ملفات خاصة

 
 
 

جوائز مهرجان كان تذهب إلى أفكار مثيرة ورؤى تسخر من واقع العالم

خالد محمود

كان السينمائي الدولي

الخامس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

· «مثلث الحزن» يحصد السعفة الذهبية و«إغلاق» و«النجوم عند الظهر» يتقاسمان الجائزة الكبرى

· «ايو» و«الجبل الثامن» يفوزان بسعفة لجنة التحكيم.. والمخرج سكوليموسكى يشكر أبطاله من الحمير بالاسم

· زار أمير إبراهيمى أفضل ممثلة بـ«العنكبوت المقدس».. وتؤكد: الفيلم يصور كل شىء يستحيل عرضه فى إيران

جاءت جوائز مهرجان كان السينمائى لدورته الـ75 التى أعلنت فى حفل الختام أمس الأول، لتنتصر لأفكار مثيرة وملمهمة قدمها صناع الأفلام، التى تبارت فى ماراثون طويل بأدوار وقصص وحكايات ورؤى فنية عميقة تحاكى الواقع وتسخر منه بحسب شهادات نقاد العالم.

بالقطع شهد المهرجان أفلام مهمة ومتميزة اقتنص بعضها الجوائز، والبعض الآخر فاز بصيحات إعجاب الجمهور.

بعد 11 يوما من دورة استثنائية، أعلنت لجنة تحكيم مهرجان كان، برئاسة الممثل الفرنسى فنسنت ليندون، وعضوية المخرج الإيرانى أصغر فرهادى، والممثلة البريطانية الأمريكية والمخرجة ريبيكا هول، والمخرج الفرنسى لادج لى، والمخرج الأمريكى جيف نيكولز، قدمت الممثلة الهندية ديبيكا بادكون، والممثلة السويدية نومى راباس، والمخرج النرويجى يواكيم ترير، والممثلة والمخرجة الإيطالية ياسمين ترينكا، قائمة الفائزين بالسعفة الذهبية من بين 21 فيلما عرضت فى المسابقة هذا العام.

استطاع المخرج السويدى الكبير روبين اوستلوند ان يقتنص السعفة الذهبية لأفضل فيلم روائى طويل باقتدار، بفيلمه «مثلث الحزن « الذى ينتمى لكوميديا الحرب الطبقية، وهى المرة الثانية التى يمنح فيها اوستلوند السعفة الذهبية بعد أن فاز بها عام 2017 بتحفته السينمائية «المربع».

«مثلث الحزن» يدور حول عارضين أزياء (هاريس ديكنسون وتشارلى دين) صعدا على متن سفينة سياحية فاخرة، مع أثرياء غير مدركين شىء عن حقيقة أن قائدها الماركسى يخطط لقلب الطاولات على ركابها فى جزيرة مهجورة.

وقال أوستلوند «نتفق جميعا على أن الشىء الفريد فى السينما هو أننا نشاهدها معا، لذلك علينا البحث عن شىء لنتحدث عنه ولكن ينبغى لنا أيضا أن نحظى بالمرح والاستمتاع».

وذهبت الجائزة الكبرى مناصفة بين فيلم «إغلاق» للمخرج البلجيكى لوكاس دونت، حول صبيين يبلغان من العمر 13 عاما انفصلت علاقتهما بشكل مأساوى بعد أن سخر زملائهما فى المدرسة من علاقتهما الحميمة.

وفيلم «النجوم عند الظهر» إخراج الفرنسية كلير دينيس والفيلم مقتبس من رواية دينيس جونسون المثيرة، عام 1986 وتدور أحداثه خلال ثورة ساندينيستا فى نيكاراجوا عام 1984، حيث قام جو ألوين ومارجريت كوالى بدور رجل الأعمال البريطانى والصحفى الأمريكى الذى وقع فى الحب أثناء هروبهما من البلاد عندما يتورطان قريبا فى متاهة خطيرة من الأكاذيب والمؤامرات.

كلير دينيس حازت على جائزة الدب الفضى فى مهرجان برلين هذا العام عن فيلم «كلا الجانبين من النصل»، وفاز بجائزة أفضل مخرج الكورى الجنوبى بارك تشان ووك بفيلمه «قرار بالمغادرة» وهو المخرج الفائز بالجائزة الكبرى لهيئة التحكيم فى مهرجان كان 2004 مع «أولد بوى» وجائزة لجنة التحكيم لعام 2009 مع «عطش»، حيث يعود هذا العام فى قصة رومانسية قاسية، من خلال محقق شرطة يشتبه وينجذب إلى امرأة غامضة أثناء التحقيق فى وفاة زوجها.

كما تقاسم جائزة لجنة التحكيم فيلم eo «ايو» إخراج، جيرزى سكوليموسكى، حول رحلة حمار عبر أوروبا الحديثة التى لا ترحم، حيث يتبع حمارا يصادف فى رحلاته أشخاصا جيدين وسيئين، ويعانى من الفرح والألم، ويستكشف رؤية أوروبا الحديثة من خلال عينيه.

وقال جيرزى «أود أن أشكر حمارى» وتقدم بالشكر لجميع الحمير الستة المستخدمة فى الفيلم واحد واحدا بالاسم.

وفيلم «الجبل الثامن» من إخراج شارلوت فانديرميرش وفيليكس فان جرونينجن.

وهو قصة صداقة من الأطفال الذين يصبحون رجالا يحاولون محو آثار خطى آبائهم، لكنهم دائما ما يعودون إلى ديارهم من خلال التقلبات والانعطافات، من خلال بيترو فتى من المدينة، وبرونو هو آخر طفل فى قرية جبلية منسية. على مر السنين ظل برونو وفيا لجبله، فى حين أن بيترو هو من يأتى ويذهب.

تعرفهم لقاءاتهم على الحب والخسارة، وتذكرهم بأصولهم، وتترك مصائرهم تتكشف، بينما يكتشف بيترو وبرونو ما يعنيه أن يكونوا أصدقاء حقيقيين مدى الحياة.

فيما فاز بجائزة أفضل سيناريو لفيلم «صبى من الجنة» للمخرج طارق صالح.

كما منحت لجنة التحكيم جائزة خاصة عن الدورة الخامسة والسبعين لمهرجان كان للمخرجين البلجيكيين جان بيير ولوك داردين، عن فيلمهما «تورى ولوكيتا» الذى يطرح بجرأة مشهد جديد لدراما المهاجرين عبر سرد قصة بسيطة ومؤثرة، قصة صداقة بين شابين قاصرين فى المنفى تُظهر عنف علاقتنا بقضية الهجرة وتدين الأضعف بدلا من الحماية.

وذهبت جائزة أفضل ممثلة إلى زار أمير إبراهيمى عن أدائها كصحفية فى فيلم «العنكبوت المقدس» للمخرج على عباسى، وهو فيلم تشويق حقيقى عن قاتل يستهدف عاملات جنس فى مدينة مشهد الدينية الإيرانية. لم يُسمح بتصوير الفيلم، الذى يتميز بالعنف والرسومات، ليتم تصويره فى الأردن.

وقالت زار إبراهيمى عند تسلمها الجائزة، إن الفيلم يصور «كل شىء يستحيل عرضه فى إيران.

وفاز بجائزة أفضل ممثل الكورى سونج كانج هوعن فيلم «سمسار» إخراج اليابانى بى هيروكازو، والذى يدور حول عائلة كورية تبحث عن منزل لطفل مهجور.

وقال سونج كانج: «أود أن أشكر كل أولئك الذين يقدرون السينما الكورية».

وفاز بجائزة الكاميرة الذهبية لافضل عمل اول فيلم «حرب المهر» إخراج رايلى كيو وجينا جميل.

جدير بالذكر ان شاشة مهرجان كان عرضت هذا العام، مجموعة أضخم أفلام هوليوود هذا العام مثل «إلفيس»، «توب جن: مافريك»، «ثلاثة آلاف عام من الشوق» ــ خارج تشكيلة المهرجان الرسمية المؤلفة من 21 فيلما، لكن وجودهم ساعد فى استعادة بعض بريق مدينة كان بعد أن قلص الوباء المهرجان على مدى العامين الماضيين.

 

الشروق المصرية في

29.05.2022

 
 
 
 
 

رسائل كان 2022: مهرجان بلا أقنعة

محمد طارق

يعود مهرجان كان في دورته الـ75، بطاقة كاملة بعد دورتين إحداهما افتراضية، والأخرى هجينة لم تخلق للمهرجان وهجه المعتاد.  هذا العام،  الإجراءات الاحترازية أصبحت شيئًا من الماضي، لا تضييق على ارتداء الأقنعة داخل الصالات ولا في أي من قاعات المهرجان، ليصبح قناع الوجه منظرًا نادرًا وسط الجماهير، حسنًا اختفى الوباء بشكل كبير أو على الأقل الذعر منه، ما يسمح للمهرجان الأكبر في عالم السينما بالعودة بكامل تألقه

هذه الدورة الأولى لي بعد محاولات لحضور باءت بالفشل نتيجة لوباء أثر كثيرًا على مشهد صناعة السينما ومهرجاناتها. تجربة غامرة لا يمكنك التوقف فيها للحظة، مقابلات مهنية وودية، أفلام تعرض في جميع الأوقات في قاعات كثيرة، بعضها يشبه المسارح وأخرى سينمائية، وحفلات تستمر إلى وقت متأخر، وعرض أزياء حي على طول شاطئ المدينة، اختصارًا كان هي الميكروكوزم الخاص بجماهير الأفلام من محبي السينما المخلصين الذين لا يهتمون إلا لحضور أكبر عدد ممكن من الأفلام، النقاد والصحفيون، صناع الأفلام وموزعوها، والنجوم أو أولئك الطامحون للحصول على صورة على السجادة الحمراء أو أخرى لتوم كروز بينما يغادر فندقه.  

جماهير وفنادق وسجادة حمراء    

أجواء صيفية مشمسة، رطوبة عالية تجعل التنفس صعبًا بعض الأوقات، وجماهير كثيرة تجعل من مسافة المشي من بيتي إلى المهرجان مهمة صعبة. المهرجان منقسم إلى عدة مساحات يقع معظمها في شارع الكروازيت الشاطئي- المغلق جزئيًا من أجل المهرجان- المكتظ بالشرطة والحراس والجماهير في هذا الشارع تظهر معظم أشكال المبالغات، سيارات فيراري ولامبورجيني فارهة، وسيارات كلاسيكية عتيقة ذات أسقف مفتوحة، بذلات سوداء وأخرى تتبع موضات أكثر غرابة، وفساتين، وآخرين يرتدون ملابس أكثر عملية يتنقلون بدراجة أو سكوتر كهربائي. في المدينة أيضًا يمكنك أن ترى سينمائيين عظامًا يتنقلون، تشاهد إيليا سليمان بينما يتمشى أو أريان لابيد (بطلة “سن الكلب” للانثيموس) تنتظر عرضًا ضمن مهامها كعضو في لجنة التحكيم. بينما يبدأ الشارع في العمل منذ السابعة صباحًا لمحترفي الصحافة والصناعة يستمر السهر في المدينة حتى الرابعة صباحًا. النوم عملة نادرة في كان، لكن لا أحد يأبه في تلك الأيام المخصصة للاحتفال بالسينما.

أمام مقر نصف شهر المخرجين إعلان ضخم لفيلم توم كروز الأحدث «توب جان»، الذي منحه المهرجان سعفة ذهبية مفاجئة أثناء حضوره، وخصص له درسًا للحديث عن مسيرته. على امتداد الشارع يقف موزعو مجلات الصناعة الشهيرة فارايتي وهولييوود ريبورتر، أمام السجادة الحمراء أيضًا حشود ضخمة تشاهد ما يحدث، وآخرين يقفون حاملين يافطات تطلب تذكرة لفيلم معين، موزعون مشهورون يضعون يافطاتهم على مكاتبهم المؤقتة أمام القصر في شقق قد يصل إيجارها إلى 50 ألف دولار مقابل فترة المهرجان، بينما يصل إيجار مساحة في السوق إلى 6 آلاف دولار على الأقل. في السوق الموزعة بين قصر المهرجانات والقرية الدولية أجنحة لدول وشركات، دولتان عربيتيان فقط يمتلكان جناحين وطنيين هما تونس والسعودية. أجواء لا مثيل لها في أي مكان من العالم، هوس بالسينما في كل أنحاء المدينة الصغيرة

على الجانب الآخر للمدينة، يظهر الوجه الطبيعي للمدينة المتوسطية الصغيرة، حيث يختفي الصخب شيئًا فشيئًا، لكن بالطبع المدينة بأكملها مكرسة للمهرجان طول أيامه، إنها احتفالية لا تشبه غيرها، وسواء كنت من المحترفين أو من جماهير المهرجان أو حتى المصيفين فالتجربة بأكملها لا تشبه إلا نفسها، مُلخصًا يمكن اعتبار تلك المدينة كوجهة حج لمحبي السينما في جميع أنحاء العالم.

بطاقات وتذاكر وطوابير

أول ما تفعله عند الوصول إلى كان هو التوجه للحصول على بطاقتك التي يحدد نوعها أي الأماكن ستدخل، وأولوية دخولك إلى قاعة السينما، وعلى كم المزايا المتاحة لك. إضافة يمنحك المهرجان هذا العام عند حصولك على بطاقتك على بوستر خاص بعام من أعوام المهرجان، حصلت على بوستر عام 2014، الذي يضع مارشيللو ماستورياني في لقطته الشهيرة في «8 ونصف» وعلى تلك الصورة اسم المهرجان

قبل بدء المهرجان بأربعة أيام، فتح نظام حجز التذاكر، وبالتالي أصبح الاستيقاظ في السابعة صباحًا أمرًا ضروريًا لحجز أهم أفلام الأيام الأربعة المقبلة. نظام حجز التذاكر الإلكتروني هو ميزة ألغت طوابير الانتظار الطويلة، وبالتالي تستطيع الوصول إلى عدد أكبر من العروض كل يوم، لكن نظام الحجز ظل متذبذبًا طوال الوقت، وهو الأمر الذي أصلحه المهرجان للصحافة من ثاني أيام المهرجان بينما استمر حجز الصناعة في العمل بشكل سيئ لأيام أطول، لكن تذاكر الدقائق الأخيرة وعروض السوق منحت حاملي بطاقات الصناعة تعويضًا كافيًا

يمتلك المهرجان مجموعة من القواعد الأخرى التي تشكل جزءًا من هويته، إذا أردت حضور عروض المساء في قصر المهرجان فلا بد من ربطة عنق وبدلة توكسيدو أو سوداء على أقل تقدير، أيضًا إذا قمت بحجز فيلم ولم تحضره يوجه إليك إنذار، وفي الفيلم الثاني الذي لا تحضره يتم إيقاف بطاقتك، لكن في اعتقادي لم يحدث ذلك هذا العام، لأن نظام حجز التذاكر وإلغائها ظل متذبذبًا خصوصًا لحضور الصناعة. كل حضور المهرجان يرتدون بطاقات المهرجان 

الصوابية السياسية في مرمى النقد

فيلم (اقطع – Final Cut) لميشيل هازانافيسيوس افتتح كان هذا العام، وهو فيلم كوميدي عن مخرج يقوم بإخراج فيلم زومبي، وبينما يقومون بالتصوير يُهاجم طاقم التصوير من قِبل مجموعة من الزومبي بالفعل، لا داعي لحرق أحداث الفيلم، لكن يمكننا الإشارة إلى أن الفيلم المختار لافتتاح الدورة الـ75 هو فيلم بسيط لا يحمل كثيرًا من الفلسفة، بل يحكي قصة بسيطة مع كثير من التحيات للسينما ذاتها، وبخاصة سينما تارانتينو، وسخرية من الصوابية السياسية ونظم العيش الحديثة، من دون خسارة جماهيرية الفيلم

على الناحية الأخرى، وفي ما يخص الكوميديا السوداء الساخرة بشكل أكثر فلسفية من الصوابية السياسية، يأتي فيلم روبن أوستلاند الأحدث «مثلث الحزن – Triangle of Sadness» والمتوج بالسعفة الذهبية لهذا العام.

الفيلم يبدأ بمشهد لعارضي أزياء يحاورهم مذيع مبالغ في أدائه، يسأل أحدهم ماذا يتطلب من المرء ليصير عارض أزياء، فيجيبه الآخر أن يمتلك جسدًا رياضيًا، بعدها يدخل بطل الفيلم كارل إلى تجربة أداء، فيخبره أحد المقيمين ألا يعقد حاجبيه ليقلل من «مثلث الحزن» خاصته. تشي تلك البداية بكل ما يود أوستلاند قوله خلال الفيلم عن عالمنا المعاصر في نقد ساخر عنيف، هذا عالم مبني على المظاهر، ولا يأبه لأي شيء آخر

ينقسم الفيلم إلى ثلاثة أجزاء، أولها واقعي، وثانيها كوميديا فارص، وثالثها ديستوبي، يأخذنا المخرج في رحلة من خلال بطليه كارل وحبيبته يايا مؤثرة مواقع التواصل الاجتماعي، إذ يهتم في بداية الفيلم بعرض ديناميكيات علاقتهما، ثم ينتقل إلى الرحلة السياحية الفاخرة التي حصلت عليها يايا مجانًا، تلك الرحلة التي تحدث على متن باخرة يركبها أثرى أثرياء العالم، رجل أعمال روسي يعمل في الزراعة يبيع «الخراء» كما يقول، تاجر أسلحة إنجليزي وغيرهم. هكذا تتحول تلك الباخرة إلى ميكروكوزم لعالم يوضح بشكل مبالغ فيه الفروقات الطبقية وطرق الحصول على الثروة. خلاصة فيلم أوستلاند هو بشكل ما استكمال لفيلمه السابق “المربع”، وإن كان هنا أكثر تواصلًا مع العالم بشكل أكبر من سابقه، لكنه يحافظ على تلك السخرية السوداء من كل مظاهر العيش الحديث، ولكن يبقى السؤال الأكثر أهمية: هل يوجد مثلث الحزن على وجه البطل أم أن تلك الفصول الثلاثة للفيلم تشكله؟

 

موقع "إضاءات" في

29.05.2022

 
 
 
 
 

«اقطع» لأزانافيسيوس: أفلام الزومبي موضوعاً للسخرية

سليم البيك

ليست أفلام الفرنسي ميشيل أزانافيسيوس، القليلة على كل حال، منتظَرة، لكن اختيار فيلمه «اقطع» لافتتاح مهرجان كان السينمائي هذا العام حمّل الفيلم أكثر مما يحتمل. فكان أقل من المتوقع بصفته فيلم افتتاح لهذا المهرجان، الأهم في تاريخ السينما، لكن، لا يعني ذلك أن الفيلم رديء أو يستحق القول إن في مشاهدته إضاعة للوقت. فالفيلم، بمعزل عن عبء كونه فيلم افتتاح، فيلم جيد وذكي ومضحك وساخر.

كي ندرك أكثر هذا القول، أذكُر أن أفلام المخرج هذا ليست بالدرجة الأولى فنية، وأنها تجارية، تُشاهَد في الصالات، دون تخطيط مسبق، يمضي خلالها أحدنا وقتاً ممتعاً ويخرج من الصالة دون أن يخرج الفيلم معه عالقاً في ذهنه.

استثناء هنا جعل من أزانافيسيوس في مصاف صناع الأفلام الفنانين المعنيين بسينما مختلفة عما كانت عليه أفلامه السابقة، والحديث هنا عن «الفنان» فيلمه الذي نال عام 2011 جوائز أهمها السعفة الذهبية للمهرجان ذاته، وأوسكار أفضل فيلم. وهذا ليس عادياً أو متكرراً أو مستباحاً، إذ نقل «الفنان» أزانافيسيوسَ من مخرج صالات تجارية إلى مخرج مهرجانات وجوائز، ما أوصل به أخيراً إلى افتتاح «مهرجان كان» هذا العام بفيلم جيد.

ويبقى «الفنان» فيلمه الوحيد الذي اجتاح الجوائز في كل العالم، منفصلاً، كأنه حصل بالخطأ، عما سبقه ولحقه من أفلام، تحديداً فيلمه الرديء عام 2017 «المروع» أو المريع، الرهيب، المخيف بمعانيه المتداخلة الواصفة لموضوع فيلمه، علاقة المخرج الفرنسي جان لوك غودار بزوجة سابقة له، الواصفة له بالهائل كسينمائي والمرعب كرجل. تلقى الفيلم أخيراً نقداً سلبياً لتواضعه. أما فيلمه الأخير، وقد نزل إلى الصالات الفرنسية بالتزامن مع افتتاحه المهرجان، فكان في الوسط بين الفيلمين، وآخر متواضع، عام 2014، عنوانه «البحث».

«Coupez

نبقى في «اقطع» أو «Coupez !» وقد تغير اسمه أياماً قبل عرضه، بعدما كان العنوان «Z» وهي علامة يرسمها الجيش الروسي على مدرعاته في اجتياحها أوكرانيا. فكانت مطالبات متشنجة وفي غير محلها، بتغيير العنوان. بعيداً عن كل ذلك، الفيلم كوميديا ساخرة، ذكية شكلاً ومضموناً، مقسم إلى ثلاثة فصول: الأول هو فيلم داخل الفيلم، هو فيلم قصير اسمه «Z» كنتيجة نهائية، لما سنشاهده في القسم الثاني من التحضير له، وفي القسم الثالث من تصويره. يشاهد أحدنا الفيلم القصير الذي هو داخل الفيلم، وهو هنا فيلم زومبي يدور حول فريق سينمائي يصور فيلم زومبي فيتحول أعضاؤه من ممثلين وتقنيين إلى زومبيات، هو فيلم لنصف ساعة بدخل منخفض وبإنتاج ياباني، فيلم الدرجة B أو الدرجة الدنيا وهي الأفلام الرخيصة والمبتذلة. ينتهي النصف ساعة وينتهي بها القسم الأول، لندخل في فيلمنا «اقطع» خارجين، بشكل ما فقط، من فيلم «Z» لنشاهد ما سبق الفيلم، سياقاته وحالة مخرجه وأسرته وبحثه عن الممثلين. ما أعطانا إدراكاً إضافياً محيطاً بالفيلم القصير، مضيفاً على ما ظننا أننا كنا ندرك ما نشاهده. القسم الثالث يلحق زمانياً القسم الثاني، وهو عملية تصوير الفيلم، وهذه مسألة تحوم حولها الحبكة في عموم الفيلم، إذ لا بد من أن يكون الفيلم القصير مصوراً بلقطة واحدة، وهذا أساساً ما شاهدناه في النصف ساعة الأول من الفيلم ككل. فندرك، أكثر وأكثر، المشاهد التي كنا، دون أي وعي، ندرك أننا نفهمها في حواراتها وتصرفات ممثليها. في القسم الثالث ندرك أكثر القسم الأول، فالأول كان النتيجة النهائية، الثاني كان الطريق إلى المشروع ككل، الثالث كان عملية تصوير ما سيصير القسم الأول، وما تخلل العملية من إرباكات وخلل ومشاكل واستدراكات، وهذه كلها أتت بالنتيجة النهائية للفيلم الذي صار اسمه «Z». ونال إعجاب منتجه الياباني.

هذه الحبكة هي ما يحث على القول إن الفيلم ذكي، وطريقة تناوله النقدية والساخرة للأفلام الرخيصة من ناحية وأفلام الزومبي من ناحية ثانية هي ما أتاحت للفيلم أن يكون مضحكاً بشكل شبه متواصل. وأسلوب «الميتافيكشن» أو الفيلم داخل الفيلم داخل الفيلم، فنحن هنا أمام ثلاث طبقات، هي ما جعلت من أحدنا منتبهاً دون أن يشتت ضحكه، أو ضاحكاً دون أن يغامر في السماح لانتباهه بأن يتشتت. وهذه كلها عناصر تجعل من الفيلم مستحقاً المشاهدة، لكنها لا تجعل منه، بالضرورة، فيلماً لافتتاح مهرجان كان السينمائي.
لكنه ليس فريداً في ذلك، ففيلم افتتاح آخر للمهرجان ذاته عام 2019، كان كذلك فيلم زومبي، وكان كذلك ساخراً، وكان كذلك غير جدير بافتتاح المهرجان، وكان كذلك، وهو الأهم، أقل جودةً من معظم أفلام صاحبه (الرائعة) الأمريكي جيم جارموش.

كاتب فلسطيني سوري

 

القدس العربي اللندنية في

29.05.2022

 
 
 
 
 

ليلى علوي بعد مشاركتها في مهرجان كان: فخورة جدا بالأعمال المصرية والعربية

كتب: ياسمين محمود

أعربت الفنانة ليلى علوي، عن سعادتها بالأفلام العربية والمصرية التي شاركت خلال مهرجان كان السنيمائي.

ونشرت ليلى علوي عبر حسابها بموقع تبادل الفيديوهات والصور «إنستجرام»، مجموعة من إطلالاتها خلال المهرجان، وعلقت قائلة: «مبروك لجميع الفائزين في مهرجان كان السينمائي، فخورة جدا بالأعمال المصرية والعربية.. نتطلع لرؤية الأفلام التي شاركت فيما بعد.. حب كثير للسينما والأفلام».

ليلى علوي تنعى سمير صبري 

حرصت الفنانة ليلى علوي، على نعي الفنان الراحل سمير صبري، عبر حسابها بموقع تبادل الصور والفيديوهات «إنستجرام» قائلة: «الدوام لله وحده، قطعت بينا وهتوحشنا يا سمير.. ربنا يرحمه ويغفر له، إنسان وفنان متميز جدا ومتعدد المواهب، بقدر إنسانيته جدا، وتعلمت منه اطلع صدقة، وهو اللي شاورلي على مستشفى أبو الريش، وله مكان باسمه فيها (سرير) متواجد كصدقة دايمة للمحتاجين».

ليلى علوي ورمضان 2022

شاركت ليلي علوي خلال السباق الرمضاني 2022، بمسلسل «دنيا جديدة»، الذي شاركها فيه البطولة، كل من مي سليم، وأشرف زكي، وليلى عز العرب، ووفاء صادق، ومجدي كامل

 

الوطن المصرية في

29.05.2022

 
 
 
 
 

"مثلث الحزن".. فيلم سياسي ساخر يتوج بالسعفة الذهبية في كان

كان (فرنسا)

المخرج الفائز يقدم في فيلمه نقدا لاذعا للرأسمالية وتجاوزاتها في مجتمعات غربية تولي المظاهر اهتماما كبيرا.

توج مهرجان كان السينمائي بنسخته الخامسة والسبعين السبت فيلم “تراينغل أوف سادنس” (مثلث الحزن) السياسي الساخر عن العلاقات بين الطبقات في المجتمعات الغربية، بالسعفة الذهبية التي نالها مخرج العمل السويدي روبن أوستلوند للمرة الثانية في مسيرته.

فبعد “تيتان” للفرنسية جوليا دوكورنو العام الماضي، اختارت لجنة المهرجان هذا العام فيلما غير تقليدي أيضا لكن من دون مشاهد دامية هذه المرة، لمنحه الجائزة الأرفع في المهرجانات السينمائية العالمية.

وبعد خمس سنوات على الفوز بفضل فيلمذي سكوير، انضم المخرج السويدي البالغ 48 عاما إلى النادي المغلق للمخرجين الحائزين “السعفة الذهبية” مرتين، من بينهم الأخوان داردين وكن لوتش.

ويقدّم المخرج الفائز في هذا الفيلم نقداً لاذعا للرأسمالية وتجاوزاتها في مجتمعات غربية تولي المظاهر اهتماما كبيرا.

ويروي “تراينغل أوف سادنس” مغامرات يايا وكارل، وهما ثنائي من عارضي الأزياء والمؤثرين على الشبكات الاجتماعية يمضيان إجازة فارهة على سفينة استجمام، لكن رحلتهما تنقلب إلى كارثة. هذا العمل الذي يبدو أشبه بنسخة معاكسة لـ”تيتانيك” لا يكون فيها الأكثر ضعفا بالضرورة هم الخاسرون، يصور بشكل ساخر التباينات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء وأيضا بين الرجال والنساء أو بين البيض والسود.

وقال المخرج السويدي الذي تربى على يد والدته الشيوعية والذي يصنف نفسه على أنه “اشتراكي”، إنه لم يسقط في فخ “تصوير الأغنياء على أنهم أشرار”، مفضلا “فهم سلوكياتهم”.

وأوضح أوستلوند الذي بدا متحمسا جدا لدى تسلمه الجائزة “عندما بدأنا العمل على هذا الفيلم، كان لدينا هدف واحد يتمثل في محاولة صنع عمل يثير اهتمام الجمهور ويدفعه إلى التفكير مع منحى استفزازي”.

ومن ناحيته أقر رئيس لجنة تحكيم المهرجان الممثل فنسان لاندون بأن “اللجنة كلها صُدمت بهذا الفيلم”.

وقد علق في ذاكرة مشاهدي الفيلم مشهد التقيؤ الجماعي على متن السفينة بسبب حالات إعياء عمّت المسافرين جميعاً خلال حفلة عشاء على السفينة المترنحة، أو معركة الأقوال المأثورة بين القبطان الشيوعي وأحد الأوليغارشيين الروس.

ومنحت لجنة التحكيم -التي تضم خصوصا، إلى جانب لاندون، الممثلة البريطانية ريبيكا هول التي برزت في فيلم “فيكي كريستينا برشلونة”، والممثلة الهندية ديبيكا بادوكوني والمخرج الإيراني أصغر فرهادي والفرنسي لادج لي (مخرج فيلم “لي ميزيرابل”)- جائزتها الكبرى مناصفة إلى الفرنسية كلير دوني (76 عاما) عن فيلمها “ستارز أت نون” والمخرج البلجيكي لوكاس دونت البالغ من العمر 31 عاما عن فيلمه الثاني “كلوس” الذي يقارب مسألة معايير الذكورة.

وعلى صعيد التمثيل فاز الكوري الجنوبي سونغ كانغ هو (55 عاما) بجائزة أفضل ممثل عن دوره في فيلم “بروكر” للمخرج الياباني هيروكازو كوري – إيدا.

أما جائزة أفضل ممثلة فنالتها الإيرانية زار أمر إبراهيمي عن دورها في فيلم “العنكبوت المقدس” للمخرج علي عباسي. وتؤدي إبراهيمي في الفيلم دور صحافية شابة من طهران تتعقّب بنفسها سفاحاً ارتكب سلسلة من جرائم القتل التي أودت بحياة بائعات هوى في مدينة مشهد الإيرانية وتحاول جعله يدفع ثمن جرائمه.

وقالت إبراهيمي “هذا الفيلم يتحدث عن النساء وجسدهن، هو فيلم مليء بالوجوه والشعر والأيدي والصدور والجنس، كل ما يستحيل إظهاره في إيران”.

كذلك قالت بالفارسية “الليلة لدي شعور بأنني مررت برحلة طويلة قبل وصولي إلى هنا على هذه المنصة (…) وهي رحلة تميزت بالإذلال”، وشكرت فرنسا على الترحيب بها.

وأصبحت إبراهيمي نجمة في إيران في بداية العشرينات من عمرها بفعل دورها في مسلسل “نرجس”، لكنها اضطرت إلى مغادرة بلدها ولجأت إلى فرنسا عام 2008 بعد فضيحة جنسية.

وفاز المخرج السويدي من أصل مصري طارق صالح (50 عاما) بجائزة أفضل سيناريو عن فيلمه “صبي من الجنة”، وهو عمل تشويقي سياسي ديني ينتقد أداء السلطات المصرية في عهد الرئيس عبدالفتاح السيسي ويغوص في عالم أبرز المؤسسات المعنية بالإسلام السني.

◙ الفيلم الفائز يصور بشكل ساخر التباينات الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء وأيضا بين الرجال والنساء أو بين البيض والسود

وكانت بلجيكا من أبرز الرابحين في المهرجان، إذ بالإضافة إلى فوز لوكاس دونت بالجائزة الكبرى حصل الأخوان داردين الميالان إلى السينما الاجتماعية، على جائزة خاصة عن فيلم “توري أند لوكيتا”، وهو دراما اجتماعية عن شباب منفيين، في حين حصل الزوجان شارلوت فاندرميرش وفيليكس فان غارونينغن على جائزة لجنة التحكيم عن “ذي إيت ماونتنز” بالمناصفة مع “إي أو” وهو فيلم عن حمار من إخراج البولندي جيرزي سكوليموفسكي.

وفيما كان للحرب في أوكرانيا حضور بارز خلال المهرجان من خلال تضمنه عدداً من الأفلام لمخرجين أوكرانيين، وافتتاحه برسالة للرئيس فولوديمير زيلينسكي من كييف، خرج المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف خاوي الوفاض.

وبعد أن أصبح رمزاً للفن الروسي في المنفى، تمكن المخرج المناهض لنظام فلاديمير بوتين من الحضور للمرة الأولى إلى مهرجان كان لمواكبة فيلمه المشارك في المسابقة “تشايكوفسكيز وايف”.

وأمتع المهرجان الجمهور هذه السنة بحضور نجمين عُرِض فيلماهما من خارج المسابقة، أولهما توم كروز في “توب غان: مافريك”، والثاني النجم الصاعد أوستن بتلر البالغ من العمر 30 عاما في العرض العالمي الأول لفيلم “إلفيس”، حيث يؤدي شخصية “الملك” إلفيس بريسلي.

ويعول الإنتاج السينمائي على هذين الفيلمين لإعادة جذب الجمهور إلى دور السينما بعد الأزمة الصحية المستمرة منذ عامين.

 

العرب اللندنية في

30.05.2022

 
 
 
 
 

Top Gun: Maverick: توم كروز حلّق بنا إلى السماء...

شفيق طبارة

بدأ الأمر تماماً كما حدث في ذلك الوقت، في عام 1986: تدريبات طيارين على حاملة طائرات عسكرية على وقع أغنية Danger Zone لكيني لوغنز. صوت هدير محركات الطائرات العسكرية التي تهبط وتُقلع ممزوجة بموسيقى جورجيو مورودر. والجميع ينظرون إلى بعضهم ويشيرون بإبهامهم إلى الأعلى. نعم، كل شيء على ما يرام. وفي هذه اللحظة، تيقنّا أن كل شيء سيكون رائعاً. بعد ذلك، يظهر النقيب بيت «مافرك» ميتشل (توم كروز)، الذي يعيش في صحراء موهافي في كاليفورنيا. مثل البطل الخارق، يرتدي سترته الجلدية الشهيرة ونظارته الشمسية التي لا تبطل موضتها، ويكشف عن دراجته النارية ويصدر هديراً تحت أشعة الشمس، مصحوباً دوماً بالموسيقى التي نعرفها من «توب غان» لتوني سكوت (1944 – 2012).

36 عاماً كاملة مرت منذ أن جلس كروز الشاب في مقعده للمرة الأولى في طائرة «أف 14» لأداء مناورات خاطفة وإزعاج رؤسائه وتدمير العدو. هو لم يتغيّر. لا يزال يستمتع بحريته ويشقّ الصحراء على درّاجته الكاواساكي، واليوم وهو يقترب من الستين، لا يزال يتجاهل أوامر رؤسائه. متمرّد، يخترق القواعد، رجل بلا حدود، وأسرع رجل في العالم. صنع توني سكوت، «توب غان» في حمى أفلام الحركة في الثمانينيات، ليصبح كلاسيكياً مع الوقت. واليوم يعود الفيلم للمرة الثانية على يد جوزيف كوسينسكي ويغمرنا مرة أخرى في حمام من الأدرينالين والتستوستيرون. والنتيجة، الطيار المقاتل نفسه بزيّ ساحر، وتلامذة تافهون بجديّتهم العاقلة وطفوليّون في سن رشدهم. من المستحيل أن نغلق أعيننا عن «توب غان: مافرك»، هو دعوة لطيفة لننسى كل شيء خارج الصالة، ولمشاهدة سريعة الوتيرة للطائرات العسكرية مع لمحة درامية ورومانسية. «توب غان: مافرك» لا يزال يحتفظ بروح الفيلم الأول بفضل حنين الممثلين والمخرج إلى الماضي.
لقد قبل توم كروز والمخرج جوزيف كوسينسكي وفال كيلمر القيام بأهمّ مهمة مستحيلة في حياتهم المهنية: إعادة التفكير في أيقونة أثرت على جيل كامل من دون الوقوع في محاكاة ساخرة للذات أو أسوأ من ذلك، الشفقة على الذات. لذلك اتخذوا أفضل قراراتهم وجعلوا مافرك، الطيار السريع وغير القابل للتدمير، ضعيفاً، بل مليئاً بالجروح، لكنه لا يزال متهوراً والسرعة لا تزال شريان حياته. ومع ذلك حتى يومنا هذا، هو غير قادر على معالجة فقدان رفيقه السابق «غوز
».

بالنسبة لبيت «مافرك» ميتشل، لم يمر الوقت. لا يبدو أنه أبرم ميثاقاً مع الشباب الأبدي فحسب، بل إنه يستمر في اتّباع نفس العادات السيئة: لا يعترف بالسلطة، مقدام، خطير، ويرتدي نفس النظارات والسترة الجلدية ويصرّ على ركوب الدراجة النارية بدون خوذة. بعد ثلاثة عقود من انضمامه إلى أكاديمية «توب غان»، أعاده القدر مرة أخرى عليها، لكن هذه المرة كمدرب لمجموعة من الطيارين الشباب، الذين هم انعكاس لما كان عليه هو وأصدقاؤه من قبل. قبل كل شيء، على مافرك اكتساب احترام الجيل الجديد وتدريبه على التسلّل إلى أرض العدو في مهمة انتحارية. ولكنها ليست هذه المشكلة الوحيدة، لأن أحد أفضل الطيارين الجدد هو برادلي «روستر» برادشو (مايلز تيلر)، ابن «غوز» صديق وشريك مافرك الذي توفى في الفيلم الأول، وما بينه وبين مافرك مزيج من الضغائن والكلام الذي لم ينته. بين مهمته الجديدة والماضي الذي يعود إليه مراراً وتكراراً، يجد مافرك الدعم من صديقة توم «أيسمان» كازانسكي (فال كيلمر)، وحب بيني بنجامين (جينيفر كونولي) الذي ذكرت في الفيلم الأول من دون أن نراها. لا تنتهي الرحلة إلى الماضي هنا، على الرغم من أن «توب غان: مافرك» له وزن محدّد ومزايا كافية للبقاء من دون اللجوء إلى الفيلم الأصلي، بل يتجاوزه في العديد من الجوانب. ولكن الفيلم الجديد لا يريد أن يكون وحيداً، بل إنّ كل شيء فيه يعيدنا إلى القديم، لا يمكننا إلا أن نرى حب كروز وكيلمر وكازانسكي للفيلم الأول. وإن كان بالنسبة لمافرك «إنها ليست الطائرة، إنه الطيار»، ففي حالة «توب غان مافرك»، إنه ليس الفيلم، بل الممثلين والمخرج.

منذ البداية، كانت الإشادة بمخرج الفيلم الأول واضحة، من طريقة التصوير وإيقاع موسيقى الروك بوب والحفاظ على بساطة الحبكة مع دعوة أشباح الماضي، وبالتالي إيجاد الخلاص المحتمل. بلغة الماضي، نرى غطرسة الطيارين ومعاركهم الملحمية، مع التباهي المعتاد نرى تحكّماً أكبر للغرور. بين الموسيقى والبيرة والصداقة الحميمية بين الرجال ووجود النساء في مواقع لم تكن متوقعة، كرموز لعصر جديد واضح، فالمدرسة القديمة لا تموت ونحن نعرفها جيداً. العدو المجهول الهوية في هذا الفيلم ليس سوى ذريعة جيدة للمعارك الجوية الشديدة الإثارة، التي تحتل صالة السينما بأصواتها وانفجاراتها. فلا يمكننا إلا أن نشعر بإعجاب طفولي عندما تلحق الطائرات الحربية بعضها البعض في السماء.

كان واضحاً استخدام روح الفيلم القديم من البداية، ولكن «توب غان: مافرك» يتناسب بشكل جيد مع الحساسية الثقافية الحالية. على سبيل المثال، هناك جهد أكبر على الشخصيات النسائية لكيلا تصطدم في هذا العالم الذكوري. الشيء المهم في الجزء الجديد هو القصة، لأنها متطورة بحيث تكون عودة مافرك منطقية تُضيف طبقة دراماتيكية بعلاقتها مع الماضي من حيث وفاة غوس وظهور فال كيلمر المفاجئ في الفيلم، ومشاركته مشهداً مع كروز على الرغم من أن مرضه لم يسمح له بالاستمرار في مسيرته المهنية والتي كشف عنها في فيلمه الوثائقي الأخير «فال»، فكانت كلمات فال القليلة ونظراته الحزينة جعلت جميع من في الصالة يرتجف. مشهد بمثابة تكريم ذكي لشخصية «أيسمان» ولكيلمر نفسه.

عرف كوسينسكي كيفية المضي قدماً بالفيلم ووصل به إلى السماء بطريقة لم نكن نتوقّعها. قلّل كوسينسكي الدراما والرومانسية وزاد جرعة الكوميديا، وحافظ على الإثارة ووصل إلى نهاية سعيدة بطريقة مسلية وغامرة. «توب غان: مافرك» هو واحدة من تلك الحالات النادرة التي تكون فيها التكملة أفضل من النسخة الأصلية. ويرجع الفضل في هذا إلى الحب الواضح للمخرج وللممثلين ولكل العاملين في الفيلم، مع تجنّب الادّعاءات الكاذبة والقناعة الواضحة بالسينما الترفيهية. وهو ما سمح لهذا الفيلم بقيادة جوزيف كوسينسكي بتحقيق الحلم الذي طال انتظاره. «توب غان: مافرك» هو الفيلم الذي لم نكن نعلم أننا بحاجة إليه. فيلم جماهيري كبير، بحبكة بسيطة ومقنعة يستعيد روح الفيلم الأول ويحدّثه ويحسّنه ويمنحنا أحد أكثر الأفلام المسلية في الآونة الأخيرة.

* Top Gun: Maverick في الصالات

 

الأخبار اللبنانية في

30.05.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004