ملفات خاصة

 
 

"أبوصدام" هولك مصري يحوّله الغضب إلى رجل مدمر

فيلم يكشف الأزمات النفسية ومآلات الكبت والانفعال

لمى طيارة

مالمو للسينما العربية

الدورة الثانية عشرة

   
 
 
 
 
 
 

انتهت مساء الأحد فعاليات الدورة الثانية عشرة من مهرجان مالمو للفيلم العربي والتي استمرت من الرابع إلى غاية التاسع من مايو الجاري، وكانت جائزة أحسن ممثل من نصيب الفنان المصري محمد ممدوح عن دوره في فيلم “أبوصدام” للمخرجة نادين خان والذي توج من خلاله مسيرة هامة تكرسه كواحد من أبرز نجوم الشاشة الكبيرة.

للمرة الثانية بعد الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يحصل الفنان المصري محمد ممدوح على جائزة أحسن ممثل عن فيلمه “أبوصدام” بعد تتويجه الأحد بهذه الجائزة من مهرجان مالمو للفيلم العربي.

وتدور أحداث الفيلم، الذي أخرجته نادين خان بعد سنوات طويلة من إخراجها لفيلمها الروائي الأول “هرج ومرج”، حول “أبوصدام” سائق عربة النقل الثقيل (تريلا) والذي يلعب دوره محمد ممدوح، ومساعده (التباع) “حسن” الذي يلعب دوره الممثل الشاب الصاعد أحمد داش. وتركز قصته، التي كتبتها نادين خان بنفسها بينما كتب السيناريو والحوار الكاتب محمود عزت، على ذلك السائق والتبّاع أثناء رحلة عملهما على الطريق، وتصور معظم أحداثه على الطريق وداخل تلك العربة.

الخوف من الغضب

يسير العمل دراميا وفق خطين متوازيين، الخط الأول هو “أبوصدام” أثناء تلك الرحلة التي ستكشف تدريجياً ضعفه كرجل في مقابل شخصيته الخارجية العنيفة التي تستخدم الصوت العالي كسلاح لها، وخاصة أثناء كلامه مع زوجته أو عائلتها، وعلى الرغم من أنه محور العمل وشخصيته وقصته الرئيسية، ولولاه لما كان هناك فيلم أصلا، إلا أنه في الواقع شخص هامشي لا قيمه أو وزن له سواء في المجتمع أو ضمن عائلته.

وعلى الخط الثاني هناك التبّاع “حسن” الذي سيظهر طيلة زمن الفيلم بمظهر الخنوع الخائف، بينما هدفه الأساسي من الرحلة سرقة “أبوصدام”، ولكن تدريجيا ستطرأ على شخصيته تحولات داخلية نتيجة خوفه من تصرفات الأخير، فيتراجع عن سرقة المال إلى أن ينتهي به الأمر إلى كبت تلك الرغبة نهائيا فيفر هارباً مع نهاية الرحلة.

 ويبدو أن كاتب السيناريو في خط الرحلة تحديدا قد استفاد من تيمة أفلام الطريق (وهذه النوعية من الأفلام تغادر فيها الشخصيات الرئيسية المنزل في رحلة على الطريق، وأثناء تلك الرحلة تغير مفهومها لحياتها اليومية، وتلك الأفلام تركز في موضوعها بشكل خاص على المسافرين الرفقاء من الذكور وعلى موضوع الذكورية)، فالبطل “أبوصدام” يتمرد على الأعراف الاجتماعية المحافظة التي تطالب بها زوجته وعائلتها، بينما يتجاوزها بدوره عمدا، فقط لأنه رجل والأهم من ذلك مهزوم ومأزوم جنسيا في حقيقة الأمر، في المقابل سيعدل “حسن” عن سرقة “أبوصدام”.

أما بالنسبة إلى الخط الأول والمتعلق بشخصية “أبوصدام” نفسها فقد أعادني إلى شخصية المسلسل الأميركي الشهير “Hulk” (هولك) التي عرضت في الثمانينات على شاشة التلفزيون الأميركي، وكانت أحداثه تدور حول الرجل الخارق الذي ينفعل تحت الضغط وربما الإهانة، فيخرج عن طوره ويبدل جلده ليتجسد لنا في هيئة رجل عملاق، أخضر اللون قوي الجسد، خارق لكن بمظهر أحمق، وقادر على تدمير المكان الذي يتواجد فيه. ورغم أن العمل برمته كان يحمل الكثير من الفانتازيا والخيال، فإن جيلاً كاملاً من الشباب تابعه بشغف وتأثر به، بل أكثر من ذلك بيعت حقوق الشخصية لشركة ألعاب، ليصبح بمقدور الجميع تقمصها ولعب دورها.

والعمل الذي صُورت حلقاته عبر سلسلة تلفزيونية وأنتج منه ما يقارب الثمانين حلقة، وأدى دور البطولة فيه كل من الممثل الأميركي بيل بيكسبي الذي يلعب دور الطبيب بانر ولو فيريغنو الممثل ولاعب كمال الأجسام الأميركي الذي يلعب دور هولك، بلغت شهرته العالم كله بما فيه الوطن العربي حينها رغم عدم وجود فضائيات مفتوحة كما هو الحال اليوم.

الأداء المتمكن لمحمد ممدوح كان ملفتا إلى درجة أننا خلنا تفاصيل الشخصية جزءا لا يتجزأ من تفاصيل شخصيته

وتصرف مؤلف العمل كينيث جونسون بدهاء حين جعل لبطله ماضيا وبعداً دراميا وتاريخيا والأهم من ذلك إنسانيا، وكتب في حلقات العمل الأولى قصة بطلها العالم الفيزيائي الذي عانى لسنوات من أزمة نفسية نتيجة تعرضه لحادث انقلاب سيارته وفقدانه زوجته، فحاول مرارا وتكرارا دراسة الظواهر الجسمانية الخارقة التي تظهر في البشر بعد تعرضهم لضغط نفسي بسبب عدم تمكنهم من إنقاذ من يحبون، فاكتشف نوعاً من أشعة غاما الكهرومغناطيسية المحرمة، وما إن جربها على نفسه حتى استشاط غضبا وتغيّر لون بشرته وتضخم جسده، وهو ما أدى إلى عدم السيطرة عليه لاحقاً.

وفي فيلم “أبوصدام” هناك أيضا رجل يصبح لونه أخضر، وخاصة حين ينفعل أو يتم استفزازه، ويعرف كل من حوله سلوكه هذا إلى درجة أن أحد التباعين قد لمّح إلى “حسن” بذلك منذ بداية الفيلم، لكن كاتب السيناريو لم يجعل منه رجلا متهورا يخرج عن طوره بعد أول موقف مستفز يمر به كما يحصل عادة  مع هولك، بل مهد لهذا الغضب تدريجيا وخلال زمن الفيلم (90 دقيقة تقريبا)، من خلال تراكمات ذكورية من رجل أثبتت أحداث الفيلم غضبه وعجزه، بحيث جعل الموقف الأخير (الشكوى التي تقدمها سيدة في حقه) على بساطته هو الموقف الذي سيقصم ظهر البعير والذي سيستشيط منه “أبوصدام” غضبا، إلى درجة أنه يرتكب حماقة تؤدي إلى جريمة قتل.

وقوة الفيلم ليست متأتية فقط من الأداء المتمكن لبطله محمد ممدوح الذي كان ملفتا إلى درجة أننا خلنا تفاصيل الشخصية جزءا لا يتجزأ من تفاصيل شخصيته الحقيقية وليست مجرد أداء متقن لممثل؛ فعيناه حادتان، وتحديدا حين ينظر إلى الأعلى  فيظهر بياضهما واضحا إلى درجة تكاد تقول إن النار ستخرج منهما من شدة غضبه، وطريقة قبض يديه على رأسه في كل مرة يحاول فيها كتم ما بداخله تعكس أيضا مشاعر الخوف من غضب لا يمكن كبته.

كما ميزت الفيلم الطريقة الهوليوودية التي أخرجت بها نادين خان فيلمها، وتحديدا على صعيد التصوير وحركة الكاميرا، خاصة في ظل ضيق مكان وضع الكاميرا والمصور ضمن العربة نفسها، بالإضافة إلى صعوبة اللقطات الخارجية التي تم التقاطها لرحلة العربة سواء من الأعلى أو من الجوانب، وتحديدا أثناء مشاهد المطاردات في بداية الفيلم ونهايته، بالإضافة إلى اللقطات الأساسية لبطل الفيلم والتي ستلتقط  بالرغم من ضيق المكان انفعالاته وغضبه عبر لغة جسدية تجعل من التصوير والإخراج بحد ذاته قيمة حقيقية مضافة إلى النص المكتوب.

تتويجات المهرجان

شارك في دورة هذا العام من مهرجان مالمو للفيلم العربي ما يقارب 67 فيلما ما بين روائي طويل وقصير وتسجيلي. وأسند المهرجان جوائزه في مسابقة الأفلام الروائية الطويلة، التي شارك في تحكيمها كل من هاني لاشين وجمال سليمان وجورج خبّاز وعهد كامل ورشيدة السعدي، إلى فيلم “صولا” من إخراج صلاح إسعاد ومن إنتاج مشترك بين الجزائر وفرنسا والسعودية وقطر، وقد تحصّل العمل على جائزة أحسن فيلم وجائزة أحسن ممثلة لبطلته صولا بحري.

 أما جائزة لجنة التحكيم فذهبت إلى فيلم “فرحة”، من إخراج دارين سلام ومن إنتاج مشترك بين الأردن والسويد والسعودية. وتحصل المخرج التونسي مهدي هميلي على جائزة أحسن مخرج عن فيلمه “أطياف” من إنتاج تونس ولكسمبورغ وفرنسا، كما تحصل مواطناه أنيس الأسود وشيما بن شعبان على جائزة أحسن سيناريو عن فيلم “قدحة”، ونال فيلم “الحارة” للمخرج باسل غندور تنويها خاصا من لجنة التحكيم.

أما مسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة، التي شارك في تحكيمها قاسم عبد ومحمود المسّاد وندى الأزهري، فقد توج فيها الفيلم اللبناني “لولا فسحة المترو” للمخرج جورج هاشم بجائزة أحسن فيلم، بينما كانت جائزة لجنة التحكيم الخاصة من نصيب الفيلم المصري “من القاهرة” للمخرجة هالة جلال.

وأخيرا توج في مسابقة الأفلام القصيرة، التي شاركت في تحكيمها شيري عادل وصوفيا جاما ومحمد سلمان، الفيلم اللبناني “ثم يأتي الظلام” للمخرجة ماري روز أسطا بجائزة أحسن فيلم، بينما تحصلت المخرجة التونسية أمل غويلاتي على جائزة لجنة التحكيم عن فيلمها “شيطانة”، ونال فيلم “ثم يحرقون البحر” وفيلم “ليل” تنويها من لجنة التحكيم، في حين ذهبت جائزة الجمهور إلى فيلم “الحارة” من إخراج باسل غندور وإنتاج الأردن ومصر والسعودية وقطر.

كاتبة سورية

 

العرب اللندنية في

10.05.2022

 
 
 
 
 

مهرجان "مالمو" للسينما العربية يتجاوز تحدي كورونا بـ"دورة مميزة"

56 فيلماً تنافست ومحمد ممدوح أفضل ممثل ومهدي هميلي أحسن مخرج و"فرحة" يقنص جائزة لجنة التحكيم

نجلاء أبو النجا صحافية

فاز الممثل المصري، محمد ممدوح، بجائزة أفضل ممثل عن فيلم "أبو صدام" المشارك في مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد في دورته الثانية عشرة. وهو الفوز الثاني لممدوح بالجائزة نفسها عن الفيلم ذاته، إذ فاز الفيلم في مهرجان القاهرة السينمائي الأخير أيضاً. ويشارك في بطولته أحمد داش، وهو من إخراج نادين خان.

كما فاز الفيلم الوثائقي المصري "من القاهرة" للمخرجة هالة جلال بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان، وشاركت السينما المصرية كعادتها بأفلام عدة في فعاليات "مالمو"، مثل فيلم "حامل اللقب" لهشام ماجد، و"من القاهرة" للمخرجة هالة جلال، و"أبو صدام" لنادين خان، و"النهاردة يوم جميل" للمخرجة نيفين شلبي، بطولة نجلاء بدر وباسم سمرة وهنا شيحة.

وشهد حفل ختام المهرجان ورشة عمل للأطفال، كما عرض فيلم "برا المنهج" بطولة روبي وماجد الكدواني والطفل عمر الشريف، من إخراج عمرو سلامة، على تلاميذ المدارس في المدينة، وكذلك عرض فيلم "حامل اللقب"، بحضور أبطاله هشام ماجد ومحمد سلام وأحمد فتحي ونجوم مصريين وعرب.

واختتمت، الأحد، فعاليات الدورة الثانية عشرة للمهرجان، وأعلنت الجوائز التي شابها كثير من المفاجآت، إذ حصل الفيلم الجزائري "سولا" للمخرج إسعاد صلاح بجائزة أفضل فيلم، وفازت بطلته الممثلة الجزائرية سولا بحري بجائزة أفضل ممثلة.

وذهبت جائزة لجنة التحكيم إلى فيلم "فرحة" إخراج دارين سلام، إنتاج مشترك (الأردن، والسويد، والسعودية). وتوج مهدي هميلي بجائزة أفضل مخرج عن فيلم "أطياف"، إنتاج مشترك (تونس، ولكسمبورج، وفرنسا)، وفاز بجائزة أفضل سيناريو أنيس الأسود وشيما بن شعبان عن فيلم "قدحة"، إنتاج (تونس). وحصل الفيلم الأردني "الحارة" على تنويه خاص، وهو من بطولة منذر رياحنة وميساء عبد الخالق وإخراج باسل غندور، وإنتاج مشترك (الأردن، ومصر، والسعودية، وقطر).

تحد كبير

في تصريحات خاصة لـ"اندبندنت عربية"، قال المخرج الفلسطيني محمد قبلاوي، مدير ومؤسس مهرجان "مالمو" السينمائي، إن هذه الدورة "كانت تحدياً كبيراً، بخاصة أنها أعقبت دورتين أقيمتا في ظروف صعبة بسبب جائحة كورونا".

وأضاف، "هذه الدورة التي تحمل رقم 12 من عمر المهرجان، وحرصنا على أن نعوض ما مضى، فكانت دورة زاخرة بأفلام عربية رائعة ضمت 56 فيلماً وبرنامجاً متنوعاً من الاختيارات السينمائية المميزة من كل الوطن العربي، وفخورون بهذا البرنامج الحافل الذي يعوض الجمهور العربي بـ(مالمو) ويمده بكل ما هو جديد ومتميز في السينما العربية، والأفلام المشاركة اختيرت بعناية شديدة، والجميل أن تعود السينما بشكلها الصحي والفعال في كل العالم، بحضور صناع الأعمال، وهناك انتعاشة كبيرة بعد كبوة كورونا".

وتابع قبلاوي، "أنا سعيد لأن المهرجان عاد بشكله الطبيعي إلى (مالمو) التي تعد نقطة لقاء سنوية يجتمع فيها السينمائيون العرب مع صناع السينما من العالم ومن السويد ودول الشمال، وهذا الالتقاء يمثل تعاوناً وجسراً فعالاً بين الجانبين".

السينما السعودية

قبلاوي أشار إلى أنه "جرى اختيار السينما السعودية لتكون ضيف شرف الدورة الثانية عشرة للمهرجان، وخلال الفعاليات جرى عرض برنامج حافل ألقى الضوء على صناعة السينما في المملكة".

ضم برنامج السينما السعودية خمسة أفلام روائية طويلة وسبعة قصيرة، وأقيمت ندوة بعنوان "تقديم هيئة الأفلام السعودية"، ومعرض صور فوتوغرافية من أنحاء الرياض، إلى جانب برنامج تدريبي مكثف بعنوان "جسر المواهب".

وتابع قبلاوي، "لأننا مهرجان مخصص للسينما العربية خارج العالم العربي، كان لا بد من الاحتفاء بما حققته السينما السعودية من حراك ملموس، وهو أمر يدعو بالفعل للفخر، وحاولنا عرض برنامج مميز من الأفلام نقدم من خلاله السينما السعودية لجمهور السويد ودول الشمال حتى يكون هناك تواصل بين صناع الأفلام في الرياض ونظرائهم في شمال أوروبا".

56 فيلماً

شارك في هذه الدورة بمهرجان "مالمو" للسينما العربية نحو 56 فيلماً، وضمت القائمة (31 فيلماً طويلاً و25 قصيراً) من إنتاج 14 دولة عربية مختلفة، مع شراكات إنتاجية من 10 دول غربية تم تقسيمها، بحيث تضم المسابقة الرسمية للأفلام الروائية الطويلة 12 فيلماً، ومسابقة الأفلام الوثائقية الطويلة 8، ومسابقة الأفلام القصيرة 25، إضافة لأربعة أفلام في برنامج "ليال عربية"، وأربعة أفلام في برنامج "عروض خاصة" بعنوان "أفلام تستحق المشاهدة"، وفيلمان في عروض المدارس، بجانب فيلمين في عروض "جالا" للافتتاح والختام.

وافتتح المهرجان دورته بفيلم "بنات عبد الرحمن" للمخرج الأردني زيد أبو حمدان، واختتمها بعرض فيلم "حامل اللقب" للمخرج المصري هشام فتحي، وأقيمت أغلب عروض المهرجان بحضور صناع ونجوم الأفلام. وشارك في أفلام مسابقة الأفلام الروائية الطويلة "أطياف" إخراج مهدي هميلي (تونس)، و"أبو صدام" إخراج نادين خان (مصر)، و"بين الأمواج" إخراج الهادي أولاد مهند (المغرب)، و"جنون" إخراج معن بن عبدالرحمن وياسر بن عبدالرحمن (السعودية)، و"الحارة" إخراج باسل غندور (الأردن)، و"سعاد" إخراج آيتن أمين (مصر)، و"سولا" إخراج صلاح إسعاد (الجزائر)، و"الغريب" إخراج أمير فخر الدين (سوريا)، و"فرحة" إخراج دارين سلام (الأردن)، و"قدحة" إخراج أنيس الأسود (تونس)، و"كل شي ماكو" إخراج ميسون الباجة جي (العراق)، و"كوستا برافا" إخراج مونيا عقل (لبنان).

 

الـ The Independent  في

10.05.2022

 
 
 
 
 

"أبو صدّام": متعة مُشاهدة وأداء

نديم جرجوره

يُصنَّف الروائي الطويل الثاني للمصرية نادين خان، "أبو صدّام" (2021)، بكونه "فيلم طريق" (ترجمة عربية لنوعٍ سينمائي ابتكرته السينما الأميركية، نهاية ستينيات القرن الـ20: Road Movie). سمات هذا النوع تتمثّل بالتالي: شخصٌ، أو أكثر، يختار/يختارون الطريق حيّزاً للتحرّر من مساحة مُغلَقة، تُفرَض بالإكراه عليه/ عليهم؛ ثم بلوغ مكان/وُجهة/غاية غير معروفة مسبقاً. تنتهي الرحلة الطويلة، غالباً، بشكلٍ سيئ، من دون أنْ يكون الأمر ممنهجاً.

تفسيرٌ تقليدي، تتّبعه إنتاجات سينمائية كثيرة، معظمها أميركي. "أبو صدّام" يمتلك تفاصيل من هذا النوع، رغم أنّه يحتمل تفسيرات أخرى، فالتحليل النفسي للشخصية الرئيسية طاغٍ، عبر كلامٍ تقوله، وتصرّفات تمارسها، وتفكيرٍ يُلحّ عليها، ورغباتٍ مكبوتة، وضغوطٍ خانقة. أبو صدّام (محمد ممدوح) يقود شاحنته الكبيرة في طريق دولية (في مصر، أو ربما في أي جغرافيا أخرى). يُرافقه حسن (أحمد داش)، المُراهق المقترب من أوّل الشباب. الرحلة طويلة. التصوير (عبد السلام موسى) حاصلٌ في الشاحنة وحولها، وأمكنة قليلة خارجها، لوقتٍ قليل: مقهى/استراحة، طريق ترابية، بلدة صغيرة للمشاركة في عرسٍ يُقام فيها، منزل.

منذ اللحظات الأولى، ينكشف شيءٌ من تلك الضغوط. اتصال هاتفي يقول إنّ مشكلةً واقعةٌ، وعلى أبو صدّام حلّها باعتذارٍ، لكنّه سيرفض أنْ يعتذر، لاحقاً (اتصالات أخرى، مع أفرادٍ آخرين، تكشف أموراً كثيرة أخرى في حياته). الرفض والانفعال الغاضب كافيان لتعريته: متوتر جداً، فالدم يغلي في عروقه. هذا يستمرّ في مسائل أخرى: عائلته، أقارب زوجته، "فانتاسماته" الجنسية، اضطراباته الخاصة، ولبعضها علاقة بالجنس.

الميل النقدي إلى اعتبار "أبو صدّام" فيلماً نفسياً، من دون التغاضي عن مفردات "فيلم الطريق"، منبثقٌ من أداء رائع لمحمد ممدوح، الذي يمنحه جائزة أفضل ممثل، في الدورة الـ12 (4 ـ 9 مايو/أيار 2022) لـ"مهرجان مالمو للسينما العربية (السويد)". ممدوح متمكّن، كلاماً وحركةً ونظرات وملامح، من تقديم أبو صدّام، باضطراباته ومخاوفه وإحباطاته وغضبه وسلطته الذكورية. أداؤه يُخرج الشخصية إلى آفاق واسعة من المسالك المتخبّطة في عجزٍ، متنوّع الأشكال، يُثير فيها هذا الكمّ الهائل من الأحوال الضاغطة.

فيلمٌ نفسيّ، لن يُلغي التشويق. الرحلة تُزيل جدراناً تُخفي وراءها ما يُخفيه أبو صدّام. اضطراباته النفسية عاملٌ أساسيّ في تحديد سلوكه. استعادة ذكرياتٍ له مع امرأة، يلتقيها في الطريق نفسها ذات يوم، توحي بالتباسٍ قائمٍ بين حقيقة و"فانتاسمات". تحريضُ حسن له على اعترافاتٍ كهذه تُثير فيه أحد هذين الجانبين: عنفٌ لفظيّ ينتفض لكرامةٍ مجروحة أحياناً، وتساهل كلامي، مع ضحكٍ خفيف، أحياناً أخرى. كأنّ موافقته على الكلام تنصاع لرغبةٍ دفينةٍ في اعترافاتٍ، تعكس "براعته" في علاقاته النسائية، وتُشبع فيه نشوة الـ"أنا".

الضغوط، متنوّعة المصادر، تُحيل إلى اعتبار "أو صدّام" فيلماً نفسياً. التشويق المقصود يظهر بين حينٍ وآخر، في مطاردةٍ يقوم بها أبو صدّام، بعد انزعاجه من سيارة تُزمِّر بكثرة. يزداد انزعاجه/غضبه بعد اكتشافه أنّ سائقها شابّة، أي امرأة. يُصبح التشويق مساحةً سينمائية، تُبعد المعاينة النفسية قليلاً عن المشهد. المُطاردة نفسها تحيل، وإنْ للحظاتٍ غير متتالية (لقطات متباعدة تكشف فصولاً منها)، إلى "مبارزة" (1971) ستيفن سبيلبيرغ. لكنّ قِصر مدّتها، وكثافة النفسيّ واختلاف المناخ العام، كفيلةٌ كلّها بإلغاء الإحالة هذه.

حسن مُقبلٌ من بيئة فقيرة، تعاني ضغوطاً. هذا غير مُصرّح به مباشرة. لديه خطّة، يحاول تنفيذها مراراً، لكنّه يتراجع في لحظاتٍ مختلفة. يرغب في امرأة، إذْ له حبيبة (كما يعترف). يريد أبو صدّام، مواربة، مثالاً له، أو أباً، ربما. ضياعه بين تنفيذ المتّفق عليه مع صديقٍ ـ غير ظاهر البتّة، وغير ناطقٍ بصوتٍ هاتفيّ على الأقل ـ وعدم التنفيذ لأسبابٍ، لعلّ بعضها مرتبطٌ بتحوّل نظرته إلى أبو صدّام، بين لحظة وأخرى، من حالة إلى حالةٍ. ضياعه هذا جزءٌ من شخصيّته التي يريدها أنْ تتكوّن في طريق طويلة كهذه. حكاياتٌ متفرّقة، يرويها أبو صدّام له، تجعله ينجذب أكثر فأكثر إلى شخصيته، وإلى المهنة وعالمها. لكنْ، هناك دائماً ما يمنعه من ذلك.

جديد نادين خان (أول روائي طويل لها بعنوان "هرج ومرج"، 2012) مُثيرٌ للاهتمام. قراءته نقدياً غير مكتفيةٍ بقليلٍ من الكتابة. مُشاهدته ممتعة، وهذا أساسيّ. المتعة سينمائية، مع أنّ النصّ البصريّ يعاين أحوالاً موغلة في القسوة والتمزّقات والألم والقهر، كما في المتاهة (في الذات والروح أولاً وأساساً). اشتغالاته الفنية والتقنية ـ كالمونتاج (ماهر رشيد) والموسيقى (شريف ثروت) والصوت (تصميم الصوت والميكساج: أحمد جابر. هندسة الصوت: سماح جمال) ـ تؤدّي إلى فيلمٍ متماسك درامياً، وفاضح نفسياً، وقادر على توغّل بصريّ، حيوي وعميق، في ذاتٍ وروحٍ وعلاقاتٍ.

 

العربي الجديد اللندنية في

11.05.2022

 
 
 
 
 

من أجواء مهرجان عربي للسينما بمالمو.. "الأستاذ" و"الغريب" والغربة

مالمو- ندى الأزهري

تتدافع الصور والأفكار حين البدء بالكتابة عن مهرجان مالمو للسينما العربية في السويد. هل الحدود هي الأنسب؟ فحين الوصول من بلد أوروبي إلى آخر، يبحث المواطن المعتاد على قهر الحدود، العربية منها على وجه الخصوص والسورية- اللبنانية بوجه أكثر خصوصية، دون جدوى، عن مركز التدقيق في الجوازات. يجد نفسه فجأة أمام لوحة الخروج من المطار فيشعر بشيء من الارتباك، ماذا فعل كي لا يبرز جواز سفره، إحساس بأن الحدود "داشرة"، لا حسيب ولا رقيب، هذا ما يربكه لا سيما وأن المستقبلين الموفدين من المهرجان هم عرب، ومعظمهم "سوري فلسطيني" كما يعرّفون أنفسهم. شبابٌ متحمسون يجهدون في تأمين راحة الضيوف القادمين من معظم الدول العربية ليجتمعوا على أرض اسكندنافية، يجتمعون يوميًا، وإن اشتكى بعض من تجمعات أكثر تماسكًا قائمة على الهوية، إنما يمكن القول إن المثل المصري القائل "ايه لمّ الشامي ع المغربي؟ "لا ينطبق هنا تمامًا.

"مهرجان مالمو، كما قال مديره ومؤسسه محمد قبلاوي، احتفل بدورة العودة هذا العام مع دورة متميزة بعد سنتي كورونا، ومع وجود هذا العدد الكبير والمتزايد من المدعوين"

مهرجان مالمو، كما قال مديره ومؤسسه محمد قبلاوي، احتفل بدورة العودة هذا العام مع دورة متميزة بعد سنتي كورونا، ومع وجود هذا العدد الكبير والمتزايد من المدعوين. المهرجان، في نسخته الثانية عشرة (4-9 أيار/ مايو)، هو ليس الوحيد أوروبيًا ولكنه بالتأكيد الأنجح والأكبر إن قسنا شهرته بالآخرين. فهذه لا تأتي من لا شيء. لعل هذا عائد إلى نشاط وجهود المؤسس والمدير، وإلى الدعم الكبير المعنوي والمادي الذي تقدمه المدينة والمقاطعة للمهرجان. هذا بدا جليًّا من البداية، ومن خلال إقامة حفل الافتتاح في مبنى بلدية مالمو التاريخي بحضور عمدة المدينة التي أعلنت سعادتها لتطور المهرجان الواضح. كان قبلاوي الوحيد الذي يلقي خطبه الرسمية بالسويدية ثم بالعربية، فاللغة الإنكليزية كانت سائدة. الخطب كانت موجزة وهذا دليل المهرجان الناجح، فأمام المدعوين حفل عشاء ثم فيلم الافتتاح وبعد ربع ساعة من الكلام الرسمي يبيتون في واد آخر.  

توضّحت الصبغة العربية للمهرجان مع قرابة مائتي مدعو معظمهم من العرب، كما النجوم الذين مرّوا على السجادة الحمراء. وافْتُقد قليلًا الحضور السويدي سواء في الافتتاح أم في قاعات السينما أم حتى في لجان الاستقبال. في بعض المهرجانات الدولية يُسمّى أحيانًا عضو محليّ من البلد في لجان التحكيم أو في لجان الاستقبال المرافقة للضيوف (مسؤول لجنة التحكيم مثلًا، السائقون...) أو تشارك مطاعم محليّة في الرعاية تسمح بالتعرف على ثقافة البلد الغذائية مثلًا، أو تعرض موسيقاه في حفلاته، كل ما يمكن أن يتيح التقرب من أجواء المكان وثقافته. هذا مهمٌّ للقادم من البلاد العربية خاصة، التواصل مع أهل البلد المضيف والتبادل بين ثقافة عربية وثقافة سويدية ولو على نحو بسيط. افتقدت إذًا بعض الشيء هذه اللمسة السويدية لتظاهرة عربية في السويد، قد تكون تواجدت أكثر في ما يخصّ منصة أيام مالمو لصناعة السينما التي تسعى لدعم الإنتاج المشترك بين العالم العربي ودول الشمال ومدّ جسور تواصل بين صناع السينما في الجهتين. وعلى أي حال فهذا الذي يبغي التواصل العربي وبهجته، بعيدًا عن الخلافات السياسية، حصل على مبتغاه.

"افتقدت بعض الشيء اللمسة السويدية لتظاهرة عربية في السويد، قد تكون تواجدت أكثر في ما يخصّ منصة أيام مالمو لصناعة السينما التي تسعى لدعم الإنتاج المشترك بين العالم العربي ودول الشمال ومدّ جسور تواصل بين صناع السينما في الجهتين"

خلال حفل الاستقبال والعشاء في القاعة العريقة برسوماتها وتصميمها المعماري، لم تكن الأحاديث الشخصية تعارفية فقط، هناك من تكلم بإحباط عن وضع الإنتاج في السينما العربية. في حديث مع مخرج عربي، بدا سعيدًا حقًا بتواجده في هذه "اللمة الحلوة"، حسب وصفه، مع أنها لم تمنع شعورًا بالمرارة حتى لا نقول تثبيط همم من وضْعِ المخرجين العرب الذين عليهم بعد كل سنوات التجربة والخبرة البدء من جديد في مواجهة إداريين في صناعة السينما، وصلوا إلى مراكزهم ليس بالكفاءة ولكن ببيع الكلام المعسول، هؤلاء الدخلاء على المهنة، ولكنهم أصحاب القرار وهم "يتحكمون ليس فقط بالمشروع بل بحياتك كلها"، وهذا حيث يصدّق المسؤول نفسه وأنه يفهم في مجال السينما، والأدهى أنه "حين يوزع منحًا فكأنه يوزعها من جيبه الخاص". انتقد المخرج الذي نجح فيلمه الأول في العروض الخارجية بعد منعه في بلده، العلاقات والشللية التي تسود أجواء الصناعة السينمائية العربية لتصبح تلك جزءًا أهم وأكبر من المشروع نفسه.

ما أثار شجون المخرج العربي وذكّره بما يعاني من صعوبات في بلده لتمويل فيلمه القادم، هو أيام الصناعة السينمائية في مالمو، حيث يخصص المهرجان منحًا لتطوير المشاريع السينمائية العربية وقد اختار 21 مشروعًا تمثّل 19 دولة لتتنافس في أربع فئات: تطوير الأفلام القصيرة، تطوير الأفلام الروائية الطويلة، تطوير الأفلام الوثائقية، ومنح ما بعد الإنتاج للأفلام الروائية والوثائقية.

"المتعة جاءت على الأخصّ من الجمهور العربي بأسلوبه في التفاعل مع الفيلم والتعليقات للبعض وكأنه جمهور توقّف به الزمن عند الماضي أيام وجود قاعات السينما والذهاب إليها وعاد اليوم من جديد إليها بفضل المهرجان"

ساد المهرجان توازن في اختياراته بين السينما المصرية وسينما بقية البلدان العربية. فافتُتح بفيلم عربي واختُتم بفيلم مصري. وإن تفوقت أفلام المسابقة في مستواها على الفيلمين، فقد كان الاستمتاع كبيرًا مع فيلم الافتتاح الأردني "بنات عبد الرحمن" لمخرجه زيد أبو حمدان، وبطولة صبا مبارك وفرح بسيسو. المتعة جاءت على الأخصّ من الجمهور العربي بأسلوبه في التفاعل مع الفيلم والتعليقات للبعض وكأنه جمهور توقّف به الزمن عند الماضي، أيام وجود قاعات السينما والذهاب إليها وعاد اليوم من جديد إليها، بفضل المهرجان، ليتابع المشاهدة على طريقته. فكانت تعليقات من نوع "هالفيلم كله نسوان"، بعد مرور دقائق طويلة بالتعريف بالشخصيات النسائية وعدم ظهور رجل في الساحة، أو تصفيق مشجع وحارّ عند تمرّد امرأة بعد خضوع وإغلاق باب في وجه زوج أو قيادتها السيارة بسرعة جنونية. ومع ضجيج القاعة بالتصفيق والتشجيع كان يسود جوّ من الحبور والمرح على فيلم تعاني فيه النساء.

"أبو صدام" لنادين خان، الفائز بطله محمد ممدوح بجائزة أفضل ممثل، و"سعاد" لأيتن أمين، هما الفيلمان المصريان الوحيدان في مسابقة الأفلام العربية الطويلة في مهرجان للسينما العربية. بقية البلدان العربية قادمة بقوة مع فيلم من الجزائر: "صولا" لصلاح إسعاد الذي حاز على جائزة أفضل فيلم عربي في المسابقة وجائزة التمثيل لممثلته صولا بحري، وفيلمين من الأردن مع "فرحة" لدارين سلّام الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم، و"الحارة" لباسل غندور الذي حصل على تنويه خاص من اللجنة ولكن أيضا على جائزة الجمهور، وفيلمين من تونس مع "أطياف" لمهدي هميلي الذي حاز على جائزة أفضل مخرج، و"قدحة" الفائز بجائزة أحسن سيناريو لأنيس الأسود وشيما بن شعبان، وفيلم من السعودية مع "جنون" لمعن وياسر عبد الرحمن، وآخر من لبنان مع "كوستا برافا" لمونيا عقل، وفيلم رائع من المغرب لم يفز بشيء مع "بين الأمواج" للهادي أولاد مهند، وآخر من العراق "كل شي ماكو" لميسون الباجة جي، وأخيرًا فيلم من الجولان مع "الغريب" للسوري أمير فخر الدين، وهو مخرج سيكون له شأنه في السينما العربية، على ما أعتقد.

"عضو في لجنة التحكيم برر بأنه يجب إعادة الجمهور العربي إلى صالات السينما، بما يعني أنه مع فيلم "الغريب" يثير إعجاب النقاد (فقط؟) فلا فرصة في ذلك. ولكن، أليس من أهداف الجوائز التنبيه إلى أفلام ذات قيمة تستحق المشاهدة من محبي السينما من نقاد وعارفين من الجمهور العربي؟ وهل يحتاج الفيلم التجاري للجوائز؟"

في نقاش خاص أيضًا مع لجنة التحكيم حول عدم فوز فيلم "الغريب" ولا بأي جائزة على الرغم من تميّزه شكلًّا ومضمونًا وإثارته لمشاعر وأحاسيس عميقة عبر تجديده في بناء عالم غريب لشخصية غريبة وليس عن طريق رواية قصة أو سيرة؛ عضو في لجنة التحكيم برّر ذلك بأنه يجب إعادة الجمهور العربي إلى صالات السينما، بما يعني أنه مع فيلم كهذا يثير إعجاب النقاد (فقط؟) فلا فرصة في ذلك. ولكن، أليس من أهداف الجوائز التنبيه إلى أفلام ذات قيمة تستحق المشاهدة من محبي السينما من نقاد وعارفين من الجمهور العربي؟ وهل يحتاج الفيلم التجاري إلى الجوائز؟ فأفلام الفكاهي الفرنسي لويس دو فونيس، مثلا، لم تفز بالجوائز ولم تحتج لها. وإن كان البعض يفضّل الأفلام التي تلقى إعجاب الجمهور العريض فيجب الاهتمام أيضًا بهؤلاء الذين يفضلون الأشياء المختلفة على الرغم من قلة عددهم.

لكن هناك أفلام تجمع كل أنواع المشاهدين، كفيلم اللبناني جورج هاشم الفائز بجائزة أفضل وثائقي عربي في مسابقة الفيلم الوثائقي. في الفيل- "لولا فسحة المترو"- حنين وحب وحميمية في توصيله مشاعر أفراد فنانين بنوا عرضًا مسرحيًا غنائيًا "هشّك بيك" تواصل عرضه في بيروت سبع سنوات وكان مساحة حلوة فرحة ومبهجة ينسون فيها كل شيء مع الجمهور ليعود بعدها كل إلى مشاكله في لبنان المتعب. يبدو أن الوثائقي اللبناني يفرض نفسه على عالم الوثائقي العربي بأهميته وبحثه عن الشكل والمضمون معًا، كما يمكن لمسه في الفيلمين المشاركين أيضًا من لبنان، "فياسكو" لنيكولا خوري، و"السجناء الزرق" لزينة دكاش. من مصر جاء "من القاهرة"، وثائقي لهالة جلال، ممتع ومؤثر بصدق مشاعر بطلاته وحرارتها عن الجسد الأنثوي الذي لا ينُظر إليه بأنه مكان خاص للروح أيضًا، وقد فاز بجائزة لجنة التحكيم. شاركت أيضًا أفلام أخرى أثبت بعضها حضوره مثل  "كباتن الزعتري" لعلي العربي، و"حلال سينما" للتونسي أمين بو خريص، و"المعلقات" للمغربية مريم عبده، و"يوميات شارع جبرائيل" عن يوميات فلسطيني خلال الحجر في فرنسا لرشيد مشهراوي.

"هناك أفلام تجمع كل أنواع المشاهدين كفيلم اللبناني جورج هاشم الفائز بجائزة أفضل وثائقي عربي في مسابقة الفيلم الوثائقي، ومن مصر جاء "من القاهرة"، وثائقي لهالة جلال، ممتع ومؤثر بصدق مشاعر بطلاته وحرارتها عن الجسد الأنثوي الذي لا ينُظر إليه بأنه مكان خاص للروح أيضًا، وقد فاز بجائزة لجنة التحكيم"

الفيلم القصير كانت له مسابقته وجوائزه المالية أيضًا، وقد فاز بجائزة أحسن فيلم "ثم يأتي الظلام" للبنانية ماري روز أسطا، فيما حصل "شيطانة" للتونسية أمل غويلاتي على جائزة لجنة التحكيم.

كانت هناك عروض أخرى واستحداث أقسام جديدة في المهرجان ونظرة على السينما السعودية التي سيكتشفها العالم العربي ومهرجاناته في السنوات القليلة القادمة، كما كان هناك لأول مرة إصدار لكتاب مع "إنغمار برغمان، عالمه، حياته وأعماله" بعين ناقد سينمائي عربي هو إبراهيم العريس.

"كانت هناك عروض أخرى واستحداث أقسام جديدة في المهرجان ونظرة على السينما السعودية التي سيكتشفها العالم العربي ومهرجاناته في السنوات القليلة القادمة"

أما الجمهور فيجب التفكير في كيفية جذبه، سواء السويدي أو العربي، الذي يشكل حوالي ربع سكان المدينة. الجمهور العربي كان يلتف حول نجوم عرب في كل مكان يراهم فيه، في الشارع، والمطعم، وهذا ربما أكثر من صالات السينما. كان هذا الجمهور الشاب المهاجر يبدي فرحة ودهشة وهو يلتقي النجوم في الخارج. وكانت لافتة هذه التجمعات حول النجم السوري جمال سليمان (عضو لجنة تحكيم الأفلام الروائية الطويلة) لأخذ صور معه. هرع عمال المطعم السوري في مالمو كل بدوره لأخذ صورة مع "الأستاذ جمال"، وهم يرونه يقف في الصفّ للدخول، وكم ترددت عبارة "نفتخر بك أستاذ قبل وبعد الأحداث"، وما كان "الأستاذ" يستعد للجلوس لإكمال طبقه حتى يقترب آخر على خجل سائلًا صورة معه، وبعد أن توافد لأخذ صور معه أكثر من ثلاثين شخصًا في المطعم بقي صحن "الأستاذ" ممتلئًا. كان كلام السوريين في الخارج بالنسبة له هو أعظم جائزة، كما قال، أما بالنسبة لنا فقد كان وجوده معنا مناسبة لتبادل أحاديث شائقة معه، وواسطة للحصول على ما هو غير مُقرّر في الوجبة: حلاوة الجبن السورية!

 

ضفة ثالثة اللندنية في

12.05.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004