دائماً، أي في مقهى (وسط البلد). وللإيحاء بانتماء المكان إلى القاهرة، بُثّت أغنيات مصرية، كـ"أنا بعشق البحر" لنجاة الصغيرة، المستخدمة في اشتغالات إيليا سليمان. بينما بدت طريقة جلوس آدم والمفتّش، كي لا يُلفتا الانتباه إليهما، مُثيرة للاستغراب، لسذاجتها، فالمفتّش حمل الجريدة التقليدية، وعلى طاولة قريبة مُخبرٌ مرتبك.

لم تُشكّل الأمكنة وحدة مكانية، فبدا التنقّل المُستمرّ بين صُوَر خارجية للأزهر وأخرى داخلية لجامع آخر كأنّها عملية قطع مفاجئة في التوليف (ثَايس شميدت)، من حيث طبيعة المكان والإضاءة والصورة. إنْ يكن خلط الأمكنة والبلدان جزءاً من سحر السينما، فالخلط ظهر هنا واضحاً، ما أثّر على تلقّي الفيلم، والاندماج في أجوائه المكانية. إلى ذلك، فإنّ بعض هذه الأمكنة، التي يُفترض بها أن تمتلئ بحياةٍ، كانت خالية منها، كقرية الصيادين وجامع القرية، الذي كان يجمع شيخه مع آدم. أمكنة بدت ديكوراً في معظمها، لا أمكنة حقيقية تدور فيها أحداثٌ، وتؤثّر في الشخصيات، التي (الشخصيات) بدت غريبة عنّها وفيها، في مواقف مختلفة.

باستثناء عيوبٍ ظهرت في لكنة الشخصيات أحياناً، كشفت أنّهم غير مصريين، فإنّ شخصية آدم مرسومة بدقّة كبيرة، في صراعاتها الداخلية وسلوكها، وفي تطوّرها مع مرور الوقت من براءة تامة إلى حرج وخوف، ثم إلى إدراك وبدء تلمّس هذا العالم الخارجي وصراعاته. هذا أدّاه توفيق برهوم بإتقان كبير. كذلك كانت شخصية المفتش، التي أدّاها فارس فارس، الممثل في "حادثة هيلتون القاهرة" أيضاً، رغم أنّه لم يكن ـ بشكله وملابسه وأسلوبه ـ ضابطاً مصرياً تقليدياً. لكنّ شخصياتٍ أخرى، لها أدوارٌ مهمّة في مسيرة الشاب، بقيت مُسطّحة وغامضة، كالقتيل وصديق آدم في المهجع، وقائد مجموعة الإخوان المسلمين، الذي لم تتوضّح علاقاته وميوله الحقيقية وطريقة وصوله إلى المنصب، قبل محوه بسرعة في مشهد سريع، شديد الإيجاز.

اللقطات الواسعة أضافت لـ"ولد من الجنّة" سحراً لا يُنسى (تصوير بيار أيِيم)، كلقطات الحشود خاصة، في صحن الجامع، أو في نزهة الطلاّب في الرواق، ما يُذكّر بـ"اسم الوردة" (1986) لجان ـ جاك آنو؛ أو تلك التي يُصارع فيها آدم، وسط الجموع، مُحاولاً إيجاد طريقه، ليتبدّى فيها مدى صغر الفرد وضعفه أمام الأمواج البشرية والمجتمع.

 

####

 

"إخوة ليلى" و"عنكبوت مقدّس" والغضب الإيراني

طهران/ صابر غل عنبري

شهدت إيران، أخيراً، موجة غضب واستنكار شديدين، في الأوساط السياسية والدينية، والحكومة، بسبب فيلم "عنكبوت مقدس"، الحائز إحدى جوائز مهرجان كانّ السينمائي الدولي في دورته الأخيرة. يُتّهم الفيلم بأنه "بوق دعائيمضاد للجمهورية الإسلامية. كما هناك تهديدات وُجّهت لكل من تعاون في إنتاج هذا الفيلم.

وفي حديث له، قال وزير الثقافة والإرشاد الإسلامي، مهدي إسماعيلي، لوسائل الإعلام على هامش اجتماع الحكومة الإيرانية، إن فيلم "عنكبوت مقدس"، للمخرج الدنماركي الإيراني، علي عباسي، تدور قصته حول قاتل متسلسل يستهدف عاملات الجنس في مدينة مشهد الإيرانية لدواع دينية، هو عمل "مقرف وكريه وغير واقعي"، واصفاً إشراكه في مهرجان كانّ بأنه "خيار خاطئ وسياسي، ويهدف إلى استعراض صورة سوداوية مشوهة عن المجتمع الإيراني".

وأضاف إسماعيلي أن "العناصر المشاركة في الفيلم هم خارج البلاد، ولو كانوا داخلها لتعرضوا لتأديب، لكن في الداخل إذا كان هناك من شارك في هذا الفيلم المهين، ستشملهم العقوبات التأديبية لوزارة الإرشاد والمنظمة السينمائية".

يستوحي الفيلم أحداثه من قصة حقيقيّة شهدتها إيران قبل أكثر من عشرين عاماً في مدينة مشهد شرقي البلاد. كان القاتل، سعيد حنائي، المعروف بـ"العنكبوت"، يلاحق عاملات الجنس بدراجته النارية أو بسيارته، وقتل 16 منهن، إذ قال قبل إعدامه عام 2002، أثناء جلسات المحاكمة، إنه قتلهن لأنهن كن "زانيات عاهرات".

لعب الممثل الإيراني مهدي بجستاني دور القاتل حنائي في فيلم "عنكبوت مقدس"، فظهر فيه بشخصيتين متناقضتين؛ متدين وهادئ في النهار، ومضطرب نفسياً في الليل.

الفيلم الذي أُنتج في الخارج بعيداً عن القيود الإيرانية، يسلط الضوء على حياة عاملات الجنس، ويتضمن لقطات جنسية أيضاً، مع التركيز على نظرة المجتمع تجاههن، وتأييد السكان لما فعله القاتل، ومعارضة البعض له. ومن هذه الزاوية، ينتقد المعتقدات الدينية. ويُظهر الفيلم القاتل متجولاً على دراجته النارية في شوارع مشهد، فيصطاد عاملات الجنس واحدة تلو أخرى، ويركبن معه، ثم يقتلهن. وبعد كل قتل ورمي الجثة على قارعة الطريق، يتصل القاتل بصحافي ويخبره بالجريمة متبنياً المسؤولية عنها.

كما أن الفيلم يظهر الشرطة الإيرانية في حالة تهاون في ملاحقة المجرم وجرائمه، إلى أن تقرر صحافية إيرانية قادمة من طهران ملاحقة السفاح والكشف عن جرائمه.

وخلال الأيام الماضية، صدرت بيانات متعددة في إيران، ضد "عنكبوت مقدس" وعرضه في مهرجان كانّ، إذ أدانت منظمة السينما الإيرانية، التابعة لوزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي، في بيان عرض الفيلم ومنحه جائزة في المهرجان الدولي، متهمة إياه بأنه قد يوجه إهانة لمعتقدات الملايين من المسلمين، ومعتبرةً أن الفيلم "نتاج ذهن منحرف لدنماركي من أصل إيراني"، في إشارة إلى المخرج علي عباسي.

كما هاجمت منظمة السينما الإيرانية مهرجان كانّ السينمائي، متهمةً إياه بـ "ارتكاب فعل سياسي منحاز من خلال الإشادة بالفيلم" الذي وصفته بأنه "كاذب ومثير للاشمئزاز".

ليس "عنكبوت مقدس" فقط ما أثار الغضب في إيران. هناك عمل آخر عُرض في مهرجان كانّ أيضاً، بعنوان "إخوة ليلى"، استفزّ الجهات الرسمية، لعرضه في المهرجان، من دون حصوله على ترخيص رسمي، فضلاً عن ظهور وجوه بارزة مثلت فيه، وظهرت في مشاهد "غير لائقة".

في هذا السياق، قال وزير الثقافة الإيراني، مهدي إسماعيلي، إن فيلم "إخوة ليلى" قد شارك في مهرجان كانّ "من دون الحصول على ترخيص العرض"، مشيراً إلى أن "أفراد طاقمه سيتعرضون لإجراءات تأديبية بسبب عدم الالتزام بالقانون".

فيلم "إخوة ليلى" من إخراج سعيد روستائي، وبطولة الممثلة ترانة عليدوستي، ونويد محمد زاده، وبيمان المعادي وفرهاد أصلاني. عُرض الفيلم لأول مرة خلال مهرجان كانّ السينمائي (2022) وحصل فيه على جائزة الاتحاد الدولي للناقدين.

 

العربي الجديد اللندنية في

03.06.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004