ملفات خاصة

 
 
 

"قصة الحي الغربي" لسبيلبرغ.. جميل ولطيف ولا لزوم له

محمد صبحي

جوائز الأكاديمية الأمريكية للفيلم

الدورة الرابعة والتسعون

   
 
 
 
 
 
 

«قوة الكلب» و«بيلفاست» و«قصة الحي الغربي»

تتصدر سباق الترشح للأوسكار

عصام زكريا

مع إعلان جوائز الجولدن جلوب، وترشيحات «البافتا» و«اتحاد ممثلي السينما» وغيرها من الجوائز التي تسبق الأوسكار، بدأ الصراع يحتدم بين شركات الإنتاج وحملات الدعاية وأعضاء أكاديمية علوم وفنون السينما التي تمنح الأوسكار والنقاد وعشاق السينما من أجل الدعاية لأفلامهم ودعوة أصحاب الأصوات لمشاهدتها وتبادل الآراء حول مدى استحقاق هذا الفيلم أو ذاك الفنان للحصول على الجائزة أو للترشح لها.. بما أن الترشح للأوسكار في حد ذاته أصبح شرفاً وجائزة يحلم بها كل سينمائي في العالم.

دورة استعادة البريق

يقام حفل الأوسكار رقم 94 لإعلان جوائز أفضل الأفلام التي عرضت بين 1 مارس إلى 31 ديسمبر 2021، والتي يرشحها ويختارها بالتصويت المباشر أعضاء أكاديمية علوم وفنون السينما الذين يصل عددهم إلى نحو سبعة آلاف من المتخصصين في المهن السينمائية المختلفة. وكالعادة ينقسم التصويت على الجوائز إلى مرحلتين: الترشيحات أو القائمة المصغرة، ثم التصويت النهائي. يتم فتح باب التصويت للترشيحات في 27 يناير ويغلق 1 فبراير وتعلن الترشيحات 8 فبراير القادم، ويفتح باب التصويت النهائي في 17 مارس على أن يغلق في 22 مارس، لتعلن الجوائز النهائية خلال الحفل الذي تقرر عقده مساء الأحد 27 مارس القادم.

مبدئياً أعلنت الأكاديمية عن بعض التغييرات بخصوص بعض الجوائز هذا العام، منها تثبيت قائمة الأفلام المرشحة لأفضل فيلم إلى 10 أفلام. وكانت اللائحة من قبل تنص على أن يكون الحد الأقصى 10 أفلام. كذلك تتضمن التغييرات رفع عدد الترشيحات في جوائز الأفلام القصيرة (تحريك، روائي، وثائقي) إلى 15 فيلماً بدلاً من 10، ومن التغييرات الأخرى في فرع الموسيقى التصويرية تخفيض الحد الأدنى من عدد الأصوات التي يجب أن يحصل عليها المرشح من 60% إلى 35%، وفي فرع أفضل أغنية تم إضافة وضع حد أقصى لعدد الأغاني التي يمكن تقديمها للترشح عن الفيلم الواحد إلى 5 أغانٍ فقط.

الأكاديمية أعلنت أيضاً عن جوائز الأوسكار الشرفية لهذا العام والتي تتضمن ثلاثة أسماء: الممثل صامويل جاكسون، المخرجة والكاتبة والممثلة إيلين ماي والممثلة والمخرجة السويدية ليف أولمان، بالإضافة إلى جائزة جان هيرشولت للأعمال الإنسانية والتي سيحصل عليها الممثل داني جلوفر.

وبالنسبة للحفل الختامي فقد تقرر إعادة إقامته في مسرح «دولبي» في هوليوود بعد أن أقيم في المكان الغريب المسمى بالمحطة المركزية في العام الماضي بسبب ظروف كوفيد. وقد تم الإعلان أن الحفل سيتضمن مقدماً للفقرات بعد ثلاث سنوات من إقامة الحفل بدون مقدم، منذ أن اعتذر الممثل كيفين هارت عن حفل 2019 عن تقديمه في اللحظات الأخيرة، بسبب محاولة المسؤولين في الأكاديمية إجباره على الاعتذار عن عدة «تويتات» قديمة له فهم منها أنه يهاجم المثليين.

بشكل عام سيحاول المسؤولون عن الحفل هذا العام إعادة البريق الذي فقده العام الماضي، والذي أدى إلى هبوط عدد مشاهدي الحفل على شاشات البث التلفزيوني من 23.6 مليون مشاهد في 2020، إلى 10.4 مليون مشاهد فقط العام الماضي!

أقوى المرشحين للترشيحات!

من خلال مشاهدة عشرات الأفلام، ومتابعة ردود فعل النقاد والجمهور والمهرجانات والجوائز الأخرى، ومن خلال متابعة الجدل المثار حول موسم الجوائز المقام حالياً، يمكن إجراء توقع للأفلام التي ستحصل على نصيب الأسد في ترشيحات الأوسكار القادمة.

على رأس هذه القائمة أفلام Power of The Dog للمخرجة جين كامبيون، Belfast للمخرج كينيث براناه، West Side Story لستيفن سبيلبرج، Dune لدوني فيلنيوف، Licorice Pizza لبول توماس أندرسون، Coda للمخرجة سيان هيدر، وربما تشهد الترشيحات مفاجأة بتضمن اسم فيلم «لا وقت للموت»، آخر أفلام سلسلة جيمس بوند، وباحتمالات أقل اسم فيلم «سبايدرمان لا سبيل للعودة للوطن»، إذ لا تحظى هذه النوعية الشعبية التجارية بترشيحات الجوائز الكبرى، رغم أنها ترشح بالطبع لبعض الجوائز «التقنية» مثل المؤثرات الخاصة والصوت وأفضل أغنية، التي يحتمل أن تحصل عليها المغنية آديل عن أغنيتها في فيلم «لا وقت للموت»، ولكن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعانيها صناعة السينما والإيرادات الهائلة التي حققها الفيلمان سوف تشجعان الكثيرين على دعمهما.

فيما يتعلق بجائزة أفضل مخرج فإن أقوى المرشحين لها هم جين كامبيون، كينيث براناه، وبول توماس أندرسون، وبجوارهم يمكن أن نجد أسماء ستيفن سبيلبرج، دوني فيلنيوف، سيان هيدر، جوليرمو ديل تورو عن Nightmare Alley وايثان كوين عن The Tragedy of Macbeth

وبجانب الأفلام التي سترشح لجائزة أفضل فيلم وإخراج، فمن المتوقع أن تدخل أفلام عدة أخرى حلبة السباق في الجوائز الأخرى وعلى رأسها جوائز التمثيل. من الأسماء المرشحة بقوة لأفضل ممثل وأفضل ممثل ثاني بيندكت كامبرباتش وكودي سميت- ماكفي عن فيلم «قوة الكلب»، وخافير بارديم عن «أن تكون من آل ريكاردو» ونيكولاس كيج عن «خنزير» وأندرو جارفيلد عن «تيك تيك بوم» وويل سميث عن «الملك ريتشارد» ودينزل واشنطون عن «مأساة ماكبيث».

وبالنسبة لأفضل ممثلة وممثلة مساعدة نيكول كيدمان عن «أن تكون من آل ريكاردو» وكريستين دانست عن «قوة الكلب» وروث نيجا عن passing وأوليفيا كولمان عن «الابنة المفقودة» وجيسيكا شاستاين عن The tender Bar عدد من أسماء الممثلين والممثلات الشباب في «بيلفاست» و«قصة الحي الغربي».

 

الرؤية الإماراتية في

14.01.2022

 
 
 
 
 

"قصة الحي الغربي" لسبيلبرغ.. جميل ولطيف ولا لزوم له

محمد صبحي

في العام 1961، ظهر فيلم "قصة الحي الغربي" من إخراج روبرت وايز وجيروم روبنز، ومنذ ذلك الحين، حجز مكانه كأحد أفضل الأفلام الموسيقية الهوليوودية على الإطلاق. اللعب على حبكة قصة الحب المأسوية لروميو وجولييت، والإتيان بها إلى نيويورك الخمسينيات، مهّدا الطريق لأكبر نجاح في شباك التذاكر لذلك العام، واستمرّ المشوار المظفَّر بالفوز بـ10 جوائز أوسكار، بما في ذلك جائزة أفضل فيلم. لماذا إذن يتوجب على أي شخص مشاهدة نسخة جديدة من المادة نفسها؟ إحدى الإجابات هي أن النسخة الجديدة من إخراج ستيفن سبيلبرغ. إجابة أخرى هي أن ستيفن سونديم، الذي كتب الكلمات المصاحبة لموسيقى ليونارد بيرنشتاين، قد منحها ختم موافقته، قبل أن يغادرنا أواخر العام الماضي. إجابة أخرى، تتمثّل في أن هوليوود تحب معاودة "فورمات" سابقة ومضمونة النجاح، مصداقاً للمثل الأميركي الشهير القائل انه "طالما يعمل، لا تحاول استبداله".

المفاجأة الكبرى في نسخة سبيلبرغ من "قصة الحي الغربي"(*) ليست أن المخرج الذي لم يسبق له إخراج أي فيلم موسيقي من قبل، يتجرّأ في تجربته الأولى في هذا النوع للتصدّي لإحدى الكلاسيكات الهوليوودية، فقد احتوى العديد من أفلامه السابقة على فقرات كوريوغرافية، سواء شملت موسيقى ورقصات أم خلت منهما. الجديد هو أن سبيلبرغ يوقّع ميوزيكال ينفر من كل خيال وفانتازيا. فاختياره "قصة الحي الغربي" - ثاني إعاداته الإخراجية لفيلم كلاسيكي بعد "حرب العوالم" – يأتي ملائماً لتحوّله التدريجي نحو سمت واقعي أظهره عمله منذ فيلم "إنقاذ الجندي رايان" (1998). في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. واستطاع الكاتب المسرحي آرثر لورنتس، والشاعر ستيفن سونديم، ومصمم الرقصات جيروم روبينز، والموسيقي ليونارد برنشتاين - الذين انضم إليهم المخرج روبرت وايز من اجل إنجاز الفيلم الأيقوني – التحايل على محاذير زمنهم وسرّبوا شيئاً من الواقع الأميركي عبر كوة النوع السينمائي (الميوزيكال) الرائج وقتذاك: العرق والطبقة. يذهب سبيلبرغ أبعد من ذلك ويمدّد الواقعية إلى شكل الفيلم ذاته، دامجاً الموسيقى في حقل سينمائي يبدو عسيراً على تلك المقاربة.

كما أسلفنا، أعادت لعبة الرباعي كتابة مسرحية روميو وجولييت، مبدّلين عائلتي مونتاج وكابوليتس في حكاية شكسبير، بعصابتي الغيتس والشاركس في ضواحي نيويورك. الغيتس هم "السكان المحليون"، أبناء أو أحفاد المهاجرين البيض من الطبقة المتوسطة الدنيا. الشاركس هم من الجيل الأول أو الثاني من المهاجرين البورتوريكيين. عندما يقع توني، العضو السابق في الغيتس، في حب ماريا، الشقيقة الصغرى لبرناردو، زعيم الشاركس، تُزرع بذرة المأساة. استخدام النوع السينمائي الترفيهي لتقديم مأساة، وليس كوميديا ​​موسيقية، كان إحدى الثورات التي أطلقتها "قصة الحي الغربي". تقديم وجهة نظر المهاجرين ذوي البشرة الداكنة شكّل واحدة أخرى من فضائل لورنتس ورفاقه، ناهيك عن كلمات الأغاني التي بدلاً من الحب والأحلام كانت تشير إلى الدعارة والجريمة وإدمان الكحول و"تعاطي المخدرات". أيضاً، تقديم شخصية أنيبوديس، الفتاة التي ترتدي وتتصرف مثل الصبيان، وتقاتل من أجل مكانها في العصبة الأخوية الرجولية للغيتس. "تفاصيل" تغاضت عنها هوليوود في أعقاب قانون هايز الرقابي، ربما لأنه كان فيلماً ضخماً وخلفه أسماء كبيرة.

لا يحظى سبيلبيرغ بسمعة طيّبة في نطاقنا العربي، في ضوء مواقفه السابقة والمعلنة من إسرائيل والقضية الفلسطينية، لكنه في ما يخصّ الشأن الأميركي تبقى آراؤه أقرب إلى التقدّمية والاعتدال الوازن. بإدراك لما يفعله من إعادة تقديم عمل كلاسيكي يتناول قضايا غير محسومة إلى الآن، مثل العنصرية والشوفينية المناهضة للمهاجرين، ظلّ سبيلبرغ وكاتب سيناريوهاته المعتمد توني كوشنر ("ميونيخ"، "لينكولن") مخلصين بشكل أساسي للعمل الأصلي، مسرحية آرثر لورنتس التي قدّمها في برودواي العام 1957، بقدر إخلاصهم للكوريوغرافيا الأصلية لجيروم روبنز. لكنه، وبطريقة ما، ينتهي إلى ما بدأ منه.

على سبيل المثال، كان من الممكن أن يدور أحداث "قصة الحي الغربي" في أميركا ترامب، فكرة جذابة للغاية، ومختلفة جذرياً. لكن سبيلبرغ وشريكه فضّلا اتباع نهج أكثر حذراً: ما زالت القصة تدور أحداثها في نيويورك في أواخر الخمسينيات من القرن الماضي. الشيء الوحيد الجديد في الواقع هو الخلفية التاريخية، التي تتابع حرب العصابات ذات الصبغة العرقية وصولاً إلى البؤس المعمّم المفروض على سكانها الملوّنين. في ذلك الوقت، نُفّذ العديد من عمليات المصادرة القسرية بين شارعيّ 60 و72 في مانهاتن، في سياق عمليات "التطوير العمراني" gentrification. النازحون فقدوا منازلهم، ما أدّى إلى توترات بين كل أولئك المضطهدين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين لتشارك منطقة صغيرة مع مَن يقاسمهم فيها. يبدأ الفيلم بلقطة طويلة لمشهد هدم تلك البنايات، ليستعيدها في التترات الختامية عندما تتقاطع الجبهات الحجرية مع ظلال غروب الشمس.

ميلانكوليا جميلة، بالطبع، لكنها لا تكاد تذكر التغييرات المتبقية التي أجراها سبيلبرغ وكوشنر. ما يعتقد الاثنان أنه ابتكارات رائدة قد يبدو وكأنه لمسات خفية لعامة الناس. على سبيل المثال، في هذا الإصدار أضيفت ريتا مورينو، التي فازت بجائزة أوسكار أفضل ممثلة مساعدة عن نسخة العام 1961، وهي الآن تظهر مرة أخرى في دور مهاجرة تمكنت من الاندماج، من دون التخلّي عن أصولها البورتريكية. أيضاً، مراعاةً للنوستالجيا الصائبة سياسياً، أزيلت مقاطع النصّ الإشكالية، كشطر الأغنية الذي تصف فيه امرأة بورتوريكية جزيرتها الأصلية بأنها "ملاذ قبيح للأمراض الاستوائية، ولم يعد هناك رجال بيض مصبوغون باللون البني لتأدية أدوار اللاتينيين، أو الحديث بالإنكليزية مثل "العملاء الحُمر"، بلغة ذلك الزمان.

كل هذا يكشف احتراماً كبيراً للشخصيات والممثلين والمجتمع اللاتيني والجمهور. لكن يبقى فيلم سبيلبرغ أكثر تأدباً واحتشاماً - في سياق عصره - من المسرحية الأصلية العام 1957 ونسخة الفيلم المبتكرة العام 1961. من ناحية أخرى، لا يوجد ما يُشكى منه في الغناء والرقص. قامت الممثلة الرائعة ريتشيل زيغلر، التي كان عليها الفوز في اختبارات الأداء ضد أكثر من 30 ألف متنافسة، بعمل باهر. لذلك لا يمكن وصف الفيلم الموسيقي الأول لستيفن سبيلبرغ بالفشل. بدلاً من ذلك، هو تحفة بصرية متينة، وإن افتقر إلى الشجاعة والابتكار الخطابي. فيلم لطيف جداً، وجميل جداً، وكلاسيكي جداً، ولا لزوم له على الإطلاق.

(*) يُعرض حالياً في الصالات.

 

المدن الإلكترونية في

13.01.2022

 
 
 
 
 

"لا تنظر إلى الأعلى"... قبل أن نخسر كل شيء

سلام أبو ناصر

لا جدوى من معاداة الطبيعة. يدرك الإنسان هذا. لكن الطبيعة لها سلوك وأسرار. التكيف معها، والمحاباة بوسائل ناجعة تحقق التوازن مطلب وجودي. التكنولوجيا المساهم الأكبر في هذا التوازن. والدول صاحبة الامتياز والعلوم تملك في يدها صولجان زيوس. وعليه، تقرر شكل هذه المحاباة.

"لا تنظر إلى الأعلى"، عنوان حركة مناهضة، وليس عنوانا لفيلم فحسب. العلم في مواجهة الجهل. الشغب في مواجهة الأمل. والجمهوري في مواجهة الديمقراطي. كلها سياقات وتضادات.

يعرف آدم ماكاي كيف يسحب هذه المتناقضات داخل كاميرته. وإن كان يكرر ما يستمتع بصناعته دائماً، كما في فيلمه "ذا بيغ شورت" (2015)؛ فالموضوعات شكلية دائمًا، والإشكالية مربط الفرس. هنا نيزك ضخم سيدمر الكرة الأرضية بعد أشهر. وعلى مكتشف الحدث، الطالبة الجامعية كيت ديبياسكي (جينيفر لورانس)، وأستاذها في جامعة ميشيغين البروفيسور راندل ميندي (ليوناردو ديكابريو)، التوثيق والتوضيح والتدبير. هذه قصة شكلية. نمطية ومكررة في السينما. الإشكالية في خط الأحداث. صراع البطلين مع المسؤولين النافذين والإعلاميين ومع أنفسهم. إحدى حلقات هذه الإشكالية تكمن في السخرية اللاذعة من شخصيات كرتونية من قبل قريناتها. فوضى خلّاقة في زمن ليس مثالياً إلا في نظر النُخب، والشعب الساذج كما يقول دوركهايم "يسير في موجة الجموع كالحصاة المتدحرجة تلم معها كل شيء". لكن في عالم السياسة، لا بد من انقسام. لا بد من كذب وصدق، والناجي ليس هو الشعب، حتى وإن نال نصيبه في الفيلم.

المواجهة بين راديكالية العلم والسياسة مواجهة خطيرة وحساسة. الحسم فيها للأقوى وليس للأصلح. هذه نتيجة تحاول أن تكون واقعية من منظور مكاي، كحال الشخصيات وتطورها. والفساد المتفشي جزء من هذه الواقعية. هو ليس مرتبطًا بجشع شركات التكنولوجيا فحسب، مثلما رأينا في دور بيتر (الممثل مارك ريلانس)، رئيس مجموعة "باش" للاتصالات. وهو نموذج عن الذراع المادي للجمهوريين في الولايات المتحدة. أي يملك في يده صولجان زيوس في المسائل الحساسة العالمية، وليس فقط الداخلية (كالانتخابات الرئاسية).

الفساد لا يتجنب مفهومه الأخلاقي، بقدر ما يحابيه وجدانيًا، في عقل البروفسور المكتئب، المنهزم والقلق. لتكون منصات الإعلام بوابته للملذات وللاستمتاع بسلطة التأليب. تدوير الرأي والتأثير الأخلاقي على الشعب. توزان فيه نزوة امرأة إعلامية (كيت بلانشيت بدور بري)، تسيطر على حياته ومبادئه لمدة.

لغة العصر حاضرة بقوة. كأننا نعيد حديث كونديرا في روايته "البطء" (1995): "سيدي العزيز، إننا لا نختار العصر الذي نولد فيه، فنحن جميعًا نحيا تحت عدسات الكاميرا، وهو ما أصبح الآن فصاعدًا جزءًا من الشرط الإنساني، حتى عندما نشن حروبًا، نخوضها تحت عدسات الكاميرا. وعندما نريد أن نحتج على شيء ما، لا نوفق في سماع صوتنا من غير كاميرا".

والحقيقة أن منصات التواصل الاجتماعي لها اليد الطولى في تهميش المتغيرات الحقيقية، لا توثيقها. هذه نتيجة أخرى يراد وسمها أيضًا في فيلم مكاي. فالحياة الجدية والمواضيع المصيرية لكبار العلم والدولة، لا للشعوب المسحوقة ذهنيًا. المهتمة بطلاق مغنين مراهقين أكثر من سقوط مذنب. هذا المذنب في واقع سينمائي مشكلة خارجية، وفي واقع البشرية احتباس حراري وتغير مناخي سينهي الوجود البشري. هي ذي رسالة الفيلم. دعوة لليقظة والوعي. هجاء لسلوكيات القادة والإعلاميين. انجراف نحو الطاقة البشرية التي تملك كل الإمكانيات لمواجهة مخاطر الطبيعة والتي سببها الأول الإنسان. الإنسان المتبجح بإمكانياته العلمية والتقنية، فنسي وجوده وضميره واستعاض عن نجاته بالذهب والمعادن النفيسة على ظهر المذنب، فتنتهي البشرية.

تتنبأ شركة باش بموت ميندي وحيدًا، وهذا ما لم يحصل. بينما تنجح توقعاتها بموت رئيسة أميركا جاني أورليان (ميريل ستريب)، الترامبية الشكل والمقصد، على يد مخلوق (البرونيتروك) الفضائي.

هذه مقاربة مقصودة، يتركنا مكاي لنختبر فيها معضلات العصر، ونفسرها بناءً على ما نتمتع به من خبرات علمية وصلت حدودًا واسعة. هل التكنولوجيا جيدة أم سيئة لخدمة البشرية عند الأزمات؟ هل هي نعمة أم نقمة؟ مطلقة أم محدودة؟

أسئلة عديدة متراكمة، في عمل متراكم، يركز على قضايا عديدة، منها ما يسطّح الانفعال الوجداني في نسيج المجتمع الأميركي، ومنها ما يشدد على تعويم الفلسفات الرأسمالية وطرحها كنتيجة حتمية، متغلغلة في الصميم السياسي والاجتماعي للولايات المتحدة الأميركية. وخير دليل على ذلك، ما نراه مكتوبًا على حجرات التبريد العميق في المركبة الرئاسية الناجية في الكوكب الجديد (مصرف إنتر بنك – تكسيكون للنفط – جماعة "فاندال" للضغط).

 

####

 

"ذا باور أوف ذا دوغ" و"هاوس أوف غوتشي" يتصدران الترشيحات لجوائز "ساغ"

(فرانس برس)

تصدّر فيلم "ذا باور أوف ذا دوغ" The Power of the Dog، للمخرجة جين كامبيون، والعمل السينمائي الدرامي "هاوس أوف غوتشي" House of Gucci، الأربعاء، الترشيحات لجوائز "نقابة ممثلي الشاشة في هوليوود" SAG Awards، التي تشكل عادة مؤشراً رئيسياً في السباق إلى حفل توزيع جوائز "أوسكار".

نال "ذا باور أوف ذا دوغ" هذا الأسبوع جائزة "غولدن غلوب" لأفضل فيلم درامي، كما حصل أبطاله ــ بيندكت كامبرباتش وكيرستن دانست وكودي سميت-ماكفي ــ على ترشيحات لجوائز "ساغ".

غير أن منافسي فيلم جين كامبيون يمكنهم أن يتنفسوا الصعداء، إذ إن العمل لم يحصل على ترشيح في الفئة الرئيسية لـ"أفضل طاقم".

عُرض فيلم "ذا باور أوف ذا دوغ" الذي يروي قصة شقيقين متناحرين في ولاية مونتانا في عشرينيات القرن الماضي، لأول مرة، في "مهرجان فينيسيا السينمائي" في سبتمبر/أيلول الماضي، وفازت على أثره كامبيون بجائزة أفضل مخرج.

واجتذب الفيلم منذ ذلك الحين تعليقات حماسية كثيرة، كما طُرح على "نتفليكس"، وعُرض فترة محدودة في الصالات السينمائية.

وتغاضى القائمون على هذه الجوائز عن التعليقات الساخرة التي طاولت لكنة جاريد ليتو الإيطالية، مرشحين إياه إلى جائزة أفضل ممثل مساعد في "هاوس أوف غوتشي" الذي أخرجه ريدلي سكوت. يضم الفيلم بين ممثليه النجمة ليدي غاغا وأسماء كبيرة أخرى، بينها آدم درايفر وآل باتشينو.

ونال "ذا باور أوف ذا دوغ" و"هاوس أوف غوتشي" ثلاث ترشيحات لكل منهما.

كما ضمت قائمة الأعمال المرشحة للفوز بجائزة أفضل طاقم ــ الموازية لفئة أفضل فيلم في جوائز "أوسكار" ــ "بلفاست" Belfast و"كودا" CODA و"دونت لوك أب" Don’t Look Up و"كينغ ريتشارد" King Richard.

يُنظر إلى جوائز "ساغ"، التي يصوت عليها الممثلون، على أنها مؤشر قوي على الاتجاهات في جوائز "أوسكار"، إذ يشكل الممثلون أكبر مجموعة من نحو 10 آلاف ناخب لجوائز "أوسكار" في أكاديمية فنون السينما وعلومها.

سيكشف عن الفائزين بجوائز "ساغ" في سانتا مونيكا، في ولاية كاليفورنيا، في 27 فبراير/شباط، قبل شهر واحد بالضبط من حفل توزيع جوائز "أوسكار".

وعلى الجانب التلفزيوني، أعلن القائمون على جوائز "ساغ" عن خمسة ترشيحات لكل من "ساكسيشن" Succession و"تيد لاسو" Ted Lasso.

 

العربي الجديد اللندنية في

13.01.2022

 
 
 
 
 

"لا تنظر إلى الأعلى"... ففي أي اتجاه ننظر؟

باسل ف. صالح

يكتفي فيلم (لا تنظر إلى الأعلى Don't Look Up، إخراج آدم مكاي) بطرح الكثير من الأسئلة والإشكاليات المفتوحة، والتي لا يجيب عن أي منها بشكل وافٍ. وهو يطرح في آخره، وبعد مرور أسماء المشتركين في العمل، نهاية كلاسيكية خلاصية لم يستطع العقل البشري عمومًا، وعقل المخرج والكاتب، تخطيها. من دون أن نغفل أنها، لربما المرة الأولى التي ينتهي فيها العالم، يتعرض للدمار الشامل، في فيلم ما، حيث يرتطم المذنّب بالكرة الأرضية، وذلك على خلاف كافة المحاولات الأميركية الخلاصية المستمرة التي تتبدى حين يستطيع أحدهم، مخلّص ما، ابعاد كأس النهايات عن النوع البشري.

لقد عادتْ اللحظة الخلاصية فظهرتْ في هذا الفيلم على شكل بقاء أحدهم حيًا، بما معناه أنه خلاص متأخر إلى ما بعد اللحظة الأخيرة وتحقق النهاية. وهو ما يوحي وكأنها بداية جديدة. فهل بقي ابن الرئيسة الأميركية وحده بعد فناء الكوكب؟ هلى نجا أحد ما غيره (يفضّل أن تكون امرأة) ليبقى النوع، فتكتمل شروط القراءات التفاؤلية الايجابوية، التي هيمنت على امتداد تاريخ الثقافات البشرية؟

هذه الأسئلة التي تُطلق على الفيلم مباشرة، أما في شكل غير المباشر، فالسؤال هو: جديًا، في أي اتجاه ننظر؟ فإذا نظرنا إلى الاعلى سنشاهد المذنّب من دون أي قدرة على تغيير حتمية ارتطامه؛ وإذا لم ننظر إلى الأعلى، لن نستطيع تغيير هذه النتيجة، لكن سيضاف إليها نتيجة أخرى قائمة على فكرة أننا سنموت بلا مشاهدة. فما العمل هنا؟ ما قيمة النظر في هذه الأحجية؟

يتمحور الفيلم حول فكرة المصيدة - الفخ، المتبدية في الحلقة المفرغة الناجمة عن عدم القدرة على الاتيان بأي حركة، وأي فعل، بأي اتجاه كان. فالفيلم هو تكثيف لرواية الأسر داخل ثلاثة أنماط مؤسساتية مهيمنة على المشهد، وتعكس توجهين وسلوكين:

1-     مؤسستان تنظران إلى الأسفل، بعين المصلحة الضيقة، ويسيطر على رؤيتيهما الخفة واللامسؤولية والكثير من البديهيات، فتشيحان نظرهما عن الخطر الحقيقي تجاه أهداف فرعية وأقل ضرورة في لحظة الخطر العظيم. سواء من ناحية المؤسسة السياسية التي تكثف نظرتها باتجاه معيار أوحد، وهو تحقيق بعض المكاسب في النظر إلى إشكاليات السلطة وضروريات الهيمنة الصغيرة والفرعية والسطحية أمام هكذا حدث (أليست السياسة هي كذلك بالتعريف؟). والمؤسسة الإعلامية الملحقة بالمؤسسة السياسية، التي تمعن في تكريس توجه السلطة، فتصب جلّ اهتمامها في تشتيت تركيز الناس المعنيين، وتحويله ناحية البحث عن سكوب ورايتينغ، على الرغم من خطورة اللحظة، ومن جلل الحدث.

2-     المؤسسة الثالثة، أي الاكاديمية، التي تنظر إلى الأعلى، فتضيء على المشكلة، لكنها اضاءة عقيمة لا تستطيع تخطي حقيقة وقوفها على مستوى الملاحظة دون القدرة على ترجمتها في سلوك عملاني، ولا على اتخاذ اي خطوة متقدّمة في هذا الاتجاه. بما يعني قصورها عن تأدية أي من الأدوار الرئيسة في أي منظومة، لا بل تبدي انتهازيتها في التحاقها بالسلطة حين يمكنها ذلك، او تبدي الهيمنة العبثية عليها في حال ذهبت إلى أقصى حالاتها الراديكالية. أما في الخارج، فهناك مجتمع يعيش على مشاهدة ما تقدمه المؤسستان المهيمنتان (السياسية والاعلامية)، ظلال الأمور كما في أسطورة الكهف بنسختها الأفلاطونية. وما يعزز هذه القراءة هو جدل الأعلى والأسفل: الجدل الأعلى عند أفلاطون، أي الارتفاع إلى التفكير في الحقيقة من خلال التفكير بالتصورات وصولًا إلى المثل، والجدل الأسفل بالعودة إلى المصاديق الواقعية لرؤية مدى قربها وبُعدها من تلك المثل.

وما يكرس هذا التعزيز هو إفلات احد الجماهير من قوالب وأغلال السلطة (الفيلسوف في رواية أفلاطون)، والتفاته إلى الأعلى (الخلف عند افلاطون) ليرى الأمر على حقيقته، بعد أن يشيح نظره عن الظلال التي تمحور السلطة خطابها الكاذب حولها (في الفيلم، هو أول من ينظر إلى الأعلى في لحظة تجمهر الناس للاستماع إلى نجل الرئيسة الأميركية، فيرى أن المذنّب قد دخل المجال الجوي فعلًا، وأن السلطة السياسية التي تأمر الناس بعدم النظر إلى الاعلى تكذب). لكن المشكلة هي أن النفس الخلاصي هذا، في هذه الجزئية، هو نفس لا يقدّم ولا يؤخّر أيضًا، لا يستطيع تسجيل أي انتصار، ولو وهمي، ولو جزئي، في هذه المعركة. ففي أسطورة أفلاطون يتأسس الخير على تطابق المعرفة والسلطة في شخص هو الفيلسوف، أما في الفيلم فالمعرفة والسياسية على نقيضين لا يلتقيان إلا حين الحاجة، حاجة السلطة بكل تأكيد.

فأين ننظر إن كان الأعلى صادقًا لكنه مرعب، وإن كان الأسفل مبهجًا لكنه مزيَّف؟

لربما أجاب سقراط في غابر الأزمنة عن مثل هذا السؤال، حيث أعاد موضعته بطريقة مغايرة، فكانت النتيجة هي أن ننظر إلى الداخل، إلى أنفسنا. انطلاقًا من المقولة الشهيرة لعرافة معبد دلفي: اعرف نفسك بنفسك. لربما هذه الاجابة هي التي تتماهى مع الإجابة الاخلاقوية التي طرحها الفيلم في نهايته ما قبل الرسمية الخلاصية، سواء لناحية العودة إلى الدين، أو تحقيق القيم، أو لناحية التماسك الأسري في العشاء الأخير

إلا أن الأحجية تبقى على حالها مرة جديدة، أين ننظر فعليًا؟ لا بل تتقدّم إلى الأمام لتصبح أكثر إلحاحًا: هل هناك من مكان ننظر إليه؟ أو هل من المفترض أن ننظر في اتجاه ما، على اعتبار أنه المنظور الذي يحمل، بشكل من الأشكال، الخلاص؟

والنفس الخلاصي في هذه الحالة يفتح سؤال الواقعية، أيضًا وأيضًا. فهل يبقى الشيء على حاله إذا قررنا إشاحة النظر عنه، بما يعني بقاء خطر المذنّب قائمًا؟ أم ينتهي، بلاحتمية مطلقة، كأن يختفي ويزول، لأن شرط شروط الشيء هو ملاحظته؟

هنا يأتي دور التكنولوجيا التي لم تحقق إلا هدف ردف السلطة بإمكانات السيطرة، السيطرة المضاعفة، على المواضيع، على الطبيعة، على الإنسان، سيطرة على ما في الأرض وما سيأتي من السماء، بهدف الاستفادة منه ولو كان خطرًا داهمًا سيؤدي إلى هلاك. فالتكنولوجيا سقطت أمام هدفها أيضًا، ولم تستطع تحقيق سوى مخرج واحد، ارتبط بمجموعة محدّدة من الناس، لكنه بقي مخرجًا مؤقتًا سقط أمام المجهول، كما سقط في السابق أمام غاية التحرير التي وجِدت من أجلها؟ ما يعني في الفيلم، مرة جديدة، سقوط الإجابة، وعدم قدرة النهاية على تحقيق نهايتها.

هذه وغيرها من الأسئلة المفتوحة التي يطرحها الفيلم من دون أي اجابة منتهية، وفي هكذا انسداد لربما ينبغي تغيير السؤال، كأن يصبح: لماذا ثمة إجابة؟ أو لعلنا نطرح السؤال الخاطئ، بحيث يتوجب العودة قليلًا إلى الخلف، إلى السؤال حول سبب الخلاص وجدواه، فيكون العبث سيد الموقف، عبث يحتم أن ينهي عبث الإنسان في هذا الكون، عبث على شكل أحجية، عبث على شكل نهاية مغلقة يصل الفيلم والمشاهد والإنسان إليها، وهي المصيدة التي تغلق على رقبته كجرذ دخيل في المكان.

 

المدن الإلكترونية في

14.01.2022

 
 
 
 
 

مرشحون بارزون في سباق نقابة الممثلين وآخرون مُغيّبون

بينهم شاستين وبن أفلك وليدي غاغا

لوس أنجليس: محمد رُضا

إلى سنوات قريبة كانت هناك ثلاث مناسبات يطمح الممثلون والممثلات الحصول عليها في موسم الجوائز الحالي.

هذا العام، هناك مناسبتان فقط بعد انحسار الاهتمام بجوائز «هوليوود فورِن برس» الشهيرة بـ«ذَا غولدن غلوبز» هما تلك التي توزعها جمعية الممثلين المعروفة بـ«أكتورز سكرين غيلد» وجوائز الأوسكار ذاتها المنتمية إلى «أكاديمية العلوم والفنون السينمائية». الأولى شهدت دورتها الـثامنة والعشرين والثانية ستشهد دورتها الرابعة والتسعين.

قبل يومين تم الإعلان عن المرشحين والمرشحات لجوائز جمعية الممثلين، التي ستعلن نتائجها يوم السابع والعشرين من فبراير (شباط) المقبل، مما يلقي الضوء على الاحتمال الكبير لتكرار أسماء الفائزين بالترشيحات الرسمية عندما تُعلن الأكاديمية ترشيحاتها في الثامن من الشهر المقبل. أحد أسباب ذلك هو أن الأسماء المعلنة تنتمي إلى مجموعة من الأفلام التي سيتكرر ظهور العديد منها في ترشيحات الأوسكار. سبب آخر، أن العديد من مرشحي «أكتورز سكرين غيلد» هم أعضاء فاعلون في الأكاديمية مما يعني أنهم سيكررون التصويت لما قاموا بترشيحه هذا الأسبوع. ترشيحات هذه النقابة لا تشمل أي جوائز لا علاقة لها بالتمثيل (لا أفضل فيلم أو إخراج أو كتابة أو تصوير... إلخ) مما يزيدها تخصصاً وتميزاً وثقلاً.

- أصوات حاسمة

إذا كان ما سبق ذكره منوال متكرر من عام لآخر فإن ذلك لا يعني إنه لم يعد مثيراً للمتابعين وهواة السينما و- خصوصاً - لأهل المهنة من ممثلي الشاشتين الكبيرة والصغيرة. كذلك لا يعني عدم وجود مفاجآت مهمّة فيما تم إعلانه من ترشيحات تقسّم الجهود الأدائية التي قام بها لفيف كبير من ممثلي الشاشتين في العام السابق وإلى اليوم بين من فاز بهذه الترشيحات ومن وجد نفسه خارجها.

بعض الذين ارتفعت آمالهم بالفوز بترشيحات نقابتهم هذه فوجئوا بأنهم بقوا خارج مدارها. لا ذكر، على سبيل المثال، لكرستين ستيوارت عن دورها الذي أشاد به النقاد كثيراً في فيلم «سبنسر» الذي يروي حكاية السنوات الأخيرة من حياة الأميرة ديانا. بذلت ستيوارت الكثير لهذا الدور. لأربعة أشهر لم تفعل شيئاً سوى مشاهدة كل فيلم كليب للأميرة الراحلة. قرأت، حسب تصريح لها، كل ما استطاعت الوصول إليه: «عشت الشخصية بالكامل وجهدت في سبيل اتقان اللهجة. لكن في نهاية المطاف لا أعتقد أن كل ذلك كان مفتاحاً لمنح هذا الفيلم ما يستحقّه».

لم يقرأ أعضاء «أكتورز سكرين غيلد» هذا التصريح (الذي أدلت به الممثلة لمجلة «ذا هوليوود ريبورتر») قبل تصويته كونه نُشر في اليوم ذاته لصدور الترشيحات، لكنهم، وبطريقة ما، وجدوا أن ستيوارت لم تنجز المطلوب لتجسيد شخصية ما زالت تعيش بيننا رغم رحيلها.

«سبنسر» يعكس جهداً كبيراً من لدنها وجهداً مماثلاً من المخرج بابلو لاران لكن الجدين لم يلتقيا في مستوى واحد، وبدت تدخلات المخرج في دفع الخيال ليلعب دوراً في سيرة حياة واقعية مدعاة لحالة تشتت عاشتها ستيوارت خلال التصوير.

ربما حظيت بكثير من الأصوات لكنها لم تبلغ مستوى أصوات المرشّحات الأخريات اللواتي نجحن في هذه المرحلة الصعبة والأساسية من ترشيحات النقابة. لا سبيل لمعرفة كم صوتاً نال كل ممثل أو ممثلة، لكن لائحة الممثلات المرشحات في فئة «أبرز أداء لممثلة في دور رئيسي» تعكس جهوداً مساوية، على الأقل، لإتقان أشكال التعبير في أفلام تنوّعت قصصها كما تنوّعت معالجاتها. تتصدّر جيسيكا شاستين القائمة عن دورها في «عينا تامي فاي» للمخرج مايكل شووالتر. دراما حول صعود وهبوط المبشرة الإنجليكية تامي فاي التي ازدهر حضورها التلفزيوني في السبعينات وانطفأ في الثمانينات نسبة لحياة مثقلة بالطموحات التي جمعت بين الدين والمال. هذا الأخير سريعاً ما أطاح بالأول تبعاً لفضائح مادية وأساليب عمل ملتوية في مواجهة منافسة من آخرين. لم تكن هي الوحيدة في هذا المضمار بل شاركها زوجها (أندرو غارفيلد في الفيلم) في طريقي الصعود والهبوط وكل تلك المخططات التي أودت بهما.

في حين أن شاستين ربحت جولتها في هذا الفيلم فحطّت في قائمة المرشّحات لجائزة أبرز تمثيل نسائي في دور أول نجد شريكاها في البطولة مرشّحاً في دائرته لكن عن فيلم آخر مختلف هو «تك... تك... بوم!» (Tick… Tick… Boom!) مما يدل على أن المقترعين وجدوه أفضل في هذا الفيلم الموسيقي من الفيلم الذي جمعه مع جيسيكا شاستين.

الممثلة الثانية التي يثير وجودها في خانة الممثلات المرشّحات في أدوار بطولة هي «ليدي غاغا» عن دورها اللافت في فيلم ريدلي سكوت «منزل غوتشي» House of Gucci إذا لم يكن لشيء فلجديّة تأقلم المغنية الاستعراضية المعروفة مع متطلبات التمثيل وكشفها عن موهبة أداء سبق لها وأن لفتت الاهتمام قبل عامين عندما لعبت بطولة «مولد نجمة». باقي المرشّحات هنا هن أوليفيا كولمن عن The Lost Daughter وجنيفر هدسون عن Respect ونيكول كيدمن عن Being the Ricardos وهذه الأخيرة خرجت من جوائز «غودلن غلوبز» بجائزة أفضل ممثلة في فيلم كوميدي أو موسيقي.

- وجهان معروفان

أندرو غارفيلد سيجد منافسة عنيدة من ول سميث عن «كينغ رتشارد» ودنزل واشنطن عن «تراجيديا مكبث» ومن بندكت كمبرباتش عن The Power of the Dog (اقرأ النقد أدناه) وخافيير باردم عن Being the Ricardos. بعد مشاهدة كل هذه الأفلام يميل هذا الناقد لتوقع أن تذهب الجائزة إما لواشنطن أو لكمبرباتش.

أداء بندكت كمبرباتش في «قوة الكلب» يقف على الحافة بين التكلّف والإتقان. هو دور العمر في فيلم فني الصياغة وممهور باسم مخرجة من أكثر مخرجي ومخرجات السينما تقديراً من قِبل النقاد، تشعر بأنه أراد الغوص في الشخصية لكن ليس كل من يغوص يصل إلى العمق المطلوب.

نسائياً في دائرة الأدوار المساندة نجد كيرستن دنست عن دورها في الفيلم ذاته، كذلك أريادا دبوز عن «وست سايد ستوري» وكايتريونا بالفي عن «بلفاست» وروث نيغا عن «عبور» (Passing) كذلك كايت بلانشِت عن دورها في Nightmare Alley.

بلانشِت ودنست هما الوجهان المعروفان بالنسبة للمشاهدين. أبرز غير المعروفات هنا هي أريانا دبوز التي قد يمنحها دورها في «وست سايد ستوري» فرصة مهمّة لترشيحات الأوسكار في الفئة ذاتها.

رجالياً وجود بن أفلك واحد من المفاجآت. الفضل في ذلك لفيلم «تندر بار»Tender Bar لجورج كلوني الذي ينفض عنه غبار الأعمال العقيمة التي مثّلها كما غبار المرحلة الصعبة التي أدمن فيها على الشرب، مما أثر على اختياراته.

برادلي كوبر اسم شهير آخر وهو مرشّح عن «بيتزا بعرق السوس والتنافس بين هذين الممثلين سيكون وطيداً. الباقون هم كودي سميت - مكفي عن «قوة الكلب» ويارد ليتو عن «منزل آل غوتشي» وتوني كوتسور عن «كودا».

علاوة على ما سبق، هناك جائزتان خاصتان تمنحهما نقابة الممثلين واحدة في فئة الأداء الجماعي والأخرى في خانة ممثلي المشاهد الخطرة.

في القسم الأول تطرح الترشيحات التقدير لخمسة أفلام هي «لا تنظر لفوق» و«كودا» و«بلفاست» و«منزل آل غوتشي» و«الملك رتشاردس». بعض إعادة النظر ربما ينتج عنه استبعاد الأخير على الأقل.

في القسم الثاني، نجد أفلام أكشن من نوع الفيلم البوندي «نو تايم تو داي» و«انبعاث ماتريكس» وShang - Chi and the Legend of the Ten Rings وDune وBlack Widow

الملاحظ هنا أنه تم صرف النظر كلياً عن Spider - Man : No Way Home الذي هو، مثل «بلاك وِدو» و«شانغ - تشي» ينتمي إلى سينما الكوميكس.

- دور الممثل المهم

ما سبق، على أصعدة التمثيل الفردي، لا يعزز احتمالات المستقبل بالنسبة لممثل معيّن، ذكراً أو أنثى. ليس هناك الاسم الذي يشعر معه المتابع بأنه آيل بالتأكيد لنيل المزيد من الجوائز وصولاً للقمّة المتمثّلة بجوائز الأوسكار.

«وست سايد ستوري» مثال على ذلك، فالأداء هنا أهم عناصره والعديد من الوجوه التي ظهرت فيه التزمت بحرفة صعبة على صعيدي الدراما والحركة البدنية كون الفيلم استعراضياً راقصاً. لكن ما لا يعمل لصالحه هو أنه خالٍ من اسم رئيسي كما كان الحال، مثلاً، مع «لا لا لاند» أو «شيكاغو». بالتالي سيفتر الاهتمام به على هذا الصعيد على الأقل.

«بلفاست»، من ناحيته، لديه وضع مماثل. هو فيلم لافت كحال فيلم ستيفن سبيلبرغ، لكنه خال من الممثل الذي يقود الفيلم إلى الأوسكار أو يعزز حضوره. حتى وإن حظيت الممثلة الجديدة كايتريونا بالفي بتقدير نقابة الممثلين التي منحتها جائزة أفضل ممثلة في دور مساند.

بندكت كمبرباتش في «قوّة الكلب» هو الأكثر ترجيحاً في قدرته دخول سباقي بافتا والأوسكار. والفيلم ذاته يبدو آيلاً إلى الوضع نفسه. وسيستفيد الفيلم من ترشيح كرستن دنست في فئة الممثلة المساندة لكن كل هذه الاحتمالات لا تبدو قادرة على تعزيز اللجوء إلى تكهن قوي بخصوص مستقبل الفيلم ذاته. مما يبدو أكثر احتمالاً هو نجاح كمبرباتش في نيل البافتا والأوسكار معاً، خصوصاً وأن مسيرته بدأت بنيله «غولدن غلوبز» مؤخراً عن دوره في هذا الفيلم.

 

الشرق الأوسط في

14.01.2022

 
 
 
 
 

"بلفاست".. أحلام الطفولة وسط ويلات الفتنة المروّعة

هويدا أبو سمك:

بعاطفة كبيرة تمكَّنَ المخرج البريطاني ذو الأصول الآيرلندية كينيث براناه من نقل آلام الماضي التي عاشها الآيرلنديين في نهاية القرن العشرين من خلال فيلم "BELFAST" والذي يحكي عن النزاعات العرقية التي حملت معها العنف والتدمير.

الفيلم يحكي عن أسرة عاملة تعيش في بلفاست وتحديداً في عام 1969، يُفاجأ أفرادها باندلاع فتنة طائفية آنذاك بين "الكاثوليك والبروتستانت"، ويركّز الفيلم على الطفل "بادي"، الذي يجسِّد دوره الطفل الآيرلندي جود هيل بشكل متْقَن، وهو المراهق الحالم الذي يحب مشاهدة الأفلام ويتعلّق بزميلته في المدرسة "كاثرين".

قصة مُحْكَمة تركّز على يوميات الطفل "بادي" وما يفكّر فيه، وعن الصدمة التي تعرَّضَ لها بسبب النزاع الدائر حوله دون أن يفهم سبَبَهُ الحقيقيّ أو يستوعبه، بينما تحاول الأم أن تحيط أولادها برعايتها، ويفكّر الأب في الانتقال بهم إلى مكان آمن.

الواقعية في الفيلم واحدةٌ من أسباب نجاحه وترشُّحه للأوسكار، فالمخرج طرح بشكلٍ متوازنٍ الصراع الدائر آنذاك، بينما لم يُغرق المشاهد والممثّلين في تفاصيل سياسية قد تدفعه للملل أو القنوط، فهي حياة اجتماعية تقوم على أكثر من زاوية، ومليئة بالتفاصيل الجادّة والعاطفية، فالفيلم لا يخلو من الرومانسية والكوميديا التي تجعله لا يفتقد لعنصر الجاذبية.

كينيث براناه استطاع أن يخلق هذا العالم بتفاصيله الصغيرة والمهمة، نزاع طائفي يدور وسط حالة من الجدال بين الأب والأم يراقبها الطفل "بادي"، وهو يتساءل عمّا يحمله له المستقبل، وعمّا إذا كان يجب عليه أن يتجنَّب أصدقاءه "الكاثوليك"، وعمّا إذا كان له مستقبلٌ مع صديقته الكاثوليكية "كاثرين".

الكادر التصويري في الفيلم كان من أبرز أسباب نجاحه، فاختار كينيث كادر التصوير بالأبيض والأسود؛ مما أضفى على الكادرات سحراً خاصّاً أبرَزَ المشاعر والعاطفة التي تنتقل بين الطفل بادي وجدّيه، وبين الأب والأم في حالة رومانسية درامية مؤلمة استمرت طوال أحداث الفيلم.

الأداء التمثيلي للشخصيات كان مبهراً، فاستطاع الفنان "جيمس دورنان" أن يقوم بدور الأب المشتَّت الذي يغيب عن عائلته بينما يظل مشغولاً بهم، ويحاول أن يجِدَ حلّاً لمشاكله المادية ويفكر في الانتقال من "بلفاست"، بينما قدَّمَتْ الفنانة "كاتريونا بالف" دوراً جيّداً فنقلت لنا الأحاسيس الحقيقية لأمٍّ تبذل أقصى جهدها حتى تحافظ على أولادها وسط نيران الفتنة، بينما كان الزوج غائباً.

الفيلم تحدّث أيضاً عن الانتماء بمعناه العاطفي، وظهر ذلك في مشاهد الطفل "بادي" مع الجدّ والجدّة، وكذلك مشاهد الأب والأم، فبينما كان الأب يفكر في الانتقال إلى إنجلترا كانت الأم تحاول التمسُّك بالإقامة في "بلفاست"، حيث الأصدقاء والذكريات والقلوب العامرة بالحب لها ولأولادها، وفي تلك اللحظة التي عرف فيها "بادي" بقرار الانتقال بكى بشدة محاولاً التمسُّك بماضيه ذي السنوات المعدودة، وحبّه الصغير لـ"كاثرين".

النجم "سيارين هاينز" الذي قام بدور الجدّ بواقعية شديدة والنجمة "جودي دينش" كانا من أهم عوامل نجاح الفيلم، فبتلك العاطفة والحضور والكاريزما الصادقة غير المفتَعَلَة استطاعا أن يقدِّما دوريهما باقتدارٍ شديدٍ جعلهما المرشّحين الأقرب للحصول على جوائز التمثيل.

مؤلف الفيلم ومخرجه براناه استطاع أن ينقل الصورة كاملةً، فوسط هذه الصراعات توجد العاطفة والخوف وأيضاً الرومانسية التي رسمها ببراءة بين "بادي وكاثرين"، وبين "الجد والجدة"، وعبر بنا إلى عالم المراهقة من خلال أسئلة الطفل "بادي" لجدّيه عن كيفية تقرُّبه من "كاثرين".

في مشهد رائع بين "بادي"، وبين والده كان يقوم بتوديع صديقته "كاثرين"، وسأل الصبي أباه هل من الممكن أن يكون له مستقبل مع "كاثرين" رغم أنها "كاثوليكية"، ليجيب الأب أنها لو كانت حتى هندوسية أو لا تؤمن بالمسيح يمكن أن تكون ضيفةً في بيته شرط أن تكون لطيفة ومحبوبة.

الفيلم رسالة إلى كل من عاش تلك الفترة بحُلْوِها ومُرِّها، رسالة إلى كل من فرَّ هارباً، أو قرَّرَ البقاء والمقاومة، علينا دائماً أن نصارع من أجل البقاء فالحياة تستحق.

 

منصة الإستقلال الثقافية في

14.01.2022

 
 
 
 
 

فيلم "الابنة المفقودة".. عندما تلوذ الأمهات بالصمت

سمير رمان

ظهر على الشاشات الرقمية هذه الأيام الفيلم الأول للمخرجة الأميركية ماغي غيلنهال "الابنة المفقودة/The Lost Daughter" من بطولة أوليفيا كولمان. وهو فيلم درامي بسيكولوجي عن شعور الأمّ بالذنب.

الفيلم مقتبسٍ عن رواية "الابنة المفقودة" للكاتبة الإيطالية إيلينا فيرانتي، وعُرض عام 2021 في مهرجان فينيسيا السينمائي الـ78، ونال جائزة أفضل سيناريو. وفي آخر أيام السنة المنصرمة، صدرت نسخة الفيلم الرقمية للمرة الأولى. بالإضافة إلى ذلك، من المرجح أن يكون الفيلم مرشحًا قويًا لموسم العام الحالي 2022، وبالفعل رُشِّح لجائزة غولدن غلوب الأميركية في فئة أفضل سيناريو، وأفضل دورٍ نسائيٍّ أدّته الممثلة الإنكليزية، أوليفيا كولمان. كما تستحق شريكتاها في الفيلم، الممثلة الأميركية، داكوتا جونسون، والممثلة الإيرلندية، جيسي باكلي، الثناء والتقدير.

تؤدي الممثلة أوليفيا كولمان دور البروفيسور ليدا(*)، وهي امرأة وحيدة على مشارف الخمسين، تصل جزيرة يونانية بقصد الاستجمام، حالمةً بالهدوء والسلام، بعيدًا عن صخب الحياة وضوضائها. بيد أنّ الشاطئ، الذي كانت ليدا تفترش رماله البيضاء، لتنعم بأشعة الشمس الدافئة، سرعان ما أصبح يعجّ بمصطافين أثاروا على الفور ضجيجًا وصخبًا لا يطاق. غضبت ليدا في بادئ الأمر، ليتحوّل غضبها رويدًا رويدًا إلى اهتمام وفضول. راحت تتفحّص سيدةً شابة (داكوتا جونسون)، وابنتها الصغيرة. بعد قليلٍ، جرى التعارف بين أفراد المجموعة وليدا، التي بدت مستعدّةً لإخبار الجميع بأنّ لديها أيضًا ابنتين راشدتين، وستكرر اسميهما وعمريهما لكلّ من يبادرها في الحديث، بدءًا من صاحب النزل اللعوب (إدّ هاريس)، وانتهاءً بتلك الأمّ اليافعة جدًا، وقريبتها التي لا تزال حاملًا (داغمارا دومينتشيك). سيغدو واضحًا ومفهومًا من حديثها أنّ حياتها لم تكن سلسةً في كلّ شيء، وذلك سيتّضح من خلال نبرات صوتها، وتعمّدها من وقتٍ لآخر التوقف عن سرد قصتها، إذ ستخبر هذه المرأة بنبرةٍ تكاد تكون شامتةً، ولكنّها ممزوجة بالمرارة، زميلاتها "الأمهات الأصغر" عن أعباءٍ لا تطاق ستحملها الأمومة القادمة إليهنّ.

"رُشِّح لجائزة غولدن غلوب الأميركية في فئة أفضل سيناريو، وأفضل دورٍ نسائيٍّ أدّته الممثلة الإنكليزية، أوليفيا كولمان"

هنا تبدأ ذكريات الماضي تسدّ فجوات القصّة عبر لقطات فلاش باك، تظهر فيها ليدا الشابّة (باكلي) مشغولةً مع فتياتٍ صغيراتٍ، ومع بناتها، وهي تحاول عبثًا الجمع بين واجبات الأمومة من جهة، وبين مسيرتها الأكاديمية كمترجمةٍ وناقدةٍ أدبية، وشغفها الشخصي، الذي يدفعها إلى الهروب من روتين الأعمال المنزلية.

باختيارها رواية فيرانتي، تأخذ المخرجة غيلنهال على عاتقها مسألةً ملحّةً، ولكنّها ليست بالبسيطة، ألا وهي صنع فيلمٍ سينمائي ليس فقط عن النساء، ولكن عن الأمّهات والأمومة بشكلٍ عام، وخاصّةً عن جانب المسألة المظلم، الذي لا يتم تناوله ونقاشه، كقاعدةٍ عامّة. العبارة البديهية "أنا أمّ" أكثر حضورًا من العبارة "أنت أمّ"، فهي تملي على المرأة أن تتنازل عن حقّها بارتكاب خطأٍ إن أظهرت مشاعرها السلبية، كالتعب والغضب والتهيّج، وما يتبع ذلك من أفعالٍ خطيرة مميتة. البطلة كولمان، المسماة على اسم الأسطورة اليونانية القديمة ليدا، التي تجسّد مثال الأنوثة والأمومة، تدحض هذا المفهوم السائد، وتحمل على كاهلها طوال الوقت عبء الخطيئةٍ التي ارتكبتها، محاولةً تبرير نفسها.

"ستخبر المرأة بنبرةٍ تكاد تكون شامتةً، ولكنّها ممزوجة بالمرارة، زميلاتها "الأمهات الأصغر" عن أعباءٍ لا تطاق ستحملها الأمومة القادمة إليهنّ"

لعبت أوليفيا كولمان دور الارتباك الطفولي بمهارةٍ شديدة، وفي الوقت ذاته بدت الشيخوخة والعصبية والغضب طباعًا متأصلة في شخصيتها، لتجعل المشاهد يشعر أحيانًا بعدم الراحة وهو يشاهدها، فهي تثير غضبًا لا إراديًا مع كلّ حركة سخيفة شريرة تقوم بها، ومع كلّ تعبيرٍ يرتسم على وجهها. يؤدي بحثها في أسباب انهيارها الجذري إلى عودتها إلى فترة الصبا، التي لم تكن أقلّ عصبية وتوترًا، حيث قامت بدورها في تلك الفترة الممثلة جيسي باكلي (التي دخلت الدور بصورةٍ مذهلة، وكأنّ المرأتين خلقتا لتبادل الأدوار في أزمنةٍ وأعمارٍ مختلفة)، والتي كانت الدموع تنفر من عينيها بتواترٍ مريب.

المشهد الأول المأخوذ في واقع الأمر من نهاية الفيلم، حيث تظهر امرأةٌ ممددة بكامل ملابسها على رمال الشاطئ، يربك المشاهد، ويدفعه إلى الاعتقاد أنّه أمام فيلمٍ من أفلام الإثارة والتشويق، فيتحفز يرقب ظهور محققٍ ما. ولكن نبرة الفيلم وإيقاعه يتلاشيان بسرعةٍ ليختفيا نهائيًا، ومن المحتمل أن يتحول الأسلوب السينمائي هنا إلى دراما نفسية. ليس من الصعب أن يضبط المشاهد نفسه وهو يدين البطلة، وبالتالي يؤكّد وجود بنيةٍ اجتماعية متجذرةٍ في عقله الباطن تدفعه إلى إدانة تصرفاتها. الأصعب من ذلك مشاهدة الفيلم من دون رفض أفكاره، ومحاولة فهمها وقبولها. بالطبع، ليس قبول كلّ شيءٍ، ولكن أقلّه إقرار حقّ الأمّ في أن تبقى إنسانًا، وأنّها ليست مجرد وظيفة، وكذلك حقّها في التصريح، ليس همسًا وخفيةً (كما تفعل "نينا" التي تؤدي دورها الممثلة داكوتا جونسون، التي يمكن بالكاد التعرف عليها ليس من شكلها الخارجي فقط، بل ومن خلال أدائها التمثيلي أيضًا)، بل بصدقٍ يترافق بثقة أنّها ستلقى تفهّمًا بأنّ الأمور تكون أحيانًا صعبةً على الأمّ إلى درجة لا تطاق. انطلاقًا من الإدراك بأنّ ترك الرجل للأسرة أمرٌ جديرٌ بالإدانة، ولكنّه مقبولٌ نوعًا ما، هو للأسف حقيقةٌ سائدة في مجتمعٍ يصدر بحقّ المرأة التي تترك منزلها وأولادها حكمًا قطعيًا غير قابلٍ للطعن، أو الاستئناف. وكذلك كان الأمر بالنسبة لمحاولاتها الصمود بكلّ ما أوتيت من قوة، من خلال الدخول في علاقاتٍ عابرة، ومن خلال الشكوى أمام الغرباء، أثناء الدقائق والساعات والأيام التي تكسر طوق وحدتها.
ستجد ليدا نفسها أمام أشدّ القضاة صرامةً وقسوة، ألا وهي روحها ذاتها، حتى وإن كان العقاب سيطالها في النهاية بحسب قصة الفيلم، تمامًا كما في الأساطير اليونانية القديمة. المخرجة غيلنهال لا تعفي البطلة من الذنب، فتترك للمشاهد الحكم على ماضيها وحاضرها، ولكنّها في الوقت نفسه تحظى بفرصةٍ جديدة على ما يبدو. فها هي ليدا تصحو في الصباح التالي، وتتصل بابنتها بلانكا، التي كانت برفقة أختها مارثا. سعدت الفتاتان جدًا بسماع صوت أمّهما التي اختفت فجأةً منذ بضعة أيام. بعد انتهاء المكالمة، نظرت ليدا إلى يدها فوجدت أنّها تمسك برتقالة سارعت تنزع قشرتها كاملة لتشكل منها ما يشبه الثعبان، بالطريقة نفسها التي كانت تبهج بناتها عندما كنّ صغيرات. كان الاتصال اختراقًا ليس للماضي، بل لواقع حاضرها المجهول.
هامش:
(*)
ليدا: شخصية امرأة أسطورية يونانية كانت فائقة الجمال، هي زوجة ملك إسبارطة. تمثل لها زيوس في صورة بجعة. تعدها الأسطورة اليونانية مثال الأنوثة والأمومة
.

 

ضفة ثالثة اللندنية في

15.01.2022

 
 
 
 
 
 
 

جميع الحقوق محفوظة لموقع سينماتك © 2004