ملفات خاصة

 
 
 

ملاحظات عن "كانّ 75":

أعطابٌ وتغييرات أربكت الجميع

كان (فرنسا) - محمد هاشم عبد السلام

كان السينمائي الدولي

الخامس والسبعون

   
 
 
 
 
 
 

قبل الافتتاح الرسمي للدورة الـ75 (17 ـ 28 مايو/أيار 2022) بثلاثة أيام، أعلنت إدارة مهرجان "كانّ" السينمائي عن بدء عمل الموقع الخاص بحجز تذاكر العروض للنقّاد والصحافيين، وللسوق السينمائية، ولغيرها من النشاطات والتظاهرات والمسابقات. نظامٌ دُشِّن العام الماضي بسبب كورونا، وقيل إنّ استمراره هذا العام متأتٍ من السبب نفسه، وذلك لتجنّب الوقوف في صفوفٍ طويلة، وتسهيل سرعة الدخول إلى الصالات، وعدم إهدار وقتٍ كثير، إذْ بات يُمكن لصاحب التذكرة أنْ يحضر قبل 20 دقيقة فقط من بداية العرض.

لكنْ، مع أول يومٍ لتشغيل الموقع في الموعد المحدّد لحجز البطاقات (7 صباحاً)، فوجئ الجميع بأنّ الموقع لا يعمل، كما تحميل صفحة الموقع، فتظهر رسالة من اثنتين: "خطأ"، أو "الموقع غير متاح". هذا يعني أنّ تأمين التذاكر أصبح مستحيلاً، خاصة بالنسبة إلى العروض الأولى.

مشاكل الدخول إلى مواقع حجز التذاكر، والحصول على البطاقات، ليست جديدة بشكل خاص في المهرجانات السينمائية. إلاّ أنّ حلّها يتمّ، عادة، في اليوم الأول، أو اليوم الثاني، أي فور حصولها. لكنْ، مع موقع مهرجان "كانّ"، استمر الأمر بشكلٍ غير مفهوم وغير مُبرّر. أحياناً، تسير الأمور جيّداً من خلال تطبيق الهاتف، وليس عبر جهاز الكمبيوتر. أحياناً أخرى يحصل العكس. في الأحوال كلّها، الموقع بطيء جداً، ومعظم التذاكر غير مُتاحة لأسبابٍ مجهولة، وإن حصلت عليها، تكون ملفّاتها فارغة، ويجب الانتظار لمدّة ساعة، أو أكثر، كي تظهر صورة التذكرة بدلاً من الملف الفارغ. وأيضاً، هناك انتظارٌ لأكثر من ساعة كي تصل التذكرة على البريد الإلكتروني.

بعد 3 أيام من فتح موقع حجز البطاقات، وبداية اليوم الأول للدورة الجديدة، قال تييري فريمو (المندوب العام للمهرجان)، في مؤتمر صحافي، إنّ سبب المشاكل التي يُعانيها الموقع على شبكة الإنترنت، على الأرجح، "أعمالٌ خبيثة، تهدف إلى إغراق الموقع بالطلبات، وبالتالي منع روّاد المهرجان من الوصول إليه"، مُشيراً إلى نوع من "الهاكر"، أو غيرها من أعمال القرصنة. أمرٌ كهذا أضحك كثيرين ممن لديهم خبرة بالأمور التقنية، فطبيعيٌ أنْ يتسبّب الضغط الكبير على الموقع في الوقت نفسه، أي 7 صباحاً، في انهياره وتعطّله. ألم تنتبه إدارة المهرجان إلى أنّ عمليات التسجيل هذا العام، بعد انحسار وباء كورونا، كانت أعلى خمس مرّات مقارنةً بعام 2021؟

رغم المشاكل التقنية هذه، سجَّل نظام التذاكر أكثر من 35 ألف حجزٍ في الأيام الثلاثة الأولى، وفقا لما أعلنته إدارة المهرجان. ومع احتدام التذمّر والسخط، ما أنذر بتفجّر الوضع، أرسل المكتب الصحافي رسالة مسائية إلى النقاد والصحافيين فقط، فيها اعتذار وشرح وتبرير، مع رابطٍ خاص بهم تحديداً، يُتيح لهم حجز التذاكر، بعيداً عن الموقع، وضغط روّاد السوق وغيرهم. هذا أدّى إلى تحسّن الأمور إلى حدّ بعيد، لكنّ آثار التحسّن ستظهر لاحقاً، مع حجز بطاقات الأيام المقبلة، أي النصف الثاني من أيام الدورة الـ75.

اللافت للانتباه أنّه، رغم عدم توفر التذاكر على الموقع حتّى اللحظات الأخيرة قبيل العروض، وبعد دخول غير الحاصلين على تذاكر، وانتظار مقاعد فارغة في الدقائق الخمس الأخيرة، تظلّ هناك مقاعد فارغة في العروض كلّها، ما يضع علامات استفهام كثيرة حول طريقة الحجز الإلكتروني.

المُثير أكثر وأكثر، أنّ المشكلة التي كان المهرجان يسعى إلى حلّها، أي عدم الانتظار طويلاً في صفوف ممتدّة إلى ما لا نهاية أمام الصالات، لم تختفِ أبداً، إذْ ظلّت كما كانت عليه سابقاً. صحيحٌ أنّ وتيرتها خفّت، لكنّها لم تنتهِ. الفرق هذا العام أنّ الجميع يتكدّسون معاً في الصفوف نفسها، بصرف النظر عن تراتبيّة ألوان البطاقات الخاصة بالنقاد والصحافيين، ما ألغى أولوية الدخول، وغيرها من الامتيازات التي يحصل عليها بعضهم. هذا التميّز لم يُجدِ كثيراً، بدوره، بالنسبة إلى موقع حجز التذاكر، إذْ اعتقد كثيرون أنّ البطاقة ستمنح أولوية في الحجز. هذا لم يحدث.

إلى ذلك، غيّر المهرجان، لأسباب مجهولة، أماكن الحصول على البطاقات الصحافية من المكان المعتاد، في أحد الطوابق السفلية في مبنى "قصر المهرجانات والمؤتمرات"، إلى مكان آخر، على بُعد خطوات منه. المكان الجديد هذا مخصّص سابقاً للسوق السينمائية، ما أدّى إلى اصطفاف الجميع بشكل ضخم على امتداد رصيف الميناء المُجاور للقصر، تحت شمسٍ حارقة، وفي ظلّ أعمال ترميم ورصف وتعبيد، في الشوارع المقابلة، وأمام المقاهي، حيث نقطة تجمّع النقاد والصحافيين، فُيزيد الغبار ورائحة الزفت والقطران من عبثية الوضع.

تفاقمت صعوبة الوضع أكثر، وازداد سخط النقاد والصحافيين بسبب تعطّل نظام توزيع "البطاقات الصحافية" أكثر من 5 ساعات في اليوم الأول، ما دفع بعضهم إلى الانصراف، وتأجيل الحصول عليها إلى اليوم التالي، أو الانتظار تحت الشمس، على أمل عودة النظام إلى العمل، والحصول عليها. تلك المشكلة أثارت أيضاً أزمة، بالنسبة إلى نقاد وصحافيين رغبوا في حضور المؤتمر الصحافي لتييري فريمو، الذي تزامن مع تعطّل النظام، ما استدعى تدخّل المكتب الصحافي، والتواصل مع النقاد والصحافيين للسماح لهم بدخول القصر من دون "البطاقات الصحافية"، لتجاوز الأزمة.

مع عودة نظام الحصول على البطاقات الصحافية، فوجئ النقاد والصحافيون بعدم وجود أي مطبوعات، بما في ذلك البرنامج الصغير الخاص بجدول العروض الصحافية، أو الذي يصدر يوماً تلو آخر، ولا أي مطبوعات أخرى، كما جرت العادة، باستثناء كمامات قماشية، إلى هدية، عبارة عن ملصق كبير، ليس للدورة الجديدة، بل لدورات سابقة، على أنْ يختار كلّ واحدٍ منهم ما يرغب في الحصول عليه.

قبل يومٍ واحدٍ من إطلاق الدورة الـ75، أرسلت إدارة المهرجان رسالة بريدية ذُكر فيها إلغاء الحقيبة الصحافية المُعتاد منحها لوضع المطبوعات فيها، وأغراض مختلفة؛ مع تعليمات تصبّ كلّها في ضرورة الحفاظ على البيئة من التلوّث وانبعاثات الكربون، إلخ. بدورها، تطلّب هذا دفع 25 يورو عند التسجيل، للتبرّع بها لهذا الغرض. لكنْ، لم يكن أحدٌ يتوقّع عدم توفر الجدول الصحافي. بالإضافة إلى ذلك، أُلغيَت الصناديق الخاصة بالنقاد والصحافيين نهائياً، إذ لم تعد هناك مطبوعات أو كتالوغات أو ملفات صحافية أو صُور أو أماكن العروض، وكلّ هذا كانت تُرسله شركات الأفلام والدعاية والتوزيع والترويج والمهرجان، يومياً، إلى النقاد والصحافيين عبر تلك الصناديق.

 

####

 

معلّم الرعب ديفيد كروننبرغ يعود إلى مهرجان كان السينمائي

(فرانس برس)

بعد عام على تتويج فيلم "تيتان" بالسعفة الذهبيّة، تسيطر أجواء الرعب مجدّداً، اليوم الاثنين، على مهرجان كان السينمائي مع عرض فيلم "كرايمز أوف ذا فيوتشر"، الذي من المتوقع أن يبثّ الذعر في نفوس المتفرجين.

بعد عرض فيلم "نوفمبر" للمخرج سيدريك خيمينيز، والذي يروي قصّة البحث عن مرتكبي اعتداءات 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2015 في باريس، يأتي اليوم دور المخرج ديفيد كروننبرغ ونجوم فيلمه للظهور أمام عدسات الكاميرات.

سيطلّ فيغو مورتنسن وليا سيدو مع كريستن ستيوارت على السجادة الحمراء مساء اليوم، للمشاركة في عرض فيلم "كرايمز أوف ذا فيوتشر"، الذي يعِدُ مخرجه الكندي مشاهديه بلحظات رعب فائق.

يملك المخرج البالغ من العمر 79 عاماً باعاً طويلاً في مجال صناعة أفلام الرعب. منذ مشاركته الأولى في المسابقة الرسميّة لمهرجان كان في العام 1996، أثار كروننبرغ فضيحة قسم من خلالها النقاد حول فيلمه "كراش" المليء بمشاهد الجنس والعنف وحوادث المرور، لكنّه فاز بالجائزة الخاصة من لجنة التحكيم.

ولاحقاً، ألهم المخرجة جوليا دوكورنو في فيلمها "تيتان" الحائز على السعفة الذهبيّة في دورة العام الماضي.

اليوم، وبعد غيابٍ دام ثمانية أعوام، يعود المخرج الكندي، الذي أبدى سابقاً رغبته في التوقف عن العمل، إلى السباق على السعفة الذهبيّة مع فيلم يتطرّق إلى موضوعه المفضّل: الجسد وتحولاته.

وقال كروننبرغ للصحافة الأميركية: "أتوقّع أن يغادر بعض المتفرجين القاعة. ثمّة مشاهد قويّة للغاية"، مضيفا: "أفاد أناس شاهدوا الفيلم بأنّ الدقائق العشرين الأخيرة ستكون صعبة للبعض وسيخرج بعضهم من الصالة".

يروي الفيلم الجديد قصة فنان يدقّ أوشاماً على أعضائه الداخليّة، يؤدّي دوره الممثّل فيغو مورتنسن الذي يتعاون للمرة الرابعة مع كروننبرغ بعد "إيه هيستوري أوف فايولنس" (2005) و"إيسترن بروميسز" (2007) و"إيه دينجيريس ميثود" (2011).

لكن هل سينجح هذا المزج بين الرعب والمنحى الإبداعي في إقناع لجنة تحكيم الدورة الخامسة والسبعين من المهرجان التي يترأسها الممثّل الفرنسي فنسان لاندون؟ تبدو الإجابة غير واضحة في ظلّ وجود عددٍ من الأفلام التي استقطبت الاهتمام مع انقضاء نصف فترة المهرجان.

فمنذ حفل الافتتاح، برزت الوافدة الجديدة أليوما ميخايلوفا عبر أدائها في فيلم المخرج الروسي كيريل سيريبرينيكوف "زوجة تشايكوفسكي"، حيث جسّدت شخصية زوجة المؤلّف الموسيقي الشهير الذي اقترن بها لإخفاء مثليّته الجنسيّة.

كذلك، أشاد النقاد بفيلم جيمس غراي "أرماغدون تايم"، وهو أشبه بالسيرة الذاتيّة للمخرج الأميركي، صاحب فيلميّ "أد أسترا" و"وي أون ذا نايت"، وتدور أحداثه حول طفولة صبي نيويوركي في عائلة من أصل يهودي أوكراني.

كذلك استقطبت الاهتمام أفلامٌ مثل "إي أو" لعميد السينما البولندية يرزي سكوليموفسكي (84 عاما) وفيلم "تراينغل أوف سادنس" للمخرج روبن أوستلوند الحائز على السعفة الذهبيّة عن فيلمه "ذا سكوير" في العام 2017.

مع ذلك، يمكن أن يخلط الأسبوع الثاني من المسابقة الأوراق، مع مزيج من المواهب الشابة المنتظرة، مثل البلجيكي لوكاس دونت مع "كلوس" ومخرجين مخضرمين مثل الأخوين البلجيكيّين داردين والياباني هيروكازو كوري-إيدا والكوري بارك شان ووك.

 

####

 

وجه إيران الآخر في "كان": فيلم عن سلسلة جرائم تستهدف بائعات الهوى

(فرانس برس)

يقدّم المخرج الدنماركي من أصل إيراني علي عبّاسي في فيلمه "عنكبوت مقدّس"، المشارك في مهرجان كان السينمائي، صورةً مختلفةً عن الجمهورية الإسلاميّة، إذ يتناول قصّةً حقيقيّةً عن قاتلٍ سفّاحٍ تستهدف سلسلة جرائمه بائعات الهوى في مدينة مشهد، وتحظى عمليات "التنظيف" التي ينفّذها باسم الدين بتأييد السكان.

وقال عباسي، لوكالة فرانس برس، إنّ "عنكبوت مقدّس" الذي عُرض أمس الأحد، ويشبه بأجوائه الأسلوب التشويقي للمخرج الأميركي ديفيد فينشر، "من الأفلام (الإيرانيّة) النادرة التي تبيّن الواقع الحقيقي".

استلهم المخرج أحداث فيلمه من سلسلة من الجرائم وقعت قبل عشرين عاماً في مشهد، إحدى أبرز المدن المقدّسة لدى المسلمين الشيعة، ويروي قصّة مرتكبها الذي برّر قتله 16 بائعة هوى بأنّه أراد تطهير شوارع المدينة من الرذيلة.

في الفيلم، يجوب القاتل، الملقّب بالعنكبوت، على درّاجته الناريّة شوارع مشهد، التي تبدو أشبه بمدينة الخطيئة في فيلم "سِن سيتي" الشهير، إذ تنشط فيها الدعارة وتنتشر المخدّرات، نظراً إلى وقوعها على طرق التهريب الرئيسيّة من أفغانستان، وغالباً ما يكون مصير بائعات الهوى اللواتي يركبن معه الموت خنقاً في شقته.

بعد أن يرمي جثثهن على قارعة الطريق، يتّصل السفّاح هاتفياً بنفس الصحافي في كلّ مرّة ليعلن مسؤوليّته عن الجريمة.

من جهتها، لا تبدو الشرطة مستعجلةً للوصول إليه، حتّى تقرّر صحافيّة شابّة من طهران تعقّب "العنكبوت" بنفسها وجعله يدفع ثمن جرائمه.

قال عباسي: "لا أشعر بأنّه فيلم مناهض للحكومة أو فيلم لناشط، فالصورة التي ينقلها ليست بعيدة من الحقيقة".

وأضاف: "إذا كانت لدى أيّ شخص مشكلة (مع الفيلم الذي يُظهر بشكل صريح واقع الجنس والمخدرات وكراهية المجتمع للمرأة)، تكون مشكلته مع الواقع، لا معي".

وبطبيعة الحال، لم يتمكن مخرج فيلم "بوردر"، الذي برز من خلاله في مهرجان كان في العام 2018، من تصوير عمله الجديد في المدينة المقدّسة أو في إيران، إذ لم يتلقّ أيّ ردٍّ على طلباته للحصول على أذونات التصوير.

وأشار عباسي إلى أنّ طاقم الفيلم بدأ عمله في تركيا، قبل أن يُبعد منها نزولاً عند ضغوط السلطات الإيرانية، ممّا دفعه إلى نقل التصوير إلى الأردن، حيث أعيد تكوين الديكورات. وأضاف: "من السهل جدّاً في رأيي القول إن المخرجين الموجودين في إيران لا يظهرون الواقع"، رافضاً "الحكم عليهم، لأن كل فيلم يُصنع في إيران هو معجزة".

وينافس عبّاسي مع مخرج إيرانيّ آخر، هو سعيد روستايي، على السعفة الذهبية، فيما تضمّ لجنة التحكيم مواطنهما المخرج الحائز جوائز عدّة أصغر فرهادي.

ويؤدي الممثّل الإيرانيّ مهدي بجستاني دور القاتل في "عنكبوت مقدّس"، وهو شخصية ذات وجهين، إذ إنّه ربّ عائلةٍ متديّن وهادئ في النهار، ومضطرب نفسيّاً في الليل. كذلك، استعان المخرج بالممثّلة التلفزيونيّة زهراء أمير إبراهيمي، التي غادرت إيران ولجأت إلى فرنسا بعدما أفسد "فيديو فاضح" حياتها المهنيّة.

ولا ينتهي الفيلم بتوقيف السفّاح، بل يبرز القسم الثاني منه تفاصيل محاكمته التي يُبرر خلالها أفعاله بدوافع دينية.

يتناول الفيلم موقف القضاة المُحرَجين نظراً إلى تأييد كثرٍ لجرائم "العنكبوت" واعتبارهم إيّاها "تضحية"، قبل توصّلهم إلى إعلان حكم الإعدام.

وشبّه المخرج "النظام القضائي في إيران" بأنّه "مسرحية سخيفة"، و"برنامج تلفزيوني يستطيع فيه (كتّاب السيناريو) الحصول على النتيجة التي يريدونها للشخصيات".

 

العربي الجديد اللندنية في

23.05.2022

 
 
 
 
 

"مثلث الحزن" للسويدي روبن أوستلوند يتفكك في "كان"

الرأسماليون وبطلا عرض الازياء في سفينة يقودها يساري متهور

هوفيك حبشيان

خمس سنوات بعد فوزه بالـ"سعفة الذهبية"، يعود المخرج السويدي روبن أوستلوند إلى مهرجان كان (17 - 28 مايو - أيار) بفيلم يواصل معه مسيرته الاستفزازية وأسلوبه الهدام والتخريبي والفوضوي في نقل الواقع المعاصر والتعليق عليه. بعدما صوّر خفايا عالم الفن والمعارض والتجهيز في "الميدان"، ها انه يقرر التعرض لأصحاب الجاه والمكانة الاجتماعية في جديده "مثلّث الحزن" المعروض في المسابقة. هذا الفيلم كنا في انتظاره كي نرى أولاً وأخيراً إذا كان من الممكن لأوستلوند أن يأتي بالمزيد من اللؤم والوقاحة بعدما أعطانا الانطباع بأنه قال كل شيء عنهما في فيلمه السابق. ويبدو أن ثمة أشياء جديدة تقال في هذا الموضوع. فالخيال واسع والإمكانات متوافرة والتراث الفكري النقدي الذي يتحدر منه يجيز سينما كهذه وأكثر.

يبدأ الفيلم بمقابلات يجريها مذيع مع عارضي أزياء، قبل أن تركز الكاميرا على أحد هؤلاء العارضين وحبيبته المعروفين تحت اسم كارل ويايا، والأخيرة نجمة إنستغرام و"إنفلوانسر" تعتاش من صفحتها. منذ البدء، يتبدى جلياً أن الأوضاع ليست على ما يرام بينهما، ذلك أن كارل لا يتوقّف عن معاتبتها بأنها لا تشارك في المصاريف، متهماً إياها بالبخل. مشاهد خلاف وسجال ألفناها في السينما الغربية لكنّ أوستلوند يضع عليها "بهاراته"، فنكتشف أن العلاقة على شفير الانفجار. وكل الحجج صالحة لتفجيرها. 

لكن ما نعتقده لوهلة أنه سيكون اقتحاماً منظماً لعالم الموضة والمظاهر والسطحية، سرعان ما يتحول إلى شيء آخر. فالفصل الثاني الذي لا يوجد رابط بينه وبين الأول، يحملنا مباشرة إلى يخت فخم، حيث كارل ويايا يستفيدان من أشعة الشمس في عرض البحر بعد تلقيهما دعوة للقيام برحلة على متنها. لحظات ونكتشف أن السفينة تعج بعدد كبير من أصحاب الثروات الذين يمضون عطلتهم برفقة زوجاتهم. هناك تاجر الأسلحة الإنكليزي والأوليغارشي الروسي وعبقري برامج الألعاب الأميركي. هؤلاء ثلاثة نماذج من الأثرياء الذين تُرسم علامات استفهام كبيرة حول نزاهة نشاطهم ونظافة كفهم.  تجوب الكاميرا عليهم واحداً واحداً، لنتعرف على شخصياتهم في جولة فيها الكثير من السخرية. فأوستلوند على غرار المخرج النمسوي ميشائيل هانيكه لا يملك الكثير من الحنان تجاه ناسه، بل لا يوفّر مناسبة لتمريغهم في الوحل. هذه هي السينما "السينيكية" التي اشتهر بها وهي تليق بحساسيته الفنية على ما يبدو.

الكوميديا الهدامة

اذاً يحشر أوستلوند كل هؤلاء الناس على اليخت في رغبة دفينة لينتقم منهم سياسياً وطبقياً وعلى كلّ المستويات. هناك شر ما في جعبة الفيلم سيتفجّر تباعاً في وجه هؤلاء. طبعاً هو شر طفولي لا يستند إلى حجج، ويأتي في إطار الكوميديا الهدامة التي لا يمكن أخذها على محمل الجد ولا يمكن قراءتها إلا من منظور فتى مخرب أو مراهق سادي. ويبلغ فن أوستلوند ذروته خلال مأدبة العشاء التي تأتي على شرف قبطان اليخت. فيه سيختلط الحابل بالنابل، وسيفقد الأثرياء كل ما يصنع بريقهم. عندما يبدأ اليخت بالتمايل مع الأمواج، الجميع يتقيء بعد شعورهم بدوار البحر. أول شيء نفكّر فيه خلال هذه المشاهد هو "الوليمة الكبرى" لماركو فيريري، ثم ذاكرتنا تستحضر أيضاً "سحر البورجوازية الخفي" للويس بونويل. فالمخرج السويدي يكتب مانيفستو سياسي وهو يصارع الأمواج في صورة مصغرة عن عالمنا الحالي. انه صراع الطبقات بصياغة أوستلوندية.

بيد أن المفاجأة الكبرى هي أن السفينة يقودها قبطان سكير (وودي هارلسون) لديه ميول ماركسية صريحة لا يخفيها. وسخرية القدر ستجمع هذا القبطان الأميركي الماركسي برأسمالي روسي، ليتولد من هذا اللقاء الفصل الأكثر فكاهةً وكوميديا في الفيلم. معسكران سياسيان سيتواجهان فيما اليخت مهدد بالغرق تماماً كالعالم الذي نعيشه. في هذه المرحلة من الفيلم، تصبح نيات أوستلوند معروفة ومخططه مكشوفاً. إلا أنه لا يذهب إلى آخر الفكرة، بل ينهي فيلمه على جزيرة بعد حادثة ستتعرض لها السفينة (لن نذكر التفاصيل والملابسات)، وفي هذا الخيار بالخروج من اليخت تراجع عن فكرة وحدة المكان، والاعتراف بأن الفكرة وحدها لا تكفي لصناعة فيلم. ما أن يحط الناجون من الغرق على الجزيرة حتى يصبح الفيلم مختلفاً، يتعثّر ويفقد شيئاً ممّا صنع أهميته. يصبح متوقعاً، إذ نعلم مسبقاً ما سيقوله وما يخفيه من معاملة للأثرياء. على الجزيرة يصبح الجميع سواسية، مَن كان يتشمّس في الجاكوزي ومَن كان يأتي بالأطباق إلى العشاء أو الذي كان ينظف الغرف. لا فرق أمام الحاجة إلى الأكل أو النوم، حتى ساعة الروليكس لا تساوي وجبة طعام. هذا خطاب ساذج بعض الشيء من مخرج عوّدنا أن يقول كلمته ويمشي، ولا يذعن للصواب السياسي. 

رغم الهفوات وضعف الفصل الثالث ("الجزيرة") الذي يقزّم الفيلم ويحجّم طموحاته، فيُحسب لأوستلوند أنه يفكّك خطاب الليبرالية ويظهر الفروقات الاجتماعية ويصوّر النفاق الغربي على طريقته الخاصة جداً، أي بلا مساومات، ومن دون أن يخشى المبالغات والنقد اللاذع... وهذا كله قد يعجب رئيس لجنة التحكيم فنسان لاندون اليساري المعروف بانحيازه للأفلام ذات الهم الإجتماعي التي تنتصر للطبقة العاملة. إلا أنه رغم جرأته في الركل في وكر دبابير، لا يستحصل الفيلم في النهاية إلا على استعراض تقوم به الدبابير قبل أن تعود إلى وكرها.

 

الـ The Independent  في

23.05.2022

 
 
 
 
 

كثير من السياسة في «كان»

طارق الشناوي

لا يخلو المهرجان من سياسة، وكل التظاهرات الثقافية والفنية ستلمح فيها تلك الجرعات السياسية المكثفة، ينبغي دائماً وفي كل الأحوال تقنين الجرعة، حتى لا ينقلب السحر على الساحر، مهرجان «كان» في تلك الدورة «الماسية» الاستثنائية (75 عاماً)، زادت فيه الجرعة أكثر مما ينبغي، رغم أن الساحر لا يزال يراها في إطارها المطلوب.

ما فعله المهرجان الأشهر والأضخم عالمياً، سيفتح الباب على مصراعيه لتنويعات أخرى على المنوال نفسه، لديكم مثلاً منع السينما الروسية من الوجود إلا فقط لمعارضي نظام بوتين، من الممكن أن أتفهم أن المهرجان لا يعرض أفلاماً تدافع عن بوتين، ولكن لا مقاطعة للسينما ولا للسينمائي الروسي الذي يقف على الحياد، ربما نكتشف مع الزمن أنه بقلبه ضد الرئيس.

مثل هذه القرارات كانت كثيراً ما تلجأ إليها مصر والعديد من الدول العربية في الماضي، مثلاً بعد العدوان الثلاثي عام 56 والذي شاركت فيه فرنسا مع إنجلترا وإسرائيل لضرب مصر، قررت الدولة المصرية مقاطعة مهرجان «كان» الفرنسي لبضع سنوات، وبعد ذلك عدنا للمشاركة مطلع الستينيات، رغم أن مصر ومنذ انطلاق المهرجان عام 46 كانت حريصة على الوجود الرسمي في كل فعالياته، في أعقاب هزيمة 67 تقرر منع عرض الأفلام الأميركية تجارياً، ثم عادت بعد بضعة أشهر لدور العرض، في الماضي كانت مصر والعديد من الدول العربية إذا شاركت إسرائيل في أي مهرجان عالمي داخل المسابقة الرسمية على الفور ننسحب، مع الزمن تغير الوضع وصارت مشاركتنا لا تضع أي اعتبار آخر، مثلاً فيلم «المسافر» بطولة عمر الشريف إنتاج وزارة الثقافة المصرية عام 2009. شارك رسمياً في «فينيسيا» وكان ينافسه فيلم إسرائيلي.

في العالم العربي كل المهرجانات ترفض مشاركة أي فيلم إسرائيلي حتى لو كان بأيدي فلسطينيين، مما نطلق عليهم (عرب فلسطين) هؤلاء الذين ولدوا بعد 48 ووصلنا حالياً للجيل الثالث، إلا أن قرار المنع يطبق بدقة.

ما الذي دفع مهرجان «كان» لأن يعرض في الافتتاح كلمة للرئيس الأوكراني زيلينسكي لتصبح بمثابة ضربة بداية قوية ومباشرة؟

الاجتياح حالة استثنائية، واستحق أيضاً ردود فعل استثنائية، المشكلة تكمن في تداعيات ما سوف يحدث بعد ذلك، في المهرجانات الكبرى التي تتبع (الاتحاد الدولي للمنتجين)، وهو الذي يضع القواعد المنظمة لها، ويقدم دائماً مندوب الاتحاد تقريراً عن المهرجان، ماذا لو وجدنا أن عدداً من المهرجانات الأخرى، التابعة للاتحاد تبنت ضمن فعاليتها الأفكار السياسية، هل سيقرر الاتحاد وقتها تطبيق قواعده الصارمة عليها التي تمنع هذا التداخل الصارم؟.

هل تنجح الثقافة في تغيير السياسة؟ هذه المرة أراها تدخل في إطار زيادة إحكام الإغلاق والحصار على المواطن الروسي، مثل قطع خطوط الطيران وفرض قيود في التعامل الاقتصادي كلها تصب في اتجاه واحد، أن يشعر المواطن الروسي مهما كان موقعه، في أي مجال أنه يدفع ثمن قرار رئيس دولته، وأنه يخسر كثيراً بسبب هذا القرار.

المقصود من كل ما نتابعه، زيادة شحنات الغضب ضد القيادة السياسية، ويبقى أن رد فعل الشعب بتراكم الأزمات لا أظنها أبداً لصالح بقاء بوتين، والغضب يتأجج في الصدور، مع استمرار كل تلك الضغوط وبكل الأسلحة الفتاكة سواء حملت أسلحة دمار شامل، أو جاءت في سياق طعنات دموية يحملها فيلم سينمائي!

ناقد سينمائي مصري

 

####

 

«البحر الأحمر السينمائي» يحتفي بدور المرأة وتمكينها في «كان»

محمد التركي: الاحتفاء تعبير عن احترام المواهب النسائية الاستثنائية في المهرجان

كان: «الشرق الأوسط»

في إطار الاحتفاء بدور المرأة في السينما، استضاف «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي»، حفلاً حصرياً يوم أمس (الأحد)، ضمن فعاليات الدورة الـ75 من مهرجان «كان» السينمائي الدولي، حيث يأتي الحفل على ضوء الاعتراف بمكانة كلّ من صانعات الأفلام والممثلات، واحتفاءً بكلّ أعمالهن، التي تُعرض خلال المهرجان.

ويعزز الحفل من مسؤولية «مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي»، المتمثلة في تمكين النساء الموهوبات، أمام الكاميرا وخلفها، وإلهام الجيل القادم من المبدعات.

وكان في ضيافة الحضور كلّ من: محمد التركي، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «مهرجان البحر الأحمر السينمائي»، وشيفاني بانديا مالهوترا، المديرة التنفيذية، حيث استقبلا نخبة واسعة من المواهب السينمائية والتلفازية، ونجوم الموضة، بما في ذلك: فاليريا غولينو؛ رئيسة لجنة تحكيم جائزة «نظرة خاصّة»، التابعة لمهرجان «كان» السينمائي، وروسي دي بالما، رئيس لجنة تحكيم جائزة «الكاميرا الذهبية» التابعة لمهرجان «كان» السينمائي، ضمن دورته الحالية، ونعومي هاريس، وليتيتيا كاستا، وطاهر رحيم، وكوثر بن هنية، ونعومي كامبل، وكميل رزات، وساشا لوس، وأنجا روبيك، وليلي دونالدسون، وسوكي ووترهاوس، بالإضافة إلى، فاطمة البنوي، وعهد كامل، وأليكس بيتيفر، وتوني جارن، وياسمين صبري، وأليساندرا أمبروسيو، وسارة سامبايو، ونعمان أكار، وتارا عماد، وميلا الزهراني، وكات غراهام وسلمى أبو ضيف.

واختتمت سوكي ووترهاوس الحفل بعرض موسيقي خاص، قدّمت من خلاله «دي جي فيونا»، الوجه الجديد الساطع في المشهد الموسيقي الإلكتروني الباريسي، مما ألهب حماسة الضيوف، ودفعهم صوب ساحة الرقص.
وقالت شيفاني بانديا، المديرة التنفيذية لـ«مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي»: «إن المهرجـــان يكرس جهوده من أجل تمكين المرأة في مجال صناعة الأفلام، إذ شملت دورتنا الأولى عرض 136 فيلماً، احتلّت المخرجات النساء نصيب 38 في المائة من إجمالي نسبة العرض، ونأمل أن تزيد هذه النسبة في دروتنا المقبلة
».

وأضافت بانديا: «إن مهمّتنا تقوم على قيادة الصناعة لمكان يسمح بتسليط الضوء على العديد من القصص الفريدة، والحكايات التي ترويها موجة جديدة من الأصوات النسائية عبر منطقتنا، مما يغذّي احتفاءنا بقوّة الحكايات النسائية الإيجابية، التي لا تلامس عالمنا العربي وحسب، بل العالم أجمع».

من جانبه، قال محمد التركي الرئيس التنفيذي لمؤسسة مهرجان البحر الأحمر السينمائي: «إنها فرصة ثمينة، إذ يبادر (مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي) باستغلالها، ليعبر عن احترامه وإعجابه بالمواهب النسائية الاستثنائية، الموجودة في مهرجان (كان) خلال العام الحالي.

إذ إننا نلتزم من خلال منصّة مهرجاننا، بدعم وتقديم المواهب الجديدة البارزة القادمة من العالم العربي، مما يوفّر لهم فرصة التأثير على الجماهير والنقّاد على حدّ السواء، عبر أرجاء العالم».

 

الشرق الأوسط في

23.05.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004